مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

______________________________________________________

علي فدخل النار فأبعده الله تعالى » (١) ، وبخبر أبي بصير الآخر : « إذا ذكر النبي (ص) فأكثروا من الصلاة عليه ، فإنه من صلى على النبي (ص) صلاة واحدة صلى الله تعالى عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة ولم يبق شي‌ء مما خلق الله تعالى إلا صلى على ذلك العبد لصلاة الله تعالى عليه وصلاة ملائكته فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور قد برئ الله تعالى منه ورسوله وأهل بيته » (٢).

وفيه : أن الآية الأولى إنما تدل بإطلاقها على وجوبها ولو مرة في العمر ، ويكفي في امتثال الأمر فيها الإتيان بها في بعض التشهدات الصلاتية والآية الثانية غير ظاهرة فيما نحن فيه ، وأما النصوص عدا الصحيح فقاصرة الدلالة أو على الخلاف أدل. إذ الأول ظاهر في أن الصلاة طريق الجنة ، والثاني ظاهر في الدعاء عليه بإبعاد الله تعالى ، إذا دخل النار ، ومثله المرسل « ومن ذكرت عنده فلم يصل علي فلم يغفر الله له فأبعده الله تعالى » (٣) والأخير تضمن الأمر بالإكثار من الصلاة عليه عند ذكره الذي هو مستحب ضرورة ، وأما الصحيح فدلالته ليست بتلك المتانة ، لقرب احتمال وروده مورد الأدب بقرينة سياقه مساق الأمر بإفصاح الألف والهاء ، فالأخذ به في مقابل الإجماعات ، وظهور عدم الأمر بها ، ولا حكايتها في أخبار الأذان وظهور عدم وجودها في كثير من الأدعية والخطب وغيرها المحكية عن الأئمة الطاهرين مع ذكر النبي (ص) فيها ، وظهور جملة من النصوص في الاستحباب حيث تضمنت أن تركها جفاء‌ (٤) أو بخل‌ (٥) ، مما لا مجال له.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب التشهد حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الذكر حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الذكر حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الذكر حديث : ١٨.

(٥) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الذكر حديث : ٩ و ١٤.

٥٢١

أو ذكر عنده [١] ولو كان في الصلاة ، وفي أثناء القراءة [٢] بل الأحوط عدم تركها لفتوى جماعة من العلماء بوجوبها ، ولا فرق بين أن يكون ذكره باسمه العلمي كمحمد وأحمد ، أو بالكنية واللقب [٣] كأبي القاسم والمصطفى والرسول والنبي ، أو بالضمير ، وفي الخبر الصحيح : « وصل على النبي كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في آذان أو غيره » (١) ، وفي رواية : « من ذكرت عنده ونسي أن يصلي علي خطا الله به طريق الجنة » (٢).

( مسألة ١ ) : إذا ذكر اسمه « ص » مكرراً يستحب تكرارها ، وعلى القول بالوجوب يجب [٤]. نعم ذكر بعض‌

______________________________________________________

[١] كما صرح به في النص.

[٢] لإطلاق النص.

[٣] كما صرح به في مفتاح الفلاح ثمَّ قال : « ويمكن أن يكون ذكره (ص) بالضمير الراجع اليه كذلك » ، وعن الكاشاني في خلاصة الأذكار : « لا فرق بين الاسم واللقب والكنية ، بل الضمير على الأظهر » وفي الحدائق جزم بالاسم العلمي ، وفصل في الألقاب والكنى بين المشتهر تسميته بها وغيره ، فاختار العدم في الثاني ، واستظهر كون الضمير من قبيل الثاني ، ولا يخفي ما فيه ، فإنه خلاف الإطلاق.

[٤] لإطلاق أدلة السببية المقتضي لسببية كل فرد مستقلا ، كما هو مبنى القول بأصالة عدم التداخل. نعم لو كان المراد من الذكر النفساني مقابل الغفلة ـ كما سيأتي ـ فالمدار في التكرار تعدد الذكر الحاصل بتخلل‌

__________________

(١) تقدم في أول الفصل في الشرح.

(٢) تقدم في أول الفصل في الشرح.

٥٢٢

______________________________________________________

القائلين بالوجوب يكفي مرة إلا إذا ذكر بعدها فيجب إعادتها وبعضهم على أنه يجب في كل مجلس مرة.

( مسألة ٢ ) : إذا كان في أثناء التشهد فسمع اسمه لا يكتفي بالصلاة التي تجب للتشهد [١]. نعم ذكره في ضمن قوله : « اللهم صل على محمد وآل محمد » لا يوجب تكرارها وإلا لزم التسلسل [٢].

( مسألة ٣ ) : الأحوط عدم الفصل الطويل بين ذكره والصلاة عليه [٣] بناء على الوجوب ، وكذا بناء على الاستحباب في إدراك فضلها وامتثال الأمر الندبي ، فلو ذكره أو سمعه في أثناء القراءة في الصلاة لا يؤخر إلى آخرها إلا إذا كان في أواخرها.

( مسألة ٤ ) : لا يعتبر كيفية خاصة في الصلاة [٤]. بل يكفي في الصلاة عليه كل ما يدل عليها مثل « صلى الله‌ الغفلة ، فما دام يغفل عنه (ص) لا يجب إلا مرة واحدة وإن تكرر ذكر الاسم.

[١] لأصالة عدم التداخل.

[٢] نعم لو ذكره الغير بذلك كان مقتضى الإطلاق استحباب الصلاة.

[٣] بل هو الأظهر ، لظهور النص في الفورية ، ولا سيما بملاحظة قوله (ع) في بعض النصوص : « نسي » (١) الظاهر في أن له محلا معيناً ، وقوله : « ولم يصل » (٢) الشامل للترك في الآن الأول.

[٤] للإطلاق.

__________________

(١) راجع أول الفصل.

(٢) راجع أول الفصل.

٥٢٣

عليه » و « اللهم صل عليه » والأولى ضم الآل إليه [١].

( مسألة ٥ ) : إذا كتب اسمه « ص » يستحب أن يكتب الصلاة عليه [٢].

( مسألة ٦ ) : إذا تذكره بقلبه فالأولى أن يصلي عليه لاحتمال شمول‌

قوله « ع » : « كلما ذكرته .. » لكن الظاهر إرادة الذكر اللساني دون القلبي.

( مسألة ٧ ) : يستحب عند ذكر سائر الأنبياء والأئمة أيضاً ذلك [٣]. نعم إذا أراد أن يصلي على الأنبياء ، أولاً يصلي على النبي وآله (ص) ثمَّ عليهم إلا في ذكر إبراهيم (ع) [٤]

______________________________________________________

[١] قد سبق في التشهد ما يقتضي تعين ذلك ، فتأمل جيداً.

[٢] كأنه إلحاق للذكر الكتبي باللفظي ، ويحتمل أن يكون للمرسل في الأنوار النعمانية : « ورد عنه (ص) : من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب » (١) فتأمل.

[٣] استفادته من الخبر المذكور في المتن لا يخلو من إشكال ، من جهة أن مقامهم أعلى من مقام سائر الأنبياء على ما تضمنته الأخبار الكثيرة المروية عنهم (ع) ، وقد عقد لها في البحار باباً واسعاً ، وتشعر به الرواية المذكورة ، فإن الصلاة عليهم (ع) مقرونة بالصلاة على النبي (ص) المقدمة على الصلاة على سائر الأنبياء. ومن ذلك يظهر من وجه آخر للإشكال لأنه يلزم أن يكون ذكر أحد الأئمة موجباً للصلاة على النبي (ص) والأئمة مقدمة على الصلاة عليه ، فتأمل.

[٤] لا يحضرني ما يقتضي هذا الاستثناء إلا ما ذكره في مجمع البحرين‌

__________________

(١) نور أحوال العالم والمتعلم ، ج : ٣ الفائدة الحادية عشرة في الكتابة صفحة : ٣٧٣ الطبعة الحديثة.

٥٢٤

ففي الخبر عن معاوية بن عمار قال : « ذكرت عند أبي عبد الله الصادق (ع) بعض الأنبياء فصليت عليه فقال (ع) إذا ذكر أحد من الأنبياء فابدأ بالصلاة على محمد وآله ثمَّ عليه » (١)

فصل في مبطلات الصلاة

وهي أمور :

أحدها : فقد بعض الشرائط في أثناء الصلاة كالستر ، وإباحة المكان ، واللباس ، ونحو ذلك مما مر في المسائل المتقدمة [١].

الثاني : الحدث الأكبر أو الأصغر فإنه مبطل أينما وقع فيها ولو قبل الآخر بحرف ، من غير فرق بين أن يكون عمداً [٢]

______________________________________________________

في مادة « شيع » : « ‌روي أن النبي (ص) جلس ليلا يحدث أصحابه في المسجد فقال : يا قوم إذا ذكرتم الأنبياء الأولين فصلوا علي ثمَّ صلوا عليهم ، وإذا ذكرتم أبي إبراهيم فصلوا عليه ثمَّ صلوا علي .. ».

فصل في مبطلات الصلاة‌

[١] مر الكلام فيه فراجع.

[٢] إجماعا كما عن المعتبر ، والتذكرة ، والروض ، ومجمع البرهان ، وكشف اللثام ، وعن المدارك إجماع العلماء كافة ، وعن المنتهى ، وجامع المقاصد ، والذخيرة : نفي الخلاف فيه ، وعن شرح المفاتيح : « لعله من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الذكر حديث : ١.

٥٢٥

______________________________________________________

ضروريات الدين أو المذهب ». نعم عبارة الفقيه تحتمل القول بالصحة مع العمد ، قال : « وإن رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الرابعة وأحدثت فإن كنت قد قلت الشهادتين فقد مضت صلاتك ، وإن لم تكن قلت ذلك فقد مضت صلاتك ، فتوضأ ثمَّ عد الى مجلسك فتشهد » (١) كما أنه ربما يكون ظاهر بعض النصوص ، كصحيح الفضيل : « قلت لأبي جعفر (ع) : أكون في الصلاة فأجد غمزاً في بطني ، أو أذى ، أو ضربانا. فقال (ع) : انصرف ثمَّ توضأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمداً .. » (٢) بناءً على أن المراد الانصراف لقضاء حاجته ثمَّ يتوضأ ، وأظهر منه في ذلك خبر القماط : « سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله (ع) عن رجل وجد غمزاً في بطنه ، أو أذى ، أو عصراً من البول وهو في صلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة. فقال (ع) إذا أصاب شيئاً من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضأ ثمَّ ينصرف الى مصلاه الذي كان يصلي فيه فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ، ما لم ينقض الصلاة بالكلام. قلت : وان التفت يميناً أو شمالا أو ولى عن القبلة؟ قال (ع) : نعم كل ذلك واسع ، إنما هو بمنزلة رجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاث من المكتوبة فإنما عليه أن يبني على صلاته ، ثمَّ ذكر سهو النبي (ص) » (٣). لكن لا مجال للاعتماد عليهما في قبال الإجماعات السالفة والنصوص الآتية ، فيتعين طرحهما أو حملهما على التقية.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ج : ١ صفحة : ٢٣٣ طبع النجف الحديث.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١١.

٥٢٦

أو سهواً [١] أو اضطراراً [٢] عدا ما مر في حكم المسلوس‌

______________________________________________________

[١] إجماعا كما عن الناصرية ، وفي التذكرة ، وعن نهاية الأحكام ، ونهج الحق ، وكشف الالتباس ، والروض ، ومجمع البرهان ، وإرشاد الجعفرية بناء منهم على أن الخلاف إنما هو فيمن سبقه الحدث دون السهو وإن كان ظاهر الشرائع ، ومحكي السرائر ، وغيرهما أن الخلاف في السهو أيضاً. لكن لا يبعد ـ كما اعترف به غير واحد ـ أن المراد من السهو في كلامهم غير الاختيار ، فيختص بمن سبقه الحدث ، لظهور العبارات التي نسب إليها الخلاف في ذلك. وكيف كان فلا يظهر من النصوص ما يدل على الصحة فيه بالخصوص.

[٢] على المشهور شهرة عظيمة وعن الخلاف والمبسوط ومصباح السيد : أنه يتطهر ويبني ، وفي النسبة المذكورة إشكال ، ففي محكي الخلاف والمصباح : « من سبقه الحدث من بول أو ريح أو غير ذلك لأصحابنا فيه روايتان : إحداهما ـ وهو الأحوط أنه يبطل الصلاة ، وقريب منه محكي المبسوط ، وظاهره التوقف أو الميل الى العدم ، بل عن الخلاف أنه قال بعد ذلك : والذي أعمل عليه وأفتي به الرواية الاولى ». وكأنه يشير بالرواية الثانية الى ما سبق من صحيح الفضيل وخبر القماط الظاهرين في العمد اللذين قد عرفت الإجماع على خلافهما.

وعن المقنعة : التفصيل بين المتيمم الذي يسبقه الحدث ويجد الماء فيتوضأ ويبني وغيره ، متيمماً كان ولا يجد الماء أم متوضئاً فيستأنف. وتبعه عليه في محكي النهاية ، وعن التهذيب ، والاستبصار احتماله ، ونسب أيضاً الى الحسن وابن حمزة لصحيح زرارة ومحمد عن أحدهما (ع) : « رجل دخل في الصلاة وهو متيمم فصلى ركعة ثمَّ أحدث فأصاب ماء ، قال (ع) :

٥٢٧

______________________________________________________

يخرج ويتوضأ ثمَّ يبني على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم » (١). قال في المعتبر : « وهذه الرواية متكررة في الكتب بأسانيد مختلفة ، وأصلها محمد بن مسلم ، وفيها إشكال من حيث أن الحدث يبطل الطهارة ، وتبطل ببطلانها الصلاة ، واضطر الشيخان بعد تسليمها الى تنزيلها على المحدث سهواً والذي قالاه حسن ، لأن الإجماع على أن الحدث يبطل الصلاة فيخرج من إطلاق الرواية ، ولا بأس بالعمل بها على الوجه الذي ذكره الشيخان فإنها رواية مشهورة .. ». وفي الذكرى الميل اليه ، وعن الأردبيلي : الجزم به ، وعن المدارك : أنه قوي ، ولا يعارضها النصوص الدالة على قاطعية الحدث ، كصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) قال : « ليس يرخص في النوم في شي‌ء من الصلاة » (٢) ، وموثق عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سئل عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع كيف يصنع؟ قال (ع) : إن كان خرج نظيفاً من العذرة فليس عليه شي‌ء ولم ينقض وضوءه ، وإن خرج متلطخاً بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء ، وإن كان في صلاته قطع صلاته وأعاد الوضوء والصلاة » (٣) وخبر الحسن بن الجهم قال : « سألته ـ يعني أبا الحسن (ع) ـ عن رجل صلى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة ، قال (ع) : إن كان قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فلا يعد ، وإن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد » (٤) ، وخبر الكناني : « عن الرجل يخفق وهو في الصلاة ، فقال (ع) : إن كان لا يحفظ حدثاً منه إن كان فعليه

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب قواطع الصلاة ملحق حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٦.

٥٢٨

______________________________________________________

الوضوء وإعادة الصلاة » (١) ، وخبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى ابن جعفر (ع) قال : « عن الرجل يكون في الصلاة فيعلم أن ريحاً قد خرجت فلا يجد ريحها ولا يسمع صوتها ، قال (ع) : يعيد الوضوء والصلاة ولا يعتد بشي‌ء مما صلى إذا علم ذلك يقيناً .. » (٢) الى غير ذلك. إذ هي إما ظاهرة في غير المسألة المذكورة أو شاملة لها بنحو يمكن تقييدها بغيرها.

والمناقشة في دلالتها بأن المراد من الركعة الصلاة التامة ، أو المراد من أحدث أمطر ، أو المراد مما مضى من صلاته الصلاة السابقة التي صلاها بالتيمم لا الركعة لبطلانها بالحدث فلا تكون مما صلاه .. بعيدة جداً ، لا يجوز ارتكابها إلا بعد البناء على سقوطها عن الحجية.

ومثل هذه النصوص للسابقة في الاشكال صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد ، قال (ع) : ينصرف فيتوضأ ، فإن شاء رجع الى المسجد وإن شاء ففي بيته ، وإن شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثمَّ يسلم ، وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته » (٣) ، ونحوه صحيحه الآخر‌ (٤) وموثق عبيد ابنه‌ (٥) ، وخبر ابن مسكان المروي عن المحاسن‌ (٦). وظاهر ما سبق عن الفقيه الاعتماد عليها ، وفي كشف اللثام نفي البأس عن العمل بها. وأما حملها على أن مقصود الراوي الحكاية عن رجل من العامة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب التشهد حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب التسليم حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ١٣ من أبواب التشهد حديث : ٢.

(٦) الوسائل باب : ١٣ من أبواب التشهد حديث : ٣.

٥٢٩

والمبطون والمستحاضة. نعم لو نسي السلام ثمَّ أحدث فالأقوى عدم البطلان [١] وإن كان الأحوط الإعادة أيضاً.

الثالث : التكفير [٢]

______________________________________________________

كان يعمل ذلك لا السؤال عن حكم المسألة ومقصود الامام (ع) تتميم القصة لا الجواب ، فيبعد أيضاً كما سبق.

والجمع العرفي بينها وبين إطلاق النصوص الدالة على البطلان بالتقييد قريب ، وخبر الحسن بن الجهم‌ ـ لو تمَّ سنده ـ يمكن حمله على الاستحباب كما في نظائره. فالعمدة في وهن النصوص في المقامين إعراض المشهور عنها وبناؤهم على طرحها مع ما هي عليه من صحة السند وقوة الدلالة حتى التجأوا الى ارتكاب التأويلات البعيدة التي لم يكن بناؤهم عليها في غيرها ، ولا سيما بملاحظة اشتمالها على الخروج والرجوع الى مكان الصلاة من مسجد أو غيره مما هو غالباً من الفعل الكثير الماجي المستلزم لاستدبار القبلة اللذين هما من القواطع عندهم كالحدث ، فان ذلك كله يوجب الوثوق بورودها لغير بيان الحكم الواقعي ، فحالها حال صحيح الفضيل ، وخبر القماط لا مجال للاعتماد عليها في رفع اليد عن قاطعية الحدث للصلاة مطلقاً. والمظنون قويا أن أكثر الجماعة الذين يظهر منهم العمل بها إنما كان ذلك منهم في مقام الاستدلال لا في مقام الفتوى ، والله سبحانه أعلم.

[١] قد عرفت في مبحث التسليم أن البطلان أقوى.

[٢] على المشهور ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ، والعمدة فيه من النصوص صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قلت : « الرجل يضع يده في الصلاة وحكى اليمنى على اليسرى فقال (ع) : ذلك التكفير لا تفعل » (١)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١.

٥٣٠

______________________________________________________

وفي صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « ولا تكفر فإنما يصنع ذلك المجوس » (١) ونحوه صحيح حريز عن رجل عنه (ع) (٢) ، وفي خبر ابن جعفر (ع) : « قال أخي (ع) : قال علي بن الحسين (ع) : وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل وليس في الصلاة عمل » (٣) ، ونحوه المروي عن كتابه ، وزاد : « وسألته عن الرجل يكون في صلاته أيضع إحدى يديه على الأخرى بكفه أو ذراعه؟ قال (ع) : لا يصلح ذلك ، فان فعل فلا يعود له » (٤) ، وفي حديث الأربعمائة عن علي (ع) : « لا يجمع المسلم يديه في الصلاة وهو قائم بين يدي الله عز وجل يتشبه بأهل الكفر ، يعني المجوس » (٥) وقد يستدل عليه تارة : بالإجماع ، وأخرى : بأنه فعل كثير ، وثالثة : بأنه مقتضى قاعدة الاحتياط وكون العبادات توفيقية.

هذا والجميع لا يخلو من نظر ، إذ النهي في أمثال المقام وإن كان ظاهراً في المانعية إلا أنه بقرينة ارتكاز كون موضوعه من مظاهر العبودية والتذلل والخضوع ، وما روي من أن السبب في مشروعيته عند العامة استحسان عمر له حين رأى الفرس يفعلون تعظيما لملوكهم كما تشير اليه النصوص ، وما ورد في خبر ابن جعفر (ع) : « أنه عمل وليس في الصلاة عمل » يكون ظاهراً في المنع التشريعي كالنهي عن سائر العبادات غير المشروعة كظهور السؤال عنه في جوازه كذلك.

وأما الإجماع ـ فلو سلم بنحو يصح الاعتماد عليه ، ولم يعتد بخلاف من ذهب الى الكراهة كالمحقق في المعتبر تبعاً لأبي الصلاح ، وتبعهما عليه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ١٥ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ١٥ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٧.

٥٣١

بمعنى وضع إحدى اليدين على الأخرى على النحو الذي يصنعه غيرنا [١].

______________________________________________________

جماعة ـ فلم يظهر انعقاده على المانعية كما يظهر من تمسك غير واحد بأن العبادات توقيفية ، فإن ذلك إنما يقتضي المنع التشريعي أيضاً لا غير ، وأما أنه من الفعل الكثير ففي نهاية المنع ، إذ ليس هو إلا كوضعها على الفخذين في القيام والجلوس ، أو على الركبتين في الركوع مما لا مجال لتوهم ذلك فيه ، وكأن المستدل به أخذه مما ورد فيه من أنه عمل ، لكن فيه ما أشرنا إليه من أن المراد منه أنه عمل غير عبادي فلا يكون مأموراً به في الصلاة التي هي عبادة ، وغاية ما يقتضي ذلك عدم جواز الإتيان به بقصد الأمر ، لأنه تشريع ، لا أنه فعل كثير ماح لصورة الصلاة.

وأما أنه مقتضى قاعدة الاحتياط فهو ممنوع ، إذ التحقيق الرجوع عند الشك في المانعية إلى قاعدة البراءة ، ومن ذلك تعرف ضعف القول بالبطلان به ـ كما في المتن تبعاً للمشهور ـ لعدم وفاء الأدلة بأكثر من الحرمة التشريعية وهي لا تقتضي بطلان الصلاة إلا بالفعل بقصد الجزئية ، أو بلزوم خلل في الامتثال لتقييد الامتثال به ، وإلا لم يكن وجه للبطلان ، ويشير اليه ما في الخبر المروي عن كتاب ابن جعفر (ع) : « فان فعل فلا يعود له » كما تعرف ضعف القول بأنه حرام غير مبطل ، كما عن المدارك ، ورسالة صاحب المعالم حملا للنهي على الذاتي النفسي الذي قد عرفت أنه خلاف ظاهر النصوص ، وقوله (ع) : « فان فعل فلا يعود له » أعم من الحرمة النفسية والتشريعية. نعم لا يبعد البناء على الكراهة الذاتية لظاهر تعليل النهي في بعض النصوص بأن فيه تشبهاً بالمجوس فلاحظ.

[١] كما عن الشيخ ، وبني حمزة ، وإدريس ، وسعيد ، والشهيدين ، وغيرهم ، وهو الذي يقتضيه إطلاق النصوص عدا صحيح ابن مسلم‌ ، فإن‌

٥٣٢

إن كان عمداً لغير ضرورة. فلا بأس به سهواً [١] وإن كان الأحوط الإعادة معه أيضاً ، وكذا لا بأس به مع الضرورة [٢] بل لو تركه حالها أشكلت الصحة [٣]

______________________________________________________

ظاهر اسم الإشارة فيه اختصاصه بوضع اليمنى على اليسرى كما هو ظاهر المحكي عن الفقيه ، والمقنعة ، والانتصار ، والغنية ، والنافع ، والشرائع ، وغيرها. اللهم إلا أن يكون المراد باسم الإشارة فيه نفس وضع اليد على الأخرى لا خصوص وضع اليمنى على اليسرى ، ولعله أولى من حمله على الخصوص وتقييد المطلقات به لأن الظاهر تحقق التكفير لغة بكل منهما وليس للشارع تصرف فيه. ويشهد له خبر الدعائم حيث صرح فيه بأنه وضع كل من اليدين على الأخرى ، وما في كلام اللغويين من أنه الخضوع للغير ، أو الإيماء له بالسجود ، أو نحو ذلك.

[١] بلا خلاف أجده فيه ، بل ظاهر إرساله إرسال المسلمات من جماعة كونه من القطعيات. كذا في الجواهر ، ويقتضيه عموم : « لا تعاد الصلاة » (١) بناء على عمومه للشرائط والموانع كالأجزاء ، ومن ذلك يظهر الاشكال فيما في الجواهر من الاستشكال في وجه خروج صورة السهو ، خصوصاً على القول بإجمال العبادة ، وكأنه لأجل ذلك احتاط بالإعادة في المتن ، وأما حديث رفع الخطأ والنسيان‌ (٢) فإثبات الصحة به لا يخلو من إشكال لأنها تتوقف على وجوب الباقي وهو لا يصلح لذلك.

[٢] إجماعاً ظاهراً كما في الجواهر لعموم أدلة التقية.

[٣] قال في جامع المقاصد : « لو وجب فعله تقية فخالف ففي إبطال‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢. وباب : ٣٠ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ٢ وباب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ١ و ٢ و ٣.

٥٣٣

وإن كانت أقوى [١] والأحوط عدم وضع إحدى اليدين على الأخرى بأي وجه كان [٢] ،

______________________________________________________

الصلاة تردد ، نظراً الى وجوب التقية ، والإتيان بالواجب أصالة ».

[١] فإن أدلة وجوب التقية إنما اقتضت وجود المصلحة فيها لا تقييد مصلحة الصلاة بها في ذلك ، فاذا كانت مصلحة الصلاة على إطلاقها كان الإتيان بها بلا تكفير موافقة للأمر بها فتصح. اللهم إلا أن يقال : مقتضى ما تضمن من النصوص : « أن التقية ديني ودين آبائي » (١) هو تقييد المصلحة الصلاتية. اللهم إلا أن يكون مذهب المخالفين الوجوب النفسي لا الغيري ، لكن لو سلم ذلك فالإتيان بالصلاة بلا تكفير مخالف للتقية فيحرم فلا يصح التقرب به وليست مخالفة التقية مجرد ترك التكفير كي لا يكون تحريمه موجباً لفساد الصلاة ، بل مخالفتها بفعل الصلاة خالية عن التكفير.

[٢] فعن غير واحد التصريح بعدم الفرق بين الوضع فوق السرة وتحتها وفي جامع المقاصد : « لا فرق في التحريم والابطال بين وضع اليدين فوق السرة أو تحتها بحائل وبدونه لعموم الأدلة ، وكذا لا فرق بين وضع الكف على الكف ووضعه على الذراع لتناول اسم التكفير له ». وفي الجواهر : « لا أجد فيه خلافا لإطلاق الأدلة ». ولأجله يبني على عدم الفرق بين وجود الحائل وعدمه ، وبين وضع الكف على الكف والذراع والساعد ، لكن عن التذكرة التأمل لاحتمال انصراف الأدلة إلى غيره والأصل الإباحة.

هذا ولا ينبغي التأمل في عدم الفرق بين الأنواع كلها بناء على الحرمة التشريعية ، أما بناء على الحرمة الذاتية أو المانعية فيتوقف على كونه تكفيراً يعمله المجوس ، فاذا علم عدمه أو شك فيه فالرجوع إلى أصل البراءة متعين وكذلك الحال في الكراهة الذاتية بناء عليها ، لكن الظاهر الصدق في الجميع.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حديث : ٢٣.

٥٣٤

في أي حالة من حالات الصلاة وإن لم يكن متعارفا بينهم ، لكن بشرط أن يكون بعنوان الخضوع والتأدب ، وأما إذا كان لغرض آخر كالحك ونحوه فلا بأس به مطلقاً [١] حتى على الوضع المتعارف.

الرابع : تعمد الالتفات [٢] بتمام البدن إلى الخلف ،

______________________________________________________

ويشير الى التعميم الأخير في الجملة خبر ابن جعفر المتقدم‌ (١). وأما احتمال الانصراف المتقدم عن التذكرة فلا يعول عليه ، إذ الظاهر أن منشأه الغلبة التي لا يعتد بها في سقوط الإطلاق ، وكأنه للتأمل في ذلك توقف في الحكم في المتن فجعله أحوط.

[١] كما صرح به بعض ، وفي جامع المقاصد : « لو دعته حاجة الى الوضع كدفع أذى ووضع يده لدفعه أمكن عدم التحريم للحاجة ، ويحتمل أنه لا يعد تكفيراً لكن ظاهر الرواية يتناوله ». أقول : إطلاق الوضع في بعض النصوص منزل على التكفير كما يظهر من صحيح ابن مسلم المتقدم‌ (٢) والتكفير لا بد فيه من قصد الخضوع ، فينتفي بانتفائه. نعم لا يبعد ثبوت الكراهة للمشابهة ـ ولو مع عدم قصد الخضوع والتشبه ـ في حديث الأربعمائة عن علي (ع) (٣) يراد منه مجرد المشابهة كما قد يظهر من غيره فتأمل.

[٢] بلا إشكال فيه ولا خلاف في الجملة ، وعن غير واحد دعوى الإجماع عليه ، وإنما الخلاف في اعتبار كونه بتمام البدن وعدمه ، وكونه الى الخلف وعدمه ، والنصوص فيه مختلفة ، فمنها : ما دل على قدحه مطلقا كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « سألته عن الرجل يلتفت في

__________________

(١) راجع صفحة : ٥٣١.

(٢) راجع صفحة : ٥٣٠.

(٣) راجع صفحة : ٥٣١.

٥٣٥

______________________________________________________

صلاته؟ قال (ع) : لا ، ولا ينقض أصابعه » (١). وموثق أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « إن تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة » (٢).

ومنها : ما دل على عدم قدحه مطلقاً ، كخبر عبد الملك : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن الالتفات في الصلاة أيقطع الصلاة؟ فقال (ع) : لا ، وما أحب أن يفعل » (٣).

ومنها : ما يدل على قدحه إذا كان فاحشاً ، كمصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشاً » (٤) ، وفي حديث الأربعمائة عن علي عليه‌السلام : « الالتفات الفاحش يقطع الصلاة » (٥).

ومنها : ما يدل على قدحه إذا كان بكله ، كصحيح زرارة : « أنه سمع أبا جعفر (ع) يقول : الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله » (٦).

ومنها : ما يدل على قدحه إذا كان الى خلفه كالمروي في محكي السرائر عن جامع البزنطي صاحب الرضا (ع) : « عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال (ع) : إذا كانت الفريضة والتفت الى خلفه فقد قطع صلاته فيعيد ما صلى ولا يعتد به ، وإن كانت نافلة لا يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود » (٧) ، ونحوه خبر ابن جعفر (ع) (٨) ، وفي صحيحه :

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٣ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٧.

(٦) الوسائل باب : ٣ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٣.

(٧) الوسائل باب : ٣ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٨.

(٨) الوسائل باب : ٣ من أبواب قواطع الصلاة ملحق حديث : ٨.

٥٣٦

أو إلى اليمين ، أو اليسار ، بل وإلى ما بينهما على وجه يخرج عن الاستقبال [١]

______________________________________________________

« عن الرجل يكون في صلاته فيظن أن ثوبه قد انخرق أو أصابه شي‌ء هل يصلح له أن ينظر فيه أو يمسه؟ قال (ع) : إن كان في مقدم ثوبه أو جانبه فلا بأس ، وإن كان في مؤخره فلا يلتفت فإنه لا يصلح » (١).

هذا ، ولا ينبغي التأمل في وجوب حمل المطلقات نفياً وإثباتاً على المقيدات ، ولأجل أن المقيد الأول أعم مطلقاً من كل من الأخيرين يتعين حمله عليهما ، ولأجل أن بين الأخيرين عموماً من وجه يتعين الأخذ بإطلاق كل منهما على ما هو المقرر في الجمع العرفي بين القضايا الشرطية التي يتحد جزاؤها ويتعدد شرطها : من أنه إذا كان بين الشرطين عموم مطلق يحمل العام على الخاص ، مثل : إن كان زيد عالماً فأكرمه وإن كان زيد عالماً عادلا فأكرمه ، وإن كان بينهما عموم من وجه يؤخذ بإطلاق كل منهما مثل إن كان زيد عالماً فأكرمه وإن كان زيد عادلا فأكرمه.

والمتحصل من ذلك قادحية الالتفات بالكل مطلقاً ولو كان الى اليمين أو اليسار ، وقادحية الالتفات الى الخلف مطلقاً ولو كان بوجهه لا بكله ، وعدم قدح الالتفات بالوجه إذا لم يكن بكله ولم يكن الى خلفه وإن كان فاحشاً كما هو الظاهر من صحيح ابن جعفر (ع).

ومن ذلك كله تعرف صحة ما في المتن ، كما تعرف الإشكال في ظاهر جملة من عبارات الأصحاب في مقام تحديد موضوع الإبطال في المقام ، ففي بعضها : أنه الالتفات الى ما وراءه ، وفي آخر : أنه الالتفات بحيث يرى من خلفه ، وفي آخر : أنه الالتفات بكله ، وفي آخر : غير ذلك.

[١] ليتحقق مفهوم من الالتفات الظاهر في الالتفات عن القبلة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

٥٣٧

وإن لم يصل إلى أحدهما ، وإن لم يكن الالتفات حال القراءة أو الذكر [١] ، بل الأقوى ذلك في الالتفات بالوجه إلى الخلف [٢] مع فرض إمكانه ، ولو بميل البدن على وجه لا يخرج عن الاستقبال [٣]. وأما الالتفات بالوجه يميناً ويساراً مع بقاء البدن مستقبلا فالأقوى كراهته [٤] مع عدم‌

______________________________________________________

[١] لإطلاق دليل البطلان به. نعم يحتمل اختصاص أدلة اعتبار الاستقبال في الصلاة بحال الذكر والقراءة وغيرهما من أفعالها ، لأن الصلاة عين أجزائها ، فدليل اعتبار شي‌ء فيها راجع الى اعتباره في أجزائها لا غير ولأجل ذلك كان دليل قادحية الالتفات تأسيساً لا تأكيداً لدليل اعتبار الاستقبال في الصلاة.

[٢] كما عرفت أنه مقتضى إطلاق صحيح البزنطي وغيره.

[٣] يعني بالبدن ، وإلا فالالتفات بالوجه وحده أيضاً مناف للاستقبال المعتبر في الصلاة كما تقدم في فصل ما يستقبل له.

[٤] عدم البطلان به هو المشهور كما عن المقاصد العلية ، ومجمع البرهان ، والذخيرة ، والحدائق. وعن المعتبر والتذكرة نسبة الخلاف الى بعض الحنفية وعن جماعة نسبته الى فخر المحققين ، وعن الحدائق وغيرها أن الأصحاب متفقون على رده. ويقتضيه ما عرفت من الجمع بين النصوص ، ولأجل ذلك يضعف القول بالبطلان كما نسب الى الفخر والألفية ، وعن المفاتيح والمدارك وغيرهما : الميل اليه ، وعن كشف اللثام : أنه الأقوى.

واستدل له بإطلاق ما دل على اعتبار الاستقبال ، ولاحتمال كونه من الالتفات الفاحش الممنوع في مصحح الحلبي وغيره ، ولإطلاق ما دل على قادحية الالتفات ، وقلب الوجه عن القبلة ، وصرفه عنها ، ونحو ذلك.

٥٣٨

كونه فاحشاً ، وإن كان الأحوط اجتنابه أيضاً خصوصاً إذا كان طويلا [١] ، وسيما إذا كان مقارناً لبعض أفعال الصلاة‌

______________________________________________________

وفيه : أن الإطلاق الدال على اعتبار الاستقبال في الصلاة قد عرفت اختصاصه بأفعالها ، فلا يشمل الأكوان المتخللة بينها كما هو محل الكلام. واحتمال كونه من الفاحش ـ مع أنه ممنوع في بعض صوره وان كان مقطوعا به في البعض الآخر ـ أنه لا يهم بعد ما عرفت من أن إطلاق الفاحش مقيد بالكل أو بالخلف الذي هو مقتضى الجمع العرفي ، ومنه يظهر الإشكال في التمسك بإطلاق قدح الالتفات الذي لا ريب في لزوم تقييده بما عرفت.

[١] فقد احتمل في الذخيرة الإبطال به ، كما احتمل أيضاً ـ تبعاً للأردبيلي ـ الإبطال في الثاني ، ثمَّ قال في محكي كلامه : « ويحتمل الفرق بين ما لا يمكن تداركه كالأركان ، وغيره كالقراءة ».

أقول : كأن وجه الأول : انصراف نصوص جواز الالتفات الى غير الطويل فيرجع فيه الى القواعد المقتضية للمنع ، بناء على أن إطلاق أدلة اعتبار الاستقبال في الصلاة تقتضي اعتباره في جميع أكوانها. ووجه الثاني : ما تقدم احتماله من أن النصوص المتعرضة للالتفات ـ نافية أو مثبتة ـ إنما تتعرض له من حيث هو لا من حيث فوات الاستقبال المعتبر في الصلاة ، لأن ذلك إنما هو في أفعالها لا غير ، فلا إطلاق لنصوص جواز الالتفات يقتضي جوازه في حال الافعال بحيث يقيد به دليل الشرطية ، ووجه الثالث : أنه مع إمكان التدارك يتدارك الجزء فلا فوات بخلاف ما لا يمكن تداركه.

وفي الأول ما عرفت ، ولأجله يتعين البناء على الثاني ، وأما الثالث ففيه : أن التدارك إنما يصح مع السهو ، إذ الجزء المأتي به مع الالتفات عمداً إن لم يكن صحيحاً يكون زيادة مبطلة.

٥٣٩

خصوصاً الأركان سيما تكبيرة الإحرام [١] ، وأما إذا كان فاحشاً ففيه إشكال [٢]

______________________________________________________

[١] كأن وجه التخصيص بها انصراف أدلة جواز الالتفات بالوجه الى اليمين واليسار عن الالتفات حال التكبير ، لأن موضوعها الالتفات في الصلاة الظاهر في الالتفات بعد انعقادها الذي يكون بتكبيرة الإحرام فيرجع في الالتفات فيها الى عموم المنع. وفيه : أنه مبني على شمول نصوص الالتفات للالتفات حال الجزء ، وقد عرفت إشكاله ، فلا فرق بين الالتفات في التكبيرة والالتفات في غيرها من الافعال في اقتضاء المنع.

[٢] ينشأ من احتمال كونه موضوعاً ثالثاً للمانعية. لكن عرفت أنه أخص مطلقاً من غيره فيحمل عليه ، ولو شك في عمومه مطلقاً بالإضافة إلى الالتفات بالكل فلا شك في عمومه كذلك بالإضافة إلى الالتفات الى الخلف وهو كاف في سقوطه عن الحجية ولزوم حمله عليه.

فان قلت : من المحتمل قويا أنه مع تعدد الشرط تسقط أداة الشرط عن الدلالة على المفهوم ، ويكون مفادها ثبوت الحكم للشرط لا غير ، وحينئذ لا تنافي بين العام والخاص كي يحمل أحدهما على الآخر.

قلت : هذا لو سلم ففي غير العام والخاص ، أما فيهما فالجمع يكون بالتقييد ، ولا ينافي ذلك ابتلاء الخاص بخاص آخر معارض له موجب لسقوط مفهومه ، فان سقوط مفهومه بالإضافة إلى المفاهيم المباينة له لا يلازم سقوطه بلحاظ ما هو أعم ، فإن العرف في مثله يساعد على كون القيد وارداً في مقام تحديد الموضوع فيقيد به المطلق ، وملاحظة النظائر والأمثال كافية في إثبات ذلك. هذا مضافا الى صحيح ابن جعفر (ع) المتقدم‌ (١) المتضمن لجواز النظر الى جانب ثوبه الذي هو من الالتفات الفاحش ، فلاحظ.

__________________

(١) راجع صفحة : ٥٣٧.

٥٤٠