مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

______________________________________________________

وظاهره عدم كونها رواية عن المعصوم ، وعن الخلاف عن معاوية بن عمار وابن مسلم والحلبي عنه (ع) أنه قال : « لا تقع بين السجدتين كإقعاء الكلب » (١) ، وفي مرسل حريز عن رجل عن أبي جعفر (ع) ـ في حديث ـ قال : « لا تلثم ، ولا تحتفز ، ولا تقع على قدميك ، ولا تفترش ذراعيك » (٢) ، ونحوه صحيح زرارة عنه (ع) (٣) ولعلهما واحد.

والنهي في الجميع محمول على الكراهة جمعاً بينه وبين مصحح ابن أبي عمير عن عمرو بن جميع ، قال أبو عبد الله (ع) : « لا بأس بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين ، وبين الركعة الأولى والثانية ، وبين الركعة الثالثة والرابعة ، وإذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه تتجافى ، ولا يجوز الإقعاء في موضع التشهدين إلا من علة لأن المقعي ليس بجالس إنما جلس بعضه على بعض. والإقعاء : أن يضع الرجل ألييه على عقبيه ، فأما الأكل مقعياً فلا بأس به لأن رسول الله (ص) قد أكل مقعيا » (٤) والمروي في آخر السرائر عن كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر (ع) « لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين ، ولا ينبغي الإقعاء في التشهدين ، إنما التشهد : في الجلوس وليس المقعي بجالس » (٥) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « لا بأس بالإقعاء في الصلاة فيما بين السجدتين » (٦).

__________________

(١) الخلاف المسألة : ١١٨ من كيفية الصلاة ج ١ صفحة : ٤٦ من الطبعة الاولى.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب السجود حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب السجود حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ٦ من أبواب السجود حديث : ٧.

(٦) الوسائل باب : ٦ من أبواب السجود حديث : ٣.

٤٠١

______________________________________________________

ومن الأولين يظهر عموم الكراهة للتشهد. وإن كان ظاهر من اقتصر على ذكر السجدتين عدمها. فإنه ضعيف.

ومثله ما عن الصدوق ، والشيخ في الفقيه والنهاية ، من المنع عنه في التشهد. إذ الظاهر أنه كان اعتماداً على الخبرين المذكورين. وعمرو بن جميع وإن كان ضعيفاً بتريا ، إلا أن في رواية ابن أبي عمير عنه ، الذي هو من أصحاب الإجماع ، وممن لا يروي إلا عن ثقة ، كفاية في حصول الوثوق ، الذي هو شرط الحجية.

ووجه الضعف : أن ذلك لو سلم فالتعليل ظاهر في الكراهة ، كالتعليل في صحيح زرارة : « وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ، ولا تكن قاعداً على الأرض فيكون إنما قعد بعضك على بعض ، فلا تصبر للتشهد والدعاء » (١).

نعم لو حمل النهي فيهما على الكراهة في التشهد أيضاً ، يشكل وجه الفرق بين ما بين السجدتين والتشهد ، بنفي البأس في الأول ، والنهي في الثاني ، لاشتراكهما في الكراهة ، مع أن التفصيل قاطع للشركة. لكنه يندفع بالحمل على شدة الكراهة وخفتها.

وذلك أولى مما قيل من حمل الإقعاء المنفي عنه البأس بين السجدتين ، على المعنى المنهي عنه في التشهد ، وهو المذكور في ذيل رواية ابن جميع‌ ، المنسوب الى الفقهاء. والمنهي عنه فيما بينهما على المعنى الآخر ، المنسوب الى اللغويين كما سيأتي. بقرينة ما في بعض النصوص من تشبيهه بإقعاء الكلب. وحينئذ لا معارض للنهي في الموضعين فيتعين العمل بظاهره. ومقتضاه المنع من الإقعاء بالمعنى المذكور في رواية ابن جميع في التشهد‌ ، دون ما بين السجدتين ، لنفي البأس عنه فيما بينهما.

اللهم إلا أن يحمل على التقية ، لكونه مسنونا عند بعضهم فيما بينهما.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ٣.

٤٠٢

بين السجدتين بل بعدهما أيضاً [١] وهو أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه [٢]

______________________________________________________

والمنع من الإقعاء بالمعنى الآخر فيما بين السجدتين ، دون التشهد ، إذ يبعد هذا الوجه مخالفته لظاهر النصوص المفسرة للإقعاء ، ونقل اتفاق الفقهاء على أنه الجلوس على العقبين لا غير. وأما تشبيهه بإقعاء الكلب فالظاهر منه أنه بقصد التنفير ، الذي لا يناسبه التخصيص بمورد دون مورد. وسيجي‌ء الكلام في وجه التشبيه.

[١] لعموم التعليل ، وإطلاق صحيح زرارة ومرسل حريز : « لا تقع على قدميك » ، بناء على أنه من الإقعاء ، كما هو الظاهر ، المحمول على الكراهة ، بقرينة السياق ، ولما سبق ، لا من الوقوع الذي لا يتحصل له معنى ظاهر.

[٢] كما في المعتبر ، والمنتهى ، والتذكرة ، وعن كشف الالتباس ، وحاشية المدارك ، ناسبين ذلك الى الفقهاء. وفي لسان العرب : « نهي أن يقعي الرجل في الصلاة. وهو أن يضع ألييه على عقبيه بين السجدتين. وهذا تفسير الفقهاء » ، وفي تاج العروس : « وفسره الفقهاء بأن يضع ألييه على عقبيه بين السجدتين » ، ومثله ما عن الصحاح والمغرب. قال في محكي البحار : « الظاهر من كلام العامة أن الإقعاء الجلوس على العقبين مطلقاً ـ يعني : وإن لم يعتمد على صدور قدميه ـ » ثمَّ قال : « ولعل مرادهم المعنى الذي اتفق عليه أصحابنا ، لأن الجلوس على عقبين حقيقة لا يتحقق إلا بهذا الوجه ، فإنه إذا جعل ظهر قدميه على الأرض يقع الجلوس على بطن القدمين ، لا على العقبين ».

ومن هذا تعرف تعين البناء على كراهته بهذا المعنى. أولا : لما ذكر من حكاية اتفاق الفقهاء عليه المستفيضة في لسان جماعة من الفقهاء واللغويين‌

٤٠٣

كما فسره به الفقهاء. بل بالمعنى الآخر ، المنسوب إلى اللغويين أيضاً ، وهو أن يجلس على إليتيه ، وينصب ساقيه ، ويتساند إلى ظهره ، كإقعاء الكلب [١].

______________________________________________________

من الخاصة والعامة. وثانياً : لرواية ابن جميع وصحيح زرارة المتقدمين ، الظاهرين في هذا المعنى ، المعتضدين بصحيح زرارة المتقدم‌ ـ المتضمن للتحذير عن القعود على القدمين ، وأنه يتأذى بذلك ولا يكون قاعداً على الأرض بل بعضه على بعض ، فلا يصبر للدعاء والتشهد ـ وبصحيح زرارة ومرسل حريز : « لا تقع على قدميك ». فإن الإقعاء على القدمين يناسب المعنى المذكور جداً ، ولا يناسب المعنى الآتي. كما لا يخفى.

هذا والمظنون قويا أن هذه النصوص وردت رداً على العامة ، الذين يرون أن الإقعاء بهذا المعنى سنة ، وأنه كان يفعله العبادلة أبناء العباس وعمر والزبير ومسعود وغيرهم من الصحابة والسلف ، وعن الشافعي النص على استحبابه ، وكذا عن غيره من محققيهم. كما أن الذي يظهر من كلام بعض المخالفين أن الوجه في حمل الإقعاء المنهي عنه على المعنى اللغوي مع بناء الفقهاء على تفسيره بالمعنى الآخر : عمل بعض الصحابة والسلف له ، وما روي عن ابن عباس أنه من السنة أن تمس عقبيك أليتيك ، ولو لا ذلك لتعين حمله على ما عند الفقهاء. فراجع.

[١] قال في محكي الصحاح : « وأما أهل اللغة فالإقعاء عندهم أن يلصق الرجل ألييه بالأرض وينصب ساقيه ويتساند الى ظهره ». وفي تاج العروس : « أقعى الرجل في جلوسه : ألصق ألييه بالأرض ونصب ساقيه وتساند الى ما وراءه. هذا قول أهل اللغة » ، وفي القاموس : « أقعى في جلوسه تساند الى ما وراءه ».

لكن في كلام غير واحد من أهل اللغة اعتبار وضع اليدين على الأرض‌

٤٠٤

______________________________________________________

فيه زائداً على ذلك. قال الأزهري في محكي النهاية : « الإقعاء أن يلصق الرجل ألييه الأرض وينصب ساقيه وفخذيه ويضع يديه على الأرض » ، ونحوه ما عن المغرب والمصباح المنير ، وعن بعض شراح صحيح ابن مسلم : « ان الإقعاء نوعان : أحدهما : أن يلصق إليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض ، كإقعاء الكلب. هكذا فسره أبو عبيدة معمر ابن المثنى ، وصاحبه أبو عبيدة القاسم بن سلام ، وآخرون من أهل اللغة » وفي لسان العرب : « وأما أهل اللغة فالإقعاء عندهم أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض وينصب ساقيه وفخذيه ويضع يديه على الأرض ، كما يقعي الكلب وهذا هو الصحيح ، وهو أشبه بكلام العرب » ، وفي كشف اللثام : « الإقعاء من القعو ، وهو ـ كما حكاه الأزهري عن ابن الأعرابي ـ أصل الفخذ ، فهو الجلوس على القعوين ، إما بوضعهما على الأرض ونصب الساقين والفخذين قريباً من إقعاء الكلب ، والفرق أنه يفترش الساقين والفخذين ، أو بوضعهما على العقبين. وهو المعروف عند الفقهاء ».

أقول : إن تمَّ أنه الجلوس على القعوين تعين المعنى اللغوي ، إذ الجلوس على العقبين ليس جلوساً على القعوين ، بل على أصل الظهر. بخلاف المعنى اللغوي ، لأنه بنصب الساقين يكون معتمداً عليه. لكنه غير مناسب لاقعاء الكلب.

وكيف كان فالحكم بكراهة الإقعاء بهذا المعنى اختاره في المستند. مستدلا عليه بما تضمن تشبيهه بإقعاء الكلب ، الظاهر في المعنى اللغوي ، فيكون قرينة على غيره الخالي عن ذلك. مع أنه مقتضى أصالة حمل اللفظ على المعنى اللغوي حتى يثبت النقل أو التجوز. وفيه : أن وضع اليدين على الأرض إذا لم يكن معتبراً في هذا المعنى فالمعنى المنسوب الى الفقهاء أشبه بإقعاء الكلب من المعنى المذكور. إذ الكلب يفترش ساقيه وفخذيه‌

٤٠٥

( مسألة ٢ ) : يكره نفخ موضع السجود [١] إذا لم‌

______________________________________________________

ضرورة ـ كما في الجواهر وتقدم عن كشف اللثام ويعتمد على يديه ، والإقعاء بهذا المعنى خال عنهما معاً.

نعم إذا اعتبر فيه الاعتماد على اليدين كان مشابهاً له من هذه الجهة مخالفاً له من الأخرى ، عكس المعنى السابق. بل في السابق جهة شبه أخرى ، وهي أن الكلب إذا أقعى رفع نفسه واعتلى ، والمقعي على عقبيه كذلك. ولعل الوجه في التشبيه ذلك ، فلا يصلح قرينة على صرف اللفظ عن المعنى المتفق عليه النص والفتوى الى هذا المعنى. ولا سيما وهناك معان أخرى ، مثل ما عن ابن عمر أنه كان يقعي ، وقالوا معناه أنه كان يضع يديه بالأرض بين السجدتين فلا يفارقان الأرض حتى يعيد السجود ، وعن الراوندي أن ذلك هو معنى الإقعاء. وعن بعض علمائنا أنه عبارة عن أن يعتمد على عقبيه ويجعل يديه على الأرض. ومن الجائز أن يكون المراد أحد هذين المعنيين فكيف يحكم بإرادة المعنى اللغوي بمجرد تشبيهه بإقعاء الكلب؟! ولا سيما وأنه ـ كما في الجواهر ـ جلسة القرفصاء ، التي هي إحدى جلسات النبي (ص) وأفضل الجلوس في النافلة وغيرها مما يصلى من جلوس ، وأفضل جلوس المرأة. وأما أصالة الحمل على المعنى اللغوي فلا مجال لها بعد ما عرفت من الاتفاق والنصوص. والله سبحانه أعلم.

[١] كما عن جماعة التصريح به. وفي المنتهى : « ذهب إليه علماؤنا » لصحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « قلت له : الرجل ينفخ في الصلاة موضع جبهته؟ فقال (ع) : لا » (١) ، وفي حديث الأربعمائة عن علي (ع) : « لا ينفخ الرجل في موضع سجوده » (٢) ، وفي خبر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب السجود حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب السجود حديث : ٩.

٤٠٦

يتولد حرفان. وإلا فلا يجوز ، بل مبطل للصلاة [١]. وكذا يكره عدم رفع اليدين من الأرض بين السجدتين [٢].

( مسألة ٣ ) : يكره قراءة القرآن في السجود [٣] ، كما كان يكره في الركوع.

______________________________________________________

الحسين بن مصعب قال أبو عبد الله (ع) : « يكره النفخ في الرقى والطعام وموضع السجود .. » (١) الى غير ذلك. لكن في صحيح ليث : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يصلي فينفخ في موضع جبهته؟ فقال (ع) : ليس به بأس ، إنما يكره ذلك أن يؤذي من الى جانبه » (٢) وقريب منه خبر أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (ع) (٣) ، وظاهرهما عدم الكراهة من جهة الصلاة ، فيكونان معارضين لظاهر ما سبق. ولعل الجمع يقتضي الحمل على شدة الكراهة بذلك.

[١] لما يأتي إن شاء الله تعالى في مبطلية الكلام.

[٢] للمروي عن مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي صاحب الرضا (ع) : « سألته عن الرجل يسجد ثمَّ لا يرفع يديه من الأرض ، بل يسجد الثانية ، هل يصلح له ذلك؟ قال (ع) : ذلك نقص في الصلاة » (٤). وظاهر السؤال والجواب مرجوحيته لنفسه ، فيحمل على الكراهة ، للإجماع. ولو حمل على عدم تمامية الجلوس المعتبر في الصلاة ، كان مانعاً لذلك.

[٣] ففي خبر القاسم بن سلام عن النبي (ص) : « إني قد نهيت

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب السجود حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب السجود حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب السجود حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب السجود : حديث : ١.

٤٠٧

( مسألة ٤ ) : الأحوط عدم ترك جلسة الاستراحة ، وهي الجلوس بعد السجدة الثانية في الركعة الأولى والثالثة مما لا تشهد فيه ، بل وجوبها لا يخلو عن قوة [١].

______________________________________________________

عن القراءة في الركوع والسجود ، فاما الركوع فعظموا الله تعالى فيه ، وأما السجود فأكثروا فيه الدعاء » (١) ، وفي خبر أبي البختري : « إن عليا (ع) كان يقول : لا قراءة في ركوع ولا سجود » (٢) ، وفي خبر السكوني : « سبعة لا يقرؤن القرآن : الراكع ، والساجد ، وفي الكنيف ، وفي الحمام ، والجنب ، والنفساء والحائض » (٣). لكن في جملة من النصوص التفصيل بينه وبين الركوع ، كخبر على بن جعفر : « عن الرجل قرأ في ركوعه من سورة غير السورة التي كان يقرؤها ، قال (ع) : إن كان فرغ فلا بأس في السجود وأما في الركوع فلا يصلح » (٤) ، ونحوه غيره. والجمع يقتضي الحمل على خفة الكراهة.

[١] كما في الانتصار ، وعن الناصريات ، وقد يستظهر أو يستشعر من عبارات المقنعة ، ورسالة ابن بابويه ، والمراسم ، وابن أبي عقيل ، وابن الجنيد ، والسرائر ، ومال إليه في كشف اللثام ، والحدائق. للإجماع الذي احتج به السيد. ولموثق أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « إذا رفعت رأسك في السجدة الثانية من الركعة الأولى حين تريد أن تقوم ، فاستو جالساً ثمَّ قم » (٥) ، والمروي عن كتاب زيد النرسي عن أبي الحسن

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب الركوع حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب الركوع حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب قراءة القرآن حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب الركوع حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ٥ من أبواب السجود حديث : ٣.

٤٠٨

______________________________________________________

عليه‌السلام : « إذا رفعت رأسك من آخر سجدتك في الصلاة قبل أن تقوم فاجلس جلسة ، ثمَّ بادر بركبتيك إلى الأرض قبل يديك ، وابسط يديك بسطاً ، واتّك عليهما ، ثمَّ قم ، فان ذلك وقار المؤمن الخاشع لربه ، ولا تطش من سجودك مبادراً الى القيام ، كما يطيش هؤلاء الأقشاب » (١) ‌وفي صحيح عبد الحميد بن عواض : « انه رأى أبا عبد الله (ع) إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس حتى يطمئن ثمَّ يقوم » (٢) ‌و‌المروي عن الخصال عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) : « اجلسوا في الركعتين حتى تسكن جوارحكم ، ثمَّ قوموا ، فان ذلك من فعلنا » (٣) ، وفي مصحح أبي بصير : « وإذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتى ترجع مفاصلك ، وإذا سجدت فاقعد مثل ذلك ، وإذا كان في الركعة الاولى والثالثة فرفعت رأسك من السجود فاستتم جالساً حتى ترجع مفاصلك. فاذا نهضت فقل : بحول الله وقوته أقوم وأقعد ، فإن علياً (ع) هكذا كان يفعل » (٤) ، وخبر الأصبغ : « كان أمير المؤمنين (ع) إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئن ، ثمَّ يقوم ، فقيل له : يا أمير المؤمنين (ع) كان من قبلك أبو بكر وعمر إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما تنهض الإبل ، فقال أمير المؤمنين (ع) : إنما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس ، إن هذا من توقير الصلاة » (٥).

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٥ من أبواب السجود حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب السجود حديث : ١.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٥ من أبواب السجود حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ٩.

(٥) الوسائل باب : ٥ من أبواب السجود حديث : ٥.

٤٠٩

( مسألة ٥ ) : لو نسيها رجع إليها ، ما لم يدخل في الركوع [١].

______________________________________________________

هذا وقد يعارض ذلك كله‌ بموثق زرارة : « رأيت أبا جعفر (ع) وأبا عبد الله (ع) إذا رفعا رؤوسهما من السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا » (١) وفيه : أنه لا ريب في رجحان الجلوس ، فمواظبتهما (ع) على الترك لا بد أن تكون لعذر وراء الواقع ، فلا يدل على عدم الوجوب. مع أنه معارض بصحيح عبد الحميد السابق‌. ومثله في الاشكال الاستدلال‌ بخبر رحيم : « قلت لأبي الحسن الرضا (ع) : جعلت فداك أراك إذا صليت رفعت رأسك من السجود في الركعة الاولى والثالثة وتستوي جالساً ثمَّ تقوم ، فنصنع كما تصنع؟ قال (ع) : لا تنظروا إلى ما أصنع أنا ، اصنعوا ما تؤمرون » (٢) ، إذ بعد رجحان الجلوس جزماً لا بد أن يكون الأمر بالترك لعذر كما سبق.

نعم تمكن المناقشة في أدلة الوجوب بمنع الإجماع. وبأن الأمر بالاستواء جالسا في الموثق وارد مورد توهم عدم المشروعية ، كما يظهر من ملاحظة النصوص وغيرها. أو هو محمول على الاستحباب ، بقرينة ما بعده مما تضمن أنه وقار المؤمن الخاشع (٣) ، أو أنه من توقير الصلاة (٤) ، أو أن ذلك من فعلهم (ع) (٥) ، أو من فعل علي (ع) (٦) مما هو ظاهر في الاستحباب. وكأنه لذلك كان هو مذهب الأكثر ، أو المشهور بل عن كشف الحق ، وتلخيص الخلاف الإجماع عليه.

[١] كما هو الحال في الأجزاء المنسية إذا ذكرت قبل الدخول في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب السجود حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب السجود حديث : ٦.

(٣) كما في الحديث المروي من كتاب زيد النرسي المتقدم في الصفحة السابقة.

(٤) كما في خبر الأصبغ المتقدم في الصفحة السابقة.

(٥) كما في خبر الخصال المتقدم في صدر هذه التعليقة.

(٦) كما في مصحح ابي بصير المتقدم في صدر هذه التعليقة.

٤١٠

فصل في سائر أقسام السجود‌

( مسألة ١ ) : يجب السجود للسهو ، كما سيأتي مفصلا في أحكام الخلل.

( مسألة ٢ ) : يجب السجود على من قرأ إحدى آياته [١]

______________________________________________________

الركن والله سبحانه أعلم.

فصل في سائر أقسام السجود‌

[١] إجماعا. كما عن الشيخ ، والعلامة ، والشهيد ، والمحقق الثاني ، والسيد في المدارك ، والفاضل الأصبهاني ، والمحدث البحراني ، وغيرهم. قال في الذكرى : « يجب منها ـ يعني من السجدات ـ أربع وهي : الم تنزيل ، وفصلت ، والنجم ، واقرأ. لوجوه خمسة : أحدها : إجماع العترة المرضية ، وإجماعهم حجة ». ويشهد له جملة من النصوص ، كصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « عن الرجل يعلّم السورة من العزائم فتعاد عليه مراراً في المقعد الواحد ، قال (ع) : عليه أن يسجد كلما سمعها ، وعلى الذي يعلّمه أيضاً أن يسجد » (١) ‌وصحيح الحلبي المروي عن المستطرفات : « قلت لأبي عبد الله (ع) : يقرأ الرجل السجدة وهو على غير وضوء ، قال (ع) : يسجد إذا كانت من العزائم » (٢) ‌و‌في صحيح داود بن سرحان المروي عن الخصال عن أبي عبد الله (ع) : « إن

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب قراءة القرآن حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب القراءة القرآن حديث : ٦.

٤١١

الأربع في السور الأربع ، وهي الم تنزيل ، عند قوله ( وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) ، وحم فصلت ، عند قوله ( تَعْبُدُونَ ) ، والنجم ، والعلق ـ وهي سورة اقرأ باسم ـ ، عند ختمهما [١]

______________________________________________________

العزائم الأربع : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) ، والنجم ، وتنزيل السجدة ، وحم السجدة » (١) ، ونحوها غيرها.

[١] كما عن جماعة التصريح به ، مرسلين له إرسال المسلمات ، وفي الحدائق : « ظاهرهم الاتفاق عليه » ، وفي مفتاح الكرامة : « صرح جمهور علمائنا بأن مواضع السجود في الأربع آخر الآية » ، وفي المعتبر عن الخلاف « موضع السجود في حم السجدة عند قوله تعالى ( وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي ) وقال في المبسوط عند قوله تعالى ( إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ ) والأول أولى ».

لكن رده في الذكرى بأن ظاهر الخلاف أنه عند آخر الآية ، لأنه ذكر في أول المسألة أن موضوعه عند قوله تعالى ( وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ ) ثمَّ قال : « وأيضاً قوله ( وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ ) أمر ، والأمر يقتضي الفور عندنا ، وذلك يقتضي السجود عقيب الآية ، ومن المعلوم أن آخر الآية ( تَعْبُدُونَ ) » ، ثمَّ ذكر : أنه لا خلاف بين المسلمين في ذلك ، وأن ما ذكره لا قائل به. وإن احتج بالفور ، قلنا : هذا القدر لا يخل بالفور ، وإلا لزم وجوب السجود في باقي آي العزائم عند صيغة الأمر ، وحذف ما بعده من اللفظ. ولم يقل به أحد. انتهى ، وفي الحدائق : « لا يخفى أن ظواهر الأخبار التي قدمنا هو السجود عند ذكر السجدة. لتعلق السجود في جملة منها على سماع السجدة ، أو قراءتها ، أو استماعها. والمتبادر منها هو لفظ السجدة ، والحمل على تمام الآية يحتاج الى تقدير .. الى أن قال : إلا أن الخروج‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٧.

٤١٢

وكذا يجب على المستمع لها [١]. بل السامع ، على الأظهر [٢]

______________________________________________________

عما ظاهرهم الاتفاق عليه مشكل ».

أقول : حمل السجدة على لفظ السجدة ـ حتى لا يلزم التقدير من جعلها موضوعا للقراءة والاستماع ـ مما لا يمكن لعدم وجود هذه اللفظة في آيات السجود ، وإنما الموجود فيها أحد المشتقات من مادة السجود. مضافا الى أنه خلاف ظاهر جملة منها ، مثل مصحح الحلبي : « عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة. قال (ع) : يسجد .. » (١) وفي خبر وهب : « إذا كان آخر السورة السجدة أجزأك أن تركع بها » (٢) ونحوهما غيرهما مما يعين كون المراد من السجدة الآية التي يجب السجود بقراءتها. ومثله في الاشكال الاستدلال المتقدم بأن الأمر بالسجود للفور. إذ المراد به الأمر الذي تضمنته الآية ، وهو إن اقتضى وجوب السجود فوراً ، لم يتوقف على القراءة ، ولا يكون مما نحن فيه ، فان الأمر بالسجود فيما نحن فيه هو ما تضمنته النصوص عند قراءة الآية. كما لا يخفى. وكيف كان فالعمدة فيما ذكر في المتن ـ مضافا الى دعوى الاتفاق ، والى موثق سماعة : « من قرأ : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ، فاذا ختمها فليسجد » (٣) ـ أصالة البراءة من وجوب السجود قبل انتهاء الآية.

لكن قد يشكل بأنه لو عزم على إتمامها يعلم إجمالا بأنه إما يجب السجود عليه فعلا ، أو بعد الإتمام. فيجب الاحتياط. ويدفعه أن الشك ليس في تعيين الواجب ، بل في وجوب السجود بقراءة بعض الآية.

[١] إجماعا. كما في القارئ والنصوص به وافية. وسيأتي بعضها.

[٢] كما عن السرائر ، وجامع المقاصد ، والمسالك ، وغيرها. بل في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

٤١٣

______________________________________________________

الحدائق : « عليه الأكثر » ، وعن السرائر الإجماع على إطلاق القول بالوجوب على القارئ والسامع.

واستدل له بإطلاق جملة من النصوص المتضمنة للأمر بالسجود بالسماع كخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « إذا قرئ بشي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وان كنت على غير وضوء .. » (١) ، وخبر ابن جعفر عن أخيه (ع) : « عن الرجل يكون في صلاة جماعة فيقرأ إنسان السجدة كيف يصنع؟ قال (ع) : يومئ برأسه إيماء » (٢) ، ونحوهما غيرهما. وعن الشيخ وجماعة ـ منهم المحقق والعلامة في جملة من كتبه ـ العدم. واستدل له بصحيح عبد الله بن سنان قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل سمع السجدة تقرأ قال (ع) : لا يسجد ، إلا أن يكون منصتاً لقراءته مستمعاً لها ، أو يصلي بصلاته. فأما أن يكون يصلي في ناحية وأنت تصلي في ناحية أخرى فلا تسجد لما سمعت » (٣). فيقيد به إطلاق ما سبق. ونوقش فيه بضعف السند ، لأن فيه محمد بن عيسى عن يونس ، وقد استثناه القميون من كتاب نوادر الحكمة. وبما في متنه حيث تضمن قراءة الإمام للعزيمة ، الممنوع عنه. وبالتفصيل فيه بين المأموم السامع وغيره ، ولم يقل به أحد. وعمومه للعزيمة وغيرها ، فيعارض بما سبق ـ مما دل بإطلاقه على وجوبه على السامع في العزيمة ـ بالعموم من وجه. والترجيح للأخير ، وللشهرة ، وموافقته لإجماع السرائر.

ويمكن دفعه بأن استثناء القميين قد أنكره جماعة من القدماء والمتأخرين كما يظهر من ملاحظة كتب الرجال. واشتمال الخبر على ما ذكر مما لا نقول‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب قراءة القرآن حديث : ١.

٤١٤

ويستحب في أحد عشر موضعاً : [١] في الأعراف عند قوله : ( وَلَهُ يَسْجُدُونَ ) وفي الرعد عند قوله ( وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ) ، وفي النحل عند قوله ( وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ )

______________________________________________________

به ، غير قادح في حجيته في غيره. والمعارضة وإن كانت بالعموم من وجه ، إلا أن المرجع في مورد المعارضة أصالة البراءة ، لا المرجحات ، كما حرر في محله. وإجماع السرائر موهون في نفسه ، معارض بالإجماع المحكي عن الخلاف ، وبما في التذكرة ، قال فيها : « أما السامع غير القاصد للسماع فيستحب في حقه في الجميع ، عندنا ، للأصل .. الى أن قال : وقال أبو حنيفة : يجب على السامع .. ». وأما حمل الخبر على التقية. فهو ـ مع أنه إنما يكون بعد تعذر الجمع العرفي ـ غير ظاهر ، لحكاية القول بالوجوب عن جماعة من العامة ، منهم أبو حنيفة.

نعم قد يشكل إطلاق الصحيح بنحو يشمل غير المصلي ، لما في ذيله من قوله (ع) : « فأما أن يكون .. » ، فإنه إما ظاهر في كونه بياناً من المستثنى منه بعد الاستثناء فيختص بالمصلي ، أو صالح للقرينية على ذلك فلا يبقى للصدر إطلاق يشمل غيره ، وحينئذ لا مجال لرفع اليد عن إطلاق ما دل على وجوب السجود للسامع بالإضافة الى غير المصلي ، ولم يثبت عدم الفصل بين المصلي وغيره كي يتعدى من أحدهما إلى الآخر ، كما قد يشكل البناء على الاستحباب ـ بناء على التقييد ـ لعدم الدليل عليه بعد حمل النصوص على المستمع. اللهم إلا أن يستفاد من الاتفاق على رجحانه كما في ظاهر الذكرى ، قال : « ولا شك عندنا في استحبابه على تقدير عدم الوجوب » ، أو يحمل النهي على نفي الوجوب لا غير فتأمل.

[١] أما عدم الوجوب فيدل عليه ـ مضافا الى الإجماع المتقدم ،

٤١٥

وفي بني إسرائيل عند قوله ( وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) ، وفي مريم عند قوله ( خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا ) ، وفي سورة الحج في موضعين عند قوله ( إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ) ، وعند قوله ( افْعَلُوا الْخَيْرَ ) وفي الفرقان عند قوله ( وَزادَهُمْ نُفُوراً ) ، وفي النمل عند قوله ( رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) ، وفي ص عند قوله ( وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ ) ، وفي الإنشقاق عند قوله ( وَإِذا قُرِئَ ). بل الأولى السجود عند كل آية فيها أمر بالسجود [١].

______________________________________________________

والى مفهوم الشرط في بعض النصوص المتقدمة وغيرها ـ ما في خبر أبي بصير السابق : « وسائر القرآن أنت بالخيار ، إن شئت سجدت ، وإن شئت لم تسجد » (١) ، وخبر عبد الله بن سنان المروي عن مجمع البيان عن أبي عبد الله (ع) قال : « العزائم الم تنزيل ، وحم السجدة ، والنجم واقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ، وما عداها في جميع القرآن مسنون وليس بمفروض » (٢) وأما المشروعية فيدل عليها ـ مضافا الى ذلك كله ـ النبوي الذي رواه جماعة من أصحابنا ، منهم العلامة في التذكرة والشهيد في الذكرى عن عبد الله ابن عمرو بن العاص : « أقرأني رسول الله (ص) خمس عشرة سجدة : منها ثلاث في المفصل ، وسجدتان في الحج » (٣) ، هذا وما في المتن من بيان مواقعها من السور حكى عليه الإجماع صريحاً وظاهراً جماعة ، كما أن ما فيه من بيان مواقعها من الآيات ذكره غير واحد من الأصحاب ، منهم العلامة في التذكرة ، مرسلين له إرسال المسلمات ، والظاهر أنه كذلك.

[١] كما عن الصدوقين ، وبعض المتأخرين. ويشهد له ما في صحيح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٩.

(٣) الذكرى : المسألة الاولى من مسائل سجدة التلاوة من كتاب الصلاة.

٤١٦

( مسألة ٣ ) : يختص الوجوب والاستحباب بالقارئ والمستمع ، والسامع للآيات [١] ، فلا يجب على من كتبها ، أو تصورها ، أو شاهدها مكتوبة ، أو أخطرها بالبال [٢].

( مسألة ٤ ) : السبب مجموع الآية فلا يجب بقراءة بعضها [٣] ولو لفظ السجدة منها.

( مسألة ٥ ) : وجوب السجدة فوري [٤] ، فلا يجوز‌

______________________________________________________

ابن مسلم : « كان علي بن الحسين (ع) يعجبه أن يسجد في كل سورة فيها سجدة » (١) و‌خبر العلل : « إن أبي علي بن الحسين (ع) ما ذكر نعمة لله عليه إلا سجد ، ولا قرأ آية من كتاب الله تعالى عز وجل فيها سجدة إلا سجد » (٢) ، ولعل ما ذكره الأصحاب من انحصار مواضع السجود بما ذكر من المواضع يراد به مواضع الاستحباب بالخصوص ، فلا ينافي عموم الاستحباب لغيرها.

[١] أما ثبوت الاستحباب للقارئ فهو المتيقن من النص والفتوى ، وأما للمستمع والسامع فيقتضيه ـ مضافا الى الإجماع ـ ما في خبر أبي بصير‌ (٣) فان مورده السماع.

[٢] بلا خلاف ظاهر ولا إشكال ، للأصل.

[٣] للأصل وغيره ، كما عرفت في أول المبحث.

[٤] عند أصحابنا كما عن جامع المقاصد ، وعليه الإجماع كما عن المدارك وفي الحدائق : « لا خلاف في فوريتها ، ونقلوا الإجماع على ذلك » ويشهد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب قراءة القرآن حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٢.

٤١٧

التأخير. نعم لو نسيها أتى بها إذا تذكر [١] ، بل وكذلك لو تركها عصياناً.

( مسألة ٦ ) : لو قرأ بعض الآية وسمع بعضها الآخر فالأحوط الإتيان بالسجدة [٢].

______________________________________________________

له النصوص المانعة عن قراءة العزائم في الفريضة‌ (١) ، معللا في بعضها بأن السجود زيادة في المكتوبة‌ (٢) ، وفي بعضها الأمر بالإيماء لو سمعها‌ (٣) نعم في موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يسمع السجدة في الساعة التي لا يستقيم الصلاة فيها ، قبل غروب الشمس ، وبعد صلاة الفجر. فقال (ع) : لا يسجد » (٤) لكن لا مجال للعمل به بعد مخالفته للإجماعات ، فيتعين حمله على غير العزيمة لما سبق ، مع أن في ثبوت الإطلاق له إشكالا.

[١] إجماعا ، ويقتضيه صحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع) : « عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع ويسجد ، قال (ع) : يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم » (٥) ، مضافا الى استصحاب الوجوب والفورية ، واحتمال أنه من الموقت لا يقدح في جريان الاستصحاب كما حررناه في محله ، وكذا الحال في العصيان.

[٢] لاحتمال استفادة كون موضوع الحكم الجامع بين القراءة والسماع اللهم إلا أن يكون المستفاد الجامع بالنسبة إلى تمام الآية لا بالنسبة الى كل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

٤١٨

( مسألة ٧ ) : إذا قرأها غلطاً ، أو سمعها ممن قرأها غلطاً فالأحوط السجدة أيضاً [١].

( مسألة ٨ ) : يتكرر السجود مع تكرر القراءة أو السماع أو الاختلاف [٢] ، بل وإن كان في زمان واحد بأن قرأها جماعة أو قرأها شخص حين قراءته على الأحوط [٣].

( مسألة ٩ ) : لا فرق في وجوبها بين السماع من المكلف أو غيره كالصغير والمجنون [٤] إذا كان قصدهما قراءة القرآن.

( مسألة ١٠ ) : لو سمعها في أثناء الصلاة أو قرأها أومأ للسجود وسجد بعد الصلاة وأعادها [٥].

______________________________________________________

جزء من أجزاءها ، فالمرجع الأصل.

[١] لاحتمال شمول النصوص لذلك ، لكن الأظهر اختصاصها بالقراءة على النهج العربي فلا يشمل مثل ذلك.

[٢] كما صرح به غير واحد منهم الشهيد في الذكرى ، ويقتضيه ـ مضافا الى أصالة عدم التداخل ـ صحيح ابن مسلم المتقدم في أول الفصل لكن في ظهوره في التكرار ولو مع عدم تخلل السجود إشكال.

[٣] لاحتمال أن يكون سماع كل قراءة سبباً وإن اتحد السماع ، أو أن كل مرتبة من السماع سبب وإن اجتمعت في وجود واحد ، لكنه ضعيف ولا سيما الاحتمال الأخير. هذا في الفرض الأول ، وأما في الفرض الثاني فالأظهر التكرار لتعدد السبب خارجا الموجب لتعدد المسبب ، كما هو مبنى أصالة عدم التداخل.

[٤] للإطلاق.

[٥] كما تقدم في مبحث قراءة العزائم ، وتقدم منا أن حكمه الإيماء‌

٤١٩

( مسألة ١١ ) : إذا سمعها أو قرأها في حال السجود يجب رفع الرأس منه ثمَّ الوضع [١] ، ولا يكفي البقاء بقصده بل ولا الجر إلى مكان آخر.

( مسألة ١٢ ) : الظاهر عدم وجوب نيته حال الجلوس أو القيام ليكون الهوي إليه بنيته ، بل يكفي نيته قبل وضع الجبهة بل مقارناً له [٢].

( مسألة ١٣ ) : الظاهر أنه يعتبر في وجوب السجدة كون القراءة بقصد القرآنية [٣] ، فلو تكلم شخص بالآية لا بقصد القرآنية لا يجب السجود بسماعه ، وكذا لو سمعها ممن قرأها حال النوم [٤] ، أو سمعها من صبي غير مميز بل وكذا لو سمعها من صندوق حبس الصوت وإن كان الأحوط السجود في الجميع.

______________________________________________________

وإتمام الصلاة لا غير ، للنصوص المتضمنة لذلك.

[١] لما عرفت الإشارة إليه من أن المنصرف من أدلة وجوب السجود الحدوثي كما في الركوع والسجود الصلاتي.

[٢] لتحقق السجود الحدوثي بذلك ، والهوى مقدمة.

[٣] لتوقف قراءة القرآن على ذلك كما سبق في تعيين البسملة وغيره.

[٤] يمكن دعوى كون النائم والمجنون قاصدين ، غاية الأمر أنه لا يعول على قصدهما في الثواب والعقاب وبعض الأعمال ، وكون المقام منها أول الكلام ، وأما صندوق الحبس فيحتمل الوجوب فيه أيضاً إذا كان المسموع فيه عين الصوت لا مثاله.

٤٢٠