مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

فلا يترك الاحتياط حينئذ ، وكذا تبطل مع الالتفات سهواً [١]

______________________________________________________

[١] كما هو المحكي عن جماعة من القدماء ، وفي كشف اللثام : أنه الأقوى لإطلاق أدلة القاطعية ، وأما حديث : « لا تعاد الصلاة » (١) فلاشتماله على استثناء القبلة فيه يكون معاضداً له لا حاكما عليه ، ومثله في المعاضدة ما ورد في من سلم على نقص : من « أنه يتم ما لم يحول وجهه عن القبلة » (٢) بعد حمله على الالتفات القادح إما بكله أو الى خلفه ، وما في بعض النصوص من « أنه يتم » (٣) محمول عليه. نعم في بعضها : « أنه يتم وإن بلغ الصين » (٤) ، أو « انتقل من مثل الكوفة إلى مكة » ، أو « المدينة » ، أو « البصرة » ، أو « بلدة من البلدان » ، أو نحو ذلك‌ (٥). وهو مطروح قطعاً ، ومن ذلك يظهر ضعف المحكي عن أكثر الأصحاب من القول بالصحة ، ونسب الى المبسوط ، والجمل ، والنهاية ، والمراسم ، والسرائر ، والنافع ، والشرائع ، والقواعد ، والمنتهى ، وغيرها من كتب القدماء والمتأخرين للأصل ، وحديث الرفع‌ (٦) ، ولإطلاق بعض ما ورد فيمن سلم على نقص من أنه يتم ، الذي قد عرفت وجوب حمله على صورة عدم حدوث المبطل جمعاً. أما الأصل فلا مجال له مع الدليل ، وأما حديث الرفع فلا يصلح لإثبات صحة المأتي به كما أشرنا إليه في المسألة السابقة ، ولذا قال في كشف اللثام : « وأما العدم سهواً فللأصل ، ورفع النسيان ، وضعفهما ظاهر ».

__________________

(١) تقدم في المورد الثالث من مبطلات الصلاة.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ٢٠.

(٥) الوسائل باب : ٣ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ١٩.

(٦) تقدم في المورد الثالث من مبطلات الصلاة.

٥٤١

فيما كان عمده مبطلا ، إلا إذا لم يصل إلى حد اليمين واليسار ، بل كان فيما بينهما فإنه غير مبطل إذا كان سهواً وإن كان بكل البدن [١].

الخامس : تعمد الكلام بحرفين [٢] ولو مهملين غير‌

______________________________________________________

[١] لما دل على صحة صلاة الناسي إذا كان منحرفا عن القبلة بالمقدار المذكور (١) ، كما تقدم في مبحث الاستقبال ، فيلحق به المقام للأولوية.

وبالجملة : كل ما دل على صحة الصلاة الى غير القبلة ناسياً جاز في المقام للأولوية حتى بالنسبة إلى الصحة في خارج الوقت فقط.

[٢] إجماعا حكاه جماعة كثيرة كالشيخ ، وابن زهرة ، والفاضلين ، والشهيدين ، والمحقق الأردبيلي ، والسيد في المدارك ، والمحدث الكاشاني ، والفاضل الهندي ، وغيرهم ، ويشهد له جملة من النصوص ، كموثق أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : « إن تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة » (٢) ، وفي صحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله (ع) فيمن يأخذه الرعاف : « وإن تكلم فليعد صلاته » (٣) وفي مصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يصيبه الرعاف قال : إن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته » (٤) ، وفي صحيح الفضيل عن أبي جعفر (ع) : « وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمداً ، وإن تكلمت ناسياً فلا شي‌ء عليك » (٥) ... الى غير ذلك.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب القبلة.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٧ وباب : ٢ حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٦ وباب : ٢ حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٥.

٥٤٢

مفهمين للمعنى [١] أو بحرف واحد بشرط كونه مفهما للمعنى [٢]

______________________________________________________

[١] بلا خلاف كما عن الذخيرة ، وعن شرح المفاتيح نسبته الى الفقهاء بل عن الحدائق الإجماع عليه. ويقتضيه إطلاق النصوص لعموم الكلام للموضوع والمهمل كما عن شمس العلوم ، وشرح الكافية لنجم الأئمة ، وجماعة من النحويين. بل لا ينبغي التأمل في صدقه عرفا بذلك ، وما عن الروضة من قوله : « وفي اشتراط كون الحرفين موضوعين لمعنى وجهان » الظاهر في توقفه في ذلك غير ظاهر.

[٢] كما عن الشهيد وجماعة ممن تأخر عنه ، وعن المنتهى أنه الوجه ، وفي الحدائق : « ظاهر الأصحاب دعوى صدق الكلام عليه لغة وعرفا ، بل هو كلام عند أهل العربية فضلا عن اللغة لتضمنه الاسناد المفيد فيدخل في عموم الأخبار المتقدمة ».

أقول : صدق الكلام لغة عليه غير ظاهر ، وإن قيل أنه في أصل اللغة يطلق على كل حرف من حروف المعجم كان أو من حروف المعنى أو على أكثر ، لكنه اشتهر في المركب من حرفين فصاعداً كما صرح به نجم الأئمة رحمه‌الله ، وكذا الحال في العرف. وقولهم : تكلم زيد بحرف ، أو ما تكلم بحرف مبني على المساهلة ، ولذا لا يقال لمن قال : ( ب ) أنه تكلم كما أشار الى ذلك في محكي المدارك ، وأما أنه كلام عند أهل العربية فهو مسلم لكنه لا يصحح حمل الكلام الصادر من الشارع في مقام البيان عليه نظير إطلاق الكلمة على حرف المعنى مع أنها ليست كذلك عرفا ، ولأجل ذلك يشكل الجزم بالبطلان به ولذا تردد فيه في القواعد ، وعن التذكرة ، والنهاية ، والدروس ، وغيرها. لكن علل في بعضها بأنه لا يعد كلاماً لكنه أشبه الكلام ، وللاعراض به عن الصلاة ، وفيه ما لا يخفى.

٥٤٣

نحو : « ق » فعل أمر من « وقى » بشرط أن يكون عالماً بمعناه [١] وقاصداً له [٢] بل أو غير قاصد أيضاً مع التفاته إلى معناه على الأحوط [٣].

( مسألة ١ ) : لو تكلم بحرفين حصل ثانيهما من إشباع حركة الأول بطلت [٤] بخلاف ما لو لم يصل الإشباع [٥] إلى حد حصول حرف آخر.

( مسألة ٢ ) : إذا تكلم بحرفين من غير تركيب [٦]

______________________________________________________

ودعوى كون الكلام اسماً لما تركب من حرفين ، أو كان مفهما ولو كان حرفا واحداً ، عهدتها على مدعيها.

[١] إذ الظاهر من المفهم ما يكون مفهما لمراد المتكلم ، ولو لا ذلك كان من غير المفهم ، ولم يكن فرق بينه وبين ( ق ) من ( قيام ).

[٢] يعني : قصداً جديا بأن قصد به الأمر بالوقاية.

[٣] لاحتمال كون المراد من المفهم ما أفهم معناه بأن يقصد استعماله في معناه وإن لم يقصد منه الاخبار أو الإنشاء.

[٤] كما استظهره في الجواهر ، إذ لا ينقص عن الكلمة المركبة وضعاً منهما ، من غير فرق بين ما كان بمده أشبه الكلمة الموضوعة ك‍ ( با ) و ( تا ) و ( ثا ) علما للحروف ، وبين ما لا يكون كذلك ك‍ ( عا ) و ( كا ) ، لما تقدم من عدم الفرق بين الموضوع والمهمل ، وعن الروض اعتبار ذلك ، وقد تقدم نظيره عن الروضة وعرفت إشكاله.

[٥] فإنه غير مبطل إجماعا كما عن المنتهى ، والذكرى ، والروض ، والمقاصد العلية ، وظاهر المدارك ، والكفاية.

[٦] الظاهر أن مراده عدم قصد التركيب. لكن الظاهر تحقق التركيب‌

٥٤٤

كأن يقول : « ب ب » ـ مثلا ـ ففي كونه مبطلا أو لا وجهان والأحوط الأول.

( مسألة ٣ ) : إذا تكلم بحرف واحد غير مفهم للمعنى لكن وصله بإحدى كلمات القراءة أو الأذكار أبطل من حيث إفساد [١] تلك الكلمة إذا خرجت تلك الكلمة عن حقيقتها.

( مسألة ٤ ) : لا تبطل بمد حرف المد واللين وإن زاد فيه بمقدار حرف آخر ، فإنه محسوب حرفا واحداً [٢].

( مسألة ٥ ) : الظاهر عدم البطلان بحروف المعاني [٣] مثل « ل » حيث أنه لمعنى التعليل أو التمليك أو نحوهما ، وكذا مثل‌

______________________________________________________

بوصل أحد الحرفين بالآخر على نحو يكون كلاماً واحداً ، سواء أقصد المتكلم التركيب أم لم يقصد ، وحينئذ فالأقوى البطلان. نعم في مفروض المتن ـ أعني صورة عدم التركيب ـ الأقوى الصحة لعدم البطلان بالحرف الواحد.

[١] فاذا فسدت أبطلت إذا كانت عمداً لحصول الزيادة العمدية ، وللكلام عمداً.

[٢] لأن المد ـ كما قيل ـ ليس بحرف ولا حركة ، وإنما هو زيادة في مد الحرف والنفس.

[٣] كما جزم في الجواهر ، لعدم الفهم منها وضعاً. وفيه : أنها موضوعة كالأسماء لمعانيها غاية الأمر أن معانيها غير مستقلة فلا تفيدها إلا في ظرف الانضمام الى أجزاء الجملة ، فالمراد من الحرف المفهم إن كان خصوص المفهم مستقلا لم تكن الحروف المذكورة منه ، وإن أريد ما له معنى يفيده ولو في حال الانضمام الى أجزاء الجملة كانت منه. والعمدة ملاحظة الأصل الجاري في المقام ، فان كان خروج غير المفهم للإجماع‌

٥٤٥

« و» حيث يفيد معنى العطف أو القسم ، ومثل « ب » فإنه حرف جر وله معان ، وإن كان الأحوط البطلان مع قصد هذه المعاني ، وفرق واضح بينها [١] وبين حروف المباني.

( مسألة ٦ ) : لا تبطل بصوت التنحنح [٢] ، ولا بصوت النفخ [٣]

______________________________________________________

ـ كما اختاره في الجواهر ـ فغير ظاهر الشمول لهذه الحروف فيتعين البناء على البطلان.

[١] لوضع هذه الحروف لمعنى ، ولذا كانت من أنواع الكلمة المنقسمة إلى اسم وفعل وحرف ، بخلاف حروف المباني.

[٢] كما عن التذكرة ، والذكرى ، والروض ، ومجمع البرهان ، والمدارك والكفاية والمفاتيح ، وشرحه ، وغيرها ، لأنه ليس من جنس الكلام. بل لا تبعد دعوى السيرة القطعية على جوازه. ويشهد له موثق عمار : « سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل يسمع صوتاً بالباب وهو في الصلاة فيتنحنح لتسمع جاريته وأهله ، لتأتيه ، فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب لتنظر من هو ، قال (ع) : لا بأس » (١) ، والسؤال وإن لم يكن لاحتمال مبطلية التنحنح فقط ، بل لاحتمال مبطلية الأفعال المذكورة جميعها لكن بنفي البأس عنها يدل على المطلوب ، وأما ما عن المنتهى وغيره من أنه لو تنحنح بحرفين وسمي كلاماً بطلت ، فليس تفصيلا منه ، بل مجرد فرض.

[٣] الكلام فيه كما في سابقة ، ويشهد لعدم البطلان خبر إسحاق عن رجل : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المكان يكون فيه الغبار فأنفخه إذا

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

٥٤٦

والأنين [١] والتأوه [٢] ونحوها. نعم تبطل بحكاية أسماء‌

______________________________________________________

أردت السجود ، فقال (ع) : لا بأس » (١) ، ولا يبعد أن يكون السؤال فيه لاحتمال كون النفخ فعلا قادحاً لا كلاماً.

[١] أما إذا كان بحرف واحد فلا إشكال في عدم البطلان به وإن نص جماعة على كراهته. أما إذا كان بحرفين ، فعن الخلاف ، والوسيلة ، والتذكرة ، والدروس ، والذكرى ، وغيرها : أنه لا يجوز ، لأنه يصدق عليه الكلام. وفيه : أن الأذنين ليس من سنخ الكلام كي يكون تارة : بالحرف ، وأخرى : بالحرفين إذ لا تقطيع للصوت فيه. نعم قد يكون مشابهاً تارة : للحرف الواحد ، وأخرى : للحرفين ، لكن ذلك المقدار غير كاف في إجراء حكم التلفظ بالحرفين عليه. وأما خبر طلحة ابن زيد عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) عن علي (ع) : « من أنّ في صلاته فقد تكلم » (٢) ، ومثله المرسل المروي في الفقيه‌ (٣) فمع عدم وضوح سنده وهجره عند الأصحاب لا مجال للاعتماد عليه ، وإن جعله الأجود في الحدائق فيكون الأنين من جملة القواطع زائداً على الكلام ، ويكون المراد من الخبر التنزيل منزلة الكلام.

[٢] الكلام فيه هو الكلام في الأنين من أنه لا إشكال في عدم البطلان به إذا كان بحرف واحد. نعم صرح جماعة بكراهته. أما إذا كان بحرفين فقد صرح في غير واحد من الكتب منها التحرير والبيان بالبطلان به ، والمراد به هنا الصوت الخاص الذي هو من قبيل الأنين ، ولذا فرق بعضهم بينهما باختصاص الأنين بالمرض ، وعموم التأوه لمطلق الشكاية فالحكم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب السجود حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢.

٥٤٧

هذه الأصوات مثل : « أح » و « يف » و « أوه ».

( مسألة ٧ ) : إذا قال : « آه من ذنوبي » أو : « آه من نار جهنم » لا تبطل الصلاة قطعاً إذا كان في ضمن دعاء أو مناجاة [١] ، وأما إذا قال : « آه » من غير ذكر المتعلق فان قدره فكذلك [٢] ، وإلا فالأحوط اجتنابه وإن كان الأقوى عدم البطلان إذا كان في مقام الخوف من الله.

______________________________________________________

فيه هو الحكم فيه لأنه ليس من سنخ الكلام. لكن قال في القاموس : « ( أوه ) كجير ، وحيث ، وأين و ( آه ) و ( أوّه ) بكسر الهاء والواو المشددة ، و ( أوّ ) بحذف الهاء و ( أوّه ) بفتح الواو المشددة .. » الى أن قال بعد تعداد كلمات التأوه : « ( آه أوهاً ) ، ( وأوّه تأويهاً ) و ( تأوه ) قالها » وقريب منه ما عن الصحاح ، وفي المجمع ، لكن الظاهر أنه ليس محلا للكلام هنا ، فإنه لا ريب في كونه كلاماً مبطلا ، ومثله ما ذكره في المتن في ذيل المسألة.

[١] لكونه من جملة أجزائه.

[٢] هذا إذا كانت في ضمن الدعاء أو المناجاة ظاهر لأنها أيضاً معدودة من جملة أجزائهما ، أما إذا كانت منفردة فالتقدير لا يجدي في إدخالها في الدعاء أو المناجاة وليست هي ذكراً. فاذاً مقتضى عموم قادحية الكلام البطلان بها ، ولذلك استشكل غير واحد على المحقق في المعتبر حيث حكى عن أبي حنيفة أن التأوه للخوف من الله تعالى عند ذكر المخوفات لا يبطل الصلاة وان كان بحرفين ، ويبطلها إن كان لغير ذلك كألم يجده. ثمَّ قال : « وتفصيل أبي حنيفة حسن ، ونقل عن كثير من الصلحاء التأوه في الصلاة ، ووصف إبراهيم (ع) بذلك يؤذن بجوازه ».

٥٤٨

( مسألة ٨ ) : لا فرق في البطلان بالتكلم [١] بين أن يكون هناك مخاطب أم لا. وكذا لا فرق بين أن يكون مضطراً في التكلم أو مختاراً. نعم التكلم سهواً ليس مبطلا [٢]

______________________________________________________

والتحقيق : أنه لا فرق بين ذكرها في ضمن دعاء أو مناجاة وعدمه وبين كون المتعلق بها مثل : « من ذنوبي » أو « من ألمي » وغير ذلك من أمور الدنيا والآخرة ، وبين التصريح بالمتعلق وتقديره وعدمهما ، والحكم في الجميع أنه إن صدرت في مقام الشكاية الى الله تعالى لم تبطل وإن كانت من أمر دنيوي ، وإن لم تكن كذلك أبطلت وإن كانت في ضمن دعاء أو مناجاة. نعم كونها في ضمن أحدهما قرينة على صدورها في مقام الشكاية إليه تعالى ، والمدار في الصحة عليه لا على القرينة.

[١] للإطلاق فيه وفيما بعده ، واحتمال التمسك بحديث رفع الاضطرار‌ (١) لرفع قاطعيته لو كان عن اضطرار ـ كما احتمله في الذكرى فيما لو تكلم مكرهاً ـ قد عرفت الاشكال فيه ، وأن الحديث لا يصلح لإثبات صحة الصلاة معه ، وفي المنتهى قرّب البطلان في المكره حملا لحديث الرفع على رفع المؤاخذة.

[٢] بلا خلاف ظاهر ، وفي المنتهى : « عليه علماؤنا » ، ويشهد له النصوص كصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم فقال (ع) : يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم ولا شي‌ء عليه » (٢) ، وصحيح ابن الحجاج : « عن الرجل يتكلم ناسياً في الصلاة يقول : أقيموا صفوفكم قال (ع) : يتم صلاته ثمَّ يسجد سجدتين .. » (٣)

__________________

(١) تقدم في الموارد الثالث من مبطلات الصلاة.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ١.

٥٤٩

ولو بتخيل الفراغ من الصلاة [١].

( مسألة ٩ ) : لا بأس بالذكر والدعاء في جميع أحوال الصلاة [٢] بغير المحرم وكذا بقراءة القرآن [٣]

______________________________________________________

ونحوهما غيرهما.

[١] على المشهور ، ويشهد له النصوص الكثيرة منها صحيح زرارة المتقدم‌ ، وعن الشيخ وجماعة البطلان حينئذ ، وسيأتي الكلام فيه في مبحث الخلل.

[٢] بلا خلاف ولا إشكال ، ويشهد به ـ مضافاً الى الأصل بعد عدم دخولهما في الكلام المنهي عنه ـ النصوص مثل موثق عمار : « عن الرجل والمرأة يكونان في الصلاة فيريدان شيئاً أيجوز لهما أن يقولا سبحان الله؟ قال (ع) : نعم ، ويوميان الى ما يريدان » (١) وصحيح ابن مهزيار : « سألت أبا جعفر (ع) عن الرجل يتكلم في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي به ربه قال (ع) : نعم » (٢) وصحيح الحلبي : « قال أبو عبد الله (ع) : كلما ذكرت الله عز وجل والنبي (ص) فهو من الصلاة » (٣) ، ونحوها غيرها.

[٣] بلا خلاف ولا إشكال ظاهر ، بل في المستند : « الظاهر الإجماع عليه » ، وقد يشهد له ـ مضافاً الى الأصل المتقدم ـ صحيح معاوية بن وهب‌ (٤) المتضمن لقراءة أمير المؤمنين (ع) في الركعة الثانية من الصبح قوله تعالى ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ) (٥)

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٥) الروم : ٦٠.

٥٥٠

غير ما يوجب السجود [١] وأما الدعاء بالمحرم كالدعاء على مؤمن ظلماً فلا يجوز [٢] بل هو مبطل للصلاة وإن كان جاهلا [٣] بحرمته. نعم لا يبطل مع الجهل بالموضوع كما إذا اعتقده كافراً فدعا عليه فبان أنه مسلم.

( مسألة ١٠ ) : لا بأس بالذكر والدعاء بغير العربي [٤] أيضا وان كان الأحوط العربية.

( مسألة ١١ ) : يعتبر في القرآن قصد القرآنية [٥] فلو قرأ ما هو مشترك بين القرآن وغيره لا بقصد القرآنية ولم يكن‌

______________________________________________________

في جواب ابن الكوا حين قرأ ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ) (١) ، وقد يستفاد مما ورد في النهي عن القراءة في الركوع أو فيه وفي السجود‌ (٢).

[١] على ما سبق في قراءة العزائم في الفريضة.

[٢] تقدم في القنوت الإشكال في تحريم الدعاء بالمحرم كالإشكال في البطلان به ، كما تقدم وجه تحريم الدعاء على المؤمن ظلما. فراجع.

[٣] كما في الجواهر حاكياً له عن المسالك ، إذ بالجهل بحرمة المدعو به لا يخرج الدعاء عن كونه دعاء بالمحرم فيشمله الدليل المتقدم. نعم إذا كان الجهل عن قصور كما إذا أدى اجتهاده الى حليته فحكمه كالجهل بالموضوع في المعذورية الموجبة لدخوله في عموم عدم قاذحية الدعاء ، فتأمل.

[٤] كما تقدم في القنوت. فراجع.

[٥] تقدم في القراءة اعتبار القصد في صدق قراءة القرآن من دون‌

__________________

(١) الزمر : ٦٥.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب الركوع.

٥٥١

دعاء أيضاً أبطل ، بل الآية المختصة بالقرآن أيضا إذا قصد بها غير القرآن أبطلت ، وكذا لو لم يعلم أنها قرآن.

( مسألة ١٢ ) : إذا أتى بالذكر بقصد تنبيه الغير والدلالة على أمر من الأمور فإن قصد به الذكر وقصد التنبيه برفع الصوت مثلا فلا إشكال بالصحة [١] وإن قصد به التنبيه من دون قصد الذكر أصلا بأن استعمله في التنبيه والدلالة فلا إشكال في كونه مبطلا [٢] وكذا إن قصد الأمرين معاً على أن يكون له مدلولان واستعمله فيهما [٣] وأما إذا قصد به الذكر وكان داعيه على الإتيان بالذكر تنبيه الغير فالأقوى الصحة [٤].

( مسألة ١٣ ) : لا بأس بالدعاء مع مخاطبة الغير [٥] بأن يقول : « غفر الله لك » فهو مثل قوله : « اللهم اغفر لي أو لفلان ».

______________________________________________________

فرق بين المختص والمشترك ، فلا تصدق قراءة القرآن مع عدم قصد القرآنية فضلا عن قصد غيرها.

[١] لكونه المتيقن من النصوص.

[٢] لدخوله في الكلام وعدم شمول استثناء الذكر له.

[٣] لا يبعد القول بعدم البطلان به لصدق الذكر عليه ، لا أقل من الشك في شمول إطلاق مانعية الكلام لمثله.

[٤] الظاهر أن هذه الصورة كالصورة الأولى في وضوح دخولها في نصوص استثناء الذكر.

[٥] موضوع نصوص الاستثناء خصوص صورة الكلام معه سبحانه‌

٥٥٢

( مسألة ١٤ ) : لا بأس بتكرار الذكر أو القراءة عمداً [١] أو من باب الاحتياط. نعم إذا كان التكرار من باب الوسوسة فلا يجوز ، بل لا يبعد بطلان الصلاة به [٢].

( مسألة ١٥ ) : لا يجوز ابتداء السلام [٣] للمصلي ، وكذا سائر التحيات مثل : « صبحك الله بالخير » أو « مساك الله بالخير » أو « في أمان الله » أو ( ادْخُلُوها بِسَلامٍ ) إذا قصد مجرد التحية وأما إذا قصد الدعاء بالسلامة أو الإصباح والإمساء بالخير ونحو ذلك فلا بأس به [٤] وكذا إذا قصد القرآنية من نحو قوله : ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) أو : ( ادْخُلُوها بِسَلامٍ ) وإن كان الغرض منه السلام أو بيان المطلب بأن يكون من باب الداعي على الدعاء [٥] أو قراءة القرآن.

______________________________________________________

ومناجاته فلا يشمل مثل ذلك.

[١] لكن يشكل جواز الإتيان به بقصد الجزئية ، وما في النصوص من أن الذكر من الصلاة فالظاهر منه ما هو أعم من ذلك.

[٢] قد عرفت الاشكال فيه في الدعاء المحرم.

[٣] بلا إشكال ظاهر لأن التحية عرفا ليست من الدعاء وإن كان أصل معناها الدعاء ، لكنه غير مقصود للمحيي فتكون من كلام الآدميين المبطل للصلاة لو وقع عمداً. مع أنك عرفت الإشكال في الدعاء إذا لم يكن المخاطب به الله سبحانه.

[٤] لكن عرفت أنه إذا قصد به مخاطبة الغير يشكل دخوله في المستثنى من الدعاء.

[٥] فعليه تكون التحية وبيان المطلب بالفعل لا بالقول ، لكن تقدم‌

٥٥٣

( مسألة ١٦ ) : يجوز رد سلام التحية [١] في أثناء الصلاة بل يجب [٢] وإن لم يكن السلام أو الجواب بالصيغة‌

______________________________________________________

في المسألة الثامنة من فصل مستحبات القراءة إمكان الجمع بين قراءة القرآن وإنشاء التحية بمثل ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) و ( ادْخُلُوها ) بأن يكون اللفظ مستعملا في نفس ألفاظ القرآن وإن كان المنشأ بها الدعاء ، أو التحية ، أو الاذن بالدخول ، أو غير ذلك.

[١] بلا خلاف كما عن غير واحد ، بل إجماعا كما عن آخرين ، وفي الجواهر : « الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص مستفيضة فيه إن لم تكن متواترة ». وسيأتي جملة منها. نعم في خبر مسعدة‌ (١) النهي عن السلام على المصلي معللا بأنه لا يستطيع أن يرد السلام ، لكن لا مجال للعمل به في مقابل ما عرفت.

[٢] كما هو المذكور في معقد الإجماعات الصريحة أو الظاهرة في كلمات المتأخرين. نعم كلمات القدماء وكثير من غيرهم خالية عنه ، وفي كشف اللثام : « لم يتعرض غيره ـ يعني غير المصنف ـ للوجوب » ، وعن التذكرة : « ظاهر الأصحاب مجرد الجواز ». وعن التنقيح : « الأكثر على أنه ـ أي الرد ـ جائز وليس في عباراتهم ما يشعر بالوجوب ». ولكن الظاهر ـ كما في الذكرى ، وعن النفلية ، والفوائد الملية ـ أنهم أرادوا شرعيته في مقابل من أنكرها من العامة ، ويبقى الوجوب معلوما من القواعد ، وعن المسالك : أن كل من قال بالجواز قال بالوجوب ، وعن مجمع البرهان : « كأنه على تقدير الجواز يجب كما يفهم من عباراتهم وأدلتهم كالآية ونحوها » نعم في المعتبر ـ بعد ذكر الروايات المتضمنة لرد السلام في الصلاة ـ قال : « وهذه الروايات محمولة على الجواز لعدم الرجحان ». وظاهره أن عدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١.

٥٥٤

القرآنية. ولو عصى ولم يرد الجواب واشتغل بالصلاة قبل فوات وقت الرد [١] لم تبطل على الأقوى [٢].

( مسألة ١٧ ) : يجب أن يكون الرد في أثناء الصلاة بمثل ما سلم [٣] فلو قال : « سلام عليكم » يجب أن يقول في‌

______________________________________________________

الرجحان مفروغ عنه فضلا عن عدم الوجوب ، ولكنه غير ظاهر ، فإنه خلاف إطلاق ما دل على وجوب رد السلام الشامل للصلاة كما ذكره هو ( قده ) في صدر كلامه.

[١] يعني : اشتغل الى أن فات الرد.

[٢] كما صرح به جماعة منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد ، وعن المختلف وغيره : « لو اشتغل بالقراءة عقيب التسليم عليه بطلت صلاته ، لأنه فعل منهي عنه ». لكن النهى للمضادة ، والتحقيق عدم اقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده. قال في الذكرى : « وبالغ بعض الأصحاب في ذلك ، فقال تبطل الصلاة لو اشتغل بالأذكار ، ولما يرد السلام. وهو من مشرب اجتماع الأمر والنهي في الصلاة كما سبق ، والأصح عدم الابطال بترك رده ».

[٣] كما لعله المشهور ، بل لعله ظاهر معقد إجماع محكي الانتصار والخلاف وغيرها ، ويشهد له مصحح ابن مسلم : « دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وهو في الصلاة فقلت : السلام عليك. فقال (ع) : السلام عليك. فقلت : كيف أصبحت؟ فسكت ، فلما انصرف قلت : أيرد السلام وهو في الصلاة؟ قال (ع) : نعم مثل ما قيل له » (١) وصحيح منصور عن أبي عبد الله (ع) : « إذا سلم عليك الرجل وأنت تصلي ، قال

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١.

٥٥٥

______________________________________________________

عليه‌السلام : ترد عليه خفياً كما قال » (١). نعم يعارضها موثق سماعة عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن الرجل يسلم عليه وهو في الصلاة ، قال (ع) : يرد سلام عليكم ولا يقول : وعليكم السلام فان رسول الله (ص) كان قائماً يصلي فمر به عمار بن ياسر فسلم عليه عمار فرد عليه النبي (ص) هكذا » (٢) ، وصحيح ابن مسلم الآخر عن أبي جعفر (ع) : « إذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة فسلم عليه تقول : السلام عليك وأشر بإصبعك » (٣) ونحوه خبر ابن جعفر (ع) المروي عن قرب الاسناد‌ (٤). فإن ظاهر الأول تعين الجواب مطلقاً بـ « سلام عليكم » كما أن ظاهر الأخيرين تعينه بـ « السلام عليك » لكن الجمع العرفي بينها بتقييد كل منهما بصورة المماثلة كما هو الغالب ، إذ بذلك يرتفع التنافي فيما بينها نفسها ، وفيما بينها وبين الصحيحين الأولين لا بحملهما على التخيير. ثمَّ حمل المماثل على إحدى الصيغتين لأنهما الغالب. فإنه خلاف الظاهر جداً ، ولا سيما وأن فيه تصرفا في كل من الطوائف الثلاث ، وعليه فمقتضى إطلاق المماثلة التامة في الافراد والجمع ، والتعريف ، والتنكير.

نعم قد يوهن هذا الإطلاق ما في الذكرى قال : « روى البزنطي في سياق أحاديث الباقر (ع) : إذا دخلت المسجد والناس يصلون فسلم عليهم ، وإذا سلم عليك فاردد فإني أفعله ، وإن عمار بن ياسر رحمه‌الله مر على رسول الله (ص) وهو يصلي فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فرد (ص) عليه‌السلام » (٥) فان المستفاد منها ـ بعد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ١٦ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٧.

(٥) الوسائل باب : ١٧ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٣.

٥٥٦

الجواب : « سلام عليكم » ـ مثلا ـ بل الأحوط المماثلة في التعريف والتنكير والافراد والجمع فلا يقول : « سلام عليكم » في جواب « السلام عليكم » أو في جواب « سلام عليك » ـ مثلا ـ وبالعكس وإن كان لا يخلو من منع. نعم لو قصد القرآنية في الجواب فلا بأس بعدم المماثلة [١].

( مسألة ١٨ ) : لو قال المسلم : « عليكم السلام » فالأحوط في الجواب [٢] أن يقول : « سلام عليكم » ، بقصد القرآنية أو بقصد الدعاء.

______________________________________________________

ضمها الى موثق سماعة المتقدم مع البناء على كون القضية المحكية فيهما واحدة كما قد يقتضيه ظاهرهما ـ : أن سلام عمار كان بما في رواية البزنطي‌ ، وجواب النبي (ص) كان بما في موثق سماعة‌ ، وعليه فالمراد من المماثلة المماثلة في تقديم السلام على الخبر فيكون السلام عليك ، وسلام عليك ، والسلام عليكم ، وسلام عليكم كلها متماثلة ، ويومئ اليه ما في الموثق من الاقتصار في المنع على عليكم السلام دون الصيغ الثلاث. اللهم إلا أن يمنع ظهور الروايتين في وحدة الواقعة والإيماء في الموثق ليس بنحو يصلح قرينة لرفع اليد عن إطلاق المماثلة ، ولا سيما مع عدم تعرض الموثق للمنع عن بقية الصيغ التي قدم فيها الخبر أيضاً ، ولعل الوجه في الاقتصار على الصيغة المذكورة فيه كونها الفرد الشائع المتعارف ، ولأجل ذلك يشكل رفع اليد عن إطلاق المماثلة ، ومما ذكرنا تعرف الوجه فيما ذكره المصنف رحمه‌الله من الاحتياط ومن وجه المنع.

[١] لانصراف أدلة اعتبار المماثلة الى غير ذلك.

[٢] قال في محكي التذكرة : « لو قال : عليك السلام ، لم يكن‌

٥٥٧

( مسألة ١٩ ) : لو سلم بالملحون وجب الجواب صحيحاً [١]

______________________________________________________

مسلماً إنما هي صيغة جواب » ، وعن الحدائق : عدم وجوب الرد إذا كان بغير الصيغ الأربع ، وقريب منهما كلام غيرهما ، للأصل بعد تنزيل أدلة الوجوب على المتعارف ، وفي النبوي العامي : أنه (ص) قال لمن قال له : عليك السلام يا رسول الله (ص) : « لا تقل عليك السلام تحية الموتى ، إذا سلمت فقل : سلام عليك يقول الراد : عليك السلام » (١).

وفيه : أن التعارف لا يسقط المطلق عن الحجية فلا مجال للأصل ، ولا سيما وفي خبر عمار : « عن النساء كيف يسلمن إذا دخلن على القوم؟ قال (ع) : المرأة تقول : عليكم السلام ، والرجل يقول السلام عليكم » (٢) والنبوي ضعيف السند والدلالة ، وعليه يتعين الجواب بـ « عليكم السلام » لأنه المماثل ، والنهي عنه في موثق سماعة المتقدم‌ (٣) لا ينافيه لما عرفت من أن مورده صورة الابتداء بـ « سلام عليكم » كما هو الغالب فلا يشمل الصورة المذكورة. ومما ذكرنا تعرف أن ما في المتن من كون الأحوط أن يقول : « سلام عليكم » بقصد القرآنية أو الدعاء إنما هو بلحاظ صحة الصلاة ، أما بلحاظ وجوب الرد فغير ظاهر ، لكونه أدنى ، وظاهر الآية تعين المثل أو الأحسن. هذا مضافا الى الإشكال في جواز الدعاء إذا كان المخاطب غيره سبحانه كما سبق. نعم بناء على جواز حكاية مفردات القرآن في أثناء الصلاة ـ كما هو الظاهر ـ يمكن تأليف « عليكم السلام » بقصد حكاية مفردين من سورتين بقصد التحية فيكون الاحتياط من الجهتين.

[١] أما وجوب الجواب فلعموم وجوب الرد ، وانصرافه عن الملحون‌

__________________

(١) راجع الجواهر ج : ١١ صفحة : ١٠٤ طبع النجف الحديث ، والحدائق ج : ٩ صفحة : ٧٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب أحكام العشرة حديث : ٣.

(٣) راجع صفحة : ٥٥٦.

٥٥٨

والأحوط قصد [١] الدعاء أو القرآن.

( مسألة ٢٠ ) : لو كان المسلم صبياً مميزاً أو نحوه أو امرأة أجنبية أو رجلا أجنبياً على امرأة تصلي فلا يبعد بل الأقوى جواز الرد [٢] بعنوان رد التحية ، لكن الأحوط قصد القرآن أو الدعاء.

______________________________________________________

ليس بنحو يعتد به في رفع اليد عن الإطلاق ، والتشكيك في صدق التحية عليه ـ كما في المستند ـ في غير محله ، وأما كونه صحيحاً فغير ظاهر وإن جزم به في الجواهر ، إذ هو خلاف إطلاق الرد ، وليس هو من الموظف في الصلاة ليدعى انصرافه الى خصوص الصحيح كما تقدم في القنوت.

[١] كما عن شرح المفاتيح مشعراً بالتردد في أصل الوجوب ، وكأنه لما عرفت.

[٢] أما في الصبي فهو المعروف ، وفي الجواهر : « لم أجد مخالفاً هنا في وجوب الرد إلا ما يحكى عن فوائد الشرائع ». لصدق التحية فيشملها الإطلاق ، من دون فرق بين القول بشرعية عباداته وكونها تمرينية إذ لا يختص وجوب الرد بالتحية العبادية. ودعوى الانصراف الى خصوص ما كان مشروعا غير ظاهرة. فتأمل. وأما في المرأة فلا ينبغي التأمل فيه بناء على جواز سماع صوتها. نعم بناء على ما نسب الى المشهور من حرمة ذلك لا يبعد انصراف الأدلة عنها ، لأن المحرم لا يستأهل الجواب. وإن أمكن الإشكال عليه ـ بناء على عدم دخول الإسماع في مفهوم التحية ـ بأن المحرم الاسماع لا نفس التحية ، والرد إنما يكون لها لا له. نعم لو سلم رياء لم يرد الاشكال المذكور ، وتعين القول بعدم وجوب رده ، خلافا للجواهر. وأما في الرجل الأجنبي فمقتضى العموم وجوب ردها عليه وحرمة إسماعه صوتها.

٥٥٩

( مسألة ٢١ ) : لو سلم على جماعة منهم المصلي ، فرد الجواب غيره ، لم يجز له الرد [١]. نعم لو رده صبي مميز ، ففي كفايته إشكال [٢]. والأحوط رد المصلي بقصد القرآن أو الدعاء.

( مسألة ٢٢ ) : إذا قال : « سلام » ، بدون « عليكم » وجب الجواب في الصلاة [٣] إما بمثله ، ويقدر « عليكم » ، وإما بقوله : « سلام عليكم » [٤]. والأحوط الجواب كذلك بقصد القرآن أو الدعاء.

( مسألة ٢٣ ) : إذا سلم مرات عديدة يكفي في الجواب‌

______________________________________________________

مع إمكان دعوى تخصيص تحريم الاسماع على تقدير تماميته بغير المورد ، كما يقتضيه الأصل بعد كون التعارض بالعموم من وجه.

[١] كما مال إليه في الجواهر لظهور الأدلة في وجوب الرد ، المقتضي لكون مفروضها غير ما نحن فيه. وفيه : منع ، لورود الأدلة مورد توهم الحظر ، فلا مانع من شمولها لما نحن فيه. فالأولى دعوى انصراف دليل الجواز الى الرد الواجب ، فيكون المرجع في غيره عموم دليل القادحية.

[٢] كأنه للإشكال في الاكتفاء برد الصبي في غير الصلاة. ولكنه ضعيف ، لأنه خلاف الإطلاق.

[٣] لصدق التحية. ومنه يعلم ضعف ما عن جماعة من إنكار الوجوب وعن آخرين من التردد فيه ، لعدم ثبوت كونه تحية.

[٤] هذا بناء على الاكتفاء بالمماثلة بغير تقدير الخبر وذكره. لكنه خلاف الإطلاق. وقد تقدم الإشكال أيضاً في الدعاء مع مخاطبة الغير.

٥٦٠