مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

فالأحوط أن يعيد الألف واللام أيضاً [١] ، بأن يقول : ( الْمُسْتَقِيمَ ). ولا يكتفي بقوله : ( مستقيم ). وكذا إذا لم يصح المضاف إليه فالأحوط إعادة المضاف ، فاذا لم يصح لفظ ( الْمَغْضُوبِ ) فالأحوط أن يعيد لفظ غير أيضاً.

( مسألة ٤٨ ) : الإدغام في مثل مدّ وردّ مما اجتمع في كلمة واحدة مثلان واجب [٢] ، سواء كانا متحركين ـ كالمذكورين ـ أو ساكنين ـ كمصدرهما.

( مسألة ٤٩ ) : الأحوط الإدغام [٣] إذا كان بعد النون الساكنة أو التنوين‌

______________________________________________________

[١] لما سبق ، وكذا عليه أن يعيد ( الصِّراطَ ) لا لما سبق ، إذ الوصل بالمفرد الغلط لا يوجب فوات هيئة الموصول ، بل لأنه لو اقتصر على ( الْمُسْتَقِيمَ ) لزم الفصل بالأجنبي بين الموصوف وصفته ، إلا أن يبنى على جوازه في ضرورة الغلط كما هو الظاهر ، ومع الشك في ذلك فالأصل البراءة من وجوب الإعادة ، وكذا الحال في المضاف والمضاف إليه ، فإنه لا حاجة الى إعادة المضاف إذا جاء بالمضاف اليه غلطاً ، إذ الفصل به لا يقدح لغة في الهيئة المعتبرة بينهما.

[٢] إذا كان الأول ساكناً والثاني متحركا وجب الإدغام ، سواء أكان في كلمة واحدة ، أم كلمتين ، إذا لم يكن الأول حرف مد أصلي أو ما هو بمنزلته وإن كانا معاً متحركين ، وكانا في آخر الكلمة ، ولم يكن الأول منهما مدغماً فيه ، ولا كان التضعيف للإلحاق ، وجب الإدغام أيضاً في الفعل ، أو في الاسم المشابه للفعل غالباً ، وتفصيل ذلك موكول الى محله.

[٣] الذي صرح به ابن الحاجب والرضي رحمه‌الله هو الوجوب ،

٢٤١

أحد حروف يرملون مع الغنة ، فيما عدا اللام والراء [١] ، ولا معها فيهما ، لكن الأقوى عدم وجوبه [٢].

( مسألة ٥٠ ) : الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبع [٣] وإن كان الأقوى عدم وجوبها ، بل يكفي القراءة على النهج العربي وإن كانت مخالفة لهم في حركة بنية أو إعراب.

______________________________________________________

أما في كلمتين فمطلقاً ، وأما في كلمة واحدة ، فإذا لم يكن لبس كانمحى أدغم ، وإن كان لبس لم يجز الإدغام.

[١] حكى الرضي (ره) عن سيبويه وسائر النحاة أن الإدغام مع الغنة ، وقال هو : « إن كان المدغم فيه اللام والراء فالأولى ترك الغنة وبعض العرب يدغمها فيهما مع الغنة ، وإن كان المدغم فيه الواو والياء فالأولى الغنة وكذا مع الميم لأن في الميم غنة ».

[٢] هذا غير ظاهر مع حكاية الوجوب ممن تقدم ، ولا سيما بملاحظة كون المقام من باب الدوران بين التعيين والتخيير.

[٣] القراء السبعة هم : نافع بن أبي نعيم المدني ، وعبد الله بن كثير المكي ، وأبو عمرو بن العلاء البصري ، وعبد الله بن عامر الدمشقي ، وعاصم ابن أبي النجود ، وحمزة بن حبيب الزيات ، وعلي بن حمزة النحوي ، الكوفيون فإذا أضيف إلى قراءة هؤلاء قراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع ، ويعقوب ابن إسحاق الحضرمي ، وخلف ابن هشام البزاز ، كانت القراءات العشر.

هذا والمنسوب الى أكثر علمائنا وجوب القراءة بإحدى السبع ، واستدل له : بأن اليقين بالفراغ موقوف عليها ، لاتفاق المسلمين على جواز الأخذ بها إلا ما علم رفضه وشذوذه ، وغيرها مختلف فيه ، وبخبر سالم أبي سلمة : « قرأ رجل على أبي عبد الله (ع) وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على

٢٤٢

______________________________________________________

ما يقرؤها الناس ، فقال (ع) : كف عن هذه القراءة ، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم ، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله تعالى على حده وأخرج المصحف الذي كتبه علي (ع) » (١) ومرسل محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن (ع) : « جعلت فداك إنا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ، ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم؟ فقال (ع) : لا ، اقرءوا كما تعلمتم فسيجي‌ء من يعلمكم » (٢).

وفيه : أن اليقين بالبراءة إن كان من جهة تواترها عن النبي (ص) دون غيرها ـ كما عن جملة من كتب أصحابنا ، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه ، بل في مفتاح الكرامة : « والعادة تقضي بالتواتر في تفاصيل القرآن من أجزائه وألفاظه وحركاته وسكناته ووضعه في محله لتوفر الدواعي على نقله من المقر ، لكونه أصلا لجميع الأحكام ، والمنكر لا بطال كونه معجزاً فلا يعبأ بخلاف من خالف أو شك في المقام » ففيه : أن الدعوى المذكورة قد أنكرها جماعة من الأساطين ، فعن الشيخ في التبيان : « إن المعروف من مذهب الإمامية والتطلع في أخبارهم ورواياتهم أن القرآن نزل بحرف واحد على نبي واحد ، غير أنهم أجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القراء وأن الإنسان مخير بأي قراءة شاء قرأ ». ونحوه ما عن الطبرسي في مجمع البيان ، ومثلهما في إنكار ذلك جماعة من الخاصة والعامة كابن طاوس ، ونجم الأئمة في شرح الكافية في مسألة العطف على الضمير المجرور ، والمحدث الكاشاني ، والسيد الجزائري ، والوحيد البهبهاني ، وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، وعن الزمخشري : أن القراءة الصحيحة التي قرأ بها رسول الله (ص) إنما هي في صفتها ، وإنما هي واحدة ، والمصلي لا تبرأ ذمته من الصلاة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٤ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧٤ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

٢٤٣

______________________________________________________

إلا إذا قرأ بما وقع فيه الاختلاف على كل الوجوه ، كملك ومالِكِ ، وصِراطَ وسراط. انتهى.

وفي مصحح الفضيل : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إن الناس يقولون إن القرآن نزل على سبعة أحرف. فقال (ع) : كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد » (١). وعليه لا بد من حمل بعض النصوص المتضمن لكون القرآن نزل على سبعة أحرف على بعض الوجوه غير المنافية لذلك.

وإن كان من جهة اختصاصها بحكم التواتر عملا ، ففيه : أنه خلاف المقطوع به من سيرة المسلمين في الصدر الأول ، لتأخر أزمنة القراء السبعة كما يظهر من تراجمهم وتاريخ وفاتهم ، فقيل : إن نافع مات في سنة تسع وستين ومائة ، وابن كثير في عشرين ومائة ، وابن العلاء في أربع أو خمس وخمسين ومائة ، وابن عامر في ثماني عشرة ومائة ، وعاصم في سبع أو ثمان أو تسع وعشرين ومائة ، وحمزة في ثمان أو أربع وخمسين ومائة ، والكسائي في تسع وثمانين ومائة ، ومن المعلوم أن الناس كانوا يعولون قبل اشتهار هؤلاء على غيرهم من القراء ، وفي مفتاح الكرامة : « قد كان الناس بمكة على رأس المائتين على قراءة ابن كثير ، وبالمدينة على قراءة نافع ، وبالكوفة على قراءة حمزة وعاصم ، وبالبصرة على قراءة أبي عمرو ويعقوب ، وبالشام على قراءة ابن عامر ، وفي رأس الثلاث مائة أثبت ابن مجاهد اسم الكسائي وحذف يعقوب ، ولم يتركوا بالكلية ما كان عليه غير هؤلاء كيعقوب وأبي جعفر وخلف .. ».

ومن هذا كله يظهر لك الإشكال في حمل النصوص المذكورة وغيرها على خصوص قراءة السبعة ، أو أنها القدر المتيقن منها ، لصدورها عن‌

__________________

(١) الوافي باب : ١٨ من أبواب القرآن وفضائله : حديث : ٢.

٢٤٤

______________________________________________________

الصادق (ع) والكاظم (ع) قبل حدوث بعض هذه القراءات أو قبل اشتهاره ولا سيما قراءة الكسائي فكيف يحتمل أن تكون مرادة بهذه النصوص؟ بل مقتضى النصوص اختصاص الجواز بما كان يقرؤه الناس في ذلك العصر لا غير ، فيشكل الشمول لبعض القراءات السبع إذا لم يعلم أنها كانت متداولة وقتئذ.

هذا ولكن الظاهر من النصوص المنع من قراءة الزيادات التي يرويها أصحابهم (ع) عنهم (ع) ولا نظر فيها التي ترجيح قراءة دون أخرى فتكون أجنبية عما نحن فيه. والذي تقتضيه القاعدة أن ما كان راجعاً الى الاختلاف في الأداء من الفصل والوصل ، والمد والقصر ، ونحو ذلك لا تجب فيه الموافقة لاحدى القراءات فضلا عن القراءات السبع ، وما كان راجعاً الى الاختلاف في المؤدى يرجع فيه الى القواعد المعول عليها في المتباينين ، أو الأقل والأكثر ، أو التعيين والتخيير ، على اختلاف مواردها ، لكن يجب الخروج عن ذلك بالإجماع المتقدم عن التبيان ومجمع البيان ، المعتضد بالسيرة القطعية في عصر المعصومين (ع) على القراءة بالقراءات المعروفة المتداولة في الصلاة وغيرها من دون تعرض منهم (ع) للإنكار ، ولا لبيان ما تجب قراءته بالخصوص الموجب للقطع برضاهم (ع) بذلك كما هو ظاهر.

نعم في صحيح داود بن فرقد والمعلى بن خنيس قالا : « كنا عند أبي عبد الله (ع) فقال : إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال ثمَّ قال (ع) : أما نحن فنقرأ على قراءة أبي » (١) إلا أنه لا يصلح للخروج به عما ذكر ، ولو كان المتعين قراءة أبي أو أبيه (ع) ـ على الاحتمالين في كلمة « أبي » ـ لما كان بهذا الخفاء ، ولما ادعي الإجماع على جواز القراءة بما يتداوله القراءة ، فلا بد أن يحمل على بعض المحامل ، ولعل المراد هو أن‌

__________________

(١) الوافي باب : ١٨ من أبواب القرآن وفضائله : حديث : ٣.

٢٤٥

( مسألة ٥١ ) : يجب إدغام اللام مع الألف واللام [١] في أربعة عشر حرفا وهي : التاء ، والثاء ، والدال ، والذال ، والراء ، والزاي ، والسين ، والشين ، والصاد ، والضاد ، والطاء والظاء ، واللام ، والنون ، وإظهارها في بقية الحروف ، فتقول في : ( اللهِ ) ، و ( الرَّحْمنِ ) ، و ( الرَّحِيمِ ) ، و ( الصِّراطَ ) و ( الضّالِّينَ ) ، مثلا بالإدغام. وفي ( الْحَمْدُ ) ، و ( الْعالَمِينَ ) ، و ( الْمُسْتَقِيمَ ) ، ونحوها بالإظهار.

( مسألة ٥٢ ) : الأحوط الإدغام في مثل ( اذْهَبْ بِكِتابِي ) ، و ( يُدْرِكْكُمُ ) ، مما اجتمع المثلان في كلمتين مع كون الأول ساكناً ، لكن الأقوى عدم وجوبه [٢] ،

( مسألة ٥٣ ) : لا يجب ما ذكره علماء التجويد من المحسنات كالامالة ، والإشباع ، والتفخيم ، والترقيق ، ونحو ذلك ، بل والإدغام غير ما ذكرنا وإن كان متابعتهم أحسن.

( مسألة ٥٤ ) : ينبغي مراعاة ما ذكروه من إظهار التنوين‌

______________________________________________________

قراءة ابن مسعود تقتضي في بعض الجمل انقلاب المعنى بنحو لا يجوز الاعتقاد به. والله سبحانه أعلم.

[١] يعني لام التعريف. قال ابن الحاجب : « واللام المعرفة تدغم وجوبا في مثلها وثلاثة عشر حرفا ». وقال الرضي رحمه‌الله « : المراد بالثلاثة عشر النون .. » كما ذكره في المتن.

[٢] المصرح به في الشافية وفي شرحها للرضي رحمه‌الله هو الوجوب ولا يستثنيان من ذلك إلا الهمزة على لغة التخفيف ، وإلا الواو والياء إذا كانت الأولى منهما مدة أصلية أو بمنزلتها.

٢٤٦

والنون الساكنة إذا كان بعدهما أحد حروف الحلق وقلبهما فيما إذا كان بعدهما حرف الباء [١] ، وإدغامهما إذا كان بعدهما أحد حروف يرملون ، وإخفاؤهما إذا كان بعدهما بقية الحروف [٢]. لكن لا يجب شي‌ء من ذلك [٣] حتى الإدغام في يرملون كما مر [٤].

( مسألة ٥٥ ) : ينبغي أن يميز بين الكلمات ، ولا يقرأ بحيث يتولد بين الكلمتين كلمة مهملة [٥] كما إذا قرأ الْحَمْدُ لِلّهِ بحيث يتولد لفظ « دلل » أو تولد من لِلّهِ رَبِّ لفظ « هرب » وهكذا في مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ تولد « كيو » وهكذا في بقية الكلمات. وهذا ما يقولون أن في الحمد سبع كلمات مهملات‌

______________________________________________________

[١] قال الشيخ الرضي رحمه‌الله في أحكام النون الساكنة : « إن تنافرت هي والحروف التي تجي‌ء بعدها وهي الباء فقط كما يجي‌ء في عنبر قلبت تلك النون الخفيفة إلى حرف متوسط بين النون وذلك الحرف وهي الميم ».

[٢] قال الشيخ الرضي رحمه‌الله : « وذلك بأن يقتصر على أحد مخرجيه ولا يمكن أن يكون ذلك إلا الخيشوم ، وذلك لأن الاعتماد فيها على مخرجها من الفم يستلزم الاعتماد على الخيشوم بخلاف العكس فيقتصر على مخرج الخيشوم فيحصل النون الخفية ».

[٣] إذ لا وجه له مع كون ذكر تلك من باب الأفضل الأفصح كما هو ظاهر.

[٤] ومر الاشكال فيه.

[٥] قد عرفت الإشارة سابقاً الى أن للكلمة هيئة خاصة ، ناشئة من‌

٢٤٧

وهي « دلل » و « هرب » و « كيو » و « كنع » و « كنس » و « تع » و « بع ».

( مسألة ٥٦ ) : إذا لم يقف على أَحَدٌ في قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ووصله باللهُ الصَّمَدُ يجوز أن يقول أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ بحذف التنوين من أَحَدٌ [١] ، وأن يقول أحدن الله الصمد بأن يكسر نون التنوين ، وعليه ينبغي أن يرقق اللام من اللهُ [٢] وأما على الأول فينبغي تفخيمه كما هو القاعدة الكلية من تفخيمه إذا كان قبله مفتوحاً أو مضموماً وترقيقه إذا كان مكسوراً.

______________________________________________________

توالي حروفها على نحو خاص ، عند أهل اللسان ، فاذا فاتت تلك الهيئة بطلت الكلمة ، وعليه فلو فصل بين الحروف وأوصل آخر الكلمة بأول ما بعدها بنحو معتد به ، بحيث تفوت تلك الهيئة المقومة للكلمة عرفاً لم يجتزأ بها. نعم إذا لم يكن الفصل معتداً به لقلته لا يقدح ، وعليه يحمل ما في المتن ، وإلا فهو غير ظاهر كما لا يخفى بالتأمل.

[١] كما قرئ ذلك حكاه الزمخشري والشيخ الرضي ، والطبرسي نسبه الى أبي عمرو ، ومثله في الشعر : « وحاتم الطائي وهاب المائي » وقوله :

« فألفيته غير مستعتب

ولا ذاكر الله إلا قليلا »

والمعروف عند أهل العربية أنه لا يحذف التنوين في الاسم المتمكن المنصرف إلا في المضاف الى « ابن » الواقعة بين علمين مثل : جاء زيد ابن عمرو. ولا يبعد أن تكون القراءة المذكورة كافية في مشروعيته ، فإنها لو لم تكن حجة على ثبوت المقروء فهي حجة على صحة الأداء والحكاية كذلك وأنها من النهج العربي ، ولذا قال الزمخشري : والجيد هو التنوين.

[٢] ذكر ابن الحاجب : أن الحروف الهجائية الأصلية ثمانية وعشرون‌

٢٤٨

( مسألة ٥٧ ) : يجوز قراءة مالِكِ وملك يَوْمِ الدِّينِ [١]

______________________________________________________

حرفا ، والمتفرع عليها الفصيح ثمانية : همزة بين بين ثلاثة ، والنون الخفية ، وألف الإمالة ، ولام التفخيم ، والصاد كالزاي ، والشين كالجيم. والمستهجن خمسة : الصاد كالسين ، والطاء كالتاء ، والفاء كالباء ، والضاد الضعيفة ، والكاف كالجيم ، فلا التفخيم متفرعة على اللام الأصلية الرقيقة ، وتفخيمها يكون إذا كانت تلي الصاد ، أو الطاء ، إذا كانت هذه الحروف مفتوحة أو ساكنة ، وكذا لام الله إذا كان قبلها ضمة أو فتحه ، وهذا التفخيم ليس بواجب عند أهل العربية.

[١] فإن الأول : قراءة عاصم والكسائي من السبعة ، وخلف ويعقوب من غيرهم ، والثاني : قراءة بقية القراء من السبعة وغيرهم. والذي يظهر من سراج القارئ في شرح الشاطبية : أن المصاحف كذلك مرسومة بحذف الألف ، واختاره الزمخشري وغيره ، لأنه قراءة أهل الحرمين ، ولقوله تعالى ( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ) (١) ولقوله تعالى ( مَلِكِ النّاسِ ) (٢) ولأن الملك يعم والمالك يخص ، وزاد الفارسي قوله تعالى ( فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ) (٣) و ( الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ ) (٤) ، واستشهد للأول بقوله تعالى : ( وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ ) (٥) وقوله تعالى ( يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً ) (٦) انتهى. لكن لو تمَّ الاستشهاد للأول بما ذكر فلا يصلح لمعارضة ماسبق‌

__________________

(١) غافر : ١٦.

(٢) الناس : ٢.

(٣) طه : ١١٤.

(٤) الحشر : ٢٣.

(٥) الانفطار : ١٩.

(٦) الانفطار : ١٩.

٢٤٩

ويجوز في الصراط بالصاد والسين [١] بأن يقول : ( السراط المستقيم ) ، و ( سراط الذين ).

______________________________________________________

للثاني ، ولا سيما الوجه الأول ـ مضافاً إلى كثرة العدد ، وكونه المرسوم في المصاحف على ما سبق عن شرح الشاطبية ، فالبناء على رجحانه متعين ، وعن أبي حنيفة أنه قرأ ( ملك يوم الدين ) بلفظ الفعل ونصب اليوم ، وعن أبي هريرة أنه قرأ ( مالكَ ) بالنصب ، وغيره ( ملكَ ) بالنصب أيضاً ، وغيرهما ( مالكُ ) بالرفع ، ومقتضى ما سبق جواز القراءة بالجميع ، لأنه اختلاف في في الأداء ، والكل حكاية على النهج العربي عدا الأول ، فجواز العمل به ـ لو ثبت ـ لا يخلو من إشكال ، لعدم ثبوت تداوله.

[١] فان المحكي عن قنبل ـ أحد الراويين عن ابن كثير ـ : أنه قرأ الصراط بالسين في جميع القرآن. وفي مجمع البيان حكايته عن يعقوب من طريق رويس ، وعن خلف القراءة بإشمام الصاد بالزاي في جميع القرآن ، وفي مجمع البيان حكايته عن حمزة عن جميع الروايات إلا عبد الله بن صالح العجلي وبرواية خلاد بن خالد ومحمد بن سعدان النحوي عن حمزة : أن الإشمام المذكور في الأول من الفاتحة ، وفي غيره من جميع القرآن قراءته بالصاد الخالصة ، وعن الكسائي من طريق الى حمدون إشمام الصاد بالسين. هذا ولا بأس بالقراءة بكل من الصاد والسين لما سبق ، ولا سيما وان الذي ذكره الزمخشري والطبرسي والفيروزآبادي والطريحي : أن الأصل السين ، وأن الصاد فرع عليها ، وأن كلا منهما لغة ، وأن الأفصح الصاد (١).

__________________

(١) قال الطريحي في مجمعه في « ص د غ » : وربما قيل « سدغ » بالسين لما حكاه الجوهري عن قطرب محمد بن جرير المستنير أن قوماً من بني تميم يقلبون السين صاداً عند أربعة أحرف عند الطاء والقاف والغين والخاء يقولون سراط وصراط وبسطه وبصطه وسيقل وصيقل ومسغبة ومصغبة وسخر لكم وصخر. ( منه مد ظله )

٢٥٠

( مسألة ٥٨ ) : يجوز في كُفُواً أَحَدٌ أربعة وجوه : كفُؤاً بضم الفاء وبالهمزة [١] ، و ( كفْ‌ءاً ) بسكون الفاء وبالهمزة و ( كُفُواً ) بضم الفاء وبالواو ، و ( كُفْواً ) بسكون الفاء وبالواو ، وإن كان الأحوط ترك الأخيرة.

( مسألة ٥٩ ) : إذا لم يدر إعراب كلمة أو بناءها أو بعض حروفها أنه الصاد مثلا أو السين أو نحو ذلك يجب عليه أن يتعلم ، ولا يجوز له أن يكررها بالوجهين [٢] لأن الغلط من الوجهين [٣] ملحق بكلام الآدميين [٤].

______________________________________________________

[١] هذا هو المشهور بين القراء ، وفي مجمع البيان : « قرأ إسماعيل عن نافع وحمزة وخلف ورويس ( كفْ‌ءاً ) ساكنة الفاء مهموزة ، وقرأ حفص مضمومة الفاء مفتوحة الواو غير مهموزة ، والباقون قرءوا بالهمزة وضم الفاء » ، ولم يذكر الوجه الأخير. نعم في كتاب غيث النفع للصفاقسي : « قرأ حفص بإبدال الهمزة واواً وصلا ووقفاً ، والباقون بالهمزة ، وقرأ حمزة بإسكان الفاء والباقون بالضم لغتان ». وهو أيضاً ساكت عن الوجه الأخير. نعم مقتضى أن الإسكان لغة جوازه مع إبدال الهمزة واواً وعدمه ، ولعله لذلك كان الأحوط ترك الأخيرة.

[٢] تقدم أنه يصح على أحد الوجهين مع الاقتصار عليه إذا كان مطابقاً للواقع ، لكنه لا يجتزأ به عقلا حتى تثبت المطابقة للواقع.

[٣] يعني الغلط المعلوم المردد بين الوجهين.

[٤] ربما يحتمل أن يكون حكمه حكم الدعاء والذكر الملحونين ، لأنه قراءة ملحونة ، وفيه أن اللحن لا يقدح في صدق الذكر والدعاء ، ويقدح في صدق قراءة القرآن ، لتقوم القراءة بالهيئة والمادة ، فالقراءة الملحونة.

٢٥١

( مسألة ٦٠ ) : إذا اعتقد كون الكلمة على الوجه الكذائي من حيث الأعراب أو البناء أو مخرج الحرف فصلى مدة على تلك الكيفية ثمَّ تبين له كونه غلطاً فالأحوط الإعادة أو القضاء وإن كان الأقوى عدم الوجوب [١].

فصل في الركعات الأخيرة

في الركعة الثالثة من المغرب ، والأخيرتين من الظهرين والعشاء ، يتخير بين قراءة الحمد أو التسبيحات الأربع [٢]

______________________________________________________

ليست قراءة للقرآن.

[١] لحديث : « لا تعاد الصلاة » (١). بناء على عمومه للجاهل بالحكم ، إذا كان حين العمل يرى أنه في مقام أداء المأمور به ، والخروج عن عهدته ، كما هو غير بعيد. نعم لا يشمل العامد ولا الجاهل الذي لا يرى أنه تبرأ ذمته بفعله ، لانصراف الحديث الى العامل في مقام الامتثال ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في مبحث الخلل ما له نفع في المقام. فلاحظ والله سبحانه أعلم.

فصل في الركعات الأخيرة‌

[٢] بلا خلاف كما عن جماعة ، بل عن الخلاف ، والمختلف ، والذكرى والمهذب ، وجامع المقاصد ، والروض ، والمدارك ، والمفاتيح ، وغيرها الاتفاق عليه في الجملة. ويشهد له جملة من النصوص التي هي ما بين صريح في التخيير ومحمول عليه ، كموثق ابن حنظلة عن أبي عبد الله (ع) : « عن

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

٢٥٢

______________________________________________________

الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال (ع) : إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وإن شئت فاذكر الله تعالى فهو سواء. قال قلت : فأي ذلك أفضل؟ فقال (ع) : هما والله سواء إن شئت سبحت وإن شئت قرأت » (١).

ونحوه غيره مما يأتي التعرض لبعضه.

وأما ما في التوقيع الذي رواه الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان (ع) : « أنه كتب إليه يسأله عن الركعتين الأخيرتين قد كثرت فيهما الروايات فبعض يرى أن قراءة الحمد وحدها أفضل ، وبعض يرى أن التسبيح فيهما أفضل ، فالفضل لأيهما لنستعمله؟ فأجاب (ع) : قد نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح ، والذي نسخ التسبيح قول العالم (ع) : كل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج إلا للعليل ، ومن يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه » (٢) فلا بد أن يحمل على ما لا ينافي ما سبق إما الأفضلية أو غيرها ، ولا سيما مع ما عليه من وجوه الاشكال ، فما عن ظاهر الصدوقين في الرسالة والمقنع والهداية ، وابن أبي عقيل : من تعين التسبيح محمول على الفضل ، والنهي عن القراءة في بعض النصوص الآتية مع الأمر بالتسبيح يراد منه الرخصة ، أو النهي العرضي لأفضلية التسبيح.

نعم المشهور كما عن جماعة كثيرة عدم الفرق في ثبوت التخيير المذكور بين ناسي القراءة في الأولتين وغيره ، لإطلاق نصوص التخيير ، وعن الخلاف تعين القراءة على الناسي. لكن محكي عبارته هكذا : إن القراءة إذا نسيها أحوط. وربما نسب ذلك الى المفيد رحمه‌الله وكأنه لصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « قلت له : الرجل نسي القراءة في الأولتين وذكرها في

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١٤.

٢٥٣

______________________________________________________

الأخيرتين فقال (ع) : يقضي القراءة والتكبير والتسبيح الذي فاته في الأولتين ولا شي‌ء عليه » (١). وخبر الحسين بن حماد عن أبي عبد الله (ع) : « قلت له : أسهو عن القراءة في الركعة الأولى قال (ع) : اقرأ في الثانية قلت : أسهو في الثانية قال (ع) : اقرأ في الثالثة. قلت : أسهو في صلاتي كلها. قال (ع) : إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمت صلاتك » (٢).

وفيه : أنه لا يظهر من الصحيح أن القضاء في الأخيرتين إلا على ما في الحدائق وغيرها من روايته بزيادة « في الأخيرتين » بعد قوله : « في الأولتين » ، لكن الموجود في الوسائل المصححة وفي نسختي من الفقيه خال عن الزيادة المذكورة ، ولو سلمت فلا يدل على تعين القراءة للناسي ، وإنما يدل على وجوب القضاء عليه في الأخيرتين زائداً على ما هو وظيفتهما من أحد الأمرين من القراءة والتسبيح ، مع أنه معارض بصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام. قال : « قلت : الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأولتين فيذكر في الركعتين الأخيرتين أنه لم يقرأ. قال (ع) : أتم الركوع والسجود؟ قلت : نعم. قال (ع) : إني أكره أن أجعل آخر صلاتي أولها » (٣) فإن ذيله ظاهر ـ بقرينة غيره ـ في كراهة القراءة في الأخيرتين لا أقل من دلالته على عدم لزوم القراءة عليه ، وبما دل على الاجتزاء عن القراءة المنسية في الأولتين بتسبيح الركوع والسجود فيهما ، كموثق أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن نسي أن يقرأ في الأولى والثانية أجزأه تسبيح الركوع والسجود » (٤). مع أن إعراض الأصحاب عنه كاف في وهنه وسقوطه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

٢٥٤

وهي : « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » [١] والأقوى إجزاء المرة [٢]

______________________________________________________

عن الحجية ، ومن ذلك يظهر الإشكال في خبر الحسين ـ مضافا الى ضعفه في نفسه.

[١] ففي صحيح زرارة : « قلت لأبي جعفر (ع) : ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال (ع) : أن تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وتكبر وتركع » (١). وفي خبري محمد بن عمران ومحمد بن حمزة عن أبي عبد الله (ع) : « لأي علة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة؟ قال (ع) : إنما صار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين لأن النبي (ص) لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله عز وجل فدهش فقال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر .. » (٢) ، ونحوهما غيرهما ، وسيأتي ما له نفع بالمقام.

[٢] كما عن جملة من كتب الشيخين ، والفاضلين ، والشهيدين ، والمحقق الثاني ، والأردبيلي ، وجملة من تلامذته وغيرهم ، ونسب إلى الأشهر تارة والى مذهب الأكثر أخرى ، وعن المصابيح استظهار الإجماع عليه في بعض الطبقات. وفي الجواهر : أنه قد صرح به فيما يقرب من خمسين كتابا على ما حكي عن جملة منها. انتهى.

والعمدة فيه : صحيح زرارة المتقدم‌ ، فان دلالته على الاكتفاء بالمرة ظاهرة ، لأن تعرض الامام (ع) لبيان التكبير للركوع مع أنه غير مسؤول عنه والأمر بالركوع بعده الظاهر في عدم وجوب شي‌ء زائد عليه ، ظاهر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣. وملحقة‌

٢٥٥

______________________________________________________

ظهوراً تاماً في عدم وجوب التكرار ، وإلا لتعرض لبيانه ، فإنه أولى من بيان التكبير المستحب كما لا يخفى. وأما خبرا ابني عمران وحمزة‌ فلا إطلاق لهما ، لعدم ورودهما لبيان هذه الجهة ، وعن صريح النهاية والاقتصار ومختصر المصباح والتلخيص والبيان وربما حكي عن غيرهم : وجوب تكرارها ثلاثاً وعن المدارك : عدم الوقوف على مستند له.

نعم استدل له بما رواه في أول السرائر نقلا عن كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر (ع) أنه قال (ع) : « لا تقرأن في الركعتين الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات شيئاً إماماً كنت أو غير إمام. قلت : فما أقول فيهما؟ قال (ع) : إن كنت إماماً فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. ثلاث مرات ، ثمَّ تكبر وتركع .. » (١) لكن رواه في الفقيه عن زرارة عن أبي جعفر (ع) : « إذا كنت إماماً أو وحدك فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله. ثلاث مرات تكمله تسع تسبيحات ثمَّ تكبر وتركع » (٢). ورواه في آخر السرائر عن كتاب حريز عن زرارة مثله‌ (٣) إلا انه أسقط قوله (ع) : « تكمله تسع تسبيحات » ، وقوله (ع) : « أو وحدك ».

وفي مفتاح الكرامة : « أن في نسخة صحيحة عتيقة من خط علي بن محمد بن الفضل الآبي في سنة سبع وستين وستمائة ترك التكبير في الموضعين » ـ يعني من السرائر ـ لكن في البحار : « روى ابن إدريس هذا الخبر من كتاب حريز في باب كيفية الصلاة وزاد فيه بعد : « لا إله إلا الله » : « والله أكبر » ورواه في آخر الكتاب في جملة ما استطرفه من كتاب حريز ولم يذكر فيه التكبير ، والنسخ المتعددة التي رأيناها متفقة على ما ذكرناه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة ملحق حديث : ١.

٢٥٦

______________________________________________________

ـ أي على الإثبات ـ في كتاب الصلاة ، والإسقاط في المستطرفات ، وكأنه لذلك لم يستبعد في الوسائل أن يكون زرارة سمع الحديث مرتين : مرة تسع تسبيحات ، ومرة اثنتي عشرة تسبيحة ، وأورده حريز أيضاً في كتابه مرتين ». وفيه ـ مع أن المستبعد جداً تكرار السؤال من زرارة في واقعة واحدة ـ : أنه لو كان الأمر كذلك لرواه في السرائر كذلك ، وكذا في الفقيه ، مع أن المحكي في المعتبر ، والتذكرة ، والمنتهى : نسبة القول بالتسع الى حريز ، وذكر هذه الرواية شاهداً له ، فان ذلك شاهد على سقوط التكبير من أصل ، حريز ، وفيما رواه.

وكيف كان فالمتعين : العمل على السقوط ، إما للوثوق بروايته فتكون حجة ، وعدم الوثوق برواية الثبوت فلا تكون حجة ، فلا يكون المقام من قبيل اشتباه الحجة باللاحجة ، وإما لترجيح رواية السقوط ، بناء على أن تعارض النسخ من قبيل تعارض الحجتين فيرجع فيه الى قواعد التعارض كما هو الظاهر ولذا قال في البحار : « الظاهر زيادة التكبير من قلمه أو من النساخ ، لأن سائر المحدثين رووا هذه الرواية بدون التكبير ».

وربما استدل له بخبر رجاء بن أبي الضحاك المروي في الوسائل عن العيون : « أنه صحب الرضا (ع) من المدينة إلى « مرو » فكان يسبح في الأخريين يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثلاث مرات ثمَّ يكبر ويركع » (١).

وفيه ـ مع أنه عمل مجمل ، وأن المذكور في البحار : أن النسخ القديمة المصححة بدون التكبير. انتهى ـ : أنه ضعيف السند ، غير مجبور بالاعتماد فلا مجال للركون اليه. هذا ، وعن حريز والصدوقين وابن أبي عقيل وأبي الصلاح : وجوب تسع تسبيحات بتكرير التسبيحات الأول ثلاث مرات ، ويشهد له في الجملة صحيح زرارة المتقدم روايته عن الفقيه‌ ، وهو في محله‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٨.

٢٥٧

______________________________________________________

لو لا معارضة الصحيح وغيره مما عرفت وتعرف. وعن مبسوط الشيخ ، وجمله ، وجمل السيد ومصباحيهما ، والغنية ، وهداية الصدوق ، وغيرها : وجوب عشر تسبيحات ، بإسقاط التكبير في الأوليين ، وإثباته في الأخيرة وكأنه أيضاً لصحيح زرارة المروي في الفقيه بناء على أن المراد من قوله (ع) : « وتكبر » غير تكبير الركوع ، وإلا فقد ذكر المحقق الخوانساري في حاشية الروضة : أنه لم يوجد في الكتب المتداولة نص عليه فضلا عن الصحيح ، وأنه قد اعترف صاحب المدارك ، والمحقق الأردبيلي ، وغيرهما بعدم الوقوف على مستند لهذا القول. انتهى. وكيف كان فحمل التكبير على غير تكبير الركوع خلاف الظاهر جداً.

وعن ابن الجنيد وأبي الصلاح تعين ثلاث تسبيحات ، بإسقاط التكبير أو التهليل ، ويشهد له على الثاني صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أكبر » (١). وعن ابن سعيد الاجتزاء بـ « سبحان الله » ثلاثاً. ويشهد له خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات أن تقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله » (٢). لكن في صحة سنده إشكالا ، لاشتراك رجال السند بين الضعيف والثقة.

وعن جمال الدين بن طاوس الاجتزاء بمطلق الذكر ، واختاره المجلسي في البحار مدعياً أنه المستفاد من مجموع الأخبار ، وأن الأفضل التسع لموثق ابن حنظلة المتقدم‌ ، ولصحيح عبيد : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر قال (ع) : تسبح وتحمد الله وتستغفر لذنبك فإن شئت

__________________

(١) الوسائل باب : ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٧.

٢٥٨

______________________________________________________

فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء » (١) فان ظاهر التعليل كون موضوع الحكم مطلق التحميد والدعاء بلا اعتبار ألفاظ خاصة. فتأمل ، وصحيح زرارة في المأموم المسبوق : « وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما ، إنما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة » (٢).

وفيه : أنه لا إطلاق للذكر في الموثق بعد ذكر التسبيح في ذيله ، الظاهر أو المحتمل كون المراد منه التسبيحة الكبرى. مع أن نسبته الى مثل صحيحي زرارة المتقدمين وصحيح الحلبي نسبة المطلق الى المقيد ، فيجب حمله عليها ، وأما صحيح عبيد‌ ، فمع أنه قاصر الدلالة على المدعى أن التعليل فيه لا يخلو عن إجمال ، لما عرفت من أنه لا يعتبر في القراءة قصد المعنى ، وأنها ليست خبراً ولا إنشاء ، فليست الفاتحة حقيقة حمداً ولا دعاء ، فلا بد أن يكون المراد معنى غير الظاهر ليصح تعليل تشريع بدليتها عن التسبيح به ، ولا مجال للأخذ بظاهره ، وأما صحيح زرارة فليس فيه إطلاق الذكر ، وجعل « الواو » بمعنى « أو » لا داعي اليه ، ولا يجدي في إثبات المدعى. وربما نسب إلى الحلبي القول بثلاث تسبيحات صورتها : « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله » ، ولم يتضح له مستند.

وهناك أقوال : مثل التخيير بين جميع ما ورد في الروايات ، والتخيير بين ما ورد في خصوص الصحاح ، والتخيير بين ما في صحيحي زرارة‌ ، والتخيير بين الأربع والنسع والعشر والاثنتي عشرة ، والتخيير بين العشر والاثنتي عشرة. وكأن المنشأ في جميع ذلك أنه مقتضى الجمع بين الأخبار على اختلاف في وجهه.

هذا ولأن العمدة في النصوص صحيحا زرارة الدال على الأربع والدال‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٤.

٢٥٩

والأحوط الثلاث [١] ، والأولى إضافة الاستغفار إليها [٢] ولو بأن يقول : اللهم اغفر لي ، ومن لا يستطيع يأتي بالممكن منها [٣] ، وإلا أتى بالذكر المطلق وإن كان قادراً على قراءة الحمد تعينت حينئذ [٤].

( مسألة ١ ) : إذا نسي الحمد في الركعتين الأوليين فالأحوط اختيار قراءته في الأخيرتين [٥] ، لكن الأقوى‌

______________________________________________________

على التسع‌ ، وصحيح الحلبي الدال على الثلاث‌. وصحيح زرارة الوارد في المسبوق‌ ، والأخيران لم يظهر عامل بهما معتد به فالاعتماد عليهما لا يخلو من إشكال ، فالأحوط الاقتصار على الأولين والجمع العرفي يقتضي التخيير بين مضمونيهما والله سبحانه أعلم.

[١] تقدم وجهه.

[٢] لما سبق في صحيح عبيد من الأمر به‌ ، بل قد يحتمل كونه المراد من الدعاء في صحيح زرارة الوارد في المسبوق كما يشير الى ذلك ذيل صحيح عبيد‌ ، وربما يستظهر من قوله في المنتهى : « الأقرب عدم وجوب الاستغفار .. » احتمال وجوبه. وفيه : أن الدعاء في ذيل صحيح عبيد‌ يمتنع حمله على الاستغفار لأن الدعاء الذي تتضمنه الفاتحة طلب الهداية ، فلا بد من حمل الاستغفار على الدعاء لا العكس ، وكأنه لذلك حكي عن البهائي وصاحب المعالم وولده وجوب الدعاء ، اعتماداً منهم على ظاهر النصوص ، وفيه : أنه لا مجال له ، مع خلو مثل صحيحي زرارة وغيرهما عنه لظهورهما في نفي وجوبه.

[٣] بلا إشكال ظاهر فيه وفيما بعده لما سبق في القراءة.

[٤] عقلا ، كما هو القاعدة في الواجب التخييري عند تعذر ما عدا واحد.

[٥] تقدم وجهه كما تقدم ضعفه.

٢٦٠