مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

______________________________________________________

نسبته إلى الأكثر ، بل عن المعتبر وكنز العرفان أنها مستحبة عندنا.

لكن عن حاشية المدارك للبهبهاني رحمه‌الله : أنها مذكورة في تسعة أخبار : صحيحة زرارة‌ (١) ، وصحيحة حماد‌ (٢) ، المشهورتين ، وصحيحة عمر بن أذينة‌ (٣) المروية في علل الأذان ـ والصدوق رواها في العلل بطرق متعددة ـ ، ورواية إسحاق بن عمار‌ (٤) ورواية هشام ابن الحكم عن الصادق (ع) (٥) ، ورواية هشام عن الكاظم (ع) (٦) ، ورواية أبي بكر الحضرمي‌ (٧) ، وصحيحة زرارة أو حسنته عن الباقر عليه‌السلام (٨) ، ورواية حمزة بن حمران والحسن بن زياد‌ (٩). انتهى ، وزاد في مفتاح الكرامة ثلاث روايات ، رواية إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات‌ (١٠) ، ورواية كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم‌ (١١) ، وما في الفقه الرضوي‌ (١٢). فيكون المجموع اثنتي عشرة ، فاذا أضيف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ٣. لكنها خالية عن ذكر الركوع والسجود.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١٠.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١١.

(٥) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١٢.

(٦) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الركوع حديث : ٢.

(٧) الوسائل باب : ٤ من أبواب الركوع حديث : ٥ و ٧.

(٨) الوسائل باب : ١ من أبواب الركوع حديث : ١.

(٩) الوسائل باب : ٦ من أبواب الركوع حديث : ٢.

(١٠) مستدرك الوسائل باب : ١٦ من أبواب الركوع حديث : ١.

(١١) مستدرك الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الركوع حديث : ٦.

(١٢) مستدرك الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الركوع حديث : ٢.

٣٠١

وإن كان الأقوى كفاية مطلق الذكر من التسبيح ، أو التحميد ، أو التهليل ، أو التكبير ، بل وغيرها بشرط أن يكون بقدر الثلاث الصغريات [١] ، فيجزي أن يقول : « الحمد لله » ، ثلاثاً أو « الله أكبر » ، كذلك أو نحو ذلك.

______________________________________________________

إليها ما في دعائم الإسلام‌ (١) ، والمرسل المحكي عن هداية الصدوق‌ (٢) ، يكون المجموع أربع عشرة رواية.

والجمع العرفي بينها وبين ما ترك فيها ذكره ـ كرواية هشام بن سالم‌ (٣) ، ومصححة الحلبي‌ (٤) الواردة في دعاء السجود ، ويومئ اليه خبر عقبة بن عامر الجهني‌ (٥) ـ هو حمل ما ترك فيه على إرادة الاكتفاء في بيان الكل ببيان البعض ، فإنه أقرب عرفا من الحمل على الاستحباب.

[١] كما اختاره في الجواهر ، حاكياً له عن صريح الرياض ، وظاهر أمالي الصدوق. لحسن مسمع المتقدم‌ (٦) ، وحسنه الآخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « لا يجزئ الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهن » (٧).

وعليه يحمل إطلاق غيره ، كما يحمل ما في صحيح هشام

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الركوع حديث : ١.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٤ من أبواب الركوع حديث : ٤.

(٣) تقدمت في صفحة : ٢٩٩.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب السجود حديث : ١. لكن لفظة « وبحمده » موجودة في نسخة الوسائل المطبوعة حديثاً. وفي الطبعة القديمة وضعت عليها علامة ( خ ل ). نعم في الوافي ينقل الحديث عن الكافي والتهذيب خالياً عن لفظة « وبحمده ». راجعه في أول باب السجدتين.

(٥) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الركوع حديث : ١.

(٦) راجع صفحة : ٢٩٩.

(٧) الوسائل باب : ٥ من أبواب الركوع حديث : ٤.

٣٠٢

الثالث : الطمأنينة فيه [١] بمقدار الذكر الواجب ، بل‌

______________________________________________________

ابن سالم المتقدم‌ (١) على إرادة الاجتزاء بالتهليل والتكبير عن التسبيح من غير جهة العدد.

[١] إجماعا ، كما عن الناصريات ، والغنية ، وفي المعتبر : « أنها واجبة باتفاق علمائنا » ، وفي المنتهى : « وهو قول علمائنا أجمع » ، وفي جامع المقاصد : « هي واجبة بإجماع علمائنا » ، بل عن الخلاف الإجماع على ركنيتها واستدل له بمصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « بينا رسول الله (ص) جالس في المسجد إذ دخل رجل ، فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده ، فقال (ص) : نقر كنقر الغراب ، لئن مات هذا وهذه صلاته ليموتن على غير ديني » (٢). لكنه إنما يدل على وجوب الاستمرار راكعاً بمقدار الذكر ولو كان بحيث يتمايل عن أحد الجانبين الى الآخر ، في قبال الاستعجال برفع الرأس الذي به يكون ركوعه كنقر الغراب ، ولا يرتبط بما نحن فيه.

ومثله في الاشكال الاستدلال بخبر عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « أبصر علي بن أبي طالب (ع) رجلا ينقر صلاته فقال (ع) : منذ كم صليت بهذه الصلاة؟ قال له الرجل : منذ كذا وكذا ، فقال (ع) : مثلك عند الله كمثل الغراب إذا ما نقر ، لو مت مت على غير ملة أبي القاسم محمد (ص) ، ثمَّ قال : أسرق الناس من سرق من صلاته » (٣).

وأشكل من ذلك الاستدلال بالنبوي المحكي عن الذكرى : « لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود » (٤). فان الظاهر‌

__________________

(١) راجع صفحة : ٢٩٩.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الركوع حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب أعداد الفرائض حديث : ٢.

(٤) الذكرى : المسألة الرابعة من مسائل الركوع. وراجع ايضاً كنز العمال ج : ٤ صفحة : ٩٧.

٣٠٣

الأحوط ذلك في الذكر المندوب أيضاً [١] إذا جاء به بقصد الخصوصية. فلو تركها عمداً بطلت صلاته بخلاف السهو على الأصح [٢] ، وإن كان الأحوط الاستئناف إذا تركها فيه أصلا ، ولو سهواً ، بل وكذلك إذا تركها في الذكر الواجب.

______________________________________________________

من إقامة الظهر اعتداله مقابل تقوسه ، لا بمعنى الطمأنينة. نعم خبر بكر ابن محمد الأزدي : « إذا ركع فليتمكن » (١) ، ومرسل الذكرى عن النبي (ص) : « ثمَّ اركع حتى تطمئن راكعاً » (٢). يدلان على وجوب الطمأنينة في الركوع في الجملة ، لا على وجوبها بمقدار الذكر الواجب ، كما هو المدعى. فالعمدة في دليله : الإجماع.

[١] بناء على ما عرفت من دعوى الإجماع على وجوب الطمأنينة في جميع الأفعال الصلاتية ، حتى المستحب منها ، كما تقدم في المسألة التاسعة والعشرين من فصل القيام ، وتقدم من المصنف رحمه‌الله الجزم بذلك.

[٢] إذ القدر المتيقن من معقد الإجماع خصوص العمد. وما تقدم عن الخلاف من الإجماع على ركنيتها ، موهون بمصير الأكثر إلى الصحة بفواتها سهواً. ودعوى : أن الطمأنينة مقومة للركوع عرفا. ممنوعة. فضلا عن الطمأنينة بمقدار الذكر الواجب.

نعم لو أمكن الاعتماد على النبوي المتقدم عن الذكرى ، الظاهر في شرطية الطمأنينة للركوع أمكن البناء على البطلان بفواتها ، لاقتضائه فوات الركوع. لكنه ضعيف السند ، ولا يقتضي البطلان بفوات الطمأنينة حال الذكر. فالمرجع في وجوبها حال الذكر في السهو أصل البراءة. وكذا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب أعداد الفرائض حديث : ١٤.

(٢) الذكرى : المسألة الاولى من مسائل الركوع. وراجع أيضاً كنز العمال ج : ٤ صفحة : ٩٣ و ٩٧ و ١٨٢.

٣٠٤

الرابع : رفع الرأس منه حتى ينتصب قائماً [١] فلو سجد قبل ذلك عامداً بطلت الصلاة.

الخامس : الطمأنينة حال القيام بعد الرفع [٢] ، فتركها عمداً مبطل للصلاة.

______________________________________________________

لو شك في دخولها في مفهوم الركوع عرفا ، إذ مع إجمال المفهوم أيضاً يرجع الى أصل البراءة. ولأجل هذا الأصل يحكم بصحة الصلاة بفواتها. لا لحديث : « لا تعاد الصلاة » (١). إذ هو لا يجدي في إثبات الصحة بعد احتمال كونها قيداً للركوع ، الموجب لكون فواتها موجباً لفوات الركوع ، الموجب للبطلان ، من دون فرق بين أن تكون قيداً له عرفاً وشرعا. فلاحظ. ومما سبق تعرف وجه الاحتياط الذي ذكره في المتن.

[١] هو مذهب علمائنا ـ كما في المعتبر ـ وذهب إليه علماؤنا أجمع ـ كما في المنتهى ـ وإجماعا منا ـ كما في جامع المقاصد ـ ونحوه ما عن غيرهم. وربما يشير اليه خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك ، فإنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه » (٢). وما في صحيح حماد : « ثمَّ استوى قائماً فلما استمكن من القيام قال : سمع الله لمن حمده » (٣) ، وما في النبوي : « ثمَّ ارفع رأسك حتى تعتدل قائماً » (٤).

[٢] إجماعا صرح به جماعة ، وحكي عن آخرين. وهو العمدة. وأما الأمر بإقامة الصلب والاعتدال في خبر أبي بصير المتقدم وغيره. فلا يصلح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الركوع حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١.

(٤) الذكرى : المسألة الاولى من مسائل الركوع.

٣٠٥

( مسألة ١ ) : لا يجب وضع اليدين على الركبتين حال الركوع [١] ، بل يكتفي الانحناء بمقدار إمكان الوضع ، كما مر.

( مسألة ٢ ) : إذا لم يتمكن من الانحناء على الوجه المذكور ولو بالاعتماد على شي‌ء أتى بالقدر الممكن [٢] ،

______________________________________________________

لا ثبات وجوبها ، لأن الطمأنينة أمر زائد على الاعتدال.

[١] إجماعا ، كما عن غير واحد. قال في الحدائق : « لا خلاف بين الأصحاب فيما أعلم أنه لا يجب وضع اليدين على الركبتين ، وقد نقلوا الإجماع على ذلك » ، وقال بعد ذلك : « لا يخفى أن ظاهر أخبار المسألة هو الوضع ، لا مجرد الانحناء بحيث لو أراد لوضع. وأن الوضع مستحب ، كما هو المشهور في كلامهم ، والدائر على رؤوس أقلامهم ، فإن هذه الأخبار ونحوها ظاهرة في خلافه ، ولا مخصص لهذه الأخبار إلا ما يدعونه من الإجماع على عدم وجوب الوضع ». أقول : أما أخبار الوضع على الركبتين فهي محمولة على الاستحباب ، بقرينة ما في الصحيحين المتقدمين (١) من قوله (ع) : « فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك الى ركبتيك أجزأك ذلك ». وأما ما في الصحيحين فلا يدل على رجحان الوضع فضلا عن وجوبه ، إذ الوصول غير الوضع. ودعوى : أن المراد أنه يضع يديه على فخذيه بنحو تصل الى ركبتيه. غير ظاهرة ، بل من المحتمل أن يكون إهمال ذكر الوضع لعدم وجوبه وأن ذكر الوصول لأجل تحديد الانحناء ، إذ هو موضوع الاجزاء لا نفس الوصول كما لا يخفى. على أن الإجماع المتسالم عليه في جميع الطبقات يقوى على صرف الكلام الى غير الظاهر.

[٢] بلا خلاف ، كما في الجواهر وغيرها ، بل في المعتبر : « انه قول العلماء كافة ». وهذا هو العمدة في العمل بقاعدة الميسور. وإلا فقد‌

__________________

(١) راجع المورد الأول من واجبات الركوع.

٣٠٦

______________________________________________________

عرفت الإشكال في ثبوتها في نفسها مع قطع النظر عن الإجماع ، إذ النصوص المستدل بها عليها ضعيفة غير مجبورة.

وأما ما في الجواهر من الاشكال عليها بأن الهوي إلى الركوع مقدمة له كالهوي إلى السجود ، لحصر واجبات الصلاة نصاً وفتوى في غيرهما ، ولانسباق ذلك الى الذهن لو فرض الأمر بالركوع والسجود ، فالأصل براءة الذمة من وجوبهما لنفسيهما ، ومن وجوب القصد بهما للركوع والسجود فليس هما إلا مقدمة خارجية. وعليه لو هوى غافلا لا بقصد ركوع أو غيره أو بقصد غيره من قتل حية أو عقرب ثمَّ بدا له الركوع أو السجود صح.

ففيه : أن الركوع عبارة عن المرتبة الخاصة من الانحناء ، التي لا ريب في أنها من التأكد في الكيف الذي يدخل فيه الأقل تحت الأكثر ، نظير السواد الشديد والضعيف. وجوب الأكثر عين وجوب الأقل ، بل لو كان الركوع عبارة عن الحركة من الانتصاب الى حد الركوع فالحال كذلك ، فان كل حركة بين الحدين جزء المجموع. واحتمال كون الركوع غير الانحناء وغير الحركة المذكورة بنحو يكون الهوي مقدمة له لا جزءاً منه في غاية البعد. وعدم عده واجباً زائداً على الواجبات الصلاتية المعروفة. ليس لكونه مقدمة لها ، بل لكونه جزءاً من أحدها فيغني عدها عن عده ، ومن ذلك يظهر أنه لا يكون جزءاً صلاتياً إلا بفعله بقصد الصلاة ، فإن كان إطلاق يقتضي الاكتفاء بالركوع ولو بقاء جاز له أن يبقى راكعاً بقصد الصلاة ، وكذا لو هوى لا بقصد الصلاة ومقارناً للركوع قصد الصلاة. وإن بني على انصراف الإطلاق إلى خصوص الحدوثي ، أو تقييده بذلك ، لدعوى الإجماع عليه ، فلا بد من تداركه بلا حاجة الى استئناف الصلاة ، لعدم الزيادة الموجبة للبطلان ، لتقومها بقصد الجزئية ، وهو غير حاصل. وكذا الحال لو بني على الرجوع الى الاحتياط ، بناء على أصالة التعيين عند‌

٣٠٧

ولا ينتقل إلى الجلوس [١] ، وإن تمكن من الركوع منه [٢] وإن لم يتمكن من الانحناء أصلا ، وتمكن منه جالساً [٣] ، أتى به جالساً [٤].

______________________________________________________

التردد بينه وبين التخيير.

[١] لأن أدلة بدليته موضوعها تعذر القيام ، وهو غير حاصل.

[٢] يعني من الركوع التام في حال الجلوس ، كما عن صريح العلامة الطباطبائي (ره) ، واستظهره في الجواهر من الشرائع وغيرها ، لأنه أقرب من الواجب ولتحصيل القيام المتصل بالركوع. وهو في محله.

[٣] يعني تمكن من الركوع التام.

[٤] كما مال إليه العلامة الطباطبائي (ره) في منظومته بقوله :

« وفي انحناء من جلوس مطلقا

دار مع الإيماء وجه ذو ارتقاء »

قال في الجواهر : « ولعله لأولوية إبدال القيام بالجلوس من الركوع بالإيماء » ، وقال في مبحث القيام ـ فيما لو دار الأمر بين الصلاة مومياً قائماً ، وبين الصلاة جالساً راكعاً وساجداً ـ : « وأعجب من ذلك دعوى اتفاق الأصحاب على تقديم القيام والإيماء وإن تمكن من الركوع جالساً ، وأن ذلك هو ظاهر معقد إجماع المنتهى. وظني أنه لم يقل به أحد من الأصحاب » ، وعليه ففي الفرض يكون الحكم بوجوب الجلوس أولى للاقتصار في الجلوس على حال الركوع لا غير.

والعمدة فيه : دعوى كونه الميسور عرفا ، وأنه أقرب الى الصلاة التامة من الإيماء قائماً. وما دل على بدلية الإيماء عن الركوع. قاصر عن شمول الفرض ، للقدرة على الركوع جالسا. ومع ذلك لا تخلو المسألة من إشكال لاحتمال رجحان القيام الركني على الركوع. بل تقدم عن بعض التصريح بتقديم القيام مع الإيماء على الركوع مع الجلوس ، بل ربما نسب‌

٣٠٨

والأحوط صلاة أخرى بالإيماء قائماً. وإن لم يتمكن منه جالساً أيضاً أومأ له وهو قائم برأسه [١] إن أمكن ، وإلا فبالعينين تغميضاً له وفتحاً للرفع منه. وإن لم يتمكن من ذلك أيضاً نواه بقلبه [٢] ، وأتى بالذكر الواجب.

( مسألة ٣ ) : إذا دار الأمر بين الركوع جالساً مع الانحناء في الجملة ، وقائماً مومياً ، لا يبعد تقديم الثاني [٣].

والأحوط تكرار الصلاة.

______________________________________________________

الى جماعة دعوى الإجماع عليه. ولذا توقف فيه المصنف (ره) هنا وفي مبحث القيام فجعل الأحوط ضم صلاة أخرى. وقد تقدم بعض الكلام فيه في مبحث القيام فراجع.

[١] كما هو المعروف بينهم. بل في المنتهى : « لو أمكنه القيام وعجز عن الركوع قائماً أو السجود لم يسقط عنه فرض القيام ، بل يصلي قائماً ويومئ للركوع ثمَّ يجلس ويومئ للسجود. وعليه علماؤنا ». وقد تقدم الكلام فيه وفيما بعده في مبحث القيام. فراجع.

[٢] وجوبه غير ظاهر إلا من جهة توقف امتثال أمر الذكر عليه فتأمل.

[٣] لإطلاق ما دل على بدلية الإيماء عن الركوع عند تعذره ، ولا إجماع على وجوب المقدار الممكن من الانحناء ، ليخرج به عن الإطلاق المذكور ، كما كان في الفرض السابق. ولا ينافي ذلك ما سبق من أن الانحناء دون الركوع ميسور الركوع ، فيجب ، للإجماع على قاعدة الميسور في أمثال المقام ، فلا بد من الإتيان به ولو حال الجلوس. وجه عدم المنافاة : أن الإجماع المذكورة لا يطرد في صورة المزاحمة مع القيام قبل الركوع وحاله ، كما هو المفروض ، لعدم ثبوت كون الصلاة كذلك أقرب الى الصلاة‌

٣٠٩

( مسألة ٤ ) : لو أتى بالركوع جالساً ورفع رأسه منه ثمَّ حصل له التمكن من القيام ، لا يجب [١] بل لا يجوز له إعادته قائماً [٢] ، بل لا يجب عليه القيام للسجود [٣] ، خصوصاً إذا كان بعد السمعلة [٤] وإن كان أحوط [٥]. وكذا لا يجب إعادته بعد إتمامه بالانحناء غير التام [٦]. وأما لو حصل له التمكن في أثناء الركوع جالساً ، فان كان بعد‌

______________________________________________________

الاختيارية من الصلاة قائماً مومياً ، وحينئذ فلا موجب لرفع اليد عن إطلاق بدلية الإيماء. بل لا تبعد دعوى كون القيام مومياً أقرب الى الصلاة الاختيارية من الجلوس منحنياً الى ما دون الركوع.

[١] هذا بناء على جواز البدار لذوي الأعذار. وإلا وجب استئناف الواجب الاختياري ، كما تقدم في مبحث القيام وتقدم فيه التعرض لجملة من هذه الفروع.

[٢] للزوم الزيادة.

[٣] لكون انتصابه الجلوسي بدلا عن انتصابه القيامي ، فيسقط به أمره كما سبق.

[٤] هذه الخصوصية غير ظاهرة ، لأن الواجب مسمى الانتصاب بعد الركوع وقد حصل بدله. نعم لو كان قبل السمعلة يشرع له القيام حالها لتشريعها حال القيام.

[٥] وحينئذ يأتي بالقيام رجاء المطلوبية ، لئلا تلزم الزيادة العمدية.

[٦] يعني لو عجز عن الركوع التام فركع دون التام ثمَّ تجددت القدرة على التام بعد تمام الناقص ، لا تجب الإعادة بالركوع التام ، إذ الوجوب خلاف مقتضى البدلية.

٣١٠

تمام الذكر الواجب يجتزئ به [١] ، لكن يجب عليه الانتصاب للقيام بعد الرفع [٢]. وإن حصل قبل الشروع فيه أو قبل تمام الذكر ، يجب عليه أن يقوم منحنيا إلى حد الركوع القيامي ثمَّ إتمام الذكر والقيام بعده. والأحوط مع ذلك إعادة الصلاة [٣] وإن حصل في أثناء الركوع بالانحناء غير التام ، أو في أثناء الركوع الايمائي ، فالأحوط الانحناء إلى حد الركوع ، وإعادة الصلاة [٤].

______________________________________________________

[١] لحصول البدل.

[٢] للقدرة عليه مع عدم سقوط أمره لعدم حصول بدله. وكذا الحال فيما بعده.

[٣] لاحتمال كون الانحناء حال القيام غير الانحناء حال الجلوس ، فيلزم زيادة الركن المبطلة. لكنه ضعيف إذ الاختلاف بالجلوس والقيام لا يوجب تعدد الركوع ، لا عرفا ، ولا حقيقة.

[٤] لاحتمال لزوم الزيادة. لكن ذلك بالنسبة إلى الركوع الايمائي في محله ، لأن الإيماء غير الركوع ففعله مع الركوع زيادة في الصلاة. أما بالنسبة إلى الانحناء غير التام فمبني على خروج الهوي عن الركوع وكونه مقدمة خارجية ، كما سبق من الجواهر وغيرها ، أما بناء على ما ذكرنا من كونه داخلا في وجود الركوع دخول الأقل في الأكثر ، فالانتقال منه الى الركوع التام لا يستلزم الزيادة. نظير الانتقال من أول مراتب الركوع التام إلى آخر مراتبه.

وكيف كان فلو بني على لزوم الزيادة بالانتقال الى الفرد الاختياري يدور الأمر ـ بعد فرض مشروعية البدل ـ بين إكماله بلا انتقال الى المبدل‌

٣١١

( مسألة ٥ ) : زيادة الركوع الجلوسي والايمائي مبطلة ، ولو سهواً ، كنقيصته [١].

( مسألة ٦ ) : إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض ، فان تمكن من الانتصاب ولو بالاعتماد على شي‌ء ، وجب عليه ذلك ، لتحصيل القيام الواجب حال القراءة ، وللركوع [٢] ،

______________________________________________________

منه ، وبين الانتقال اليه ولو لزمت الزيادة ، ولأجل أن رفع اليد عن مبطلية الزيادة صعب جداً يتعين الإكمال لا غير. ويستكشف جوازه من دليل مشروعية حدوثه. اللهم إلا أن يدعى عدم مشروعيته ، لقصور دليل البدلية عن شمول مثله وإن قلنا بجواز البدار لذوي الأعذار ، لاختصاص ذلك بصورة استمرار العجز الى تمام البدل. وعلى تقدير عدم ثبوت مشروعيته ينتقل الى المبدل منه بلا حاجة الى الاستئناف ، لعدم الدليل على البطلان به بعد عدم التعمد لزيادته ، وعدم ثبوت كونه بمنزلة الركوع في البطلان بزيادته سهواً ، لاختصاص الدليل عليه بما لو كان وظيفة له. فتأمل جيداً.

[١] لظهور أدلة وجوبه في كونه بمنزلة المبدل منه. والظاهر أنه مما لا إشكال فيه.

[٢] يعني الواجب لأجل الركوع ، بناء على أن الركوع الموضوع للجزئية هو الركوع الحدوثي ، يعني الوجود بعد العدم. ولو بني على عمومه للحدوث والبقاء فلا حاجة فيه الى هذا القيام. نعم كان الأولى التعرض للقيام المتصل بالركوع ، الذي هو أحد الأركان ، كما سبق. ولعله المراد ، لما عرفت في بحث القيام من استدلال غير واحد على وجوبه بتوقف الركوع الواجب عليه. كما أن الأولى التعرض أيضاً للقيام حال التكبير فإنه ركن أيضاً. وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في وجوب الانتصاب المذكور عند‌

٣١٢

وإلا فللركوع فقط ، فيقوم وينحني. وإن لم يتمكن من ذلك لكن تمكن من الانتصاب في الجملة [١] ، فكذلك. وإن لم يتمكن أصلا ، فإن تمكن من الانحناء أزيد من المقدار الحاصل بحيث لا يخرج عن حد الركوع وجب [٢] ، وإن لم يتمكن‌

______________________________________________________

التمكن منه لما ذكر.

[١] يعني بنحو يكون قياما ناقصا ووجوبه حينئذ بقاعدة الميسور.

[٢] كما في قواعد العلامة ، وعن الشهيدين ، والعليين ، وغيرهم.

للفرق بينه وبين القيام ، كما يشير اليه ما دل على كون الإيماء للسجود أخفض منه للركوع. وفيه : أن الفرق لا دليل على وجوبه في المختار فضلا عن المضطر. ومجرد وجوب القيام حال القراءة ، غير كاف في وجوبه. والتعدي من الإيماء إلى المقام غير ظاهر.

واستدل له بعض الأكابر من المتأخرين بأن الانحناء الحاصل لمن هو بهيئة الراكع ليس ركوعاً له ، بل هو قيام ، وركوعه إنما يكون بانحنائه زائداً على ذلك الانحناء ، وما تقدم من تحديد الركوع ، إنما هو بالنسبة الى الأفراد الشائعة ، دون من كان منحني الظهر الى حد الركوع ، فإنه خارج عن التحديد المذكور ، كما يظهر بملاحظة حال العرف والأشخاص الذين جرت عادتهم بالركوع تواضعاً للجبابرة والملوك. وفيه : منع ذلك جداً ، ولمخالفته لظاهر كلمات اللغويين والفقهاء ، ولذا لم يدعه القائلون بوجوب الانحناء يسيراً ، وتمسكوا بما عرفت ضعفه. وكأنه لأجل ذلك ذهب جماعة من الأعاظم الى عدم وجوبه ، منهم الشيخ في المبسوط ، والمحقق في المعتبر ، فإنه ـ بعد ما حكى عن المبسوط قوله : « من هو في صورة الراكع لزمن أو كبر يقوم على حسب حاله ثمَّ ينحني للركوع قليلا ، ليكون فرق ما بين القيام والركوع ، وإن لم يفعل لم يلزمه » ‌

٣١٣

من الزيادة ، أو كان على أقصى مراتب الركوع بحيث لو انحنى أزيد خرج عن حده [١] فالأحوط له الإيماء بالرأس [٢] ، وإن لم يتمكن فبالعينين له تغميضا وللرفع منه فتحا ، وإلا فينوي به قلبا ، ويأتي بالذكر.

______________________________________________________

ـ قال رحمه‌الله : « وهو حسن ، لأن ذلك حد الركوع ، ولا تلزم الزيادة عليه » ، ونحوه ما في المنتهى ، غير أنه قال : « وهو جيد » ، بدل قوله : « وهو حسن » ، وتبعهما السيد في المدارك ، والعلامة الطباطبائي على ما حكي ، واختاره في الجواهر.

وربما يدعي وجوبه ، بناء على أن الواجب من الركوع الحدوث ، إذ بالانحناء اليسير يحدث فرد خاص من الركوع. وفيه : ما عرفت من أن الانحناء اليسير اشتداد في الركوع الباقي ، لا حدوث فرد آخر ، فالأمر بالركوع الحدوثي أمر بالممتنع.

[١] في جامع المقاصد تردد في لزوم تحصيل الفرق بين الركوع والقيام في الفرض ، بعد ما أوجبه في الفرض الأول. ومقتضى ما سبق من أن من كان على هيئة الراكع خلقة أو لعارض ، قائم لا راكع ، تعين الانحناء اليسير مع إمكانه لأنه ركوع لمثله. وخروجه عن حد الركوع بالنسبة إلى المتعارف ، غير قادح. بل لازم ذلك عدم الاكتفاء بتغيير هيئة حال الركوع برفع ظهره ثمَّ الرجوع الى حاله الأولى ، لأن الركوع الانحناء عن القيام ، فاذا فرض أن قيام مثله بالانحناء الخاص ، فركوعه انحناؤه زائداً على ذلك الانحناء. كما أن لازمه أيضاً أنه لو خلق منحنياً زائداً على حد الركوع الأعلى ، كان ركوعه انحناءه زائداً على ذلك. والتفكيك بين الموارد غير ظاهر.

[٢] كما عن كشف الغطاء. لاحتمال دخوله فيمن لا يمكنه الركوع ، الذي جعل له الإيماء بدلا عن الركوع. لكنه ضعيف باختصاص دليل‌

٣١٤

( مسألة ٧ ) : يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع ، ولو إجمالا بالبقاء على نيته في أول الصلاة ، بأن لا ينوي الخلاف ، فلو انحنى بقصد وضع شي‌ء على الأرض ، أو رفعه ، أو قتل عقرب ، أو حية ، أو نحو ذلك لا يكفي في جعله ركوعا ، بل لا بد من القيام ثمَّ الانحناء للركوع [١]

______________________________________________________

بدلية الإيماء بمن لا يمكنه الركوع أصلا ، فلا يعم الفرض. ومقتضى أصالة البراءة عدم وجوبه ، كما اقتضى في الفرض السابق عدم وجوب الانحناء اليسير.

[١] هذا يتم بناء على أن منصرف أدلة وجوب الركوع خصوص الركوع الحدوثي ، الذي قد عرفت أنه خلاف الإطلاق. أو بناء على أن القيام المتصل بالركوع الذي عدوّه في الأركان يراد منه المتصل بالركوع الصلاتي ، إذ في الفرض لا يكون القيام كذلك ، للفصل بينهما بالانحناء غير الصلاتي ، فلا بد من استئناف القيام ليقع الركوع الصلاتي بجميع مراتبه متصلا به. وهذا المبنى أيضاً غير ظاهر. ولذا لم يستبعد في الجواهر الاجتزاء بالاستدامة بعد تجدد القصد ، كالقيام في الصلاة ، لصدق الامتثال ، فان محط كلامه وإن كان حيثية اعتبار الحدوث وعدمه ، إلا أن حكمه بالاجتزاء يقتضي عدم اعتبار اتصال القيام بالركوع الصلاتي ، بل يكفي عدم الفصل بينهما بغير الركوع وإن تحقق الفصل بالركوع غير الصلاتي. كما أن تعليل عدم الاجتزاء ـ المحكي عن التذكرة ، والنهاية ، والذكرى ، والدروس ، والبيان ، والموجز الحاوي ، وكشف الالتباس ، والجعفرية ، وشرحيها ـ بأن الركوع الانحناء ، ولم يقصده ، وإنما يتميز الانحناء للركوع منه ومن غيره بالنية ، ولقوله (ص) : « إنما الأعمال بالنيات » (١) ، و « لكل

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١٠.

٣١٥

______________________________________________________

امرئ ما نوى » (١) ، ظاهر في انحصار الوجه في عدم الاجتزاء بفوات الركوع الحدوثي ، لا بفوات القيام المتصل بالركوع. قال في التذكرة : « يجب أن لا يقصد بهويه غير الركوع ، فلو قرأ آية سجدة فهوى ليسجد ثمَّ لما بلغ حد الراكع أراد أن يجعله ركوعا لم يجز ، بل يعود الى القيام ثمَّ يركع ، لأن الركوع الانحناء ، ولم يقصده ».

هذا ، ولكن الإنصاف أن المستفاد ـ بعد التأمل في مجموع كلماتهم ـ أن الركوع الذي هو أحد الأركان هو خصوص الحادث عن قيام ، وأن ركنية القيام المتصل بالركوع عرضية ، لملازمة القيام المذكور للركوع الركني ، فالإجماع على ركنية القيام المذكور راجع الى الإجماع على كون موضوع الركنية من الركوع خصوص الحادث المتصل بالقيام ، والقول بصحة الصلاة لو هوى لغير الركوع ثمَّ نواه ليس خلافا منهم فيما ذكر ، وإنما كان من أجل بنائهم على مقدمية الهوي للركوع ، وخروجه عنه ، كما صرح بذلك العلامة الطباطبائي وصاحب الجواهر ( قدهما ) فيما تقدم من كلامهما ، إذ على هذا المبنى يكون المراد من كون الركوع متصلا بالقيام : أنه متصل بالهوي المتصل بالقيام ، وهذا المعنى حاصل في المقام ، وإن لم يكن الهوي بقصد الركوع ولذا فزّع في الجواهر الصحة في الفرض على ذلك في كلامه المتقدم في المسألة الثانية ، فإذا ثبت كون الهوي جزءاً من الركوع تعين القول بالبطلان في الفرض لانتفاء الركوع الحدوثي المتصل بالقيام. وإنكار اعتبار الحدوث في موضوع الوجوب لا مجال له. إذ لا يظن من صاحب الجواهر أو غيره الالتزام بصحة من ركع ليستريح ، وبعد مدة من ركوعه نوى الركوع الصلاتي في البقاء راكعاً وجاء بالذكر حينئذ.

والمتحصل : أن المستفاد من النصوص والفتاوى أن الركوع الواجب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١٠.

٣١٦

ولا يلزم منه زيادة الركن [١].

( مسألة ٨ ) : إذا نسي الركوع فهوى إلى السجود وتذكر قبل وضع جبهته على الأرض رجع إلى القيام ثمَّ ركع [٢] ولا يكفي أن يقوم منحنيا إلى حد الركوع من دون أن ينتصب وكذا لو تذكر بعد الدخول في السجود أو بعد رفع الرأس من السجدة الأولى قبل الدخول في الثانية على الأقوى [٣] ، وإن كان الأحوط في هذه الصورة إعادة الصلاة أيضاً بعد إتمامها ، وإتيان سجدتي السهو لزيادة السجدة.

______________________________________________________

هو الركوع الحدوثي عن قيام ، وهو منتف في الفرض ، فيتعين الاستئناف.

[١] لعدم قصد الجزئية كما أشرنا إليه آنفاً.

[٢] أما صحة صلاته فلا خلاف ولا إشكال فيها ، وأما الرجوع الى القيام والركوع عنه فهو لما في المسألة السابقة.

[٣] كما مال إليه في الحدائق ، وعن المدارك ، وجماعة ، والمشهور : البطلان. لخبر أبي بصير : « سألت أبا جعفر (ع) : عن رجل نسي أن يركع ، قال (ع) : عليه الإعادة » (١) ، وموثق إسحاق بن عمار : « سألت أبا إبراهيم (ع) : عن الرجل ينسى أن يركع ، قال (ع) : يستقبل حتى يضع كل شي‌ء من ذلك موضعه » (٢) ، وأما صحيح رفاعة : « عن رجل ينسى أن يركع حتى يسجد ويقوم ، قال (ع) : يستقبل » (٣) ، وصحيح أبي بصير : « إذا أيقن الرجل أنه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الركوع حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الركوع حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الركوع حديث : ١.

٣١٧

( مسألة ٩ ) : لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء وهوى إلى السجود ، فان كان النسيان قبل الوصول إلى حد الركوع انتصب قائما ثمَّ ركع ، ولا يكفي الانتصاب إلى الحد الذي عرض له النسيان ثمَّ الركوع [١] ، وإن كان بعد الوصول‌

______________________________________________________

سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة » (١) فموردهما الالتفات بعد السجدتين الذي لا كلام في البطلان معه ، ولا يدلان على ما نحن فيه.

هذا ، وتمكن المناقشة في الاستدلال بالموثق : بأن التعليل في ذيله ظاهر في دوران البطلان مدار عدم إمكان وضع كل شي‌ء في موضعه ، فإذا بني على عدم قدح زيادة سجدة أمكن وضع الركوع في موضعه بتداركه بلا حاجة الى الإعادة ومنه تظهر المناقشة في خبر أبي بصير‌ ، فان التعليل المذكور صالح لتقييده ، ولا سيما مع ضعف إطلاقه ، لقرب دعوى انصراف نسيان الركوع الى خصوص صورة فوات محله ، ولذا لم يتأمل أحد في صحة الصلاة لو نسي الركوع وذكره قبل أن يسجد ، ويأتي إن شاء الله تعالى في الخلل ما له نفع في المقام ، فانتظر.

[١] لما عرفت في المسألة السابقة من وجوب الركوع الحدوثي المتصل بالقيام ، ومع الانتصاب الى الحد الذي عرض له فيه النسيان لا يحصل ذلك ، للفصل بين القيام والركوع الصلاتي بالانحناء غير المقصود به الركوع. نعم لو بني على كون الركوع الواجب هو الأعم من الحدوثي والبقائي تعين الاكتفاء بالانتصاب الى الحد الذي عرض فيه النسيان ، لعدم فوات القيام المذكور ، لكنه خلاف ما يقتضيه التدبر في مجموع كلماتهم كما عرفت. هذا ولا فرق في ذلك بين أن يتجاوز في هويه عن حد الركوع النهائي وأن لا يتجاوز ، لاشتراكهما في جميع ما ذكر.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الركوع حديث : ٣.

٣١٨

إلى حده ، فان لم يخرج عن حده وجب عليه البقاء مطمئنا والإتيان بالذكر [١] ، وإن خرج عن حده فالأحوط إعادة الصلاة بعد إتمامها بأحد الوجهين : من العود إلى القيام ثمَّ الهوي للركوع ، أو القيام بقصد الرفع منه ثمَّ الهوي للسجود ، وذلك لاحتمال كون الفرض من باب نسيان الركوع [٢] فيتعين‌

______________________________________________________

[١] لتحصيل الذكر الواجب للركوع ، ولا ينافي ذلك الفصل بينه وبين مسمى الركوع الحاصل قبل طروء النسيان ، إذ لا دليل على قدح مثله ، والأصل البراءة من قادحيته. كما أنه لا مجال لاحتمال سقوط الذكر ، فلا يجب عليه البقاء ـ كما يحتمل في الصورة الآتية ـ إذ لا وجه للسقوط مع إمكان الامتثال بلا لزوم محذور الزيادة ، فإن الفصل بالهوي غير الصلاتي لا يوجب كون الركوع الصلاتي الثاني ركوعاً آخر ، ليكون زيادة قادحة.

[٢] هذا الاحتمال يبتني على كون الركوع الانحناء المنتهي بين الحدين ، فمع فرض توالي الهوي وعدم انتهاء الانحناء لم يتحقق الركوع ، فلا بد من تداركه بالانتصاب ثمَّ الانحناء عنه إلى أن ينتهي بين الحدين. ولو بني على عدم اعتبار الانتهاء فيه تعين الوجه الآخر ، لتحقق الركوع. وفوات الذكر والطمأنينة فيه سهواً لا يقدح في الصحة ، ولا يلزم تداركهما بالرجوع الى حد الركوع ، للزوم الزيادة ، فإنه ركوع آخر غير الركوع الأول ، لتخلل العدم بينهما ، وما ذكره بعض الأعيان : من « أن الظاهر عدم صدق زيادة الركوع إذا كان عوده على ما كان بقيامه بهيئة الراكع » غير ظاهر.

هذا والذي يقتضيه التأمل في مفهوم الركوع ـ لغة وعرفا ـ : هو اعتبار الانتهاء فيه ، فالهاوي الى السجود ليس براكع ، والجالس إذا سجد لا يكون راكعاً أولا ثمَّ ساجداً ، ولذا لا يجب في كل ركعة إلا ركوع‌

٣١٩

الأول ، ويحتمل كونه من باب نسيان الذكر والطمأنينة في الركوع بعد تحققه وعليه فيتعين الثاني ، فالأحوط أن يتمها بأحد الوجهين ثمَّ يعيدها.

( مسألة ١٠ ) : ذكر بعض العلماء : أنه يكفي في ركوع المرأة الانحناء بمقدار يمكن معه إيصال يديها إلى فخذيها فوق ركبتيها [١] ،

______________________________________________________

واحد ، إذ لو لم يعتبر الانتهاء فيه لزم وجوب ركوعين : أحدهما بالأصالة والآخر مقدمة للسجود ، بل ركوع ثالث ، وهو ما يحصل في الهوي إلى السجدة الثانية ، وهو كما ترى خلاف المرتكزات الشرعية والعرفية. نعم لو لم يثبت ذلك تعين البناء على عدم اعتبار الانتهاء في الركوع ، فإنه مقتضى الأصل ، لإجمال المفهوم الموجب للرجوع إلى أصل البراءة من شرطية الانتهاء كما لا يخفى.

ثمَّ إن ما في المتن : من أنه على التقدير الثاني يتعين عليه القيام لقصد الرفع مبني على أن الواجب هو القيام بعد الركوع ـ كما عن غير واحد من الأصحاب ـ لا القيام عن الركوع ، إذ عليه يتعذر حصوله لفوات محله ـ كما عن الذكرى حاكياً له عن المبسوط ـ فلو قام حينئذ كان القيام غير الواجب ، وكان زيادة مبطلة ، وهذا هو الذي يقتضيه ظاهر التعبير عنه في النص والفتوى برفع الرأس من الركوع ، لا أقل من الشك في وجوب القيام حينئذ ، والأصل البراءة عنه ، فتأمل جيداً.

[١] المحكي عن المقنعة ، والنهاية ، والوسيلة ، والسرائر ، وأكثر كتب المتأخرين : أن المرأة إذا ركعت وضعت يديها فوق فخذيها لئلا تطأطئ كثيراً فترتفع عجزيتها ، وعن النفلية : أن ذلك مستحب لها ، لخبر‌

٣٢٠