مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

عن سمت الرأس [١] ،

______________________________________________________

الأولي. والأولى وإن كانت أشهر فتوى ، لكن الثانية أشهر رواية وأصح سنداً. وكون الثانية لم يصرح فيها بعدم اشتراط ذهاب الحمرة مع أنه لا يسلم بالنسبة إلى بعضها ، فالأولى لم يصرح فيها بكون الانتظار على نحو الوجوب ، فيمكن الحمل على الاستحباب ، كما جرى عليه العمل في كثير من تحديدات الأوقات المتقدمة التي استفيد منها وقت الفضيلة ، لكونه أوفق بالاحتياط ، لاحتمال عدم الغياب ووجود الحائل ، كما يشير إليه اختلافها في التعبير عنه ، تارة بزوال الحمرة ، وأخرى بتغيرها ، وثالثة بالتأخير قليلاً كما في رواية يعقوب بن شعيب المتقدمة (١) وملاحظة التعليلات الواردة فيها.

وعليه فتجوز الصلاة بمجرد عدم رؤية القرص إذا لم يعلم أنه خلف جبل أو نحوه. ويدل عليه صحيح حريز عن أبي أسامة أو غيره قال : « صعدت مرة جبل أبي قبيس أو غيره والناس يصلون المغرب ، فرأيت الشمس لم تغب إنما توارت خلف الجبل عن الناس ، فلقيت أبا عبد الله (ع) فأخبرته بذلك. فقال لي : ولم فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت ، إنما تصليها إذا لم ترها خلف جبل غابت أو غارت ما لم يتجللها سحاب أو ظلمة تظلها ، وإنما عليك مشرقك ومغربك ، وليس على الناس أن يبحثوا » (٢). لكن هجره مانع عن العمل به ، فيتعين طرحه. وعليه فيجب الانتظار إلى أن يعلم بغيبوبة القرص. والظاهر حصوله بمجرد تغير الحمرة وميلها إلى السواد ، فلاحظ. والله سبحانه أعلم ،

[١] كما في مرسل بن أبي عمير (٣).

__________________

(١) تقدمت في اخبار اعتبار ذهاب الحمرة المشرقية.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

(٣) المتقدم في اخبار اعتبار ذهاب الحمرة المشرقية.

٨١

والأحوط زوالها من تمام ربع الفلك [١] من طرف المشرق ويعرف نصف الليل بالنجوم الطالعة أول الغروب إذا مالت عن دائرة نصف النهار إلى طرف المغرب ، وعلى هذا فيكون المناط نصف ما بين غروب الشمس وطلوعها [٢]. لكنه لا يخلو عن إشكال لاحتمال أن يكون نصف ما بين الغروب وطلوع الفجر ، كما عليه جماعة [٣] ،

______________________________________________________

[١] لاحتمال أن يكون المراد من جانب المشرق النصف الشرقي المقابل للنصف الغربي. بل في الجواهر ادعى أن ارادته ضرورية. ولا يخلو من تأمل.

[٢] كما نسب إلى شرذمة ، منهم الأعمش ، وظاهر محكي الكفاية اختياره ، ونسب أيضاً إلى ظاهر الذكرى والمفاتيح وشرحها. واستدل له بما عن بعض أهل اللغة من تفسير النهار بما بين الطلوع والغروب ، والليل بما بين الغروب والطلوع. وبما ورد في جملة من النصوص من استعمال النهار بذلك ، فيدل على أن ما عداه ليل لانتفاء الواسطة ، مثل ما ورد : « كان رسول الله (ص) لا يصلي من النهار شيئاً حتى تزول الشمس » (١). وبما رواه الصدوق عن عمر بن حنظلة : « سأل أبا عبد الله (ع) فقال له : زوال الشمس نعرفه بالنهار فكيف لنا بالليل؟ فقال (ع). لليل زوال كزوال الشمس. قال : فبأي شي‌ء نعرفه؟ قال (ع) : بالنجوم إذا انحدرت » (٢). وبخبر أبي بصير عن أبي جعفر (ع) : « دلوك الشمس زوالها ، وغسق الليل بمنزلة الزوال من النهار » (٣).

[٣] إما بناء منهم على أن ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس لا من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب المواقيت حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٥٥ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥٥ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

٨٢

______________________________________________________

الليل ولا من النهار ، كما يشهد به جملة من النصوص ، مثل خبر أبي هاشم الخادم : « قلت لأبي الحسن الماضي (ع) : لمَ جعلت صلاة الفريضة والسنة خمسين ركعة لا يزاد فيها ولا ينقص منها؟ قال (ع) : إن ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة ، وفيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة ، وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة ، فجعل لكل ساعة ركعتين ، وما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق غسق » (١) ، وخبر أبان الثقفي : « عن الساعة التي ليست من الليل ولا من النهار. فقال (ع) : ساعة الفجر » (٢). أو بناء منهم على أنها من النهار كما هو المنسوب إلى أكثر أهل اللغة ، والمفسرين ، والفقهاء ، والمحدثين ، والحكماء الإلهيين ، والرياضيين.

وفي الجواهر : « لا ينبغي أن يستريب عارف بلسان الشرع والعرف واللغة أن المنساق من إطلاق اليوم والنهار والليل في الصوم والصلاة ومواقف الحج والقسم بين الزوجات وأيام الاعتكاف وجميع الأبواب أن المراد بالأولين من طلوع الفجر الثاني إلى الغروب ومنه إلى طلوعه بالثالث ، كما قد نص عليه غير واحد من الفقهاء والمفسرين واللغويين فيما حكي عن بعضهم .. إلى أن قال ـ بعد نقل كلام جماعة من الفقهاء والمفسرين واللغويين والاستدلال عليه بجملة وافرة من الآيات والنصوص ـ : وتفصيل الكلام فيها بل وفيما ذكرنا من الآيات يفضي إلى إطناب تام لا يناسب وضع الكتاب ، كما أنه لا يناسب أيضاً ذكر جميع ما يدل على ذلك ، أو يشعر به من النصوص ، ولا سيما وهي أكثر من أن تحصى ، وأوسع من أن تستقصى ، وقد جمع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٢٠.

(٢) مستدرك الوسائل باب النوادر من أبواب المواقيت حديث : ٥. وهو منقول هاهنا بالمعنى ، كما ان الراوي عمر بن أبان. ولكن ما هاهنا يتفق مع ما في الجواهر سنداً ومتناً.

٨٣

______________________________________________________

المجلسي في البحار شطراً منها يقرب إلى المائة من كتب متفرقة ، كالكافي والتهذيب ، والفقيه ، وفقه الرضا ، وقرب الاسناد ، ودعائم الإسلام ، والاحتجاج ، والعلل ، والخصال ، وتفسير علي بن إبراهيم ، والعياشي ، ومعاني الاخبار ، وتحف العقول ، وإرشاد القلوب ، وثواب الاعمال ، وعدة الداعي ، ومجالس ، الصدوق ، والتوحيد ، والعيون ، والمصباح للشيخ ، ومسارّ الشيعة للمفيد ، والإقبال ، والمقنعة ، ومجالس الشيخ ، والخلاف له والمعتبر ، والذكرى ، وغياث سلطان الورى ، ومصباح الكفعمي ، ودعوات الراوندي ، والسرائر في مقامات متشعبة ، كالصلاة الوسطى ، والصوم ، وصلاة الليل ، والحج ، وتفسير بعض الآيات ، والأذان ، والقسم بين الزوجات ، والأغسال للجمعة والعيدين وغير ذلك ، وإن كان في جملة مما تخيل دلالته على المطلوب مناقشة ، لكن في الجملة الأخرى ووضوح الأمر مغناة .. ».

هذا ومرجع الاستدلال بأكثر الآيات والروايات إلى الاستدلال باستعمال الليل فيما بين الغروب وطلوع الفجر ، والنهار واليوم فيما بين طلوع الفجر والغروب. والمحقق في محله عدم دلالة الاستعمال على الحقيقة ، خلافا للسيد المرتضى (ره). نعم لا تبعد دعوى كون الاستعمال في المقامات المذكورة بلا ملاحظة علاقة ومناسبة ، بل جرياً على حقيقة اللفظ.

نعم بعضها تام الدلالة مثل المروي عن الفقيه من جواب أبي الحسن الأول (ع) ليحيى بن أكثم القاضي حين سأله عن صلاة الفجر لِمَ يجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة النهار ، وإنما يجهر في صلاة الليل؟ فقال (ع) : « لأن النبي (ص) كان يغلس بها لقربها لليل » (١). ونحوه ما عن العلل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣ ولكن فيها وفي الفقيه ( فقربها ) لا : ( لقربها ). نعم أشار المؤلف في نسخته المصححة من الوسائل الى ان الموجود في العلل ( لقربها ).

٨٤

______________________________________________________

ناسباً الجواب إلى علي بن محمد (ع) (١). إذ لو لا كون ما بين طلوعي الفجر والشمس من النهار لم يكن للسؤال المذكور معنى ولتعين الجواب عنه بالنفي لا بما ذكر. ومثل ما ورد في الصلاة الوسطى أنها وسطى بين صلاتين بالنهار. لكن وضوح المعنى أغنى عن الاستدلال له بما ذكر وغيره.

ومنه يظهر ضعف القول بالواسطة تمسكاً بالنصوص السابقة ، إذ هي ـ مع عدم صلاحيتها لمعارضة ما ذكر ـ لا تصلح للإثبات ، إلا بناء على إثبات الاستعمال للحقيقة.

كما أنه لذلك يظهر ضعف القول الأول. وأما نقل بعض أهل اللغة فمعارض بنقل أكثرهم المعتضد بما عرفت ، بل لا مجال للرجوع إلى النقل بعد وضوح المعنى. وأما خبر ابن حنظلة : فإن كان الاستدلال بقوله (ع) : فيه : « لليل زوال كزوال الشمس » فهو لا يدل على أكثر من أن لليل دائرة كدائرة نصف النهار تنصفه نصفين ، فاذا مال الكوكب عنها إلى الغروب تحقق الزوال ، فاذا كان آخر الليل الفجر ـ كما هو المفهوم منه عرفاً ولغة ـ فالدائرة الموهومة لا بد أن تكون مفروضة بنحو يتحقق تنصيف المقدار المذكور عند وصول الكوكب إليها ، ولا يدل على أن الآخر هو الفجر. ومن ذلك تعرف الخدش في الاستدلال برواية أبي بصير‌. وإن كان بقوله (ع) : « بالنجوم إذا انحدرت » فاجماله مانع عن الاستدلال به ، إذ لا ريب في أنه لا يراد مطلق النجوم ، لاختلافها بالطلوع والغروب. وإرادة خصوص النجوم التي تطلع عند الغروب بعيد جداً ، لتعسر تعيينها غالباً ، ولا سيما بملاحظة عدم ظهور النجوم حول الأفق غالباً ، وإنما تظهر مرتفعة مقدار قامة أو أكثر ، والأولى الحمل على إرادة الإشارة إلى ما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب القراءة في الصلاة ملحق الحديث الثالث.

٨٥

والأحوط مراعاة الاحتياط هنا في صلاة الليل التي أول وقتها بعد نصف الليل. ويعرف طلوع الفجر باعتراض البياض [١]

______________________________________________________

يعرف به النصف في الجملة ولو بعد تحققه بمقدار ساعة أو أكثر ، فلا ينافي كون الآخر الفجر ، كما لا يخفى. والله سبحانه أعلم.

[١] إجماعاً كما عن جماعة كثيرة. ويشهد له صحيح ليث المرادي قال : « سألت أبا عبد الله (ع) فقلت : متى يحرم الطعام والشراب على الصائم وتحل الصلاة صلاة الفجر؟ فقال (ع) : إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية البيضاء ، فثم يحرم الطعام على الصائم وتحل الصلاة صلاة الفجر .. » (١) ، وخبر علي بن عطية عن أبي عبد الله (ع) : « الصبح هو الذي إذا رأيته كان معترضاً كأنه بياض نهر سوراء » (٢) ، وخبر هشام بن الهذيل عن أبي الحسن الماضي (ع) قال : « سألته عن وقت صلاة الفجر. فقال عليه‌السلام : حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سوراء » (٣) ، وخبر علي بن مهزيار : « كتب أبو الحسن بن الحصين إلى أبي جعفر الثاني (ع) : جعلت فداك ، قد اختلف موالوك في صلاة الفجر ، فمنهم من يصلي إذا طلع الفجر الأول المستطيل في السماء ، ومنهم من يصلي إذا اعترض في أسفل الأفق واستبان ، ولست أعرف أفضل الوقتين فأصلي فيه ، فان رأيت أن تعلمني أفضل الوقتين ، وتحدّه لي وكيف أصنع مع القمر ، والفجر لا يتبين معه حتى يحمر ويصبح؟ وكيف أصنع مع الغيم؟ وما حد ذلك في السفر والحضر؟ فعلت إن شاء الله. فكتب (ع) بخطه ـ وقرأته ـ :

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب المواقيت حديث : ٦.

٨٦

الحادث في الأفق المتصاعد في السماء ، الذي يشابه ذنب السرحان ، ويسمى بالفجر الكاذب [١] ، وانتشاره على الأفق وصيرورته كالقبطية البيضاء ، وكنهر سوراء بحيث كلما زدته نظراً أصدقك بزيادة حسنه وبعبارة أخرى : انتشار البياض على الأفق بعد كونه متصاعداً في السماء.

( مسألة ٢ ) : المراد باختصاص أول الوقت بالظهر وآخره بالعصر وهكذا في المغرب والعشاء ـ عدم صحة الشريكة في ذلك الوقت مع عدم أداء صاحبته [٢] ، فلا مانع من إتيان‌

______________________________________________________

الفجر ـ يرحمك الله تعالى ـ هو الخيط الأبيض المعترض وليس هو الأبيض صعدا ، فلا تصل في سفر ولا حضر حتى تتبينه ، فان الله تبارك وتعالى لم يجعل خلقه في شبهة من هذا ، فقال تعالى ( كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) ، فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به الأكل والشرب في الصوم ، وكذلك هو الذي يوجب به الصلاة » (١).

[١] ففي مرسلة الكليني : « وأما الفجر الذي يشبه ذنب السرحان فذلك الفجر الكاذب ، والفجر الصادق هو المعترض كالقباطي » (٢). هذا والضمير في قوله : ( ويسمى ) راجع إلى ( المتصاعد ) الذي هو صفة للبياض ، فالبياض المعترض المتصاعد هو الفجر الصادق ، وخصوص المقدار المتصاعد هو الكاذب. وقوله : ( وانتشاره ) معطوف على ( اعتراض ).

[٢] تقدم الكلام في هذه المسألة في ثمرة الاختصاص والاشتراك. فراجع.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب المواقيت حديث : ٣. لكن نسب الرواية للصدوق.

٨٧

غير الشريكة فيه ، كما إذا أتى بقضاء الصبح أو غيره من الفوائت في أول الزوال ، أو في آخر الوقت. وكذا لا مانع من إتيان الشريكة إذا أدى صاحبة الوقت ، فلو صلى الظهر قبل الزوال بظن دخول الوقت فدخل الوقت في أثنائها ـ ولو قبل السلام حيث أن صلاته صحيحة ـ لا مانع من إتيان العصر أول الزوال وكذا إذا قدم العصر على الظهر سهواً وبقي من الوقت مقدار أربع ركعات ، لا مانع من إتيان الظهر في ذلك الوقت ولا تكون قضاء ، وإن كان الأحوط عدم التعرض للأداء والقضاء ، بل عدم التعرض لكون ما يأتي به ظهراً أو عصراً ، لاحتمال احتساب العصر المقدم ظهراً [١] وكون هذه الصلاة عصراً.

( مسألة ٣ ) : يجب تأخير العصر عن الظهر [٢] ، والعشاء عن المغرب ، فلو قدم إحداهما على سابقتها عمداً بطلت ، سواء كان في الوقت المختص أو المشترك. ولو قدم سهواً : فالمشهور على أنه إن كان في الوقت المختص بطلت [٣] ، وإن كان في‌

______________________________________________________

[١] كما سيأتي في المسألة اللاحقة.

[٢] بلا خلاف ، لما يستفاد من قولهم (ع) في النصوص المتقدمة : « إلا أن هذه قبل هذه » (١) الظاهر في اعتبار الترتيب بينهما ، فلو تركه عمداً بطلت الصلاة ، لفوات المشروط لفوات شرطه.

[٣] لفوات الوقت الذي هو شرط مطلقاً ، كما تقتضيه الأدلة الأولية ، ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « قال : من صلى في غير وقت فلا صلاة له » (٢) ، وحديث : « لا تعاد الصلاة .. » (٣).

__________________

(١) تقدمت في البحث عن وقت الظهرين والعشاءين.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب المواقيت حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٣ من ابواب الوضوء حديث :٨.

٨٨

الوقت المشترك ، فان كان التذكر بعد الفراغ صحت [١] ، وإن كان في الأثناء عدل بنيته إلى السابقة [٢] إذا بقي محل‌

______________________________________________________

[١] إذ ليس الفائت إلا الترتيب وليس هو بشرط مع السهو ، لإطلاق حديث : « لا تعاد الصلاة ». وعن كشف اللثام : الإجماع على عدم قدح مخالفة الترتيب نسياناً.

[٢] وجوباً إجماعاً كما عن حاشية الإرشاد للمحقق الثاني وغيرها ، ويشهد له جملة من النصوص ، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) ـ في حديث ـ : « وإن ذكرت أنك لم تصل الأولى وأنت في صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين فانوها الأولى ، ثمَّ صلّ الركعتين الباقيتين وقم فصل العصر‌ .. إلى أن قال : وإن كنت ذكرتها ـ يعني : المغرب ـ وقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين ، أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمَّ سلم ثمَّ قم فصل العشاء الآخرة » (١) ، وحسن الحلبي قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أمَّ قوماً في العصر فذكر وهو يصلي بهم أنه لم يكن صلى الأولى. قال (ع) : فليجعلها الأولى التي فاتته ويستأنف العصر ، وقد قضى القوم صلاتهم » (٢) ، وخبر الحسن بن زياد الصيقل قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل نسي الأولى حتى صلى ركعتين من العصر. قال (ع) : فليجعلها الأولى وليستأنف العصر. قلت : فإنه نسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء ثمَّ ذكر. قال (ع) فليتم صلاته ثمَّ ليقض بعد المغرب. قال : قلت له : جعلت فداك قلت حين نسي الظهر ثمَّ ذكر وهو في العصر : يجعلها الأولى ثمَّ يستأنف ، وقلت لهذا : يتم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٣ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦٣ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

٨٩

العدول ، وإلا ـ كما إذا دخل في ركوع الركعة الرابعة من العشاء ـ بطلت [١] وإن كان الأحوط الإتمام والإعادة بعد الإتيان بالمغرب. وعندي فيما ذكروه إشكال ، بل الأظهر في العصر المقدم على الظهر سهواً صحتها واحتسابها ظهراً إن كان التذكر بعد الفراغ‌ لقوله (ع) : « إنما هي أربع مكان أربع » في النص الصحيح [٢] ، لكن الأحوط الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمة من دون تعيين أنها ظهر أو عصر ، وإن كان

______________________________________________________

صلاته بعد المغرب. فقال (ع) : ليس هذا مثل هذا إن العصر ليس بعدها صلاة ، والعشاء بعدها صلاة » (١). وما فيه من حكم نسيان المغرب مطروح ، لضعفه في نفسه ، ومعارضته لما سبق ، وهجره عند الأصحاب فلا بد من تأويله إن أمكن ، أو إيكال معرفة المراد منه إلى قائله (ع) كما أمرنا بذلك (٢).

[١] كما هو ظاهر الجواهر ـ في مبحث قضاء الصلوات ـ لاختصاص اغتفار فوات الترتيب بما بعد الفراغ. وفيه : أن النصوص المتقدمة وإن كانت مختصة بما ذكر ، لكن حديث : « لا تعاد الصلاة » شامل لصورة الذكر في الأثناء ، ولا مانع من التعويل عليه. ويأتي في المسألة السادسة من ختام خلل الصلاة ما له نفع في المقام. فما في محكي كشف اللثام من الجزم بالصحة في محله ، وإن كان في بعض أدلته عليها نظر.

[٢] وهو بعض ما اشتمل عليه صحيح زرارة السابق عن أبي جعفر عليه‌السلام : « قال : إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى ثمَّ صل العصر فإنما هي أربع مكان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٣ من أبواب المواقيت حديث : ٥.

(٢) راجع الوسائل باب : ١٢ من أبواب أحكام القضاء.

٩٠

في الأثناء عدل ، من غير فرق في الصورتين بين كونه في الوقت المشترك أو المختص [١]. وكذا في العشاء إن كان بعد الفراغ صحت ، وإن كان في الأثناء عدل مع بقاء محل العدول ـ على ما ذكروه ـ لكن من غير فرق بين الوقت المختص والمشترك أيضاً. وعلى ما ذكرنا يظهر فائدة الاختصاص فيما إذا‌

______________________________________________________

أربع » (١). ونسب في الجواهر القول به إلى نادر لا يقدح خلافه ، وفي غيرها إلى المفاتيح. وعن الأردبيلي : « انه حسن لو كان به قائل » ، ويظهر منه عدم العثور على قائل به. بل عن بعض دعوى الاتفاق على خلافه. وعليه يشكل الاعتماد عليه ، بل لو بني على العمل بما أعرض عنه الأصحاب لحصل لنا فقه جديد ، فالمتعين تأويله أو طرحه ، وإن كان يعضده مضمر الحلبي قال : « سألته عن رجل نسي أن يصلي الأولى حتى صلى العصر ، قال (ع) : فليجعل صلاته التي صلى الأولى ثمَّ ليستأنف العصر » (٢). وربما يتوهم معارضته بصحيح صفوان بن يحيى عن أبي الحسن (ع) قال : « سألته عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس وقد كان صلى العصر. قال : كان أبو جعفر (ع) ، أو كان أبي يقول : إن أمكنه أن يصليها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها وإلا صلى المغرب ثمَّ صلاها » (٣). وفيه : أن مورده الذكر خارج الوقت.

[١] لإطلاق الأدلة. مضافاً ـ في الصورة الثانية ـ إلى أن نية العدول في الأثناء تكشف عن كونها السابقة في وقت اختصاصها ، فلا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٣ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦٣ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٦٢ من أبواب المواقيت حديث : ٧.

٩١

مضى من أول الوقت مقدار أربعَ ركعات فحاضت المرأة ، فإن اللازم حينئذ قضاء خصوص الظهر [١]. وكذا إذا طهرت من الحيض ولم يبق من الوقت إلا مقدار أربع ركعات ، فان‌

______________________________________________________

فوات للوقت على تقدير القول بالاختصاص. وفيه : أن موضوع الأدلة المتقدمة هو الصلاة الصحيحة من جميع الجهات عدا حيثية الترتيب ، فاذا كانت باطلة لفقد شرط الوقت ـ ولو بوقوعها بتمامها في الوقت المختص بصاحبتها ـ لا تكون مشمولة للأدلة ، كما لو كانت باطلة لفقد جزء أو شرط ركني غير الترتيب ، أو وجود مانع ، فالتمسك بالإطلاق في غير محله ، كدعوى كون نية العدول تكشف عن كونها المعدول إليها من أول الأمر ، لعدم الدليل عليها ، بل ظاهر الأدلة خلافها ، وأنها بالنية تنقلب إلى المعدول إليها كما لا يخفى. ومن ذلك يظهر ضعف ما في الشرائع من التفصيل بين الصورتين ، حيث بنى على بطلان اللاحقة لو أتى بها في الوقت المختص بالسابقة ، وإطلاق جواز العدول لو ذكره في الأثناء.

[١] المرأة إما أن تعلم حين الزوال بطروء الحيض عليها بعد مضي مقدار أربع ركعات ، وإما أن تجهل ذلك فيفاجئها الحيض في الوقت المذكور فان علمت ذلك فلا إشكال في وجوب أداء خصوص الظهر بناء على الاختصاص ، لدخول وقتها ، وعدم دخول وقت العصر إلا في حال الحيض. وكذا على الاشتراك لو بني على اعتبار الترتيب في العصر ، فإنه حينئذ لا يجب فعل العصر لعدم صحتها لفقد الشرط. أما بناء على سقوط اعتباره فيها لقصور أدلة اعتباره عن شمول الفرض ، أو لقاعدة الميسور ، فيقع التزاحم بين الفريضتين فيحتمل التخيير بينهما ، ويحتمل تعين الظهر لاحتمال أهميتها ، ولا سيما لو كان المستند في عدم اعتبار الترتيب قاعدة الميسور ،

٩٢

اللازم حينئذ إتيان العصر فقط [١]. وكذا إذا بلغ الصبي ولم يبق إلا مقدار أربع ركعات ، فان الواجب عليه خصوص العصر فقط. وأما إذا فرضنا عدم زيادة الوقت المشترك عن أربع ركعات فلا يختص بإحداهما ، بل يمكن أن يقال بالتخيير‌

______________________________________________________

إذ يبعد أن تكون العصر الناقصة مساوية في الأهمية للظهر التامة كما لا يخفى. وعلى كل حال فإذا أدت الظهر لم يبعد وجوب قضاء العصر حينئذ ، لأن وجوبها في أول الوقت يوجب صدق الفوت على تركها ، وإن كان المكلف معذوراً في تركها من جهة المزاحمة بالظهر. نعم لو قلنا ببقاء اعتبار الترتيب في هذه الحال لم يجب القضاء ، لاستناد فوات العصر حينئذ إلى وجود الحيض ، ومثله لا يوجب القضاء كما تقدم. ومن ذلك تعرف حكم ما لو فاجأها الحيض بعد مضي مقدار أداء الظهر ، ولم تكن قد صلّتها ، وأنه على تقدير اعتبار الترتيب في العصر تقضي الظهر لا غير سواء أقلنا بالاختصاص أم الاشتراك. وكذا على تقدير عدم اعتباره بناء على الاختصاص. أما بناء على الاشتراك فلا يبعد وجوب قضائهما معاً ، لصدق الفوت بالنسبة الى كل منهما في عرض الأخرى ، ومجرد عدم إمكان فعلهما معاً لا يوجب كون الصدق عليهما على البدل ، كي يلزم قضاء إحداهما تخييراً. وكذا الحكم فيما لو علمت قبل الوقت بالحيض في الوقت المذكور ولم تؤد عصياناً.

[١] هذا على الاختصاص ، وأما على الاشتراك : فيجري فيه الكلام السابق في أول المسألة ، إلا أن يستفاد من النصوص الواردة في الحائض لو طهرت في آخر الوقت (١) ، فيكون عليها أداء العصر ، وقضاؤها على تقدير تركها ، وليس عليها قضاء الظهر.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الحيض.

٩٣

بينهما [١] ، كما إذا أفاق المجنون الأدواري في الوقت المشترك مقدار أربع ركعات [٢] ، أو بلغ الصبي في الوقت المشترك ثمَّ جنّ أو مات بعد مضي مقدار أربع ركعات ، ونحو ذلك.

( مسألة ٤ ) : إذا بقي مقدار خمس ركعات إلى الغروب قدم الظهر [٣] ، وإذا بقي أربع ركعات أو أقل قدم العصر [٤] وفي السفر إذا بقي ثلاث ركعات قدم الظهر ، وإذا بقي ركعتان قدم العصر. وإذا بقي إلى نصف الليل خمس ركعات قدم المغرب ، وإذا بقي أربع أو أقل قدم العشاء [٥]. وفي السفر‌

______________________________________________________

[١] قد عرفت وجهه ، كما عرفت وجه تعيين الظهر.

[٢] يعرف حكم ما لو أفاق المجنون بمقدار أربع ركعات أول الزوال أو قبل الغروب ، أو فيما بينهما مما سبق. وكذا حكم ما لو بلغ الصبي أول الوقت أو في الأثناء ثمَّ جن أو مات. فلاحظ وتأمل.

[٣] قد عرفت سابقاً أنه يكفي في إثبات ما ذكر كون أداء الظهر من قبيل سائر الشرائط المعتبرة في العصر التي يجب مزاحمتها بها عند إمكان ركعة منها. لكنه لا يخلو من تأمل ، لاحتمال سقوط الشرطية في الضيق. فالعمدة في ذلك وقوع المزاحمة بين فعل الظهر مع إدراك ركعة من العصر ، وبين فعل العصر بتمامها في الوقت ، والأول أهم فيجب.

[٤] ولو قلنا بالاشتراك ، لاستفادة ذلك من نصوص الاختصاص بعد حملها على الاشتراك.

[٥] لأنه بخروج الوقت المشترك صارت المغرب قضاء ، وفعلها قضاء ليس شرطاً في صحة العشاء ، فلا وجه لمزاحمتها بالمغرب ، فدليل وجوب إيقاع تمام العشاء في وقتها لا معارض له.

٩٤

إذا بقي أربع ركعات قدم المغرب [١] ، وإذا بقي أقل قدم العشاء [٢]. ويجب المبادرة إلى المغرب بعد تقديم العشاء إذا بقي بعدها ركعة أو أزيد ، والظاهر أنها حينئذ أداء [٣] ، وإن كان الأحوط عدم نية الأداء والقضاء.

( مسألة ٥ ) : لا يجوز العدول من السابقة إلى اللاحقة [٤]. ويجوز العكس ، فلو دخل في الصلاة بنية الظهر ثمَّ تبين له في الأثناء أنه صلاها ، لا يجوز له العدول إلى العصر. بل يقطع ويشرع في العصر. بخلاف ما إذا تخيل أنه صلى الظهر فدخل في العصر ، ثمَّ تذكر أنه ما صلى الظهر ، فإنه يعدل إليها.

______________________________________________________

[١] لما تقدم في أول المسألة.

[٢] لأن فعل المغرب يوجب تفويت العشاء بالمرة ، ولا يكون مقدمة لها ، كي يجري فيه ما سبق.

[٣] هذا مبني على ما سبق من أن اختصاص الآخر باللاحقة يختص بصورة عدم أدائها ، ومع أدائها بوجه صحيح يكون الوقت مشتركاً بينهما فمع أداء العشاء في الفرض ، يكون مقدار الركعة وقتاً للمغرب ، فتجب المبادرة إلى فعلها فيه أداء. ومنه يظهر أنه لم يتضح الوجه فيما قد يظهر من العبارة من جزمه بوجوب المبادرة إلى المغرب في الفرض وعدم جزمه بكونها أداء.

[٤] لأن صحة العدول مطلقاً على خلاف القاعدة ، لأن في انقلاب الصلاة المأتي بها لأمرها إلى صلاة أخرى غير منوية ، ولا نوى أمرها ، مخالفة لما دل على اعتبار نية الفعل عن أمره في العبادات ، فاذا دل عليه دليل في مورد وجب الاقتصار عليه ، والرجوع في غيره إلى القاعدة المقتضية‌

٩٥

______________________________________________________

( مسألة ٦ ) : إذا كان مسافراً وقد بقي من الوقت أربع ركعات ، فدخل في الظهر بنية القصر ثمَّ بدا له الإقامة فنوى الإقامة بطلت صلاته ، ولا يجوز له العدول إلى العصر فيقطعها ويصلي العصر. وإذا كان في الفرض ناوياً للإقامة فشرع بنية العصر لوجوب تقديمها حينئذ ثمَّ بدا له فعزم على عدم الإقامة ، فالظاهر أنه يعدل بها إلى الظهر قصراً (١).

( مسألة ٧ ) : يستحب التفريق بين الصلاتين المشتركتين في الوقت (٢) كالظهرين والعشاءين. ويكفي مسماه. وفي الاكتفاء به بمجرد فعل النافلة وجه ، إلا أنه لا يخلو عن إشكال.

للمنع. ومورد نصوص جواز العدول هو العدول من اللاحقة إلى السابقة ، فلا يجوز العدول من السابقة إلى اللاحقة. ومن ذلك يظهر وجه الحكم في المسألة اللاحقة.

[١] هذا لا يخلو عن إشكال ، لقصور الدليل عن شموله واختصاصه بغيره ، مما كان المعدول اليه مكلفا به قبل الشروع في المعدول منه. اللهم إلا أن يستفاد العموم بإلغاء خصوصيته عرفاً. فلاحظ.

[٢] كما نسب الى المشهور ، بل في الذكرى : « انه كما علم من مذهب الإمامية جواز الجمع بين الصلاتين مطلقاً ، علم منه استحباب التفريق بينهما بشهادة النصوص والمصنفات بذلك ». ويدل عليه ما في الذكرى نقلا عن كتاب عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « إن رسول الله (ص) كان في السفر يجمع بين المغرب والعشاء ، والظهر والعصر وإنما يفعل ذلك إذا كان مستعجلا. قال : وقال (ع) : وتفريقهما أفضل » (١)

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب المواقيت حديث : ٧.

٩٦

______________________________________________________

ورواية معاوية بن ميسرة : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إذا زالت الشمس في طول النهار للرجل أن يصلي الظهر والعصر؟ قال (ع) : نعم ، وما أحب أن يفعل ذلك في كل يوم » (١) ، ورواية زرارة : « أصوم فلا أقيل حتى تزول الشمس ، فاذا زالت صليت نوافلي ثمَّ صليت الظهر ، ثمَّ صليت نوافلي ، ثمَّ صليت العصر ، ثمَّ نمت ، وذلك قبل أن يصلي الناس فقال (ع) : يا زرارة إذا زالت الشمس فقد دخل الوقت ، ولكني أكره لك أن تتخذه وقتاً دائماً » (٢).

لكن ظاهر الروايتين الأخيرتين كراهة المداومة على ذلك لا فضل التفريق في كل يوم ، وحينئذ فمن القريب أن تكون تلك الكراهة لجهة راجعة إلى معاوية وزرارة خوفاً عليهما ، ففي رواية سالم أبي خديجة عن أبي عبد الله (ع) قال : « سأله إنسان وأنا حاضر ـ فقال : ربما دخلت المسجد وبعض أصحابنا يصلون العصر وبعضهم يصلي الظهر. فقال (ع) : أنا أمرتهم بهذا ، لو صلوا على وقت واحد عرفوا فأخذوا برقابهم » (٣). ولو سلمت دلالتهما كانت مع الأول معارضة لما دل على استحباب التعجيل والمسارعة ، مما تقدمت الإشارة إليه في مسألة وقت فضيلة الظهرين ، فرفع اليد به عنها لا يخلو من إشكال لو لا الشهرة المحكية على العمل بها. إلا أن يقال : إن نسبتها الى ذلك نسبة الخاص الى العام فيخصص بها ، بل قد يقال : بحكومتها عليه لأنها تجعل الخير هو الصلاة المفرقة لا الموصولة. فتأمل. وعليه فلا بأس بالاكتفاء في حصول التفريق بمجرد فعل النافلة ، لما دل على أن الجمع بين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب المواقيت حديث : ١٥.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب المواقيت حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

٩٧

______________________________________________________

الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوع ، فاذا كان بينهما تطوع فلا جمع (١). نعم لو كان المستند في استحباب التفريق رواية زرارة كان اللازم عدم الاكتفاء به.

والتحقيق : أن نصوص التفريق المذكورة ـ عدا رواية ابن سنان المتقدمة عن الذكرى ـ وكذلك النصوص الكثيرة التي عقد لها في الوسائل بابين : باب جواز الجمع بين الصلاتين في وقت واحد جماعة وفرادى لعذر (٢) ، وباب جواز الجمع بين الصلاتين بغير عذر أيضاً (٣) ، فإنها بأجمعها تدل على أن الجمع خلاف الوظيفة الأولية جاز لعذر ولغير عذر ، بل لمجرد التوسيع على الأمة ، لكن لا من حيث كونه جمعاً يقابل التفريق ، بل من حيث كونه إيقاعاً للصلاة الثانية قبل وقت فضيلتها. ( وبالجملة ) : مفهوم الجمع مقابل التفريق ، غير مفهوم التعجيل مقابل انتظار وقت الفضيلة والنصوص إنما تدل على مرجوحية الثاني لا الأول ، فمن شرع في الصلاة الأولى في أول وقتها وجاء بها على الوجه الأكمل حتى دخل وقت الفضيلة للثانية فشرع فيها ، كان مؤدياً للأفضل ، وإن كان قد جمع بين الصلاتين ولم يفرق بينهما ، فالجمع المفضول هو التعجيل بالثانية قبل وقت فضيلتها لا مجرد الوصل بين الصلاتين.

ومن ذلك تعرف أنه بناء على دخول وقت فضيلة العصر بالزوال ـ كما اختاره المصنف (ره) ـ لا مجال للحكم باستحباب التفريق في الظهرين بهذا المعنى ، ولا بد له من حمل النصوص المذكورة على المعنى الأول.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب المواقيت.

(٣) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب المواقيت.

٩٨

( مسألة ٨ ) : قد عرفت أن للعشاء [١] وقت فضيلة ، وهو من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل ، ووقتا إجزاء من الطرفين وذكروا : أن العصر أيضاً كذلك فله وقت فضيلة وهو من المثل إلى المثلين ، ووقتا إجزاء من الطرفين ، لكن عرفت نفي البعد في كون ابتداء وقت فضيلته هو الزوال. نعم الأحوط في إدراك الفضيلة الصبر إلى المثل [٢].

( مسألة ٩ ) : يستحب التعجيل في الصلاة [٣] في وقت الفضيلة وفي وقت الاجزاء ، بل كلما هو أقرب إلى الأول يكون أفضل إلا إذا كان هناك معارض كانتظار الجماعة [٤] أو نحوه.

______________________________________________________

كما أنه بناء على تأخر فضيلة العصر يمكن حمل رواية ابن سنان المتقدمة على المعنى الثاني. لكنه بعيد. فيكون استحباب التفريق غير استحباب المحافظة على وقت الفضيلة.

[١] قد تقدم الكلام في هذه المسألة والمسألة اللاحقة. فراجع.

[٢] كون الأحوط ذلك غير ظاهر ، لما عرفت من القول بالتقدير بالذراع والذراعين الذي سبق أنه أقرب في مقام الجمع بين النصوص ، فان انتظار المثل يوجب خروج وقت الفضيلة.

[٣] قد تقدم ما يدل على ذلك في مبحث وقت الفضيلة للعصر. وقد عقد في الوسائل ، باب استحباب الصلاة في أول الوقت (١) ، وذكر فيه روايات كثيرة دالة على استحباب التعجيل ، ذكرنا بعضها في المبحث المتقدم.

[٤] كما سيأتي وجهه في المسألة الثالثة عشرة من الفصل الآتي.

__________________

(١) وهو باب : ٣ من أبواب المواقيت.

٩٩

( مسألة ١٠ ) : يستحب الغلس بصلاة الصبح [١] ، أي : الإتيان بها قبل الاسفار في حال الظلمة.

( مسألة ١١ ) : كل صلاة أدرك من وقتها في آخره مقدار ركعة فهو أداء ، ويجب الإتيان به [٢] ، فان من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت ، لكن لا يجوز التعمد في التأخير إلى ذلك.

______________________________________________________

[١] كما يقتضيه ظاهر النصوص ، ففي مصحح إسحاق بن عمار قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر. فقال (ع) : مع طلوع الفجر .. » (١) ، ورواية زريق عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « أنه كان يصلي الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أول ما يبدو قبل أن يستعرض .. » (٢). ونحوهما غيرهما.

[٢] كما هو المعروف ، وعن التذكرة والمدارك : أنه إجماعي. وعن المنتهى : لا خلاف فيه بين أهل العلم. وقد يستشعر الخلاف في ذلك أو يستظهر من الحلي في السرائر أو غيره. لكنه ـ لو سلم ـ لا يقدح في دعوى الإجماع ، ولا سيما مع شهادة النصوص به ، ففي خبر الأصبغ بن نباتة : « قال أمير المؤمنين (ع) : من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة » (٣) ، وموثق عمار : « فان صلى ركعة من الغداة ثمَّ طلعت الشمس فليتم وقد جازت صلاته » (٤). ونحوه حديثه الآخر (٥) مع زيادة قوله (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

١٠٠