مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

______________________________________________________

فيصير مكانه. قال (ع) : من سبق إلى موضع فهو أحق به يومه وليلته » (١) وخبر طلحة بن زيد : « قال أمير المؤمنين (ع) : سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل » (٢). وعن التذكرة : « لو دفعه عن مكانه أثم وحل له مكثه فيه وصار أحق من غيره به ».

وفي الجواهر : « أما حق السبق في المشتركات ـ كالمسجد ونحوه ـ ففي بطلان الصلاة بغصبه وعدمه وجهان ، بل قولان ، أقواهما الثاني ، وفاقاً للعلامة الطباطبائي في منظومته ، لأصالة عدم تعلق الحق للسابق على وجه يمنع الغير بعد فرض دفعه عنه ، سواء كان هو الدافع أم غيره ، وإن أثم بالدفع المزبور لأولويته ، إذ هي أعم من ذلك قطعاً. وربما يؤيده عدم جواز نقله بعقد من عقود المعاوضة ، مضافاً إلى ما دل على الاشتراك الذي لم يثبت ارتفاعه بالسبق المزبور ، إذ عدم جواز المزاحمة أعم من ذلك ، فتأمل ».

وفيه : أن الأصل لا مجال له مع النص. وعدم جواز النقل بعقد المعاوضة غير ثابت ، ولو سلم فهو أعم من نفي الحق ، إذ ليس من لوازم الحق جواز النقل إلى الغير ، إذ لا دليل عليه. نعم جواز الاسقاط من لوازمه ، وهو بلا مانع. مضافاً إلى أنه لم يتضح اقتضاء الأولوية لحرمة الدفع ، ولو علل الحرمة بأن الدفع عدوان على نفسه كان أولى. والمناقشة في النص بضعف السند ـ لإرسال الأول وضعف طلحة ـ يمكن اندفاعها أولا : بظهور الاعتماد عليهما في الجملة. وثانياً : بأن الظاهر من محمد بن إسماعيل أنه ابن بزيع الذي هو أحد الأعيان ، والراوي عنه أحمد بن محمد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب أحكام المساجد حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب أحكام المساجد حديث : ٢.

٤٢١

______________________________________________________

الظاهر عند الإطلاق في أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري الذي أخرج أحمد ابن محمد بن خالد البرقي من ( قم ) لأنه يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل وطلحة قيل : إن كتابه معتمد ، والراوي عنه هذا الحديث جماعة من الأعيان ، ومنهم ابن عيسى المتقدم ، ولعل هذا المقدار كاف في إدخال الروايتين تحت خبر الثقة. وأضعف من ذلك المناقشة في الدلالة من جهة أن الأحقية في المقام يراد منها مجرد الأولوية بقرينة صيغة التفضيل ، لا كما في موارد الحقوق مثل ملك الانتفاع كي يكون التصرف في المكان تصرفاً في حق الغير. إذ يدفعها أيضاً : أن صيغة التفضيل تستعمل كثيراً مع عدم الاشتراك في المبدأ نظير ما ورد من أن الزوج أحق بزوجته ، والميت أحق بماله ما دام فيه الروح ، ونحو ذلك. ( وبالجملة ) : دلالة الكلام على منع الغير من التصرف ظاهرة ، ومنعها مكابرة ، والحمل على الاستحباب محتاج إلى قرينة صارفة ، وهي مفقودة.

نعم قد يوهنهما عدم ظهور العمل بالتحديد المذكور فيهما ، وتعارضهما فيه ، وعدم ظهور القول بإطلاقهما من حيث وجود الرجل وعدمه ، بل وإطلاق الثاني من حيث نية العود وعدمها. قال في الجواهر : « لا خلاف ولا إشكال في سقوط الحق لو قام مفارقاً رافعاً يده عنه ». وقال فيها أيضاً : « لا خلاف في سقوط حقه مع عدم الرجل وإن نوى العود وكان قيامه لضرورة من تجديد طهارة ونحوها ». نعم حكى بعد ذلك عن التذكرة القول بثبوته. أما إذا كان القيام لغير ضرورة فلا ريب ولا خلاف في سقوط حقه كما في الجواهر أيضاً. ( وبالجملة ) : مراجعة كلامهم في كتاب الاحياء تقتضي البناء على وهن الحديثين لو جمعا شرائط الحجية في أنفسهما ، فراجع.

٤٢٢

إذا كان عالماً عامداً ، وأما إذا كان غافلا أو جاهلا أو ناسياً فلا تبطل [١]. نعم لا يعتبر العلم بالفساد ، فلو كان جاهلا بالفساد مع علمه بالحرمة والغصبية كفى في البطلان. ولا فرق بين النافلة والفريضة في ذلك [٢] على الأصح.

______________________________________________________

نعم لا خلاف ولا إشكال في أن من سبق إلى مكان من المسجد فهو أحق به ما دام جالساً. وفي مفتاح الكرامة : « إجماعاً محصلا بل كاد يكون ضرورياً ». إلا أن كون معنى الأحقية ثبوت حق له في المكان بحيث يكون التصرف فيه غصباً للحق لو كان قد دفعه عنه ظلماً غير ظاهر فتأمل جيداً.

[١] تقدم الكلام في ذلك في مبحث اعتبار إباحة اللباس ، وأن المعيار في مبطلية الغصب للعبادة عدم المعذورية في مخالفة النهي فان كان معذوراً صحت العبادة ، فراجع.

[٢] كما هو ظاهر الأصحاب حيث أطلقوا اعتبار الإباحة في الصلاة.

وعن المحقق : صحة النافلة في المغصوب معللا بأن الكون ليس جزءاً منها ولا شرطاً فيها.

أقول : لو لا تعليله بما ذكر لأمكن توجيهه بما عرفت من أن القول بفساد الصلاة في المكان المغصوب ليس إلا من جهة أن وضع المساجد على محلها المغصوب تصرف فيه فيبطل وتبطل الصلاة ، والنافلة لا يعتبر فيها الوضع المذكور ، بل يجزئ أقل مراتب الانحناء الحاصل بالإيماء الذي قد عرفت أنه ليس تصرفاً عرفاً في المغصوب كالركوع. لكن تعليله بذلك موجب لتوجه الاشكال عليه بأن غاية الفرق بين النافلة والفريضة أنه لا يعتبر فيها الاستقرار ، ولا الركوع والسجود ، فيجزئ فعلها ماشياً مومئاً ،

٤٢٣

( مسألة ١ ) : إذا كان المكان مباحاً ولكن فرش عليه فرش مغصوب فصلى على ذلك الفرش بطلت صلاته ، وكذا العكس [١].

( مسألة ٢ ) : إذا صلى على سقف مباح وكان ما تحته من الأرض مغصوباً ، فان كان السقف معتمداً على تلك الأرض تبطل الصلاة عليه [٢] ، وإلا فلا.

______________________________________________________

والإيماء أيضاً تصرف في المغصوب كالركوع والسجود. اللهم إلا أن يمنع حرمته بخلاف الركوع والسجود كما هو ظاهر محكي كشف اللثام ، حيث اختار صحة فعل النافلة في المغصوب ماشياً مومياً للركوع والسجود ، وبطلانها مع الركوع والسجود. ( وكيف كان ) فالظاهر أن مراد المحقق من صحة النافلة في المغصوب صحتها في الجملة ، بأن يأتي بها ماشياً مومياً ، لا صحتها ولو ركع وسجد فيها ، فان بطلان الركوع والسجود موجب لبطلانها ، اللهم إلا أن يجتزئ بالإيماء الحاصل في ضمنها وإن لم يقصد منه البدلية. فتأمل.

[١] لأن السجود على الفراش تصرف فيه وفي الأرض معاً ، فاذا حرم أحدهما حرم السجود وبطل ، فتبطل الصلاة.

[٢] كأنه لصدق التصرف في المغصوب ولو بالواسطة ، نظير الصلاة على فراش مباح مفروش على أرض مغصوبة. وفيه : منع ذلك جداً ، فان الكون على السقف تصرف فيه وليس تصرفاً فيما يعتمد عليه السقف ، وإنما هو انتفاع به ، والانتفاع بالمغصوب غير محرم ، لعدم الدليل عليه ، فان أدلة التحريم ما بين مصرح فيه بحرمة التصرف مثل التوقيع الشريف : « فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه » (١) ، وبين ما هو‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٣ من أبواب الأنفال حديث : ٦.

٤٢٤

______________________________________________________

محمول عليه مثل موثق سماعة : « لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه » (١). إذ هو إما ظاهر في حرمة الإتلاف ، أو التصرف ، أو مجمل محمول على ذلك ، كيف؟ وتحليل الانتفاع الحاصل بالمجاورة ـ كالاصطلاء بنار الغير والاستظلال بجداره ـ أو بالنظر ـ كالتلذذ بالنظر إلى التماثيل الجميلة والصور الغريبة ، والبساتين والحدائق النضرة ـ أو بالسماع ـ كالتلذذ بالأصوات المفرحة ـ أو بالشم ـ كما في الطيب والرياحين ـ أو بغير ذلك مما لا يحصى كثرة كاد أن يكون من الضروريات الشرعية والعقلائية. وما دل على حرمة الظلم والعدوان غير شامل لذلك قطعاً.

ومن ذلك يظهر الاشكال فيما هو ظاهر الجواهر من حرمة الانتفاع بمال الغير كحرمة التصرف فيه ، وإن قوى الصحة في الفرض ونحوه بناء منه على عدم اتحاد الانتفاع بمال الغير مع الإجزاء الصلاتية بخلاف التصرف بمال الغير. قال (ره) ـ في مسألة الصلاة تحت الخيمة والسقف المغصوبين ـ : « قد تقوى الصحة وفاقاً للشهيدين في البيان والمحكي عن الروض والمحقق الجزائري في شافيته والعلامة المجلسي في البحار ، للفرق الواضح بين الانتفاع حال الصلاة وبين كون الصلاة نفسها تصرفاً منهياً عنه ، والمتحقق في الفرض الأول ، إذ الأكوان من الحركات والسكنات في الفضاء المحلل ويقارنها حالها الانتفاع بالمحرم ، وهو أمر خارج عن تلك الأكوان لا أنها من أفراده ، ضرورة عدم حلول الانتفاع فيها حلول الكلي في أفراده كما هو واضح بأدنى تأمل ». ونحوه كلامه بعد ذلك أيضاً. مضافاً إلى أن الانتفاع وإن لم يتحد مع الأفعال للصلاتية فهو متحصل بها وهي محصلاته ، فتحريمه تحريم لها ، لأن علة الحرام حرام ، فيرجع المحذور. وبذلك أيضاً يندفع إشكاله على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب مكان المصلي حديث : ١.

٤٢٥

لكن إذا كان الفضاء الواقع فيه السقف مغصوباً أو كان الفضاء الفوقاني الذي يقع فيه بدن المصلي مغصوباً بطلت في الصورتين [١]

( مسألة ٣ ) : إذا كان المكان مباحاً وكان عليه سقف مغصوب ، فان كان التصرف في ذلك المكان يُعد تصرفا في السقف بطلت الصلاة فيه [٢] ، وإلا فلا ، فلو صلى في قبة سقفها أو جدرانها مغصوب وكان بحيث لا يمكنه الصلاة فيها إن لم يكن سقف أو جدار [٣] ، أو كان عسراً وحرجاً‌

______________________________________________________

بعض الأعيان حيث اعتبر في المكان الإباحة بحيث لا يتوجه اليه منع التصرف أو الانتفاع بوجه من الوجوه. فالعمدة في وجه صحة الصلاة ما ذكرنا من عدم صدق التصرف المحرم ، ولا يجدي صدق الانتفاع ، لعدم كونه محرماً ، فلاحظ. وتقدم في شرائط الوضوء ماله نفع تام في المقام ، فراجع.

[١] أما في الصورة الثانية : فظاهر على ما سبق. وأما في الأولى : فغير ظاهر إذ الأفعال الصلاتية ليست تصرفاً في الفضاء وإن كانت تصرفاً في السقف ، فان مماسته بالجلوس عليه أو السجود عليه أو الركوع عليه أو نحوها تصرف فيه عرفاً ، ومماسة الفضاء ليست كذلك ، بل لا معنى لتطبيق المماسة بالنسبة إليه.

[٢] قد أشرنا سابقاً إلى أن الصلاة تحت السقف ليست تصرفاً فيه مطلقاً فالوجه الصحة مطلقاً ، كما في الجواهر وحكاه عن جماعة كما سبق.

[٣] ما ذكر إنما يناط به صدق الانتفاع ، فان تحقق صدق ، وإلا فلا ، لا صدق التصرف فإنه غير صادق مطلقاً. وكذا الحال في الخيمة المغصوبة والأطناب والمسامير. ولأجل ما عرفت من عدم الدليل على حرمة الانتفاع بالمغصوب إذا لم يكن تصرفاً فيه لا وجه للحكم بالبطلان في جميع ذلك.

٤٢٦

ـ كما في شدة الحر أو شدة البرد ـ بطلت الصلاة ، وإن لم يعد تصرفاً فيه فلا ومما ذكرنا ظهر حال الصلاة تحت الخيمة المغصوبة فإنها تبطل إذا عدت تصرفاً في الخيمة ، بل تبطل على هذا إذا كانت أطنابها أو مساميرها غصباً كما هو الغالب ، إذ في الغالب [١] يعد تصرفاً فيها ، وإلا فلا.

( مسألة ٤ ) : تبطل الصلاة على الدابة المغصوبة [٢] ، بل وكذا إذا كان رحلها أو سرجها أو وطاؤها غصباً ، بل ولو كان المغصوب نعلها.

( مسألة ٥ ) : قد يقال ببطلان الصلاة على الأرض التي تحتها تراب مغصوب ولو بفصل عشرين ذراعاً ، وعدم بطلانها إذا كان شي‌ء آخر مدفوناً فيها ، والفرق بين الصورتين مشكل [٣] ، وكذا الحكم بالبطلان ، لعدم صدق التصرف في ذلك‌

______________________________________________________

[١] لا تخلو العبارة من تشويش ، وكان الأولى أن يقال : إذا كان بحيث يتوقف الاستظلال بالخيمة على الطنب أو المسمار المغصوب ، بأن يكون محتاجاً إليه في نصبها ، ولو لم يكن كذلك بحيث لا يتوقف الاستظلال بها حال الصلاة عليه لا يقدح كونه مغصوباً في صحة الصلاة.

[٢] إذا كان السجود بالإيماء لا وجه للبطلان ، إذ لا تصرف في الدابة ينطبق على أفعال الصلاة كما سبق. نعم لو قلنا بأن الجلوس الصلاتي ينطبق على الكون على الدابة ، وأن الاستقرار على شي‌ء من أجزاء الصلاة التي يجب فيها التعبد كان البطلان متعيناً. وكذا الحال في السرج والوطاء ، بل وكذا النعل وإن كان صدق التصرف فيه لا يخلو من خفاء.

[٣] يمكن أن يكون الفرق : أن المدفون لا اعتماد عليه ولو بالواسطة‌

٤٢٧

التراب أو الشي‌ء المدفون. نعم لو توقف الاستقرار [١] والوقوف في ذلك المكان على ذلك التراب أو غيره يصدق التصرف ويوجب البطلان.

( مسألة ٦ ) : إذا صلى في سفينة مغصوبة بطلت [٢] وقد يقال بالبطلان إذا كان لوح منها غصباً. وهو مشكل على إطلاقه ، بل يختص البطلان بما إذا توقف الانتفاع بالسفينة على ذلك اللوح [٣].

( مسألة ٧ ) : ربما يقال ببطلان الصلاة على دابة خيط جرحها بخيط مغصوب. وهذا أيضاً مشكل ، لأن الخيط يعد تالفاً [٤] ويشتغل ذمة الغاصب بالعوض ، إلا إذا أمكن رد الخيط إلى مالكه مع بقاء ماليته [٥].

______________________________________________________

بخلاف التراب المغصوب ، فإذا بني على صدق التصرف بالاعتماد ولو بالواسطة صدق في التراب دون المدفون.

[١] قد عرفت أن هذا ليس معياراً لصدق التصرف وإنما هو معيار لصدق الانتفاع.

[٢] بعين الوجه المتقدم في الأرض المغصوبة.

[٣] فيه الاشكال المتقدم من أن صدق الانتفاع لا يستلزم صدق التصرف والمحرم هو التصرف دون الانتفاع.

[٤] تقدم الكلام فيه في مبحث اللباس.

[٥] بل لو أمكن ذلك لا مقتضي للبطلان ، إذ ليس الركوع على الدابة تصرفاً فيه ، بل ولا انتفاعاً به ، إلا إذا امتنع سير الدابة بدون الخيط ، وحينئذ يتوقف البطلان على حرمة الانتفاع بالمغصوب.

٤٢٨

( مسألة ٨ ) : المحبوس في المكان المغصوب يصلي فيه قائماً مع الركوع والسجود [١] إذا لم يستلزم تصرفاً زائداً على الكون فيه على الوجه المتعارف كما هو الغالب. وأما إذا استلزم تصرفاً زائداً فيترك ذلك الزائد ويصلي بما أمكن‌

______________________________________________________

[١] لأن المحبوس مضطر إلى شغل مقدار من الفراغ يساوي بدنه لا يمكنه أن يشغل ما يزيد عليه ، كما لا يمكنه أن يقتصر على ما دون سواء أكان قائماً ، أم قاعداً ، أم راكعاً ، أم ساجداً ، أم مضطجعاً ، أم مستلقياً ، أم مكبوباً على وجهه ، أم غير ذلك من الكيفيات ، فهو في جميع الحالات المذكورة شاغل مقداراً واحداً لا يزيد عليه بتمدد الجسم ولا ينقص عنه بتقلصه ، وحيث أنه لا معين لواحد من الأكوان المذكورة يتخير عقلا بينها ، فإذا أراد الصلاة وجوباً أو استحباباً لم يكن مانع من أن يصلي صلاة المختار نعم لو كان ذلك يستلزم تصرفاً زائداً ـ كما لو كان المكان ضيقاً يتوقف القيام فيه أو الركوع أو السجود على هدم موضع منه أو حفرة أو نحوهما ـ لم يجز له ذلك التصرف ، واقتصر على المقدار الممكن.

قال في الجواهر : « من الغريب ما صدر من بعض متفقهة العصر بل سمعته من بعض مشايخنا المعاصرين من أنه يجب على المحبوس الصلاة على الكيفية التي كان عليها أول الدخول إلى المكان المحبوس فيه إن قائماً فقائماً ، وإن جالساً فجالساً ، بل لا يجوز له الانتقال إلى حالة أخرى في غير الصلاة أيضاً ، لما فيه من الحركة التي هي تصرف في مال الغير بغير إذنه. ولم يتفطن أن البقاء على السكون الأول تصرف أيضاً لا دليل على ترجيحه على ذلك التصرف ».

أقول : ما ذكر إنما يتم بالإضافة إلى الفضاء ، أما بالإضافة إلى‌

٤٢٩

من غير استلزام. وأما المضطر إلى الصلاة في المكان المغصوب فلا إشكال في صحة صلاته [١].

( مسألة ٩ ) : إذا اعتقد الغصبية وصلى فتبين الخلاف فان لم يحصل منه قصد القربة بطلت ، وإلا صحت [٢]. وأما إذا اعتقد الإباحة فتبين الغصبية فهي صحيحة [٣] من غير إشكال.

( مسألة ١٠ ) : الأقوى صحة صلاة الجاهل بالحكم‌

______________________________________________________

الأرض فالتصرف فيها بالجلوس أكثر من التصرف فيها بالقيام ، وكذا التصرف فيها بالسجود. وكذا الحال في الاستنجاء والوضوء والغسل ، فإن إراقة الماء في الأرض تصرف فيها غير التصرف في الفضاء بنفس الفعل ، وعليه فلا يجوز له الوضوء ولا الغسل ولا الاستنجاء إذا استلزم إراقة الماء في الأرض ، فتأمل جيداً. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في مباحث التيمم.

[١] لم يتضح الفرق بين المضطر والمحبوس مع أن المحبوس من أفراده عندهم ، فتخصيصه بأنه لا إشكال في صحة صلاته غير ظاهر ، بل هما واحد إشكالا ووضوحاً.

[٢] حصول قصد القربة مع كون الفعل مبعداً غير كاف في صحة العبادة ، ولأجل ذلك بني على بطلان العبادة بناء على الامتناع ولو حصلت نية القربة بلحاظ الملاك ، وعليه فان بني على قبح التجرؤ واستحقاق فاعله العقاب عليه يتعين القول بالبطلان وإن حصلت نية القربة ، وإن بني على غير ذلك تعين القول بالصحة إذا حصلت نية القربة.

[٣] لأن اعتقاد الخلاف يكون عذراً في مخالفة النهي ، فلا يكون الفعل مبعداً ، ولا يكون مانع من صحة العبادة.

٤٣٠

الشرعي وهي الحرمة ، وإن كان الأحوط البطلان ، خصوصاً في الجاهل المقصر [١].

( مسألة ١١ ) : الأرض المغصوبة المجهول مالكها لا يجوز التصرف فيها ولو بالصلاة [٢] ، ويرجع أمرها إلى الحاكم الشرعي [٣]. وكذا إذا غصب آلات وأدوات من الآجر ونحوه وعمر بها داراً أو غيرها ثمَّ جهل المالك ، فإنه لا يجوز التصرف ويجب الرجوع إلى الحاكم الشرعي.

( مسألة ١٢ ) : الدار المشتركة لا يجوز لواحد من الشركاء التصرف فيها إلا بإذن الباقين [٤].

______________________________________________________

[١] بل البطلان فيه متعين ، لعدم كونه معذوراً في مخالفة النهي ، فيكون فعله مبعداً ، فلا يمكن أن يصح عبادة. وليس الحال كذلك في القاصر.

[٢] لإطلاق ما دل على حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه.

[٣] لثبوت ولايته على مثل ذلك ، لقوله (ع) : « قد جعلته قاضياً » (١) أو‌ « حاكماً » (٢). بناء على أن الولاية على مثل ذلك من وظائف القضاة والحكام في عصر الجعل المذكور ، وللتوقيع المشهور : « وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواه حديثنا » ، بناء على ظهوره في أمثال ذلك من الوقائع الخارجية التي يتحير في كيفية العمل فيها لا من حيث الحكم الكلي. لكن المبنيين غير ظاهرين. وقد تعرض لوجه الحكم المذكور في المتن في كتاب الخمس في مبحث الكنز ، فراجع.

[٤] لإطلاق ما دل على حرمة التصرف في مال الغير الشامل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب القضاء حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب القضاء حديث : ١.

٤٣١

( مسألة ١٣ ) : إذا اشترى داراً من المال غير المزكى أو غير المخمس يكون بالنسبة إلى مقدار الزكاة أو الخمس فضولياً [١] ، فإن أمضاه الحاكم ولاية على الطائفتين من الفقراء‌

______________________________________________________

للمشترك وغيره.

[١] أما في الزكاة : فلظاهر الإجماع على تعلقها بالعين ، وإن اختلف في كونه بنحو الشركة والإشاعة ، أو الكلي في المعين ، أو من قبيل حق الرهانة ، أو على نحو آخر ، وعلى كل فالتصرف في المال بالبيع أو غيره تصرف في مال الغير أو في موضوع حقه بغير إذنه يتوقف نفوذه على إذنه ويشهد له مصحح عبد الرحمن بن الحجاج : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل لم يزك إبله أو شاته عامين فباعها ، على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال (ع) : نعم تؤخذ منه زكاتها ويتبع بها البائع ، أو يؤدي زكاتها البائع » (١).

وأما في الخمس : فالمعروف أنه متعلق بالعين على سبيل الإشاعة. ويقتضيه ظاهر أدلته. نعم قد يظهر من بعض النصوص جواز بيع المالك ويتعلق الخمس بثمنه ، ففي رواية الحرث بن حصيرة الأزدي قال (ع) لمن وجد كنزاً فباعه بغنم : « أد خمس ما أخذت ، فإن الخمس عليك ، فإنك أنت الذي وجدت الركاز وليس على الآخر شي‌ء لأنه إنما أخذ ثمن غنمه » (٢) ، وفي مصحح الريان بن الصلت : « ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحى أرض في قطيعة لي ، وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب (ع) : يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله » (٣)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب زكاة الأنعام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٩.

٤٣٢

والسادات يكون لهم ، فيجب عليه أن يشتري هذا المقدار من الحاكم ، وإذا لم يمض بطل وتكون باقية على ملك المالك الأول.

( مسألة ١٤ ) : من مات وعليه من حقوق الناس ـ كالمظالم أو الزكاة أو الخمس ـ لا يجوز لورثته التصرف في تركته [١] ـ ولو بالصلاة في داره ـ قبل أداء ما عليه من الحقوق.

______________________________________________________

وفي رواية أبي بصير المروية عن السرائر : « فيمن يكون في داره البستان فيها الفاكهة ، منها ما يأكله العيال ، ومنها ما يبيعه ، هل عليه الخمس؟ فكتب (ع) : أما ما أكل فلا ، وأما البيع فنعم ، هو كسائر الضياع » (١) لكن الأولى ضعيفة السند ، والأخيرتان غير ظاهرتين في البيع بعد استقرار الخمس بكمال السنة ، بل ولا إطلاق لهما يقتضيه ، لعدم ورودهما لبيان هذه الجهة. فالخروج عن عموم ما دل على عدم جواز التصرف بغير إذن المالك ، ومثل قولهم (ع) : « ولا يحل لأحد أن يشتري من الخمس حتى يصل إلينا حقنا » (٢). غير ظاهر. وتمام الكلام في كتاب الخمس وكتاب الزكاة.

[١] لوضوح أن الحقوق المذكورة من قبيل الدين كما تضمنه خبر عباد الآتي ، وهو مانع عن التصرف في التركة في الجملة بلا إشكال ولا خلاف. نعم في اقتضائه إطلاق المنع تأمل.

ومحصل ما يقال في المقام : هو أنه لا خلاف ولا إشكال في انتقال التركة إلى الوارث بمجرد موت الموروث إذا لم يكن وصية ولا دين ، كما لا خلاف أيضاً في انتقال ما يزيد على الدين والوصية معهما ، ولكن اختلفوا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث : ٥.

٤٣٣

______________________________________________________

في انتقالها اليه مع الدين المستوعب ، وفي انتقال تمامها مع الدين غير المستوعب على قولين : ( أحدهما ) : أنها تنتقل ، وهو المحكي عن كثير من كتب العلامة وجامع المقاصد وغيرها ، وعن ظاهر التذكرة : الإجماع عليه ، واختاره في الجواهر. ( وثانيهما ) : أنها لا تنتقل ، ونُسب إلى الحلي والمحقق والعلامة في الإرشاد وغيرهم ، وعن المسالك والمفاتيح : نسبته إلى الأكثر. وقد استدل لكل من القولين بأدلة لا تخلو من خدش أو منع والأظهر : الأخير.

والعمدة فيه : النصوص المتضمنة للترتيب بين الكفن ، والدين ، والوصية ، والميراث ، مثل خبر محمد بن قيس : « قال أمير المؤمنين (ع) : إن الدين قبل الوصية ، ثمَّ الوصية على أثر الدين ، ثمَّ الميراث بعد الوصية ، فإن أول القضاء كتاب الله » (١) ، وخبر السكوني : « أول شي‌ء يُبدأ به من المال الكفن ، ثمَّ الدين ، ثمَّ الوصية ، ثمَّ الميراث » (٢) ، وخبر عباد بن صهيب : « في رجل فرّط في إخراج زكاته في حياته فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرط فيه مما يلزمه من الزكاة ، ثمَّ أوصى به أن يخرج ذلك فيدفع إلى من يجب له. قال (ع) : جائز يخرج ذلك من جميع المال إنما هو بمنزلة دين لو كان عليه ، ليس للورثة شي‌ء حتى يؤدوا ما أوصى به من الزكاة » (٣). ونحوها غيرها.

ولا ينافيها الإجماع على ملك الوارث للزائد على المقدار المساوي للوصية والدين ، بتوهم : أنها ظاهرة في نفي أصل الميراث مع أحدهما كي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب الوصايا حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب الوصايا حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الوصايا حديث : ١.

٤٣٤

______________________________________________________

يتصرف فيها بحملها على إرادة بيان أن سهام الوارث ليس مخرجها أصل المال ، بل مخرجها المقدار الزائد على الدين والوصية ، فلا تدل على حكم ، المقدار المساوي لهما ، وأنه باق على ملك الميت أو موروث للوارث ، فاذا خلت عن التعرض لذلك وجب الرجوع في تعيين حكمه إلى عموم : « ما ترك الميت فهو لورثته » (١) كما صنعه في الجواهر.

ووجه عدم المنافاة : أن ظاهر النصوص المذكورة ليس هو الترتيب الزماني ضرورة بطلانه ، بل الترتيب بمعنى الترجيح والأهمية ، فيختص بصورة التزاحم ، وهو إنما يكون في خصوص المقدار المساوي للدين أو الوصية ، فتدل على أن مقدار الدين لا مجال للعمل بالوصية فيه ولا توارث فلا تنافي إرث الزائد على الدين ، ولا وجوب العمل بالوصية فيه. كما أن مقدار الوصية لا توارث فيه ، فلا تنافي ثبوت التوارث في الزائد عليه.

وبالجملة : لما كان مفاد النصوص هو الترجيح يختص نفي التوارث فيها بما كان فيه تزاحم ، وهو خصوص ما كان مساوياً للدين ، وبخصوص الثلث الذي هو مورد وجوب العمل بالوصية ، ولا تعرض فيها لنفي الإرث في الزائد على الدين والوصية كما لا يخفى. وحملها على تحديد السهام ـ مع أنه يختص بما ذكر فيه السهام كالآية (٢) ، ولا يجري في غيره كالنصوص المتقدمة ـ أنه يقتضي اختصاص الإرث بمخرج السهام ، إذ لا إرث لغيره ، وذلك مناف للبناء على موروثية الجميع. ودعوى إهمالها من هذه الجهة ، وأنها متعرضة لحكم الزائد ، وأن توارثه على النحو المذكور من التسهيم ، فلا ينافي ثبوت الإرث في غيره ـ مع أنها خلاف الظاهر ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الوصايا حديث : ٤ و ١٤ وقد نقله في المتن بالمعنى.

(٢) النساء : ١١ ـ ١٢.

٤٣٥

______________________________________________________

لازمها البناء على كون إرث المقدار المساوي للدين لا على نحو التسهيم ، إذ لا دليل حينئذ على هذا التسهيم ، ومقتضى الرجوع إلى عموم : « ما ترك الميت فهو لوارثه » في إثبات إرث المقدار المساوي للدين أن يكون ذلك على نحو الشركة ، فتأمل جيداً.

وبالجملة : ظاهر النصوص المذكورة عدم إرث المقدار المساوي للدين والوصية والكفن ، فالبناء عليه متعين ، ولأجل أنه لا مانع من البناء على ملك الميت عقلا ولا عقلائياً تعين البناء على كونه باقياً على ملك الميت. وعليه فلا ينبغي التأمل في عدم جواز تصرف الورثة في التركة ، لأنه تصرف بغير الملك ، كما أنه على القول الأول لا إشكال في تعلق الدين بالتركة في الجملة. وفي الجواهر : « الإجماع بقسميه عليه » كما لا إشكال في عدم جواز التصرف بالإتلاف ونحوه مما يوجب ذهاب موضوع الحق المذكور. ثمَّ إن كان الحق قائماً بالتركة بما هي مملوكة للوارث لم يجز له التصرف الناقل للعين عن الملك ، لأن الحق كما يمنع عن إذهاب الموضوع يمنع عن إذهاب قيده ، وإن كان قائماً بذات العين لا بالقيد المذكور جاز التصرف الناقل ، وحينئذ فهل للديان حق الفسخ على تقدير تعذر الوفاء من غير العين ـ كما هو المشهور في حق الجناية ـ أو لا؟ وجهان ينشآن من كون الحق المملوك للديان هو أخذ العين من الورثة ، أو مطلقاً ، فعلى الأول : يكون له الفسخ فيرجع المشتري بالثمن على الوارث. وعلى الثاني : لا يكون له الفسخ فيأخذ العين من كل من وجدها عنده.

وكيف كان فلو قيل بالمنع من البيع ونحوه فلا وجه ظاهر للمنع عن مطلق التصرف ، ولا سيما إذا لم يكن له قيمة معتد بها عند العقلاء كالصلاة والوضوء ، بحيث تكون التركة كمال الغير لا يجوز مطلق التصرف فيها.

٤٣٦

( مسألة ١٥ ) : إذا مات وعليه دين مستغرق للتركة لا يجوز للورثة ولا لغيرهم التصرف في تركته قبل أداء الدين بل وكذا في الدين غير المستغرق [١] إلا إذا علم رضا الديان [٢]

______________________________________________________

وتمام الكلام في المسألة موكول إلى محله. ثمَّ إنه قد ورد في صحيح ابن سنان : « في الرجل يموت وعليه دين فيضمنه ضامن للغرماء. قال (ع) إذا رضي الغرماء فقد برئت ذمة الميت » (١) ، وعليه فلا مانع من التصرف كما لو لم يكن دين من الأول.

[١] كما عن جامع الشرائع ، وميراث القواعد ، وحجر الإيضاح ورهنه ، وغيرها ، فلم يفرق فيها بين الدين المستغرق وغيره في المنع عن التصرف ، إذ لا أولوية لبعض من بعض في اختصاص التعلق به ، ولأن الأداء لا يقطع بكونه بذلك البعض لجواز التلف ، ولما دل على تعليق الإرث على مطلق الدين. وعن جامع المقاصد وغيره : الفرق بينهما ، ويشهد له صحيح البزنطي : « عن رجل يموت ويترك عيالا وعليه دين أينفق عليهم من ماله؟ قال (ع) : إن استيقن أن الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق عليهم ، وإن لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال » (٢). ونحوه غيره. وموردهما التصرف المتلف ، فالتعدي إلى غيره أولى ، ولا سيما مع إمكان المناقشة فيما ذكر دليلا للأول بالتأمل فيما ذكرنا آنفاً. فتأمل.

[٢] إذا بنينا على بقاء التركة على ملك الميت لم يجد رضا الديان في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الديون حديث : ١ وباب : ٩١ من أبواب الوصايا حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب الوصايا حديث : ١.

٤٣٧

بأن كان الدين قليلا والتركة كثيرة والورثة بانين على أداء الدين غير متسامحين ، وإلا فيشكل حتى الصلاة في داره. ولا فرق في ذلك بين الورثة وغيرهم. وكذا إذا لم يكن عليه دين ولكن كان بعض الورثة قصيراً أو غائباً أو نحو ذلك [١]

( مسألة ١٦ ) : لا يجوز التصرف ـ حتى الصلاة ـ في ملك الغير إلا بإذنه الصريح أو [٢] الفحوى أو شاهد‌

______________________________________________________

جواز تصرف الوارث ، لأن المانع كونه ملكاً للميت ، وهو حاصل وإن رضي الديان بالتصرف. اللهم إلا أن يرجع رضاه إلى إبراء ذمة الميت من الدين ، فيكون المال حينئذ ملكاً للوارث ، كما لو لم يكن دين من الأول. نعم بناء على انتقالها إلى الوارث يجدي رضا الديان في جواز التصرف ، إذ المانع حقه لا غير فيرتفع برضاه لكن عرفت أنه على هذا المبنى لا وجه للمنع عن التصرف بمثل الصلاة مما لا مجال فيه لتوهم المزاحمة مع الدين.

[١] لما تقدم من عدم جواز التصرف في المشترك إلا بإذن جميع الشركاء.

[٢] أقول : ظاهر التوقيع الشريف المروي عن الاحتجاج (١) اعتبار الاذن الظاهر في الاذن الإنشائية ، وعدم الاكتفاء بالرضا النفسي. وظاهر مثل موثق سماعة (٢) اعتبار الرضا النفسي ومقتضى الجمع العرفي اعتبارهما معاً ، لكن لما كانت الاذن من قبيل الطريق العرفي إلى الرضا كان الجمع العرفي بين الدليلين حمل الأول على الحكم الظاهري ، والثاني على الحكم الواقعي ، فيكون الموضوع للحكم الواقعي هو الرضا الباطني ، والموضوع للحكم الظاهري هو الاذن ، كما هو الحال في كل ما كان من هذا القبيل مما علق فيه الحكم‌

__________________

(١) تقدمت الإشارة إلى محله في المسألة الثانية.

(٢) تقدمت الإشارة إلى محله في المسألة الثانية.

٤٣٨

الحال ، والأول كأن يقول : ( أذنت لك بالتصرف في داري ) بالصلاة فقط أو بالصلاة وغيرها والظاهر عدم اشتراط حصول العلم برضاه [١] ، بل يكفي الظن الحاصل بالقول المزبور ، لأن ظواهر الألفاظ معتبرة عند العقلاء. والثاني : كأن يأذن‌

______________________________________________________

تارة على الطريق وأخرى على ذي الطريق ، فالمدار في الرخصة واقعاً هو الرضا الباطني ، فلو أذن المالك بالتصرف مع العلم بعدم الرضا لم يجز ، ولو علم الرضا مع عدم إنشاء الإذن جاز التصرف. ثمَّ إن ظاهر النصوص اعتبار الرضا الفعلي فلا يكتفى بالرضا التقديري المتوقف على الالتفات. لكن ظاهر الأصحاب التسالم على كفايته. وكأنهم فهموا من النصوص أنها مسوقة مساق الإرفاق بالمالك ، ولا إرفاق في المنع عن التصرف مع الرضا التقديري. أو أنهم حملوها على ذلك اعتماداً على السيرة العملية على التصرف إذا أحرز الرضا التقديري ، أو السيرة الارتكازية على جوازه معه. نعم لو كان المالك ملتفتاً إلى القضية الخارجية فلم يأذن بالتصرف غفلة عن أن التصرف صلاح له ، أو جهلا منه بذلك ، أو لاعتقاده كون المتصرف عدواً ، أو نحو ذلك من الأمور الزائدة على الالتفات في الجملة إلى القضية الخارجية ، لم يجز التصرف وإن كان راضياً تقديراً ، إذ لا دليل على الجواز حينئذ بحيث ترفع به اليد عن إطلاق دليل المنع.

[١] لما عرفت أن شرط جواز التصرف في مال الغير رضاه. فلا بد في جوازه عقلا من إحرازه ، إذ مع الشك فيه يكون المرجع أصالة عدم الرضا المترتب عليها عدم الجواز ، وإحراز الرضا إما بالعلم حقيقة أو حكماً بقيام حجة عليه ، كالبينة أو خبر العادل بناء على حجيته في الموضوعات ، أو نحو ذلك ولو كانت حجيته في خصوص المورد.

٤٣٩

في التصرف بالقيام والقعود والنوم والأكل من ماله ، ففي الصلاة بالأولى يكون راضياً [١]. وهذا أيضاً يكفي فيه الظن على الظاهر ، لأنه مستند إلى ظاهر اللفظ إذا استفيد منه عرفاً [٢] وإلا فلا بد من العلم بالرضا ، بل الأحوط اعتبار العلم مطلقاً. والثالث : كأن يكون هناك قرائن وشواهد تدل على رضاه كالمضايف المفتوحة الأبواب ، والحمامات ، والخانات ، ونحو ذلك. ولا بد في هذا القسم من حصول القطع بالرضا [٣] ،

______________________________________________________

[١] يعني رضاً تقديرياً إذ قد لا يكون ملتفتاً إلى الصلاة.

[٢] الاستفادة العرفية موقوفة على كون المستفاد إما تمام المعنى ، أو بعضه ، أو لازمه لزوماً بيناً بالمعنى الأخص بحيث ينتقل الذهن اليه بمجرد حضور المعنى فيه ، والصلاة بالنسبة إلى القيام والقعود والأكل والنوم ليست من هذا القبيل ، وعليه فلا تجوز الصلاة في ملك الغير بمجرد إذنه في النوم والقيام إذا كانت الاذن الإنشائية غير موجبة للعلم بالرضا بالمأذون به. نعم إذا كانت موجبة للعلم به جازت الصلاة ، لاستلزام العلم المذكور العلم بالرضا بالصلاة من جهة الأولوية. ( فإن قلت ) : إذا كانت الاذن بالنوم مثلا موجبة للظن بالرضا به استلزم الظن المذكور الظن بالرضا بالصلاة ، وكما يكفي الظن بالرضا بالنوم في جوازه لأنه مستند الى اللفظ ، فليكف الظن بالرضا بالصلاة لأنه مستند إليه أيضاً. ( قلت ) : حجية الدلالة اللفظية مختصة بالمداليل اللفظية ـ أعني : ما يكون بإحدى الدلالات الثلاث ـ لا مطلق المدلول ولو كان عقلياً ، لأن حجية الدلالة اللفظية مستفادة من بناء العقلاء ، ولم يثبت بناؤهم عليها في مطلق المدلول ، فتأمل.

[٣] كما عن صريح المدارك وظاهر كثير ، لما في المتن من عدم‌

٤٤٠