مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

______________________________________________________

صلاتياً ، وكذا ما هو أقوى منه من مراتب الانحناء إلى المرتبة الخاصة التي هي حد الركوع الواجب ، ولا يقتضي كون الحركة المحصلة لجميع المراتب المذكورة صلاة ليجي‌ء الاشكال ، فالانحناء من أوله المتصل بالانتصاب الى آخره المنتهي إلى حد الركوع أجزاء صلاتية ، إلا أنه ليس عين الحركة المحصلة له في الخارج بل غيرها ، فلا مانع من التعبد به ، والتقرب بفعله مع العصيان بالحركة والبعد بها.

ثمَّ إنه لو تنزلنا عن ذلك وقلنا : إن الواجب الصلاتي نفس الحركة من أول الانحناء عن القيام الى أن ينتهي إلى حد الركوع ، وهكذا في غير الركوع ، فلا وجه للالتزام بأن المقام من صغريات مسألة الاجتماع ، ضرورة أن الحركة الصلاتية الواجبة قائمة بالبدن ، والحركة الغصبية المحرمة قائمة بالمغصوب ، فتكون إحداهما غير الأخرى في الخارج ، ضرورة أن تباين المغصوب وبدن المكلف يستلزم تباين الحركة القائمة بأحدهما والحركة القائمة بالآخر ، فيمتنع أن تكون الحركة الصلاتية عين التصرف في المغصوب في الخارج كي يكون المقام من صغريات مسألة الاجتماع. نعم حركة البدن الصلاتية علة لحركة المغصوب والتصرف فيه ، نظير حركة اليد التي هي علة لحركة المفتاح. فاذا قلنا بأن علة الحرام حرام ، تكون الحركة الصلاتية محرمة بالتحريم الغيري. لكن في كون مخالفة التكليف الغيري موجبة للبعد والعقاب إشكال ، بل هو الذي منعه جماعة من المحققين ، وإن كان التحقيق أنه يوجب العقاب ، لأنه تمرد على المولى ، نظير التجرؤ الذي ذكرنا أنه يوجب العقاب أيضاً ، بل لعله أولى منه. وعليه : فهذا هو العمدة في البناء على بطلان الصلاة في المغصوب.

لكن عرفت أنه لا تنتهي النوبة إليه ، إذ لا ملزم به. وكأنه لذلك‌

٢٨١

______________________________________________________

قال في المعتبر : « والأقرب إن كان ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة ، لأن جزء الصلاة يكون منهياً عنه وتبطل الصلاة بفواته. أما إذا لم يكن كذلك لم تبطل وكان كلبس خاتم مغصوب ». وفي المدارك : أنه المعتمد. وعن الذكرى وجامع المقاصد وإرشاد الجعفرية والمقاصد العلية والروض وكشف اللثام : أنه قوي. وظاهر عبارة المحقق بناؤه على الجزئية في الموارد الثلاثة المذكورة. ولأجل ذلك تفسد الصلاة إذا كانت محرمة. وهو في الثاني في محله ، وفي الأول والأخير لا يخلو من إشكال ، فإن مجرد وجوب التستر في الصلاة في الجملة لا يقتضي جزئيته ، بل ظاهر بعض المفروغية عن عدم اعتبار النية فيه ، ومقتضاه عدم جزئيته كما سبق ، وإذا كان التستر شرطاً لم يكن تحريمه مانعاً من التقرب بالصلاة كسائر شرائط العبادة ، إذ التعبد اللازم فيها إنما يكون في أجزائها الداخلة فيها لا الشرائط الخارجة عنها. بل لو شك في كونه جزءاً يجب التقرب به أو شرطاً لا يجب التقرب به ، فالأصل البراءة من وجوب التقرب ، بناء على ما هو التحقيق من أصالة التوصل في الواجبات الشرعية. وكذا الكلام في الأخير ، فإن الظاهر أن وجوب القيام على شي‌ء وإن كان مما لا إشكال فيه ، إلا أن في اعتبار هذه الخصوصية على وجه الجزئية منعاً ظاهراً.

ثمَّ إنه قد يدعى فساد الصلاة في الساتر المغصوب من جهة انصراف أدلة وجوب الساتر الى المباح. أو عدم إطلاقها الموجب للرجوع إلى أصالة الاحتياط. أو لأن فعلية الحرمة تمنع من الأمر بالصلاة المقيدة به ، فلا أمر بالصلاة المقيدة بالمغصوب ، بل الأمر يختص بالصلاة بالفرد المقيد بالمباح.

٢٨٢

وكذا في محموله [١] ، فلو صلى في المغصوب ولو كان خيطاً منه [٢] عالماً بالحرمة عامداً بطلت وإن كان جاهلا بكونه مفسداً [٣] ، بل الأحوط البطلان مع الجهل بالحرمة أيضاً ، وإن كان الحكم بالصحة لا يخلو عن قوة [٤].

______________________________________________________

وفيه : أن دعوى الانصراف ممنوعة كدعوى الاجمال ، ولو سلمت فأصالة البراءة من اشتراط الساتر بالإباحة جارية كسائر موارد الشك في الشرطية. وانتفاء الأمر الفعلي بالمقيد بالمغصوب لا يقدح في إمكان التقرب لجواز التقرب بالملاك ، فيسقط الأمر بالمقيد بالمباح قهراً ، لحصول الغرض. فالبناء على عدم الفرق بين الساتر وغيره في الحكم بالصحة في محله ، لو لا ظهور الإجماع على البطلان فيه ، وإن كان في الاعتماد على مثل هذا الإجماع تأمل للعلم بالمستند الذي قد عرفت حاله.

[١] قد ألحق جماعة من المتأخرين ـ أو لهم العلامة كما يظهر من الجواهر ـ المحمول بالملبوس في البطلان ، واستدلوا له بما تقدم في الملبوس مما عرفت إشكاله.

[٢] كما نص عليه بعض لإطلاق دليل حرمة التصرف في المغصوب.

[٣] لأن الجهل بالمفسدية لا يرفع المبعدية الحاصلة من العلم بالغصب والحرمة.

[٤] كما هو ظاهر جامع المقاصد وإرشاد الجعفرية والروض والمقاصد العلية ومجمع البرهان والمدارك على ما حكي ، لامتناع تكليف الغافل. وفي القواعد ، وعن المنتهى والتحرير : البطلان مع جهل الحكم ، لأن التكليف لا يتوقف على العلم ، وإلا لزم الدور المحال. ومقتضى إطلاقهم الصحة والبطلان عدم الفرق بين القاصر والمقصر.

والتحقيق : أن الالتفات والغفلة والعلم والجهل مما لا دخل لها في‌

٢٨٣

وأما مع النسيان أو الجهل بالغصبية فصحيحة [١].

______________________________________________________

التكليف ، لتأخرها عنه رتبة ، بل التكليف مشترك بين الملتفت والغافل والعالم والجاهل ، فإنه يغفل عنه مرة ويلتفت إليه أخرى ، ويعلم به تارة ويجهل أخرى. وانما العناوين المذكورة دخيلة في تنجز التكليف وعدمه ، واستحقاق العقاب على مخالفته وعدمه ، ولكن لما كان الوجه في بطلان العبادة المحرمة هو المبعدية المنافية للمقربية اختص الحكم بصحة صلاة الجاهل بالقاصر ، لعدم مبعدية فعله ، والحكم بالبطلان بالمقصر ، لمبعدية فعله ، ولا وجه للإطلاق صحة وفساداً. ودعوى أن عقاب الجاهل إنما هو على ترك التعلم لا على نفس الفعل ، إذ ليس فعله مبعداً. قد تحقق في محله بطلانها وإن كان هو مذهب بعض من نسب اليه القول بالصحة مطلقاً. ومثلها دعوى عدم اعتبار صلاحية الفعل للمقربية في صحة العبادة ، وأن المعتبر صدوره عن داعي القربة ، وهو حاصل في الجاهل ولو كان مقصراً ، إذ هي مخالفة لبناء العقلاء في العبادية ، وأنه لا بد أن تكون العبادة واقعة على وجه غير مبعد. فلاحظ.

[١] أما ناسي الغصب. فمقتضى حكم العقل إلحاقه بجاهل الحكم ، فتصح صلاته مع القصور وتفسد مع التقصير. لكن مقتضى إطلاق حديث الرفع (١) الصحة مطلقاً. وتقييد الحديث بالقاصر بالنسبة إلى الجهل لقيام الأدلة القطعية على عدم معذورية الجاهل المقصر ، لا يقتضي تقييده بالنسبة إلى الناسي ، لأنه قياس محرم.

فالبناء على الصحة مطلقاً ـ ولو كان مقصراً ـ عملا بالحديث الشريف في محله ، خلافاً لإطلاق جماعة كالعلامة في جملة من كتبه ، وولده‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٣٠ من أبواب خلل الصلاة وباب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس.

٢٨٤

______________________________________________________

والشهيد الثاني في الروض ، وغيرهم على ما حكي عنهم من الحكم بالبطلان مطلقاً ، لأن هذا الستر كالعري ، وكالتستر بالظلمة وباليد. ولأنه مفرط بالنسيان ، لأنه قادر على التكرار الموجب للتذكار. ولأنه لما علم كان حكمه المنع والأصل بقاؤه ، ولم يعلم زواله بالنسيان. وفيه : المنع من الأول ، لأنه خلاف إطلاق الدليل ، ومجرد الحرمة الواقعية لا يقتضي تقييده. والتفريط بالنسيان ـ مع أنه ممنوع في بعض الأحوال ـ لا يقدح في حصول العذر به بعد دلالة حديث الرفع عليه ، كما في جهل الموضوع. والاستصحاب لا مجال له ، للعذر بملاحظة حكم العقل ، وحديث الرفع ، وإن علم بعدم العذر حال العلم قبل النسيان. مع أن استصحاب حكم العقل قد تحقق في محله بطلانه.

وعن الدروس وظاهر الذكرى وغيرهما : الإعادة في الوقت ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، لا في خارجه ، لأن القضاء محتاج إلى أمر جديد ، وهو غير ثابت. وفيه : أنه لا نقص في المأتي به لا في موضوع الأمر ، لعدم اعتبار الإباحة شرطاً في الصلاة ، ولا في نية القربة ، لحصول التقرب به بلا مانع ، وعلى تقديره يكفي في وجوب القضاء إطلاق ما دل على وجوب قضاء الفائت.

ومما ذكرنا تعرف ما في كلمات الجماعة من الاضطراب ، ولا سيما ما يظهر منهم من أن المقصود من تطبيق حديث الرفع رفع شرطية الإباحة فإن المقصود منه رفع الحرمة ، ليصح وقوع الفعل عبادة ، ولو كان المقصود ما ذكروه لكان التمسك بحديث : « لا تعاد الصلاة » (١) متعيناً فراجع وتأمل.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب القبلة حديث : ١.

٢٨٥

والظاهر عدم الفرق بين كون المصلي الناسي هو الغاصب أو غيره [١] ، لكن الأحوط الإعادة بالنسبة إلى الغاصب [٢] خصوصاً إذا كان بحيث لا يبالي على فرض تذكرة أيضاً [٣].

( مسألة ١ ) : لا فرق في الغصب بين أن يكون من جهة كون عينه للغير أو كون منفعته له [٤] ، بل وكذا لو تعلق به حق الغير [٥] بأن يكون مرهوناً.

______________________________________________________

ومما ذكرنا تعرف حكم نسيان الحرمة فإنه يجري ما سبق بعينه فيه. وأما الجاهل بالغصب : فالظاهر أنه لا إشكال في صحة صلاته مطلقاً.

[١] لاشتراك المناط المصحح في القسمين معاً.

[٢] خروجاً عن شبهة الخلاف المتقدم ، فان مورده خصوص الغاصب على ما يظهر من الجواهر ، وإن كان ما ذكر من وجه البطلان مشتركاً بينه وبين غيره كما لا يخفى.

[٣] إذ يشكل الحال في كونه معذوراً بالمخالفة ، لعدم جريان حديث الرفع في حقه ، لاختصاصه بما إذا كانت المخالفة ناشئة من النسيان ، والمفروض خلافه ، وأنه مقدم عليها على كل حال. وكذا الحال في حكم العقل بل حكمه بعدم معذورية المقصر ـ كما هو الغالب ـ قطعي.

[٤] لإطلاق دليل حرمة التصرف في مال الغير ، وكون المناط الحرمة الموجودة في الجميع.

[٥] يعني : إذا كان ذلك الحق يستتبع حرمة التصرف ولو كان بالمقدار الذي يحصل بالصلاة فيه ، مثل حق الرهانة ، لا ما لا يقتضي الحرمة لعدم منافاة التصرف حق ، كما لو شرط عليه أن يبيعه الثوب يوم الجمعة ، فإن الشرط استتبع حقاً للشارط في الثوب ، فملك عليه أن يبيعه ، لكن‌

٢٨٦

( مسألة ٢ ) : إذا صبغ ثوب بصبغ مغصوب ، فالظاهر أنه لا يجري عليه حكم المغصوب [١] ، لأن الصبغ يعد تالفاً ، فلا يكون اللون لمالكه ، لكن لا يخلو عن إشكال أيضاً.

______________________________________________________

الصلاة فيه يوم الخميس لما لم تكن منافية للحق المذكور لم تكن محرمة ، بل لعل الصلاة فيه يوم الجمعة كذلك ، لعدم كونها تصرفاً في الحق ، وإن كان ترك البيع حينئذ حراماً. فلا بد من التأمل في مقتضى الحق ، وأن التصرف في الثوب بالصلاة فيه تصرف في الحق الثابت فيه أم لا؟

[١] من الظاهر وضوح كون المرتكز العرفي العقلائي أن تولد شي‌ء من شي‌ء يوجب إلحاقه به في الإضافة إلى مالكه ، فثمرة الشجرة لمالكها وولد الحيوان لمالكه ، والحصيد لمالك البذر ، ولا فرق في ذلك بين العين والأثر ، عيناً خارجياً كان ـ مثل اللون كالبياض والسواد ـ أو واقعياً خارجياً مثل طحن الحنطة ، وغزل الصوف ، ونسج الغزل ، وصياغة النقرة ، ونحو ذلك. ومقتضى ذلك أن يكون اللون الحاصل في الثوب ملكاً لمالك الصبغ ، والهيئة الحاصلة للحنطة بالطحن ، وللصوف بالغزل ، وللثوب بالنسج ، وللنقرة بالصياغة ، ملكاً للطاحن والغازل والناسج والصائغ.

لكن يمنع من العمل بالارتكاز المذكور ظهور الاتفاق على عدم الاستحقاق مع عدم زيادة قيمة العين ، كما يظهر من ملاحظة كلماتهم في كتابي الغصب والفلس ، فقد ذكروا : أن الغاصب إذا أحدث في العين صفة محضة كانت ـ كالصياغة ـ أو عينية ـ كاللون ـ فليس له مطالبة المالك بشي‌ء. وكذا المفلس إذا اشترى عيناً فأحدث فيها صفة محضة أو عينية ثمَّ فلس ، جاز للبائع أخذها ، وليس للغرماء فيها شي‌ء. بل عدم الاستحقاق بمجرد إحداث صفة لا تزيد مالية العين ينبغي أن يعد من‌

٢٨٧

______________________________________________________

الضروريات ، وليس فرض عدم زيادة المالية خارجاً عن محل الكلام. لأن صحة الإضافة لا تتوقف على المالية ، فإن حبة الحنطة مملوكة لمالك البذر وإن لم تكن ذات مالية ، فالاتفاق على عدم صحة الإضافة عند عدم زيادة مالية المحل بالصفة مانع عن العمل بالارتكاز المذكور.

بل الذي يظهر من الجواهر الإنفاق على عدم استحقاق الغاصب شيئاً وإن زادت المالية ، من دون فرق بين الصفة المحضة ـ كالصياغة ـ والعينية ـ كاللون ـ ويختص استحقاقه بصورة كون الزيادة عيناً محضة ، كالزرع والشجر والصبغ الذي يكون عيناً لا مجرد تمويه ونحو ذلك. بل قيل بعدم استحقاق المفلس في مثل الصفة المحضة ـ مثل النسج والغزل ـ وإن زادت المالية. وقد اختاره في الجواهر حاكياً له عن العلامة في القواعد خلافاً لما في الشرائع والتذكرة من الاستحقاق ، معللا له في الثاني بأنها زيادة حصلت بفعل متقوم محترم ، فوجب أن لا يضيع عليه. ولعل هذا الخلاف جار في اللون أيضاً ، وإطلاقهم استحقاق المفلس للزيادة في الصبغ الموجب لزيادة المالية لا يبعد أن يكون المراد من الصبغ فيه الصبغ الذي هو من قبيل العين لا مثل اللون. فلاحظ كلماتهم.

مع أنه لو بني على ملك هذه الصفات لأشكل التخلص عنه إلا بالمصالحة عليه ، إذ البناء على الشركة في العين غير ظاهر الوجه. إذ لا دليل على مثل هذه الشركة. ومثلها الشركة في القيمة ، لأن القيمة مجعولة في مقابل العين لا في مقابل الذات والصفة معاً كما في بيع الصفقة. وأشكل منه الشركة في المالية ، إذ مالية الشي‌ء من الاعتبارات القائمة بالعين المنتزعة من حدوث الرغبة الموجبة لبذل المال بإزاء العين ، فليست مملوكة لمالك العين فضلا عن صلاحيتها لوقوع الاشتراك فيها ، والاشتراك إنما يكون في‌

٢٨٨

نعم لو كان الصبغ أيضاً مباحاً لكن أجبر شخصاً على عمله‌

______________________________________________________

المال لا في المالية. مع أن تعليل الاستحقاق الذي ذكره في التذكرة إنما يقتضي ضمان العمل لا استحقاق ما يتولد منه ، كما يشير إليه أيضاً بناؤهم على الفرق بين الغاصب والمفلس ، لبنائهم على احترام عمل الثاني دون الأول فلو بني على استحقاق العامل شيئاً فالبناء على كون المضمون هو العمل أولى من البناء على استحقاق نفس الصفة.

مع أن في البناء على استحقاق العامل لقاعدة الاحترام إشكالا ، لظهور أدلة احترامه في حرمة اغتصابه ، لا وجوب تدارك ماليته في ظرف تلفه. ولو سلم فقد تختلف قيمة العمل مع المقدار الزائد من المالية الذي ذكر أنه راجع الى العامل ، فاذا كان أقل لم تقتضي القاعدة ضمان الزائد ، وإذا كان أكثر كان مقتضاها ضمان الزيادة. فتأمل. ولازم ما ذكرنا أنه لو أجبر غاصب العين صائغاً على صياغتها جاز للمالك التصرف فيها ، لأن عمل الصائغ متدارك بضمان الغاصب. كما أن الغاصب لو صبغ العين بصبغ مغصوب جاز للمالك التصرف فيها ، لضمان الغاصب لقيمة الصبغ ، ولو صبغ الثوب مالكه بصبغ مغصوب جاز أيضاً له التصرف فيه لضمانه للصبغ التالف بالصباغة.

وبالجملة : قاعدة احترام مال المسلم وعمله لو اقتضت الضمان في المقام فإنما تقتضي ضمانهما لا غير ، كان هناك ضامن لهما غير المالك ـ كما إذا اغتصب غاصب الثوب صبغاً فصبغه به أو أجبر شخصاً على خياطته فليس على المالك ضمان أصلا ، وجاز له التصرف فيه ـ أو كان الضمان على المالك ، كما لو أجبر المالك شخصاً على خياطة ثوبه أو غصب صبغاً فصبغ به ثوبه كان هو ضامناً لقيمة الخياطة والصبغ ، ولا مانع من تصرفه في الثوب أيضاً وكذا الحال في الجبر على مثل الصياغة.

٢٨٩

ولم يعطي أجرته لا إشكال فيه. بل وكذا لو أجبر على خياطة ثوب أو استأجر ولم يعط أجرته إذا كان الخيط له أيضاً ، وأما إذا كان للغير فمشكل ، وإن كان يمكن أن يقال : أنه يعد تالفاً فيستحق مالكه قيمته [١] ، خصوصاً إذا لم يمكن رده بفتقه. لكن الأحوط ترك الصلاة فيه قبل إرضاء مالك الخيط ، خصوصاً إذا أمكن‌

______________________________________________________

[١] يعني : وإن استحق القيمة كان الخيط ملكاً للضامن ، كما استجوده في الجواهر في هذه المسألة من كتاب الغصب ، وحكاه عن مجمع البرهان معللا له باقتضاء ملك المالك القيمة خروج المغصوب عن ملكه ، لكونها عوضاً شرعياً عنه ، وحكي ذلك عن ظاهر الدروس فيما لو غصب ساجة فأدخلها في بنائه أو لوحاً فأثبته في سفينة بنحو لا ينتفع بإخراجهما ، وكذا عن صريح المبسوط ، بل عن المسالك نسبته إلى ظاهرهم وأن العين تنزل منزلة المعدومة. لكن عن المسالك : « ولو قيل بوجوب إعطائها كان حسناً وإن جمع بين القيمة والعين ». قال في الجواهر : « لكنه مناف لقاعدة : « لا ضرر ولا ضرار » ، ومناف أيضاً لملك القيمة التي هي عوض شرعي يقتضي ملك معوضه للدافع ، اللهم إلا أن يقال : إنها عوض ماليته وإن بقي هو مملوكاً ، لكنه كما ترى ».

وقال في مسألة الخيط المغصوب : « وقد تقدم سابقاً في وطء حيوان الغير الموجب لدفع القيمة ما يؤكد ذلك في الجملة ، بل قد تقدم أيضاً أن من كان في يده المغصوب لو رجع المالك عليه وغرمه كان له الرجوع على من استقر التلف في يده على وجه يملك ما كان في ذمته للمالك عوض ما أداه ، بل ستسمع ملك الغاصب المغصوب إذا أدى قيمته للحيلولة وإن‌

٢٩٠

______________________________________________________

كان متزلزلا ، بل كأن ذلك مفروغ عنه عند التأمل في كلماتهم في مقامات متعددة ظاهرة أو صريحة في أن المؤدى عن المضمون عوض شرعي عنه على وجه يقتضي الملك للطرفين من غير فرق بين الموجود من العين مما لا قيمة له وبينها إذا كانت كذلك لو انتزعت ، كما في الفرض الذي يتعذر فيه الرد لنفس العين المغصوبة ، بل لعل قول المصنف (ره) وغيره : « وكذا لو خاط بها جرح حيوان له حرمة لم تنزع إلا مع الأمن عليه تلفاً وشيناً وإلا ضمنها » مؤيد لذلك ، ضرورة اقتضائه جواز التصرف للآدمي بما خيط به جرحه ، وليس ذلك إلا للخروج عن ملكه بضمان القيمة له بتعذر الرد لاحترام الحيوان ».

وحكي في المقام عن جامع المقاصد والمسالك عدم الخروج عن ملك المالك بضمان القيمة. وربما ينافيه ما ذكراه في مسألة ضمان الحيلولة. قال أولهما : « اعلم أن هنا إشكالا فإنه كيف تجب القيمة ويملكها بالأخذ ويبقى العبد على ملكه؟ وجعلها في مقابل الحيلولة لا يكاد يتضح معناه ». وقال ثانيهما ـ بعد أن ذكر بقاء العين المغصوبة على ملك المالك وأن ملك القيمة للحيلولة ـ : « ولا يخلو من إشكال من حيث اجتماع العوض والمعوض على ملك المالك من غير دليل واضح ». بل ربما ينافي ما تقدم من الجواهر في مسألتي وضع الساجة المغصوبة في البناء والخيط المغصوب ما ذكره في مسألة ضمان الحيلولة حيث قال ـ بعد حكاية الإشكال المتقدم عن جامع المقاصد والمسالك ـ : « لكنه مخالف لما عرفته من الاتفاق المؤيد بمعلومية عدم اعتبار توقف ملكية المالك القيمة على الغاصب على خروج المغصوب عن قابلية التملك .. إلى أن قال : فالقيمة المدفوعة حينئذ مملوكة والعين باقية على الملك ، للأصل ، ولأنها مغصوبة وكل مغصوب مردود ، وأخذ‌

٢٩١

______________________________________________________

القيمة غرامة للدليل الشرعي لا ينافي ذلك .. إلى أن قال في الاستدلال على ذلك : مضافاً الى أصالة بقائه على ملكه ، والى ما عرفته من الاتفاق عليه ، ولذا لم يذكروا خلافاً بل ولا إشكال في ملك نمائه المنفصل له. ودعوى أنه من الجمع بين العوض والمعوض عنه الممنوع عنه شرعاً واضحة الفساد ».

وكيف كان فمقتضى الأصل بقاء الخيط على ملك مالكه ، والقاطع لهذا الأصل إن كان أدلة نفي الضرر ففيه : أنها لا تقتضي الخروج عن الملك أو جواز التصرف فيه بغير إذن المالك. وإن كان أدلة الضمان بالقيمة من جهة ظهورها في أنها عوض عن العين شرعاً ففيه : أن الملحوظ في الضمان عوضية القيمة عن العين من حيث المالية ، فهي جبر للخسارة المالية الواردة على المالك ، لا عوض عن العين في إضافة الملكية ليقتضي خروج العين عن ملك المالك ، ولا معاوضة من الطرفين فيها ليقتضي دخول كل من الطرفين في ملك مالك الآخر ، إذ العين قد تخرج عن صلاحية التملك بالتلف والاستهلاك. وإن كان الإجماع ففيه : أنه لا مجال لدعواه مع مخالفة الأساطين.

لكن الإنصاف أن دعوى كون المرتكز العرفي في باب الضمان ذلك قريبة جداً. وما ذكر في كلام الجماعة ـ ومنهم شيخنا الأعظم ـ من أن وجوب البدل من باب الغرامة يقصد به تدارك التالف لا ينافي ذلك ، لأن تدارك التالف كما يكون بنحو المعاوضة يكون بنحو العوضية ، ولا يتعين أن يكون على النحو الثاني.

فإن قلت : العين التالفة لا تقبل الملك ولا غيره من العناوين التي يقصد قيام البدل مقامها فيه ، فكيف يمكن اعتبار البدلية فيها؟ وكيف‌

٢٩٢

رده بالفتق صحيحاً ، بل لا يترك في هذه الصورة [١].

( مسألة ٣ ) : إذا غسل الثوب الوسخ أو النجس بماء مغصوب فلا إشكال في جواز الصلاة فيه بعد الجفاف ، غاية الأمر أن ذمته تشتغل بعوض الماء. وأما مع رطوبته فالظاهر أنه كذلك [٢] أيضاً ، وإن كان الأولى تركها حتى يجف.

( مسألة ٤ ) : إذا أذن المالك للغاصب أو لغيره في الصلاة فيه مع بقاء الغصبية صحت [٣] ، خصوصاً بالنسبة الى غير الغاصب [٤]. وإن أطلق الإذن ففي جوازه بالنسبة‌

______________________________________________________

تمكن دعوى كون ذلك مقتضى الارتكاز العرفي؟

قلت : المدعى هو المعاوضة من الطرفين على نحو الاقتضاء لا على نحو الفعلية ، نظير شراء من ينعتق على المشتري ، فإنه لا يستوجب معاوضة فعلية من الطرفين. مع أن البيع من أظهر المعاوضات كما ذكرنا ذلك في حاشيتنا على مكاسب شيخنا الأعظم (ره) في مبحث بدل الحيلولة. فراجع‌

[١] بل الظاهر أنه لا خلاف بيننا في وجوب الرد حينئذ. وإن تعسر ولا يلزم المالك بالقيمة. نعم عن أبي حنيفة والشيباني القول بملك الغاصب للعين فلا يجب عليه ردها ، ولكن يلزمه قيمتها ، وفي الجواهر : « لا ريب في مخالفة ذلك قواعد الإسلام ».

[٢] إذا كانت الرطوبة معدودة عرفاً من قبيل العين فالكلام فيها هو الكلام في الخيط ، وإن كانت من قبيل العرض واللون فالكلام فيها هو الكلام في الصبغ. فتأمل جيداً.

[٣] بلا إشكال ، لارتفاع الحرمة الموجبة للبعد.

[٤] هذه الخصوصية غير ظاهرة.

٢٩٣

الى الغاصب إشكال ، لانصراف الاذن الى غيره [١]. نعم مع الظهور في العموم لا إشكال.

( مسألة ٥ ) : المحمول المغصوب إذا تحرك بحركات [٢] الصلاة يوجب البطلان وإن كان شيئاً يسيراً.

( مسألة ٦ ) : إذا اضطر الى لبس المغصوب لحفظ نفسه أو لحفظ المغصوب عن التلف صحت صلاته فيه [٣].

( مسألة ٧ ) : إذا جهل أو نسي الغصبية وعلم أو تذكر في أثناء الصلاة ، فإن أمكن نزعه فوراً [٤] وكان له‌

______________________________________________________

[١] في دعوى الانصراف كلية منع ، بل يختلف الحال باختلاف المقامات من حيث اقترانها بما يوجب صرف الاذن الى غير الغاصب ، بل قد يكون فيها ما يوجب انصراف الاذن عن خصمه أو عدوه أو غيرهما.

[٢] لا يبعد عدم الفرق بين السكون والحركة ، فإذا حمله في حال القيام وألقاه قبل الركوع بطلت صلاته أيضاً ، لأن كونه في النقطة الخاصة من الفضاء في حال القيام مستند أيضاً الى قيام المصلي ، فيكون منهياً عنه ولا يصح قياسه بما لو وضعه في الصندوق ، فان الكون في الصندوق في الآن الثاني مستند الى استعداد ذات المغصوب لا الى المكلف ، فلا يكون متصرفاً إلا بالوضع والأخذ لا غير ، وليس كذلك في المقام.

[٣] لارتفاع الحرمة.

[٤] بناء على أن القادح خصوص حركة المغصوب بحركة المصلي لا يعتبر نزعه فوراً في صحة الصلاة ، فلو بقي عليه ولم يتحرك بحركته ـ كما لو التفت إليه في حال القيام ثمَّ نزعه قبل أن يهوي الى الركوع ـ لم يكن‌

٢٩٤

ساتر غيره صحت الصلاة ، وإلا ففي سعة الوقت ولو بإدراك ركعة يقطع الصلاة [١] ، وإلا فيشتغل بها في حال النزع.

( مسألة ٨ ) : إذا استقرض ثوباً وكان من نيته عدم أداء عوضه أو كان من نيته الأداء من الحرام ، فعن بعض العلماء : أنه يكون من المغصوب [٢] ، بل عن بعضهم : أنه لو لم ينو الأداء أصلا لا من الحلال ولا من الحرام أيضاً كذلك. ولا يبعد ما ذكراه. ولا يختص بالقرض ولا بالثوب بل لو اشترى أو استأجر أو نحو ذلك وكان من نيته عدم أداء العوض أيضاً كذلك.

______________________________________________________

وجه لبطلان صلاته ، لأنه يكون كالمحمول الذي لا يتحرك بحركة المصلي.

[١] لبطلان الصلاة بامتناع إتمامها صحيحة.

[٢] كأنه لما في خبر أبي خديجة عن أبي عبد الله (ع) : « أيما رجل أتى رجلا فاستقرض منه مالا وفي نيته أن لا يؤديه فذلك اللص العادي » (١) وفي مرسل ابن فضال عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) قال : « من استدان ديناً فلم ينو قضاءه كان بمنزلة السارق » (٢) ، وظاهرهما بطلان القرض. قال في الجواهر ـ في المسألة الثالثة من أحكام القرض ـ : « قد يستفاد من نصوص السرقة أن عدم نية القضاء حال القرض مفسدة لعقده فيحرم على المقترض التصرف بالمال حينئذ .. ( الى أن قال ) : لكن لم أجده محرراً في كلامهم ، بل ربما كان ما ينافيه ، كعدم ذكرهم له في الشرائط ، وجعلهم وجوب العزم هنا كالواجب الموسع ، وغير ذلك ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب الدين والقرض حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب الدين والقرض حديث : ٢.

٢٩٥

( مسألة ٩ ) : إذا اشترى ثوباً بعين مال تعلق به الخمس أو الزكاة مع عدم أدائها من مال آخر حكمه حكم المغصوب [١].

( الثالث ) : أن لا يكون من أجزاء الميتة [٢] ، سواء كان حيوانه محلل اللحم أو محرمه ،

______________________________________________________

وعليه فينبغي الاقتصار فيه على خصوص القرض ، أما الابتياع مع عدم نية الوفاء فلا يقتضي فساد البيع ».

أقول : قد تقدم في غسل الجنابة أن نية الأداء من قبيل نية الوفاء بالعقد ليست من مقومات العقد بحيث ينتفي بانتفائها ، فاعتبارها في صحته موقوف على دليل ، والأخبار المذكورة لا تخلو من إشكال في السند ، ولا يظهر لها جابر ، بل قد يظهر من عدم تعرض الفقهاء ( رض ) لذلك في شروط القرض إعراضهم عنها فيكون موهناً لها ، كما أشار إليه في الجواهر ، فالاعتماد عليها في القرض لا يخلو من إشكال فضلا عن التعدي منه الى غيره من أنواع المعاملات. نعم نية الوفاء في القرض واجبة عندهم كما صرح به جماعة ، وفي الجواهر : « إجماعاً محكياً إن لم يكن محصلاً ». واستدل عليه في الجواهر بالنصوص الدالة على أن من استدان ديناً فلم ينو قضاءه فهو سارق. ولم أعثر على هذا المضمون إلا في المرسل المتقدم الذي عرفت الإشكال في سنده ، فلا يبعد كون نية الوفاء كنية أداء سائر الواجبات من الواجبات الأخلاقية. فتأمل.

[١] يأتي التعرض لذلك في المسألة الثالثة عشرة من مبحث مكان المصلي. والله سبحانه أعلم.

[٢] بلا خلاف فيه ظاهر ، بل ولا إشكال ، فقد حكي الإجماع عن الخلاف ، والغنية ، والمعتبر ، والمنتهى ، والتذكرة ، والذكرى ، وكشف‌

٢٩٦

______________________________________________________

الالتباس ، وجامع المقاصد ، والروض ، ومجمع البرهان ، والمدارك ، والمفاتيح وغيرها على عدم جواز الصلاة في جلدها ، والظاهر بل المعلوم منهم عدم الفرق بينه وبين غيره من أجزاء الميتة. وما عن الذكرى من استثناء من شذ منا لم يعلم المراد منه ، بل عن المجمع : الإجماع على المنع حتى ممن قال بالطهارة. وهو الذي تشهد به النصوص المدعى تواترها ، كصحيح محمد ابن مسلم قال : « سألته عن الجلد الميت أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال (ع) : لا ولو دبغ سبعين مرة » (١) ، وفي صحيح ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله (ع) في الميتة : « لا تصل في شي‌ء منه ولا شسع » (٢) ، وظاهرهما ـ كغيرهما ـ كون الميتة مانعاً من صحة الصلاة ، كما أن ظاهر ما في موثق ابن بكير عن أبي عبد الله (ع) الوارد في عدم جواز الصلاة فيما لا يؤكل لحمه من قوله (ع) : « إذا علمت أنه ذكي وقد ذكاه الذبح » (٣) ، ورواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله وأبي الحسن (ع) : « عن لباس الفراء والصلاة فيها. قال (ع) : لا تصل فيها إلا ما كان منه ذكياً. قال : قلت : أو ليس الذكي ما ذكي بالحديد؟ قال (ع) : بلى إذا كان مما يؤكل لحمه » (٤) اشتراط التذكية وحيث ان الظاهر من النصوص الواردة في استعمال الجلود وفي بعض شرائط التذكية كون التقابل بين الميتة والمذكى تقابل العدم والملكة ، فما دل على بطلان الصلاة في الميتة يراد منه البطلان لفقد الشرط.

نعم لو كان التقابل بينهما تقابل الضدين أشكل الأمر في المراد من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

٢٩٧

بل لا فرق بين أن يكون مما ميتته نجسة أولا [١] ، كميتة السمك‌

______________________________________________________

مجموع النصوص ، وهل هو كون التذكية شرطاً حينئذ؟ ويكون النهي عن الصلاة في الميتة عرضياً ، فيتصرف في ظاهر الطائفة الأولى ، أو أن الموت مانع؟ ويكون الأمر بالصلاة في المذكى عرضياً ، فيتصرف في الثانية أو تكون التذكية شرطاً والموت مانعاً؟ فيؤخذ بظاهر كل من الطائفتين. فعلى الثاني : يكون مقتضى الأصل الصحة ، لأصالة عدم الموت. وعلى الأول : يكون مقتضى الأصل الفساد ، لأصالة عدم التذكية. وكذا على الأخير ، ولا يعارضها أصالة عدم الموت ، لعدم التنافي بينهما ، إذ لا علم إجمالي منجز بكذب إحداهما كي ينافيانه معاً فيسقطان بالمعارضة ، ولو سلم التساقط. فلا أصل يحرز التذكية التي هي الشرط الذي لا بد من إحرازه. ويشهد بجريان أصالة الصحة موثق سماعة : « عن تقليد السيف في الصلاة وفيه الفراء والكيمخت؟ فقال (ع) : لا بأس ما لم تعلم أنه ميتة » (١). ونحوه غيره. ويشهد لأصالة الفساد ما تقدم من رواية ابن بكير.‌ لكن لما عرفت من أن التقابل تقابل العدم والملكة فلا بد من حمل الموثق ونحوه على صورة وجود أمارة على التذكية من سوق وغيره ، كما يشير اليه بعض النصوص الآتية.

[١] كما عن البهائي ووالده ، لإطلاق النصوص. وطهارة ميتة ما لا نفس له سائلة لا تمنع من العمل بها ، لأن ظاهر النصوص اعتبار التذكية من حيث هي لا من حيث النجاسة ، ولذا قال باعتبارها من قال بطهارة الجلد بالدبغ. كما أن ما في بعض النصوص من ذكر الدبغ الذي يعتاد في خصوص ذي النفس لا يوجب انصراف غيره إلى ذي النفس ، وما في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ١٢.

٢٩٨

______________________________________________________

مكاتبة علي بن مهزيار الى أبي محمد (ع) : من جواز الصلاة في القرمز (١) ـ وهو صبغ أرمني من عصارة دود يكون في آجامهم ـ ليس مما نحن فيه لجواز كون الصبغ من قبيل اللون لا العين ، وإلا فهو مما لا يؤكل لحمه. والسيرة على جواز الصلاة في القمل والبق والبرغوث تختص بموردها. وما عن المعتبر من دعوى الإجماع على الجواز غير ثابت النسبة ، بل قيل : إنه توهم ، ولو سلم فالاعتماد عليه مع إطلاق الفتوى بالمنع ، وعدم تعرض الأساطين لاستثناء غير ذي النفس غير ممكن.

نعم الاشكال كله في ثبوت هذا الإطلاق الشامل لغير ذي النفس ، فإن أكثر النصوص وارد في مقام الحكم الظاهري في الشبهة الموضوعية من دون نظر فيه الى موضوع الحكم الواقعي ، والوارد منها لبيان الحكم الواقعي لم نعثر على شي‌ء منه إلا على ما سبق من صحيحي ابن مسلم وابن أبي عمير ورواية ابن أبي حمزة ، وإطلاقها غير ظاهر ، إذ الصحيح الأول إنما ورد للسؤال عن حال الدبغ. وأنه يرفع حكم الميتة أم لا؟ ، والثاني وارد في مقام تعميم الحكم لأجزاء الميتة. نعم ظاهر الرواية أن كلامه (ع) السابق على القول كان في أمور تتعلق بالميتة ، ولا يدرى أن الميتة أي ميتة هي؟ فلعله كان في حمار ميت أو نحوه كما يشهد له الضمير المذكر ، ورواية ابن أبي حمزة مشتملة على التذكية بالحديد المختص به أيضاً. وعلى خبر أبي تمامة قال : « قلت لأبي جعفر الثاني (ع) : إن بلادنا بلاد باردة فما تقول في لبس هذا الوبر؟ قال (ع) : البس منها ما أكل وضمن » (٢) ، إلا أنه لو فرض كون المراد السؤال عن اللبس في الصلاة ، وأن المراد من الضمان ضمان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ٣.

٢٩٩

ونحوه مما ليس له نفس سائلة على الأحوط. وكذا لا فرق بين أن يكون مدبوغاً أولا [١]. والمأخوذ من يد المسلم وما عليه أثر استعماله بحكم المذكى [٢] ،

______________________________________________________

التذكية ، فموضوع السؤال فيه هذا الوبر ، والمراد منه غير ظاهر. ولم أعثر على غيرها مما هو مظنة الإطلاق. وعليه فالتخصيص بذي النفس هو الموافق لأصالة البراءة عن شرطية التذكية في غيره.

[١] بلا خلاف ظاهر ، للصحيح السابق وغيره.

[٢] قد أشرنا سابقاً ، وفي كتاب الطهارة إلى أن النصوص قد اختلفت في حلية لبس الجلد في الصلاة مع الشك في كونه من مذكى أو ميتة ، فبعضها : يظهر منه الجواز ، كموثق سماعة : « عن تقليد السيف في الصلاة وفيه الفرا والكيمخت. فقال (ع) : لا بأس ما لم تعلم أنه ميتة » (١) ومصحح علي ابن أبي حمزة : « إن رجلا سأل أبا عبد الله (ع) ـ وأنا عنده ـ عن الرجل يتقلد السيف ويصلي فيه. قال (ع) : نعم. فقال الرجل : إن فيه الكيمخت. قال (ع) : وما الكيمخت؟ قال : جلود دواب منه ما يكون ذكياً ومنه ما يكون ميتة. فقال (ع) : ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه » (٢) ، ورواية جعفر بن محمد بن يونس : « إن أباه كتب الى أبي الحسن (ع) يسأله عن الفرو والخف ألبسه وأصلي فيه ولا أعلم أنه ذكي؟ فكتب : لا بأس به » (٣). وبعضها : يظهر منه المنع كموثق ابن بكير السابق.‌ والجمع العرفي بينها يتعين بحمل الأول على ما إذا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ١٢.

(٢) الوسائل باب : ٥٥ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٥٥ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

٣٠٠