مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

( مسألة ٩ ) : إذا انقلب ظنه في أثناء الصلاة إلى جهة أخرى انقلب الى ما ظنه إلا إذا كان الأول إلى الاستدبار ، أو اليمين واليسار بمقتضى ظنه الثاني ، فيعيد [١].

( مسألة ١٠ ) : يجوز لأحد المجتهدين المختلفين في الاجتهاد الاقتداء بالآخر إذا كان اختلافهما يسيراً [٢] بحيث لا يضر بهيئة الجماعة [٣] ، ولا يكون بحد الاستدبار [٤] ، أو اليمين واليسار.

( مسألة ١١ ) : إذا لم يقدر على الاجتهاد أو لم يحصل له الظن بكونها في جهة وكانت الجهات متساوية صلى إلى أربع جهات إن وسع الوقت [٥] ،

______________________________________________________

[١] لما تقدم في المسألة السابقة ، بل الإعادة في الفرض الثاني أولى ، للعلم بفساد الثانية هنا على كل حال.

[٢] لصحة صلاة الإمام واقعاً بحسب نظره ونظر المأموم ، فلا مانع من صحة الاقتداء. اللهم إلا أن يشكك في صحة الاقتداء حينئذ ، ولا إطلاق في باب الجماعة يرجع إليه لنفي الشك في الشرطية والمانعية ، ومقتضى الأصل الفساد. لكن الشك من هذه الجهة بالخصوص منفي بالنص الدال على صحة الاقتداء ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في مبحث الجماعة في مسألة حكم الاقتداء مع اختلاف الامام والمأموم اجتهاداً أو تقليداً.

[٣] وإلا فسدت الجماعة ، لفوات الهيئة المعتبرة فيها.

[٤] لبطلان صلاة الإمام بنظر المأموم ، بل لبطلان إحدى الصلاتين الموجب لبطلان الجماعة.

[٥] تقدم وجهه.

٢٠١

والا فبقدر ما وسع [١] ، ويشترط أن يكون التكرار على وجه يحصل معه‌

______________________________________________________

[١] قد أشرنا في تعليقتنا على الكفاية الى أن العمدة في وجوب الاحتياط في الشبهة المحصورة عند الاضطرار الى ارتكاب بعض غير معين من الأطراف ـ كما إذا علم بنجاسة أحد إناءين واضطر الى ارتكاب أحدهما لا بعينه ـ هو أن دليل نفي الاضطرار يقتصر في تقييده لإطلاق الأحكام على القدر اللازم في رفع الاضطرار ، ولا يجوز التعدي عن المقدار اللازم الى ما هو أوسع منه ، وحيث أنه يكفي في رفع الاضطرار تقييد وجوب الاجتناب عن النجس بحال ارتكاب الآخر المشتبه به ، يكون التكليف في حال الاضطرار إلى أحدهما باقياً بحاله ، غايته أنه لا يجب الاجتناب عنه مطلقاً ، بل في خصوص حال ارتكاب الآخر ، فان مثل هذا التكليف المقيد على النحو المذكور لا يوجب الوقوع في الضرر ، فيبقى بحاله ، وإنما الموجب له بقاؤه على إطلاقه ، فيرفع إطلاقه ، وحينئذ فلا يجوز ارتكابهما معاً ، إذ في ذلك مخالفة للتكليف المعلوم بالإجمال ، إذ المفروض ثبوت التكليف في ظرف ارتكاب الآخر ، وقد ارتكبه ، فيكون معصية قطعية.

هذا وقد أشرنا في التعليقة الى أن الارتكاب المأخوذ شرطاً لثبوت التكليف ليس مطلق الارتكاب ، بل خصوص الارتكاب الرافع للاضطرار ولذا لو ارتكب أحدهما ثمَّ ارتفع الاجمال فتبين ارتكاب النجس وبقاء الطاهر لم يحرم الطاهر حينئذ لئلا يلزم مخالفة التكليف المشروط بشرط حاصل بل يجوز ارتكابه ، لأن ارتكابه حينئذ ليس ارتكاباً رافعاً للاضطرار ، لارتفاع الاضطرار بارتكاب الأول النجس ، فلا يكون ارتكاب الطاهر الشرط في ثبوت التكليف بالنجس.

٢٠٢

______________________________________________________

والعمدة في ذلك : أن الارتكاب إنما أخذ شرطاً للتكليف من جهة أنه رافع للاضطرار ، فلا مانع من ثبوت التكليف معه ، بخلاف الارتكاب غير الرافع للاضطرار ، فإنه إذا فرض غير رافع للاضطرار لا يجدي التقييد به في كون التكليف غير اضطراري ، بل هو على حاله اضطراري فلا يمكن ثبوته.

وعليه فالتقريب المذكور إنما يقتضي المنع من ارتكابهما دفعة لتحقق الارتكاب الرافع للاضطرار فيتحقق معه التكليف كما عرفت ، ولا يمنع من ارتكابهما تدريجاً ، فإنه إذا ارتكب أحدهما ارتفع اضطراره حينئذ فلا يكون ارتكاب الثاني ارتكاباً رافعاً للاضطرار ، فتكون المخالفة فيه احتمالية ، من أجل احتمال كونه النجس ، لا قطعية ، لاحتمال كون النجس هو الذي ارتكبه أولا ، والتكليف باجتنابه منتف ، لعدم تحقق شرطه وهو ارتكاب غيره الرافع للاضطرار كما لا يخفى بالتأمل.

ولازم ذلك وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبية إذا اضطر المكلف الى ترك الاحتياط في واحد منها ، لأن رفع اليد عن العمل في غير المقدار المضطر الى ترك العمل فيه مخالفة للتكليف المعلوم ، لتحقق شرطه وهو الارتكاب الرافع للاضطرار ، فلو وجب عليه إعطاء درهم لزيد وتردد زيد بين أربعة أشخاص ، وكان عنده ثلاثة دراهم وجب عليه أن يدفعها إلى ثلاثة منهم من باب الاحتياط ، ويقتصر على المقدار المضطر اليه ، وهو ترك إعطاء واحد منهم فقط ، ولا يجوز له أن يعطي اثنين منهم درهمين ويترك اثنين منهم ، لأن ترك إعطاء أحد الاثنين ارتكاب يندفع به الاضطرار فيثبت التكليف لثبوت شرطه ، فترك إعطاء ثاني الاثنين يحتمل أنه مخالفة للتكليف المنجز فيحرم عقلا ، فلا بد حينئذ من الاحتياط التام في أطراف‌

٢٠٣

______________________________________________________

الشبهة الوجوبية إلا بالمقدار المضطر الى تركه.

ومما ذكرنا يظهر ضعف ما عن المقنعة ، وجمل السيد ، والمبسوط ، والوسيلة ، والسرائر من الاكتفاء بواحدة لقولهم : « فان لم يقدر على الأربع فليصل الى أي جهة شاء » أو ما يقرب منه. اللهم الا أن يكون مرادهم ما إذا لم يقدر إلا على واحدة ، أو أنهم اعتمدوا على الصحاح المتقدمة الدالة على الاكتفاء بواحدة مطلقاً (١) مع الاقتصار في الخروج عنها على خصوص صورة التمكن من الأربع. وفيه : أن ظاهر المرسل وجوب الصلاة الى القبلة مع الاشتباه الذي لا فرق فيه بين التمكن من الأربع وعدمه كسائر أدلة الأحكام.

هذا وظاهر الأصحاب الاكتفاء بالممكن من غير حاجة الى القضاء بلا فرق بين وجود العذر في التأخير وعدمه ، بل في الجواهر عدم وجدان الخلاف الصريح في الأول. نعم عن المقاصد العلية : النظر في الاجتزاء في الثاني. وعن نهاية الأحكام : احتماله مطلقاً ، أو في صورة ظهور الخطأ فيقضي الفائت. واستشكله في الجواهر بعدم شمول أدلة القضاء للمقام ، ولقاعدة الاجزاء. ويمكن الخدش فيه بأن دليل قضاء الفائت لا قصور في عمومه إلا من جهة الشبهة الموضوعية للشك في الفوت ، لكن يمكن إثباته بأصالة عدم الإتيان بالواجب. وقاعدة الشك بعد الوقت لا تشمل المقام قطعاً. وبأن قاعدة الاجزاء لا مجال لها لا بالنسبة إلى دليل وجوب الصلاة الى القبلة الواقعية للشك في الامتثال ، ولا بالنسبة إلى دليل المقام الدال على وجوب الأربع للعلم بعدمه. نعم لو فرض الاستناد في وجوب المقدار الممكن الى نص بالخصوص كان ظاهراً في الاجتزاء به ، كظهور دليل الأربع‌

__________________

(١) تقدمت في البحث عن الصلاة الى أربع جهات مع عدم إمكان الظن بالقبلة.

٢٠٤

______________________________________________________

في الاجتزاء بها ، لكنه مفقود ، بل المستند ما عرفت من حكم العقل بوجوب الاحتياط مهما أمكن ، ولا حكم للعقل بالأجزاء. إلا أن يقال : أصالة عدم الإتيان بالصلاة إلى القبلة من قبيل الأصل الجاري في الفرد المردد بين معلوم الثبوت ومعلوم الانتفاء ، لأن الواجب إن انطبق على المتروك كان معلوم الانتفاء ، وإن انطبق على المأتي به كان معلوم الثبوت.

والفرق بين المقام وبين سائر موارد الشك في الأجزاء والشرائط ـ حيث يجري فيها أصالة عدم الإتيان بالواجب بلا تأمل ـ : هو أن القبلة التي يجب استقبالها في الصلاة جهة معينة في الخارج ، وليست من قبيل الكليات التي تنطبق على الخارجيات كسائر الشرائط والأجزاء ، فالشك في الصلاة إليها لا يمكن أن يتعلق بها بما أنها خارجية متعينة ، لأن المفروض كون بعض الجهات المعينة علم بتحقق الصلاة إليها ، وبعضها علم بعدم تحققها إليها ، وإنما يصح تعلق الشك فيها بلحاظ انتزاع عنوان مردد بين الجهتين الخارجيتين أو الجهات كذلك ، وذلك المفهوم المردد لا يجري الأصل فيه ، ولا في كل فعل مفروض التعلق به ، لعدم كونه موضوعاً للأحكام الشرعية ، إذ المفاهيم إنما تكون موضوعاً لها بما هي منطبقة على الخارج والمفهوم المردد غير صالح لذلك.

وبالجملة : إن أخذنا ذلك المفهوم عنواناً لإحدى الجهتين الخارجيتين تعييناً لم يكن مشكوكاً ، بل هو إما معلوم الثبوت أو معلوم الانتفاء. وان أخذناه عنواناً لإحداهما على الترديد كان مشكوكاً ، إلا أنه غير موضوع لحكم شرعي.

ولأجل ذلك لو صلى المكلف الى الجهات الأربع ثمَّ علم بفساد إحدى الصلوات تعييناً لا تجري قاعدة الفراغ في الصلاة الى القبلة المرددة ، لا من‌

٢٠٥

اليقين بالاستقبال [١] في إحداها ، أو على وجه لا يبلغ الانحراف الى حد اليمين واليسار. والأولى أن يكون على خطوط متقابلات [٢].

______________________________________________________

جهة العلم التفصيلي بفساد إحداها ، إذ لا أثر للعلم مع الجهل بكون متعلقه الصلاة الى القبلة ، بل لما ذكرنا من أن الصلاة الى القبلة التي تجعل موضوعاً لقاعدة الفراغ مرددة بين معلوم الصحة ومعلوم الفساد ، ولو علم بفساد إحداها إجمالا من دون تعيين للفاسدة جرت قاعدة الفراغ في كل واحدة منها تعييناً على تقدير كونها إلى القبلة ، ولا يقدح العلم الإجمالي بفساد إحداها لخروج بعض أطرافه عن محل الابتلاء. ولا تجري أيضاً قاعدة الفراغ في الصلاة الى القبلة المرددة ، لما سبق. فلا مجال للبناء على القضاء من جهة أصالة عدم الإتيان. نعم لو بني على كون الأمر بالقضاء عين الأمر الأول بالأداء أمكن القول بوجوبه للاستصحاب ، أو لقاعدة الاشتغال ، إلا أن ينعقد إجماع على خلافه كما هو غير بعيد فلاحظ.

[١] كما لو علم بأن القبلة في إحدى نقاط أربع في الجهات.

[٢] كما يقتضيه منصرف النص والفتوى. ولأجله صرح فيما عن حاشيتي الميسي والروضة والروض والمسالك وغيرها بأن الجهات تكون متقاطعة على زوايا قوائم. قال في المدارك : وعلى المشهور فيعتبر في الجهات الأربع كونها على خطين مستقيمين وقع أحدهما على الآخر بحيث يحدث عنهما زوايا قائمة ، لأنه المتبادر من النص ، وربما قيل بالاجتزاء بالأربع كيف اتفق ، وهو بعيد جداً ، لكن لما كان الغرض من التكرار هو اليقين بالامتثال لم يعتبر في المتن ـ تبعاً لما في نجاة العباد وغيرها ـ ذلك ، بل اكتفى بمجرد حصول اليقين بالصلاة إلى القبلة أو الانحراف بنحو لا يبلغ‌

٢٠٦

( مسألة ١٢ ) : لو كان عليه صلاتان فالأحوط أن تكون الثانية إلى جهات الأولى [١].

( مسألة ١٣ ) : من كان وظيفته تكرار الصلاة الى أربع جهات أو أقل وكان عليه صلاتان يجوز له أن يتمم جهات الاولى ثمَّ يشرع في الثانية ، ويجوز أن يأتي بالثانية في‌

______________________________________________________

اليمين واليسار. وفيه : ـ مع أنه يتوقف على عموم دليل جواز الانحراف الى ما لا يبلغ الحد المذكور للمقام ، إذ مورده غيره كما سيأتي في أحكام الخلل ـ أنه لو كفى الانحراف المذكور لم يحتج إلى أربع صلوات ، بل اكتفى بالثلاث الى زوايا مثلث مفروض في دائرة الأفق ، إذ القوس الذي يكون بين كل زاويتين مائة وعشرين درجة يكون الانحراف معه ستين درجة تقريباً ، وهو أقل من الانحراف الذي لا يبلغ اليمين واليسار ، لأنه تسعون درجة تقريباً. نعم لو كان المراد باليمين واليسار ربع المحيط تسعين درجة كان غاية الانحراف إليهما خمساً وأربعين درجة تقريباً ، ولا يمكن اليقين بالامتثال حينئذ إلا بالأربع ، إلا أنه لا بد أن تكون على نقاط متقابلة وإلا تعذر العلم بالاستقبال أو بالانحراف الى ما لا يبلغ اليمين واليسار كما هو ظاهر.

[١] بناء على ما سبق لا ينبغي التأمل في جواز إيقاع الثانية الى غير جهات الأولى ، لتحقق اليقين بالاستقبال في كل منهما على كل حال. نعم لو كان مفاد الدليل الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية بالأربع الذي لازمه جواز إيقاعها أجمع الى نصف المحيط تعين إيقاع الثانية إلى جهات الأولى ، إذ لو لا ذلك يعلم إجمالا ببطلان إحدى الصلاتين ، بل لو كانتا مرتبتين يعلم تفصيلا ببطلان الثانية كما سبق في المسألة الثامنة.

٢٠٧

كل جهة صلى إليها الاولى الى أن تتم. والأحوط اختيار الأول [١]. ولا يجوز أن يصلي الثانية الى غير الجهة التي صلى إليها الأولى [٢]. نعم إذا اختار الوجه الأول لا يجب أن يأتي بالثانية على ترتيب الاولى [٣].

( مسألة ١٤ ) : من عليه صلاتان كالظهرين مثلا ـ مع كون وظيفته التكرار إلى أربع إذا لم يكن له من الوقت‌

______________________________________________________

[١] فقد عينه ابن فهد والشهيد الثاني والصيمري ـ على ما حكي عنهم ـ ونسب الى ظاهر بعض الإجماعات. وجعله في الجواهر أقوى ، لتوقف الجزم الذي هو من مقومات النية عليه ، وسقوط اعتبار الجزم من جهة اشتباه القبلة لا يوجب سقوطه من حيث شرطية الترتيب. وفيه : ما عرفت غير مرة من عدم الدليل على اعتبار الجزم في النية ، والرجوع الى العقلاء يقضي بعدم اعتباره ، إذ هم لا يفرقون في تحقق الإطاعة والعبادة بين صورتي الجزم وعدمه ، بل ربما تكون الإطاعة في الثاني أعلى وأعظم ، ولو سلم فلا دليل على اعتباره من حيثية إذا تعذر من حيثية أخرى مع تلازم الحيثيتين في الخارج كما في المقام ، حيث أنه لو صلى إحدى صلوات الظهر إلى جهة ثمَّ صلى أولى العصر إليها ، فإن كانت الظهر إلى القبلة فالعصر إليها أيضاً والترتيب حاصل ، وإن كانت الظهر الى غير القبلة فالعصر باطلة من جهتي القبلة والترتيب معاً ، وقد أشرنا الى ذلك في مباحث التقليد.

[٢] للعلم بفساد الثانية حينئذ إما لفقد الترتيب أو لفقد الاستقبال.

[٣] لأن الإتيان بها أربعاً على كل حال يوجب اليقين بالفراغ منها فيجوز له أن يجعل أولى الثانية إلى جهة رابعة الأولى ، كما له أن يجعلها إلى جهة الأولى منها.

٢٠٨

مقدار ثمان صلوات ، بل كان مقدار خمسة ، أو ستة ، أو سبعة ، فهل يجب إتمام جهات الاولى [١] وصرف بقية الوقت في الثانية ، أو يجب إتمام جهات الثانية وإيراد النقص على الاولى؟ الأظهر الوجه الأول. ويحتمل وجه ثالث وهو التخيير. وإن لم يكن له إلا مقدار أربعة أو ثلاثة‌

______________________________________________________

[١] كما عن الموجز والحاوي وكشف الالتباس ، لأن الأولى متقدمة في الرتبة على الثانية ، فلا وجه لرفع اليد عن محتملاتها والاشتغال بالثانية بلا ضرورة تدعو الى ذلك ، فرفع اليد عنها مخالفة للتكليف بها من غير عذر ، ولا مجال لمعارضة ذلك بمثله في العصر ، لأنه إذا تمم محتملات الظهر ـ مثلا ـ فاشتغل بمحتملات العصر فعدم إتمامها يكون لعذر وهو ضرورة ضيق الوقت.

فان قلت : إذا فعل بعض محتملات الظهر ـ مثلا ـ حتى لم يبق إلا مقدار أربع صلوات يكون قد اجتمع على المكلف وجوبان ، وجوب الظهر ووجوب العصر ، فمع تزاحمهما وعدم الأهمية لإحداهما من الأخرى يحكم العقل بالتخيير. وتقدم الظهر رتبة لا أثر له في ترجيح امتثال وجوبها على امتثال وجوب العصر ، بل ترجيح إحداهما على الأخرى يتوقف على تقدم وجوبها رتبة على وجوب الأخرى ، وحيث لا تقدم لأحد الوجوبين رتبة على الآخر وكونهما في رتبة واحدة لا بد من البناء على التخيير بين امتثالهما. وحينئذ فإن اختار الظهر صلاها الى غير الجهات السابقة ، وإن اختار العصر صلاها إلى إحدى الجهات السابقة ، فلو صلاها الى غيرها علم ببطلانها إما لانتفاء القبلة أو لانتفاء الترتيب.

قلت وإن لم تحرز أهمية إحدى الصلاتين من الأخرى ، إلا أن الظهر‌

٢٠٩

فقد يقال يتعين الإتيان بجهات الثانية [١] وتكون الاولى قضاء لكن الأظهر وجوب الإتيان بالصلاتين ، وإيراد النقص على الثانية ، كما في الفرض الأول. وكذا الحال في العشاءين ، ولكن في الظهرين يمكن الاحتياط [٢] بأن يأتي بما يتمكن من الصلوات بقصد ما في الذمة فعلا ، بخلاف العشاءين ،

______________________________________________________

لما كانت شرطاً في صحة العصر فوجوب العصر يدعو الى فعلها كما يدعو الى فعل العصر ، ففعل الظهر امتثال لأمرها ولأمر العصر معاً ، فكيف مع ذلك يجوّز العقل فعل العصر وترك الظهر وليس في فعلها إلا امتثال وجوبها لا غير؟! فهذه الجهة كافية في ترجح فعل الظهر على فعل العصر في نظر العقل.

وأما دعوى كون وقت الاختصاص يراد منه الوقت الذي تفعل فيه الفريضة بمقدماتها العلمية. فساقطة جداً وان احتملها بعض الأساطين أو جعلها الأقرب ، لظهور أدلته في غير ذلك قطعاً. ومما ذكرنا يظهر لك وجه ما استظهره في المتن وضعف الوجهين الآخرين.

[١] وقد عرفت مبناه وضعفه ، وأن اللازم البناء على بقاء الاشتراك الى أن يبقى مقدار أداء إحدى الصلاتين ، فيختص بالعصر ، وعليه فلا ينبغي التأمل في فساد الأولى من الأربع أو ما دونها لو جي‌ء بها بعنوان العصر ، للعلم بفوات الترتيب ، فيتعين عليه إتيانها بعنوان الظهر ، وحينئذ يجري ما تقدم فيما يمكنه من غير الأخيرة من الصلوات من ترجيح فعله بعنوان الظهر ، لما فيه من جهتي الامتثال ، ويتعين في الأخيرة فعلها بعنوان العصر وكأن هذا هو ما جعله في المتن أظهر ، وإن كانت العبارة غير ظاهرة فيه.

[٢] يعني : الاحتياط في موافقة القولين المذكورين ، فيصلي الأربع‌

٢١٠

لاختلافهما في عدد الركعات.

( مسألة ١٥ ) : من وظيفته التكرار الى الجهات إذا علم أو ظن بعد الصلاة الى جهة أنها القبلة لا يجب عليه الإعادة [١]. ولا إتيان البقية [٢]. ولو علم أو ظن بعد الصلاة إلى جهتين أو ثلاث أن كلها إلى غير القبلة ، فإن كان فيها ما هو ما بين اليمين واليسار كفى [٣] ، وإلا وجبت الإعادة.

( مسألة ١٦ ) : الظاهر جريان حكم العمل بالظن مع عدم إمكان العلم والتكرار إلى الجهات مع عدم إمكان الظن في سائر الصلوات غير اليومية [٤]

______________________________________________________

ـ مثلا ـ إلى أربع جهات ويقصد ما في ذمته المردد عنده ـ لأجل القولين المذكورين ـ بين الظهر والعصر. وكذا في الفرض الأول ، يأتي بما هو مكمل للأولى أربعاً مردداً بين الصلاتين ، خروجاً عن شبهة الخلاف.

[١] لموافقتها للتحري المأمور به الجاهل. مع أنه لو أعاد لا عاد إليها بلا فائدة.

[٢] لقصور الدليل حينئذ عن اقتضاء ذلك.

[٣] قد عرفت اختصاص دليل الاجزاء مع الانحراف الى ما دون اليمين واليسار بغير المقام ، فالتعدي منه الى المقام ـ مع أنه غير ظاهر ـ مناف لما دل على وجوب الصلاة الى أربع جهات مع عدم إمكان الاجتهاد كما تقدم في المسألة الحادية عشرة.

[٤] لإطلاق دليل الحكمين الشامل لليومية وغيرها من الصلوات التي منها صلاة الأموات. والمناقشة في ذلك ضعيفة ، فان الظاهر أن تطبيق الصلاة عليها كتطبيقها على غيرها أيضاً. نعم قد يستشكل في عموم الحكم‌

٢١١

بل غيرها مما يمكن فيه التكرار كصلاة الآيات [١] وصلاة الأموات ، وقضاء الأجزاء المنسية ، وسجدتي السهو ، وإن قيل في صلاة الأموات بكفاية الواحدة عند عدم الظن [٢] مخيراً بين الجهات أو التعيين بالقرعة. وأما فيما لا يمكن فيه التكرار ـ كحال الاحتضار ، والدفن ، والذبح ، والنحر ـ فمع عدم الظن يتخير [٣] ، والأحوط القرعة.

______________________________________________________

لها ، وللإجزاء المنسية ، وسجدتي السهو ، من جهة قصور الدليل عن الشمول لها ، لكن قوله (ع) : « يجزئ التحري أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة » (١) شامل للصلاة وغيرها ، فالبناء على حجية الاجتهاد في الجميع في محله. وأما رواية خراش (٢) فدعوى القصور فيها بالنسبة الى غير الصلاة ظاهرة ، إلا أن يستفاد الحكم فيه منها بإلغاء خصوصية المورد ، بأن يكون المراد بيان كيفية تحصيل العلم بالاستقبال المعتبر في أي مقام كان ، وذكر الصلاة لأنها الفرد الغالب. ولا يخلو من تأمل. ولو بني على عدم ثبوت ذلك ، فالمرجع قاعدة الاحتياط.

[١] تمثيل لسائر الصلوات.

[٢] ضعفه ظاهر لما عرفت من كونها داخلة في إطلاق الصلاة في رواية خراش.‌ اللهم إلا أن يمنع أصل الإطلاق فيها لورودها مورد حكم آخر ، وحينئذ فلا وجه لرفع اليد عن قاعدة الاحتياط.

[٣] كما هو الأصل في الأولين للدوران مع عدم المرجح لو لا أدلة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب القبلة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب القبلة حديث : ٥.

٢١٢

( مسألة ١٧ ) : إذا صلى من دون الفحص عن القبلة إلى جهة غفلة أو مسامحة يجب إعادتها إلا إذا تبين كونها القبلة [١] مع حصول قصد القربة منه.

فصل فيما يستقبل له

يجب الاستقبال في مواضع : أحدها : الصلوات اليومية [٢] ،

______________________________________________________

القرعة (١). لكن وجوب العمل بها في المقام ـ كغيره مما لم يتعرض له الأصحاب ـ مشكل ، لإعراض الأصحاب عنها في غالب الموارد ، الكاشف عن اقترانها بما يمنع عن العمل بإطلاقها. وأما في الأخيرين فالأصل المنع لكن الظاهر من دليل اعتبار الاستقبال فيهما غير الفرض ، كما يظهر من ملاحظة ذلك المقام. فلاحظ.

[١] سيأتي في أحكام الخلل الصحة في الغفلة مع تبين الانحراف الى ما دون اليمين واليسار. وأما في المسامحة فالظاهر عدم دخوله في ذلك الدليل والمرجع فيه القواعد الأولية المقتضية للبطلان إلا إذا انكشفت المطابقة للواقع.

فصل فيما يستقبل له‌

[٢] إجماعاً من المسلمين ـ كما قيل ـ بل لعله من ضروريات الدين‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٣ من أبواب كيفية الحكم ، وباب : ٣٤ من أبواب العتق وباب : ١٠ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ، وباب : ٤ من أبواب ميراث الخنثى والمستدرك باب : ١١ من أبواب كيفية الحكم.

٢١٣

أداء وقضاء [١] ، وتوابعها من صلاة الاحتياط للشكوك [٢] وقضاء الأجزاء المنسية [٣] ، بل وسجدتي السهو [٤]

______________________________________________________

ويشهد له ـ بعد الكتاب العزيز كقوله تعالى ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ .. ) (١) بضميمة ما ورد في تفسيره من النصوص الكثيرة المتجاوزة حد التواتر (٢) كما قيل ـ صحيح زرارة : « لا صلاة الا الى القبلة » (٣) وصحيح : « لا تعاد الصلاة » (٤) ، وغيرهما مما سيمر عليك بعضه.

[١] بلا شبهة للإطلاق.

[٢] للإطلاق المتقدم. ولا ينافيه احتمال كونها نفلا ـ بناء على عدم وجوب ذلك فيه ـ لأن الظاهر من قوله (ع) في بعض أخبارها : « وإن ذكرت أنك نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت » (٥) أنها لا بد أن تقع على نحو يجوز أن تكون واجبة ، فيجب فيها ما يجب في الصلاة الواجبة.

[٣] لأن الظاهر من دليل قضائها وجوب الإتيان بها بما أنها جزء صلاتي ، ومقتضى ذلك مطابقتها لما فات في جميع الخصوصيات التي يكون عليها حال امتثال أمره ، سواء أكان جزءاً له ، أم شرطاً ، أم واجباً مقارناً له ، ومن ذلك الاستقبال ، فإنه وإن لم يكن شرطاً للسجود ، بل هو شرط للصلاة ، لكنه واجب مقارن للسجود ، فيجب كما في الأداء.

[٤] لما في بعض الأخبار المتضمنة لسهو النبي (ص) قال (ع) :

__________________

(١) البقرة ـ ١٤٤ ، ١٤٩ ، ١٥٠.

(٢) راجع الوسائل باب : ١ و ٢ و ٦ و ٩ من أبواب القبلة والمستدرك باب : ٢ و ٦ من أبواب القبلة.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب القبلة حديث : ٩.

(٤) الوسائل باب : ٩ من أبواب القبلة حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٨ من أبواب خلل الصلاة حديث : ٣.

٢١٤

وكذا فيما لو صارت مستحبة بالعارض كالمعادة جماعة [١] أو احتياطاً [٢]. وكذا في سائر الصلوات الواجبة [٣] كالآيات بل وكذا في صلاة الأموات. ويشترط في صلاة النافلة في حال الاستقرار [٤].

______________________________________________________

« فاستقبل القبلة وكبر وهو جالس ثمَّ سجد سجدتين » (١). وقد تنظر المصنف (ره) في مبحث الخلل في وجوب ذلك وغيره ، ويأتي إن شاء الله تعالى الكلام فيه. فانتظر.

[١] لأن إعادة الشي‌ء فعله ثانياً كفعله أولا.

[٢] إذ لا معنى للاحتياط إلا رفع احتمال عدم الإتيان بالواقع ، ولا يكون ذلك إلا بالإتيان بالفعل واجداً لجميع ما يعتبر فيه.

[٣] لإطلاق الأدلة المتقدمة في اليومية.

[٤] كما عن غاية المراد نسبته إلى الأكثر. وفي كشف اللثام : أنه المشهور. وفي مفتاح الكرامة : « وبه صرح في جميع كتب الأصحاب إلا ما قل ».

والعمدة فيه أمران : أحدهما : ارتكاز المتشرعة ، فإنهم يقطعون ببطلان صلاة من يستدبر القبلة ويصلي جالساً أو قائماً مستقراً بنحو لا يمكن ردعهم عن ذلك. وبذلك يفترق عن سائر المرتكزات المستندة إلى السماع من أهل الفتوى التي لا مجال للاعتماد عليهم في إثباتها. وثانيهما : صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : « لا صلاة إلا إلى القبلة » (٢) الشامل للفريضة والنافلة.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب خلل الصلاة حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب القبلة حديث : ٩.

٢١٥

______________________________________________________

( ودعوى ) اختصاص ذيله بالفريضة : « قلت : أين حد القبلة؟ قال (ع) : ما بين المشرق والمغرب قبلة كله. قلت : فمن صلى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت. قال (ع) : يعيد ».

( ضعيفة ) لتوقفها على كون : « يعيد ». للوجوب المولوي كي يختص بالفريضة ، والظاهر أنه إرشادي إلى فساد الصلاة ، فلا يختص بالفريضة. مع أن تخصيص الذيل بدليل منفصل لا يقتضي تخصيص الصدر به.

ومثلها دعوى أن قيام الأدلة الآتية على عدم وجوب الاستقبال في النافلة في حالي الركوب والمشي يقتضي خروج النافلة عن عموم الصحيح المذكور بالمرة ، لأن بقاءها في غير الحالين المذكورتين تحته يقتضي حمله على العموم الأفرادي ، حتى يكون له إطلاق أحوالي مضافاً الى العموم الأفرادي ، فيكون ما دل على عدم اعتبار الاستقبال في الحالتين المذكورتين مقيداً لذلك الإطلاق فقط ، بلا تصرف في العموم ، لوجوب الاستقبال في النافلة في الجملة. ولو حمل على الجنس كان موضوعه صرف طبيعة الصلاة بلا تكثر فيه ولا عموم ، فاذا خرج الحالان المذكوران أدى ذلك الى خروجهما في الفريضة أيضاً ، وحيث أنه لا يمكن الالتزام به فلا بد أن يخص موضوع النفي بخصوص الفريضة لا مطلق الصلاة. والحمل على العموم الأفرادي خلاف الأصل في أسماء الأجناس ، لا يرتكب إلا عند قيام القرينة وهي مفقودة.

ووجه الضعف أن ثبوت خلاف حكم المطلق لفرد في بعض الأحوال يصلح أن يكون قرينة على ملاحظة المطلق بنحو الطبيعة السارية لا صرف الماهية ، فلا يكفي التقريب المذكور لرفع اليد عن حكم العام للفرد في غير‌

٢١٦

______________________________________________________

حال التقييد. فالعمل بالصحيح متعين ، ولا سيما مع اعتضاده بقاعدة إلحاق النوافل بالفرائض التي استقر بناء الأصحاب على العمل بها في أكثر المقامات. وقد أشرنا إلى وجهها غير مرة. وربما تشير اليه النصوص الواردة في جواز ترك الاستقبال في النوافل في السفر أو المشي (١) ، لسوقها مساق الاستثناء من حكم وجوب الاستقبال في الصلاة فلاحظها.

وأما حديث : « لا تعاد الصلاة .. » (٢) : فلا يصلح دليلا على الاعتبار في النافلة ، لأنه ليس وارداً في مقام تشريع الاعتبار ، ليكون له إطلاق يقتضي عموم الاعتبار للنافلة ، بل في مقام سقوطه المتفرع على ثبوته على إجماله من عموم وخصوص. ومثله خبر زرارة : « عن الفرض في الصلاة فقال (ع) : الوقت ، والطهور ، والقبلة » (٣) ، إذ الظاهر منه الفرض في قبال السنة بعد الفراغ عن موضوع الاعتبار ، فلا إطلاق له في موضوعه.

وقد يستدل على القول بعدم الوجوب بالأصل. وبما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) أنه قال : « استقبل القبلة بوجهك ، ولا تقلب بوجهك عن القبلة فتفسد صلاتك ، فان الله عز وجل يقول لنبيه في الفريضة : ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (٤) » (٥) لظهوره في اختصاص الحكم بالفريضة. وبما عن قرب الاسناد عن علي (ع) : « عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ فقال (ع) : إذا كانت الفريضة‌

__________________

(١) سيأتي ذكرها عن قريب.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب القبلة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب القبلة حديث : ١.

(٤) البقرة ـ ١٤٤ ، ١٤٩ ، ١٥٠.

(٥) الوسائل باب : ٩ من أبواب القبلة حديث : ٣.

٢١٧

______________________________________________________

والتفت الى خلفه فقد قطع صلاته ، فيعيد ما صلى ولا يعتد به ، وإن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود » (١). ونحوه ما عن جامع البزنطي عن الرضا (ع) (٢). ومصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كانت الالتفات فاحشاً » (٣). وما عن تفسير العياشي : « الصلاة في السفر في السفينة والمحمل سواء‌ .. الى أن قال : فأتوجه نحوها في كل تكبيرة. فقال (ع) : أما في النافلة فلا ، إنما تكبر على غير القبلة : الله أكبر ، ثمَّ قال (ع) : كل ذلك قبلة للمتنفل ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) (٤) » (٥).

والجميع لا يخلو من اشكال ، إذ الأصل لا مجال له مع الدليل. وأن مقتضى صحيح زرارة اختصاص الآية بالفريضة لا اختصاص الحكم بها. وما عن قرب الاسناد ـ مع ضعفه ـ إنما يدل على عدم قدح الالتفات في الأثناء ، وهو أعم من جواز الصلاة الى غير القبلة ، كما ورد في جواز الالتفات الى أحد الجانبين في الفريضة ، كما يشير اليه التقييد بالخلف فيه. ومنه يظهر الحال فيما بعده. وأما ما عن تفسير العياشي ، فمع ضعفه في نفسه ، لا إطلاق له ، لاختصاص مورده بالسفينة. والاستشهاد بالآية بعد عدم إمكان الأخذ بإطلاقها لا بد من الاقتصار فيه على مورده ، ولا يبعد أن يكون المراد من قوله تعالى ( تُوَلُّوا ) : تذهبوا ، فتختص بحال السعي سواء أكان في سفينة ، أم على دابة ، أم ماشياً ، كقوله تعالى : ( وَلَّوْا

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب قواطع الصلاة ملحق الحديث الثامن.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢.

(٤) البقرة ـ ١١٥.

(٥) الوسائل باب : ١٣ من أبواب القبلة حديث : ١٧.

٢١٨

لا في حال المشي أو الركوب [١]

______________________________________________________

إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ) (١). وليس المراد : تولوا وجوهكم. ومنه يظهر عدم صحة الاستدلال بما عن تفسير العياشي أيضاً عن حريز قال أبو جعفر عليه‌السلام : « أنزل الله تعالى هذه الآية في التطوع خاصة » (٢). مضافاً الى ظهور وروده لنفي عمومها للفريضة فلا إطلاق له أيضاً. وما قبل من استفاضة النقل في تفسير الآية الشريفة بأنها نزلت في النافلة مطلقاً غير ثابت سوى ما ذكر مما عرفت إشكاله. مع معارضته بما في الوسائل عن نهاية الشيخ (٣) ومجمع البيان (٤) ، وما في الجواهر عن تفسير القمي (٥) من أنها نزلت في النافلة في السفر. والجمع بينهما يقتضي حمل الأول على الأخير ، والله سبحانه أعلم.

[١] بلا خلاف فيه ظاهر في السفر ، بل عن المعتبر والمنتهى : الإجماع عليه في الثاني ، وعن الثاني : نفي الخلاف في الأول. ويشهد له صحيح الحلبي : « سأل أبا عبد الله (ع) عن صلاة النافلة على البعير والدابة فقال (ع) : نعم ، حيث كان متوجهاً ، وكذلك فعل رسول الله (ص) » (٦) والصحيح عن إبراهيم الكرخي عن أبي عبد الله (ع) : « أنه قال له : إني أقدر أن أتوجه نحو القبلة في المحمل فقال (ع) : هذا الضيق ، أما لكم في رسول الله أسوة؟ » (٧) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع)

__________________

(١) الأحقاف ـ ٢٩.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب القبلة حديث : ٢٣.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب القبلة حديث : ١٩.

(٤) الوسائل باب : ١٥ من أبواب القبلة حديث : ١٨.

(٥) الجواهر ج ٨ ص ٦ طبع النجف الحديث.

(٦) الوسائل باب : ١٥ من أبواب القبلة حديث : ٦.

(٧) الوسائل باب : ١٥ من أبواب القبلة حديث : ٢ وفي التهذيب ( ما هذا الضيق ).

٢١٩

______________________________________________________

قال : « لا بأس بأن يصلي الرجل صلاة الليل في السفر وهو يمشي ، ولا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار وهو يمشي ، يتوجه إلى القبلة ثمَّ يمشي ويقرأ ، فإذا أراد أن يركع حول وجهه إلى القبلة وركع وسجد ثمَّ مشى » (١) ، وصحيح يعقوب بن شعيب قال : « سألت أبا عبد الله (ع). الى أن قال : قلت : يصلي وهو يمشي؟ قال (ع) : نعم يومئ إيماء وليجعل السجود أخفض من الركوع » (٢). ونحوها غيرها مما هو متجاوز حد التواتر ، وإن كان أكثرها غير ظاهر في وروده لتشريع عدم الاستقبال في النافلة ، بل في مجرد عدم مانعية المشي والركوب فراجعها. لكن قد يستفاد ذلك من غلبة كون طرق المسير على غير القبلة ، بل الغالب انحراف ما يكون منها على القبلة عنها يميناً وشمالا ولو في الأثناء ، بل تمكن دعوى عدم وجود ما يكون منها على القبلة مستقيماً من أوله الى آخره ، فيكون عدم التعرض لذكر الاستقبال فيها دليلا على عدم اعتباره. مع أن في التصريح في بعضها كفاية.

وإطلاق جملة منها يقتضي إلحاق الحضر بالسفر كما هو المشهور. مضافاً الى تصريح بعضها ، كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه‌السلام : « في الرجل ـ أو أنه سأل أبا عبد الله عن الرجل ـ يصلي النوافل في الأمصار وهو على دابته حيث ما توجهت به؟ قال (ع) : نعم لا بأس » (٣) ، وصحيح حماد بن عثمان عن أبي الحسن الأول (ع) : « في الرجل يصلي النافلة وهو على دابته في الأمصار؟ قال (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب القبلة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب القبلة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب القبلة حديث : ١.

٢٢٠