مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

______________________________________________________

كان أمارة على التذكية أو أصل يحرزها. والثانية على ما عدا ذلك ، بشهادة النصوص الواردة في جواز الصلاة في الجلد إذا اشتري من سوق المسلمين كصحيح الحلبي : « عن الخفاف التي تباع في السوق. فقال (ع) : اشتر وصل فيها حتى تعلم أنه ميتة بعينه » (١) ، وصحيح البزنطي : « عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أذكية هي أم غير ذكية ، أيصلي فيها؟ قال (ع) : نعم ليس عليكم المسألة ، إن أبا جعفر (ع) كان يقول : إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم ، إن الدين أوسع من ذلك » (٢) ، ونحوه صحيح ابن جعفر (ع) (٣) ، ومصحح إسحاق : « لا بأس في الصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام. قلت : فان كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال (ع) : إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس » (٤) ، وصحيح البزنطي الآخر : « عن الخفاف يأتي إلى السوق فيشتري الخف لا يدري أذكي هو أم لا ، ما تقول في الصلاة فيه؟ وهو لا يدري أيصلي فيه؟ قال (ع) : نعم أنا أشتري الخف من السوق ويصنع لي وأصلي فيه وليس عليكم المسألة » (٥) ، وخبر إسماعيل بن عيسى : « عن الجلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال (ع) : عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، وإذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥٥ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٣) لم يتضح المراد به إذ لم نجد حديثاً يناسب المقام. وانما المذكور في الوسائل في باب : ٥٥ من أبواب لباس المصلي ملحق الحديث الأول حديث لسليمان بن جعفر الجعفري عن موسى بن جعفر عليه‌السلام يناسب المقام ولعله مراد المؤلف مد ظله.

(٤) الوسائل باب : ٥٥ من أبواب لباس المصلي حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ٦.

٣٠١

______________________________________________________

عنه » (١) ، وخبر الحسن بن الجهم : « أعترض السوق فأشتري خفاً لا أدري أذكي هو أم لا؟ قال (ع) : صل فيه. قلت : فالنعل؟ قال (ع) : مثل ذلك. قلت : إنى أضيق من هذا. قال (ع) : أترغب عنا ، كان أبو الحسن (ع) يفعله » (٢) .. الى غير ذلك.

والمتحصل من مجموع النصوص المذكورة : هو أن تصرف المسلم تصرفاً يتوقف شرعاً على التذكية ـ كالصلاة والبيع بناء على عدم جواز بيع الميتة ـ أو بحسب الدواعي النوعية ـ كاللبس ونحوه بناء على جواز الانتفاع بالميتة ـ يكفي في الحكم بالتذكية وترتيب آثارها وإن لم تعلم ، ويشهد للأول : قوله (ع) في رواية إسماعيل : « إذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه » ، وغيره من النصوص الدالة على الاكتفاء بمجرد الشراء من المسلمين. ويشهد للثاني : ما دل على الاكتفاء بصنع المسلم كما في صحيح البزنطي ورواية إسحاق‌. أما مجرد كونه تحت يد المسلم ، أو استعماله له في شي‌ء ما ولو لم يكن مقتضى الدواعي النوعية طهارته ـ مثل أن يتخذ ظرفاً للنجاسة أو فراشاً لموضعها كالكنيف ـ أو كونه في يد المسلم مع العلم بأنه يقصد إلقاءه في المزبلة ، أو يشك في ذلك ، فلا دليل على الحكم معه ، وليس في النصوص إطلاق يشمل ذلك. وقوله (ع) في رواية إسحاق : « وفيما صنع في .. » مورده خصوص الفراء ونحوه مما يصلى فيه. فإطلاق ما في المتن من الاكتفاء بكونه في يد المسلم أو كونه عليه أثر استعماله محل إشكال.

وأشكل منه ما في كلام بعض من الاكتفاء بمجرد الأخذ من سوق المسلمين ولو أخذ من يد الكافر ، في قبال الأخذ من يد المسلم ، إذ السوق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ٩.

٣٠٢

______________________________________________________

الموجود في النصوص إن بني على الجمود على ما تحت لفظه كان اللازم إطلاق السوق وإن كان سوقاً للكافرين ، وإن بني على انصرافه الى سوق المسلمين فالظاهر منه خصوص ما لو كان البائع مسلماً ، كما يشهد به قوله (ع) « إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك .. » ، بل الظاهر أن الداعي لذكره كونه الموضع المعتاد لوقوع المعاملة فيه ، لا لخصوصية فيه في قبال الدار ، والصحراء ، ونحوها ، فالمراد من الشراء من السوق الشراء من المسلم الذي هو أحد التصرفات الدالة على التذكية ، ولا خصوصية له ، فهو راجع الى الاستعمال المناسب للتذكية.

ثمَّ إن مقتضى رواية محمد بن الحسين الأشعري : « كتب بعض أصحابنا الى أبي جعفر الثاني (ع) ما تقول في الفرو يشترى من السوق؟ فقال (ع) : إذا كان مضموناً فلا بأس » (١) اعتبار إخبار البائع بالتذكية في الحكم بها ، لكنه يتعين حملها على الاستحباب بقرينة ما دل على عدم وجوب السؤال من النصوص المتقدمة.

ثمَّ إنه حكي عن بعض جواز الحكم بالتذكية بمجرد الشك فيها ، اعتماداً على قوله (ع) : « كل شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه » (٢) وفيه : أنه لو سلم كون ظاهر الحديث جعل الحل المقابل للحرمة ولو كان من جهة أنه مفاد أصل موضوعي يقتضيه من استصحاب أو تصرف المسلم ـ كما يساعده ذكر الأمثلة ـ لوجب الخروج عن عمومه بما دل على الحكم بالميتة حتى تعلم التذكية ، فإنه أخص منه ، ولو بني على معارضته بما دل على الحكم بالتذكية إلا أن يعلم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٤.

٣٠٣

بل وكذا المطروح في أرضهم وسوقهم [١] ، وكان عليه أثر الاستعمال ، وإن كان الأحوط اجتنابه ، كما أن الأحوط اجتناب ما في يد المسلم المستحل للميتة بالدبغ [٢]

______________________________________________________

أنه ميتة فقد عرفت أن الجمع العرفي ما ذكرنا.

[١] قد يستدل له برواية السكوني : « أن أمير المؤمنين (ع) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها ، وفيها سكين. فقال أمير المؤمنين (ع) : يقوم ما فيها ثمَّ يؤكل لأنه يفسد وليس له بقاء ، فاذا جاء طالبها غرموا له الثمن. قيل له : يا أمير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال (ع) : هم في سعة حتى يعلموا » (١). لكن لا يبعد كون الرواية في مقام بيان أصالة الطهارة ، للشك في نجاسة ما في السفرة من جهة ملاقاة المجوسي ، وليست مما نحن فيه. فالأولى الاستدلال له بمصحح إسحاق المتضمن جواز الصلاة في أرض يكون الغالب عليها المسلمين.‌ كما منه أيضاً يعلم وجه الحكم بالتذكية إذا أخذ الجلد من مجهول الحال في بلاد يكون الغالب عليها المسلمين.

[٢] فعن العلامة (ره) : التوقف في طهارة ما في يد مستحل الميتة بالدبغ ، بل عنه وعن المحقق الثاني : الجزم بالنجاسة. وربما يستفاد من خبر أبي بصير ، قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الصلاة في الفراء. فقال (ع) : كان علي بن الحسين (ع) رجلا صرداً لا تدفئه فراء الحجاز لأن دباغها بالقرظ ، فكان يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه فاذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه ، فكان يسأل عن ذلك فقال (ع) : إن أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ويزعمون أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ١١.

٣٠٤

ويستثنى من الميتة صوفها وشعرها ووبرها وغير ذلك مما مر في بحث النجاسات [١].

( مسألة ١٠ ) : اللحم أو الشحم أو الجلد المأخوذ من يد الكافر [٢] ،

______________________________________________________

دباغه ذكاته » (١).

وفيه ـ مع أنه غير صريح في اللزوم ، وأن الشراء إنما يصح مع الحكم بالتذكية ولو ظاهراً ، وكذا اللبس بناء على عدم جواز الانتفاع بالميتة ـ أنه لا يقوى على تقييد تلك النصوص بالحمل على غير المستحل ، ولا سيما مع ندرة العلم بمذهبه ، وكيف يصح حمل : « ما صنع في أرض الإسلام » (٢) على أرض يكون أهلها لا يستحلون الميتة بالدبغ؟ وكذا خبر ابن الجهم (٣) ، فان الظاهر أن الضيق الذي حكاه السائل بقوله : « قلت : إني أضيق من هذا » إنما هو من مثل هذه الجهة. فلاحظ. مع أن الخبر ضعيف لا يصلح للاعتماد عليه.

[١] مر هناك الكلام فيه.

[٢] لا ينبغي التأمل في وجوب الحكم بعدم تذكية ما في يد الكافر ، لعدم الدليل على الحكم بها ، إذ لو سلم شمول أخبار السوق للكافر فما في رواية إسماعيل بن عيسى من قوله (ع) : « عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك » (٤) وقريب منه خبر إسحاق المتقدم (٥)

__________________

(١) الوسائل باب : ٦١ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٢) راجع مصحح إسحاق المتقدم في البحث عن المأخوذ من يد المسلم.

(٣) تقدم ذكره في البحث عن المأخوذ من يد المسلم.

(٤) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب النجاسات حديث : ٧.

(٥) تقدم ذكره في البحث عن المأخوذ من يد المسلم.

٣٠٥

أو المطروح في بلاد الكفار ، أو المأخوذ من يد مجهول الحال في غير سوق المسلمين [١] ، أو المطروح في أرض المسلمين إذا لم يكن عليه أثر الاستعمال [٢] محكوم بعدم التذكية ، ولا يجوز الصلاة فيه ، بل وكذا المأخوذ من يد المسلم إذا علم أنه أخذه من يد الكافر مع عدم مبالاته بكونه من ميتة أو مذكى [٣]

______________________________________________________

ـ مقيد له. بل استظهر في الجواهر منهما كون يد الكافر أمارة على عدم التذكية ، وجعل الحكم بطهارة ما في يد المسلم المسبوقة بيد الكافرين من باب تقديم إحدى الأمارتين على الأخرى ، لأقوائيتها أو أقوائية دليلها. وإن كان ما ذكره في غاية الإشكال ، إذ مجرد الحكم بعدم تذكية ما في يده لا يدل على كونه لطريقية يده ، بل يجوز أن يكون لأصالة عدم التذكية بل ظاهر الأمر بالسؤال هو عدم كونها أمارة على شي‌ء ، لأن السؤال يناسب الجهل. وعدم الامارة. فلاحظ. ومما ذكرنا يظهر أن ما يشترى من الكافر مع العلم بسبق تصرف المسلم فيه محكوم بالتذكية ، وكذا المطروح في بلاد الكفار ، والمأخوذ من يد مجهول الحال إذا لم تكن غلبة تلحقه بالمسلمين فإنه مع العلم بسبق تصرف المسلم فيه أيضاً محكوم بالتذكية.

[١] أما لو كان المجهول في سوق المسلمين حكم عليه بالإسلام ظاهراً فيحكم بتذكية الجلد المأخوذ منه ، ومستنده رواية إسحاق.‌ لكن المستفاد منها كون المعيار أرض المسلمين ولو كان السوق الخاص لغيرهم ، فمجهول الإسلام إذا وجد في سوق اليهود في بغداد مثلا التي يغلب عليها الإسلام فهو محكوم بالإسلام ولو كان الغالب في السوق غيره. فتأمل.

[٢] لما عرفت من اختصاص دليل الحكم بالتذكية بما كان عليه أثر استعمالهم ، فيرجع في غيره إلى أصالة عدم التذكية.

[٣] كأنه لانصراف النصوص المتقدمة عن الفرض ، أو لأن عمومها‌

٣٠٦

( مسألة ١١ ) : استصحاب جزء من أجزاء الميتة في الصلاة موجب لبطلانها [١] وإن لم يكن ملبوساً.

______________________________________________________

له بترك الاستفصال ، ومن الجائز أن تكون أسواق المسلمين في عصر صدور هذه النصوص تباع فيها الجلود غير المأخوذة من أيدي الكافرين ، وحينئذ لا يحسن الاستفصال ، لظهور الحال ، فلا مجال للعموم.

وفيه : أن الانصراف ممنوع. واحتمال ظهور ذلك بنحو يكون قرينة بحيث لا يحسن الاستفصال غير كاف في رفع اليد عن العموم الناشئ من تركه ، نظير احتمال وجود القرينة الصارفة عن الحقيقة ، فإنه لا يوجب رفع اليد عن أصالة الحقيقة. مع أن هذا الاحتمال ساقط ، بل غير حاصل لكثرة وجود الكفار في بلاد الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم ، ولا سيما مع البناء على كفر الخوارج والنواصب والغلاة ، وتداول ذبحهم للحيوانات ، وأكلهم لها ، وبيع جلودها. فاحتمال عدم اتفاق العلم بسبق يد الكافر على يد المسلم ساقط جداً. مضافاً الى أن عموم بعض النصوص ليس بترك الاستفصال ، بل بالإطلاق مثل : « ما صنع في أرض الإسلام » ولا سيما مع فرض السائل وجود الكفار فيها ، ولا ريب في أن ما صنع في أرض الإسلام يشمل ما لو أخذ من الكافر وغيره. وكذا مبالاة المسلم المأخوذ منه وعدمها ، ولا يكاد يظهر الفرق بين غير المبالي وبين المستحل للميتة بالدبغ في الدخول تحت إطلاق الأدلة. ( وبالجملة ) : البناء على التذكية فيما هو محل تصرف المسلم نظير البناء على صحة عمل المسلم ، لا يفرق فيه بين حصول الظن بالصحة ، وحصول الظن بالفساد ، وبين عدم حصول الظن بشي‌ء ، فالبناء على عموم الحكم لازم. وقد تقدم في مبحث نجاسة الميتة التعرض لجملة من هذه الأحكام. فراجع.

[١] تقدم الكلام في المحمول النجس في أحكام النجاسات ، كما تقدم‌

٣٠٧

( مسألة ١٢ ) : إذا صلى في الميتة جهلا لم يجب الإعادة نعم مع الالتفات والشك لا تجوز ولا تجزئ. وأما إذا صلى فيها نسياناً فان كانت ميتة ذي النفس أعاد في للوقت وخارجه وإن كان من ميتة ما لا نفس له فلا تجب الإعادة.

( مسألة ١٣ ) : المشكوك في كونه من جلد الحيوان أو من غيره لا مانع من الصلاة فيه [١].

( الرابع ) : أن لا يكون من أجزاء ما لا يؤكل لحمه [٢]

______________________________________________________

الكلام أيضاً في المسألة الآتية. فراجع.

[١] لأصالة البراءة عن اشتراط تذكيته ، أو عن مانعيته.

[٢] بلا خلاف فيه ولا إشكال ، وقد استفاض فيه نقل الإجماع. ويدل عليه موثق عبد الله بن بكير : « سأل زرارة أبا عبد الله (ع) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر ، فأخرج كتاباً زعم أنه إملاء رسول الله (ص) : إن الصلاة في وبر كل شي‌ء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شي‌ء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله تعالى أكله. ثمَّ قال : يا زرارة هذا عن رسول الله (ص) فاحفظ ذلك يا زرارة ، فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شي‌ء منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح ، وإن كان غير ذلك مما نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شي‌ء منه فاسد ذكاه الذبح أو لم يذكه » (١) وقريب منه غيره.

وفي المدارك قال : « والروايات لا تخلو من ضعف في سند أو قصور‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

٣٠٨

وإن كان مذكى أو حياً ، جلداً كان أو غيره [١] ، فلا يجوز الصلاة في جلد غير المأكول ، ولا شعره وصوفه وريشه ووبره ولا في شي‌ء من فضلاته ، سواء كان ملبوساً أو مخلوطاً به أو محمولاً ، حتى شعرة واقعة على لباسه [٢] ، بل حتى عرقه‌

______________________________________________________

في دلالة ، والمسألة محل إشكال ». وفيه : أن بالموثق حجة في نفسه ، ولا سيما مثل الموثق المذكور المشتمل سنده على عظيمين من أصحاب الإجماع ومن أعيان أصحاب الحديث ، ولا سيما مع اعتضاده بغيره مما ورد في مطلق غير المأكول (١) ، أو في قسم منه كالسباع (٢) ، ودعوى الإجماع عن جماعة على الحكم المذكور على ما ذكره ، فلا ينبغي التأمل في المسألة.

[١] إجماعاً في الجملة كما عن غير واحد. ويشهد له الموثق السابق.

[٢] كما نسب إلى الأكثر ، والمشهور. وظاهر الفقهاء ، وإطلاق كلامهم. ويقتضيه الموثق المتقدم. ودعوى أن صدق الصلاة فيه يتوقف على تحقق اشتماله على المصلي ولو على بعضه ـ مثل الخاتم والقلادة ـ فلا صدق مع عدم الاشتمال ، وإن كانت صحيحة في نفسها ـ كما أشرنا الى ذلك في أحكام النجاسة من كتاب الطهارة ـ لكنها مندفعة في المقام بذكر البول والروث اللذين لا يتصور فيهما الاشتمال. فيراد من الصلاة فيه الملابسة التي تشمل الظرفية والمعية ، والتفكيك بين البول والروث وبين الصوف والشعر خلاف الظاهر. مضافاً إلى خبر إبراهيم بن محمد الهمداني كتبت اليه : « يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة. فكتب (ع) : لا تجوز الصلاة فيه » (٣) ، وليس‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي.

(٢) راجع الوسائل باب : ٦ من أبواب لباس المصلي.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

٣٠٩

______________________________________________________

في سنده من يتوقف منه عدا عمر بن علي بن عمر ، وفي رواية محمد بن أحمد بن يحيى عنه مع عدم استثناء القميين روايته من كتاب نوادر الحكمة نوع شهادة على وثاقته.

نعم يعارض ذلك صحيح محمد بن عبد الجبار : « كتبت الى أبي محمد (ع) أسأله هل يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب (ع) : لا تحل الصلاة في الحرير المحض ، وإن كان الوبر ذكياً حلت الصلاة فيه إن شاء الله » (١). لكن في تقييد الوبر بالذكي إشكالا ، فإنه إن أريد منه ذكي الجلد فلا إشكال في عدم اعتبار ذكاة الجلد في حل الوبر ، وإن أريد منه الطاهر فلا إشكال في جواز الصلاة في النجس الذي لا تتم فيه الصلاة ، وإن أريد ما كان من محلل الأكل ـ كما يحتمله ما في رواية علي بن أبي حمزة قلت : « أوليس الذكي مما ذكي بالحديد؟ فقال (ع) : بلى إذا كان مما يؤكل لحمه » ـ (٢) فهو يتوقف على كون الأرانب قسمين محلل الأكل ومحرمه ، وليس كذلك ، وحمل التقييد على كونه تقييدا لمطلق الوبر ، لا لمورد السؤال خلاف الظاهر. وحيث يدور الأمر بين هذه الاحتمالات التي لا يخلو كل واحد منها من إشكال ، فلا يبعد الحمل على الأخير جمعاً بين الصحيح وموثق ابن بكير المتقدم‌. ( وبالجملة ) : رفع اليد عن الموثق بمثل هذا الصحيح لا يخلو من إشكال. فلا يبعد إذاً وجوب العمل عليه.

نعم يقع الإشكال في دلالة الموثق على المنع عن مثل الشعرات والمحمول فان الظاهر ـ كما عرفت في مبحث النجاسات ـ من قوله : « لا تصل في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

٣١٠

وريقه وإن كان طاهراً ما دام رطباً ، بل ويابساً إذا كان له عين. ولا فرق في الحيوان بين كونه ذا نفس أو لا [١] ، كالسمك الحرام أكله.

______________________________________________________

كذا » المنع عن خصوص ما لو كان مدخول ( في ) ظرفاً للمصلي ، ولو لاشتماله على بعضه كالقلنسوة والخاتم والجورب ، وتعميمه لغيره ـ مثل الشعرات الواقعة على الثوب فضلا عن مثل قبضة السكين وقاب الساعة وأمثالهما من المحمولات المحضة ـ يحتاج إلى قرينة ، وذكر البول والروث لا يصلح قرينة على إرادة معنى المصاحبة من ( في ) ، لإمكان فرض الاشتمال فيهما على المصلي ولو بلحاظ بعضه ، أو بلحاظ محلهما من الثوب المشتمل عليه إذا كان ملوثاً بهما ، فان المشتمل على المشتمل مشتمل ، ولا ملجئ إلى حمل ( في ) على معنى المصاحبة. مع أن الحمل على ذلك يستلزم المنع عن الصلاة في محل أجزاء ما لا يؤكل لحمه ـ مثل المخازن والسفن الحاملة له ـ وفي المكان المفروش بها ، لصدق المصاحبة قطعاً بذلك ونحوه. اللهم إلا أن يراد مصاحبة خاصة ، نظير ما في بعض روايات ما لا تتم به الصلاة من قوله (ع) : « كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز فيه الصلاة .. » (١). لكن يبقى الاشكال من جهة عدم الملزم به ، فالبناء على المنع في مطلق المحمول لا يخلو من إشكال ، والأصل يقتضي البراءة.

[١] كما هو ظاهر الفتوى. واستدل له بإطلاق النصوص. وفيه : أن الإطلاق الذي يصح الاعتماد عليه غير متحصل ، إذ العمدة في النصوص الموثق ، وما في ذيله من قوله (ع) : « ذكاه الذبح أو لم يذكه » يصلح قرينة على اختصاصه بما له نفس ، لاختصاصه بتذكية الذبح. واحتمال كون‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

٣١١

( مسألة ١٤ ) : لا بأس بالشمع ، والعسل ، والحرير الممتزج ، ودم البق والقمل والبرغوث ، ونحوها من فضلات أمثال هذه الحيوانات مما لا لحم لها [١].

______________________________________________________

المراد التعميم لغير ذي النفس ـ يعني : سواء كانت تذكيته بالذبح أم بغيره ـ مندفع بأن الظاهر من مقابلة هذه الفقرة بما قبلها من قوله (ع) : « إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح ». أن يكون المراد : ذبح أم لم يذبح ، فظهور اختصاص هذه الفقرة بما يكون ذكاته بالذبح لا ينبغي أن ينكر ، فلا يصلح ما قبلها لإثبات عموم الحكم. ومثله رواية علي بن أبي حمزة وأما رواية إبراهيم الواردة في الشعر فلا إطلاق فيها ، لورودها في حكم الشعر مفروغاً عن حكم ذي الشعر. وبقية النصوص لا يخلو من ضعف في سند أو قصور في دلالة. فالبناء على التعميم في غاية الإشكال.

[١] فإن الموثق الذي هو عمدة النصوص لا إطلاق له يشمله لقوله عليه‌السلام فيه : « فان كان مما يؤكل لحمه » فإنه يصلح قرينة على اختصاص قوله (ع) : « حرام أكله » وقوله (ع) : « مما قد نهيت عن أكله » بما كان له لحم. هذا مضافاً الى ما عرفت من عدم الإطلاق فيه بنحو يشمل ما لا نفس له فضلا عما لا لحم له. وبقية النصوص مختص بذي اللحم لا غير. مضافاً الى الإجماع المحقق في الحرير الممتزج ودم البق والبراغيث والقمل ، والى صحيح الحلبي : « عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟ قال (ع) : لا وإن كثر » (١) ، وصحيح ابن مهزيار : « عن الصلاة في القرمز وأن أصحابنا يتوقفون فيه. فكتب عليه‌السلام : لا بأس به » (٢) ، وعن نوادر الراوندي : « عن الصلاة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب النجاسات حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

٣١٢

وكذا الصدف ، لعدم معلومية كونه جزءاً من الحيوان [١] ، وعلى تقديره لم يعلم كونه ذا لحم [٢]. وأما اللؤلؤ فلا إشكال فيه [٣] أصلا ، لعدم كونه جزءاً من الحيوان.

( مسألة ١٥ ) : لا بأس بفضلات الإنسان [٤] ولو لغيره ، كعرقه ، ووسخه ، وشعره ، وريقه ، ولبنه ، فعلى هذا لا مانع في الشعر الموصول بالشعر ، سواء كان من الرجل أو المرأة. نعم لو اتخذ لباساً من شعر الإنسان فيه إشكال ، سواء كان ساتراً أو غيره ، بل المنع قوي ، خصوصاً الساتر.

______________________________________________________

في الثوب الذي فيه أبوال الخنافس ودماء البراغيث. فقال (ع) : لا بأس » (١).

[١] وما في صحيح علي بن جعفر (ع) عن أخيه أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال : « وسألته عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر والفرات أيؤكل؟ قال (ع) : ذلك لحم الضفادع لا يحل أكله » (٢) لا يدل على أنه جزء من الحيوان ، بل الظاهر أنه خارج عنه ظرف لتولده فيه ، ومجرد انعقاد الحيوان فيه لا يستلزم جزئيته له كما هو ظاهر.

[٢] بل ظاهر الصحيح السابق أنه ذو لحم.

[٣] بل عن بعض الاشكال فيه لكونه جزءاً من الصدف ، لكن عرفت حال الصدف. وأما اللؤلؤ فهو مخلوق في الصدف لا جزؤه. ولو سلم فصدف اللؤلؤ غير صدف الحيوان. مع أن الظاهر تحقق السيرة على لبسه ، فالإشكال فيه في غاية الوهن.

[٤] هو ظاهر بناء على ما عرفت من قصور الموثق ورواية ابن أبي حمزة‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١٨ من أبواب النجاسات حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ١.

٣١٣

______________________________________________________

المتقدمة‌ عن شمول ما لم يذك بالذبح ، إذ غيرها قد عرفت عدم صلاحيته لإثبات المنع في غير الإنسان مما لا يؤكل لحمه فصلا عن الإنسان. أما بناء على عموم الموثق لكل ما لا يؤكل لحمه وإن لم يذك بالذبح فقد يشكل خروج الإنسان إلا بدعوى الانصراف عنه. وبالسيرة على مص ريق الزوجة ، ومباشرة النساء لفضلات الأطفال بالرضاع وغيره ، والصلاة في ثياب بعضهم بعضاً وإن كان فيها من العرق وغيره. وبالصحيح : « هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان وأظفاره من قبل أن ينفضه من ثوبه : فوقع (ع) : يجوز » (١) ، وبالخبر : « عن البزاق يصيب الثوب. قال (ع) : لا بأس به » (٢) ، وبموثق الساباطي : « لا بأس أن تحمل المرأة صبيها وهي تصلي أو ترضعه وهي تتشهد » (٣) ، وبالخبر : « عن الرجل يسقط سنه فيأخذ سن إنسان ميت فيجعله مكانه. قال (ع) : لا بأس » (٤) وبالآخر : « عن القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهن يصلنه بشعورهن. فقال (ع) : لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها » (٥) ، وبالآخر : « وكره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر غيرها » (٦) ، وبالآخر : « إذا كان صوفاً فلا بأس وإن كان شعراً فلا خير فيه من الواصلة والموصولة » (٧) لكن بعض هذا لا يخلو عن إشكال ، إما لأنه ممنوع من أصله ، أو غير متعرض للمقام أصلا ، أو متعرض لما لا يصدق معه الصلاة فيه. ويكفي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب النجاسات حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٣١ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ١٠١ من أبواب مقدمة النكاح حديث : ٢.

(٦) الوسائل باب : ١٠١ من أبواب مقدمة النكاح حديث : ١.

(٧) الوسائل باب : ١٩ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٥.

٣١٤

( مسألة ١٦ ) : لا فرق في المنع بين أن يكون ملبوساً أو جزءاً منه ، أو واقعاً عليه ، أو كان في جيبه ، بل ولو في حقة هي في جيبه [١].

( مسألة ١٧ ) : يستثنى مما لا يؤكل الخز الخالص [٢] ،

______________________________________________________

في خروج الإنسان ما ذكرناه أولا. ولأجله لا بأس بالقول بجواز الصلاة في لباس متخذ من شعر الإنسان ساتراً كان أم غيره.

نعم بناء على كون المرجع قاعدة الاشتغال عند الشك في جنس الساتر الواجب للإجماع على وجوبه ، ولا إطلاق يرجع اليه عند الشك ، فيكون الشك فيه من قبيل الدوران بين التعيين والتخيير ، يكون مقتضى الأصل المنع في الساتر منه لا غير. والله سبحانه أعلم.

[١] قد تقدم الكلام في هذه المسألة في حكم الشعرات الملقاة. فراجع.

[٢] إجماعاً في الوبر ـ كما هو المراد من المتن ـ حكي عن المعتبر ، ونهاية الأحكام ، والتذكرة ، والذكرى ، وجامع المقاصد ، وحاشية الإرشاد ، والروض ، والمسالك ، وغيرها. وعن التنقيح : نفي الخلاف فيه. ويشهد له النصوص الكثيرة الظاهرة أو الصريحة فيه ، كصحيح البزنطي عن الرضا (ع) : « إن علي بن الحسين (ع) كان يلبس الجبة الخز بخمسمائة درهم والمطرف الخز بخمسين ديناراً » (١) ، ومصحح زرارة : « خرج أبو جعفر (ع) يصلي على بعض أطفالهم وعليه جبة خز صفراء ومطرف خز أصفر » (٢) ، وصحيح العيص عن يوسف بن إبراهيم : « دخلت على أبي عبد الله (ع) وعلي عباءة خز وبطانته خز وطيلسان خز‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب لباس المصلي حديث : ٣.

٣١٥

______________________________________________________

مرتفع فقلت : إن علي ثوباً أكره لبسه. فقال (ع) : وما هو؟ قلت : طيلساني هذا. فقال (ع) : وما بال الطيلسان؟ قلت : هو خز. قال : وما بال الخز؟ قلت : سداه إبريسم قال : وما بال الإبريسم؟ قال : لا تكره أن يكون سدا الثوب إبريسم » (١) .. الى غير ذلك.

وأما الجلد : فالأكثر ـ كما عن جماعة ـ استثناؤه أيضاً. وفي البحار : نسبته الى المشهور بين المتأخرين ، وعن كشف الالتباس : أنه المشهور ، بل لم ينقل التصريح بالمنع عنه إلا من الحلي والمنتهى والتحرير. نعم استفيد المنع من اقتصار جماعة في الاستثناء على الخز الخالص الظاهر في خصوص الوبر. وكيف كان فيدل على الجواز فيه خبر ابن أبي يعفور قال : « كنت عند أبي عبد الله (ع) إذ دخل عليه رجل من الخزازين فقال له : جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال (ع) : لا بأس بالصلاة فيه. فقال له الرجل : جعلت فداك إنه ميت وهو علاجي وأنا أعرفه. فقال له أبو عبد الله (ع) : أنا أعرف به منك. فقال له الرجل : إنه علاجي وليس أحد أعرف به مني. فتبسم أبو عبد الله (ع) ثمَّ قال له : أتقول إنه دابة تخرج من الماء أو تصاد من الماء فتخرج فاذا فقد الماء مات؟ فقال الرجل : صدقت ـ جعلت فداك ـ هكذا هو. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : فإنك تقول : إنه دابة تمشي على أربع وليس هو على حد الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء. فقال له الرجل : إي والله هكذا أقول. فقال له أبو عبد الله (ع) : فان الله تعالى أحله وجعل ذكاته موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها » (٢) ، فان تعليل الحل بتحقق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

٣١٦

______________________________________________________

التذكية فيه كالصريح في أن موضوع السؤال هو الجلد ، فإنه الذي يعتبر في جواز الصلاة فيه التذكية دون الوبر.

وفي الجواهر : الاستدلال عليه بموثق معمر بن خلاد : « سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن الصلاة في الخز. فقال : صلّ فيه » (١). فان ترك الاستفصال قرينة على عموم الحكم للجلد والوبر. ويشكل بأن ذلك إنما يتم لو كان المراد من الخز فيه الحيوان ، وهو غير ظاهر ، بل من المحتمل إرادة المنسوج من وبره ، فإنه من معانيه أيضاً كما يظهر من مكاتبة جعفر بن عيسى الى الرضا (ع) : « أسأله عن الدواب التي يعمل الخز من وبرها .. » (٢). ونحوه خبر يوسف بن إبراهيم (٣). ومنه يظهر الإشكال في استدلاله بخبر يحيى بن عمران : « كتبت الى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام في السنجاب والفنك والخز. قلت : جعلت فداك أحب أن لا تجيبني بالتقية في ذلك ، فكتب إلي بخطه : صلّ فيها » (٤). اللهم إلا أن تكون قرينة السياق تقتضي كون المراد منه الحيوان.

وأما الاستدلال بصحيح سعد بن سعد : « سألت الرضا (ع) عن جلود الخز. فقال (ع) : هو ذا نحن نلبس. فقلت : ذاك الوبر ـ جعلت فداك ـ فقال (ع) : إذا حل وبره حل جلده » (٥) ، بناء على أن المراد : نحن نلبس الجلود ، و « هو ذا » كلمة واحدة مفادها الاستمرار والاتصال وأن استمرار لبسهم للجلود كالصريح في شموله لحال الصلاة. ففيه أولا :

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب لباس المصلي حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

(٣) تقدم في صدر هذه التعليقة.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ١٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ١٤.

٣١٧

______________________________________________________

أن قول السائل : « ذاك الوبر » وقوله (ع) : « إذا حل وبره .. » صريح في أنهم (ع) كانوا يلبسون الوبر ، لا أنهم يلبسون الجلود. وثانياً : أن كون « هو ذا » كلمة واحدة معناها الاستمرار إن صح في نفسه فهو غير ظاهر. وثالثاً : أن استمرار اللبس عرفاً لا ينافيه النزع حال الصلاة. والاستدلال بقوله (ع) : « إذا حل وبره .. » بناء على إطلاقه الشامل للحل التكليفي والوضعي يتوقف على ثبوت هذا الإطلاق ، ولكنه محل تأمل أو منع ، فإن السؤال عن الجلود وإن كان مجملا من حيث الجهة المسؤول عنها ، لكن قوله (ع) : « نحن نلبس » شاهد بأن المراد السؤال عن حيثية اللبس ، وعن حكمه التكليفي النفسي لا غير. وتحليل اللبس من حيث هو مطلقاً حتى حال الصلاة لا يستلزم عدم المانعية. فتأمل.

ومن ذلك يظهر لك ما في دعوى كون التعارض بين الصحيح وما دل على المنع عما لا يؤكل لحمه بالعموم من وجه والترجيح للأول ، إذ لا أصل لهذه المعارضة ، ولو سلمت فلا وجه لترجيح الصحيح ، بل إخراج حال الصلاة منه أولى من إخراج الخز من المعارض ، لظهوره في أن عنوان ما لا يؤكل لحمه من العناوين الاقتضائية للمنع التي يبعد عرفاً التفكيك بين أفرادها ، فيكون دليله أظهر في شمول مورد المعارضة ، كما مر في نظائره. مع أنه لا ملجئ الى التشبث بالترجيح بذلك أو بالشهرة لإثبات الجواز ، إذ يكفي فيه أصل البراءة بعد سقوط الدليلين عن الحجية في مورد المعارضة. والشهرة في الفتوى ليست من مرجحات الدلالة ، واستبعاد أن يكون السؤال عن اللبس من حيث هو لظهور عدم المنع من لبس ما لا يؤكل لحمه ، وإنما الشك في المنع عنه من حيث الصلاة ، لا يكفي في الترجيح ، لخروجه‌

٣١٨

______________________________________________________

عن مدلول الكلام. ومن ذلك يظهر ضعف الاستدلال على المقام بصحيح ابن الحجاج : « سأل رجل أبا عبد الله (ع) عن جلود الخز. فقال (ع) : ليس بها بأس. فقال الرجل : إنها علاجي وإنما هي كلاب تخرج من الماء. فقال أبو عبد الله (ع) : إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال الرجل : لا. فقال : ليس بها بأس » (١) ، بدعوى كون السؤال عن حيثية الصلاة. نعم لا يبعد كون ترك الاستفصال عن الجهة المسؤول عنها يقتضي نفي البأس عن الجهتين معاً. واحتمال وجود قرينة تعين جهة اللبس لا الصلاة مدفوع بالأصل ، كما أشرنا إليه آنفاً ، فاذاً لا يبعد إلحاق الجلد بالوبر كما هو المشهور ، ولا سيما بضميمة خبر ابن أبي يعفور الذي لا تبعد دعوى انجبار ضعفه بالشهرة.

وأما الاستدلال على المنع بالتوقيع المروي عن الاحتجاج : « كتبت إليه (ع) : روي لنا عن صاحب العسكر (ع) أنه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغش بوبر الأرانب فوقع (ع) : يجوز ، وروي عنه أيضاً أنه لا يجوز ، فبأي الخبرين نعمل؟ فأجاب (ع) : إنما حرم في هذه الأوبار والجلود ، وأما الأوبار وحدها فكل حلال » (٢). ففيه : أن مقتضى تنزيل الجواب على السؤال كون الموضوع خصوص المغشوش بوبر الأرانب وهو غير محل الكلام.

ثمَّ إن مقتضى أصالة عدم النقل هو كون ما يسمى خزاً في عرفنا اليوم هو موضوع الأحكام المذكورة. قال المجلسي (ره) في البحار : « فاعلم أن في جواز الصلاة في الجلد المشهور في هذا الزمان بالخز وشعره‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ١٥.

٣١٩

غير المغشوش بوبر الأرانب والثعالب [١]

______________________________________________________

ووبره إشكالا ، للشك في أنه هل هو الخز المحكوم عليه بالجواز في عصر الأئمة (ع) أم لا؟ بل الظاهر أنه غيره ، لأنه يظهر من الأخبار : أنه مثل السمك يموت بخروجه من الماء وذكاته إخراجه منه ، والمعروف بين التجار : أن المسمى بالخز الآن دابة تعيش في البر ولا تموت بالخروج من الماء. إلا أن يقال : إنهما صنفان بري وبحري ، وكلاهما تجوز الصلاة فيه. وهو بعيد. ويشكل التمسك بعدم النقل واتصال العرف من زماننا إلى زمانهم (ع) ، إذ اتصال العرف غير معلوم ، إذ وقع الخلاف في في حقيقته في أعصار علمائنا السالفين أيضاً ( رض ) ، وكون أصل عدم النقل في مثل ذلك حجة غير معلوم ». وفي الجواهر : « يمكن حمل الأخبار على إرادة أنه لا يعيش خارج الماء زماناً طويلا كما يشهد به ما في خبر حمران من أنه سبع يرعى في البر ويأوي في الماء » (١).

ثمَّ إن الظاهر أن الحيوان المذكور كما يسمى بالخز يسمى بكلب الماء ، كما يشير إليه صحيح ابن الحجاج المتقدم (٢) ، وخبر ابن أبي يعفور : « سألت أبا عبد الله (ع) عن أكل لحم الخز. قال (ع) : كلب الماء إن كان له ناب فلا تقربه وإلا فاقربه » (٣). والله سبحانه أعلم.

[١] فلا تجوز الصلاة بالمغشوش بأحد الوبرين على المشهور ، بل في مفتاح الكرامة : نقل الإجماع على اشتراط الخلوص من هذين عن التذكرة ونهاية الأحكام وكشف الالتباس وجامع المقاصد وغيرها ، وفي المعتبر قال :

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٢.

(٢) تقدم ذكره في وسط هذه التعليقة.

(٣) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٣.

٣٢٠