مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

______________________________________________________

« تنفلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فإنهما تورثان دار الكرامة قيل : يا رسول الله وما معنى الخفيفتين؟ قال (ص) : الحمد وحده. قيل : وما ساعة الغفلة؟ قال (ص) : بين المغرب والعشاء » (١). ورواه مسنداً في العلل ، وثواب الأعمال ، ومعاني الأخبار. ورواه الشيخ وغيره بتفاوت يسير. وفي الذكرى قال : « تستحب ركعتان ساعة الغفلة وقد رواه الشيخ » (٢) ، ثمَّ نقل الرواية المذكورة ثمَّ قال : « ويستحب أيضاً بين المغرب والعشاء ركعتان » ، وروى رواية هشام السابقة‌ ، وظاهره أن هذه هي صلاة الغفيلة ، وما سبق صلاة أخرى غيرها. وكأنه لاختلافهما ذاتاً بالاشتمال على الآيتين وعدمه ، وأثراً بكون الأولى لقضاء الحاجة والثانية لزيادة الثواب. لكن من المحتمل أن يكون الاختلاف بينهما من قبيل الاختلاف بين المطلق والمقيد ، لعدم اعتبار الخفة في هذه كما تشهد به ( لو ) الوصلية ، ومن الجائز أن يكون للمقيد خصوصية موجبة لقضاء الحاجة زائداً على الأثر الأخروي ، وحينئذ فمقتضى إطلاق دليل هذه أنها عين الأولى منطبقة عليها قهراً انطباق المطلق على المقيد. ويشهد بذلك أنه زاد في محكي فلاح السائل على رواية هشام المتقدمة قوله : « فإن النبي (ص) قال : لا تتركوا ركعتي الغفيلة وهما ما بين العشائين ». بناء على أنه من تتمة الحديث لا من كلام ابن طاوس.

ثمَّ إن الظاهر من قولهم (ع) : « ما بين العشائين » ما بين الفرضين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث : ١ ، وليس في الفقيه ولا الوسائل قوله : ( قيل يا رسول الله .. ) وإنما المذكور فيهما : ( وساعة الغفلة بين المغرب والعشاء الآخرة ) ونقل المؤلف ـ دام ظله ـ في نسخته من الوسائل ان هذه الجملة ذكرها المؤلف في العلل منه لا جزء من الحديث. وقد نقل صاحب الحدائق قوله ( قيل يا رسول الله .. الى قوله : وحده ) عن فلاح السائل ، ونقل قوله ( وما ساعة الغفلة .. ) عن التهذيب.

(٢) راجع الذكرى ـ التنبيه ـ السادس عشر من فصل أعداد الصلاة.

٢١

صلاة الوصية [١] ، وهي أيضاً ركعتان يقرأ في أولاهما ـ بعد الحمد ـ ثلاث عشرة مرة سورة : ( إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ ). وفي الثانية ـ بعد الحمد ـ سورة التوحيد خمس عشرة مرة.

( مسألة ٣ ) الظاهر أن الصلاة الوسطى التي تتأكد المحافظة عليها هي الظهر [١] ، فلو نذر أن يأتي بالصلاة الوسطى في المسجد ، أو في أول وقتها ـ مثلاً ـ أتى بالظهر.

______________________________________________________

فإنه المتعارف في إطلاق اللفظ المذكور في النصوص والفتاوى ، لا ما بين الوقتين ، كما يشير إليه أيضاً ما في بعض أخبار الباب من قوله (ع) : « ما بين المغرب والعشاء الآخرة ». لكن في جواز الإتيان بها ولو مع تأخير العشاء عن وقتها الفضيلي تأملاً ، لإمكان دعوى انصراف النصوص إلى المتعارف في ذلك الزمان من إيقاع المغرب عند غروب الشمس والعشاء وقت الشفق ، ولا سيما بملاحظة أن في بعض النصوص توقيتها بما بين المغرب والعشاء ، ومن المحتمل قريباً إرادة ما بين الوقتين ، فالأحوط عند تأخير العشاء عن وقتها المذكور الإتيان بالغفيلة برجاء المطلوبية.

[١] روى ذلك الشيخ في المصباح مرسلاً عن الصادق (ع) كما في المتن ، وزاد : « فان من فعل ذلك في كل شهر كان من الموقنين ، فان فعل ذلك في كل سنة كان من المحسنين ، فان فعل ذلك في كل جمعة كان من المخلصين فان فعل ذلك في كل ليلة زاحمني في الجنة ولم يحص ثوابه إلا الله تعالى » (١). والكلام في أنها نافلة مستقلة غير نافلة المغرب. أو أنها يمكن احتسابها منها ، هو الكلام في صلاة الغفيلة ، بل يمكن الإتيان بالآيتين السابقتين فتحتسب صلاة الغفيلة. فلاحظ.

[٢] كما هو المشهور ، بل عن الخلاف : إجماع الطائفة عليه. ويشهد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب بقية الصلوات المندوبة حديث : ١.

٢٢

( مسألة ٤ ) النوافل المرتبة وغيرها يجوز إتيانها جالساً [١]

______________________________________________________

به جملة من النصوص ، منها‌ صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) ـ في حديث ـ « قال (ع) : وقال تعالى ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) (١) وهي صلاة الظهر » (٢). ونحوه صحيحه الآخر‌ (٣) ، ومصحح أبي بصير‌ (٤) وغيرهما ، وعن السيد : أنها العصر مدعياً إجماع الشيعة أيضاً. ويشهد له ما‌ رواه الصدوق عن الحسن بن علي عليهما‌السلام ، قال (ع) : « وأما صلاة العصر فهي الساعة التي أكل آدم‌ .. إلى أن قال : وأوصاني أن أحفظها من بين الصلوات » (٥). ونحوه مرسل علي بن إبراهيم. لكن الإجماع ممنوع جداً ، كيف؟! ولم يعرف القول بذلك لغيره. والخبران ضعيفان في نفسهما لا يقاومان ما سبق. وعن العامة أقوال كثيرة ، فعن بعض : أنها الظهر ، وعن آخر : أنها المغرب ، وعن ثالث : أنها العشاء ، وعن رابع ، أنها الصبح ، وعن خامس : أنها مجموع الصلوات. ومستند الجميع اعتبارات لا تستحق ذكراً ولا رداً ، فراجع المطولات.

[١] على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً ، بل عن الخلاف والمعتبر والتذكرة والمنتهى وغيرها دعوى الإجماع عليه ، ويشهد به النصوص الكثيرة‌ كمصحح سهل بن اليسع : « سأل أبا الحسن الأول (ع) عن الرجل يصلي النافلة قاعداً وليست به علة في سفر أو حضر. فقال (ع) :

__________________

(١) البقرة : ٢٣٨.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ١.

(٣) لعل المراد منه ما في المستدرك باب : ٥ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث الأول أو غيره مما يرويه عن زرارة.

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٢ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٧.

٢٣

ولو في حال الاختيار ، والأولى حينئذ عدّ كل ركعتين بركعة [١] ، فيأتي بنافلة الظهر مثلاً ست عشرة ركعة ، وهكذا في نافلة العصر. وعلى هذا يأتي بالوتر مرتين ، كل مرة ركعة.

______________________________________________________

لا بأس به » (١) ، و‌خبر أبي بصير عن أبي جعفر (ع) : « إنا نتحدث نقول : من صلى وهو جالس من غير علة كانت صلاته ركعتين بركعة وسجدتين بسجدة. فقال (ع) : ليس هو هكذا هي تامة لكم » (٢). ونحوهما غيرهما. وعن الحلي (ره) : منع ذلك إلا في الوتيرة وعلى الراحلة مدعياً خروجهما بالإجماع ، للأصل مع شذوذ الرواية المجوزة. لكن في الذكرى قال : « دعوى الشذوذ هنا مع الاشتهار بيننا عجيبة » وهو كما ذكر لاستفاضة النصوص المعتبرة بذلك ، مع تكثر دعوى الإجماع على العمل بها.

[١] ففي خبر محمد بن مسلم : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يكسل أو يضعف فيصلي التطوع جالساً. قال (ع) : يضعّف كل ركعتين بركعة » (٣) ، و‌في صحيح ابن جعفر عن أخيه (ع) قال : « سألته عن المريض إذ كان لا يستطيع القيام كيف يصلي؟ قال (ع) : يصلي النافلة وهو جالس ويحسب كل ركعتين بركعة. وأما الفريضة فيحتسب كل ركعة بركعة وهو جالس إذا كان لا يستطيع القيام » (٤) ، و‌في خبره عنه (ع) : « عن رجل صلى نافلة وهو جالس من غير علة كيف يحتسب صلاته؟ قال (ع) : ركعتين بركعة » (٥). وقريب منها غيرها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب القيام حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب القيام حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب القيام حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب القيام حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٥ من أبواب القيام حديث : ٦.

٢٤

فصل في أوقات اليومية ونوافلها

وقت الظهرين ما بين الزوال [١]

______________________________________________________

فصل في أوقات اليومية ونوافلها‌

[١] بإجماع المسلمين ، كما عن الخلاف. والمعتبر والتذكرة ونهاية الأحكام. وبلا خلاف بين أهل العلم ، كما عن المسائل الناصرية والمنتهى ومجمع البرهان وشرح رسالة صاحب المعالم. وإجماعاً ، كما عن الغنية والذكرى. نعم عن ابن عباس والحسن والشعبي : إجزاء صلاة المسافر لو صلى قبل الزوال. وخلافهم ـ لو ثبت ـ لا يعول عليه ، لمخالفته لقوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ .. ) (١) والدلوك هو الزوال ، كما عن جماعة من أهل اللغة. ولو ثبت أن معناه غير ذلك فلا ينطبق على ما ذكروه. ويدل على ذلك أيضاً جملة من النصوص كصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر » (٢) ، ومصحح عبيد بن زرارة : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقت الظهر والعصر. فقال (ع) : إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعاً ، إلا أن هذه قبل هذه ، ثمَّ أنت في وقت منهما جميعاً حتى تغيب الشمس » (٣) ، وخبر مالك الجهني : « سألت‌

__________________

(١) الاسراء ـ ٧٨.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب المواقيت حديث : ٥.

٢٥

______________________________________________________

أبا عبد الله (ع) عن وقت الظهر ، فقال (ع) : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين » (١) .. إلى غير ذلك.

نعم قد يظهر من جملة من النصوص خلاف ذلك ، كمصحح إسماعيل ابن عبد الخالق : « سألت أبا عبد الله (ع) عن وقت الظهر فقال (ع) : بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك ، إلا في يوم الجمعة أو في السفر فان وقتها حين تزول الشمس » (٢) ـ ونحوه موثق سعيد الأعرج (٣) ـ وخبر زرارة : « وقت الظهر على ذراع » (٤). ونحوها غيرها. وقد سرد في الجواهر جملة كثيرة استظهر منها المنافاة لما سبق. لكن بعضها ظاهر في تحديد الآخر ، كصحيح الفضلاء عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) : « أنهما قالا : وقت الظهر بعد الزوال قدمان ووقت العصر بعد ذلك قدمان » (٥). ونحوه في ذلك صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن وقت الظهر. فقال : ذراع من زوال الشمس ، ووقت العصر ذراعان من وقت الظهر ، فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس .. » (٦) ونحوهما مضمر ابن أبي نصر (٧) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) (٨)

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب المواقيت حديث : ١١.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ١١.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ١٧.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ١٩.

(٥) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٦) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٧) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ١٢.

(٨) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٤ ويحتمل ان يريد به الحديث ٢٣ من الباب المزبور لكن الظاهر إرادة الأول وان ذكر الثاني في الجواهر ، لأن الثاني لا يتكفل تحديد الآخر.

٢٦

والمغرب [١]

______________________________________________________

وبعضها محتمل لذلك كمصحح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) (١) وإسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) (٢) ، وموثق زرارة الحاكي رواية عمر بن سعيد‌ (٣). وبعضها ظاهر في أفضلية الصلاة على القدم والقدمين من الصلاة على القدمين والأربعة أقدام ، كصحيح ذريح المحاربي عن أبي عبد الله (ع) (٤). وبعضها ظاهر في نهاية وقت الفضيلة ، كصحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) (٥). وبعضها محتمل لأول وقت الفضيلة ، كخبر ابن بكير الحاكي قصة دخول عمه زرارة على الصادق (ع) وخروجه عنه من غير أن يجيبه‌ (٦) ، إذ لم يعلم أن الذراع والذراعين اللذين سبق ذكرهما لزرارة كانا تحديداً لأول وقت الفضيلة أو الاجزاء.

وبالجملة : أكثر النصوص المذكورة في الجواهر غير ظاهرة المنافاة لما سبق ، أو ظاهرة فيما هو أجنبي عنه. وكيف كان يجب حمل النصوص المنافية على وجه لا ينافي ما عرفت ، لما عرفت من دعوى الإجماع على التوقيت بالزوال ، بل ادعي عليه ضرورة المذهب أو الدين.

[١] على المشهور شهرة عظيمة. بل في الجواهر : نفي الخلاف المعتد به عندنا. ويشهد له جملة من النصوص ، كمصحح عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ١٣.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٢٢.

(٥) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٢٥.

(٦) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٣٣.

٢٧

______________________________________________________

إلى نصف الليل إلا أن هذه قبل هذه » (١) و‌خبره : « لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس. ولا تفوت صلاة الليل حتى يطلع الفجر ، ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس » (٢) ، وخبر زرارة عن أبي جعفر (ع) : « أحب الوقت إلى الله عز وجل أوله حين يدخل وقت الصلاة فصّل الفريضة فان لم تفعل فإنك في وقت منهما حتى تغيب الشمس » (٣) ومرسل داود بن فرقد الآتي(٤).

وعن المبسوط : انتهاء وقت الظهر للمختار بصيرورة الظل مثل الشاخص. وعن القاضي : ذلك أيضاً حتى للمضطر. وعن ابن أبي عقيل : انتهاء وقت المختار بالذراع. ونحوه عن المقنعة. وعن أبي الصلاح : انتهاء وقته بأربعة أسباع. ونحوه ما عن نهاية الشيخ وعمل يوم وليلة. وعن التهذيب : ذلك مطلقاً. كما أنه عن المقنعة : انتهاء وقت العصر للمختار باصفرار الشمس. وعن أكثر كتب الشيخ والقاضي والحلبي والطوسي : انتهاء وقته إلى أن يصير ظل كل شي‌ء مثليه. وعن ابن أبي عقيل : انتهاء وقته بالذراعين.

ومستند هذه الأقوال أخبار غير ظاهرة ، أو ظاهرة لكنها محمولة على وقت الفضيلة جمعاً ـ كما يشير اليه بعضها ـ وغيره ، ففي صحيح ابن سنان عن الصادق (ع) : « لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ، ولكنه وقت من شغل أو نسي أو أسها أو نام ، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلا من عذر أو علة » (٥) ، ومرسل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ٢٤.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب المواقيت حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب المواقيت حديث : ١٢.

(٤) يأتي ذكره في التعليقة اللاحقة.

(٥) الوسائل باب : ٣ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

٢٨

ويختص الظهر بأوله مقدار أدائها [١] بحسب حاله ، ويختص‌

______________________________________________________

الفقيه : « أوله رضوان الله وآخره عفو الله والعفو لا يكون إلا عن ذنب » (١) ومصحح الحلبي : « ان رسول الله (ص) قال : الموتور أهله وماله من ضيع صلاة العصر. قلت : وما الموتور أهله وماله؟ قال (ص) : لا يكون له في الجنة أهل ولا مال يضيعها فيدعها متعمداً حتى تصفر الشمس وتغيب (٢) وخبر ربعي : « إنا لنقدم ونؤخر وليس كما يقال : من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك ، وإنما الرخصة للناسي والمريض والمدنف والمسافر والنائم في تأخيرها (٣). فان ملاحظة مجموع النصوص المذكورة ونحوها توجب الجزم بامتداد الوقت إلى الغروب غير أن الأفضل التقديم على ما سيأتي إن شاء الله في الوقت الفضيلي. فلاحظ وتأمل.

[١] على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً ، بل عن المنتهى : نسبته إلى علمائنا ، وعن نجيب الدين : أنه نقل الإجماع عليه جماعة ، وعن العلامة والشهيد : نسبة الخلاف إلى الصدوق ، وعن جامع المقاصد والمدارك : نسبته إلى الصدوقين. ونوقش في النسبة المذكورة. وكيف كان فيدل على المشهور‌ مرسل داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات ، فاذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس (٤) ، وصحيح الحلبي ـ في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب المواقيت حديث : ١٦.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب المواقيت حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب المواقيت حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب المواقيت حديث : ٧.

٢٩

______________________________________________________

حديث ـ قال : « سألته عن رجل نسي الأولى والعصر جميعاً ثمَّ ذكر عند غروب الشمس. فقال (ع) : إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر ثمَّ يصلي العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعاً ، ولكن يصلي العصر فيما قد بقي من وقتها ثمَّ ليصلّ الأولى بعد ذلك على أثرها » (١) ، فإن الظاهر من تأخير العصر المنهي عنه هو فعل الظهر أولاً ثمَّ فعلها وحينئذ فالحكم بفوتهما حينئذ معاً لا بد أن يكون لبطلان الظهر من جهة وقوعها في غير الوقت.

وهذان الحديثان هما العمدة في أدلة الاختصاص. أما‌ صحيح ابن مسكان عن أبي عبد الله (ع) : « إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصليهما وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة » (٢) ، ونحوه موثق أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) (٣). فالأمر بفعل العشاء فيهما أعم من خروج وقت المغرب ، لجواز أن يكون لأهمية العشاء حينئذ. ونحوه الأمر بفعل العصر في جملة من النصوص الواردة في الحائض إذا طهرت في وقت العصر (٤) ولعل هذا الوجه في نسبة الوقت إلى العصر فيها وفي غيرها. ومن ذلك يظهر حال صحيحة إسماعيل بن أبي همام عن أبي الحسن الرضا (ع) : « في الرجل يؤخر الظهر حتى يدخل وقت العصر : أنه يبدأ بالعصر ثمَّ يصلي الظهر » (٥)

هذا ويعارض هذه النصوص مصحح عبيد المتقدم : « إذا زالت الشمس‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب المواقيت حديث : ١٨.

(٢) الوسائل باب : ٦٢ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٦٢ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٤) راجع الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الحيض.

(٥) الوسائل باب : ٤ من أبواب المواقيت : حديث : ١٧.

٣٠

______________________________________________________

فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعاً إلا أن هذه قبل هذه ثمَّ أنت في وقت منهما جميعاً حتى تغيب الشمس » (١) ودلالتها على الاشتراك ظاهرة ، بل متكررة ومتأكدة ، فإنه ظاهر الجزاء مؤكداً بقوله (ع) : « جميعاً » ، وبالاستثناء أيضاً ، فإن الاستثناء مما يؤكد العموم ، ولا سيما إذا كان منقطعاً كما في الرواية ، فإن الظاهر من قوله (ع) : « إلا أن هذه .. » مجرد الترتيب ، فلا يكون الاستثناء متصلا لعدم منافاة ما قبله حينئذ له بوجه وقوله (ع) : « ثمَّ أنت .. » ظاهر في أنه إذا دخل وقتهما جميعاً تكون في وقت منهما جميعاً إلى الغروب ، فتكون نسبة جميع أجزاء الوقت المذكور إلى كل واحدة من الصلاتين نسبة واحدة بلا فرق بين الصلاتين أصلا وصحيح زرارة المتقدم : « إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر فاذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء » (٢) ، و‌رواية سفيان ابن السمط عن أبي عبد الله (ع) : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين » (٣). ونحوها رواية منصور بن يونس عن العبد الصالح (ع) (٤) ومالك الجهني عن أبي عبد الله (ع) (٥) ، وإسماعيل بن مهران عن الرضا (ع) (٦).

والجمع بين رواية ابن فرقد‌ وبينها كما يكون بحمل دخول الوقتين على دخول مجموعهما على الترتيب فلا ينافي الاختصاص ، نظير رواية عبيد في قوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) : قال (ع) : إن الله تعالى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب المواقيت حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب المواقيت حديث : ٩.

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب المواقيت حديث : ١٠.

(٥) الوسائل باب : ٤ من أبواب المواقيت حديث : ١١.

(٦) الوسائل باب : ٤ من أبواب المواقيت حديث : ٢٠.

٣١

______________________________________________________

افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل » (١) يكون أيضاً بحمل رواية ابن فرقد على دخول الوقت الفعلي بملاحظة اعتبار الترتيب بين الصلاتين ، نظير خبر زرارة : « وإذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل » (٢) ، ورواية ابن أبي منصور « إذا زالت الشمس فصليت سبحتك فقد دخل وقت الظهر » (٣) ، و‌خبر مسمع : « إذا صليت الظهر فقد دخل وقت العصر » (٤) و‌رواية ذريح : « متى أصلي الظهر؟ فقال (ع) : صلّ الزوال ثمانية ثمَّ صلّ الظهر » (٥). واستضعاف هذا الحمل في الجواهر من أجل أنه لا يختص بمقدار الأربع ، بل هو مطرد في عامة الوقت. ضعيف من أجل أن مقدار أداء الظهر بعد الزوال لا يمكن فيه فعل العصر أصلاً ، بخلاف ما بعده ، فإنه يمكن فعلها فيه ولو من جهة فعل الظهر في أول الوقت. ولا تبعد دعوى كون الحمل الثاني أقرب ، بل لعله مراد جماعة من القائلين بالاختصاص كما يظهر من أدلتهم عليه ، مثل ما في المختلف : « لأن الإجماع واقع على أن النبي (ص) صلى الظهر أولا وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي » (٦) وما عنه أيضاً من أن القول بالاشتراك حين الزوال مستلزم إما للتكليف بما لا يطاق أو خرق الإجماع. وما عن الروض من أن ضرورة الترتيب تقتضي الاختصاص. وما عن المدارك من أنه لا معنى لوقت الفريضة إلا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب المواقيت حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٥ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٦) المختلف المسألة الثالثة من فصل الأوقات.

٣٢

______________________________________________________

ما جاز إيقاعها فيه ، ولا يجوز إيقاع العصر عند الزوال لا عمداً ولا مع النسيان ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، وعدم ما يدل على الصحة. ونحو ذلك. فإن ملاحظة أمثال هذه الأدلة تقضي بأن مراد القائلين بالاختصاص ما يكون ملازماً لاعتبار الترتيب لا ما يكون بالمعنى الملازم للتوقيت. ولعله إلى هذا يشير الحلي في محكي كلامه ، من أن الاختصاص قول المحصلين من أصحابنا الذين يلزمون الأدلة والمعاني لا العبارات والألفاظ يعني : أن الاشتراك غير معقول مع البناء على اعتبار الترتيب.

نعم يبقى الإشكال في صحيح الحلبي المتقدم (١) ، لظهوره في فوت الظهر إذا لم يبق من الوقت إلا مقدار أداء العصر وإن صليت الظهر فيه الذي لا يكون ذلك إلا لوقوعها في غير وقتها. وحمله على كون تطبيق الفوت على الظهر من جهة سقوط الأمر بها ولو من جهة مزاحمتها بالعصر التي هي أهم منها ، لا من جهة خروج وقتها بعيد ، لكنه لا يدل على بطلان الظهر الذي جعلوه من ثمرات الاختصاص. وأيضاً يتوقف الاستدلال به على الاختصاص على القول بعدم الفصل ، وإلا أمكن الاقتصار على مورده لا غير ، لكن ظاهر الجماعة عدم الفصل للاستدلال به على الاختصاص مطلقاً وعليه فلا بد من التصرف في رواية عبيد وغيرها بالحمل على دخول مجموع الوقتين ولو بنحو الترتيب ويكون المراد من قوله (ع) : « إلا أن هذه .. » أن وقت هذه قبل وقت هذه ، ويكون الاستثناء متصلا ـ كما هو الأصل في الاستثناء ـ لا منقطعاً ، كما لو حمل على الترتيب لا غير حسب ما عرفت وهذا مؤيد آخر للحمل المذكور. وعلى هذا فالجمع العرفي بين مجموع الأدلة يساعد الاختصاص ، وإن كان في النفس منه شي‌ء ، والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) تقدم في صدر التعليقة.

٣٣

______________________________________________________

ثمَّ إن المذكور في رواية ابن فرقد : تحديد وقت الاختصاص بمقدار أربع ركعات. ومثله ما عن المبسوط والخلاف والجمل والناصريات وغيرها. قال العلامة في التحرير : « يدخل وقت الظهر بزوال الشمس .. ( إلى أن قال ) : إلى أن يمضي مقدار أربع ركعات ثمَّ يشترك الوقت بينها وبين العصر إلى أن يبقى لغروب الشمس مقدار أربع ركعات فيختص بالعصر. روى ذلك داود بن فرقد ». والمحكي عن جماعة كثيرة : التعبير بمقدار الأداء. قال العلامة في الإرشاد : « وقت الظهر إذا زالت الشمس .. ( إلى أن قال ) : إلى أن يمضي مقدار أدائها ثمَّ تشترك مع العصر إلى أن يبقى للمغرب مقدار أداء العصر ». بل هو المحكي عن معقد إجماع الغنية وجملة من معاقد الشهرة. ولا ينبغي التأمل في أن مراد الجميع واحد ، لعدم تحرير الخلاف المذكور من أحد ، ولم يتعرض لإثبات أحد الوجهين ورد الآخر ، والظاهر أن المراد هو الثاني ، بل ربما قيل : إنه مقطوع به. حملا للمرسل (١) على الغالب ، ويشهد له التعبير في صحيح الحلبي المتقدم (٢) بالفوت ، فان الظاهر منه أن وقت الاختصاص عبارة عن المقدار المحتاج إليه في أداء الصلاة.

فلا بد حينئذ من ملاحظة أحوال المكلف التي يختلف مقدار الصلاة باختلافها ، سواء أكانت مأخوذة موضوعات للأحكام المختلفة في لسان الشارع ـ مثل السفر والحضر والخوف ونحوها ـ أم لا ، كطلاقة اللسان وعيّه ، والإبطاء في الحركات ، والاستعجال ، وغير ذلك ، فيقدر الوقت بقدر الصلاة الذي يختلف بلحاظها. كما لا فرق أيضاً بين أن تكون حاصلة قبل الصلاة وطارئة‌

__________________

(١) يريد به مرسل ابن فرقد.

(٢) تقدم في صدر التعليقة.

٣٤

______________________________________________________

في أثنائها ، فلو صلى الظهر في أول الوقت فنسي بعض الأجزاء غير الركنية فقد دخل الوقت المشترك بالفراغ ، وكذا لو طرأ له في الأثناء ما يوجب خفة اللسان أو الحركات الصلاتية ، ولو عرض له ما يوجب الإبطاء ـ كالعي في اللسان ، أو الثقل في الحركات الصلاتية ، أو نسي فقرأ بعض السور الطوال ، أو نحو ذلك ـ كان التقدير بتلك الصلاة. ولو كان التطويل مستنداً إلى الاختيار ـ كما لو اختار قراءة السور الطوال ، أو القنوت ببعض الأدعية كذلك. أو نحو ذلك ـ كان ذلك خارجاً عن التقدير ، لأن الظاهر من رواية الحلبي التقدير بأداء صرف الطبيعة الحاصل بأداء أقل المقدار الواجب. ولو لم يصل الظهر لكن علم بأنه لو صلى طرأ عليه ما يوجب له الإبطاء أو السرعة ـ كنسيان بعض الأجزاء أو نحوه ـ لم يبعد دخول ذلك في التقدير ، لأن تقدير النسيان مثلا أو نحوه لا بد أن يكون راجعاً إلى حالة فعلية للمكلف لا فرق بينها وبين سائر الحالات الفعلية من السفر والحضر ونحوهما ، كما لعله ظاهر بالتأمل. ولو صلى قبل الوقت فدخل الوقت قبل التسليم فدخول وقت الاشتراك بمجرد الفراغ مبني على ما سيأتي في نظيره من وقوع العصر قبل الظهر. ( ودعوى ) : دخول الوقت المشترك من جهة الضابط المتقدم ، لأن نسيان الوقت أو الجهل به من قبيل الحالات التي يختلف مقدار الصلاة باختلافها ـ كما في الجواهر ـ ( غير ظاهرة ) إذ لا يرتبط ذلك باختلاف الصلاة بالمرة ، وإنما يرتبط بعدم اعتبار الوقت في تمام الصلاة لا غير.

وأيضاً الظاهر من المرسلة أن التقدير بلحاظ نفس الفعل دون مقدماته ، فاعتبار المقدمات في التقدير ـ كما عن المحقق والشهيد الثانيين وغيرهما ، بل عن بعض : أنه مفروغ عنه ـ غير ظاهر الوجه ، والفوت في رواية الحلبي وإن كان يتحقق بترك بعض الشرائط إلا أن الشرائط في آخر الوقت لازمة‌

٣٥

______________________________________________________

التحصيل على كل حال لكل واحدة من الفريضتين ، فلم يثبت كون زمانها ملحوظاً زماناً للعصر فقط. فتأمل جيداً. كما أن دخول الأجزاء المنسية وركعات الاحتياط وسجود السهو في التقدير مبني على اعتبارها جزءاً في الصلاة ، ولو بني على خروجها عنها كان اللازم البناء على خروجها عن مورد التقدير.

هذا وثمرة الخلاف : أنه لو صلى العصر غفلة في أول الزوال ، فعلى الاشتراك تصح ، إذ لم تفقد إلا الترتيب ، وهو غير معتبر في حال النسيان لحديث : « لا تعاد الصلاة » (١). وعلى الاختصاص تبطل ، لفوات الوقت المستثنى في حديث : « لا تعاد ». ولو دخل الوقت المشترك في الأثناء لحقه حكم الصلاة في الوقت على الاختصاص ، فتصح كما تصح على الاشتراك لما سبق. ولو ذكر في الأثناء أنه لم يصل الظهر عدل على الاشتراك ، وأشكل ذلك على الاختصاص ، لاختصاص العدول بصورة وقوع الصلاة صحيحة لو لا الترتيب ، فالتعدي إلى غيرها محتاج إلى دليل ، وهو مفقود.

ولو صلى العصر قبل الظهر لاعتقاد فعل الظهر أو لاعتقاد ضيق الوقت عنهما ، فانكشف سعة الوقت لهما ، فلا ينبغي التأمل في صحة العصر بناء على عموم : « لا تعاد » لمثل الفرض كما هو الظاهر ، وحينئذ فهل يجب عليه فعل الظهر فوراً أداء ، أو يجوز فعلها قضاء في الوقت وخارجه ، أو لا يصح فعلها إلا في خارج الوقت؟ وجوه. إذ على الاشتراك يتعين الأول كما هو ظاهر. أما على الاختصاص ، فقد قيل أيضاً بالأول ، لاختصاص أدلة الاختصاص بصورة اشتغال ذمة المكلف بالعصر ، فمع فراغها عنه يكون المرجع أدلة الاشتراك. وفيه : أن النسبة بين أدلة الاختصاص‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الوضوء حديث : ٨.

٣٦

______________________________________________________

وأدلة الاشتراك ليست من قبيل النسبة بين الخاص والعام ـ كي يرجع إلى أدلة الاشتراك عند عدم صلاحية أدلة الاختصاص للمرجعية ـ بل هما متباينان ، لورودهما معاً في مقام التحديد للوقت ، فاذا جمع بينهما بحمل أدلة الاشتراك على ما يوافق الاختصاص فاذا فرض قصور أدلة الاختصاص عن شمول المورد كانت أدلة الاشتراك كذلك ، وكان المرجع الأصل.

فإن قلت : مقتضى أدلة الاشتراك أن كل حصة من الزمان بين الزوال والغروب مشتركة بين الفرضين ، وأدلة الاختصاص إنما تنافيها في الجزء الأول والأخير لا غير ، فنسبتها إليها نسبة الخاص إلى العام ، فإذا أجمل الخاص في بعض الأحوال كان المرجع العام ، وكذا في المقام.

قلت : قد عرفت أن أدلة الاشتراك واردة في مقام تحديد الوقت للفرضين ، وأن مقتضى الجمع بينها وبين أدلة الاختصاص حملها على معنى لا ينافي الاختصاص ، لا تخصيصها بأدلته ، كما يظهر ذلك بملاحظة ما سبق في وجه الجمع ، فلو اختصت أدلة الاختصاص بغير الفرض كانت أدلة الاشتراك كذلك ، فلا بد من الرجوع إلى الأصل ، وليس هو استصحاب بقاء الوقت المشترك ، لأنه من الاستصحاب الجاري في المفهوم المردد الذي تكرر في هذا الشرح التنبيه على عدم حجيته. مع أنه يتوقف على البناء على أنه يكفي في صحة الصلاة أداء بقاء الوقت بنحو مفاد كان التامة ، أما لو اعتبر وقوعها في وقت هو وقتها بنحو مفاد كان الناقصة فلا يجدي الأصل المذكور ، إلا بناء على الأصل المثبت. ومنه يظهر الإشكال في استصحاب بقاء الاشتراك. أما إثبات كون الوقت المعين وقتاً لها بالأصل فغير ممكن ، لعدم الحالة السابقة له ، اللهم إلا أن يلحظ بعضاً مما سبق فيقال : كان مشتركاً فهو على ما كان. فتأمل جيداً. وأما‌

٣٧

______________________________________________________

استصحاب وجوب الأداء فلا يثبت القدرة على الأداء وصحتها أداء ، ولو فرض سقوط الاستصحاب عن المرجعية كان المرجع أصل البراءة من وجوب الفعل في الوقت المعين. هذا إذا جوزنا فعلها قضاء على تقدير القول بالاختصاص وإلا كان من الدوران بين المتباينين ، للعلم بوجوب فعلها في باقي الوقت أداء أو في خارجه قضاء ، فيجب الاحتياط.

ثمَّ إنه لو بني على الاختصاص حتى في الفرض ، لم يبعد جواز إيقاع الظهر قضاء. ودعوى : أن الظاهر من الاختصاص عدم صحة الشريكة مطلقاً ولو قضاء ـ كما في الجواهر ـ غير مجدية وإن سلمت ، إذ لم يقع لفظ الاختصاص في لسان الأدلة ، ليرجع إلى ظهوره ، وإنما المرجع أدلة القول به ، وليس مقتضاها إلا خروج وقت الظهر إذا بقي من الوقت مقدار أداء العصر ، وهذا المقدار لا يقتضي بطلانها قضاء. وقد عرفت أن مضمر الحلبي المتقدم في أدلة الاختصاص لا يقتضي ذلك أيضاً (١) ، فإطلاق ما دل على جواز القضاء محكم.

ومما ذكرنا تعرف حكم الفرع السابق وهو : ما لو صلى الظهر قبل الوقت وقد دخل وهو في الصلاة ، وأنه لو صلى العصر بعدها لم يكن دليل على صحتها ، للشك في وقوعها في وقتها مع العلم بأنها موقتة بوقت ، فقاعدة الاشتغال تقتضي وجوب الإعادة.

ولو بقي من الوقت مقدار خمس ركعات وجب فعل الظهر أولا لعموم : « من أدرك ». ولا يزاحمه وجوب فعل العصر في وقتها ، لاعتبار الترتيب في العصر الموجب لفعل الظهر قبلها ليحصل الترتيب ، فضلا عن اقتضاء وجوب فعل الظهر ذلك. ومما ذكرنا يظهر أنه لا حاجة إلى إثبات‌

__________________

(١) راجع صدر التعليقة.

٣٨

______________________________________________________

أهمية صلاة الظهر ، لكونها الصلاة الوسطى. كما أنه لا يختلف القول بالاختصاص والقول بالاشتراك في ذلك. نعم يختلفان ـ بناء على التفكيك ـ في تطبيق : « من أدرك » بين العصر والظهر ، فيطبق في الأول للنص ولا يطبق في الثاني لعدمه ، إذ على الاختصاص ، لا وجه حينئذ لفعل الظهر ، لعدم صحتها ، لعدم وقوعها في وقتها ، فلا يعتبر الترتيب بينها وبين العصر. نعم أو بقي من وقت العشاءين مقدار أربع ركعات يختلف القولان إذ على الاختصاص يتعين فعل العشاء ولا يجوز فعل المغرب ، لخروج وقتها. وعلى الاشتراك يتعين فعل المغرب ، لما سبق من اعتبار الترتيب في العشاء بعد تطبيق : « من أدرك » بالنسبة إليها. كما يختلفان أيضاً لو حاضت المرأة بعد مضي مقدار إحدى الفريضتين ، فعلى الاختصاص ، لا تقضي إلا الظهر. وعلى الاشتراك يكون قضاؤها بعينها موقوفاً على بقاء شرطية الترتيب في العصر. ولو بني على سقوطه بقاعدة الميسور ونحوها ، أو دعوى انصراف دليله عن مثل الفرض ـ كما يشير إليه بناؤهم على الاقتصار على العشاء إذا لم يبق من الوقت إلا أربع ركعات ـ كان اللازم قضاء واحدة من الفريضتين تخييراً. ولو طهرت الحائض في آخر الوقت لزم فعل العصر لا غير ، للنصوص الخاصة المتقدمة في مبحث الحيض (١) ، ولا يرجع إلى ما ذكرنا.

كما أنه مما ذكرنا تعرف ـ بعد التأمل ـ حكم ما لو أفاق المجنون الأدواري في أول الوقت ، أو في آخره ، أو في وسطه بمقدار أداء إحدى الفريضتين. فتأمل جيداً.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الحيض.

٣٩

العصر بآخره كذلك وما بين المغرب ونصف الليل وقت المغرب [١]

______________________________________________________

[١] أما دخول وقت صلاة المغرب بالغروب في الجملة فمما لا خلاف فيه كما عن جماعة ، أو لا ريب فيه كما عن آخرين ، أو إجماعي كما عن غيرهم وفي الجواهر : « هو من ضروريات الدين ». ويدل عليه النصوص المتواترة التي منها صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) « وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة » (١).

وأما انتهاء وقتها بانتصاف الليل مطلقاً : فهو المشهور كما عن جماعة ويشهد له جملة من النصوص كرواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) ـ في قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ ... ) ـ : « ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه » (٢) وروايته الأخرى : « إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلا أن هذه قبل هذه » (٣) ، وصحيح زرارة : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عما فرض الله عز وجل من الصلوات. فقال (ع) : خمس صلوات في الليل والنهار‌ .. إلى أن قال (ع) : وفيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات ، سماهن الله وبينهن ووقتهن ، وغسق الليل هو انتصافه » (٤) ، ومرسل ابن فرقد : « إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات ، فاذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب المواقيت حديث : ١١.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث ١.

٤٠