مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

عمن عدا الزوج والمحارم [١] ، إلا الوجه والكفين [٢] مع عدم التلذذ والريبة‌

______________________________________________________

ونساء أهل تهامة ونحوهن ممن لا ينتهين إذا نهين (١) ، والمرأة التي تموت ليس معها محرم (٢) ، وغير ذلك من الموارد المتفرقة التي يعثر المتتبع على مقدار وافر منها جداً. فلاحظ.

[١] أما استثناء الأول فواضح. وأما الثاني : فسيأتي الكلام فيه.

[٢] كما عن الشيخ في النهاية والتبيان والتهذيب والاستبصار ، واختاره جماعة ممن تأخر عنه ، ومنهم شيخنا الأعظم (ره) في شرح كتاب النكاح من الإرشاد. ويشهد له خبر علي بن جعفر (ع) المروي في قرب الاسناد : « عن الرجل ما يصلح له أن ينظر من المرأة التي لا تحل له؟ قال (ع) : الوجه والكفان وموضع السوار » (٣) ، وخبر مسعدة بن زياد « سمعت جعفراً (ع) ـ وسئل عما تظهر المرأة من زينتها ـ قال (ع) : الوجه والكفين » (٤) ، ومرسل مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) : « قلت له : ما يحل للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرماً؟ قال (ع) : الوجه والكفان والقدمان » (٥) ، وخبر زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « في قول الله عز وجل ( إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها ). قال (ع) : الزينة الظاهرة الكحل والخاتم » (٦). ونحوه‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١١٣ من أبواب مقدمة النكاح.

(٢) راجع الوسائل باب : ٢١ من أبواب غسل الميت.

(٣) قرب الاسناد ج : ١ باب ما يجب على النساء في الصلاة.

(٤) الوسائل باب : ١٠٩ من أبواب مقدمة النكاح حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ١٠٩ من أبواب مقدمة النكاح حديث : ٢.

(٦) الوسائل : باب ١٠٩ من أبواب مقدمة النكاح حديث : ٣.

٢٤١

______________________________________________________

خبر أبي بصير (١) ، إلا أن فيه الخاتم والمسكة وهي القلب ( والقلب بالضم السوار ). وخبر المفضل بن عمر : « في المرأة تموت في السفر مع رجال ليس فيهم ذو محرم. قال (ع) : ولا يكشف لها شي‌ء من محاسنها التي أمر الله سبحانه بسترها. قلت : فكيف يصنع بها؟ قال (ع) : يغسل بطن كفيها ، ثمَّ يغسل وجهها ، ثمَّ يغسل ظهر كفيها » (٢). وفي صحيح داود بن فرقد : « يغسلون كفيها » (٣). وقريب منه خبر جابر (٤) ، وخبر أبي سعيد : « في الرجل يموت مع نسوة ليس فيهن له محرم. فقال أبو عبد الله (ع) : بل يحل لهن أن يمسسن منه ما كان يحل لهن أن ينظرن منه اليه وهو حي » (٥) بناء على عدم الفصل بين الرجل والمرأة ، المؤيد ذلك كله أو المعتضد بما ورد من نظر سلمان (ره) لكف الزهراء (ع) دامية (٦) ، ونظر جابر ( رض ) وجهها أصفر تارة وأحمر أخرى (٧) ، وتعرض جملة من النصوص (٨) الواردة في باب حكم النظر في جملة من الموارد التي هي مظنة الاستثناء للذراعين والشعر والرأس دون الوجه والكفين مع أنهما أولى بالتعرض ، لغلبة الابتلاء ، فالسكوت‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠٩ من أبواب مقدمة النكاح حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب غسل الميت حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب غسل الميت حديث : ٨.

(٥) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب غسل الميت حديث : ١٠.

(٦) في البحار ج : ٤٣ ص : ٢٨ الطبعة الحديثة هكذا : ( روي أن سلمان قال : كانت فاطمة (ع) جالسة قدامها رحى تطحن بها الشعير وعلى عمود الرحى دم سائل والحسين (ع) في ناحية الدار يتضور من الجوع فقلت : يا بنت رسول الله دبرت كفاك .. ).

(٧) الوسائل باب : ١٢٠ من أبواب مقدمة النكاح حديث : ٣.

(٨) تقدمت الإشارة إلى مواضعها عن قريب.

٢٤٢

______________________________________________________

عنه يوجب الاطمئنان بوضوح حكمه وهو الجواز. ومثلها ما تضمن كشف المرأة وجهها في الإحرام (١).

وبذلك كله يمكن الخروج عن عموم أدلة التحريم لو تمَّ. كيف لا؟ وقوله تعالى ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ ) مشعر باختصاص الحكم بالجيوب فلا يعم الوجوه. وقوله تعالى : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ... ) مخصص بغير الظاهرة ، وإجماله مانع عن العموم. والأمر بالغض (٢) لا عموم في متعلقه ، وحذفه لا يقتضيه ، إذ حمله على العموم لكل شي‌ء ممتنع ، ولا سيما بملاحظة التعبير بقوله تعالى ( مِنْ أَبْصارِهِمْ ) أو بقوله تعالى : ( أبصارهم ) ، فان كلمة ( من ) ظاهرة في التبعيض ، والظاهر كونه بلحاظ المتعلق. وتقدير كل شي‌ء من بدن المرأة لا قرينة عليه ، بل المناسب جداً بقرينة ما بعده أن يكون متعلقه الفروج. مع أن كون المراد من الغض الغمض غير ظاهر. وما دل على أن المرأة عي وعورة (٣) ظاهر في كونها عورة ولو كانت متسترة ، ولذا أمر بسترهن في البيوت. وعموم غير ما ذكر مما هو ضعيف السند غير مجد. نعم يحتمل في خبر ابن جعفر عليه‌السلام كون المراد من المرأة التي لا تحل له المحرم لا الأجنبية ، إلا أنه لو تمَّ كفى غيره في الإثبات. والاشتمال على السوار والقدمين التي لا قائل بالجواز فيها لا يقدح في حجيتها في غيرها.

ومن ذلك يظهر ضعف ما عن التذكرة وغيرها من المنع ، وقواه في الجواهر ، لإطلاق آية الغض ، ومعلومية كون المرأة عورة. وعن كنز‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٨ و ٥٩ من أبواب تروك الإحرام.

(٢) النور : ٣٠ ـ ٣١.

(٣) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب مقدمة النكاح حديث : ٤.

٢٤٣

______________________________________________________

العرفان : دعوى إطباق الفقهاء عليه. ولسيرة المتدينين على التستر. ولما ورد من أنه ما من أحد إلا يصيب حظاً من الزنا فزنا العين النظر (١). ولما ورد في مكاتبة الصفار الى أبي محمد (ع) : « في الشهادة على المرأة هل تجوز أن يشهد عليها من وراء الستر وهو يسمع كلامها إذا شهد عدلان بأنها فلانة بنت فلان أو لا تجوز له الشهادة حتى تبرز من بيتها بعينها؟ فوقع (ع) : تتنقب وتظهر للشهود » (٢) ، ولما ورد من أن النظر سهم من سهام إبليس مسموم (٣). ولخبر سعد الإسكاف عن أبي جعفر (ع) المتضمن أن شاباً من الأنصار استقبل امرأة بالمدينة وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن ، فنظر إليها وهي مقبلة ، فلما جازت نظر إليها فدخل في زقاق وجعل ينظر خلفها واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه فلما مضت المرأة رأى الدماء تسيل على صدره وثوبه ، فجاء إلى النبي (ص) فأخبره ، فهبط جبرئيل (ع) بالآية (٤). ولأن الستر أبعد عن الوقوع في الزنا والافتتان ونحوهما. المعلوم من الشارع الأقدس إرادة عدمها ، ولذا حرم ما يحتمل من النظر إيصاله إليها. وتقييد المجوز بعدم خوف الفتنة والريبة قاض بعدم الجواز غالباً. ودليله قاض بالإطلاق على وجه لو حمل على الأفراد غير الغالبة كان من المؤل الذي لا حجية فيه. وتفسير ( ما ظَهَرَ مِنْها ) بما عرفت كاف في عدم الوثوق به ، لاختلافه اختلافاً لا يرجى جمعه. مع ضعف السند في جملة منها. ولما ورد من صرف النبي (ص) وجه الفضل بن العباس عن الخثعمية (٥).

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠٤ من أبواب مقدمة النكاح حديث : ٢.

(٢) الفقيه باب : ٢٩ من أبواب القضاء ( باب الشهادة على المرأة ) حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٠٤ من أبواب مقدمة النكاح حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٠٤ من أبواب مقدمة النكاح حديث : ٤.

(٥) المستدرك باب : ٨٠ من أبواب مقدمة النكاح حديث : ٧.

٢٤٤

______________________________________________________

هذا وبالتأمل فيما ذكرنا يظهر لك وجه المناقشة في جميع ما ذكر. إذ إطلاق آية الغض غير معلوم. وكذا كون جميع بدن المرأة عورة بالمعنى الذي هو محل الكلام. والإطباق عليه ممنوع. وسيرة المتدينين أعم من وجوب الستر. وزنا العين النظر مجمل المتعلق. مع أن من القريب إرادة النظر بالتلذذ. ومثله ما ورد من أنه سهم من سهام إبليس لعنه الله. وكذا ما هو مورد خبر سعد الإسكاف‌. مع أن النظر فيه كان الى ما يزيد على الوجه. ومكاتبة الصفار غير ظاهرة في وجوب التستر شرعاً. فلعله لدفع الحزازة العرفية. مع أن النقاب لا يستر تمام الوجه. فجواز النظر الى بعض الوجه مع إمكان العلم بها بطريق غير النظر شاهد بالجواز. ويكفي في البعد عن الزنا حرمة النظر مع التلذذ والريبة لا مطلقاً. وكونه الغالب ممنوع جداً ولو سلم فحمل دليل الجواز على غيره لا يجعله من المؤل ، لوروده من حيث النظر ذاته لا من حيث آخر من تلذذ أو ريبة. واختلاف الأخبار في بيان الزينة لأجل ورودها مورد بيان التمثيل ولو ببعض الأفراد. وضعف السند ممنوع ، إذ الأول صحيح كما في المستند ، لكن الذي وجدته فيه روايته بتوسط عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر (ع) ( وعبد الله ) مهمل لم يذكره إلا بعض المتأخرين. ولم يعرف بقدح ولا مدح غير اعتماد الحميري عليه في رواية كتاب جده ، ولعل هذا المقدار كاف في اعتباره في المقام عندهم. والثاني فيه هارون بن مسلم ومسعدة وكلاهما ثقة كما عن النجاشي والخلاصة. والثالث فيه ( مروك ) الذي قيل فيه : إنه شيخ صدوق. وإرساله ربما لا يهم ، لأن في سنده أحمد بن محمد بن عيسى الذي أخرج البرقي من ( قم ) لأنه يعتمد الضعفاء ويروي المراسيل. والرابع ليس فيه من يخدش فيه إلا القاسم بن عروة وقد صحح حديثه في المواقيت‌

٢٤٥

______________________________________________________

المعدود من أدلة الاشتراك. والخامس ليس فيه من يتوقف في روايته إلا سعدان بن مسلم. ورواية كثير من الأجلاء عنه توجب اعتبار حديثه. وخبر المفضل فيه عبد الرحمن بن سالم. إلا أن في السند أحمد بن محمد ابن عيسى الذي عرفت حاله ، والبزنطي الذي هو من أصحاب الإجماع وممن قيل في حقه : إنه لا يروي إلا عن ثقة. ولعل الاعتبار بهذا المقدار من الأخبار في المسألة كاف في الحكم عندهم. وصرف النبي (ص) وجه الفضل لكون نظره مما يخاف منه الفتنة ، كما يظهر من تعليله (ص) بخوف دخول الشيطان بينهما ، فهو من أدلة الجواز لا المنع.

وقد يستدل على الجواز أيضا بصحيح علي بن سويد : « قلت لأبي الحسن الرضا (ع) : إني مبتلى بالنظر الى المرأة الجميلة فيعجبني النظر إليها فقال (ع) : يا علي لا بأس إذا عرف الله سبحانه من نيتك الصدق ، وإياك والزنا » (١) وفيه : أن ظاهر التعبير بالابتلاء هو الاضطرار ، وكأن الوجه في السؤال ما يدخله بعد النظر المعبر عنه بقوله : « فيعجبني .. ».

وفي الشرائع وعن العلامة في أكثر كتبه : التفصيل بين النظرة الأولى فيجوز ، والثانية فتحرم. وكأنه للجمع بين ما دل على المنع والجواز ، وللنبوي : « لا تتبع النظرة بالنظرة فإن الأولى لك والثانية عليك » (٢) وقريب منه مرسلتا الفقيه (٣) ، وخبر الكاهلي : « النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة » (٤). وفيه : أنك‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب النكاح المحرم حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٠٤ من أبواب مقدمة النكاح حديث : ١٤. لكن فيه : ( فان لك الأولى وليس لك الأخيرة ) ولم نعثر على ما في المتن.

(٣) الوسائل باب : ١٠٤ من أبواب مقدمة النكاح حديثا : ٨ و ٩.

(٤) الوسائل باب : ١٠٤ من أبواب مقدمة النكاح حديث : ٦.

٢٤٦

وأما معهما فيجب الستر [١]. ويحرم النظر حتى بالنسبة إلى‌

______________________________________________________

عرفت ما يقتضيه التأمل في الجمع بين أدلتي المنع والجواز. والنظر في النبوي وما بعده مجمل المتعلق. ولا يبعد أن يكون المراد من النظرة الأولى النظرة غير العمدية.

وما ذكرناه من تقريب القول بالجواز والمناقشة في دليل المنع وإن كان أكثره مذكوراً في كلام شيخنا الأعظم في كتاب النكاح ـ ولأجله اختار القول بالجواز ـ لكن الخروج به عن مرتكزات المتدينين ، بل مرتكزات المتشرعة في غير النساء المتبذلات لا يخلو من إشكال. فلاحظ وتأمل. والله سبحانه أعلم.

[١] إجماعاً محققاً ادعاه جماعة كثيرة على ما حكي عن بعضهم. ويشير اليه ما تقدم من خبر سعد الإسكاف ، وخبر الكاهلي ، وما تضمن صرف النبي (ص) وجه الفضل عن الخثعمية بملاحظة التعليل بخوف أن يدخل الشيطان بينهما ، وغيرهما ، وفيما عن العلل والعيون : « وحرم النظر الى شعور النساء المحجوبات بالأزواج والى غيرهن من النساء لما فيه من تهييج الرجال وما يدعو اليه التهييج من الفساد والدخول فيما لا يحل ولا يجمل وكذلك ما أشبه الشعور إلا الذي .. » (١).

هذا وفسرت الريبة ـ كما في المسالك ـ بخوف الوقوع في الحرام ، وجعل خوف الفتنة عبارة عن ذلك. وحكي عن التذكرة ما استظهر منه أن الريبة غير خوف الافتتان. وفي كشف اللثام : فسر الريبة بما يخطر بالبال عند النظر. وجعل الفرق بينها وبين خوف الافتتان ظاهراً. والتعليل في خبر الفضل مع الخثعمية كاف في إثبات الجميع ، إذ في جميعها يخاف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠٤ من أبواب مقدمة النكاح حديث : ١٢.

٢٤٧

المحارم وبالنسبة إلى الوجه والكفين. والأحوط سترها عن المحارم [١] من السرة إلى الركبة مطلقاً ، كما أن الأحوط ستر الوجه والكفين عن غير المحارم مطلقاً.

( مسألة ١ ) : الظاهر وجوب ستر الشعر الموصول بالشعر [٢]

______________________________________________________

من الشيطان ، والعمدة التسالم على التحريم المعتضد بارتكازات المتشرعة على وجه لا يقبل الشك والارتياب.

[١] لما عن التحريم من أنه ليس للمحرم التطلع في العورة والجسد عارياً. وعن ظاهر التنقيح : المنع عنه إلا الثدي حال الإرضاع. وعن بعض : المنع في غير المحاسن وهو مواضع الزينة. ودليل الجميع غير ظاهر بعد ما دل الكتاب الشريف على جواز إبداء الزينة غير الظاهرة ، ورواية السكوني الدالة على جواز النظر الى شعر الأم والأخت والبنت (١). والجواز في غير ذلك مقتضى الأصل. مضافاً الى التسالم عليه فيما بينهم.

هذا ولا يظهر الوجه في تخصيص الاحتياط بما بين السرة والركبة حيث لا ينقل قول بذلك في المقام. نعم عن بعض : تحديد العورة بذلك مطلقاً حتى بالنسبة الى الرجل ، وعن بعض : تحريم نظر المرأة الى الرجل في خصوص ما بين السرة والركبة ، وعليه فالأحوط وجوب ستره مطلقاً. هذا ومما سبق يظهر لك وجه الاحتياط الآتي. والله سبحانه أعلم.

[٢] لا يخلو من إشكال ، لأن ما ورد من النهي عن النظر الى الشعر والأمر بستره (٢) ظاهر في الشعر الأصلي فلا يعم الموصول. نعم إذا كان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠٤ من أبواب مقدمة النكاح حديث : ٧.

(٢) راجع الوسائل باب : ١٠٤ من أبواب مقدمة النكاح.

٢٤٨

سواء كان من الرجل أو المرأة ، وحرمة النظر اليه. وأما القرامل من غير الشعر وكذا الحلي ففي وجوب سترهما وحرمة النظر إليهما مع مستورية البشرة إشكال [١] وإن كان أحوط.

( مسألة ٢ ) : الظاهر حرمة النظر الى ما يحرم النظر إليه في المرآة والماء الصافي [٢] مع عدم التلذذ. وأما معه فلا إشكال في حرمته.

______________________________________________________

من المرأة وكانت أجنبية أمكن القول بحرمة النظر اليه ، لاستصحاب حرمة النظر الثابتة قبل الانفصال. لكن في وجوب ستره على المرأة الواصلة له بشعرها إشكال ، لاختصاص وجوب الستر بالمرأة ذات الشعر لا غيرها. ووجوبه عليها من باب الأمر بالمعروف لا يختص بها ، بل يعم كل مكلف كما لا يخفى. لكن في محكي كشف الغطاء : « والزينة المتعلقة بما لا يجب ستره في النظر ـ على الأصح ـ والصلاة ـ من خضاب ، أو كحل ، أو حمرة ، أو سوار ، أو حلي ، أو شعر خارج وصل بشعرها ولو كان من شعر الرجال وقرامل من صوف ، ونحوه ـ يجب ستره عن الناظر دون الصلاة على الأقوى ». وظاهره تحريم إبداء مطلق الزينة حتى الظاهرة ولكنه غير ظاهر.

[١] يظهر عدم البأس من النظر الى القرامل مما سبق في الشعر الموصول وأما الحلي : فقد يقتضي ظهور الآية (١) وجوب سترها ، لأنها من الزينة المحرم إبداؤها. وما يظهر من النصوص (٢) من تفسيرها بمواضع الزينة لا ينافي ذلك لجواز أن يكون المراد من الزينة ما يعم الذاتية والعرضية ، وما ورد من ذكر المواضع غير ظاهر في الحصر فيها بالتأمل.

[٢] خلافاً لما في المستند حيث استظهر الجواز فيهما ، لانصراف النظر‌

__________________

(١) النور ـ ٢٤.

(٢) راجع الوسائل باب : ١٠٩ من أبواب مقدمة النكاح وقد تقدم ذكر بعضها في أوائل هذا الفصل.

٢٤٩

( مسألة ٣ ) : لا يشترط في الستر الواجب في نفسه ساتر مخصوص ، ولا كيفية خاصة [١] ، بل المناط مجرد الستر ولو كان باليد وطلي الطين ونحوهما.

( وأما الثاني ) : ـ أي الستر حال الصلاة فله كيفية خاصة [٢]. ويشترط فيه ساتر خاص. ويجب مطلقاً سواء كان هناك ناظر محترم أو غيره أم لا [٣].

______________________________________________________

إلى الشائع المتعارف ، ولعدم العلم بكونه نظراً الى المرء والمرأة ، لجواز كون الرؤية فيهما بالانطباع. وفيه : أنه لو سلم فالظاهر من الأدلة عدم الخصوصية لغير الفرض ، وأن موضوع الحكم هو الإحساس الخاص ، وإلا جاز النظر بالآلة النظارة ، ولا يمكن الالتزام به. نعم قد يشكل الحكم في الماء الصافي من جهة عدم تمامية حكايته. فتأمل.

[١] لإطلاق الأدلة.

[٢] كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

[٣] إجماعاً كما عن المنتهى والتذكرة والذكرى وظاهر المعتبر والتحرير وغيرها. وفي الجواهر : « الإجماع بقسميه منا ومن أكثر العامة على اشتراط الصحة معه ». وقد يستدل له بصحيح محمد بن مسلم ـ في حديث ـ قال : « قلت لأبي جعفر (ع) : الرجل يصلي في قميص واحد؟ فقال (ع) : إذا كان كثيفاً فلا بأس به » (١) ، وبنصوص العاري (٢) المشتملة على إبدال الركوع والسجود بالإيماء ، والقيام في بعض الأحوال بالجلوس ، فلو لا شرطية التستر لما جاز ذلك عند فقده. وبالنهي عن الصلاة فيما شف أو

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٢) راجع الوسائل باب : ٥٠ من أبواب لباس المصلي.

٢٥٠

______________________________________________________

وصف (١) ، وبالأمر بغسل الثوب من النجاسة والصلاة فيه مع الإمكان وبالصلاة فيه معها مع عدم الإمكان (٢). وبما ورد من أمر المرأة بالتستر وبيان ما تستتر به (٣).

لكن الأول ليس وارداً في مقام تشريع شرطية التستر ، بل في مقام الاجتزاء بالواحد في مقابل اعتبار التعدد ـ كما يظهر من رواية أبي مريم : « صلى بنا أبو جعفر (ع) في قميص بلا إزار ولا رداء فقال (ع) : إن قميصي كثيف فهو يجزئ أن لا يكون علي إزار ولا رداء » (٤) فلا يقتضي إطلاق الشرطية حتى مع عدم الناظر. ونصوص العاري مضطربة وسيأتي القول من بعض بجواز الصلاة تامة مع أمن المطلع. والنهي عن الصلاة فيما شف أو وصف مقتضى إطلاقه الشامل لصورة التعدد أن يكون محمولا على الكراهة ، كما يشهد به خبر الخصال عن علي (ع) : « عليكم بالصفيق من الثياب فإن من رق ثوبه رق دينه ، ولا يقومن أحدكم بين يدي الرب ( جل جلاله ) وعليه ثوب يشف » (٥). والأمر بغسل النجاسة إرشادي الى مانعيتها ، والأمر بالصلاة فيه مع إمكان تطهيره لم يثبت البناء عليه منهم كما تقدم في أحكام النجاسات ، فالاستدلال به يتوقف على القول بذلك ، ولا يتم بناء على القول بالآخر. والأمر للمرأة بالتستر مختص بمورده ، فإثبات عموم الحكم لصورتي وجود الناظر وعدمه بالنصوص غير ظاهر. والعمدة فيه الإجماع المحقق.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

(٢) راجع الوسائل باب : ٤٥ من أبواب النجاسات.

(٣) راجع الوسائل باب : ٢١ و ٢٨ من أبواب لباس المصلي.

(٤) راجع الوسائل باب : ٢٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ٧.

(٥) الوسائل باب : ٢١ من أبواب لباس المصلي حديث : ٥.

٢٥١

ويتفاوت بالنسبة الى الرجل والمرأة.

أما الرجل : فيجب عليه ستر العورتين أي : القبل من القضيب والبيضتين وحلقة الدبر لا غير [١] ، وإن كان الأحوط ستر العجان [٢] أي : ما بين حلقة الدبر إلى أصل القضيب ، وأحوط من ذلك ستر ما بين السرة والركبة [٣].

______________________________________________________

[١] هذا هو المتيقن من الأدلة إجماعاً وغيره.

[٢] لما عن حاشية الإرشاد للكركي : « من أن الأولى إلحاق العجان بذلك في وجوب الستر ». وأصل البراءة يقتضي عدمه بعد عدم الدليل عليه أو على كونه عورة ، بل صريح النصوص الآتية خروجه من العورة كما هو كذلك عرفاً.

[٣] لما عن القاضي والتقي من أن العورة من السرة إلى الركبة. وكأنه لما عن الخصال عن علي (ع) : « ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذه ويجلس بين قوم » (١) ، وخبر الحسين بن علوان عن أبي جعفر (ع) : « إذا زوج الرجل أمته فلا ينظر الى عورتها ، والعورة ما بين السرة والركبة » (٢). والأول ضعيف الدلالة. مضافاً الى قصور السند كالثاني. مضافاً الى معارضته بغيره كمرسل أبي يحي الواسطي : « العورة عورتان القبل والدبر ، والدبر مستور بالأليتين ، فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة » (٣) ، وخبر محمد بن حكيم عن الصادق (ع) : « الفخذ ليست من العورة » (٤). ونحوه مرسل الصدوق (٥) ، وفي خبر محمد بن حكيم

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب أحكام الملابس حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب آداب الحمام حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب آداب الحمام حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٤ من أبواب آداب الحمام حديث : ٤.

٢٥٢

والواجب ستر لون البشرة [١] ، والأحوط ستر الشبح [٢] الذي يرى من خلف الثوب من غير تميز للونه ، وأما الحجم ـ أي : الشكل ـ فلا يجب ستره.

______________________________________________________

الآخر : « ان الركبة ليست من العورة » (١) مما هو معول عندهم دونه.

[١] إجماعاً.

[٢] لم يتعرض الجماعة لذكر الشبح بخصوصه ، وإنما تعرضوا لذكر الحجم في مقابل لون البشرة ، فعن المعتبر والتذكرة والمهذب البارع وكشف الالتباس والمدارك وغيرها : عدم وجوب ستره. وفي الذكرى : « لو كان الثوب رقيقاً يبدو منه الحجم لا اللون فالاكتفاء به أقوى لأنه يعد ساتراً ». وعن البحار أنه أظهر. وفي جامع المقاصد وفوائد الشرائع وفوائد القواعد : الوجوب ، لقاعدة الاحتياط ، وتبادره من الستر الواجب ، ولمرفوع أحمد ابن حماد الى أبي عبد الله (ع) : « لا تصل فيما شف أو وصف » (٢) بناء على ضبطه بواوين كما هو المعروف ، مأخوذ من الوصف كما عن الذكرى ، ومعنى ( وصف ) حكى الحجم. وفصل في المستند بين صورة رؤية الشبح بنفسه كما يرى الشي‌ء من وراء الزجاجة الكثيفة أو من وراء ثوب قريب من العين وان لم يتميز لونه ، وبين عدم رؤيته وإنما يرى الحائل لا غير وإن حكى حجم الشي‌ء ، ففي الأول يجب الستر وفي الثاني لا يجب. ومرجعه الى التفصيل بين الشبح فيجب ستره والحجم فلا يجب. وهو كلام متين. وقاعدة الاحتياط غير جارية في أمثال المقام. وتبادر‌

__________________

(١) لم أعثر في مظان وجوده في الوسائل ومستدركها والحدائق نعم هو مذكور في الجواهر ويظهر منها تعدد خبر محمد بن حكيم كما في المتن فراجع ج : ٨ ص ١٨٣ طبع النجف الحديث.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب لباس المصلى حديث : ٤.

٢٥٣

وأما المرأة : فيجب عليها ستر جميع بدنها [١]

______________________________________________________

ستر الحجم من أدلة وجوب الستر ممنوع. ومرفوع أحمد بن حماد ـ مع ضعفه وإمكان حمله على الكراهة كما عرفت ـ لا يقتضي وجوب ستر الحجم ، كيف؟! والحجم يرى مع التستر بالجلد الذي لا ريب في كفايته. نعم إذا كانت رؤية الشبح ناشئة من حيلولة ذي الشبح بين الناظر والنور المرتسم بالساتر فلا بأس بعدم ستره ، إذ لا رؤية له في الحقيقة ، وانما هو يمنع من ارتسام النور المحجوب به.

هذا والمصنف (ره) في المقام توقف في وجوب ستر الشبح ، وفي باب التخلي جزم بوجوبه ، لأنه يرجع في الحقيقة إلى ستر اللون. ولا يخلو من تدافع. اللهم الا أن يقال : لا دليل في المقام يدل على وجوب هذه المرتبة من ستر اللون ، إذ هو إما إطلاق معقد الإجماع على وجوب التستر أو ما دل على وجوب كون الثوب كثيفاً. والأول لا يجدي بعد تحقق الخلاف منهم في وجوب ستر الشبح. وكذا الثاني ، لأن الكثافة الغلظ وهو قد لا ينافي حكاية الشبح ، فأصالة البراءة عن وجوب ستره محكمة. فافهم.

[١] فعن المنتهى : « بدن المرأة البالغة الحرة عورة بلا خلاف بين كل من يحفظ عنه العلم ». وعن المعتبر والمختلف والتذكرة : « عورة المرأة الحرة جميع بدنها الا الوجه بإجماع علماء الإسلام ». وكأن عدم استثناء الوجه في الأول اعتماداً على ما ذكره بعد ذلك من عدم وجوب ستره الدال بالالتزام على أنه ليس بعورة ، إذ احتمال كونه عورة ولا يجب ستره ساقط وإن استظهره في مفتاح الكرامة ، للاتفاق القطعي على وجوب ستر العورة في الصلاة.

وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في وجوب ستر بدن المرأة‌

٢٥٤

______________________________________________________

في الجملة ، وتشهد له جملة من النصوص ، كصحيح علي بن جعفر (ع) : « انه سأل أخاه موسى بن جعفر (ع) عن المرأة ليس لها إلا ملحفة واحدة كيف تصلي؟ قال (ع) : تلتف فيها وتغطي رأسها وتصلي فإن خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس » (١). وقريب منه غيره. وما عن ابن الجنيد من اتحاد الرجل والمرأة في العورة ضعيف جداً لو ثبت.

إنما الإشكال في مواضع :

( منها ) : الشعر ، فعن القاضي : عدم وجوب ستره ، وعن الكفاية التأمل فيه ، وعن ألفية الشهيد : ما ظاهره التوقف فيه ، وفي المدارك وعن البحار : « ليس في كلام الأكثر تعرض لذكره » ، بل في المدارك : « ربما ظهر منها ـ يعني : من عبارات أكثر الأصحاب ـ أنه غير واجب ». واستدل على وجوب ستره بمصحح الفضيل عن أبي جعفر (ع) : « صلت فاطمة (ع) في درع وخمارها على رأسها ليس عليها أكثر مما وارت به شعرها وأذنيها » (٢) بناء على ظهوره في تحديد الواجب لا مجرد نفي وجوب الزائد على ما ذكر. فتأمل. وصحيح زرارة : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن أدنى ما تصلي فيه المرأة. فقال (ع) : درع وملحفة تنشرها على رأسها وتجلل بها » (٣) ، ونحوه غيره مما دل على وجوب تغطية الرأس ، بناء على شموله للشعر ولو للتبعية ، بل ظاهر التجلل في الصحيح ذلك. اللهم إلا أن يكون الأمر محمولا على الاستحباب ، لعدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب لباس المصلي حديث : ٩.

٢٥٥

______________________________________________________

اعتبار تجليل الجسد ، والتبعية في أطراف الشعر الطويل النازل عن الرأس ممنوعة. وربما استدل عليه أيضاً بما دل على وجوب الصلاة في الخمار ، بناء على ظهور الخمار فيما يستر جميع الشعر. وفيه تأمل ظاهر. وأما خبر عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (ع) : « لا بأس بالمرأة المسلمة الحرة أن تصلي وهي مكشوفة الرأس » (١) فهجره مانع عن العمل به. وعدم تقييد المقنعة بالكثيفة في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « المرأة تصلي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفا ( يعني : ستيراً ) » (٢) من جهة أن المتعارف طي المقنعة بحيث تكون ستيرة وإن كانت رقيقة.

( ومنها ) : الرأس فعن ابن الجنيد عدم وجوب ستره. ويشهد له خبر ابن بكير المتقدم ، وإطلاق خبره الآخر الذي لم يقيد بالحرة (٣). لكن الأول قد عرفت أنه مهجور ، والثاني يمكن حمله على غير الحرة جمعاً. فما دل على لزوم تغطية الرأس والاختمار كاف في وجوب ستره.

( ومنها ) : العنق ، فعن الألفية : ما ظاهره التوقف في وجوب ستره لجعله الأولى ، ولعله غير مراد منه الخلاف ، ففي الذكرى : « أما العنق فلا شك في وجوب ستره من الحرة ». ويشهد له صحيح زرارة الآمر بالتجلل بالملحفة (٤). فتأمل. وما دل على لزوم الخمار بناء على أن المتعارف في استعماله ستر العنق كالرأس. ولا ينافيه مصحح الفضيل السابق (٥) من جهة الاقتصار فيه على الشعر والأذنين ، لقرب حمله على إرادة نفي وجوب ستر الوجه ، لغلبة ستر العنق بالخمار.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب لباس المصلي حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب لباس المصلي حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب لباس المصلي حديث : ٦.

(٤) تقدم قبل قليل في البحث عن ستر الشعر.

(٥) تقدم قبل قليل في البحث عن ستر الشعر.

٢٥٦

حتى الرأس والشعر ، إلا الوجه [١] ، المقدار الذي يغسل في الوضوء [٢] ،

______________________________________________________

[١] فقد استثني في معاقد جملة من الإجماعات. وعن المنتهى والروض والتنقيح : الإجماع على عدم وجوب ستره. وفي الذكرى : « أجمع العلماء على عدم وجوب ستر وجهها إلا أبا بكر بن هشام ». ويشهد له ـ مضافاً الى مصحح الفضيل السابق ونحوه مما دل على الاكتفاء في الساتر بالدرع والخمار أو المقنعة اللذين لا يستران الوجه بحسب المتعارف ـ موثق سماعة قال : « سألته عن المرأة تصلي متنقبة. قال (ع) : إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به وإن أسفرت فهو أفضل » (١). فما عن الغنية والجمل والعقود من وجوب ستر جميع البدن من غير استثنائه ، وعن الوسيلة من الاقتصار في الاستثناء على موضع السجود. ضعيف ، أو غير مراد الظاهر.

[٢] إذ الظاهر من دليل التحديد في الوضوء هو التحديد للموضوع العرفي ، لا لبيان المراد الشرعي ليقتصر فيه على مورده لا غير. وفي الذكرى : « وفي الصدغين وما لم يجب غسله من الوجه نظر لتعارض العرف اللغوي والشرعي ». ومرجعه الى مخالفة الموضوع العرفي للتحديد الشرعي ، وعليه فلا وجه للتعدي عن مورده ، لعدم إطلاق دليل التحديد بحيث يشمل المقام. مضافاً إلى أن الوجه لم يذكر إلا في معاقد الإجماع ، والنصوص خالية عن ذكره ، وإنما تضمنت الاكتفاء بستر الشعر والأذنين ، أو بما يكون تحت الخمار أو المقنعة إذا استعملا على النحو المتعارف ، وما يستفاد منهما عدم وجوب ستره غير مطابق للوجه الواجب الغسل في الوضوء ، فاللازم الرجوع في غير ما قام الإجماع على وجوب ستره إلى أصالة البراءة.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

٢٥٧

وإلا اليدين الى الزندين [١] ، والقدمين الى الساقين [٢]

______________________________________________________

[١] فلا يجب سترهما عندنا ـ كما عن المختلف ـ أو عند علمائنا ـ كما عن المعتبر والمنتهى ـ أو إجماعاً ـ كما عن التذكرة وجامع المقاصد والروض ـ بل في الذكرى : « إجماع العلماء إلا أحمد وداود ». وكفى بهذا دليلا على العدم. أما نصوص الاكتفاء بالدرع والخمار فإثبات العدم بها موقوف على عدم ستر الدرع للكفين وهو غير ثابت ، بل في الحدائق : « إن من الجائز كون دروعهن في تلك الأزمنة واسعة الأكمام طويلة الذيل كما هو المشاهد الآن في نساء أهل الحجاز بل أكثر بلدان العرب ، فإنهم يجعلون القمص واسعة الأكمام مع طول زائد بحيث يجر على الأرض ، ففي مثله يحصل ستر الكفين والقدمين ». ولو شك كفى في البناء على العدم أصالة البراءة. أما صحيح زرارة المتقدم الآمر بالتجلل فلا يصلح لمعارضة ما دل على الاكتفاء بالدرع في ستر الجسد ولا يقتضي وجوب ستر ما يزيد على ما يستره الدرع ، فالأمر به إما لستر الرأس والشعر والعنق ، أو محمول على الاستحباب. وأصالة وجوب التستر غير ثابتة كما أشرنا إليه آنفاً.

[٢] كما نص عليه جماعة كثيرة على ما حكي عنهم. وفي الذكرى وعن جامع المقاصد والروض وغيرها : انه المشهور. والعمدة فيه أصل البراءة بعد عدم ما يدل على وجوب سترها. ونصوص الدرع غير صالحة لإثباته ، لعدم ثبوت كون المتعارف منه ما يكون ساتراً لهما ، ولا سيما ما كان مستعملا في البيوت لا عند الخروج. وصحيح زرارة الآمر بالتجلل (١) قد عرفت إشكاله كأصالة وجوب الستر. نعم في صحيح ابن جعفر (ع) : « عن المرأة ليس لها إلا ملحفة واحدة كيف تصلي؟ قال (ع) : تلتف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب لباس المصلي حديث : ٩.

٢٥٨

ظاهرهما وباطنهما [١] ، ويجب ستر شي‌ء من أطراف هذه المستثنيات من باب المقدمة [٢].

______________________________________________________

فيها وتغطي رأسها وتصلي ، فإن خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس » (١) ، ومقتضى مفهوم ذيله وجوب ستر الرجل. وكأنه لذلك تردد في الشرائع. اللهم (٢) إلا أن يكون الاعراض موجباً لسقوطه عن الحجية ، فيتعين العمل على المشهور.

وأما دعوى عدم الفصل بين الكفين والقدمين ، فغير ثابتة ، ولا سيما بملاحظة دعوى الإجماع من جماعة على العدم في الأولين وعدم دعواه من أحد فيما أعلم عليه في الأخيرين ، بل ظاهر نسبة العدم الى المشهور في الثاني وجود الخلاف فيه ، بل في الذكرى : نسبته الى الشيخ فيه ، وإن كان قد نسب الخلاف إليه في الكفين أيضاً. لكن في صدر كلامه دعوى إجماع العلماء في الكفين كما تقدم ، والتردد من المحقق في العدم فيه دون الكفين شاهد بذلك أيضاً.

[١] كما نص على ذلك في الدروس. وعن السرائر والتذكرة والتبصرة والإرشاد والتلخيص ونهاية الاحكام : استثناء القدمين. وظاهره العموم للباطن. وفي القواعد ، وعن المبسوط والمعتبر والإصباح والجامع : التخصيص بظهر القدمين. ومقتضى الأصل عموم الحكم ، ولا دليل يقتضي التفصيل. نعم لو كان المستند في عدم وجوب الستر الإجماع لا غير كان التخصيص بالأول في محله ، لعدم انعقاده في الثاني كما هو ظاهر.

[٢] تقدم الكلام فيه في نظائر المقام.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٢) أو يحمل على غير القدم ، العدم الإطلاق فيه ، لعدم روده في مقام وجوب ستر الرجل ، كما يظهر بالتأمل. ( منه مد ظله )

٢٥٩

( مسألة ٤ ) : لا يجب على المرأة [١] حال الصلاة ستر ما في باطن الفم من الأسنان واللسان ، ولا ما على الوجه من الزينة ـ كالكحل والحمرة والسواد والحلي ـ ولا الشعر الموصول بشعرها والقرامل وغير ذلك وإن قلنا بوجوب سترها عن الناظر [٢]

( مسألة ٥ ) : إذا كان هناك ناظر ينظر بريبة إلى وجهها أو كفيها أو قدميها يجب عليها سترها ، لكن لا من حيث الصلاة ، فإن أتمت ولم تسترها لم تبطل الصلاة. وكذا بالنسبة إلى حليها وما على وجهها من الزينة. وكذا بالنسبة إلى الشعر الموصول والقرامل في صورة حرمة النظر إليها.

( مسألة ٦ ) : يجب على المرأة ستر رقبتها حال الصلاة [٣]. وكذا تحت ذقنها ، حتى المقدار الذي يرى منه عند اختمارها على الأحوط [٤].

______________________________________________________

[١] للأصل ، بل عدم التعرض في النصوص له دليل على عدمه. وما في كشف الغطاء من احتمال إلحاق ما في باطن الفم من اللسان والأسنان ونحوهما بعورة الصلاة للمرأة في وجه قوي. ضعيف.

[٢] لعدم الملازمة بين المقامين. وكم من واجب نفسي لا يكون شرطاً في الصلاة أو غيرها ، وما يظهر من كشف الغطاء من قوله : « ومع كشفها للناظر في غير محل الرخصة عمداً لا يبعد البطلان » غير ظاهر. ومنه يظهر الحال في المسألة الآتية.

[٣] تقدم الكلام فيه.

[٤] لإطلاق كلماتهم وجوب الستر لما عدا الوجه والكفين والقدمين المقتضية لوجوب ستر الذقن من دون فرق بين ما يظهر عند الاختمار وعدمه‌

٢٦٠