مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

______________________________________________________

مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات ، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء إلى انتصاف الليل » (١).

وعن الخلاف : انتهاء وقتها مطلقاً بذهاب الشفق ، وكأنه لإطلاق مثل صحيح زرارة والفضيل قالا : « قال أبو جعفر (ع) : إن لكل صلاة وقتين غير المغرب فان وقتها واحد ووقتها وجوبها ، ووقت فوتها سقوط الشفق » (٢). ونحوه غيره. وعن المقنعة والنهاية : ذلك للحاضر ، ويجوز تأخيرها للمسافر إلى ربع الليل ، لمثل مصحح عمر بن يزيد : « وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل » (٣). وعن جماعة من أساطين القدماء ـ منهم الشيخ في المبسوط وغيره والسيد في المصباح والإصباح ـ : ذلك للمختار ، وأما للمعذور فيجوز تأخيرها إلى ربع الليل. وكأنه لمثل خبر عمر بن يزيد : « أكون مع هؤلاء وانصرف من عندهم عند المغرب فأمر بالمساجد فأقيمت الصلاة فإن أنا نزلت أصلي معهم لم أستمكن من الأذان والإقامة وافتتاح الصلاة. فقال (ع) : ائت منزلك وانزع ثيابك وإن أردت أن تتوضأ فتوضأ وصل فإنك في وقت إلى ربع الليل » (٤).

وفي جميع الأقوال الثلاثة طرح لنصوص النصف ، لأنها نص في جواز التأخير في الجملة إلى النصف. كما أن في أولها طرحاً أيضاً لنصوص الأخيرين وفي كل من الأخيرين أيضاً طرح لنصوص الآخر. والجميع غير ظاهر. مضافاً إلى منافاتها لنصوص أخرى كمصحح عمر بن يزيد قال : « قال أبو عبد الله (ع) : وقت المغرب في السفر إلى ثلث الليل » (٥) ، وصحيح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٩ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١٩ من أبواب المواقيت حديث : ١١.

(٥) الوسائل باب : ١٩ من أبواب المواقيت حديث : ١.

٤١

والعشاء [١] ويختص المغرب بأوله بمقدار أدائه.

______________________________________________________

أبي همام إسماعيل بن همام : « رأيت الرضا (ع) ـ وكنا عنده ـ لم يصل المغرب حتى ظهرت النجوم ثمَّ قام فصلى بنا على باب دار ابن أبي محمود » (١) ، وخبر داود الصرمي : « كنت عند أبي الحسن الثالث (ع) يوماً فجلس يحدث حتى غابت الشمس ثمَّ دعا بشمع وهو جالس يتحدث فلما خرجت من البيت نظرت وقد غاب الشفق قبل أن يصلي المغرب ثمَّ دعا بالماء فتوضأ وصلى » (٢). ودعوى كون الأخيرين حكاية فعل مجمل يمكن لذلك حملهما على العذر. مما لا يصغى إليها ، فإن عدم إبدائه للعذر في التأخير وعدم أمره للحاضرين بالمبادرة إلى الصلاة ، مانع عن الحمل المذكور. واحتمال اطراد العذر في الحاضرين أيضاً مما لا مجال له ، وإلا كان على الراوي بيانه. ( وبالجملة ) : ظهور النصوص المذكورة في جواز التأخير اختياراً مما لا ينبغي التأمل فيه. مع أن في ظهور نصوص الأخير في العذر الذي هو ظاهر القائل تأملا ظاهراً. ولأجل ذلك كله يتعين حمل نصوص ذهاب الشفق على وقت الفضيلة أو كراهة التأخير عنه ، ونصوص الربع والثلث على نفي الكراهة في التأخير في السفر أو العذر ، فان ذلك مقتضى الجمع العرفي بين جميع النصوص المذكورة. فلاحظ.

[١] أما أن أول وقت العشاء المغرب في الجملة ـ على الخلاف الآتي في الاختصاص والاشتراك ـ فهو المشهور والمنسوب إلى السيد والتقي والقاضي وابني زهرة وحمزة وسائر المتأخرين. ويشهد له كثير من النصوص ، منها ما تقدم في وقت المغرب من روايات زرارة‌ وابنه‌ وابن فرقد‌ ، ونحوها غيرها.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب المواقيت حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب المواقيت حديث : ١٠.

٤٢

______________________________________________________

وبعضه وإن لم يكن ظاهراً في دخول الوقت بالغروب أو بعده بمقدار أداء المغرب ، لكنه صريح في دخوله قبل ذهاب الشفق ، كموثق زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « صلى رسول الله (ص) بالناس المغرب والعشاء الآخرة قبل الشفق من غير علة في جماعة ، وإنما فعل ذلك ليتسع الوقت على أمته » (١) ، ورواية إسحاق بن عمار : « سألت أبا عبد الله (ع) : يجمع بين المغرب والعشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير علة؟ قال (ع) : لا بأس » (٢) ، وخبر زرارة : « سألت أبا جعفر (ع) وأبا عبد الله عن الرجل يصلي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق. فقال (ع) : لا بأس به » (٣).

وعن المقنعة والمبسوط والخلاف وغيرها : أول وقتها غروب الشفق ، لظاهر جملة من النصوص ، كصحيح بكر بن محمد عن أبي عبد الله (ع) : « قال وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة وآخر وقتها إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ (٤) ، وخبره : « ثمَّ سألته عن وقت العشاء فقال (ع) : إذا غاب الشفق » (٥) وصحيح الحلبي : « سألت أبا عبد الله (ع) متى تجب العتمة؟ قال (ع) : إذا غاب الشفق والشفق الحمرة » (٦) ونحوها غيرها ـ الواجب حمل الجميع على الفضل جمعاً عرفياً بينه وبين ما سبق.

هذا ، ومن موثق زرارة‌ ورواية إسحاق‌ يظهر ضعف ما عن النهاية من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب المواقيت حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب المواقيت حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٦) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب المواقيت حديث : ١.

٤٣

______________________________________________________

أنه يجوز للمسافر والمعذور تقديمها على ذهاب الشفق ولا يجوز لغيرهما. ومثله ما عن التهذيب من أنه يجوز تقديمها إذا علم أو ظن بعدم التمكن منها لو أخرها.

وأما أن آخر وقتها مطلقاً نصف الليل فهو المشهور. ويشهد له النصوص المتقدمة في المغرب وغيرها. وعن المقنعة وجملة من كتب الشيخ وغيره : أن آخره ثلث الليل مطلقاً ، ويشهد له جملة من النصوص كرواية زرارة : « وآخر وقت العشاء ثلث الليل » (١) ، وخبر معاوية بن عمار : « وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل » (٢). ونحوهما غيرهما. لكن لا مجال للأخذ بظاهرها ، لما سبق ، فلا بد من الجمع بينها بالحمل على اختلاف مراتب الفضل ، لصراحة تلك في جواز التأخير إلى النصف.

وأما ما عن التهذيب والاستبصار والمبسوط والوسيلة من التفصيل بين المختار فالى الثلث ، وبين غيره فالى النصف ، جمعاً بين النصوص ، فغير ظاهر ، لعدم الشاهد للجمع. والمتعين ما ذكرنا ، كما يشير اليه موثق الحلبي « العتمة إلى ثلث الليل أو إلى نصف الليل وذلك التضييع » (٣) ، وخبر أبي بصير عن أبي جعفر (ع) : « قال رسول الله (ص) : لو لا أني أخاف أن أشق على أمتي لأخرت العتمة إلى ثلث الليل. وأنت في رخصة الى نصف الليل » (٤).

نعم يبقى الإشكال في ظاهر مثل هذا الخبر ، حيث أنه يقتضي استحباب إيقاع العشاء بعد الثلث ، وهو مما لا يمكن الالتزام به. ويمكن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب المواقيت حديث : ٩.

(٤) الوسائل باب : ٢١ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

٤٤

والعشاء بآخره كذلك [١]. هذا للمختار. وأما المضطر ـ لنوم أو نسيان أو حيض أو نحو ذلك من أحوال الاضطرار ـ فيمتد وقتهما الى طلوع الفجر [٢]. ويختص العشاء من آخره بمقدار أدائها دون المغرب من أوله أي : ما بعد نصف الليل. والأقوى‌

______________________________________________________

حمله على إرادة جعل آخر وقتها ثلث الليل لا أكثر فيطابق ما سبق ، أو على إرادة أن ذلك ـ أعني : استحباب التأخير ـ بحسب العناوين الأولية لا الثانوية ، وإلا فمقتضاها عدم الفضل في التأخير إليه ـ كما يقتضيه الشرط ـ بل الفضل في التقديم ، كما يشهد به. مواظبته (ص) على ذلك. ومرسلة الكليني ـ بعد أن روى عن أبي بصير أنه إلى ثلث الليل ـ قال : « وروي الى ربع الليل » (١) المحمول على الفضل جزماً ، فيكون للعشاء ثلاثة أوقات ربع الليل ، وثلثه ، ونصفه. والله سبحانه أعلم.

[١] الكلام هنا هو الكلام في الظهرين قولا ، وقائلا ، ودليلا ، فقد ورد في مرسلة ابن فرقد نحو ما ورد هناك ، كما ورد في رواية عبيد وغيرها مثل ما ورد والجمع في المقامين بنحو واحد ، فلاحظ.

[٢] كما عن المعتبر. وفي المدارك : انه المعتمد. ويشهد له جملة من النصوص كموثق أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « إن نام رجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء الآخرة أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما ، وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة ، وإن استيقظ بعد الفجر فليصل الفجر ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس .. » (٢) ، ونحوه صحيح ابن سنان المروي في التهذيب (٣)

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٦٢ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٦٢ من أبواب المواقيت ملحق الحديث الرابع.

٤٥

أن العامد في التأخير الى نصف الليل أيضاً كذلك ـ أي : يمتد وقته الى الفجر ـ وإن كان آثماً بالتأخير لكن الأحوط أن‌

______________________________________________________

أو ابن مسكان المروي في الاستبصار (١) ، وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) ـ في الحائض ـ : « وإن طهرت في آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء » (٢) ، ونحوه خبر داود الدجاجي عن أبي جعفر (ع) (٣) وخبر عمر بن حنظلة عن الشيخ (ع) قال : « إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب والعشاء » (٤). والمناقشة في دلالتها على امتداد الوقت في غير محلها ، ولا سيما ما ورد في الحائض.

والاشكال عليها بأنها خلاف ما ورد (٥) في تفسير قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ... ) (٦) ، وأنها موافقة للعامة ، ومخالفة لما دل على ذم النائم عن الصلاة (٧) ، وأمره بالقضاء بعد الانتصاف وصوم اليوم الذي بعده عقوبة ، وأن مضمونها مما لم يتعرض له في غيرها من النصوص. ( سهل الاندفاع ) فان المخالفة بين الأدلة اللفظية لا تقدح مع إمكان الجمع العرفي. وكذا الموافقة للعامة. وذم النائم إنما يقتضي الإثم فلا ينافي ما دل على بقاء الوقت ، ولا سيما لو خص الثاني بالعذر ، إذ لا ذم حينئذ ولا إثم. والتعبير بالقضاء في مرفوعة ابن مسكان عن أبي عبد الله (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٢ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الحيض حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الحيض حديث : ١١.

(٤) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الحيض حديث : ١٢.

(٥) الوسائل باب : ١٠ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

(٦) الاسراء ـ ٧٨.

(٧) راجع الوسائل باب : ٢٩ من أبواب المواقيت.

٤٦

لا ينوي الأداء والقضاء ، بل الأولى ذلك في المضطر أيضاً. وما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس وقت الصبح [١]

______________________________________________________

« من نام قبل أن يصلي العتمة فلم يستيقظ حتى يمضي نصف الليل فليقض صلاته وليستغفر الله » (١) ، وفي مرسل الفقيه : « يقضي ويصبح صائماً عقوبة » (٢). غير ظاهر في القضاء بالمعنى المصطلح. مع أن الخبرين ضعيفان ومختصان بغير المعذور. وليس من شرط حجية الحجة تعرض غيرها لمضمونها.

نعم قد يخدش في الأخبار المذكورة إعراض المشهور عنها. لكنه لم يثبت كونه بنحو يوهن الحجية ، لجواز أن يكون وجهه بعض ما سبق مما عرفت اندفاعه. نعم في التعدي عن موردها إلى مطلق المعذور تأمل ، وإن كان غير بعيد ، إذ بعد إلغاء خصوصية مورد كل منها يكون الانتقال الى جامع الاضطرار أولى من الانتقال الى الجامع بين مواردها. وأشكل منه التعدي إلى غير المعذور مع الالتزام بالإثم كما يقتضيه الأمر بالاستغفار وبالصوم عقوبة. وإن كان يساعده إطلاق رواية عبيد عن أبي عبد الله (ع) : « لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ، لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس ، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر ، ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس » (٣). فالاحتياط فيه متعين. والله سبحانه أعلم.

[١] أما أن أول وقت الصبح طلوع الفجر : فلا خلاف فيه ـ كما عن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب المواقيت حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب المواقيت حديث : ٩.

٤٧

______________________________________________________

جماعة ـ وإجماع ـ كما عن آخرين ـ وإجماع أهل العلم أو العلماء كما عن غيرهم. ويشهد له كثير من النصوص المعتبرة. ففي مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) ـ في حديث ـ : « إذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة » (١) ، وخبره عنه (ع). وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس » (٢). ونحوهما غيرهما.

وأما انتهاؤه بطلوع الشمس فهو مذهب الأكثر ـ كما عن جماعة ـ والأشهر ـ كما عن آخرين ـ والمشهور بين الأصحاب كما عن غيرهم ، بل في الجواهر وصف الشهرة بالعظيمة. وعن السرائر والغنية : الإجماع عليه. ويشهد له خبرا زرارة وعبيد المتقدمان (٣).

وعن الشيخ في كثير من كتبه : أن ذلك للمضطر ، أما المختار فوقته الى أن يسفر الصبح ، لمصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « وقت الفجر حين ينشق الفجر الى أن يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ولكنه وقت لمن شُغل أو نسي أو نام » (٤) ، وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ولكنه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام » (٥).

وفيه : أن الظاهر من الصحيح كون قوله (ع) : « ووقت الفجر .. » من قبيل الصغرى للكبرى التي تضمنها الصدر كما يشهد به قوله (ع) في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب المواقيت حديث : ٦.

(٣) تقدم ذكرهما في البحث عن وقت المغرب.

(٤) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب المواقيت حديث : ٥.

٤٨

ووقت الجمعة من الزوال إلى أن يصير الظل مثل الشاخص [١]

______________________________________________________

ذيله : « ووقت المغرب حين تجب الشمس إلى أن تشتبك النجوم وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلا من عذر أو علة » إذ لا ريب في كونه من قبيل الصغرى لا من قبيل الاستثناء ، وحينئذ يتعين حمل : « لا ينبغي » فيه على الكراهة. وكذا قوله (ع) في ذيله « وليس لأحد .. » فيكون الصحيح المذكور قرينة على إرادة بيان الوقت الأول الأفضل في المصحح. وكذا موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل إذا غلبت عينه أو عاقه أمر أن يصلي المكتوبة من الفجر ما بين أن يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس » (١) ، لا أقل من وجوب الحمل على ذلك ، ولو بقرينة إطلاق رواية زرارة وعبيد ، وبقرينة وجود مثل هذا التعبير في بقية الصلوات. فتأمل جيداً.

ثمَّ إن الظاهر أنه لا إشكال ولا خلاف ظاهر في أن الفجر الذي هو أول وقت الصبح هو الفجر الصادق ، كما تدل عليه النصوص الآتية إن شاء الله في التمييز بينه وبين الكاذب.

[١] كما عن الأكثر ، أو أكثر أهل العلم ، أو المشهور ، أو عليه المعظم على اختلاف عبارات النسبة. وعن المنتهى : الإجماع عليه. ومستنده غير واضح كما عن المسالك والروض والذخيرة. وعن الروضة : « لا شاهد له ». بل قد يقال : إن النصوص الدالة على أن وقتها حين تزول الشمس تشهد بخلافه ، كصحيح الفضلاء عن أبي جعفر (ع) : « قال : إن من الأشياء أشياء موسعة وأشياء مضيقة ، فالصلاة مما وسع فيه تقدم مرة وتؤخر أخرى ، والجمعة مما ضيق فيها فان وقتها يوم الجمعة ساعة تزول ، ووقت العصر فيها وقت الظهر في غيرها » (٢). ونحوه صحيح زرارة (٣) ، وصحيح ابن مسكان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب المواقيت حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث : ٣.

٤٩

فإن أخرها عن ذلك مضى وقته ووجب عليه الإتيان بالظهر.

______________________________________________________

أو ابن سنان (١) ، وغيرهما. ولذلك اختار الحلبيان أن وقتها أول الزوال. لكن فيه أن أكثر النصوص الواردة بهذا اللسان موردها صلاة الظهر يوم الجمعة أو ما يعمها والجمعة ، ففي خبر أبي سيار قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن وقت الظهر في يوم الجمعة في السفر. فقال (ع) : عند زوال الشمس وذلك وقتها يوم الجمعة في غير السفر » (٢) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : « وقت الجمعة زوال الشمس ووقت صلاة الظهر في السفر زوال الشمس ، ووقت العصر يوم الجمعة في الحضر نحو من وقت الظهر في غير يوم الجمعة (٣) ، ومصحح ابن سنان : « إذا زالت الشمس يوم الجمعة فابدأ بالمكتوبة » (٤) ، وخبر إسماعيل بن عبد الخالق : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقت الصلاة فجعل لكل صلاة وقتين إلا الجمعة في السفر والحضر فإنه قال : وقتها إذا زالت الشمس » (٥). ونحوها غيرها.

والمتعين حمل الجميع على استحباب المبادرة إلى الصلاة من جهة عدم المزاحمة بالنافلة لتقديمها على الزوال. مع أن التضييق الحقيقي ـ كما هو ظاهرها ـ مما لا يمكن الالتزام به ، والتضييق العرفي ـ مع أنه خلاف ظاهرها ، وأنه مما يصعب جداً الالتزام به أيضاً ـ مناف لبعض النصوص ، ففي رواية زرارة عن أبي جعفر (ع) ـ المحكية عن المصباح ـ : « قال : أول وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة فحافظ عليها ، فان رسول الله (ص) قال : لا يسأل الله عز وجل عبد فيها خيراً إلا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث : ١١.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث : ١٥.

(٥) الوسائل باب : ٨ من أبواب صلاة الجمعة حديث : ١٨.

٥٠

______________________________________________________

أعطاه الله » (١). ونحوها غيرها. فان التحديد بالساعة فيها ظاهر في كون الوقت أوسع من الفعل بنحو معتد به. مع أن ظاهر التعليل فيها استحباب إيقاعها في الساعة لا وجوبه. ومن ذلك يشكل أيضاً جعلها سنداً لفتوى المشهور. مضافاً الى عدم ظهور كون المراد بالساعة المثل.

وربما توجه فتوى المشهور بأن النصوص المشار إليها آنفاً قد تضمنت أن الجمعة لها وقت واحد ، وأنها من الأمر المضيق ، وتضييقها كما يحتمل أن يكون من جهة تحديدها بالزوال يحتمل أن يكون من جهة أن ليس لها إلا الوقت الأول من الوقتين المجعولين لغيرها ، والأول مما لا يمكن الالتزام به لأنه حرج غالباً فيتعين الثاني ، وهو المثل. وفيه : أن هذه النصوص لم تهمل تحديد ذلك الوقت الواحد ليتردد الأمر بين الاحتمالين ، وإنما حددته بالزوال ، فاذا امتنع البناء عليه كان اللازم حمله على الاستحباب ، ولا سيما بملاحظة ما عرفت من كون مورد تلك النصوص الظهر ، ولا سيما مع صراحة بعضها بلزوم المبادرة إليها بمجرد الزوال والمنع من فصلها عنه بركعتين. فلاحظها.

ولأجل ذلك كله اختار الحلي والشهيد في الدروس والبيان أن وقتها وقت الظهر فضيلة وإجزاء. قال في الدروس : « ووقت الجمعة وقت الظهر بأسره » ، لعدم دليل على توقيتها بعينها ، فيرجع في توقيتها الى ما دل على توقيت الظهر ، لأنها عين الظهر جعل فيها الخطبتان بدل الركعتين. وهذا وإن كان الأوفق بالقواعد الأولية ، لكنه بعيد جداً ، لعدم الإشارة الى ذلك في السنة قولا ولا فعلا ، بل هو خلاف المرتكز بين المسلمين من توقيتها بوقت دون ذلك. ولذلك لم يعهد وقوعها من النبي (ص) ولا من غيره‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث : ١٩.

٥١

ووقت فضيلة الظهر [١] من الزوال الى بلوغ الظل الحادث بعد‌

______________________________________________________

من أئمة المسلمين (ع) في آخر وقت الظهر مع كثرة الطوارئ والعوارض التي تكون عذراً في تأخير الظهر كالسفر والمرض وغيرهما.

بل الإنصاف يقتضي القطع بأن لها وقتاً معيناً أقل من ذلك. وحينئذ نقول : حيث أجمل كان المرجع في غير المتيقن من وقتها عموم العام ، أو استصحاب حكم المخصص ، فان المقام من صغريات تلك المسألة. ( وبالجملة ) : عموم ما دل على وجوب الظهر قد خصص في يوم الجمعة بما دل على بدلية الجمعة ، والفعل في أول الزوال متيقن البدلية ، وفيما بعده من الأوقات المشكوكة يشك في بدلية الجمعة إذا وقعت فيها ، فيحتمل الرجوع الى استصحاب البدلية ، ويحتمل الرجوع الى عموم وجوب الظهر. لكن المختار في مسألة استصحاب حكم المخصص هو الرجوع الى عموم العام. والله سبحانه أعلم.

[١] قد اختلفت الأخبار الدالة على وقت الفضيلة اختلافاً كثيراً.

فبعضها : دال على انتهائه بالقدمين والأربعة أقدام ، كصحيح الفضلاء : « وقت الظهر بعد الزوال قدمان ، ووقت العصر بعد ذلك قدمان » (١) ورواية عبيد بن زرارة قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن أفضل وقت الظهر. قال (ع) : ذراع بعد الزوال. قلت : في الشتاء والصيف سواء؟ قال (ع) : نعم » (٢) ، ومكاتبة محمد بن الفرج : « إذا زالت الشمس فصل سبحتك وأحب أن يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين ، ثمَّ صل سبحتك وأحب أن يكون فراغك من العصر والشمس على أربعة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٢٥.

٥٢

______________________________________________________

أقدام » (١).

وبعضها : ظاهر في دخوله بعد القدمين والأربعة ، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن وقت الظهر. فقال (ع) : ذراع من زوال الشمس. ووقت العصر ذراع من وقت الظهر فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس. ثمَّ قال (ع) : إن حائط مسجد رسول الله (ص) كان قامة وكان إذا مضى منه ذراع صلى الظهر وإذا مضى منه ذراعان صلى العصر. ثمَّ قال (ع) : أتدري لم جعل الذراع والذراعين؟ قلت : لم جعل ذلك؟ قال (ع) : لمكان النافلة ، لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع ، فاذا بلغ فيؤك ذراعاً بدأت بالفريضة وتركت النافلة ، وإذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة » (٢) فإن الصدر وإن كان ظاهراً في كونه من القسم الأول لكن الذيل يوجب حمله على القسم الثاني كرواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) : « كان رسول الله (ص) إذا كان ألفي في الجدار ذراعاً صلى الظهر وإذا كان ذراعين صلى العصر. قلت : الجدران تختلف منها قصير ومنها طويل قال (ع) : إن جدار مسجد رسول الله (ص) كان يومئذ قامة ، وإنما جعل الذراع والذراعان لئلا يكون تطوع في وقت فريضة » (٣). ونحوها غيرها.

وبعضها : ظاهر في انتهائه بالقامة ، كصحيح البزنطي : « سألته عن وقت الظهر والعصر. فكتب : قامة للظهر وقامة للعصر » (٤) ، وخبر محمد بن حكيم : « سمعت العبد الصالح يقول : إن أول وقت الظهر زوال‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٣١.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٢٨.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ١٢.

٥٣

______________________________________________________

الشمس وآخر وقتها قامة من الزوال ، وأول وقت العصر قامة وآخر وقتها قامتان. قلت : في الشتاء والصيف سواء؟ قال (ع) : نعم » (١) ، وحسنة أحمد بن عمر عن أبي الحسن (ع) : « قال : سألته عن وقت الظهر والعصر. فقال (ع) : وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظل قامة ، ووقت العصر قامة ونصف الى قامتين » (٢).

وبعضها : ظاهر في دخوله بعد المثل ، كموثق زرارة : « سألت أبا عبد الله (ع) عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم يجبني ، فلما ان كان بعد ذلك قال لعمر بن سعيد بن هلال : إن زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم أخبره فحرجت من ذلك فاقرأه مني السلام وقل له : إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر » (٣). ونحوها رواية ابن بكير (٤) ، غير أنها صريحة في الفرق بين الصيف وغيره ، وأن في غيره تكون الصلاة على ذراع وذراعين.

وبعضها : ظاهر في دخول وقت الظهر بعد القدم أو نحوه ، كخبر إسماعيل بن عبد الخالق قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن وقت الظهر فقال (ع) : بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في يوم الجمعة أو في السفر فان وقتها حين تزول » (٥).

ونحوه موثق سعيد الأعرج (٦). وبعضها : ظاهر في أن وقت الظهر إلى أربعة أقدام. كخبر إبراهيم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٢٩.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ١٣.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٣٣.

(٥) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ١١.

(٦) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ١٧.

٥٤

______________________________________________________

الكرخي قال : « سألت أبا الحسن موسى (ع) : متى يدخل وقت الظهر؟ قال (ع) : إذا زالت الشمس. فقلت : متى يخرج وقتها؟ فقال (ع) : من بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام ، إن وقت الظهر ضيق ليس كغيره قلت : فمتى يدخل وقت العصر؟ فقال (ع) : إن آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر. فقلت : فمتى يخرج وقت العصر؟ فقال (ع) : وقت العصر الى أن تغرب الشمس .. » (١) وهناك نوع أو أنواع أخرى نشير إليها إن شاء الله تعالى.

والاختلاف فيما بين هذه الأنواع يرجع الى جهتين : أولاهما : الاختلاف في المقدار من القدم والقدمين والأربعة ، والذراع والذراعين في الصيف والشتاء ، أو في خصوص الشتاء ، والمثل والمثلين في الصيف والشتاء ، أو في خصوص الصيف. وثانيتهما : اختلافها من حيث أن وقت الفضيلة يدخل بعد القدم أو القدمين أو المثل ، أو يدخل بالزوال إلى نهاية القدم أو القدمين أو المثل ، أو مع زيادة مقدار أداء الفعل.

أما الكلام في الثانية : فهو أن الظاهر من رواية القدم نفسها دخول الوقت بعدها لا كونها وقتاً ، بقرينة دخول الباء ، كما تقول : بعد الزوال بساعة. وأما روايات القدمين والذراع : فبعضها ظاهر ـ في نفسه ـ في ذلك ، مثل صحيح زرارة : « وقت الظهر على ذراع » (٢). وفي مكاتبة عبد الله بن محمد : « وقت الظهر على قدمين من الزوال ووقت العصر على أربعة أقدام من الزوال » (٣). ونحوهما غيرهما. وبعضها محمول على ذلك‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٣٢.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ١٩.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٣٠.

٥٥

______________________________________________________

وإن كان ظاهراً في أن الذراع نفسه وقت. والمقتضي لهذا الحمل التعليل بقوله (ع) ـ في رواية إسماعيل الجعفي ـ : « لئلا يكون تطوع في وقت فريضة » (١) ، والاستدلال على ذلك بفعل النبي (ص) في صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) وأنه كان إذا صار في‌ء مسجده ذراعاً صلى الظهر (٢) فان ذلك قرينة على أن المراد من قوله (ع) : « ذراع » أو « قدمان » : أنه على ذراع وعلى قدمين ، أو بذراع وبقدمين. وكأن إرادة هذا المعنى من هذه العبارة كان شائعاً رائجاً ، ولذلك عبر في صدر صحيح زرارة بالذراع ثمَّ استشهد بفعل النبي (ص). ومن ذلك ربما يسهل الجمع بين روايتي المثل والقامة فتحمل رواية القامة على إرادة أنه على قامة. إلا أنه لا مجال للالتزام به ، لمخالفته لصريح حسنة أحمد بن عمر ورواية محمد بن حكيم المتقدمتين ، المعتضدتين بخبر إبراهيم الكرخي المتقدم الذي يرويه عنه ابن محبوب ، فإنه صريح أيضاً في دخول وقت الفضيلة بالزوال. فلا بد من حمل جميع ما دل على تأخر وقت الفضيلة بذراع أو بقامة أو نحو ذلك على إرادة الوقت الذي يجوز الانتظار فيه والتأخير اليه ، ويكون المراد من قوله (ع) في التعليل : « لئلا يكون تطوع في وقت فريضة » : لئلا يكون تزاحم بين النافلة والفريضة. فالمراد من وقت الفريضة وقتها الذي لا يمكن أن تتأخر عنه.

وأما الكلام في الجهة الأولى : فيمكن أن يكون الوجه اختلاف مراتب الفضيلة ، فيكون غاية الوقت الفضيلي المثل ، وأفضل منه ثلثا القامة عدا وقت الفعل. ففي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « الصلاة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٢٨.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٣ وهو منقول بالمعنى.

٥٦

______________________________________________________

في الحضر ثمان ركعات إذا زالت الشمس ما بينك وبين أن يذهب ثلثا القامة ، فإذا ذهب ثلثا القامة بدأت بالفريضة » (١) ، وأفضل منه أربعة أقدام كما في رواية الكرخي ، وأفضل منه القدمان عدا وقت الفعل ، وأفضل منه أن يكون الفراغ من الفريضة والشمس على قدمين كما في مكاتبة محمد ابن الفرج‌. وأفضل منه القدم عدا وقت الصلاة. ففي رواية ذريح المحاربي : « سأل أبا عبد الله (ع) أناس وأنا حاضر‌ .. ( الى أن قال ) : فقال بعض القوم : إنا نصلي الأولى إذا كانت على قدمين والعصر على أربعة أقدام. فقال أبو عبد الله (ع) : النصف من ذلك أحب إلي » (٢). ونحوها روايتا سعيد الأعرج عن أبي عبد الله (ع) وإسماعيل بن عبد الخالق عنه (ع) (٣). وأفضل منه ما قبل ذلك بمجرد الفراغ من النافلة ، كما يقتضيه مرسل الفقيه : « قال الصادق (ع) : أوله رضوان الله » (٤) ، وما دل على حسن المسارعة والاستباق الى الخيرات (٥) ، وصحيح زرارة قال : « قال أبو جعفر (ع) : اعلم أن أول الوقت أبداً أفضل ، فعجل الخير ما استطعت » (٦) ، ورواية أبي بصير : « ذكر أبو عبد الله (ع) أول الوقت وفضله ، فقلت : كيف أصنع بالثمان ركعات؟ فقال (ع) : خفف ما استطعت » (٧) ، ونحوها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٢٣.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٢٢.

(٣) تقدم ذكرهما في هذه التعليقة.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب المواقيت حديث : ١٦.

(٥) كما هو مفاد الآية : ١٤٨ من سورة البقرة ، و: ١٣٣ من سورة آل عمران و: ٢١ من سورة الحديد.

(٦) الوسائل باب : ٣ من أبواب المواقيت حديث : ١٠.

(٧) الوسائل باب : ٣ من أبواب المواقيت حديث : ٩.

٥٧

______________________________________________________

وأما مواظبة النبي (ص) على الصلاة على الذراع ـ كما في كثير من النصوص (١) ـ وانتظاره الوقت المذكور ، فيمكن أن يكون الوجه فيه انتظار فراغ المسلمين من نوافلهم ، ولعله لا يتيسر لهم أجمع فعلها في أول الوقت. ولعله على ذلك أيضاً يحمل ما في « نهج البلاغة » في كتاب أمير المؤمنين (ع) إلى الأمراء : « أما بعد فصلوا بالناس الظهر حين تفي‌ء الشمس مثل مربض العنز » (٢).

وأما رواية زرارة : « قلت لأبي عبد الله (ع) أصوم فلا أقيل حتى تزول الشمس فاذا زالت الشمس صليت نوافلي ثمَّ صليت الظهر ثمَّ صليت نوافلي ثمَّ صليت العصر ثمَّ نمت وذلك قبل أن يصلي الناس. فقال (ع) : يا زرارة إذا زالت الشمس فقد دخل الوقت ولكني أكره لك أن تتخذه وقتاً دائماً » (٣) فيمكن أن يكون الوجه فيه جهة راجعة إلى زرارة خوفاً عليه.

وأما موثق زرارة عن أبي عبد الله (ع) الدال على الأمر بإيقاع الصلاة بعد المثل والمثلين‌ ، ونحوه خبر ابن بكير‌. فهو مختص بالصيف فيمكن الأخذ به فيه ولو من جهة استحباب الإبراد في الصلاة ، لحفظ الإقبال عليها ، أو لغير ذلك لا من جهة خصوصية الوقت. ولكنه خلاف المشهور بين الفقهاء ( رض ) ، بل في رواية القاسم بن عروة : « ولم أسمع أحداً من أصحابنا يفعل ذلك غيره ( يعني : غير زرارة ) وغير ابن بكير ». وحينئذ لا يخلو الأخذ به عن إشكال. وقد تقدم في خبر محمد بن حكيم‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب المواقيت حديث : ١٣ وفي نهج البلاغة ( حتى ) بدل ( حين ) ولكن في نسخة المؤلف المصححة تصحيحها بـ ( حين ) بدل ( حتى ).

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب المواقيت حديث : ١٠.

٥٨

______________________________________________________

التصريح بعدم الفرق بين الصيف والشتاء. ويدل على عموم الحكم موثق معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (ع) الوارد في إتيان جبرئيل بمواقيت الصلاة. إذ فيه : « فأتاه (ص) حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر .. ( إلى أن قال ) : ثمَّ أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر‌ .. ( إلى أن قال ) ثمَّ قال : ما بينهما وقت » (١) ، فهو غير مختص بالصيف. لكن في بعض أسانيد الرواية المذكورة. وفي بعض الروايات : التعبير بالذراع والذراعين (٢) ، والقدمين والأربعة أقدام (٣) وهذا مما يهون الأمر.

ثمَّ إنه ورد في روايتي علي بن حنظلة (٤) وعلي بن أبي حمزة (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « كم القامة؟ فقال (ع) : ذراع » ، ولعل مثلهما مرسل يونس عن بعض رجاله عن أبى عبد الله (ع) : « سألته عما جاء في الحديث : أن صل الظهر إذا كانت الشمس قامة وقامتين وذراعاً وذراعين وقدماً وقدمين من هذا ومن هذا فمتى هذا وكيف هذا؟ وقد يكون الظل في بعض الأوقات نصف قدم. قال (ع) : إنما قال : ظل القامة ، ولم يقل قامة الظل ، وذلك أن ظل القامة يختلف ، مرة يكثر ومرة يقل ، والقامة قامة أبداً لا تختلف. ثمَّ قال : ذراع وذراعان وقدم وقدمان ، فصار ذراع وذراعان تفسيراً للقامة والقامتين في الزمان الذي يكون فيه ظل القامة ذراعاً ، وظل القامتين ذراعين ، فيكون ظل القامة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب المواقيت حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب المواقيت حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب المواقيت حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٢٦.

(٥) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ١٦.

٥٩

الانعدام أو بعد الانتهاء مثل الشاخص. ووقت فضيلة العصر من المثل إلى المثلين على المشهور [١] ،

______________________________________________________

والقامتين والذراع والذراعين متفقين في كل زمان ، معروفين مفسراً أحدهما بالآخر ، مسدداً به ، فاذا كان الزمان يكون فيه ظل القامة ذراعاً ، كان الوقت ذراعاً من ظل القامة ، وكانت القامة ذراعاً من الظل ، وإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصوراً بالذراع والذراعين ، فهذا تفسير القامة والقامتين والذراع والذراعين » (١). لكن الجميع مخالف لصريح النصوص المتقدمة وغيرها ، فلا بد من طرح الجميع ، ولا سيما مع ما عليه الأخير من الاشكال من جهات أخرى تظهر بالتأمل. ومن العجيب أنه اعتمد عليه جماعة في قولهم بأن المماثلة بين الظل الباقي والفي‌ء الزائد ، لا بين الشاخص والفي‌ء كما نسب إلى المشهور ، وعن الخلاف : نفي الخلاف فيه ، وهو ظاهر النصوص.

[١] ونسبه في مفتاح الكرامة إلى جمع منهم المحقق في المعتبر ، والعلامة في المنتهى والتذكرة ، والشهيدان في الدروس واللمعة وحواشي القواعد والروضة والمسالك وغيرها ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ، وغيرهم. وفي الحدائق : « والمشهور في كلام المتأخرين أفضلية تأخير العصر الى أول المثل الثاني ». ويشهد له جملة من النصوص ، كخبر يزيد بن خليفة : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن عمر بن حنظلة أتانا عنك ، فقال عليه‌السلام : إذن لا يكذب علينا. قلت ذكر أنك قلت : إن أول صلاة‌ .. إلى أن قال : فاذا صار الظل قامة دخل وقت العصر ، فلم تزل في وقت حتى يصير الظل قامتين (٢) ، وصحيح البزنطي وخبر محمد بن حكيم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٣٤.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب المواقيت حديث : ٦.

٦٠