مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

______________________________________________________

لا بأس » (١) ، والصحيح الآخر لابن الحجاج عن أبي الحسن (ع) قال : « سألته عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة‌ .. الى أن قال (ع) : فان صلاتك على الأرض أحب الي » (٢). نعم ليس فيها ما يدل صريحاً على سقوط الاستقبال في حال المشي في الحضر بالخصوص بل فيها ما هو مطلق في جواز الصلاة ماشياً ، لكنه يمكن أن يستفاد ذلك منه كما عرفت ، أو يستفاد مما ورد في الركوب في الحضر بالأولوية.

وكيف كان فما عن ابن أبي عقيل وغيره من اعتبار الاستقبال مطلقاً في الحضر غير ظاهر ، إلا من جهة ذكر السفر في جملة من نصوص الجواز وما في بعض الأخبار الواردة في تفسير قوله تعالى ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا ... ) في النافلة في السفر (٣). لكن الأول لا يصلح لتقييد غيره ، لعدم التنافي فضلا عن أن يصلح لمعارضة الصريح كصحيح ابن الحجاج وغيره. ومن ذلك يظهر اندفاع الثاني ، فيكون ذكر السفر لأجل كونه الغالب في موارد الابتلاء ، أو أنه مورد النزول لا مورد اختصاص الحكم. فلاحظ.

ثمَّ إن المحكي عن الشيخ : الإجماع على عدم اعتبار الاستقبال في الركوع والسجود ، وما في صحيح معاوية المتقدم (٤) من تحويل الوجه إلى القبلة فيهما محمول على الاستحباب ، كما قد يشهد به صحيح يعقوب المتقدم (٥) وصحيح عبد الرحمن بن أبي نجران الآتي ، وغيرهما مما أهمل فيه ذلك. فتأمل. وكذا ما دل على عدم لزومه في التكبير ، كما هو ظاهر المشهور‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب القبلة حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب القبلة حديث : ١٢.

(٣) تقدمت الإشارة إليها في آخر التعليقة السابقة.

(٤) تقدم في صدر هذه التعليقة.

(٥) تقدم في صدر هذه التعليقة.

٢٢١

______________________________________________________

أيضاً. ويقتضيه إطلاق النصوص وخصوص خبر الحلبي المتقدم المروي عن الكافي بزيادة : « قلت : على البعير والدابة؟ قال (ع) : نعم حيث ما كان متوجهاً ، قلت : استقبل القبلة إذا أردت التكبير؟ قال (ع) : لا ، ولكن تكبر حيث ما كنت متوجهاً ، وكذلك فعل رسول الله (ص) » (١).

ومنها يظهر ضعف ما عن جماعة من وجوبه فيه لما في صحيح معاوية المتقدم ، وما في صحيح عبد الرحمن بن أبي نجران قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل. قال (ع) : إذا كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة ثمَّ كبر وصل حيث ذهب بعيرك .. » (٢) إذ يجب ـ بقرينة ما ذكر ـ حملهما على الاستحباب مضافاً الى كون المورد من المندوبات التي اشتهر فيها عدم وجوب حمل المطلق على المقيد. فتأمل.

ثمَّ إن المحكي عن صريح الصيمري ، وظاهر العلامة في جملة من كتبه وجماعة : أن قبلة الراكب طريقه ومقصده. وصريح البيان وغيره : أن قبلته رأس دابته. والظاهر أن المراد واحد وهو وجوب استقبال الجهة التي يمشي إليها ، سواء أكان فيها المقصد أم لا ، وكأنهم فهموا مما في النصوص من قولهم (ع) : « حيث ذهب بعيرك » و « حيث ما كان متوجهاً » ، و « حيث ما توجهت به » ، ونحوها : أنه يجب استقبال الجهة التي تتوجه إليها الدابة ، ولا يجوز الانحراف عنها. ولا يخفى بعد التأمل أن المراد أنه لا يحتاج الى أن يوجه دابته إلى القبلة ، بل يصلي مطلقاً أينما توجهت الدابة ولو أريد بيان المعنى المدعى كان اللازم التعبير بقولهم (ع) : « يصلي الى حيث توجهت » ، لتدل كلمة ( الى ) على أن مدخولها مستقبل ـ بالفتح ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب القبلة حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب القبلة حديث : ١٣.

٢٢٢

ولا يجب فيها الاستقرار [١] والاستقبال وإن صارت واجبة بالعرض [٢] بنذر ونحوه.

______________________________________________________

ويشهد بذلك ما في خبر الكرخي المتقدم : « هذا الضيق .. » (١) إذ أو كان يجب استقبال رأس الدابة كان أيضاً ضيقاً. فتأمل. لا أقل من الاجمال الموجب للرجوع إلى أصالة البراءة من وجوب استقبال الجهة التي توجهت إليها الدابة. وأما قوله تعالى : ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا ... ) (٢) ـ بناء على أن معناها : أينما تذهبوا فالمراد منه بيان أن وجه الله تعالى يكون في كل جهة ، لا أنه مختص بخصوص الجهة التي تتوجهون إليها لا غير. وعلى هذا فلا بأس بالصلاة إلى أحد جانبي الدابة أو خلفها ، كما قواه في الجواهر والنجاة ، وأمضاه المحققون من أهل الحواشي عليها.

[١] لوفاء النصوص المتقدمة.

[٢] لأن النذر والإجارة ونحوهما لا يصلحان لتشريع أحكام في النافلة غير أحكامها الثابتة لها لولاهما ، فاذا كان من أحكامها جواز إيقاعها اختياراً ماشياً أو راكباً فهي على ذلك بعد النذر.

لكن عن بعض : التصريح بثبوت حكم الفريضة بعد النذر ، بل في الجواهر : « لا خلاف أجده فيه ». وكأنه لإطلاق ما دل على المنع من ذلك في الفريضة ، ولا يعارضه إطلاق ما دل على الجواز في صلاة الليل والوتر الشامل لحال النذر ، للانصراف إلى حال كونها نفلا كما هو الغالب ولو سلم فالمرجع عموم وجوب الاستقبال.

وفيه ـ مضافاً الى ما قيل من أن عنواني الفريضة والنافلة قد غلب‌

__________________

(١) تقدم في صدر هذه التعليقة.

(٢) البقرة ـ ١١٥.

٢٢٣

( مسألة ١ ) : كيفية الاستقبال في الصلاة قائماً أن يكون وجهه ومقاديم بدنه الى القبلة حتى أصابع رجليه [١] على الأحوط ، والمدار على الصدق العرفي. وفي الصلاة جالسا‌

______________________________________________________

عليهما المعنى الاسمي فيتبادر منهما ذوات الصلوات المخصوصة لا بقيد وصفي النفل والفرض ـ خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) : « سألته عن رجل جعل لله عليه أن يصلي كذا وكذا هل يجزئه أن يصلي ذلك على دابته وهو مسافر؟ قال (ع) : نعم » (١). والتوقف فيه لأن في سنده محمد بن أحمد العلوي غير ظاهر ، لتصحيح العلامة حديثه فيما عن المختلف والمنتهى ، وعدم استثناء القميين حديثه من كتاب نوادر الحكمة ، ووصف الصدوق له ـ فيما عن إكمال الدين ـ بالدين والصدق ، ورواية جملة من الأجلاء عنه ، وكفى بهذا المقدار دليلا على الوثاقة. مضافاً الى ما في الجواهر (٢) من رواية الشيخ الحديث أيضاً من كتاب ابن جعفر (ع) وطريقه اليه صحيح. ويؤيده أو يعضده ما روي من صلاة النبي (ص). صلاة الليل وهو على راحلته (٣) مع ما اشتهر من وجوبها عليه (ص) هذا لو نذر الصلاة الصحيحة. أما لو نذر فعلها على الأرض اتبع قصد الناذر ، وهو غير محل الكلام.

[١] بل الظاهر عدم توقف الاستقبال على ذلك ، وليس الرجلان إلا كاليدين ، وكذا الركبتان في استقبال الجالس ، والقيام والجلوس لا يختلفان في هذه الجهة ولا في غيرها ، ولا فرق بين أن يكون الجلوس على الرجلين وعلى الأرض ، فقوله : ( لا بد أن يكون .. ) محل تأمل.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب القبلة حديث : ٦.

(٢) الجواهر ج ٧ ص ٤٢٢ طبع النجف الحديث. ولم أعثر عليه في مظان وجوده في التهذيب.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب القبلة حديث : ٢٠ و ٢١ و ٢٢.

٢٢٤

أن يكون رأس ركبتيه إليها مع وجهه وصدره وبطنه. وإن جلس على قدميه لا بد أن يكون وضعهما على وجه يعد مقابلا لها. وإن صلى مضطجعا يجب أن يكون كهيئة المدفون [١]. وإن صلى مستلقيا فكهيئة المحتضر.

( الثاني ) : في حال الاحتضار [٢] ، وقد مر كيفيته.

( الثالث ) : حال الصلاة على الميت يجب أن يجعل على وجه يكون رأسه إلى المغرب ورجلاه إلى المشرق [٣].

( الرابع ) : وضعه حال الدفن على كيفية مرت.

( الخامس ) : الذبح والنحر [٤] بأن يكون المذبح‌

______________________________________________________

[١] العرف يقصر عن إثبات هذه الحدود للاستقبال ، وإنما تستفاد من النصوص ، والكلام في ذلك كله يأتي إن شاء الله في مبحث القيام.

[٢] قد تقدم دليل وجوبه في أحكام الاحتضار. وكذا الثالث والرابع فان محلهما مبحث الصلاة والدفن. والمراد وجوب الاستقبال بالميت حال الاحتضار ، وحال الصلاة عليه ، وحال الدفن.

[٣] يعني : إذا كانت القبلة في ذلك المكان في الجنوب. أما إذا كانت في الشمال ـ كما في المكان الذي يكون في جنوب مكة ـ فيجب الاستقبال بالميت بأن يكون رأسه الى المشرق ورجلاه الى المغرب. والمدار في استقباله أن يكون رأسه الى يمين المصلي حينما يستقبل القبلة ورجلاه الى يساره. فراجع.

[٤] إجماعاً بقسميه ، كما في الجواهر ، للنصوص المستفيضة كحسن ابن مسلم : « استقبل بذبيحتك القبلة » (١). ونحوه غيره.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الذبائح حديث : ١ ويشتمل على غيره ولكن موضوعه المتعمد خاصة.

٢٢٥

والمنحر ومقاديم بدن الحيوان إلى القبلة [١]. والأحوط كون الذابح أيضا مستقبلا [٢] ، وإن كان الأقوى عدم وجوبه.

( مسألة ٢ ) : يحرم الاستقبال حال التخلي بالبول أو الغائط. والأحوط تركه حال الاستبراء والاستنجاء كما مر.

( مسألة ٣ ) : يستحب الاستقبال في مواضع : حال الدعاء ، وحال قراءة القرآن ، وحال الذكر ، وحال التعقيب وحال المرافعة عند الحاكم ، وحال سجدة الشكر وسجدة التلاوة ، بل حال الجلوس مطلقا.

( مسألة ٤ ) : يكره الاستقبال حال الجماع ، وحال لبس السراويل ، بل كل حالة تنافي التعظيم.

______________________________________________________

[١] لأنه الظاهر من الاستقبال بها.

[٢] لما عن جماعة من وجوب استقبال الذابح ، بدعوى كون الباء في الحسن للمصاحبة ، أي : استقبل مع ذبيحتك القبلة. ولما عن دعائم الإسلام : « إذا أردت أن تذبح ذبيحة فلا تعذب البهيمة أحد الشفرة واستقبل القبلة » (١) بناء على كون المراد استقبال الذابح. لكن الدعوى ممنوعة مع أن مصاحبة المستقبل لا تقتضي استقبال الصاحب : وإنما اقتضته في مثل : ( ذهبت بزيد ) لخصوصية المادة. والظاهر أن الباء هنا للتعدية ، مثل قوله تعالى ( ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ ) (٢). وحديث الدعائم ـ مع ضعفه في نفسه ولا جابر له ـ يلزم حمله على الاستقبال بالبهيمة لئلا يلزم عدم التعرض له مع وجوبه ، وتعرضه لما ليس بواجب. والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١٢ من أبواب الذبائح حديث : ١.

(٢) البقرة ـ ١٧.

٢٢٦

فصل في أحكام الخلل‌

( مسألة ١ ) لو أخل بالاستقبال عالماً عامداً بطلت صلاته مطلقاً [١]. وإن أخل بها جاهلا [٢] أو ناسياً أو غافلا [٣] أو مخطئاً في اعتقاده أو في ضيق الوقت ، فان كان منحرفاً عنها الى ما بين اليمين واليسار صحت صلاته [٤] ،

______________________________________________________

فصل في أحكام الخلل‌

[١] إجماعا محققاً ومستفيضاً ، كما في المستند ، لفوات المشروط بفوات شرطه ، ولحديث : « لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود » (١). ونحوه غيره ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الاستدبار وغيره.

[٢] يعني : بالحكم قاصراً أو مقصراً.

[٣] متعلقهما أعم من الحكم والموضوع. وسيجي‌ء التعرض لحكمهما إن شاء الله.

[٤] كما هو المشهور ، بل عن جماعة الإجماع عليه ، لصحيح معاوية ابن عمار : « أنه سأل الصادق (ع) عن الرجل يقوم في الصلاة ثمَّ ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يميناً أو شمالا. فقال (ع) له : قد مضت صلاته ، وما بين المشرق والمغرب قبلة » (٢) ، وخبر الحسين

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب القبلة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب القبلة حديث : ١.

٢٢٧

______________________________________________________

ابن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (ع) : « أنه كان يقول : من صلى على غير القبلة وهو يرى أنه على القبلة ثمَّ عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق والمغرب » (١) ، المعتضدين بصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : « لا صلاة إلا الى القبلة. قال : قلت أين حد القبلة؟ قال (ع) : ما بين المشرق والمغرب قبلة كله » (٢).

لكن عن الناصريات والمقنعة والمبسوط والخلاف والنهاية والمراسم والوسيلة والغنية والسرائر : إطلاق وجوب الإعادة في الوقت إذا صلى لغير القبلة باجتهاده. بل عن الخلاف : الإجماع عليه. وعن السرائر : نفي الخلاف فيه. ويشهد لهم إطلاق جملة من النصوص كصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري عن أبي عبد الله (ع) : « إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنك صليت وأنت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد ، وإن فاتك الوقت فلا تعد » (٣) ، وصحيح يعقوب بن يقطين : « سألت عبداً صالحاً (ع) عن رجل صلى في يوم سحاب على غير القبلة ثمَّ طلعت الشمس وهو في وقت أيعيد الصلاة إذا كان قد صلى على غير القبلة وإن كان قد تحرى القبلة بجهده أتجزؤه صلاته؟ فقال (ع) : يعيد ما كان في وقت ، فاذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه » (٤). ونحوهما غيرهما. والجمع بين هذه النصوص وما قبلها كما يمكن بحمل هذه النصوص على غير ما بين المشرق والمغرب ، يمكن بحمل تلك على نفي الإعادة في خارج الوقت ، ومع تعارض وجوه الجمع يرجع الى عموم ما دل على اعتبار القبلة ووجوب الإعادة بتركها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب القبلة حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب القبلة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب القبلة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب القبلة حديث : ٢.

٢٢٨

______________________________________________________

ولذلك استشكل في الحدائق في نفي الإعادة مطلقاً.

هذا والتأمل يقضي بأنه لا وقع لهذا الاشكال لا لحكومة قوله (ع) : « ما بين المشرق .. » على هذه النصوص ، لأن لفظ القبلة مستعمل في أكثر هذه النصوص في كلام السائل لا في كلام الامام (ع) ، وإرادة للسائل عن القبلة تمام ما بين المشرق والمغرب بعيد جداً. ولا لكون المرجع بعد التعارض قاعدة الاجزاء ، أو إطلاق الصلاة ، أو أصالة البراءة ، لمنع ذلك ، بل المتعين للمرجعية إطلاقات الشرطية ووجوب الإعادة. بل لأن الجمع الأول بالتصرف في الموضوع أظهر من الثاني بالتصرف في متعلق الحكم ، لظهور النصوص الأول في كون ما بين المشرق والمغرب ذا خصوصية يمتاز بها عن غيره ، ولا يتم ذلك على الجمع الآخر ، وقد مر لذلك نظائره.

وكيف كان فالنصوص المتقدمة بنوعيها متفقة على نفي القضاء. ومع ذلك فقد حكي عن بعض وجوبه ، ويشهد له خبر معمر ( عمرو خ ل ) ابن يحيى قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل صلى على غير القبلة ثمَّ تبينت القبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى. قال (ع) : يعيدها قبل أن يصلي هذه التي قد دخل وقتها » (١). وفيه ـ مع الغض عن إشكال سنده وإعراض الأصحاب عنه ـ أنه لا يصلح لمعارضة ما هو صريح في نفيه إذ مقتضى الجمع العرفي الحمل على الاستحباب. مضافاً الى قرب دعوى إرادة وقت الفضيلة من وقت الأخرى ، كما يشير اليه عدم تصريح السائل بخروج وقت الأولى ، أو دعوى كون الغرض مشروعية القضاء قبل ذات الوقت لا وجوب القضاء في نفسه. فتأمل جيداً.

ثمَّ إن ظاهر قول السائل في الصحيح : « ثمَّ ينظر فيرى .. » (٢)

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب القبلة حديث : ٥.

(٢) انظر صدر هذه التعليقة.

٢٢٩

ولو كان في الأثناء مضى ما تقدم واستقام في الباقي [١] من‌

______________________________________________________

أن العلم بكون الصلاة الى غير القبلة لم يكن حال الصلاة ، وإنما حدث بعد ذلك ، فلا يدخل في عموم الصحيح الناشئ عن ترك الاستفصال الجاهل بالحكم قاصراً كان أو مقصراً ، وكذا الناسي له مع علمهما بجهة القبلة ، كما لا يدخل العالم العامد. وأما الجاهل بالقبلة إذا كان متردداً ـ كما إذا بنى على الصلاة الى جهة ثمَّ يسأل بعد ذلك ـ ففي دخوله في الصحيح إشكال لانصرافه الى من صلى بانياً على كون صلاته فرداً للمأمور به ، ومثله ما لو صلى إلى إحدى الجهات الأربع عند اشتباه القبلة وبعد الفراغ انكشف له الانحراف كذلك ، فيمكن دعوى وجوب الإعادة على الأول عملا بمقتضى الشرطية ، وكذا في الثاني إذا تبين كون الانحراف أكثر من ثمن الدائرة ، أما إذا لم يكن انحرافه كذلك فيمكن الاجتزاء بصلاته عملا بدليل الاجتزاء بالأربع ، بناء على ما عرفت من ظهوره في حصول اليقين بالاستقبال لو اقتصر عليها ، فان ذلك لازم لاغتفار الانحراف المذكور واقعاً. وكذا حكم من صلى إلى واحدة في ضيق الوقت بناء على وجوب إيقاع الثلاث بعد الوقت أما بناء على الاجتزاء بها فليس مما نحن فيه ، لأن حكمه الواقعي ذلك في اعتقاده في الدخول تحت عموم الصحيح. وأما ناسي القبلة والغافل فلا ينبغي التأمل في دخولهما تحت عموم الصحيح أيضاً كالمخطئ. والله سبحانه أعلم.

[١] بلا خلاف كما صرح به جماعة ، بل عليه الإجماع في جملة من كلماتهم ، كما في المستند. ويشهد له موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته. قال (ع) : إن كان متوجهاً فيما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم ، وإن كان متوجهاً الى دبر القبلة فليقطع الصلاة‌

٢٣٠

غير فرق بين بقاء الوقت وعدمه ، لكن الأحوط الإعادة في غير المخطئ في اجتهاده مطلقاً [١]. وإن كان منحرفاً الى اليمين واليسار ، أو الى الاستدبار ، فان كان مجتهداً مخطئاً أعاد في الوقت دون خارجه [٢]

______________________________________________________

ثمَّ يحول وجهه إلى القبلة ثمَّ يفتتح الصلاة » (١). وخبر القاسم بن الوليد قال : « سألته عن رجل تبين له وهو في الصلاة أنه على غير القبلة. قال (ع) : يستقبلها إذا ثبت ذلك ، وإن كان فرغ منها فلا يعيدها » (٢) بناء على أن المراد : يستقبل القبلة ـ كما هو الظاهر ـ لا الصلاة. مضافاً الى إمكان استفادته من ذيل صحيح معاوية بناء على ظهوره في عدم الخصوصية للفراغ. إلا أن يشكل من جهة فوات الاستقبال حين الالتفات في الأثناء إلى حين الاستقامة. فتأمل.

[١] لاقتصار جماعة كثيرة على المجتهد ، بل في كلام بعض نسبته إلى الأصحاب. ولكونه القدر المتيقن من النصوص.

[٢] أما الإعادة في الوقت : فمما لا إشكال فيه ولا خلاف ، إذ يقتضيها ـ مضافاً الى أدلة الشرطية ، والى حديث : « لا تعاد الصلاة » ونحوه ـ الأخبار الكثيرة المتقدم بعضها.

وأما عدم وجوب القضاء في الأولين : فهو المشهور ، ويشهد له النصوص المتقدم بعضها ، الصريحة في نفي الإعادة بعد خروج الوقت. وحكي عن بعض أصحابنا أو قوم منهم : إطلاق وجوب الإعادة. وليس صريحاً في المخالفة لذلك ، ولا دليل عليه ظاهراً إلا خبر معمر بن يحيى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب القبلة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب القبلة حديث : ٣.

٢٣١

______________________________________________________

الذي قد تقدم الكلام فيه.

وأما عدم وجوبه في الاستدبار : فهو المحكي عن كثير ـ منهم السيد والحلي ، وابن سعيد ، والعلامة والشهيد في جملة من كتبهما ، وابن فهد ، والميسي ، والشهيد الثاني ، وولده ، وسبطه ، والخراساني ، والأصبهاني ، وغيرهم ـ أخذاً بإطلاق النصوص النافية للإعادة في خارج الوقت. وعن الشيخين وسلار وابن زهرة ، والعلامة في جملة أخرى من كتبه ، واللمعة والتنقيح وجامع المقاصد وغيرهم ، بل عن الروضة نسبته الى المشهور وجوب القضاء. وليس لهم شاهد ظاهر. نعم استدل له بخبر معمر بن يحيى وذيل موثق عمار المتقدمين ، بناء على إطلاق الثاني الشامل لما بعد الوقت ، وعدم الفصل بين الأثناء وما بعد الفراغ ، ومرسل الشيخ في النهاية : « رويت رواية انه إذا كان صلى الى استدبار القبلة ثمَّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة » (١). ونحوه ما عن الناصريات والجمل والسرائر.

وقد عرفت الإشكال في الأول. مع أن حمله على الاستدبار مما لا قرينة عليه. وأما الثاني فعلى تقدير عدم ظهوره في الوقت فلا أقل من إمكان حمله عليه بقرينة تلك النصوص لقرب حمله عليه جداً ، لا أنه يرجع الى أدلة الشرطية من جهة كون التعارض بالعموم من وجه. مع أن الظاهر من الاستدبار فيه ـ بقرينة المقابلة ـ ما يعلم اليمين واليسار ، فلو كان له إطلاق يشمل ما بعد الوقت كانت تلك النصوص السابقة ـ بعد حملها على غير ما بين اليمين واليسار ـ أخص فيتعين التصرف فيه بالحمل على الوقت ، لئلا يلزم طرح تلك النصوص بالمرة. فتأمل جيداً. مع أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب القبلة حديث : ١٠.

٢٣٢

وإن كان الأحوط الإعادة مطلقاً [١] ، لا سيما في صورة الاستدبار ، بل لا ينبغي أن يترك في هذه الصورة [٢]. وكذا إن كان في الأثناء [٣]. وإن كان جاهلا‌

______________________________________________________

عدم الفصل بين الأثناء وبعد الفراغ محل تأمل. وأما الثالث : فضعيف جداً حيث أنه نقل بالمضمون لرواية مجهولة العين لم يعتمد ناقلها عليها ، إذ ما عدا النهاية من كتب الشيخ محكي عنه العدم. وأما هي فالمحكي عنها قوله : « وهذا هو الأحوط وعليه العمل » ، وهو غير ظاهر في الاعتماد. إلا من جهة الاحتياط ، كما أنه قد يظهر من استدلاله في التهذيب والاستبصار والخلاف برواية عمار أنها المراد بالمرسل في النهاية ، كما أن استدلال بعض أهل هذا القول بخبر معمر وآخر بأدلة الشرطية عدم الاعتماد على المرسل بنحو يكون جابراً لضعفه. فلاحظ.

[١] خروجاً عن شبهة الخلاف الأول المحكي عن بعض أصحابنا أو قوم منهم.

[٢] لقوة شبهة الخلاف المحكي عن المشهور.

[٣] يعني : إذ التفت في الوقت أعاد إذا كان الانحراف الى اليمين أو اليسار أو الاستدبار كما هو المعروف. وتقتضيه أدلة الشرطية ، وحديث : « لا تعاد » ، وموثق عمار ، والنصوص المتقدمة بناء على الأولوية أو عدم الفصل. وأما خبر القاسم بن الوليد المتقدم فلا بد أن يكون محمولا على غير الفرض ، بقرينة ما فيه من نفي الإعادة بعد الفراغ ، ولعله أيضاً هو المراد من إطلاق ابن سعيد الانحراف إن تبين الخطأ في الأثناء ، وكذا ما عن المبسوط من قوله : « فان كان في حال الصلاة ثمَّ ظن أن القبلة عن يمينه أو شماله بنى عليه واستقبل القبلة ويتمها ، وإن كان مستدبراً للقبلة أعادها من أولها‌

٢٣٣

أو ناسياً أو غافلا فالظاهر وجوب الإعادة في الوقت وخارجه [١]

______________________________________________________

بلا خلاف » ، ويشير الى الحمل المذكور نفيه الخلاف بناء على رجوعه إلى الأول أيضاً ، فيكون ذلك منه فتوى بمضمون موثق عمار.‌ وإلا فهو محجوج بما عرفت.

نعم يشكل حال الالتفات في الأثناء إذا كان في آخر الوقت بحيث لو استأنف كان قضاء فهل يستقيم ويتم صلاته؟ ـ كما عن المدارك والذخيرة والرياض واختاره في الجواهر ، بل عن الأول حكايته عن الشهيدين ـ إما لاستفادته من النصوص النافية للقضاء المتقدمة فيما لو تبين الخطأ بعد الفراغ ، إما لإطلاق بعضها الشامل لصورة التبين في الأثناء ، أو للأولوية ، لأن فوات الاستقبال في بعض الصلاة أولى بنفي القضاء من فواته في جميعها. إما لأن فوات الوقت أولى من مراعاة الاستقبال. أو يقطع صلاته ويستأنف؟ إما لمنع الإطلاق في النصوص المتقدمة ، وكذا الأولوية ، فيكون المرجع إما إطلاق موثق عمار على تقدير تماميته ، أو إطلاق أدلة الشرطية ، وحديث : « لا تعاد » ، وإما لتسليم الإطلاق في النصوص المتقدمة مع البناء على معارضته. بإطلاق موثق عمار ، فيكون المرجع الأدلة الأولية. وعن الشهيد في الذكرى : التردد في الحكم ، لعدم ظهور المباني المذكورة. والأقرب الى الذهن عاجلا هو الأول كما يظهر بعد التأمل في وجهه. ولا يعارضه إطلاق الموثق ، فإنه لو سلم يسهل حمله على خصوص صورة إمكان الإعادة في الوقت. والمسألة محل تأمل.

[١] لاختصاص نصوص نفي القضاء بالمجتهد المخطئ في اجتهاده كما يظهر من ملاحظة ما فيها من ذكر الغيم (١) والسحاب (٢)

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب القبلة حديث : ٤ و ٦ ، ٨.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب القبلة حديث : ٢.

٢٣٤

______________________________________________________

والعمى‌ (١) ، وقوله (ع) : « فحسبه اجتهاده » (٢). وفيه : أن بعضها مطلق كصحيح عبد الرحمن المتقدم‌ (٣) ، وصحيح زرارة : « إذا صليت على غير القبلة فاستبان لك قبل أن تصبح أنك صليت على غير القبلة فأعد صلاتك » (٤) ‌، إذ لا فرق بينهما وبين صحيح معاوية المتقدم في المسألة السابقة‌ (٥) ، فالبناء على إطلاقه الشامل لجميع الأحوال دون إطلاقهما غير ظاهر. وحينئذ لا بد من الرجوع الى ما ذكرناه من عدم الشمول للجاهل بالحكم ، والناسي له ، والغافل عنه ، والشمول لناسي الموضوع والغافل عنه حسبما سبق.

تنبيه

المذكور في النصوص لفظ المشرق والمغرب كما سبق في صحيح معاوية وموثق عمار وغيرهما ، وقد عبر غير واحد ـ منهم الفاضلان في جملة من كتبهما ـ بهما ، والأكثر عبروا باليمين واليسار ، بل في كشف اللثام : « لم أر ممن قبل الفاضلين اعتبار المشرق والمغرب ». والأخير هو المتعين ، لاختصاص الأول بمن قبلته نقطة الجنوب أو الشمال ، أما من كانت قبلته نقطة المشرق فقوس الاجزاء في حقه يكون ما بين الشمال والجنوب من جانب المشرق ، ومن كانت قبلته نقطة المغرب فقوس الاجزاء‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب القبلة حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب القبلة حديث : ٦.

(٣) تقدم في أوائل هذا الفصل.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب القبلة حديث : ٢٣.

(٥) راجع أوائل هذا الفصل.

٢٣٥

______________________________________________________

في حقه يكون ما بين الشمال والجنوب من جانب المغرب ، وقد يكون غير ذلك في البلدان الأخر على اختلافها في الطول والعرض. وكأن التعبير بالمشرق والمغرب في كلام الجماعة اتباعاً للنصوص ، والتعبير فيها كان لأن الراوي قبلته في جهة الجنوب ، لكن متابعة النصوص مع لزوم الإبهام المحل ليس كما ينبغي.

وكيف كان فالظاهر من المشرق والمغرب في النصوص والفتاوى ـ وكذا اليمين واليسار ـ النقطتان المتقابلتان من دائرة الأفق القاسمتان لها قسمين متساويين ، فالقوس الذي يكون من جانب القبلة هو قوس الاجزاء.

وأما الاستدبار فالبحث عن المراد منه غير مهم ، إذ لا حكم له بالخصوص ، وليس له تعرض في النصوص سوى موثق عمار (١) ومرسل النهاية (٢) ، والأول قد عرفت أن الظاهر منه ـ بقرينة المقابلة ـ إرادة ما يعم اليمين واليسار ، لئلا يلزم إهمال الجواب ، وهو خلاف الظاهر جداً والثاني لا ينبغي التأمل في ظهوره فيما يقابل القبلة. ولو بني على متابعة الأصحاب الذين خصوه بحكم الإعادة والقضاء فالظاهر منهم أنهم يريدون به ما يقابل القبلة ، كما عن الشهيد الثاني في الروض والمسالك والروضة وفوائد القواعد ، كالمرسل الذي ذكر مستنداً لهم. وما بينه وبين اليمين والشمال ملحق بهما ، لا به ، لأنهم إنما ذكروا اليمين واليسار تحديداً لقوس الاجزاء ، ولم يذكروهما موضوعاً لحكم التفصيل ، كي يشكل إلحاق ما بينهما وبين الاستدبار بهما ، وإنما ذكروا الاستدبار فقط ، فخصوه بوجوب القضاء وجعلوا ما عداه وما عدا الانحراف فيما بين اليمين واليسار موضوعاً للتفصيل‌

__________________

(١) تقدم في البحث عما لو التفت الى انحرافه عن القبلة في الأثناء.

(٢) تقدم في البحث عما لو استدبر القبلة عن اجتهاد مخطئ.

٢٣٦

( مسألة ٢ ) : إذا ذبح أو نحر الى غير القبلة عالماً عامداً حرم المذبوح [١] والمنحور. وإن كان ناسياً أو جاهلا أو لم يعرف جهة القبلة لا يكون حراماً [٢]. وكذا لو تعذر‌

______________________________________________________

بينه وبين الإعادة ، فراجع كلماتهم وتأمل تجد في تحرير الخلاف في معنى الاستدبار ما لا ينبغي. والله سبحانه الموفق.

[١] بلا خلاف ولا إشكال ، وتقتضيه نصوص الشرطية ، كمصحح الحلبي : « عن الذبيحة تذبح لغير القبلة. فقال (ع) : لا بأس إذا لم يتعمد » (١). ونحوه صحيحا ابن مسلم وابن جعفر (ع) (٢).

[٢] أما في الأول : فموضع وفاق ، وفي الجواهر : « بلا خلاف أجده فيه بل حكى الإجماع عليه غير واحد ». ويقتضيه نفي البأس في الصحاح المشار إليها آنفاً ، وأما في الأخيرين : فهو المحكي عن تصريح كثير من الأصحاب ، وعن الأردبيلي نسبته إلى الأصحاب. وهو في الأخير ظاهر ، لصدق عدم العمد الذي أخذ في النصوص موضوعاً للحل ، ولذا قال في كشف اللثام : « لا نعرف خلافاً في أن من أخل بالاستقبال بها ناسياً أو جاهلا بالجهة حلت ذبيحته ». لكنه يشكل في الأول ، لعدم ظهور صدقه فيه. ورواية الدعائم في من ذبح لغير القبلة : « إن كان خطأ أو نسي أو جهل فلا شي‌ء عليه وتؤكل ذبيحته .. » (٣) ضعيفة غير مجبورة. ومجرد الموافقة لفتوى الجماعة غير كاف في الجبر ما لم يظهر الاعتماد عليها ، وهو غير ثابت أو معلوم العدم. نعم استدل له بصحيح ابن مسلم : « عن رجل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الذبائح حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الذبائح حديث : ٤ و ٥.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الذبائح حديث : ٢.

٢٣٧

استقباله كأن يكون عاصياً أو واقعاً في بئر أو نحو ذلك مما لا يمكن استقباله [١] ، فإنه يذبحه وإن كان الى غير القبلة.

( مسألة ٣ ) : لو ترك استقبال الميت وجب نبشه [٢] ما لم يتلاش ولم يوجب هتك حرمته ، سواء كان عن عمد أو جهل أو نسيان كما مر سابقاً.

______________________________________________________

ذبح ذبيحة فجهل أن يوجهها إلى القبلة. فقال (ع) : كل منها. فقلت له : فإنه لم يوجهها. فقال (ع) فلا تأكل منها » (١) بناء على ظهوره في أن المقابلة بين السؤالين مع اشتراكهما في عدم الاستقبال هو فرض الجهل في الأول والعلم في الثاني ، كما هو غير بعيد ، لا هو الاستقبال في الأول والعدم في الثاني مع الاشتراك في الجهل.

[١] بلا خلاف فيه ظاهر ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه لكثير من النصوص ، كصحيح الحلبي : « في ثور تعاصى فابتدره قوم بأسيافهم وسموا فأتوا علياً (ع). فقال : هذه ذكاة وحية ، ولحمه حلال » (٢) ، وخبر زرارة : « عن بعير تردى في بئر ذبح من قبل ذنبه. فقال (ع) : لا بأس إذا ذكر اسم الله تعالى عليه » (٣) ، وحسن الحلبي : « في رجل ضرب بسيفه جزوراً أو شاة في غير مذبحها وقد سمى حين ضرب .. فأما إذا اضطر اليه واستصعب عليه ما يريد أن يذبح فلا بأس بذلك » (٤). ونحوها غيرها.

[٢] يعني : مقدمة للاستقبال الواجب ، وحرمة النبش ليس لدليلها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الذبائح حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الذبائح حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الذبائح حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب الذبائح حديث : ٣.

٢٣٨

فصل في الستر والساتر

اعلم أن الستر قسمان : ستر يلزم في نفسه ، وستر مخصوص بحالة الصلاة.

فالأول : يجب ستر العورتين [١] القبل والدبر ، عن كل مكلف من الرجل والمرأة ، عن كل أحد من ذكر أو أنثى ، ولو كان مماثلا محرماً أو غير محرم. ويحرم على كل منهما أيضاً النظر إلى عورة الآخر. ولا يستثنى من الحكمين إلا الزوج والزوجة والسيد والأمة إذا لم تكن مزوجة ولا محللة بل يجب الستر عن الطفل المميز ، خصوصاً المراهق. كما أنه يحرم النظر إلى عورة المراهق ، بل الأحوط ترك النظر إلى عورة المميز.

ويجب ستر المرأة تمام بدنها [٢]

______________________________________________________

إطلاق يشمل المقام ، فإطلاق دليل وجوب الاستقبال بالميت محكَّم. نعم لو تلاشى انتفى موضوع الاستقبال ، كما أنه لو لزم هتكه حرم النبش ، لأن حرمة الهتك أهم من وجوب الاستقبال به وأعظم. والله سبحانه أعلم.

فصل في الستر والساتر‌

[١] تقدم الكلام في وجوب ستر العورتين وحرمة النظر إليهما في أحكام التخلي. فراجع.

[٢] إجماعاً ، بل ضرورة من الدين ، ويشير اليه قوله تعالى : ( وَلْيَضْرِبْنَ

٢٣٩

______________________________________________________

بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ ... ) (١) ، وقوله تعالى ( وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ ) (٢) ، وصحيح الفضيل : « عن الذراعين من المرأة هما من الزينة التي قال الله تعالى ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ )؟ قال (ع) : نعم » (٣) ، وصحيح البزنطي : « لا تغطي المرأة رأسها من الغلام حتى يبلغ الغلام » (٤). ونحوهما غيرهما مما ورد في هذه الأبواب. وما ورد في حرمة النظر إلى الأجنبية (٥) بناء على الملازمة بين حرمة النظر ووجوب الستر ، المفروغ عنها في ظاهر النص والفتوى ولأجل وضوح الحكم في وجوب التستر وحرمة النظر لم يتعرض أكثر النصوص لهما إلا عرضاً بملاحظة حكم موارد الاستثناء أو توهمه ، كالقواعد (٦) ، والمملوك (٧) ، والخصي (٨) ، والأعمى (٩) ، وعند العلاج (١٠) ، والصبي والصبية (١١) ، والوجه والكفين (١٢) ، ومن يريد تزويجها (١٣)

__________________

(١) النور : ٢٤.

(٢) النور : ٦٠.

(٣) راجع الوسائل باب : ١٠٩ من أبواب مقدمة النكاح حديث : ١.

(٤) راجع الوسائل باب : ١٢٦ من أبواب مقدمة النكاح حديث : ٤.

(٥) راجع الوسائل باب : ١٠٤ من أبواب مقدمة النكاح.

(٦) راجع الوسائل باب : ١١٠ من أبواب مقدمة النكاح.

(٧) راجع الوسائل باب : ١٢٤ من أبواب مقدمة النكاح.

(٨) راجع الوسائل باب : ١٢٥ من أبواب مقدمة النكاح.

(٩) راجع الوسائل باب : ١٢٩ من أبواب مقدمة النكاح.

(١٠) راجع الوسائل باب : ١٣٠ من أبواب مقدمة النكاح.

(١١) راجع الوسائل باب : ١٢٦ ـ ١٢٧ من أبواب مقدمة النكاح.

(١٢) راجع الوسائل باب : ١٠٩ من أبواب مقدمة النكاح.

(١٣) راجع الوسائل باب : ٣٦ من أبواب مقدمة النكاح.

٢٤٠