مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

بل على أربع أصابع على الأحوط [١].

( مسألة ٢٨ ) : لا بأس بما يرقع به الثوب من الحرير إذا لم يزد على مقدار الكف [٢]. وكذا الثوب المنسوج طرائق بعضها حرير وبعضها غير حرير إذا لم يزد عرض الطرائق من الحرير على مقدار الكف. وكذا لا بأس بالثوب الملفق من قطع بعضها حرير وبعضها غيره بالشرط المذكور.

( مسألة ٢٩ ) : لا بأس بثوب جعل الإبريسم بين ظهارته وبطانته [٣] عوض القطن ونحوه. وأما إذا جعل‌

______________________________________________________

كون كفة الثوب حريراً مستنداً إلى دليل بالخصوص عليه كي يقتصر في الخروج عن عموم المنع عليه ، ويكون الحكم بالجواز فيما يساويه في المقدار مستفاداً من دليل جوازه ، لما عرفت من مجموع ما ذكرنا أن المستفاد من الأدلة حرمة الحرير المبهم لا غير ، ولأجل عدم انطباقه على كفة الثوب قلنا بالجواز فيها ، وبعين ذلك نقول في حكم أبعاض الثوب وإن كانت أكثر مقداراً من الكف ، فالتقييد بمقدار الكف في غير محله.

[١] تقدم وجهه.

[٢] قد عرفت الإشكال في هذا التقييد.

[٣] كما عن التنقيح الجزم به ، وفي الذكرى : أنه غير بعيد ، وعن المجلسي الأول : الميل اليه ، ونقله عن شيخه التستري. ويشهد له ، صحيح الريان : « أنه سأل الرضا (ع) عن أشياء ، منها المحشو بالقز. فقال (ع) : لا بأس بهذا كله إلا بالثعالب » (١). وعدم ظهوره في الصلاة لا يقدح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢ ويذكره أيضا في باب : ٤٧ حديث : ٢ بإسقاط كلمة ( الا بالثعالب ).

٣٨١

______________________________________________________

لما عرفت من إمكان دعوى اختصاص دليل المانعية بالمحرم بالخصوص. وصحيح الحسين بن سعيد : « قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى الرضا عليه‌السلام يسأله عن الصلاة في ثوب حشوه قز. فكتب اليه ـ وقرأته ـ : لا بأس بالصلاة فيه » (١). وقريب منه خبر سفيان ابن السمط (٢). ومصحح إبراهيم بن مهزيار : « كتبت إلى أبي محمد (ع) : الرجل يجعل في جبته بدل القطن قزاً هل يصلي فيه؟ فكتب (ع) : نعم لا بأس به » (٣) وهذه النصوص وإن كان موردها القز ، لكن بعدم الفصل ، وبما دل على أنه والإبريسم سواء ثبت الحكم في الإبريسم. وما في المعتبر عن الصدوق من حمل القز على قز الماعز لا قز الإبريسم خلاف الظاهر.

وعن الفقيه ، وفي المعتبر ، وعن المنتهى والتذكرة والدروس وجامع المقاصد والروض والمسالك وغيرها : المنع. لعموم النهي عن لبس الحرير. اللهم إلا أن يستشكل في صدق الحرير على غير المنسوج. ولأنه سرف. إلا أنه لو تمَّ لا يقتضي حرمة اللباس بعد التحشية ، ولو سلم فلا يصلح لمعارضة النصوص المذكورة. اللهم إلا أن يكون إعراض المشهور مسقطاً لها عن الحجية ، بل لا يعرف القول بمضمونها إلى زمان الذكرى وإن حكى فيها عن الصدوق أنه روى مصحح إبراهيم وأورده بصيغة الجزم ، إذ لا يجدي ذلك بعد حمله القز على قز الماعز ، كما تقدمت حكايته عنه في المعتبر. لكن هذا المقدار غير كاف في ثبوت الوهن ، فإنه لم يعرف القول بخلافها من القدماء ، والمحقق في المعتبر لم يتعرض لغير مصحح إبراهيم ، وطعن فيه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب لباس المصلي حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

٣٨٢

وصلة من الحرير بينهما فلا يجوز لبسه ولا الصلاة فيه.

( مسألة ٣٠ ) : لا بأس بعصابة الجروح والقروح ، وخرق الجبيرة ، وحفيظة ، المسلوس والمبطون إذا كانت من الحرير [١].

( مسألة ٣١ ) : يجوز لبس الحرير لمن كان قملا [٢]

______________________________________________________

بالضعف ، لإسناد الراوي إلى ما وجده في كتاب لم يسمعه من محدث. لكن الطعن كما ترى : وبالجملة : الصحاح المذكورة لم يتحقق لنا إعراض موهن لها ، فالعمل بها متعين.

نعم قد عرفت. أن موردها القز ، وعدم الفصل بينه وبين الإبريسم غير ثابت ، والرواية الدالة على مساواتهما ضعيفة ، فالتعدي إلى الإبريسم غير ظاهر. اللهم إلا أن يكون الجواز فيه مقتضى الأصل بناء على اختصاص أدلة المنع بالمنسوج. أو لدعوى عدم صدق اللباس على الحشو. نظير ما في المسألة الآتية ، فتأمل.

[١] كما نص على ذلك في الجواهر ، لعدم صدق اللبس في جميع ذلك ، وقد عرفت أنه بالخصوص موضوع الحرمة.

[٢] كما عن المنتهى ، وفي الذكرى وجامع المقاصد وغيرها. قال في جامع المقاصد : « لما روي أن النبي (ص) رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في لبس الحرير لما شكوا اليه القمل ». وفي الذكرى : رواها عن صحيح مسلم عن أنس (١). وعن الفقيه : « لم يطلق النبي (ص) لبس الحرير لأحد من الرجال إلا لعبد الرحمن بن عوف‌

__________________

(١) الذكرى المسألة الخامسة من الأمر الثالث من فصل الساتر. وورد في صحيح مسلم ج : ٦ الباب الثاني من كتاب اللباس.

٣٨٣

على خلاف العادة لدفعه ، والظاهر جواز الصلاة فيه حينئذ [١].

( مسألة ٣٢ ) : إذا صلى في الحرير جهلا أو نسياناً فالأقوى عدم وجوب الإعادة [٢] وإن كان أحوط.

______________________________________________________

وذلك أنه كان رجلا قملا » (١). ونحوه ما عن الراوندي (٢) في الشرائع. قال في المعتبر بعد نقله : « والمشهور أن الترخيص لعبد الرحمن والزبير ولم يعلم من الترخيص لهما بطريق القمل الترخيص لغيرهما بفحوى اللفظ ، ويقوى عندي عدم التعدية ». ويظهر منه المفروغية عن ثبوت الترخيص كما يظهر من غيره أيضاً ، فالرواية وإن لم تكن من طرقنا كما اعترف به غير واحد ، لكنها منجبرة بتسالم الأصحاب على ثبوت مضمونها نعم الذي ينبغي هو الإشكال في دلالتها ، لأنها من قبيل حكاية الأحوال التي يتطرق إليها الاحتمال كما أشار إليه في المعتبر ، فيجوز أن تكون الشكاية من جهة الاضطرار ، لا مجرد الزيادة على العادة ، ومعه لا مجال لرفع اليد عن العمومات زائداً على موارد الاضطرار التي تقدم جواز اللبس فيها فلاحظ.

[١] وجهه يظهر مما تقدم في جواز صلاة المحارب والنساء في الحرير ، فراجع.

[٢] لعموم حديث : « لا تعاد » (٣) الشامل للخلل بفقد الشرط العدمي شموله للخلل بفقد الشرط الوجودي ، وتخصيصه بالثاني لا قرينة عليه ومنه يظهر وجه القول بالإعادة. ثمَّ إن بني على عموم الحديث للناسي ، والجاهل بالحكم والموضوع ، والغافل عمّ الحكم بعدم وجوب الإعادة تمام‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

(٢) المعتبر المقدمة الرابعة في لباس المصلي صفحة : ١٥١.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب القبلة حديث : ١.

٣٨٤

( مسألة ٣٣ ) : يشترط في الخليط أن يكون مما تصح فيه الصلاة ، كالقطن والصوف مما يؤكل لحمه ، فلو كان من صوف أو وبر ما لا يؤكل لحمه لم يكف في صحة الصلاة [١] وإن كان كافياً في رفع الحرمة. ويشترط أن يكون بمقدار يخرجه عن صدق المحوضة فاذا كان يسيراً مستهلكاً بحيث يصدق عليه الحرير المحض لم يجز لبسه ولا الصلاة فيه ، ولا يبعد كفاية العشر في الإخراج عن الصدق.

( مسألة ٣٤ ) : الثوب الممتزج إذا ذهب جميع ما فيه من غير الإبريسم من القطن أو الصوف ـ لكثرة الاستعمال وبقي الإبريسم محضاً لا يجوز لبسه بعد ذلك.

( مسألة ٣٥ ) : إذا شك في ثوب أن خليطه من صوف ما يؤكل لحمه أو مما لا يؤكل فالأقوى جواز الصلاة‌

______________________________________________________

الصور المذكورة ، وإن اختص بالناسي للموضوع اختص به ، ووجبت الإعادة في غيره ، عملا بإطلاق أدلة الشرطية الموجبة لفوات المشروط بفوات شرطه ، وإن اختص بما لا يمكن ثبوت التكليف معه كالناسي للموضوع والغافل عنه اختص الحكم بالعدم به ، ولزمت الإعادة في غيره ، ( وبالجملة ) : عموم الحكم بالإعادة وخصوصه تابع عموم الحديث وخصوصه على اختلاف الأذواق في ذلك ، فلاحظ. ولعله يأتي في مباحث الخلل التعرض لذلك.

[١] بلا خلاف ظاهر ، لإطلاق دليل مانعية الخليط. هذا والحكم في بقية المسألة والمسألة الآتية ظاهر.

٣٨٥

فيه [١] ، وإن كان الأحوط الاجتناب عنه.

( مسألة ٣٦ ) : إذا شك في ثوب أنه حرير محض أو مخلوط جاز لبسه والصلاة فيه على الأقوى [٢].

( مسألة ٣٧ ) : الثوب من الإبريسم المفتول بالذهب لا يجوز لبسه ولا الصلاة فيه [٣].

______________________________________________________

[١] الفرض من فروض الشك في كون اللباس مما يؤكل ولا يؤكل التي تقدم أن الأقوى فيها الجواز.

[٢] للشك في حرمته ومانعيته وذلك من موارد أصالة البراءة ، ولا فرق بين كون المانعية ملحوظة بنحو صرف الوجود أو بنحو الوجود الساري كما تقدم في اللباس المشكوك كونه مما لا يؤكل لحمه. نعم يمكن أن يقال : المرجع أصالة عدم الحرير ممزوجاً ومخلوطاً ، لأن المزج طارئ على الحرير فيستصحب عدمه. وفيه : أنك عرفت أن الذي يظهر من الأدلة أن موضوع المانعية كون تمام الملبوس التام حريراً ، ومن الواضح أن الملبوس التام ـ أعني : الثوب الخاص ـ مما ليس له حالة سابقة في الحريرية وعدمها ، بل هو من الأزل إما حرير ، أو بعضه حرير وبعضه غير حرير. وبعبارة أخرى : المانع هو الحرير المبهم ، ولا أصل يحرز ذلك في الثوب ، لأن الحريرية من الذاتيات التي لا يجري الأصل في عدمها ولو قلنا بصحة استصحاب العدم الأزلي. نعم لو كان موضوع المانعية صرف وجود الحرير غير المنضم إليه شي‌ء جرت أصالة عدم الانضمام. لكنه ليس كذلك.

[٣] لأنه لبس للذهب وصلاة فيه. وأما الحرير : فليس من المبهم المصمت بل من الممزوج فلا يقدح لبسه في الصلاة.

٣٨٦

( مسألة ٣٨ ) : إذا انحصر ثوبه في الحرير فان كان مضطراً إلى لبسه لبرد أو غيره فلا بأس بالصلاة فيه [١] ، وإلا لزم نزعه وإن لم يكن له ساتر غيره فيصلي حينئذ عارياً [٢]. وكذا إذا انحصر في الميتة أو المغصوب أو الذهب.

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ظاهر ، بل في المستند : « لا شك فيه ». ونحوه ظاهر غيره ، بل ظاهر كلماتهم في المقام أنه من الواضحات. ويقتضيه ما أشرنا إليه من أن أدلة المانعية بقرينة مناسبة الحكم والموضوع منصرفة إلى اللبس المحرم ، ولو لا ذلك أشكل انطباقه على القواعد ، لأن إطلاق دليل المانعية يقتضي البطلان حتى مع الاضطرار ، « وما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر » (١) ونحوه إنما يقتضي ارتفاع الإثم لا ارتفاع المانعية ، فالعمدة ظهور الإجماع عليه.

[٢] عندنا كما في الذكرى ، وبلا خلاف أجده كما في الجواهر. وعلله في الذكرى بأن وجوده كعدمه. وتنظر فيه في مفتاح الكرامة بأن الصلاة عارياً تستلزم فوات واجبات كثيرة ركن وغير ركن وترك الواجب حرام. وفيه : أن ما دل على كيفية صلاة العاري موضوعه من لم يجد ساتراً ، وعدم الوجدان كما يكون بفقد أصل الساتر يكون بوجدان الساتر المحرم اللبس كالحرير والمغصوب والذهب. مع أن لزوم فوات الركن وغيره مبني على أحد القولين في صلاة العاري ، وعلى القول الآخر لا يلزم ذلك إلا مع عدم الأمن من المطلع ، أما مع الأمن منه فلا يلزم إلا فوات التستر. وعليه فالكلام ( تارة ) بالنظر إلى القواعد الأولية ( وأخرى ) بالنظر إلى القواعد الثانوية.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب قضاء الصلوات حديث : ١٣.

٣٨٧

وكذا إذا انحصر في غير المأكول [١]. وأما إذا نحصر في النجس‌

______________________________________________________

فعلى الأول : يتعين البناء على حرمة لبس الحرير وسقوط الصلاة ، أما الأول : فلإطلاق دليله. وأما الثاني : فلتعذر الصلاة إما لفقد الشرط إن صلى عارياً ، أو لوجود المانع إن صلى لابساً للحرير.

وعلى الثاني : فمقتضى ما دل على وجوب الصلاة الناقصة في هذه الحال يدور الأمر بين الصلاة عاريا والصلاة متستراً بالحرير ، والمتعين الصلاة عارياً ، إذ ليس في العراء إلا فوات التستر ، وفي الصلاة في الحرير خلل المانعية ، مضافاً إلى مفسدة الحرمة التكليفية ، وإلى احتمال عدم حصول التستر به فتكون الصلاة فاقدة للساتر. والثاني إن لم يكن أهم فلا أقل من كونه محتمل الأهمية الواجب عقلا تقديمه كمعلوم الأهمية. نعم يشكل الحال لو استلزم العراء فوات الركوع والسجود ، فان أهميتهما محتملة كأهمية مفسدة الحرير الوضعية والتكليفية ، ومع احتمال الأهمية في كل من المتزاحمين يجب الاحتياط بالجمع إن أمكن ، وإلا فالتخيير. لكن ذلك كله مبني على الغض عما ذكرنا أولا من أن أدلة حرمة لبس الحرير تستوجب العجز عن الساتر وإجراء حكم العاري عليه على الخلاف في حكمه ، إذ عليه لا مجال للعمل بالاحتمالات المذكورة ، ولا سيما بملاحظة ما عرفت من الإجماع على إجراء حكم العاري. وهذا الكلام بعينه جار في الذهب والمغصوب والميتة بناء على حرمة لبسها ، ولو بني على جوازه كان حكمه حكم ما لا يؤكل.

[١] ما سبق في الحرير ونحوه مما يحرم في نفسه غير آت هنا ، لعدم حرمة لبس غير المأكول حتى تكون تلك الحرمة موجبة لسلب قدرة المكلف على لبسه ، كي يصدق عدم وجدان الساتر. وقد عرفت أن مقتضى القواعد الأولية سقوط الصلاة لتعذرها ، لكن الظاهر الإجماع على وجوب‌

٣٨٨

______________________________________________________

الناقصة ، قال في المعتبر : « لا يسقط فرض الصلاة مع عدم الساتر ، وعليه علماء الإسلام ». وحينئذ يدور الأمر بين الخلل الحاصل من وجود المانع على تقدير لبس غير مأكول اللحم وبين الخلل الحاصل بفقد الساتر فقط على تقدير نزعه ، أو مع فوات الركوع والسجود لو فرض أن حكم العاري الإيماء ، فيرجع حينئذ إلى قواعد التزاحم من ترجيح الأهم المعلوم الأهمية ، وكذا محتمل الأهمية ، ومع التساوي يتخير ، ومع احتمال الأهمية في كل منهما يحتاط بالتكرار مع الإمكان ، ومع عدمه يتخير في الاقتصار على أحدهما في الوقت ويؤتى بالآخر بعد خروج الوقت إن لم يمكن الفرد التام وإلا قضى بفعله على إشكال في وجوب القضاء ، لعدم إحراز الفوت بفعل الناقص في الوقت ، وأصالة عدم الإتيان بالواجب غير جارية ، لأنها من الأصل الجاري في المردد بين ما يعلم الإتيان به وما يعلم عدمه. اللهم إلا أن يقال : الواجب الأولي لم يؤت به قطعاً ، وما أتي به لم يعلم بدليته عنه شرعاً ، ويكفي في وجوب القضاء عدم الإتيان بالواجب الأولي مع عدم إحراز سقوط الأمر بفعل البدل ، فتأمل جيداً.

هذا ويمكن أن يقال : حيث عرفت في المسألة السادسة عشرة من فصل الساتر أنه لا إطلاق يحرز به ساترية ما يشك في كونه ساتراً ، ففي المقام يدور الأمر بين لبسه فيعلم بالخلل من حيث وجوده ، وبين نزعه فلا يعلم بخلل من نزعه ، لاحتمال عدم كونه ساتراً صلاتياً ، فتكون الصلاة مختلة بفقد الساتر على كل حال نزعه أو لبسه ، ومع الدوران بين معلوم القادحية ومحتملها يترجح الأول عقلا ، ولازمه وجوب الصلاة عارياً. نعم لو فرض كون نزعه سبباً لفوات الركوع والسجود يدور الأمر بين فعل المانع وترك الجزء ، ولا ينبغي التأمل في أهمية الثاني في المقام لركنيته ، ومقتضاه لبسه‌

٣٨٩

فالأقوى جواز الصلاة فيه [١] وإن لم يكن مضطراً إلى لبسه والأحوط تكرار الصلاة ، بل وكذا في صورة الانحصار في غير المأكول فيصلي فيه ثمَّ يصلي عارياً.

( مسألة ٣٩ ) : إذا اضطر إلى لبس أحد الممنوعات من النجس ، وغير المأكول ، والحرير ، والذهب ، والميتة ، والمغصوب ، قدم النجس على الجميع [٢] ثمَّ غير المأكول [٣] ،

______________________________________________________

والصلاة بالركوع والسجود ، إلا أن يدعى أن ظاهر دليل بدلية الإيماء عن الركوع والسجود أن موضوعه عدم وجدان الساتر الذي تصح به الصلاة فيتحقق موضوع البدلية في حال انحصار الساتر بما لا تصح به الصلاة ، ويكون الحكم العراء والصلاة عارياً مومياً. لكنه بعيد.

[١] قد تقدم الكلام في ذلك في أحكام النجاسات. فراجع.

[٢] هذا ظاهر بناء على جواز الصلاة في النجس عند الانحصار ، فان ذلك يدل على أهونية النجاسة من غيرها من الموانع التي لا تجوز الصلاة فيها مع الانحصار. وأما بناء على وجوب الصلاة عارياً فيشكل التقديم المذكور بعدم ما يوجب الأهمية أو احتمالها. نعم علله في الجواهر ـ تبعاً لما في الذكرى ـ بأن النجاسة مانع عرضي بخلاف غير المأكول. وفيه : أن هذا المقدار لا يوجب ذلك. مع إمكان معارضته بصحة الصلاة في غير المأكول مع النسيان بخلاف الصلاة في النجس.

[٣] لجواز لبسه تكليفاً وحرمة لبس ما عداه ، ولا مسوغ لمخالفة الحرمة. نعم بناء على جواز لبس الميتة ـ كما تقدم اختياره من المصنف (ره) في أحكام النجاسات ـ يشكل وجه تأخيرها عن غير المأكول. اللهم إلا أن يكون مزيد التأكيد في المنع عن لبسها في الصلاة منشأ لاحتمال‌

٣٩٠

ثمَّ الذهب والحرير ، ويتخير بينهما [١] ، ثمَّ الميتة [٢] ، فيتأخر المغصوب عن الجميع [٣].

( مسألة ٤٠ ) : لا بأس بلبس الصبي الحرير [٤] ،

______________________________________________________

أهمية مانعيتها.

[١] بناء على الترجيح باعتبار عرضية المانعية وذاتيتها قد يُرجح الحرير ، لأن مانعيته من جهة الإبهام ، وهي جهة عرضية ، فإن المقدار الخاص من الحرير المبهم لو فرض خلطه بالقطن لم يكن مانعاً من الصلاة.

[٢] يشكل تأخيرها عن الذهب والحرير لحرمة لبسهما تكليفاً ، ومخالفتها بلا مسوغ غير جائزة.

[٣] لأنه ـ مضافاً إلى حرمته تكليفاً ـ من حقوق الناس المقدمة على حقوق الله تعالى ، وهذه الكلية وإن لم تكن صحيحة بعمومها ، إلا أنها في المقام غير بعيدة ، لكثرة التأكيد في حرمة الغصب والظلم والعدوان ، لا أقل من اقتضاء ذلك احتمال الأهمية.

[٤] أما عدم حرمته عليه : فضروري. وأما عدم الحرمة على الولي : فهو الذي جزم به في جامع المقاصد ، وجعله الأقرب في الذكرى ، وحكاه عن التذكرة. وجعله في المعتبر أشبه. ويقتضيه أصل البراءة ، لعدم دليل على الحرمة ، وليس المقام من قبيل ما علم من الشارع كراهة وجوده في الخارج حتى من الصبيان ليتوجه الخطاب إلى أوليائهم بمنعهم عنه كما أشار إلى ذلك في الجواهر. وما عن جابر : « كنا ننزعه عن الصبيان ونتركه على الجواري » (١) إن صح فهو محمول على التورع. مع أنه لا يصلح للحجية. ومنه يظهر ضعف القول بالحرمة كما حكي في المدارك.

__________________

(١) المعتبر الفرع الثالث من المسألة الثامنة من المقدمة الرابعة في لباس المصلي.

٣٩١

فلا يحرم على الولي إلباسه إياه ، وتصح صلاته فيه [١] بناء على المختار من كون عباداته شرعية.

( مسألة ٤١ ) : يجب تحصيل الساتر للصلاة ولو بإجارة أو شراء ، ولو كان بأزيد من عوض المثل [٢] ما لم يجحف بماله ، ولم يضر بحاله. ويجب قبول الهبة أو العارية ما لم يكن فيه حرج. بل يجب الاستعارة والاستيهاب كذلك.

______________________________________________________

[١] يشكل بأنه خلاف إطلاق قوله (ع) : « لا تحل الصلاة في حرير محض » (١).

نعم قد يدعى انصرافه ـ بقرينة مناسبة الحكم والموضوع ـ إلى خصوص اللبس المحرم ، فاذا حل اللبس لم يكن مانعاً من الصلاة ، كما تقدم في صحة الصلاة في الحرير في الحرب وللنساء. لكن ذلك لو تمَّ اختص بما إذا كان الحل لعدم مقتضي الحرمة ـ كما في الموردين المذكورين ـ لا لمزاحمتها بما يوجب الترخيص كالضرورة وللصبي ، فالبناء على البطلان أوفق بإطلاق أدلة المانعية. نعم لو كان دليل بالخصوص على جواز لبسه أمكن التمسك بإطلاقه المقامي على جواز لبسه في الصلاة ، فتأمل جيداً.

[٢] فان ذلك كله مقتضى إطلاق دليل شرطيته للواجب المطلق الذي يجب تحصيل مقدماته على كل حال. نعم قد يقال : إن الشراء بأكثر من ثمن المثل ضرر مالي منفي بقاعدة الضرر فيسقط. ويشكل بأنه يتم لو لم يكن وجوب التستر في الصلاة من الأحكام الضررية ، إذ حينئذ تكون قاعدة الضرر حاكمة على دليله ، مقتضية لتخصيصه بغير صورة لزوم الضرر المالي كما في سائر الموارد ، لكنه ليس كذلك ، فإنه حكم ضرري ، فيكون دليله‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

٣٩٢

( مسألة ٤٢ ) : يحرم لبس لباس الشهرة [١] بأن يلبس خلاف زيه من حيث جنس اللباس ، أو من حيث لونه ، أو من‌

______________________________________________________

أخص مطلقاً من أدلة القاعدة ، فيقدم عليها ويؤخذ بإطلاقه من حيث مراتب الضرر ، فيجب التستر بأي مرتبة كان لزوم الضرر. نعم إذا كان بحيث يجحف بحاله ويضر به يسقط لدليل نفي الحرج ، فيختص وجوب التستر بما إذا لم يكن حرجياً ، ويسقط إذا كان حرجياً. ومن ذلك تعرف الوجه في قوله (ره) : « ويجب قبول .. ». هذا ولكن الإنصاف يقتضي المنع من كون وجوب التستر من الأحكام الضررية نوعاً ، فالعمدة في وجوب الشراء بأكثر من ثمن المثل دعوى الإجماع على وجوبه ، فتأمل جيداً.

[١] للنهي عنه في جملة من النصوص كمصحح أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله (ع) : « إن الله يبغض شهرة اللباس » (١) ، ومرسل ابن مسكان عنه (ره) : « كفى بالمرء خزياً أن يلبس ثوباً يشهره أو يركب دابة تشهره » (٢) ، ومرسل عثمان بن عيسى عنه (ع) : « الشهرة خيرها وشرها في النار » (٣) ، وخبر أبي الجارود عن أبي سعيد عن الحسين (ع) : « من لبس ثوباً يشهره كساه الله سبحانه يوم القيامة ثوباً من النار » (٤) وخبر ابن القداح عن أبي عبد الله (ع) : « قال أمير المؤمنين (ع) : نهاني رسول الله (ص) عن لبس ثياب الشهرة » (٥). والعمدة المصحح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أحكام الملابس حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أحكام الملابس حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أحكام الملابس حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أحكام الملابس حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ١٧ من أبواب أحكام الملابس حديث : ٥.

٣٩٣

حيث وضعه وتفصيله وخياطته ، كأن يلبس العالم لباس الجندي أو بالعكس مثلا. وكذا يحرم ـ على الأحوط ـ لبس الرجال ما يختص بالنساء [١] وبالعكس ، والأحوط ترك الصلاة فيهما ، وإن‌

______________________________________________________

الأول ، والظاهر منه حرمة اللباس الموجب لشهرة لابسه بين الناس ، ولم أقف عاجلا على كلماتهم في المقام. نعم ظاهر الرياض ومفتاح الكرامة في مسألة تزيين الرجل بما يحرم عليه عدم الخلاف في حرمته ، لكن صريح الوسائل في أحكام الملابس الكراهة ، ولا بد من مراجعة كلماتهم ، فراجع.

[١] على الأشهر الأظهر المحتمل فيه الإجماع كما في الرياض. ويشهد له ما عن الكافي عن عمر بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (ع) : « قال رسول الله (ص) في حديث : لعن الله المحلل والمحلل له ، ومن تولى غير مواليه ، ومن ادعى نسباً لا يعرف ، والمتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال .. » (١). لكن استشكل فيه غير واحد بأن الظاهر من التشبه التذكر والتأنث ، كما يشير اليه ما عن العلل عن زيد بن علي عن علي (ع) : « أنه رأى رجلا به تأنيث في مسجد رسول الله (ص) فقال (ع) له أخرج من مسجد رسول الله (ص) يا لعنة رسول الله (ص) ، ثمَّ قال علي (ع) : سمعت رسول الله (ص) يقول : لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال » (٢). لكن الاستظهار المذكور غير ظاهر ، وما عن العلل على تقدير حجيته غير ظاهر في تفسير الحديث المذكور بذلك. نعم تطبيقه على مورده يدل على عمومه له ، فالبناء على عمومه للتشبه باللباس في محله. نعم ظاهر التشبه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨٧ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٨٧ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٢.

٣٩٤

كان الأقوى عدم البطلان [١].

( مسألة ٤٣ ) : إذا لم يجد المصلي ساتراً حتى ورق الأشجار والحشيش [٢] ، فان وجد الطين ، أو الوحل ، أو الماء‌

______________________________________________________

فعل ما به تكون المشابهة بقصد حصولها ، فلبس الرجل مختصات النساء لا بقصد مشابهتهن ليس تشبهاً بهن ولا منهياً عنه ، بل يحتمل انصراف النص عن التشبه اتفاقاً في مدة يسيرة لبعض المقاصد العقلائية.

[١] لعدم الملازمة بين الحرمة النفسية والمانعية ، فلا يصلح دليلها لإثباتها. وما عن كشف الغطاء من الحكم ببطلان الصلاة به ضعيف.

[٢] قد عرفت في المسألة السادسة عشرة من فصل الساتر تقريب جواز التستر بهما اختياراً ، كما عرفت أن الطين ليس ساتراً حال الاختيار وإن كان ساتراً حال الاضطرار ، وأن في إلحاق الوحل والماء الكدر به إشكالا. نعم لا يبعد إلحاق الوحل به إذا أمكن الاطلاء به بنحو يستر البشرة وإن لم يستر الحجم ، بناء على ما عرفت من الاكتفاء بذلك في صحة الصلاة ، كما عرفت أن مقتضى الأصل فيما لم يثبت كونه ساتراً ولو اضطرارياً هو الاحتياط بتكرار الصلاة من جهة العلم الإجمالي ، فراجع ، وأن العمدة في ساترية ما ذكر صحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) : « عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً وحضرت الصلاة كيف يصلي؟ قال (ع) : إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتم صلاته بالركوع والسجود ، وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم » (١) وأما الحفيرة : فهي وإن لم يشملها عموم ذيل الصحيح المذكور يستفاد حكمها من مرسلة أيوب بن نوح عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) : « العاري‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

٣٩٥

الكدر ، أو حفرة يلج فيها ويتستر بها أو نحو ذلك مما يحصل به ستر العورة [١] صلى صلاة المختار قائماً مع الركوع والسجود. وإن لم يجد ما يستر به العورة أصلا ، فإن أمن من الناظر بأن لم يكن هناك ناظر أصلا ، أو كان وكان أعمى ، أو في ظلمة ، أو علم بعدم نظره أصلا ، أو كان ممن لا يحرم نظره إليه كزوجته أو أمته فالأحوط تكرار الصلاة بأن يصلي صلاة المختار تارة ومومياً للركوع والسجود أخرى قائماً [٢] وأن لم يأمن من الناظر‌

______________________________________________________

الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها ويسجد فيها ويركع » (١). وإرسالها غير قادح ، لاعتماد جماعة من الأكابر عليها كالفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم.

[١] كل ذلك لإطلاق مفهوم ذيل الصحيح المتقدم.

[٢] المشهور ـ كما عن جماعة كثيرة ـ : أن من لا يجد ساتراً إن كان أمن من المطلع صلى قائماً مومياً وإلا صلى جالساً مومياً. ومستندهم في ذلك الجمع بين ما دل على وجوب القيام والإيماء مطلقاً ـ كصحيح ابن جعفر (ع) المتقدم ، وموثق سماعة على رواية التهذيب : « سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض فأجنب وليس عليه إلا ثوب واحد فأجنب فيه وليس يجد الماء. قال (ع) يتيمم ويصلي عرياناً قائماً يومئ إيماء » (٢) ، وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) في حديث : « وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف ويصلي قائماً » (٣) ـ وبين ما دل على وجوب الجلوس والإيماء مطلقاً ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب النجاسات حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

٣٩٦

______________________________________________________

كموثق سماعة المتقدم على رواية الكافي (١) ، حيث رواه ( قاعدا ) بدل ( قائماً ) ، ومصحح زرارة : « قلت لأبي جعفر (ع) : رجل خرج من سفينة عرياناً أو سلب ثيابه ولم يجد شيئاً يصلي فيه ، فقال (ع) : يصلي إيماء ، وإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها ، وإن كان رجلا وضع يده على سوأته ، ثمَّ يجلسان فيومئان إيماء ، ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما ، تكون صلاتهما إيماء برؤوسهما .. » (٢) ، وخبر أبي البختري عن جعفر بن محمد (ع) : « من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلي حتى يخاف ذهاب الوقت ، يبتغي ثياباً فان لم يجد صلى عرياناً جالساً يومئ إيماء ، يجعل سجوده أخفض من ركوعه » (٣) ، وخبر محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (ع) فيمن لا يجد إلا ثوباً واحداً فأجنب فيه. قال (ع) : « يتيمم ويطرح ثوبه فيجلس مجتمعاً فيصلي فيومئ إيماء » (٤) ـ بحمل الأول على من أمن المطلع والأخيرة على غيره بشهادة مرسل الفقيه (٥) الظاهر اتحاده مع مرسل ابن مسكان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة قال (ع) : يصلي عرياناً قائماً إن لم يره أحد ، فإن رآه أحد صلى جالساً » (٦) ، ومسنده الحسن أو الصحيح عن أبي جعفر (ع) : « في رجل عريان ليس معه ثوب. قال (ع) : إذا كان حيث لا يراه أحد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب النجاسات حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ٥.

(٦) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ٣.

٣٩٧

______________________________________________________

فليصل قائماً » (١) ، وما عن نوادر الراوندي : « قال علي (ع) في العاري : إن رآه الناس صلى قاعداً ، وإن لم يره الناس صلى قائماً » (٢) وفي المعتبر : احتمل التخيير بين القيام مومياً والجلوس كذلك ، وحكاه عن ابن جريح ، حملا لنصوصهما على التخيير ، لضعف ما يصلح لشهادة الجمع المشهور بينها ، إذ ما عدا مسند ابن مسكان ظاهر الضعف ، وأما هو فقد اعترف غير واحد بغرابة ما فيه من رواية ابن مسكان عن أبي جعفر عليه‌السلام ، فان المذكور في ترجمته أنه قليل الرواية عن أبي عبد الله (ع) وأنه من أصحاب الكاظم (ع) ، بل عن يونس أنه لم يسمع عن أبي عبد الله عليه‌السلام إلا حديث : « من أدرك المشعر فقد أدرك الحج » ، ومرسله كان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع). فالموثوق به أنه مرسل عن أبي جعفر (ع). وفيه : أن المراسيل حجة إذا كانت مجبورة بعمل المشهور ولذا قال في الذكرى في المقام : « وأما المراسيل فاذا تأيدت بالشهرة صارت في قوة المسانيد ».

ومثله في الاشكال ما عن السرائر في بحث لباس المصلي من تعين القيام والإيماء مطلقاً ، ترجيحاً لنصوصه على نصوص الجلوس ، بناء منه على تعارضها وعدم الشاهد على الجمع بينها. وكذا ما عن الصدوق في الفقيه والمقنع ، والسيد في الجمل والمصباح ، والشيخين في المقنعة والتهذيب من تعين الجلوس والإيماء مطلقاً ، لما ذكر.

هذا وعن ابن زهرة : أن العريان إذا كان بحيث لا يراه أحد صلى قائماً وركع وسجد وإلا صلى جالساً مومياً مدعياً عليه الإجماع. وجعله.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ٧.

(٢) البحار كتاب الصلاة باب صلاة المرأة حديث : ١.

٣٩٨

______________________________________________________

الأصح في نجاة العباد ، وقواه في الجواهر للأصل ، وخبر الحفيرة (١) وموثق إسحاق : « قلت لأبي عبد الله (ع) : قوم قطع عليهم الطريق وأخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ قال (ع) : يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه فيومئ إيماء للركوع والسجود ، وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم » (٢). وللإجماع المنقول ، ولأن الذي يسوغ له القيام المقتضي لانكشاف قبله الأمن من المطلع فليقتض أيضاً وجوب الركوع والسجود وإن استلزم أيضاً انكشاف العورة ، ولا سيما وظاهر نصوص التفصيل بين الأمن من المطلع وغيره جواز كشف العورة من جهة الصلاة. وبذلك يظهر وهن الصحيح والموثق ، لا سيما وكان الثاني مروياً في الكافي ( قاعداً ) بدل ( قائماً ) كما عرفت. والأول موهون بعدم العمل بإطلاقه من حيث الأمن من المطلع وعدمه ، وباحتمال إرادة أول مراتب الركوع من الإيماء فيه ، وبظهوره في لزوم التشهد والتسليم قائماً ، ولم يعرف دليل عليه ولا مصرح به ، وفي المنع من الإيماء جالساً بدل السجود ولو مع عدم بدو العورة ، مع أنه أقرب إلى هيئة الساجد. ولذا حكى في الذكرى عن السيد العميدي وجوب الإيماء جالساً.

وفيه : أن الأصل لا مجال له مع الدليل حتى لو كان المراد به إطلاق دليل وجوب الركوع والسجود ، فإنه مقيد بالصحيح. وخبر الحفيرة مختص بها. وموثق إسحاق مورده المأمومون لا المنفرد. والإجماع لا حجية فيه مع العلم بمخالفته للواقع. ولا ملازمة بين جواز بدو القبل وجواز بدو الدبر بحيث يرفع بها اليد عن ظاهر الدليل. وسقوط اعتبار التستر مسلم ، لكن لا يقتضي رفع اليد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥١ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

٣٩٩

______________________________________________________

عن الصحيح ، فإنه أيضاً يدل على ذلك وإن دل على عدم جواز بدو الدبر ومجرد ذلك لا يوجب وهن الصحيح. وكذا الموثق ، ورواية الكافي ( قاعداً ) لا يمنع من التمسك به وإن كان الكافي أضبط ، لما حكي من نص الشيخ في الاستبصار على رواية الكافي له ( قاعداً ) والتفاته إلى ذلك (١) وروايته ( قائماً ) الظاهر في اطلاعه على ما يوجب خطأ الكافي ، فتأمل. مع أن في الصحيح كفاية ، ولا يقدح فيه عدم العمل بإطلاقه. واحتمال إرادة أول مراتب الركوع من الإيماء فيه غريب ، ولا سيما بملاحظة كونه في مقابل ما ذكر في صدره من إتمام الركوع والسجود إذا أصاب حشيشاً وظهوره في الإيماء للسجود الذي لا يمكن حمله على السجود التام أصلا. وكفى به دليلا على لزوم التشهد والتسليم قائماً ، وعلى عدم جواز الإيماء جالساً بدل السجود. ( وبالجملة ) : دلالة الصحيح على وجوب الإيماء قائماً لا مدافع لها ، فالعمل عليها متعين ، وتوهينه بعدم ثبوت شهرة العمل به موهون ، فان الصحيح حجة وإن لم يعمل به المشهور. نعم لو ثبت إعراضهم عنه كان موهوناً ، لكنه غير ثابت ، بل عرفت شهرة القول بالإيماء شهرة عظيمة وإن اختلف في القعود والقيام والتفصيل.

هذا وربما يستشكل في التفصيل بين الأمن وعدمه مع أن نصوصه تضمنت الفرق بين أن يراه أحد ، وأن لا يراه أحد ، وبين العنوانين فرق ظاهر. ويندفع بأن الظاهر من مسند ابن مسكان : « إذا كان حيث لا يراه .. ». أن يكون في مكان هو في معرض أن يراه أحد ، فليحمل غيره عليه. مع قرب احتمال إرادة ذلك منه ، ولا سيما بملاحظة ما دل على وجوب التحفظ في ستر العورة ـ يعني : وجوب التستر مع عدم الأمن ـ

__________________

(١) الاستبصار باب : ١٠١ ذيل الحديث الثاني ج ١ صفحة ١٦٩ طبع النجف الحديث‌

٤٠٠