مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

المحترم صلى جالساً وينحني للركوع والسجود بمقدار لا تبدو عورته [١] ، وإن لم يمكن فيومئ برأسه ، وإلا فبعينيه [٢]. ويجعل الانحناء أو الإيماء للسجود أزيد من الركوع [٣] ،

______________________________________________________

فان ذلك الارتكاز كقرينة على صرف الكلام إلى ما ذكر. كما أن مقتضى إطلاق النص والفتوى عدم الفرق بين من يحرم نظره ومن يحل كالزوجة والأمة. وبه جزم في كشف الغطاء على ما حكي ، لكن لا يبعد دعوى الانصراف إلى الأجنبي ، لأنه الذي يحرم نظره ويجب التستر عنه الملحوظان في وجوب الجلوس كما استوضحه في الجواهر ، وحكاه عن الرياض.

[١] كما في الذكرى وعن جامع المقاصد وفوائد الشرائع وغيرها ، لقاعدة الميسور. وفيه : أنه خلاف إطلاق النص ، بل لعله خلاف ظاهر قوله (ع) في مصحح زرارة : « إيماء برؤوسهما » (١) ، كما لا يخفى.

[٢] كما صرح به في الذكرى ، ونص عليه في الجواهر وغيرها ، لأنه من مراتب الإيماء كما يظهر مما ورد في المريض إذا صلى مستلقياً ، قال (ع) فيه : « فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثمَّ سبح ، فاذا سبح فتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع .. » (٢) ، بناء على اتحاد كيفية الإيماء في كل مقام يجب ، أو أن المقام أولى من المريض كما في الذكرى.

[٣] كما في الذكرى نسبته إلى الأصحاب. ويشهد له خبر أبي البختري المتقدم (٣). لكنه ضعيف ، واعتماد الأصحاب عليه بنحو ينجبر غير ظاهر. وفي الذكرى علله بتحصيل الافتراق.

__________________

(١) تقدم في صدر التعليقة السابقة.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ١٣.

(٣) تقدم ذكره في صفحة : ٣٩٧.

٤٠١

ويرفع ما يسجد عليه ويضع جبهته عليه [١]. وفي صورة القيام يجعل يده على قُبله [٢] على الأحوط.

( مسألة ٤٤ ) : إذا وجد ساتراً لإحدى عورتيه ففي وجوب تقديم القبل ، أو الدبر ، أو التخيير بينهما وجوه ، أوجهها : الوسط [٣].

______________________________________________________

[١] كما في الذكرى وغيرها ، لما ورد في المريض مما تضمن ذلك (١) بل هنا أولى كما عن الذكرى. لكن في صحيح الحلبي في المريض : « وأن يضع جبهته على الأرض أحب إلي » (٢) مما يظهر منه الاستحباب. مع أن في التعدي منه إلى المقام مع خلو الأخبار عنه إشكالا.

[٢] فقد تضمن ذلك مصحح زرارة ، لكنه ـ مع مخالفته لإطلاق النصوص والفتاوى ـ ظاهر في الستر من جهة الناظر ، كما يقتضيه عطف قوله (ع) : « يجلسان عليه » بـ « ثمَّ » الموجب لظهوره في كونه قبل الصلاة ، إذ حمله على كون الستر باليد حال القراءة قائماً ثمَّ يجلسان بعدها للإيماء للركوع والسجود غريب لا قائل به ، فأصالة البراءة من وجوب الستر باليد محكمة. وبه يندفع احتمال كونه من الستر الصلاتي الواجب بعد عدم إطلاق دليل وجوب الساتر بنحو يشمله ، بل ظاهر النصوص عدمه.

[٣] كما عن البيان احتماله لاستتمام الركوع والسجود بستره ، وزاد في الجواهر بأن الدبر لم يسقط اعتبار مستوريته في حال من الأحوال ، بخلاف القبل. وعن الفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم : ترجيح القبل لبروزه ، وكونه إلى القبلة ، ولأن الدبر مستور بالأليتين. وعن حواشي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ٥ و ١١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ٢.

٤٠٢

______________________________________________________

الشهيد (ره) : أنه احتمل كلا منهما. وما عدا الأول من وجوه الترجيح غير ظاهر. والأول إنما يقتضي وجوب ستر الدبر حال الركوع والسجود لا غير ، فالبناء عليه متعين ، ويتخير في سائر الأحوال. اللهم إلا أن يلزم من نقله من موضع إلى آخر التكشف ، فيتعين حينئذ عليه الوضع على الدبر في جميع الأحوال. ومنه يظهر ضعف إطلاق التخيير كما نسب إلى قوم ، وقد يظهر من محكي المبسوط.

تنبيه

المرأة العارية حكمها حكم الرجل في بدلية الإيماء عن الركوع والسجود مطلقاً ، لأنها أولى من الرجل بالاحتفاظ على بدو العورة ، مضافاً إلى مصحح زرارة المتقدم (١). ولأجل اختصاصه بصورة عدم الأمن من المطلع ـ بقرينة ما فيه من الأمر بوضع اليد على الفرج قبل الصلاة ، ووحدة سياقها مع الرجل المحمول جلوسه على خصوص الصورة المذكورة ـ يكون حكمها القيام مع الأمن ، لقاعدة الاشتراك المعول عليها عند الأصحاب ، كما يظهر من إطلاقهم حكم العاري من دون تعرض لحكم المرأة بالخصوص مما هو ظاهر في الاتفاق على إلحاقها بالرجل ، بل لعل ذلك بنفسه كاف في وجوب القيام عليها مع الأمن كالرجل ، وإن كان مقتضى القواعد وجوب الجلوس عليها حيث يجب ـ كما في التشهد والتسليم ـ مع التحفظ من بدو العورة. ومن ذلك يظهر أنها لو وجدت ما يستر العورتين وجبت عليها صلاة المختار ، إذ لا وجه لرفع اليد عن القواعد الأولية حينئذ ، والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) تقدم ذكره في المسألة الثالثة والأربعين من هذا الفصل.

٤٠٣

( مسألة ٤٥ ) : يجوز للعراة الصلاة متفرقين [١] ، ويجوز بل يستحب لهم الجماعة [٢] وإن استلزمت للصلاة جلوساً وأمكنهم الصلاة مع الانفراد قياماً ، فيجلسون ويجلس الإمام [٣]

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ولا إشكال في أصل مشروعية الصلاة فرادى لهم بل عن ظاهر المقنع ، وصلاة الخوف والمطاردة من الخلاف : وجوبها لهم وكأنه لخبر أبي البختري المتقدم (١) إذ في ذيله ـ عطفاً على ما سبق ـ : « فان كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثمَّ صلوا كذلك فرادى ». لكنه ـ مع ضعفه وإعراض الأصحاب عنه ـ محمول على إرادة أنهم إذا أرادوا الصلاة فرادى فليتباعدوا ليأمنوا من المطلع فيتأتى لهم الصلاة قياماً. فتأمل.

[٢] إجماعاً كما عن المنتهى والمختلف والتذكرة وفي الذكرى ، لإطلاق ما دل على استحباب الجماعة في الصلاة ، مضافاً إلى النصوص الآتية التي بها يخرج عما دل على وجوب القيام مع الإمكان.

[٣] المحكي عن النهاية والوسيلة والمعتبر والمنتهى والدروس وغيرها : أنهم يجلسون جميعاً ويتقدمهم إمامهم بركبتيه فيومئ للركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون خلفه. ومقتضى إطلاقهم عدم الفرق بين الأمن من المطلع وعدمه ، اعتماداً منهم على إطلاق صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « عن قوم صلوا جماعة وهم عراة. قال (ع) : يتقدمهم الامام بركبتيه ويصلي بهم جلوساً وهو جالس » (٢) ، وموثق إسحاق ابن عمار : « قلت لأبي عبد الله (ع) : قوم قطع عليهم الطريق وأخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال (ع) : يتقدمهم‌

__________________

(١) تقدم ذكره في المسألة الثالثة والأربعين من هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ٥١ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

٤٠٤

وسط الصف [١] ويتقدمهم بركبتيه ويومئون للركوع والسجود [٢] ، إلا إذا كانوا في ظلمة آمنين من نظر بعضهم‌

______________________________________________________

إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه فيومئ إيماء بالركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم » (١). لكن لما كان بينهما وبين نصوص وجوب القيام على العاري مع أمن المطلع عموم من وجه ، دار الأمر بين التصرف فيهما بحملهما على صورة عدم الأمن من المطلع وبين التصرف فيها بحملها على خصوص المفرد ، ولأجل أن التصرف الأول أقرب ، لأن الاجتماع ـ غالباً ـ ملازم لعدم الأمن من المطلع كان التصرف فيهما أولى وكأنه لذلك اختار جماعة وجوب القيام مع الأمن لظلمة أو عمى أو نحوهما بل عن المدارك والذخيرة : نسبته إلى الأكثر. وهو في محله.

[١] كما يظهر من قوله (ع) في الصحيح : « يتقدمهم الامام بركبتيه » ومنه يظهر وجه ما بعده.

[٢] كما عن الحلي ، ونسب أيضاً إلى المقنعة وغيرها. بل في محكي السرائر الإجماع عليه ، وأن قول الشيخ (ره) : « إن الامام يومئ فقط والمأمومين يركعون ويسجدون جلوساً » مخالف للإجماع. انتهى. وفي الجواهر : نسبته إلى القواعد والبيان والمدارك وغيرها من كتب متأخري المتأخرين. وكأنهم اعتمدوا في ذلك على إطلاق ما دل على وجوب الإيماء على العاري المعتضد بإجماع الحلي. وفيه : أن الإجماع لا يعول عليه مع شهرة الخلاف. وإطلاق ما دل على الإيماء مقيد بالموثق ، فإنه أخص مطلقاً منه ، ولذا قال في المعتبر : « وهذه ـ يعني : الرواية ـ حسنة ، ولا يلتفت إلى من يدعي الإجماع على خلافها ». وما في الذكرى من استبعاد أن يكون‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥١ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

٤٠٥

إلى بعض فيصلون قائمين صلاة المختار تارة ومع الإيماء أخرى [١] على الأحوط.

( مسألة ٤٦ ) : الأحوط بل الأقوى تأخير الصلاة عن أول الوقت إذا لم يكن عنده ساتر [٢] واحتمل وجوده في آخر الوقت.

( مسألة ٤٧ ) : إذا كان عنده ثوبان يعلم أن أحدهما حرير أو ذهب أو مغصوب والآخر مما تصح فيه الصلاة لا تجوز الصلاة في واحد منهما [٣] ،

______________________________________________________

للمأمومين خصوصية عن غيرهم من العراة. لا يسوغ رفع اليد عن الموثق ولا سيما بعد اعتماد جماعة من الأساطين عليه. وما عن كشف اللثام من احتمال إرادة الإيماء من قوله (ع) : « وهم يركعون .. » بعيد جداً مخالف للظاهر ، فالعمل على الموثق متعين.

[١] الوجه في الجمع بين الصلاتين على النحو المذكور قد تقدم في المسألة الثالثة والأربعين.

[٢] كما عن السيد وسلار ، ومال إليه في المعتبر. وعن الشيخ في النهاية : جواز الصلاة في سعة الوقت. وقد أشرنا مكرراً إلى أن إطلاق أدلة البدلية يقتضي جواز البدار لذوي الأعذار. إلا أن مناسبة الحكم والموضوع وكون البدلية من جهة الاضطرار قرينة على إرادة جعل البدلية حيث يتعذر الامتثال الاختياري في تمام الوقت. وعليه فالصحة في أول الوقت أو في أثنائه تدور على استمرار الاضطرار إلى آخر الوقت ، فان استمر صح الفعل الاضطراري أول الوقت وإن احتمل حاله ارتفاع الاضطرار ، وإن لم يستمر لم يصح الاضطراري وإن علم حاله باستمرار الاضطرار.

[٣] لأن العلم الإجمالي بالتكليف بالاجتناب عن الذهب أو الحرير أو

٤٠٦

بل يصلي عارياً. وإن علم أن أحدهما من غير المأكول والآخر من المأكول ، أو أن أحدهما نجس والآخر طاهر صلى صلاتين [١]. وإذا ضاق الوقت ولم يكن إلا مقدار صلاة واحدة يصلي عارياً في الصورة الأولى [٢] ويتخير بينهما في الثانية.

______________________________________________________

المغصوب بعد ما كان منجزاً للواقع موجب عقلا ترك كل من محتملات الواقع فلو صلى في واحد منها لم يجتزئ بها ، لعدم العذر على تقدير الثبوت واقعاً. نعم إذا انكشف أن ما صلى فيه ليس مانعاً صحت صلاته ، لأن حرمة اللبس عقلا من جهة العلم الإجمالي وحصول التجرؤ به لا ينافي صحة العبادة وحصول التقرب بها.

[١] ليحصل له اليقين بفعل الصلاة الصحيحة‌.

[٢] كما في نجاة العباد ، وحكاه في الجواهر عن بعض ، وكأنه لأن العلم الإجمالي بعد ما كان منجزاً للواقع يكون كل واحد من محتملاته بمنزلة المعلوم بالتفصيل ، فكما يصلي عارياً مع الانحصار في المعلوم كونه من غير مأكول اللحم ، كذلك مع الانحصار في محتملات المعلوم بالإجمال. لكن قد يشكل بأن وجوب الصلاة عارياً مع الانحصار بالمعلوم من جهة أنه يصدق أنه لا يجد ساتراً يستر به عورته ، كما أشرنا إليه سابقاً ، ولا يصدق ذلك مع العلم الإجمالي ، للعلم بوجود الساتر الشرعي أيضاً في المحتملات ، وحينئذ لو صلى في واحد منها فقد احتمل الموافقة والمخالفة ، ولو تركهما وصلى عارياً قطع بالمخالفة ، فيتعين الأول. وفيه : أن المنع العقلي كالمنع الشرعي في سلب القدرة ، فهو لا يقدر على الصلاة في الساتر الشرعي ، فقد تحقق المنع العقلي من جهة العلم الإجمالي. نعم في الصورة الثانية لما لم يكن منع عن الصلاة في واحد ، بل كان علم بوجوب الصلاة في واحد‌

٤٠٧

( مسألة ٤٨ ) : المصلي مستلقياً أو مضطجعاً ، لا بأس بكون فراشه أو لحافه نجساً أو حريراً أو من غير المأكول [١] إذا كان له ساتر غيرهما. وأن كان يتستر بهما أو باللحاف فقط فالأحوط كونهما مما تصح فيه الصلاة [٢].

______________________________________________________

مردد ، وجب عليه أن يصلي في واحد من باب الاحتياط. لكن في الاكتفاء به عن القضاء إشكالا ، إذ لا دليل على سقوط التكليف بالصلاة التامة ، والجهل لا يوجب سلب القدرة عليها ، فيجب عليه بعد الوقت إتيان الصلاة بالثوب الآخر ، أو في ثوب معلوم أنه من مأكول اللحم ، أو معلوم الطهارة ، ليحصل له اليقين بالفراغ.

[١] لعدم صدق اللبس فيما ذكر ، ولا الصلاة فيه.

[٢] كأنه لاحتمال صدق الصلاة فيه. لكنه غير ظاهر ، إذ الفارق بين الصورتين لا يقتضي الفرق بينهما في ذلك. نعم يمكن أن يقال : لما لم يكن إطلاق في دليل الساتر يصلح أن يستدل به على ساترية ما يشك في ساتريته لا يجوز التستر بالحرير ، وما لا يؤكل لحمه في هذا الحال ، للشك في كونهما من الساتر ، وقاعدة الاشتغال تقتضي الاحتياط بالتستر بغيرهما. وأما النجس : فلما علم أنه ساتر في نفسه لو لا النجاسة ، فالشك يرجع إلى الشك في مانعية النجاسة في هذه الحال ، والأصل البراءة ، وما دل على عدم جواز الصلاة في النجس لا مجال للتمسك به ، لأن الكلام مبني على عدم صدق الصلاة في النجس. اللهم إلا أن يدعى عدم وجوب التستر على المضطجع أو المستلقي مع وضع الغطاء عليه ، لا أن الغطاء ساتر له ، وإلا فلا يمكن دعوى كونه متستراً من تحته بالأرض التي افترشها ، فكما لا يجب عليه التستر من تحت لا يجب التستر من فوق مع التغطي ، وأدلة‌

٤٠٨

( مسألة ٤٩ ) : إذا لبس ثوباً طويلا جداً وكان طرفه الواقع على الأرض غير المتحرك بحركات الصلاة نجساً أو حريراً أو مغصوباً أو مما لا يؤكل ، فالظاهر عدم صحة الصلاة ما دام يصدق أنه لابس ثوباً كذائياً [١]. نعم لو كان بحيث لا يصدق لبسه ، بل يقال : لبس هذا الطرف منه ـ كما إذا كان طوله عشرين ذراعاً ، ولبس بمقدار ذراعين منه أو ثلاثة وكان الطرف الآخر مما لا تجوز الصلاة فيه ـ فلا بأس به.

( مسألة ٥٠ ) : الأقوى جواز الصلاة فيما يستر ظهر القدم ولا يغطي الساق [٢] كالجورب ونحوه.

______________________________________________________

وجوب التستر غير شاملة لمثله. لكنه مجال تأمل ظاهر.

[١] هذا لا يتم في المغصوب ، إذ لا دليل على مانعيته بالخصوص ، وإنما هي على تقدير القول بها من جهة المنافاة لقصد التقرب ، وذلك يختص بما إذا كانت الصلاة فيه تصرفاً فيه ، والواقع على الأرض الذي لا يتحرك بحركات المصلي لا يصدق على الصلاة فيه أنها تصرف فيه ، فلا وجه لبطلان الصلاة فيه وإن صدق أنه لابس له ، أو أنه صلى فيه. وأما في الذهب فقد عرفت أن موضوع المانعية هو موضوع الحرمة. فإذا كان مثله لبساً محرماً أبطل. وأما ما لا يؤكل لحمه والحرير : فالمانعية دائرة مدار الصلاة فيه ، لا مدار اللبس له ، فجعل الجميع دائراً مدار اللبس غير ظاهر ، إلا أن يراد ما ذكرنا.

[٢] كما عن العلامة في المنتهى والتحرير ، والمحقق والشهيد الثانيين ، والميسي والمدارك والمفاتيح ، ونسب أيضاً إلى المبسوط والوسيلة وغيرها ، وعن المفاتيح : نسبته إلى أكثر المتأخرين ، وعن البحار : أنه أشهر.

٤٠٩

______________________________________________________

للأصل ، ولما عن الاحتجاج أن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري كتب إلى صاحب الزمان ـ عجل الله تعالى فرجه ـ : « هل يجوز للرجل أن يصلي وفي رجليه بطيط لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟ فوقع (ع) : جائز » (١). والبطيط ـ كما في القاموس ـ رأس الخف بلا ساق. لكن الاستدلال به يتوقف إما على كون المراد بالكعبين العظمين في جانبي الساق ، أو على كون المراد مما لا يستر ظهر القدم ما لا يستر تمامه ولا بعضه.

هذا والمنسوب إلى كبراء الأصحاب ، أو المشهور ، أو الأشهر ، أو مذهب الأكثر ، أو أكثر القدماء : المنع ، وإن كانت النسبة إلى جماعة لا تخلو من خدشة ، لأن المنقول عنهم الاقتصار على خصوص الشمشك والنعل السندية. ( وكيف كان ) فاستدل للمنع بالمرسل عن الوسيلة : « روي أن الصلاة محظورة في النعل السندية والشمشك » (٢) ، وخبر سيف ابن عميرة : « لا يصلى على جنازة بحذاء » (٣). بناء على أن صلاتها أوسع. وبما في المعتبر وعن التذكرة من عدم فعل النبي (ص) والصحابة والتابعين ، ولقوله (ص) : « صلوا كما رأيتموني أصلي » (٤). والجميع كما ترى ، إذ المرسل قاصر السند ، ولا سيما مع عدم عمل مرسله به ، ومجرد الموافقة لفتوى المشهور غير جابرة ، واعتمادهم عليه غير ثابت. مع أنه لا يظهر منه دلالة على المقام ، إذ من الجائز أن يكون وجه المنع في مورده عدم التمكن من وضع الإبهامين على الأرض. وخبر سيف بن عميرة ـ مع قصوره سنداً ـ غير معمول بظاهره. كما في الجواهر وغيرها. وعدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب لباس المصلي حديث : ٧ والوسيلة صفحة : ١١.

(٣) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب صلاة الجنازة حديث : ١.

(٤) كنز العمال ج : ٤ حديث : ١١٩٦.

٤١٠

فصل فيما يكره من اللباس حال الصلاة

وهي أمور : ( أحدها ) : الثوب الأسود ، حتى للنساء عدا الخف والعمامة والكساء ، ومنه العباءة. والمشبع منه أشد كراهة. وكذا المصبوغ بالزعفران أو العصفر ، بل الأولى اجتناب مطلق المصبوغ. ( الثاني ) : الساتر الواحد الرقيق. ( الثالث ) : الصلاة في السروال وحده وإن لم يكن رقيقاً. كما أنه يكره للنساء الصلاة في ثوب واحد وإن لم يكن رقيقاً. ( الرابع ) : الاتزار فوق القميص. ( الخامس ) : التوشح ، وتتأكد كراهته للإمام ، وهو إدخال الثوب تحت اليد اليمنى وإلقاؤه على المنكب الأيسر ، بل أو الأيمن. ( السادس ) :

______________________________________________________

فعل النبي (ص) مع أنه لا شاهد عليه ـ أعم من المنع ، والنبوي يختص بما يظهر أن فعله (ص) أو تركه له بعنوان كونه دخيلا في الصلاة ، فما لم يحرز ذلك لا مجال للتمسك به ، ومنه ما نحن فيه لو سلم تركه (ص) له كما هو ظاهر. فالبناء على الجواز قوي. نعم لا بأس بالقول بالكراهة بناء على تمامية قاعدة التسامح ، وجريانها بمجرد فتوى الفقيه ولو كان المفتي به الكراهة. وإن كان الجميع محل إشكال ، والقول بالكراهة في خصوص الشمشك والنعل السندية لقاعدة التسامح يتوقف على عدم المانع من لبسهما ، وهو يتوقف على تحقيق المراد منهما ، وهو غير حاصل لنا فعلا والله سبحانه العالم بحقائق الأمور.

٤١١

______________________________________________________

في العمامة المجردة عن السدل وعن التحنك أي : التلحي. ويكفي في حصوله ميل المسدول إلى جهة الذقن. ولا يعتبر إدارته تحت الذقن وغرزه في الطرف الآخر ، وإن كان هذا أيضاً إحدى الكيفيات له. ( السابع ) : اشتمال الصماء بأن يجعل الرداء على كتفه وإدارة طرفه تحت إبطه وإلقائه على الكتف. ( الثامن ) : التحزم للرجل. ( التاسع ) : النقاب للمرأة إذا لم يمنع من القراءة ، وإلا أبطل. ( العاشر ) : اللثام للرجل إذا لم يمنع من القراءة. ( الحادي عشر ) : الخاتم الذي عليه صورة. ( الثاني عشر ) : استصحاب الحديد البارز. ( الثالث عشر ) : لبس النساء الخلخال الذي له صوت. ( الرابع عشر ) : القباء المشدود بالزرور الكثيرة أو بالحزام. ( الخامس عشر ) : الصلاة محلول الأزرار. ( السادس عشر ) : لباس الشهرة إذا لم يصل إلى حد الحرمة ، أو قلنا بعدم حرمته. ( السابع عشر ) : ثوب من لا يتوقى من النجاسة خصوصاً شارب الخمر. وكذا المتهم بالغصب. ( الثامن عشر ) : ثوب ذو تماثيل. ( التاسع عشر ) : الثوب الممتزج بالإبريسم. ( العشرون ) : ألبسة الكفار وأعداء الدين. ( الحادي والعشرون ) : الثوب الوسخ. ( الثاني والعشرون ) : السنجاب. ( الثالث والعشرون ) : ما يستر ظهر القدم من غير أن يغطي الساق. ( الرابع والعشرون ) : الثوب الذي يوجب التكبر. ( الخامس والعشرون ) : لبس الشائب ما يلبسه الشبان. ( السادس والعشرون ) : الجلد المأخوذ ممن يستحل الميتة بالدباغ. ( السابع والعشرون ) :

٤١٢

______________________________________________________

الصلاة في النعل من جلد الحمار. ( الثامن والعشرون ) : الثوب الضيق اللاصق بالجلد. ( التاسع والعشرون ) : الصلاة مع الخضاب قبل أن يغسل. ( الثلاثون ) : استصحاب الدرهم الذي عليه صورة. ( الواحد والثلاثون ) : إدخال اليد تحت الثوب إذا لاصقت البدن. ( الثاني والثلاثون ) : الصلاة مع نجاسة ما لا تتم فيه الصلاة ، كالخاتم والتكة والقلنسوة ونحوها. ( الثالث والثلاثون ) : الصلاة في ثوب لاصق وبر الأرانب أو جلده مع احتمال لصوق الوبر به.

فصل فيما يستحب من اللباس

وهي أيضاً أمور : ( أحدها ) : العمامة مع التحنك. ( الثاني ) : الرداء خصوصا للإمام ، بل يكره له تركه. ( الثالث ) : تعدد الثياب ، بل يكره في الثوب الواحد للمرأة كما مر. ( الرابع ) : لبس السراويل. ( الخامس ) : أن يكون اللباس من القطن أو الكتان. ( السادس ) : أن يكون أبيض ( السابع ) : لبس الخاتم من العقيق. ( الثامن ) : لبس النعل العربية. ( التاسع ) : ستر القدمين للمرأة. ( العاشر ) : ستر الرأس في الأمة والصبية ، وأما غيرهما من الإناث فيجب كما مر ( الحادي عشر ). لبس أنظف ثيابه. ( الثاني عشر ) : استعمال الطيب ففي الخبر ما مضمونه : الصلاة مع الطيب تعادل‌

٤١٣

سبعين صلاة. ( الثالث عشر ) : ستر ما بين السرة والركبة. ( الرابع عشر ) : لبس المرأة قلادتها.

فصل في مكان المصلى

والمراد به ما استقر عليه [١] ولو بوسائط ، وما شغله

______________________________________________________

فصل في مكانه المصلى‌

[١] حكي عن جماعة ـ منهم فخر الدين وجامع المقاصد والأردبيلي ـ التصريح بأن المكان في عرف الفقهاء مشترك بين معنيين : أحدهما باعتبار إباحته ، والآخر باعتبار طهارته. قال في جامع المقاصد : « ومن شروط الصلاة المكان المخصوص بالاتفاق ، ويراد به باعتبار إباحة الصلاة فيه وعدمها : الفراغ الذي يشغله بدن المصلي أو يستقر عليه بوسائط ، وباعتبار اشتراط طهارته وعدمه ما سنذكره بعد إن شاء الله تعالى. والشارح الفاضل ولد المصنف عرف المكان باعتبار الأول في نظر الفقهاء بأنه ما يستقر عليه المصلي ولو بوسائط ، وما يلاقي بدنه وثيابه ، وما يتخلل بين مواضع الملاقاة من موضع الصلاة ، كما يلاقي مساجده ويحاذي بطنه وصدره ». وأورد عليه فيما عن جامع المقاصد والروض والمدارك وغيرها بأنه يقتضي بطلان صلاة ملاصق الحائط المغصوب كما في المدارك ، وكذا واضع الثوب المغصوب‌

٤١٤

______________________________________________________

الذي لا هواء له بين الركبتين والجبهة ، إذ الأول مما يلاقي بدنه ، والثاني مما يتخلل بين مواضع الملاقاة. ولأجل ذلك عدل الجماعة عن تعريفه بذلك إلى تعريفه بأنه الفراغ الذي يشغله بدن المصلي أو يستقر عليه ولو بوسائط الراجع إليه تعريف المتن. وفيه : أن الاشكال الأول غير ظاهر ، لأن المراد من اسم الموصول في التعريف المكان بما له من المفهوم العرفي ، وهو لا ينطبق على الجدار الملاصق لبدن المصلي. وكان الأولى إبدال الاشكال المذكور بأن لازمه صحة الصلاة في الفضاء المغصوب إذا كان القرار مباحاً مع المقدار الذي يتخلل بين مواضع الملاقاة.

ثمَّ إنه قد استشكل في التعريف الثاني في جامع المقاصد بأن لازمه صحة الصلاة تحت السقف والخيمة المغصوبين ونحوهما. وأجاب بأن الفساد لو سلم ليس لعدم إباحة المكان ، بل لأنه تصرف في المغصوب. أقول : سيأتي إن شاء الله منع صدق التصرف في الخيمة بالصلاة تحتها ، وكذا السقف ، وعدم بطلان الصلاة على سطح الجدار إذا كان في أساسه حجر مغصوب ، لعدم صدق التصرف فيه. فالتعريف المذكور أيضاً لا يخلو عن إشكال.

هذا وعن الإيضاح وفي المدارك تعريفه باعتبار الطهارة بما يلاقي بدنه وثوبه. وربما فسر بما يكون مسقط كل البدن ، أو بما هو مسقط أعضاء السجود.

وحيث أن لفظ المكان لم يقع في لسان دليل معتبر في المقامين ـ أعني شرطي الإباحة والطهارة ـ فلا يهم التعرض لتحقيق مفهومه ومعناه ، وذكره في معاقد الإجماعات على اشتراط الإباحة لا يقتضي ذلك أيضاً ، للعلم بأن مراد المجمعين منه ما يكون التصرف فيه متحداً مع الصلاة ، ولو بلحاظ بعض أجزائها ، بحيث يكون تحريمه تحريماً لها. فالعمدة حينئذ تشخيص‌

٤١٥

من الفضاء في قيامه ، وقعوده ، وركوعه ، وسجوده ، ونحوها.

ويشترط فيه أمور. ( أحدها ) : إباحته ، فالصلاة في المكان المغصوب باطلة [١].

______________________________________________________

مصاديق ذلك المفهوم ليترتب عليه الحكم بالبطلان. هذا من حيث الإباحة. وأما من حيث الطهارة فالمرجع في تحقيقه الأدلة الدالة على اعتبار الطهارة ، وأن الموضوع فيها خصوص مسجد الجبهة ، أو موضع المساجد ، أو موضع تمام بدن المصلي ، وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله.

[١] للإجماع محكيه ومحصله ، صريحاً وظاهراً ، مستفيضاً إن لم يكن متواتراً ، كما في الجواهر. وفي مفتاح الكرامة : حكاية الإجماع عليه ظاهراً عن نهاية الأحكام ، والناصرية ، والمنتهى ، والتذكرة ، والمدارك ، والدروس ، والبيان ، وجامع المقاصد ، والغرية. قال في جامع المقاصد : « تحرم الصلاة في المكان المغصوب بإجماع العلماء إلا من شذ ، وتبطل عندنا وعند بعض العامة ». وقريب منه ما في المدارك ، ثمَّ قال : « لأن الحركات والسكنات الواقعة في المكان المغصوب منهي عنها كما هو المفروض ، فلا تكون مأموراً بها ، ضرورة استحالة كون الشي‌ء الواحد مأموراً به ومنهياً عنه ». ونحوه ما في غيرها.

أقول : امتناع اجتماع الأمر والنهي بمجرده غير كاف في بطلان العبادة ، لإمكان التقرب بالملاك ، إذ المصحح للعبادة لا ينحصر بالأمر. ولذا بني على صحة الضد المهم إذا زاحمه الضد الأهم بناء على امتناع الترتب مع أنه لا يعقل الأمر بالضدين المتزاحمين ، فليس الوجه في صحته إلا البناء على إمكان التقرب بالملاك ، كما هو محرر في مسألة الضد من الأصول. فالعمدة في بطلان العبادة في مسألة الاجتماع عدم إمكان التقرب بما هو‌

٤١٦

______________________________________________________

معصية ، لأن القرب والبعد ضدان لا يجتمعان ، ولأجل أن المعصية مبعدة يمتنع أن تكون مقربة. ولو كان الملاك صالحاً لأن يتقرب به.

نعم يبقى الكلام في المقدمة الأولى من أن أجزاء الصلاة تتحد مع الغصب في الخارج ، فتكون محرمة ، فإنها لا تخلو من إشكال ، إذ الأقوال منها ـ مثل تكبيرة الافتتاح والقراءة والتسبيح والتشهد والتسليم ـ من قبيل الكيفيات القائمة بالصوت ، تحدث بواسطة حركات اللسان ، والكيفية ليست من التصرف في المغصوب فتحرم ، ولو سلم أنها عين حركات اللسان فشمول ما دل على حرمة التصرف في المغصوب لمثلها محل إشكال ، بل منعه غير واحد من المحققين.

وأما القيام والجلوس والركوع : فقد عرفت في مبحث اللباس أنها هيئات قائمة بالبدن نظير الاستقامة والانحناء ، وليست عبارة عن النهوض والهوي لتكون من التصرف في المغصوب المحرم.

وأما السجود : فهو الانحناء الخاص مع مماسة الجبهة للأرض ، والانحناء من قبيل الهيئة التي قد عرفت أنها ليست متحدة مع التصرف المحرم ، وأما المماسة ، فإنما هي تصرف في المتماسين فاذا كانا مباحين كانت مباحة. ( ودعوى ) : أن المأخوذ في السجود الوضع ، وهو لا يصدق إلا بأن يكون رفع ، فمقدار من الهوي ـ وهو ما يكون قبيل وصول الجبهة إلى الأرض ـ داخل في حقيقة السجود ، فاذا كان حراماً ـ لأنه تصرف في المغصوب ـ امتنع التعبد به. ( مندفعة ) : بمنع ذلك جداً ، بل الوضع ليس إلا نفس المماسة للأرض على النحو المخصوص ، ولذا يصدق على البقاء بعين صدقه على الحدوث ، فلو وضع جبهته على الأرض ساعة فهو في كل آن ساجد بعين السجود الذي ينطبق في الآن الأول مع أنه في الآن الثاني‌

٤١٧

______________________________________________________

لا يكون الوضع عن رفع ، وانسباق ذلك إنما يكون من جهة أن صرف الوجود مسبوق بالعدم.

ومنه يظهر الحال في دعوى ذلك في الركوع. نعم يعتبر في الركوع الواجب في الصلاة أن يكون عن قيام ، وذلك لا يقتضي كون الهوي داخلا في حقيقته. ومن ذلك يظهر أن من سجد على أرض مغصوبة بطل سجوده وإن كان الفضاء مباحاً له ، ومن سجد على أرض مباحة صح سجوده وإن كان الفضاء مغصوباً ، فمن صلى في الدار المغصوبة لا تفسد صلاته إلا إذا كان وضع جبهته ومساجده على مواضعها تصرفاً في المغصوب.

فان قلت : يعتبر في الصلاة القرار على شي‌ء ولو كان مثل الطيارات الجوية الدائرة الاستعمال في هذه الأعصار ، فمن صلى في الهواء بين السماء والأرض لا تصح صلاته لفقد القرار ، وحينئذ فالصلاة في الدار المغصوبة باطلة ، لاتحاد القرار على الأرض في القيام الجلوس والركوع مع التصرف في المغصوب.

قلت : لو سلم اعتباره فلا دليل على كونه بنحو الجزئية ، ولِمَ لا يكون بنحو الشرطية؟ وشروط العبادة ـ من حيث هي شروط عبادة ـ لا يعتبر فيها التقرب ، فكونه محرماً ـ لأنه تصرف في المغصوب ـ لا يقتضي فساد الصلاة كما هو ظاهر. فينحصر الحكم ببطلان الصلاة في المغصوب بما لو كان وضع المساجد على محالها تصرفاً فيه ، فلو اتفق عدم كونه كذلك لم يكن وجه للفساد ، كما لو صلى على تخت مملوك مثبت في الدار المغصوبة بناء على عدم كفاية الاعتماد على المغصوب في صدق التصرف فيه.

ولأجل ذلك قد يشكل إطلاق الأصحاب اعتبار إباحة المكان في صحة الصلاة. والاعتماد على الإجماعات المنقولة أشكل ، لوضوح مستند المجمعين‌

٤١٨

سواء تعلق الغصب بعينه أو بمنافعه [١] ، كما إذا كان مستأجراً وصلى فيه شخص من غير إذن المستأجر وإن كان مأذوناً من قبل المالك ، أو تعلق به حق ، كحق الرهن [٢] وحق غرماء الميت [٣] ،

______________________________________________________

ولا سيما مع نقل الخلاف عن الفضل بن شاذان ، بل ظاهر محكي كلامه أن القول بالصحة كان مشهوراً بين الشيعة كما اعترف به في محكي البحار. وأشكل منه الاستدلال عليه برواية إسماعيل الجعفي والمرسل عن تحف العقول المتقدمين في مبحث اللباس ، فراجع. وبالمرسل عن غوالي اللئالي عن الصادق (ع) وفيه : « بل نبيح لهم المساكن لتصح عبادتهم » (١). فان ضعف السند من غير جابر وقصور الدلالة مانع عن صلاحية الاستدلال كما لا يخفى. هذا والانصاف أن التشكيك في الإجماع في غير محله ، كيف؟ وقد اتفقوا على شرطية الإباحة مع اختلافهم في جواز اجتماع الأمر والنهي وامتناعه ، فأفتى بشرطية الإباحة من لا يقول بامتناع الاجتماع ، ولا يعارض ذلك خلاف الفضل ولا نقله ، فلاحظ كلماتهم في شرطية الإباحة في الصلاة وكلامهم في مبحث الاجتماع تراهم متفقين على الأول مختلفين في الثاني.

[١] لعدم الفرق في حرمة التصرف بين المذكورات.

[٢] للدليل الدال على حرمة تصرف الراهن في العين المرهونة بدون إذن المرتهن ، والعمدة فيه الإجماع المستفيض النقل والنص ، وإلا فحق الراهن بنفسه لا اقتضاء له في ذلك.

[٣] هذا بناء على أن المال المقابل للدين باق على ملك الميت أو‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٤ من أبواب الأنفال حديث : ٣‌

٤١٩

وحق الميت إذا أوصى [١] بثلثه ولم يفرز بعد ولم يخرج منه ، وحق السبق كمن سبق إلى مكان من المسجد أو غيره فغصبه منه غاصب على الأقوى [٢] ، ونحو ذلك. وإنما تبطل الصلاة‌

______________________________________________________

بحكم ملكه كما هو المنسوب إلى جماعة كثيرة ، ولعله الظاهر الذي يقتضيه ما دل من النصوص على الترتيب بين الكفن والدين والوصية والميراث (١) المقدم على عموم ما دل على إرث الوارث ما ترك الميت ظاهراً ، لأن التصرف فيه تصرف في مال الغير بغير إذنه. وأما بناء على أنه مملوك للوارث ويتعلق به حق الغرماء ـ كما هو مذهب جمع من المحققين ، واختاره في الجواهر ـ فلا يخلو من إشكال ، لأن التصرف بمثل الصلاة ليس منافياً لحقهم ، إذ ليس هو أعظم من حق المرتهن الذي قد عرفت أنه لا اقتضاء له في نفسه للمنع عن التصرف لو لا الدليل الخاص. وتمام الكلام في المسألة موكول إلى محله من كتاب الحجر.

[١] فان المال الموصى به باق على ملك الميت ، فلا يجوز التصرف فيه بغير إذن وصيه. هذا لو أوصى بجزء مشاع ، ولو أوصى بنحو الكلي في المعين ـ كعشرة دراهم من تركته ـ لم يكن مانع من التصرف ، كما لو باع عشرة على النحو المذكور ، فإنه يجوز للبائع التصرف فيما زاد على العشرة ، لعدم منافاة ذلك لحق المشتري.

[٢] كما هو ظاهر جماعة ، بل المشهور ، وعن جامع المقاصد. والكفاية : أنه الوجه. ويقتضيه ظاهر النص أيضاً ، ففي مرسل محمد بن إسماعيل عن أبي عبد الله (ع) قلت له : « نكون بمكة أو بالمدينة أو الحيرة أو المواضع التي يرجى فيها الفضل فربما خرج الرجل يتوضأ فيجي‌ء آخر‌

__________________

(١) يأتي ذكر بعضها في المسألة الرابعة عشرة من هذا الفصل ، وتقدم ذكر بعضها في المسألة التاسعة عشرة من مبحث التكفين في الجزء الرابع.

٤٢٠