مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

( مسألة ١٨ ) : النافلة تنقسم إلى مرتبة وغيرها ، والأولى : هي النوافل اليومية التي مرّ بيان أوقاتها.

الثانية : إما ذات السبب كصلاة الزيارة ، والاستخارة ، والصلوات المستحبة في الأيام والليالي المخصوصة. وإما غير ذات السبب ، وتسمى بالمبتدأة.

______________________________________________________

لام الملك ، والظرف مستقر ، فيكون الناذر قد جعل الفعل لله سبحانه ، وملكاً له تعالى ، نظير قول المخبر : ( لزيد علي أن أفعل كذا ) ، لما تحقق في محله من أن معنى الكلام الإنشائي عين معنى الكلام الاخباري ، وإنما يختلفان في قصد الحكاية عن ذلك المعنى في الخبر وقصد إنشائه وجعله في الإنشاء ، فإذا كان معنى اللام التمليك وجب أن يكون متعلقها محبوباً للمجعول له الملك ، ولا يجوز أن يكون مرجوحاً أو مباحاً. ولذا لا يصح أن يقول : ( لزيد علي أن أهتك عرضه ، أو أن اشتمه ، أو أن أغصب ماله ) إذا كانت هذه الأمور المذكورة مبغوضة لزيد ، كما لا يصح أن تقول : ( لزيد علي أن أتنفس في كل يوم مائة ألف نفس ) إذا لم يتعلق غرض لزيد بذلك يوجب كونه محبوباً له ، فاذا لم يكن المنذور راجحاً امتنع إنشاء معنى صيغة النذر ، بل لو سلم كون اللام لام الصلة والظرف لغواً ، فتكون اللام متعلقة بـ ( التزمت ) يعني : ( التزمت لله سبحانه أن أفعل كذا ) فالواجب في الملتزم به أن يكون محبوباً للملتزم له ، فلو لم يكن كذلك لا معنى لجعل الالتزام له ، فلا يصح أن تقول : ( التزمت لزيد أن أتنفس مائة ألف نفس ) فضلا عن أن يصح قولك : ( التزمت لزيد أن أهتك عرضه ) وبالجملة : لازم مفاد صيغة النذر أن يكون المنذور راجحاً ، سواء أكان الظرف مستقراً أم لغواً ، واللام للملك أو الصلة. نعم يختلفان من‌

١٤١

لا إشكال في عدم كراهة المرتبة في أوقاتها [١]

______________________________________________________

جهة أخرى وهي قصر سلطنة الناذر على الأول وعدمه على الثاني ، لكنها لو تمت لا ترتبط بما نحن فيه.

هذا وقد يقال في دفع الإشكال. بأن الصلاة في نفسها راجحة يصح نذرها ، وإنما المنهي عنه هو التطوع في وقت الفريضة ، وهو أمر آخر زائد على نفس الصلاة ، بل هو متأخر رتبة عن الأمر بها كعنوان الإطاعة ، بل هو هو ، والنذر لم يتعلق بالتطوع ، وإنما تعلق بنفس الصلاة التي هي موضوع الأمر ، فإذا تعلق بها النذر كانت إطاعة الأمر النذري ليست من التطوع ، لاختصاصه بالنفل ولا يشمل الواجب.

وفيه : أن التطوع كالطاعة يمتنع تعلق النهي به حتى لو قلنا بكون أوامر الإطاعة مولوية شرعية لا إرشادية عقلية ، لأن حكم العقل بحسن الإطاعة من المستقلات العقلية التي لا يمكن تعلق النهي على خلافها ، ويلزم منه التناقض مع أن التحقيق أن أوامر الإطاعة إرشادية إلى حكم العقل بحسنها ولا يجوز أن تكون مولوية ، كما أشرنا إلى وجهه في ما علقناه على مباحث الانسداد من الكفاية. فراجع. فالنهي عن التطوع لا بد أن يكون راجعاً إلى النهي عن الصلاة ، إما لمفسدة فيها لو قلنا بالحرمة الذاتية ، أو لعدم المصلحة لو قلنا بمجرد الحرمة التشريعية. فتأمل جيداً. والله سبحانه أعلم.

[١] كما قد يستفاد ـ في الجملة ـ من محكي ظاهر الإجماع عن الناصريات على نفي الكراهة في مطلق ما له سبب من النوافل. ومن محكي الخلاف من الإجماع على عدم البأس والكراهة في ذوات الأسباب من قضاء نافلة ، أو تحية مسجد ، أو صلاة زيارة ، أو صلاة إحرام ، أو طواف في ما كره لأجل الفعل ، يعني بعد صلاة الصبح وبعد العصر. ومما في‌

١٤٢

وإن كان بعد صلاة العصر أو الصبح [١]. وكذا لا إشكال في عدم كراهة قضائها في وقت من الأوقات [٢].

______________________________________________________

المنتهى من قوله : « لا بأس بقضاء السنن الراتبة بعد العصر ذهب إليه علماؤنا أجمع ».

لكن نصوص الكراهة شاملة للرواتب في أوقاتها ، كموثق الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قال : لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، فان رسول الله (ص) قال : إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان ، وتغرب بين قرني الشيطان. وقال (ع) : لا صلاة بعد العصر حتى المغرب » (١) ونحوه غيره. وتوقيتها بالوقت المعين لا ينافي الكراهة بلحاظ الوقوع بعد الصبح والعصر كما لا يخفى. نعم يستفاد نفي الكراهة مما يأتي في عدم كراهة قضائها في أي وقت.

[١] الأمر منحصر بالصورتين المذكورتين ، وليس هناك صورة ثالثة ، إذ لا تنطبق أوقات الرواتب على المشهور مع الأوقات الثلاثة الأخر. نعم بناء على امتداد وقت نافلة الظهرين بامتداد وقت إجزائهما تكون لهما صورة ثالثة.

[٢] كما يستفاد مما سبق من دعوى الإجماع صريحاً وظاهراً. لكن في محكي المقنعة : « ولا يجوز ابتداء النوافل ، ولا قضاء شي‌ء منها عند طلوع الشمس ولا عند غروبها ». وعن النهاية : كراهة صلاة النوافل وقضائها في هذين الوقتين. ولا ينبغي التأمل في عموم مستند الكراهة مما مضى ويأتي لما نحن فيه. نعم يدل على نفي الكراهة مثل رواية عبد الله بن أبي يعفور عن أبي

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب المواقيت حديث : ١.

١٤٣

______________________________________________________

عبد الله (ع) : « في قضاء صلاة الليل والوتر تفوت الرجل أيقضيها بعد صلاة الفجر وبعد العصر؟ فقال (ع) : لا بأس بذلك » (١). ونحوها رواية جميل بن دراج : « سألت أبا الحسن الأول (ع) عن قضاء صلاة الليل بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. فقال : نعم وبعد العصر إلى الليل فهو من سر آل محمد (ص) المخزون » (٢). ومثلهما غيرهما.

نعم هذه الطائفة ـ مع أنها معارضة بمثل مكاتبة علي بن بلال : « في قضاء النافلة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ومن بعد العصر إلى أن تغيب الشمس. فكتب : لا يجوز ذلك إلا للمقتضي فأما لغيره فلا » (٣) ـ مختصة بنفي الكراهة بعد الصبح والعصر. وليس ما يدل على نفيها في بقية الموارد سوى رواية حسان بن مهران قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قضاء النوافل قال (ع) : ما بين طلوع الشمس إلى غروبها » (٤). ونحوها غيرها. لكن في دلالتها على نفي الكراهة تأمل ، وإن اشتمل بعضها على التعبير بقوله (ع) : « كل ذلك سواء » (٥) ، لقرب دعوى كون الجميع وارداً مورد الاجزاء في مقابل تعيين وقت للقضاء نعم يمكن أن يستفاد نفي الكراهة عند غروب الشمس مما في رواية جميل الواردة في قضاء صلاة الليل قال (ع) : « وبعد العصر إلى الليل » كما أنه يمكن أيضاً استفادة نفي الكراهة عند قيام الشمس في وسط السماء من رواية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب المواقيت حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب المواقيت حديث : ١٤.

(٣) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب المواقيت حديث : ٩.

(٥) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب المواقيت حديث : ١٣.

١٤٤

وكذا في الصلوات ذوات الأسباب [١].

وأما النوافل المبتدأة التي لم يرد فيها نص بالخصوص ، وإنما يستحب الإتيان بها لأن الصلاة‌ خير موضوع ، وقربان كل تقي ، ومعراج المؤمن ، فذكر جماعة : أنه يكره الشروع فيها في خمسة أوقات [٢].

______________________________________________________

أبي بصير : « إن فاتك شي‌ء من تطوع النهار والليل فاقضه عند زوال الشمس » (١).

[١] كما يستفاد من إجماع الناصريات والخلاف. لكن عن الخلاف : ثبوت الكراهة لأجل الوقت. وقد تقدم ما عن المقنعة والنهاية. ودليل نفي الكراهة فيها الذي يخرج به عن عموم ما دل على ثبوتها غير ظاهر. مع أن في بعض أخبار الاستخارة بالرقاع ما يظهر منه كراهة إيقاع صلاتها بعد الفجر إلى أن تنبسط الشمس وبعد العصر (٢).

[٢] إجماعاً صريحاً وظاهراً محكياً عن الناصريات والخلاف والغنية والتذكرة والمنتهى وجامع المقاصد وغيرها. ويدل عليه ـ مضافاً إلى ما سبق ـ خبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « لا صلاة بعد العصر حتى تصلي المغرب ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس » (٣) ، ومكاتبة علي بن بلال المتقدمة (٤) وما في حديث المناهي : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند استوائها » (٥) وخبر سليمان بن جعفر الجعفري قال : « سمعت الرضا (ع) يقول : لا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٧ من أبواب المواقيت حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب الاستخارة بالرقاع حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٤) تقدمت في صفحة : ١٤٤.

(٥) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب المواقيت حديث : ٦.

١٤٥

______________________________________________________

ينبغي لأحد أن يصلي إذا طلعت الشمس لأنها تطلع بقرني شيطان فاذا ارتفعت وصفت فارقها ، فتستحب الصلاة ذلك الوقت والقضاء وغير ذلك ، فاذا انتصفت النهار قارنها ، فلا ينبغي لأحد أن يصلي في ذلك الوقت لأن أبواب السماء قد غلقت ، فاذا زالت الشمس وهبت الريح فارقها » (١). ونحوها أو قريب منها غيرها. وظاهر النفي في بعضها وإن كان هو التحريم ـ كما عن السيد (ره) ـ لكنه محمول على الكراهة كما يظهر من التعبير بـ « لا ينبغي » و « يكره » (٢) ، ومن التعليل في بعضها الآخر ، فلا مجال لاحتمال الحرمة ، ولا سيما بملاحظة دعوى مخالفته للإجماع ، كما عن المختلف أو الاتفاق ، كما عن كشف الرموز.

نعم يعارض النصوص المذكورة التوقيع المروي عن الحجة ( عجل الله تعالى فرجه ) كما عن إكمال الدين ، وفي غيره عن محمد بن عثمان العمري ( قده ) : « وأما ما سألت عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان كما يقول الناس : إن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان فما أرغم أنف الشيطان بشي‌ء أفضل من الصلاة فصلهما وأرغم أنف الشيطان » (٣). وعن الصدوق : العمل به وطرح ما سبق (٤). وفي الوسائل : « أنه الأقرب » (٥). لكن رفع اليد عن تلك النصوص الكثيرة التي هي ما بين صريح ، وظاهر ، وملوح إلى الكراهة ، المتفرقة في أبواب كثيرة ، كقضاء الفرائض ، والنوافل (٦) ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب المواقيت حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٧٦ من أبواب الطواف حديث : ٧ و ١٢.

(٣) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب المواقيت حديث : ٨.

(٤) يحكيه في الوسائل عنه في ذيل الحديث السابق.

(٥) الوسائل آخر باب : ٣٨ من أبواب المواقيت.

(٦) تقدم ذكرها في صفحة : ١٤٤.

١٤٦

أحدها : بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس.

الثاني : بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.

الثالث : عند طلوع الشمس حتى تنبسط [١].

______________________________________________________

وصلاة الطواف (١) ، والاستخارة (٢) ، وصلاة الجنائز (٣) ، وتعداد الصلوات (٤) ، وغير ذلك ، مع اعتماد أساطين الفرقة عليها ، ودعوى الإجماع المتكررة على العمل بها صعب جداً ، بل الأولى التصرف في التوقيع إما بحمله على إرادة مجرد إبطال المنع ، أو الكراهة من جهة التعليل المذكور كما هو غير بعيد. ولذا حكي عن المفيد (ره) في كتاب ( افعل ولا تفعل ) ما يوافق التوقيع ، ومع ذلك بني على العمل بالنصوص كما عرفت. وإما بحمله على إرادة إبطال الأخذ بظاهر التعليل ، وأن المراد منه معنى آخر كني بظاهر التعليل عنه. أو نحو ذلك مما يظهر بالتأمل.

[١] وفي رواية الجعفري المتقدمة (٥) التحديد بالصفاء ، وفي روايتي أبي بصير (٦) وزرارة (٧) الواردتين في قضاء الفريضة التحديد بذهاب الشعاع ، ونحوهما رواية عمار الواردة في سجود السهو (٨). والجميع متقارب المفاد.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٦ من أبواب الطواف حديث : ٧ و ٨.

(٢) تقدمت الإشارة إلى مواضعها في التعليقة السابقة.

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب صلاة الجنازة.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٧.

(٥) تقدم ذكرها في التعليقة السابقة.

(٦) الوسائل باب : ٦٢ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٧) الوسائل باب : ٦٣ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٨) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب الخلل في الصلاة : ٢.

١٤٧

الرابع : عند قيام الشمس حتى تزول [١].

الخامس : عند غروب الشمس [٢] أي : قبيل الغروب. وأما إذا شرع فيها قبل ذلك فدخل أحد هذه الأوقات وهو فيها فلا يكره إتمامها [٣]. وعندي في ثبوت الكراهة في المذكورات إشكال.

فصل في أحكام الأوقات‌

( مسألة ١ ) : لا يجوز الصلاة قبل دخول الوقت ، فلو صلى بطلت [٤]

______________________________________________________

[١] كما يقتضيه التعبير عنه بالاستواء في رواية المناهي (١) ، وعبر عنه في رواية الجعفري بانتصاف النهار ، وبقرينة قوله (ع) : « فاذا زالت .. » لا يراد منه انتصاف ما بين الطلوع والغروب ، فلا يبعد أن يكون المراد نصف ما بين الفجر والغروب.

[٢] المعبر عنه بالاصفرار والاحمرار في روايات صلاة الطواف (٢)

[٣] كما صرح به في الجواهر وحكاه عن بعض ، لأن المنساق من الأدلة كراهة الشروع في النافلة في هذه الأوقات. وفيه : أن مقتضى الإطلاق ـ ولا سيما بملاحظة التعليل في بعضها ـ كراهة صرف وجود الصلاة فيها لا مجرد الشروع. نعم قد يزاحم ذلك كراهة قطع النافلة. فتأمل جيداً.

فصل في أحكام الأوقات‌

[٤] بلا خلاف ولا إشكال ، ويقتضيه ـ مضافاً الى ما دل على اعتبار‌

__________________

(١) تقدم ذكرها في صفحة : ١٤٥.

(٢) الوسائل باب : ٧٤ من أبواب الطواف حديث : ٧ و ٨.

١٤٨

وإن كان جزء منها قبل الوقت. ويجب العلم بدخوله حين الشروع فيها [١] ولا يكفي الظن [٢]

______________________________________________________

الوقت ـ رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « من صلى في غير وقت فلا صلاة له » (١) ، وحديث : « لا تعاد الصلاة إلا من خمسة » (٢) التي هو أحدها. وإطلاق الجميع يقتضي عدم الفرق بين الكل والجزء.

[١] لقاعدة الاشتغال العقلية الموجبة لتحصيل العلم بالفراغ. مضافاً الى رواية عبد الله بن عجلان : « قال أبو جعفر (ع) : إذا كنت شاكاً في الزوال فصل ركعتين فاذا استيقنت أنها قد زالت بدأت الفريضة » (٣) وما في رواية علي بن مهزيار عن أبي جعفر (ع) الواردة في الفجر : « فلا تصل في سفر ولا حضر حتى تتبينه .. » (٤) ، ورواية علي ابن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) : « في الرجل يسمع الأذان فيصلي الفجر ولا يدري طلع أم لا غير أنه يظن لمكان الأذان أنه قد طلع. قال (ع) : لا يجزؤه حتى يعلم أنه قد طلع » (٥).

[٢] كما هو المشهور شهرة عظيمة ، بل عن مجمع الفائدة والمفاتيح وكشف اللثام : الإجماع عليه. ويقتضيه ما تقدم من القاعدة والنصوص. نعم حكي عن ظاهر الشيخين في المقنعة والنهاية : الاكتفاء به. ومحكي عبارة الأولى غير ظاهر قطعاً ، ومحكي عبارة الثانية لا يبعد فيه ذلك. نعم عن الحدائق اختياره للصحيح عن إسماعيل بن رباح عن أبي عبد الله (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب المواقيت حديث : ٧ و ١٠.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الوضوء حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ٥٨ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٥٨ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٥٨ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

١٤٩

لغير ذوي الأعذار. نعم يجوز الاعتماد على شهادة العدلين على الأقوى [١]

______________________________________________________

« إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك » (١) ، وللأخبار المستفيضة الدالة على جواز الاعتماد على أذان المؤذنين وإن كانوا من المخالفين (٢) ، إذ غاية ما يفيده الأذان هو الظن ، وإن تفاوت شدة وضعفاً باعتبار اختلاف المؤذنين وما هم عليه من زيادة الوثاقة والضبط في معرفة الأوقات وعدمه. وفيه : أن الرؤية في الصحيح غير ظاهرة في الظن ، ولو سلم فلا إطلاق لها ، لورود الكلام مورد بيان حكم آخر ، ولو سلم فهو مقيد بالظن الخاص جمعاً بينه وبين ما تقدم مما دل على اعتبار العلم. اللهم إلا أن يدعى أنه حاكم عليه فيقدم ويؤخذ بإطلاقه ، لكنه لا يتم بالإضافة إلى خبر ابن جعفر (ع) وأما أخبار الأذان فلو وجب العمل بها لم يمكن أن يستفاد منها جواز العمل بالظن مطلقاً.

[١] كما عن جماعة ، بل عن الذخيرة : عليه الأكثر. وكأنه لما عن الأكثر من عموم حجية البينة في الموضوعات الذي يمكن استفادته من النصوص الخاصة الدالة على حجيتها في موارد كثيرة جداً. مضافا الى رواية مسعدة بن صدقة (٣) التي قد تقدم في المياه تقريب استفادة عموم الحجية منها (٤). فراجع. والى ما دل على حجية خبر الثقة حتى في الموضوعات من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) راجع الوسائل باب : ٣ من أبواب الأذان.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٤.

(٤) راجع مسألة : ٦ في ذيل ماء البئر في الجزء الأول.

١٥٠

وكذا على أذان العارف [١]

______________________________________________________

بناء العقلاء. نعم لو تمَّ الاستدلال على العموم برواية مسعدة كان ـ بمقتضى الاستثناء الموجب للحصر ـ رادعاً عن البناء المذكور ، كما تقدمت الإشارة الى ذلك في المباحث السابقة. وعليه فحجية البينة لا بد من الالتزام بها إما لرواية مسعدة أو لبناء العقلاء. نعم على الثاني لا تكون خصوصية للبينة بما هي بل بما أنها خبر ثقة.

[١] قال في المعتبر : « لو سمع الأذان من ثقة يعلم منه الاستظهار قلده لقوله (ع) : ( المؤذن مؤتمن ) (١) ، ولأن الأذان مشروع للاعلام بالوقت فلو لم يجز تقليده لما حصل الغرض به ». وعن الذخيرة : الميل اليه. ويشهد له صحيح ذريح المحاربي قال : « قال لي أبو عبد الله (ع) : صل الجمعة بأذان هؤلاء فإنهم أشد شي‌ء مواظبة على الوقت » (٢) وصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ قال : « فقال النبي (ص) إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فاذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال » (٣) ، فإنه وإن كان وارداً في الصوم إلا أن الظاهر منه أن أذان ( بلال ) حجة على دخول الوقت مطلقاً ، ولا سيما بملاحظة أنه وارد في مقام الردع عن أذان ابن أم مكتوم. ونحوه غيره وصحيح حماد بن عثمان عن محمد بن خالد القسري : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أخاف أن نصلي يوم الجمعة قبل أن تزول الشمس. فقال (ع) : إنما ذلك على المؤذنين » (٤) ، وخبر سعيد الأعرج المحكي عن تفسير العياشي :

__________________

(١) اشتملت عليه رواية الهاشمي الآتية في نفس هذه التعليقة.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأذان حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب الأذان حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأذان حديث : ٣.

١٥١

______________________________________________________

« دخلت على أبي عبد الله (ع) وهو مغضب وعنده جماعة من أصحابنا وهو يقول : يصلون قبل أن تزول الشمس ، قال : وهم سكوت. قال : فقلت : أصلحك الله ما نصلي حتى يؤذن مؤذن مكة قال (ع) : فلا بأس ، أما إنه إذا أذن فقد زالت الشمس » (١) ، ورواية الهاشمي عن علي (ع) : « المؤذن مؤتمن والامام ضامن » (٢) ، ومرسل الفقيه في المؤذنين : « إنهم الأمناء » (٣) ، ورواية عبد الله بن علي عن بلال ـ في حديث ـ : « سمعت رسول الله (ص) يقول : المؤذنون أمناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم ودمائهم لا يسألون الله عز وجل شيئاً إلا أعطاهم .. » (٤) ودلالتها على حجية أذان المواظب على الوقت مما لا ينبغي إنكاره. وإطلاق بعضها محمول عليه جمعاً بينه وبين رواية ابن جعفر المتقدمة في مسألة اعتبار العلم (٥). والظاهر من التعليل بالمواظبة على الوقت هو الموثوق به في معرفة الوقت ، وكون أذانه فيه لا قبله.

والخدش في النصوص من جهة إعراض المشهور عنها لا يهم ، لامكان كون المنشأ فيه بناءهم على معارضتها برواية ابن جعفر (ع) المتقدمة المعتضدة بما دل على اعتبار العلم مما تقدمت الإشارة إليه الموجب لحملها على التقية أو على صورة العذر ، أو على صورة حصول العلم. وقد عرفت أن الجمع العرفي يقتضي ما ذكرنا من اعتبار أذان الثقة ولا تنتهي النوبة الى ما ذكر.

وأما خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه : « عن رجل صلى الفجر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأذان حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأذان حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأذان حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأذان حديث : ٧.

(٥) راجع أول هذا الفصل.

١٥٢

العدل [١]. وأما كفاية شهادة العدل الواحد فمحل إشكال [٢]

______________________________________________________

في يوم غيم أو بيت وأذن المؤذن وقعد وأطال الجلوس حتى شك فلم يدر هل طلع الفجر أم لا؟ فظن أن المؤذن لا يؤذن حتى يطلع الفجر قال (ع) : أجزأه أذانهم » (١) فلا يبعد ظهوره في حصول اليقين بدخول الوقت من الأذان وطروء الشك بعد ذلك ، فلا يكون مما نحن فيه من الاعتماد على الأذان ، وإلا كان مورده مورد روايته السابقة.

[١] لم يظهر وجه لاعتبار العدالة لإطلاق النصوص المتقدمة ، بل ظاهر صحيح المحاربي العدم ، لأن الظاهر أن المراد من « هؤلاء » المخالفون. وفي الجواهر : « إن المصنف (ره) وصاحب الذخيرة يريدان من الثقة الموثوق به لا العدل الشرعي لعدم نصبه للأذان في تلك الأزمان غالباً فتأمل » نعم في موثق عمار : « عن الأذان هل يجوز أن يكون من غير عارف؟ قال عليه‌السلام : لا يستقيم الأذان ولا يجوز أن يؤذن به إلا رجل مسلم عارف فان علم الأذان وأذن به ولم يكن عارفاً لم يجزئ أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به » (٢). لكن الظاهر من العارف المؤمن لا خصوص العادل. ولو سلم فمن المحتمل أن يكون المراد بعدم إجزاء أذانه عدم الاكتفاء به في سقوط الأذان ، لا عدم الاعتماد عليه.

[٢] للإشكال في تمامية دلالة آية النبإ وغيرها على عموم حجية خبر العادل. نعم قد عرفت الإشارة إلى استقرار سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة ، فلا بأس بالبناء عليه ، إلا أن يتم الاستدلال على عموم حجية البينة برواية مسعدة فتكون رادعة عنه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأذان حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب الأذان حديث : ١.

١٥٣

وإذا صلى مع عدم اليقين بدخوله ، ولا شهادة العدلين ، أو أذان العدل بطلت [١] ، إلا إذا تبين بعد ذلك كونها بتمامها في الوقت مع فرض حصول قصد القربة منه.

( مسألة ٢ ) : إذا كان غافلا عن وجوب تحصيل اليقين أو ما بحكمه فصلى ثمَّ تبين وقوعها في الوقت بتمامها صحت [٢] كما أنه لو تبين وقوعها قبل الوقت بتمامها بطلت. وكذا لو لم تتبين الحال [٣]. وأما لو تبين دخول الوقت في أثنائها ففي الصحة إشكال [٤] ، فلا يترك الاحتياط بالإعادة.

______________________________________________________

وأما دعوى استفادة حجية خبر الثقة من أخبار الأذان ، لأن الأذان خبر فعلي ، والخبر القولي أولى بالحجية منه. فهي وإن كنا قد بنينا عليها في شرح التبصرة ، لكن في النفس منها شي‌ء ، لأن الأذان عبادة مبنية على الإعلان غالباً ، ويتحقق الاستظهار فيه بنحو لا يحصل في الأخبار بالوقت.

[١] يعني : ظاهراً ، لقاعدة الاشتغال ، أو استصحاب عدم دخول الوقت. وهو المراد من النصوص المتقدمة المتضمنة لاعتبار العلم ، جمعاً بينها وبين ما دل على كون شرط الصلاة واقعاً هو الوقت لا غير.

[٢] لمطابقتها للواقع. وقد عرفت أن العلم بالوقت ليس شرطاً لها واقعاً شرعاً بل ظاهراً عقلا.

[٣] لكن البطلان هنا ظاهري عقلي لا واقعي كما في الصورة السابقة.

[٤] ينشأ من أن مقتضى اعتبار الوقت في تمام أجزاء الصلاة هو البطلان ، وليس ما يوجب الخروج عنها إلا رواية ابن رباح ، والموضوع فيها من يرى أنه في وقت ، وهو غير حاصل ، إذ المفروض كون الصلاة في حال عدم اليقين بالوقت ، غاية الأمر أنه صلى غافلا عن وجوب تحصيل‌

١٥٤

( مسألة ٣ ) : إذا تيقن دخول الوقت فصلى أو عمل بالظن المعتبر كشهادة العدلين وأذان العدل العارف ، فان تبين وقوع الصلاة بتمامها قبل الوقت بطلت [١] ووجب الإعادة. وإن تبين دخول الوقت في أثنائها ولو قبل السلام صحت [٢]

______________________________________________________

اليقين ، فاذا لم يدخل الفرض في الرواية بقي داخلا تحت القاعدة الموجبة للبطلان. ومن احتمال كون المراد من قوله (ع) : « وأنت ترى .. » مجرد الإتيان بالصلاة بقصد الامتثال وتفريغ الذمة ، ولو لأجل الغفلة عن وجوب تحصيل اليقين ، بلا خصوصية لرؤية أنه في وقت ، لكن الاحتمال المذكور خلاف الظاهر ، فلا مجال للاعتماد عليه.

[١] إجماعاً محصلاً ومنقولاً ، كما في الجواهر. ويقتضيه ـ مضافاً الى ما دل على اعتبار الوقت ، وحديث : « لا تعاد » (١) ـ صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « في رجل صلى الغداة بليل غرَّه من ذلك القمر ونام حتى طلعت الشمس فأخبر أنه صلى بليل. قال (ع) : يعيد صلاته » (٢) ، وصحيحه الآخر : « قال أبو جعفر (ع) : وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيت بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك » (٣). ومن ذلك يظهر أنه لا مجال في المقام للاعتماد على قاعدة الاجزاء في الامتثال الظاهري لو تمت في نفسها. مع أنها في نفسها غير تامة.

[٢] على الأشهر بل المشهور كما في الجواهر ، لصحيح ابن أبي عمير عن إسماعيل بن رباح المتقدم : « إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت‌

__________________

(١) تقدم ذكره أول هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ٥٩ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ١٧.

١٥٥

وأما إذا عمل بالظن غير المعتبر فلا تصح وإن دخل الوقت في أثنائها. وكذا إذا كان غافلا على الأحوط ، كما مر [١]. ولا فرق في الصحة في الصورة الأولى بين أن يتبين دخول الوقت في الأثناء بعد الفراغ أو في الأثناء [٢] ، لكن بشرط أن يكون الوقت داخلا حين التبين. وأما إذا تبين أن‌

______________________________________________________

ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك » (١).

وعن المرتضى ، والإسكافي ، والعماني ، والعلامة في أول كلامه في المختلف ، وابن فهد في موجزه ، والصيمري في كشفه ، والأردبيلي ، وتلميذه وغيرهم : البطلان ، بل عن المرتضى : نسبته إلى محققي أصحابنا ومحصليهم للقاعدة المتقدمة ، وضعف النص ، لجهالة إسماعيل. وفيه : أن عمل الأصحاب وكون الراوي عن إسماعيل ابن أبي عمير الذي قيل : « إنه لا يروي إلا عن ثقة » ، وكون الخبر مروياً في الكتب الثلاثة ، وفي بعض أسانيده أحمد بن محمد بن عيسى المعروف بكثرة التثبت ، وجميع أسانيده مشتملة على الأعيان والأجلاء ، كاف في إدخال الخبر تحت القسم المعتبر. وظاهر قوله (ع) « وأنت ترى » وإن كان هو العلم ، إلا أن دليل حجية الظن وتنزيله منزلة العلم يوجب إلحاقه به حكماً ، كما في سائر أحكام العلم الموضوع على نحو الطريقية حسبما حرر في محله. أما الظن غير المعتبر فحيث لا دليل على تنزيله منزلة العلم لا وجه لا لحاقه بالعلم في الحكم المذكور.

[١] ومر وجهه.

[٢] لإطلاق النص الشامل للصورتين.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب المواقيت حديث : ١. وقد تقدم ذكره في المسألة الأولى من هذا الفصل.

١٥٦

الوقت سيدخل قبل تمام الصلاة فلا ينفع شيئاً [١].

( مسألة ٤ ) : إذا لم يتمكن من تحصيل العلم أو ما بحكمه لمانع في السماء من غيم أو غبار ، أو لمانع في نفسه من عمى أو حبس أو نحو ذلك ، فلا يبعد كفاية الظن [٢]. لكن الأحوط التأخير حتى يحصل اليقين ، بل لا يترك هذا الاحتياط.

______________________________________________________

[١] إذ في الفرض المذكور يكون بعض الصلاة واقعاً منه ولا يرى أنه في وقت ، وظاهر النص كون موضوع الحكم خصوص ما إذا كانت الصلاة بقصد الامتثال لاعتقاد كونها في الوقت.

[٢] كما هو المشهور ، بل في المدارك وعن غيرها : « قيل : إنه إجماع » بل عن التنقيح : أنه إجماع. واستدل له بالأصل الذي لا أصل له وبنفي الحرج الذي لا مجال له في المقام ، لا مكان الصبر الى أن يعلم الوقت كما هو محل الكلام. وبتعذر اليقين الذي لا يوجب الانتقال الى الظن إلا بعد تمامية مقدمات الانسداد ، لكنها غير تامة ، لأن الشك في الوقت يوجب الشك في أصل التكليف بناء على أنه شرط الوجوب ، ومن جملة المقدمات أن يكون التكليف معلوماً. ولو كان شرطاً للواجب فالاحتياط ممكن بالصبر والانتظار ، ومن جملة المقدمات عدم التمكن من الاحتياط. وبالإجماع المحكي عن التنقيح الممنوع حصوله لتحقق الخلاف. وبقبح التكليف بما لا يطاق الذي لا موضوع له في المقام ، لما سبق من الشك في التكليف وإمكان الاحتياط. وبنصوص الأذان المتقدمة التي لا طريق للتعدي عن موردها. وبالمرسل في بعض الكتب : « المرء متعبد بظنه » الذي لا دليل على حجيته ، ولا سيما مع عدم العمل به في أكثر موارده ، وكون لسانه شاهداً بأنه عبارة فقيه لا معصوم. وبنصوص الديكة التي لو وجب العمل‌

١٥٧

______________________________________________________

بها كانت كنصوص الأذان يقتصر على موردها. مع أن اعتبار ارتفاع أصواتها وتجاوبها أو الصياح ثلاثة أصوات ولاء يأبى عن استفادة الكلية المذكورة منها ، لظهورها في الطريقية التعبدية. وبموثق سماعة : « سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر ولا النجوم. فقال عليه‌السلام : تجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك » (١) الظاهر في وروده في القبلة كما قد يظهر من السؤال أيضاً ، لا أقل من عدم ظهوره في المقام وبخبر إسماعيل بن جابر عن الصادق (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) ـ في حديث ـ : « إن الله تعالى إذا حجب عن عباده عين الشمس التي جعلها دليلا على أوقات الصلاة فموسع عليهم تأخير الصلاة ليتبين لهم الوقت .. » (٢) الذي هو ـ مع ضعفه لجهالة سنده ـ غير ظاهر في حجية الظن ، وقوله (ع) : « فموسع عليهم .. » لو سلمت دلالته على جواز التقديم وليس هو حثاً على التأخير ، فلا إطلاق له يدل على جواز العمل بالظن. وبموثق ابن بكير : « ربما صليت الظهر في يوم غيم فانجلت فوجدتني صليت حين زوال النهار. فقال (ع) : لا تُعِد ولا تَعُد » (٣) الذي هو على خلاف المطلوب أدل ، فإن النهي عن العود وإن كان يدل على أن ابن بكير كان قد عمل بالظن يدل على عدم جواز ذلك منه لا جوازه وأما نفي الإعادة فهو لوقوعها في الوقت. نعم يدل على الاكتفاء بالموافقة الظنية مع المطابقة للواقع وإن أمكنت الموافقة الجزمية. وبصحيح زرارة : « قال أبو جعفر (ع) : وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد‌

__________________

(١) الوسائل باب ٦ من أبواب القبلة : حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥٨ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب المواقيت حديث : ١٦.

١٥٨

( مسألة ٥ ) : إذا اعتقد دخول الوقت فشرع ، وفي أثناء الصلاة تبدل يقينه بالشك لا يكفي في الحكم بالصحة [١]

______________________________________________________

ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك » (١) ، الذي لا يظهر منه كون الصلاة كانت بظن الغياب إلا من جهة بُعد الخطأ مع العلم به ، وهو كما ترى. ولو سُلم فهو غير ظاهر في جواز العمل. وبخبر الكناني : « عن رجل صام ثمَّ ظن أن الشمس قد غابت وفي السماء علة فأفطر ثمَّ إن السحاب انجلى فاذا الشمس لم تغب. قال (ع) : قد تمَّ صومه ولا يقضيه » (٢) الذي ـ مع أن الاستدلال به مبني على عدم الفصل بين الصوم والصلاة وهو غير ظاهر ، للاتفاق على حجية الظن في الأول والاختلاف في الثاني ـ لا إطلاق له يشمل كل ظن ، لجواز أن يكون المراد من الظن فيه ظناً خاصاً تثبت حجيته عند السائل ، بشهادة ترتب الإفطار عليه بقرينة فاء الترتيب الظاهر في الترتيب الطبيعي لا الزماني. فلاحظ. وبخبر القروي الحاكي عن الامام موسى بن جعفر (ع) : « أنه كان في حبس الفضل بن الربيع يقوم للصلاة إذا أخبره الغلام بالوقت » (٣) الذي فيه ـ مع ضعف السند ـ أنه لم يعلم كون الحاصل من قول الغلام هو الظن ، كما لا يظهر منه (ع) أنه كان عاجزاً عن العلم بالوقت ، بل الظاهر خلافه ، لأنه كان تحت السماء في صحن السجن.

[١] لعدم الدليل على كفاية الاعتقاد الزائل بالشك.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ١٧.

(٢) الوسائل باب : ٥١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٥٩ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

١٥٩

إلا إذا كان حين الشك عالماً بدخول الوقت [١] ، إذ لا أقل من أنه يدخل تحت المسألة المتقدمة من الصحة مع دخول الوقت في الأثناء [٢].

( مسألة ٦ ) : إذا شك بعد الدخول في الصلاة في أنه راعى الوقت وأحرز دخوله أم لا؟ فان كان حين شكه عالماً بالدخول فلا يبعد الحكم بالصحة [٣] وإلا وجبت الإعادة بعد الإحراز [٤].

______________________________________________________

[١] يعني : بكونه في الوقت. أما لو كان عالماً بأنه يكون في الوقت قبل الفراغ فالظاهر البطلان كما تبين في آخر المسألة الثالثة.

[٢] إذ هنا يحتمل دخول الوقت حين الشروع ، وهناك يعلم بعدمه حينه.

[٣] لقاعدة الصحة التي استقر عليها بناء العقلاء في كل ما يحتمل فيه الصحة والفساد ، عبادة كان أو معاملة ، بعضاً كان أو كلا. مضافاً الى دخوله تحت قوله (ع) في رواية ابن مسلم : « كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكراً فامضه ولا إعادة عليك فيه » (١) بناء على عمومه للبعض والكل ، كما هو الظاهر.

[٤] لقاعدة الاشتغال الموجبة لتحصيل اليقين بالامتثال. نعم له المضي على الشك برجاء دخول الوقت ، وبعد الفراغ لا تجب الإعادة إن أحرز دخوله ولو في أثناء الصلاة قبل حدوث الشك ، وتجب إن لم يحرز ذلك. نظيره ما لو شك في الوقت قبل الشروع في الصلاة فشرع فيها برجاء دخوله ، وبعد الفراغ تبين دخوله ، فإنه لا حاجة الى الإعادة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الوضوء حديث : ٦.

١٦٠