مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

( الثالث ) : أن لا يكون معرضاً لعدم إمكان الإتمام والتزلزل في البقاء إلى آخر الصلاة [١] كالصلاة في الزحام المعرض لإبطال صلاته ، وكذا في معرض الريح أو المطر الشديد أو نحوها ، فمع عدم الاطمئنان بإمكان الإتمام لا يجوز الشروع فيها على الأحوط. نعم لا يضر مجرد احتمال عروض المبطل.

( الرابع ) : أن لا يكون مما يحرم البقاء فيه [٢] كما بين الصفين من القتال ، أو تحت السقف أو الحائط المنهدم ، أو‌

______________________________________________________

[١] كأنه لوجوب النية الجزمية ، وتوضيح ذلك : أن إرادة الصلاة لما كانت متعلقة بالصلاة التامة ، والصلاة الناقصة ليست مرادة ، فمع كون الصلاة في معرض النقصان تكون الإرادة لها غير فعلية ، بل معلقة على تقدير عدم عروض المبطل ، ويعتبر في صحة العبادة الإرادة الفعلية. نعم إذا كان احتمال النقصان غير معتد به عند العقلاء لكونه ضعيفاً لم يكن منافياً لتحقق الإرادة الفعلية. وفيه : أولا : أنه مع وجود التقدير المعلق عليه الإرادة واقعاً تكون فعلية وإلا كان خلفاً. وثانياً : أنه لا دليل على اعتبار الإرادة الفعلية في حصول التعبد عند العقلاء ، فكما تكفي الإرادة الفعلية في حصوله تكفي الإرادة الاحتمالية التقديرية فيه كما في جميع موارد الاحتياط. ودعوى أن الاكتفاء بها إنما يكون في ظرف امتناع الإرادة الجزمية ممنوعة جداً ، والرجوع إلى العقلاء أقوى شاهد عليه ، وقد تقدم جواز الاحتياط المستلزم للتكرار وإن لم يكن عن اجتهاد أو تقليد ، فالشرط المذكور غير ظاهر.

[٢] هذا الشرط مبني على أن أفعال الصلاة وواجباتها من قبيل الأكوان لتتحد مع الكون المحرم ، ويمتنع التقرب بها ، وقد تقدم الكلام فيه.

٤٦١

في المسبعة ، أو نحو ذلك مما هو محل للخطر على النفس.

( الخامس ) : أن لا يكون مما يحرم الوقوف والقيام والقعود عليه [١] كما إذا كتب عليه القرآن ، وكذا على قبر المعصوم (ع) أو غيره ممن يكون الوقوف عليه هتكاً لحرمته.

( السادس ) : أن يكون مما يمكن أداء الأفعال فيه بحسب حال المصلي [٢] ، فلا تجوز الصلاة في بيت سقفه نازل بحيث لا يقدر فيه على الانتصاب ، أو بيت يكون ضيقاً لا يمكن فيه الركوع والسجود على الوجه المعتبر. نعم في الضيق والاضطرار يجوز ، ويجب مراعاتها بقدر الإمكان ، ولو دار الأمر بين مكانين في أحدهما قادر على القيام لكن لا يقدر على الركوع والسجود إلا مومئاً ، وفي الآخر لا يقدر عليه ويقدر عليهما جالساً ، فالأحوط الجمع بتكرار الصلاة ، وفي الضيق لا يبعد التخيير.

( السابع ) : أن لا يكون متقدماً على قبر معصوم [٣]

______________________________________________________

[١] هذا أيضاً مبني على كون الوقوف على شي‌ء من واجبات الصلاة ، أما إذا كان من شرائطها فلا مقتضي لاعتبار الشرط المذكور ، لعدم اعتبار التقرب في شرائط الصلاة وإنما يعتبر في أجزائها لا غير ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في اللباس والمكان المغصوبين.

[٢] هذا ليس شرطاً في قبال وجوب الأفعال كما هو ظاهر.

[٣] المحكي عن البهائي والمجلسي والكاشاني وبعض المتأخرين عنهم المنع من التقدم على قبر أحد الأئمة (ع). ومستندهم في ذلك صحيح محمد ابن عبد الله الحميري : « كتبت إلى الفقيه (ع) أسأله عن الرجل يزور قبور‌

٤٦٢

______________________________________________________

الأئمة هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند قبورهم (ع) أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ، ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب ـ وقرأت التوقيع ومنه نسخت ـ : أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة ، بل يضع خده الأيمن على القبر. وأما الصلاة فإنها خلفه ويجعله الامام ، ولا يجوز أن يصلي بين يديه لأن الإمام لا يتقدم ، ويصلى عن يمينه وشماله » (١).

لكن المنسوب إلى المشهور : الكراهة ، بل عن بعض المحققين : الظاهر اتفاقهم على ترك العمل بظاهر الصحيح ، بل عن بعض عدم وجدان الخلاف فيه. وكأنه للخدش في الصحيحة من وجوه : الأول : أنها رواها الشيخ عن محمد بن أحمد بن داود ، ولم يذكر طريقه إليه في مشيخته. والثاني : أنها مروية عن الفقيه (ع) والظاهر منه الكاظم (ع) ، ونظراً إلى أن الحميري متأخر عن زمانه عليه‌السلام فالسند فيه سقط ، فتكون مقطوعة. الثالث : أنها مضطربة المتن ، لأنها مروية في الاحتجاج للطبرسي هكذا : « هذا ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن شماله لأن الإمام لا يتقدم ولا يساوى » (٢). الرابع : أنها مخالفة للمشهور.

ويمكن دفع الأول بأن الشيخ (ره) ذكر في محكي الفهرست في ترجمة محمد بن أحمد بن دواد أنه أخبرنا بكتبه ورواياته جماعة منهم محمد بن محمد بن النعمان ، والحسين بن عبيد الله ، وأحمد بن عبدون كلهم ، ولذا قال الأردبيلي في رسالة تصحيح الاسناد : « إن طريقه اليه صحيح في الفهرست ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب مكان المصلي حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب مكان المصلي ملحق الحديث الأول.

٤٦٣

______________________________________________________

لكن قال فيها : « والمشيخة ». وهو غير ظاهر ، لما عرفت من عدم ذكر طريقه إليه في المشيخة كما اعترف به غير واحد. ويمكن أيضاً أن يستفاد طريقه اليه من ذكر طريقه إلى أبيه أحمد بن داود ، ولكونه فيه ، وإن تنظر فيه في نهج المقال ، وكأنه لعدم الملازمة بين الطريقين. ويدفع الثاني : أن قول الحميري : كتبت إلى الفقيه (ع) قرينة على أن الفقيه من ألقاب الحجة ( عجل الله تعالى فرجه ) ، وسيأتي في مبحث السجود على التربة الحسينية ما يشهد به ، أو أن المراد منه معناه الوصفي ولم يقم دليل على عدم صحة استعماله إلا في الكاظم (ع) ليكون ذلك قرينة على السقط في السند. ويدفع الثالث : أن رواية الاحتجاج مرسلة لا تصلح لمعارضة الصحيح ، مع احتمال كونهما روايتين عن واقعتين ، فتأمل. ويدفع الرابع : أن إعراض المشهور إنما يقدح في الحجية لو كان كاشفاً عن اطلاعهم على عدم الصدور ، أو على وجه الصدور ، أو على قرينة تقتضي خلاف الظاهر بحيث لو اطلعنا عليها لكانت قرينة عندنا ، والجميع غير ثابت في المقام ، لجواز كون الوجه في الاعراض عدم فهمهم منها الوجوب.

فالعمدة إذاً النظر في دلالة الصحيحة فنقول : قوله (ع) : « ولا يجوز أن يصلي بين يديه » ظاهر ظهوراً لا ينكر في المنع ، لكن قرينة مورد السؤال تعين حمل « الإمام » في قوله (ع) : « يجعله الامام » على الامام المعصوم لا إمام الجماعة ، فيكون الضمير في قوله (ع) : « يجعله » راجعاً إلى القبر ، وحينئذ يكون قوله (ع) : « لأن الإمام لا يتقدم » مراداً منه المعصوم ، وحيث أن التقدم على المعصوم في الموقف ليس حكماً إلزامياً ، بل أدبياً قطعاً. يكون التعليل قرينة على الكراهة. ودعوى : أن التقدم على المعصوم في الموقف غير الصلاة وإن كان أدبياً ، لكن التقدم‌

٤٦٤

ولا مساوياً له [١] مع عدم الحائل المانع الرافع لسوء الأدب‌

______________________________________________________

فيه في الصلاة غير ظاهر في كونه أدبياً. مندفعة بأن الظاهر من التعليل مطلق التقدم لا في خصوص الصلاة ، لعدم القرينة عليه. وبالجملة : ظهور التعليل في كونه أدبياً لا إلزامياً يوجب صرف قوله (ع) : « لا يجوز .. » إلى الكراهة. وأضعف من ذلك الاستدلال بما ورد من الأمر بالصلاة خلف القبر كما في رواية هشام (١) ، أو خلفه وعند رأسه كما في غيرها (٢) فان ذلك كله وارد مورد آداب الزيارة ، فهو محمول على الفضل.

[١] كما عن بعض متأخري المتأخرين. ولا وجه له بناء على كراهة التقدم ، أما بناء على المنع منه فوجهه إما قوله (ع) في الصحيح : « أما الصلاة فإنها خلفه » ، لظهوره في الحصر ، ولا ينافيه قوله (ع) : « ويصلي عن يمينه ويساره » وإن بني على كونه جملة مستأنفة لا منصوباً معطوفاً على « يصلي » ، ولا مبنياً للمفعول معطوفاً على « يتقدم » ، لكونهما خلاف الظاهر. ووجه عدم المنافاة : إمكان حمله على صورة عدم المحاذاة ، لأن المراد من الخلف ما يقابل التقدم والمحاذاة. وإما رواية الاحتجاج ، لصراحتها في كون اليمين واليسار كالتقدم. وفي الأول : أن الاقتصار في نفي الجواز على خصوص التقدم ، والاقتصار في التعليل على أن الامام لا يتقدم وقوله (ع) : « ويصلي عن يمينه ويساره » بقرينة تقدم السؤال عن الصلاة عند رأسه ورجليه ، قرينة على اختصاص المنع بصورة التقدم وعلى جواز المحاذاة ، وأن الحصر بالخلف إما إضافي في مقابل التقدم ، أو للفضل في قبال التقدم والمحاذاة. والأخير هو الأظهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب مكان المصلي حديث : ٧.

(٢) يأتي ذكره في التعليقة السابقة.

٤٦٥

______________________________________________________

وبالجملة : دلالة الصحيح على جواز المحاذاة مما لا ينبغي أن ينكر ، وتؤيدها رواية ابن فضال التي تأتي‌. وأما رواية الاحتجاج : فمع عدم صلاحيتها في نفسها لإثبات المنع من المحاذاة ، لضعفها ، معارضة بالصحيح الواجب تقديمه عليها عرفاً.

ثمَّ إن ظاهر جماعة ممن قال بجواز المحاذاة عدم الكراهة فيها ، ويقتضيه أيضاً ما في رواية ابن فضال في وداع أبي الحسن (ع) لقبر النبي (ص) وفيها : « فقام إلى جانبه يصلي فألزق منكبه الأيسر بالقبر قريباً من الأسطوانة المخلقة التي عند رأس النبي (ص) » (١) ، وإطلاق جملة من النصوص الواردة في باب الزيارات مثل رواية جعفر بن ناجية : « صل عند رأس الحسين (ع) » (٢) ، ورواية الثمالي : « ثمَّ تدور من خلفه إلى عند رأس الحسين (ع) وصل عند رأسه ركعتين ، وإن شئت صليت خلف القبر وعند رأسه أفضل » (٣) ورواية صفوان : « فصل ركعتين عند الرأس » (٤) .. إلى غير ذلك. اللهم إلا أن يحمل الجميع على صورة عدم المحاذاة ، لكنه لا يأتي في رواية ابن فضال‌. واحتمال أن المراد من المحاذاة : المحاذاة لوسط القبر غير ظاهرة ، بل هي خلاف ظاهر النص والفتوى ، اللهم إلا أن تحمل على أن ذلك من خواص النبي (ص) ، أو من خواص المعصوم كأبي الحسن (ع) ، أو كون المقدار الذي ألزق منكبه الشريف به زائداً على مقدار القبر. نعم يبقى الإشكال في وجه الكراهة. اللهم الا أن يكون رواية الاحتجاج بناء على التسامح في أدلة السنن. وعلى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب مكان المصلي حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٦٩ من أبواب المزار حديث : ٥.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٥٢ من أبواب المزار حديث : ٣.

(٤) تروى هذه الرواية عن مصباح المتهجد للشيخ ( قده ) فراجع كتب الأدعية والزيارات.

٤٦٦

على الأحوط. ولا يكفي في الحائل الشبابيك [١] والصندوق الشريف وثوبه.

( الثامن ) : أن لا يكون نجساً نجاسة متعدية الى الثوب أو البدن [٢] ،

______________________________________________________

هذا كله فالمراد من الخلف في صحيح الحميري : خط الخلف ، والصلاة الى جانب الرأس منه أفضل من الصلاة على بقيته.

والمحكي عن المشهور : كراهة استقبال القبر. وعن المفيد والحلبي : المنع عنه. لكن ظاهر ما عرفت من النصوص العدم ، غاية الأمر أن الصلاة عند الرأس أفضل. وكذا رواية أبي اليسع في قبر الحسين (ع) : « أجعله قبلة إذا صليت؟ قال (ع) : تنح هكذا ناحية » (١). وكأن منشأ المنع ما ورد من النهي عن اتخاذ القبر قبلة ، وفي صحيح زرارة : « فإن رسول الله (ص) نهى عن ذلك ، وقال (ص) : لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجداً » (٢). لكن الظاهر منها قصد كونه قبلة كالكعبة الشريفة ، لا مجرد جعل المصلي له أمامه. وأما الكراهة فلا وجه لها ظاهر إلا فتوى الجماعة بناء على التسامح في أدلة السنن. والله سبحانه أعلم.

[١] لكون الأمور المذكورة معدودة من توابع القبر فهي كثياب المصلي المعدودة من توابعه ، والجميع مشمولة لإطلاق النص والفتوى. نعم إذا كان الحائل مستقلا ـ كجدار أو ستار ـ كان خارجاً عن النصوص ، ولا سيما بملاحظة كون العلة فيه ـ ارتكازاً ـ هو التأدب غير الحاصل منافيه مع الحائل على النحو المذكور.

[٢] هذا ليس شرطاً زائداً على شرطية طهارة البدن واللباس كما هو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٩ من أبواب المزار حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب مكان المصلي حديث : ٥.

٤٦٧

وأما إذا لم تكن متعدية فلا مانع إلا مكان الجبهة فإنه يجب طهارته [١] وإن لم تكن نجاسته متعدية ، لكن الأحوط طهارة ما عدا مكان الجبهة أيضاً مطلقاً ، خصوصاً إذا كانت عليه عين النجاسة.

( التاسع ) : أن لا يكون محل السجدة أعلى أو أسفل من موضع القدم بأزيد من أربع أصابع مضمومات على ما سيجي‌ء في باب السجدة [٢].

( العاشر ) : أن لا يصلي الرجل والمرأة في مكان واحد [٣] بحيث تكون المرأة مقدمة على الرجل أو مساوية له‌

______________________________________________________

[١] سيجي‌ء إن شاء الله تعالى التعرض لذلك في مبحث السجود.

[٢] ويجي‌ء إن شاء الله تعالى التعرض لوجهه.

[٣] نسب المنع الى أكثر المتقدمين ، والى الشيخين وأتباعهما ، والى أكثر علمائنا ، والى المشهور. وعن الخلاف والغنية : الإجماع عليه ، لصحيح إدريس بن عبد الله القمي : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يصلي وبحياله امرأة نائمة ( قائمة خ ل ) على فراشها جنباً ( جنبه خ ل ). فقال (ع) : إن كانت قاعدة فلا يضرك وإن كانت تصلي فلا » (١) ، وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يصلي والمرأة بحذاه عن يمينه ويساره. فقال (ع) : لا بأس إذا كانت لا تصلي » (٢) ، وصحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع) : « عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعاً؟ قال (ع) : لا ، ولكن يصلي الرجل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب مكان المصلي حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب مكان المصلي حديث : ٢.

٤٦٨

______________________________________________________

فاذا فرغ صلت المرأة » (١) ، وصحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) : « عن إمام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلي وهي تحسب أنها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ قال (ع) : لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة » (٢) ـ بناء على أن الموجب للإعادة تقدمها على صفوف الرجال وقيامها بحذاء الامام. لكنه غير ظاهر فيحتمل أن يكون لعدم تقدم الامام عليها الذي هو شرط في صحة الائتمام ، أو لعدم جواز الائتمام في العصر بالظهر ، ويحتمل غير ذلك ـ وصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « عن المرأة تصلي عند الرجل. فقال (ع) : لا تصلي المرأة بحيال الرجل إلا أن يكون قدامها ولو بصدره » (٣) وموثق عمار عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ : « أنه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟ قال (ع) : إن كانت تصلي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه » (٤). ونحوها غيرها.

وقيل بالجواز مع الكراهة ، كما عن السيد والحلي وأكثر المتأخرين ، بل عن شرح نجيب الدين : أنه مذهب عامة المتأخرين ، واختاره في الشرائع والقواعد. أما الجواز : فلصحيح جميل عن أبي عبد الله (ع) : « لا بأس أن تصلي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي فإن النبي (ص) كان يصلي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض ، وكان إذا أراد أن يسجد غمز رجلها فرفعت رجلها حتى يسجد » (٥) ، وخبر الحسن بن فضال

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب مكان المصلي حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب مكان المصلي حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب مكان المصلي حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب مكان المصلي حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٤ من أبواب مكان المصلي حديث : ٤.

٤٦٩

______________________________________________________

عمن أخبره عن جميل عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذاه. قال (ع) : لا بأس » (١) ، وصحيح الفضيل عن أبي جعفر : « إنما سميت مكة بكة لأنه يبتك فيها الرجال والنساء والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك ومعك ولا بأس بذلك ، وإنما يكره في سائر البلدان » (٢) بناء على عدم الفصل بين مكة وغيرها في المنع والجواز وإن فصل بينهما في الكراهة. وأما الكراهة : فلنصوص المنع بعد حملها عليها جمعا بينها وبين نصوص الجواز.

وقد يستشكل في ذلك باضطراب الصحيح الأول ، واحتمال التصحيف فيه بقرينة التعليل لاستفاضة النصوص بالتفصيل بين كون المرأة مصلية وعدمه في المانعية في الأول وعدمها في الثاني. وضعف المرسل بالإرسال. وعدم ثبوت عدم الفصل ليتم الاستدلال بالثالث. مع عدم صراحته في كون مورده صلاة الرجل ، فمن المحتمل إرادة غير حال الصلاة فلا يكون مما نحن فيه. وبأن الجمع بالكراهة ليس بأولى من الجمع بنحو آخر ، لاستفاضة النصوص بالتفصيل بين صورتي التباعد وعدمه ، فلتحمل نصوص الجواز على الأولى ونصوص المنع على الثانية بشهادة تلك النصوص.

وفيه : أن احتمال التصحيف لا يعول عليه بعد جريان أصالة عدم السهو والتعليل لا يصلح قرينة عليه ، لا مكان عدم الفصل واقعاً بين حالتي الصلاة وعدمها في المانعية ، وإن كان بينهما فصل في الكراهة الذي هو المراد بنصوص التفصيل ولو بقرينة الصحيح المزبور وغيره من نصوص الجواز. والإرسال غير قادح في الحجية بعد الانجبار بالعمل ، فتأمل. ولا سيما وكون الرواية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب مكان المصلي حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب مكان المصلي حديث : ١٠.

٤٧٠

______________________________________________________

من روايات بني فضال الذين قال العسكري (ع) في كتبهم : « خذوا ما رووا وذروا ما رأوا » (١) ، فتأمل. وعدم الفصل يمكن أن يستفاد من إطلاق المانعين والمجوزين ، واحتمال إرادة غير حال الصلاة بعيد لا يعول عليه ، ولا سيما بملاحظة قوله (ع) : « أو معك ». ونصوص التفصيل بين التباعد وعدمه لا تصلح شاهداً للجمع لاختلافها فيه ، ففي بعضها الاكتفاء بالشبر كصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (ع) : « أنه سأله عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد قال (ع) : إذا كان بينهما قدر شبر صلت بحذاه وحدها وهو وحده لا بأس » (٢). وفي بعضها شبر أو ذراع كخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟ قال (ع) : لا ، إلا أن يكون بينهما شبر أو ذراع » (٣). وفي روايته الأخرى : « شبر أو ذراع أو نحوه » (٤). وفي بعضها موضع رحل كمصحح حريز عن أبي عبد الله (ع) : « في المرأة تصلي إلى جنب الرجل قريباً منه. فقال (ع) : إذا كان بينهما موضع رحل فلا بأس » (٥). ونحوه صحيح زرارة المروي عن مستطرفات السرائر (٦). وفي بعضها ما لا يتخطى ، أو قدر عظم الذراع فصاعدا كصحيح زرارة المروي عن الفقيه عن أبي جعفر (ع) : « إذا كان بينها وبينه ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعداً فلا بأس » (٧). ونحوه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب القضاء حديث : ١٤.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب مكان المصلي حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب مكان المصلي حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب مكان المصلي حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٥ من أبواب مكان المصلي حديث : ١١.

(٦) الوسائل باب : ٥ من أبواب مكان المصلي حديث : ١٢.

(٧) الوسائل باب : ٥ من أبواب مكان المصلي حديث : ٨.

٤٧١

______________________________________________________

صحيحه المروي عن المستطرفات (١). وفي بعضها أكثر من عشرة أذرع كموثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « أنه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟ قال (ع) : لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ، وإن كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك ، فان كانت تصلي خلفه فلا بأس .. » (٢). وفي خبر علي ابن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر (ع) : « عن الرجل يصلي ضحى وأمامه امرأة تصلي بينهما عشرة أذرع. قال (ع) : لا بأس ليمض في صلاته » (٣). وهذا الاختلاف قرينة الكراهة ، بل لا بد من الالتزام بها في الزائد على الشبر ، لصراحة نصوصه بارتفاع المانعية به ، فليحمل هو على الكراهة أيضاً لوحدة السياق ، ولا سيما فيما عطف عليه الذراع وحده أو مع « نحوه » ، بل يمكن أن تؤيد بالتعبير بـ « لا ينبغي » في رواية المحمدين الحلبي (٤) والثقفي (٥) ، وبـ « يكره » في صحيح الفضيل وبـ « لا يستقيم » في موثق عمار المتقدمين (٦).

نعم في الحدائق قرب حمل نصوص التقدير بما دون العشرة على صورة تقدم الرجل على المرأة لا المحاذاة بقرينة صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « عن المرأة تصلي عند الرجل. فقال (ع) : لا تصلي المرأة بحيال الرجل إلا أن يكون قدامها ولو بصدره » (٧) ، وموثق ابن فضال عمن أخبره

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب مكان المصلي حديث : ١٣.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب مكان المصلي حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب مكان المصلي حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب مكان المصلي حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٥ من أبواب مكان المصلي حديث : ١.

(٦) تقدما في صدر هذه التعليقة.

(٧) تقدم في صدر هذه التعليقة.

٤٧٢

______________________________________________________

عن جميل عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يصلي والمرأة بحذاه أو الى جنبه. فقال (ع) : إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس » (١) بناء على. أن المراد منه التقدير للتباعد في المكان لا في الزمان. ونحوه مرسل ابن بكير عن أبي عبد الله (ع) (٢) فان ما ذكر فيها مما يقرب من الشبر.

وفيه : أن نصوص التقدير آبية عن الحمل على ما ذكر ، فلتلحظ صحيحة معاوية بن وهب ورواية أبي بصير المتقدمين (٣) ، فان لازم ذلك التصرف في المحاذاة الظاهرة في أن يكونا على خط واحد عرفاً ، والتباعد بمقدار الشبر ينافيه. مضافاً الى التصرف في البينية الظاهرة في البينية في جميع الأحوال ، إذ على ما ذكره تكون البينية بين الموقفين لا غير ، ومع التباعد بدون العشرة تكون البينية بين خط موقفه وخط موقفها ، وكلاهما خلاف الظاهر. وأيضاً فإن المقدار المذكور في النصوص التي اتخذها قرينة على ما ذكر من التصرف أكثر من شبرين لا كما ذكر.

وأبعد من ذلك ما حكي عن بعض من حمل أخبار الشبر ونحوه على إرادة تقدير الحائل بذلك ـ يعني : إذا كان بينهما حائل ارتفاعه بمقدار شبر أو ذراع أو نحوهما ـ فان ذلك خلاف ظاهر النصوص المذكورة جداً ، ولا سيما مصحح حريز وصحيح زرارة المتقدمان. فاذاً لا معدل عما هو المشهور من البناء على الكراهة مع عدم التباعد ، وأنها تخف به وتختلف باختلاف مراتبه زيادة ونقيصة. وأما ما عن الجعفي من المنع إلا مع الفصل بقدر عظم الذراع. ففيه : أنه عمل ببعض النصوص وطرح لما سواه من غير وجه ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب مكان المصلي حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب مكان المصلي حديث : ٥.

(٣) تقدما في هذه التعليقة.

٤٧٣

إلا مع الحائل [١] ،

______________________________________________________

ثمَّ إن صورة تقدم المرأة قد تعرضت لها نصوص المنع كموثق عمار ، بل وصحيح إدريس المتقدمين ، كما تعرضت لها نصوص الجواز كصحيح جميل ، فإن المحاذاة فيه وإن كان الظاهر منها المساواة إلا أن الظاهر من جميل ، فإن المحاذاة فيه وإن كان الظاهر منها المساواة إلا أن الظاهر من التعليل فيه جواز تقدمها عليه ، وكصحيح الفضيل بناء على عدم الفصل. والجمع العرفي أيضاً يقتضي الحمل على الكراهة. مضافاً إلى عدم القول بالفصل بين التقدم والمحاذاة ، والظاهر انحصار ارتفاع المنع أو الكراهة بالعشرة أذرع ، كما في موثق عمار وصحيح ابن جعفر ، ولا تكفي المقادير المذكورة في النصوص من الشبر وغيره ، لعدم شمولها لهذه الصورة. فلاحظ.

[١] قال في محكي المعتبر : « ولو كان بينهما حائل سقط المنع إجماعاً منا ». بل الظاهر أنه لا خلاف في زوال الكراهة على القول بها مع الحائل لاختصاص أدلتها بصورة عدمه. ويشهد له صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « في المرأة تصلي عند الرجل. قال (ع) : إذا كان بينهما حاجز فلا بأس » (١) ، وخبر محمد الحلبي : « لا ينبغي ذلك إلا أن يكون بينهما ستر فان كان بينهما ستر أجزأه » (٢) ، وخبر ابن جعفر : « عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلي بحياله وهو يراها وتراه؟ قال (ع) : إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس » (٣) ، وصحيحه عن أخيه موسى بن جعفر (ع) ـ في حديث ـ قال : « سألته عن الرجل يصلي في مسجد حيطانه كوى كله قبلته وجانباه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب مكان المصلي حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب مكان المصلي حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب مكان المصلي حديث : ٤.

٤٧٤

أو البعد عشرة أذرع [١] بذراع اليد على الأحوط ، وإن كان الأقوى كراهته إلا مع أحد الأمرين. والمدار على الصلاة الصحيحة لو لا المحاذاة [٢] أو التقدم ، دون الفاسدة لفقد شرط أو وجود مانع. والأولى في الحائل كونه مانعاً [٣] عن المشاهدة وإن كان لا يبعد كفايته مطلقاً ، كما أن الكراهة أو الحرمة مختصة بمن شرع في الصلاة لا حقاً [٤] إذا كانا‌

______________________________________________________

وامرأته تصلي حياله يراها ولا تراه. قال (ع) : لا بأس » (١).

[١] فيزول المنع معه إجماعاً ، كما عن المعتبر والمنتهى ، بل الكراهة على تقدير القول بها إجماعاً ، كما عن جامع المقاصد وإرشاد الجعفرية ويشهد له خبر ابن جعفر (ع) المتقدم ، بل وموثق عمار بناء على أن المراد منه العشرة فما زاد نظير قوله تعالى ( فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ) (٢) ، أو كون الزيادة لأجل الإحراز.

[٢] كما عن جماعة التصريح به ، بل نسب إلى الأكثر. وعن الإيضاح وجامع المقاصد والروض : احتمال العموم للباطلة لصدق الصلاة على الفاسدة وفيه : أنه لو سلم فالانصراف إلى الصحيحة يقتضي الاختصاص بها.

[٣] كما يقتضيه إطلاق الساتر في رواية الحلبي لكن عرفت التصريح بالاكتفاء بما لا يكون مانعاً عن الرؤية ، فالعمل عليه متعين. اللهم إلا أن يحمل الثاني على خفة الكراهة ، فتأمل.

[٤] كما عن جماعة الجزم به ، أو الميل اليه ، منهم الشهيدان والمحقق الثاني وابن فهد وسيد المدارك وكاشف اللثام. وربما يستدل له ( تارة ) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب مكان المصلي حديث : ١.

(٢) النساء ـ ١١.

٤٧٥

______________________________________________________

باستبعاد بطلان الصلاة التي انعقدت صحيحة بفعل الغير. ( وأخرى ) : بأن المتأخرة مختصة بالنهي المقتضي للفساد ، ومع عدم انعقادها فكيف تبطل بها صلاة انعقدت؟ ولا كذلك مع الاقتران ، لعدم الأولوية هنا بخلافه ثمة. كذا ذكر في جامع المقاصد. ( وثالثة ) : بأن المتأخرة ليست بصلاة ، لبطلانها بالمحاذاة ، فلا تصلح لإبطال السابقة. ( فإن قلت ) : الفساد الناشئ من قبل هذا الحكم لا يعقل أن يكون مانعاً من تحقق موضوعه كما في نهي الحائض عن الصلاة ، إذ ليس موضوعه إلا الصلاة الصحيحة من غير جهة مانعية الحيض ، ولو أريد الصلاة الصحيحة حتى من جهة المحاذاة امتنع البطلان في صورة الاقتران. ( قلنا ) : إنما يصار إلى التأويل المذكور بالنسبة إلى الصلاة الواقعة في حيز المنع بقرينة عقلية كما في صلاة الحائض ، وكذا في صورة الاقتران ، لا بالنسبة إلى الصلاة اللاحقة ، إذ لا مانع عقلا من أن يراد من قوله (ع) : « وامرأته تصلي بحذائه » الصحيحة المبرئة لذمتها ، فيجوز أن يصرح الشارع بأنه يشترط في صحة صلاة الرجل أن لا تصلي امرأته بحذائه صلاة صحيحة مبرئة لذمتها. من جميع الجهات كما أشار إلى ذلك في مصباح الفقيه. ( ورابعة ) : لصحيح ابن جعفر (ع) المتقدم في أدلة المنع‌.

وفيه : أن الاستبعاد المحض لا يصلح لإثبات الحكم الشرعي. وأن النهي لا يختص بالأخيرة. وأن دليل مانعية المحاذاة إما أن يكون المراد منه المحاذاة في الصلاة الصحيحة من غير جهة المحاذاة ، أو حتى من جهة المحاذاة فعلى الأول : لا فرق بين صورتي الاقتران والترتيب في البطلان بالنسبة إليهما وعلى الثاني : لا فرق بينهما في عدمه كذلك ، وحيث يمتنع الثاني يتعين الأول واستفادة الأول منه في صورة الاقتران والثاني في صورة الترتيب غير ممكن. ومثل ذلك دعوى اختصاص النصوص بصورة الاقتران ، إذ فيها ـ مع أنها‌

٤٧٦

مختلفين في الشروع ، ومع تقارنهما تعمهما وترتفع أيضاً بتأخر المرأة مكاناً بمجرد الصدق [١] ، وإن كان الأولى تأخرها عنه في جميع حالات الصلاة ، بأن يكون مسجدها وراء موقفه.

______________________________________________________

خلاف الإطلاق ـ أن صورة الاقتران نادرة جداً فكيف يدعى اختصاص النصوص بها؟ فالعمل بالإطلاق متعين. وأما صحيح ابن جعفر (ع) : فقد عرفت إجماله وتكثر محتملاته. ولذلك حكي عن جماعة عدم الفرق بين صورتي الاقتران والترتيب في المنع أو الكراهة. بالنسبة إلى الصلاتين معاً. وعن بعض : نسبته إلى المشهور. وفي جامع المقاصد : نسبته إلى إطلاق كلام الأصحاب. وكذا في الحدائق.

والأولى أن يقال ـ ولعل فيه حل الاشكال ـ : إن المانع من صحة الصلاة أو كمالها إن كان هو المحاذاة فنسبتها إلى السابق واللاحق نسبة واحدة نظير المنع عن الجمع بين الأختين ، وإن كان هو أن يصلي الرجل وبحذائه المرأة تصلي أو تصلي المرأة وبحذائها رجل يصلي اختص المانع باللاحق ، والنصوص قد اشتملت على المفادين معاً فلاحظها ، والجمع يقتضي الأخذ بالأول ، ولا سيما وأنه لو بني على الأخذ بالمفاد الثاني يلزم عدم تعرض النصوص لصورة الاقتران ، وهو كما ترى. وما في المدارك من أنه ينبغي القطع بصحة الصلاة المتقدمة لسبق انعقادها وفساد المتأخرة خاصة ، فغير ظاهر ، إذ سبق الانعقاد لا يمنع من طروء الفساد إذا اقتضاه الدليل. ولذا قال في الذكرى : « ولو سبقت إحداهما أمكن بطلان الثانية لا غير ، لسبق انعقاد الأولى فيمتنع انعقاد الثانية ، ويحتمل بطلانهما معاً ، لتحقق الاجتماع في الموقف المنهي عنه ».

[١] كأنه لاختصاص نصوص المنع أو الكراهة بصورة المساواة في‌

٤٧٧

______________________________________________________

الموقف ، لاشتمالها على التعبير بالمحاذاة وما يؤدي معناها فلا تشمل صورة التأخر. وفيه : أنه مناف لما في صحيح زرارة المتقدم من قوله (ع) : « إلا أن يكون قدامها ولو بصدره » (١) ، وما في خبري جميل وابن بكير : « إذا كان سجودها مع ركوعه » (٢) ـ بناء على إرادة تقدير التباعد بالمكان كما هو ظاهر ـ وما في موثق عمار : « إن كانت تصلي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه » (٣). بناء على أن الظاهر منه إرادة كون موضع صلاتها بتمامه خلفه وإن كانت متصلة به بحيث تصيب ثوبه ـ كما هو الظاهر ـ لا أن موقفها خلف موقفه. فالمتعين بناء على الكراهة القول بخفة الكراهة بما في الصحيح ، ثمَّ بما في الخبرين ، وترتفع بما في الموثق ، وبناء على المنع ارتفاعه بالأول مع الكراهة ، وتخف بالثاني ، وترتفع بالثالث.

ومن ذلك يظهر الاشكال فيما هو ظاهر جملة من كلمات الأصحاب ، ففي الشرائع : « ولو كانت وراءه بقدر ما يكون موضع سجودها محاذياً لقدمه سقط المنع ». ونحوها عبارتا المقنعة واللمعة على ما حكي وفي القواعد : « ولو كانت وراءه صحت صلاتهما ». ونحوهما غيرهما. وفي محكي المنتهى ـ بعد حكاية الإجماع على صحة صلاتهما مع الحائل والأذرع ـ : « وكذا لو صلت متأخرة ولو بشبر أو قدر مسقط الجسد ». وفي جملة : الاقتصار على مسقط الجسد. وفي غيرها : غير ذلك. وبالتأمل فيما ذكرنا يظهر ما فيها فلاحظ. نعم بناء على المانعية يكون ما دل على ارتفاعها بالشبر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب مكان المصلي حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب مكان المصلي حديث : ٣ و ٥.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب مكان المصلي حديث : ٤.

٤٧٨

كما أن الظاهر ارتفاعها أيضاً بكون أحدهما في موضع عال على وجه لا يصدق معه التقدم أو المحاذاة وإن لم يبلغ عشرة أذرع [١].

______________________________________________________

في المحاذاة دالا عليه مع التأخر حينئذ ولو قليلا ، فيكون الجمع بينه وبين ما دل على اعتبار التقدم بالصدر حمل الثاني على صورة عدم الانفصال بالشبر ومنه يعرف الحكم لو قلنا بالكراهة. فلاحظ.

[١] حيث ان النصوص الدالة على المنع أو المحتملة الدلالة عليه مشتملة على التعبير بالإمام ، وبين يديه ، وقدامه ، وحياله ، وحذاءه ، ويمينه ، ويساره ، ونحوها ، ويستفاد منه كون الموضوع للمانعية هو التقدم أو المساواة ، فإذا كان أحدهما في مكان مرتفع عن مكان الآخر بحيث لا يصدق معه أحد العنوانين لم يكن المورد داخلا في النصوص المذكورة ، بل يكون المرجع فيه الأصل الجاري في الشك في المانعية أو الكراهة. نعم إذا كان الارتفاع قليلا بمقدار ذراع ونحوه لم يكن مانعاً من صدق التقدم والمحاذاة ، فيكون المورد مشمولا للنصوص المذكورة ، فيثبت المنع أو الكراهة.

نعم قد يشكل الحال فيما هو المعيار في صدق العنوانين وعدمه ، فيمكن أن يقال : إن المعيار كون الارتفاع بمقدار قامة الآخر بحيث تكون الخطوط الخارجة من أحدهما مستقيمة إلى جهة الآخر غير مارة به ، أو دونها بحيث تكون مارة ، ويحتمل أن يكون المعيار تعدد المكان عرفاً ووحدته. ولعل الأقوى الأول. فتأمل.

وكيف كان فلو صدق أحد العنوانين فالبعد الرافع للنقص هل يراد منه البعد ما بين موقف أحدهما وما يسامته من أساس موقف الآخر ، أو مجموع ما بين الموقف والأساس ، أو ما بين الأساس وموقف الآخر ، أو ضلع المثلث الخارج من موقف أحدهما وموقف الآخر؟ وجوه ، أقواها : الأخير‌

٤٧٩

( مسألة ٢٦ ) : لا فرق في الحكم المذكور [١] ـ كراهة أو حرمة ـ بين المحارم وغيرهم ، والزوج والزوجة وغيرهما ، وكونهما بالغين أو غير بالغين [٢] أو مختلفين بناء على المختار من صحة عبادات الصبي والصبية.

______________________________________________________

ـ كما في الجواهر ، وقبله محكي كشف اللثام ـ لظهور البينية في المسافة بين الجسمين. وفي محكي الروض : استظهر ذلك مع إيراثه زاوية حادة ، ولو كانت قائمة ففيه الاحتمالات ، ولو كانت منفرجة ضعف الاحتساب إلى الأساس لا غير. انتهى وضعفه يظهر مما ذكرنا.

[١] بلا خلاف ظاهر ، لإطلاق أكثر النصوص ، وخصوص بعضها المشتمل على التعبير بالزوجة والبنت.

[٢] وعن المشهور : الاختصاص بالبالغين ، لاختصاص النصوص بالرجل والمرأة المختصين بهما. وفيه : أن مقتضى الإطلاق المقامي لدليل تشريع عبادة الصبي مع عدم بيان كيفية عبادته الاعتماد على بيانها للبالغ ، فالعبادة المشروعة لغيره هي العبادة المشروعة له إلا أن يقوم دليل على الخلاف ، وحيث لا دليل في المقام على الخلاف يتعين البناء على العموم.

اللهم إلا أن يقال : إنما يتم ذلك بناء على استفادة مشروعية عبادة الصبي بالأدلة الخاصة مثل : « مروهم بالصلاة » (١) ونحوه ، أما لو كان دليل المشروعية منحصراً بالأدلة العامة المثبتة للتكاليف ـ لعدم اقتضاء حديث رفع القلم عن الصبي أكثر من رفع الإلزام ، فتبقى الدلالة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث : ٥ ، وقد نقله في المتن بالمعنى إذا لم أعثر على هذا النص في مظان وجوده ، والمنصوص هو : ( مروا صبيانكم بالصلاة ). فراجع‌

(٢) لوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١١.

٤٨٠