مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

( مسألة ٢٧ ) : الظاهر عدم الفرق أيضاً بين النافلة والفريضة [١].

( مسألة ٢٨ ) : الحكم المذكور مختص بحال الاختيار ، ففي الضيق والاضطرار لا مانع ولا كراهة [٢]. نعم إذا كان الوقت واسعاً‌

______________________________________________________

الالتزامية للأدلة العامة على ثبوت الملاك في فعل الصبي ، الموجب لرجحانه ومشروعيته بحالها ـ فيشكل ثبوت الإطلاق المقامي المذكور ، لأن الأدلة العامة حسب الفرض موضوعها الرجل والمرأة ، فلا تعم الصبي لا بإطلاقها اللفظي ولا بإطلاقها المقامي ، لعدم تمامية مقدمات الحكمة بالنسبة إليه ، كما هو ظاهر. لكن حيث أن الظاهر تمامية الأدلة الخاصة بالصبي في الدلالة على مشروعية عبادته فالتمسك بالإطلاق المقامي في محله.

نعم الإطلاق المقامي المذكور إنما يقتضي إلحاق الصبي بالرجل في قدح محاذاته للمرأة في صلاته وإلحاق الصبية بالمرأة في قدح محاذاتها للرجل في صلاتها ، أما قدح محاذاة الرجل للصبية في صلاتها ، أو قدح محاذاة المرأة للصبي في صلاتها ، أو قدح محاذاة كل من الصبي والصبية للآخر في صلاته ، فشي‌ء لا يقتضيه الإطلاق المذكور ، إذ مقتضاه أن الكيفية المشروعة للبالغ تثبت للصبي ، فإذا كانت محاذاة المرأة مانعة من صحة عبادة البالغ كانت مانعة أيضاً من صحة عبادة الصبي ، أما محاذاة البالغ للصبية فلم تثبت مانعيتها لصلاة البالغ فكيف يحكم بثبوتها لصلاة الصبي؟ وهكذا الكلام في بقية الصور ، كما أشار إليه في الجواهر.

[١] للزوم سراية حكم الفريضة إلى النافلة كما قررناه في مواضع من هذا الشرح. مضافاً الى إطلاق جملة من نصوص المقام الشامل للفريضة والنافلة معاً.

[٢] كما نسب إلى الأكثر ، بل إلى الأصحاب ، لقاعدة الميسور المجمع‌

٤٨١

يؤخر أحدهما صلاته [١]. والأولى تأخير المرأة صلاتها [٢].

______________________________________________________

عليها في المقام وأمثاله من موارد الاضطرار ، التي بها يقيد إطلاق المانعية وبها يظهر الاشكال فيما ذكره في جامع المقاصد ، فإنه بعد ما حكى عن الشارح الفاضل أن هذا البحث إنما هو في حال الاختيار ، أما في الاضطرار فلا كراهة ولا تحريم ، قال : « ويشكل بأن التحاذي إن كان مانعاً من الصحة منع مطلقاً ، لعدم الدليل على اختصاص الإبطال بموضع دون آخر ». نعم يتم ما ذكره بناء على الكراهة ، إذ لا دليل على تقييد أدلتها ، فالبناء عليها في حال الاضطرار كحال الاختيار متعين. اللهم إلا أن يستفاد نفيها من أدلة نفي الاضطرار بناء على شمولها لمثل المقام ، لكن شمولها للكراهة مشكل ، فضلا عن الكراهة العبادية. فلاحظ.

[١] وجوبا أو استحباباً فراراً عن المانعية أو الكراهة.

[٢] لصحيح محمد بن مسلم : « عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعاً؟ فقال (ع) : لا ، ولكن يصلي الرجل فاذا فرغ صلت المرأة » (١). ونحوه خبر أبي بصير (٢) ، المحمول معه على الاستحباب حتى بناء على المانعية ، جمعاً بينهما وبين صحيح بن أبي يعفور : « أصلي والمرأة إلى جنبي وهي تصلي؟ قال (ع) : لا ، إلا أن تتقدم هي أو أنت » (٣) بناء على إرادة التقدم في الزمان بقرينة المنع عن تقدمها في المكان ، فيكون ظاهراً في التخيير وجواز كل منهما. مضافاً الى ما عن المنتهى عن الإجماع على صحة صلاتهما لو تقدمت المرأة. ومن ذلك يظهر ضعف ما عن الشيخ (ره)

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب مكان المصلي حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب مكان المصلي حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب مكان المصلي حديث : ٥.

٤٨٢

( مسألة ٢٩ ) : إذا كان الرجل يصلي وبحذائه أو قدامه امرأة من غير أن تكون مشغولة بالصلاة لا كراهة ولا إشكال [١] ، وكذا العكس [٢] ، فالاحتياط أو الكراهة مختص بصورة اشتغالهما بالصلاة.

( مسألة ٣٠ ) : الأحوط ترك الفريضة على سطح الكعبة وفي جوفها اختياراً [٣] ،

______________________________________________________

من الوجوب تعبداً أو شرطاً ، إذ الأول : خلاف ظاهر الخبرين ، والثاني : خلاف الإجماع المذكور. فتأمل.

[١] لصراحة النصوص في جواز ذلك ، منها ما تقدم في أدلة المنع والجواز ، ومنها صحيح ابن أبي يعفور : « لا بأس أن تصلي والمرأة بحذاك جالسة أو قائمة » (١). وغيره.

[٢] يشير اليه والى ما قبله روايتا ابن مسلم وأبي بصير الواردتان في المرأة تزامل الرجل ، وليس موردهما الضرورة ، لجواز إيقاع النافلة اختياراً على الراحلة.

[٣] لصحيح محمد بن مسلم المروي في الكافي عن أحدهما (ع) : « قال : لا تصل المكتوبة في الكعبة » (٢) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « قال : لا تصل المكتوبة في جوف الكعبة ، فإن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب مكان المصلي حديث : ٥ والظاهر انه ذيل الحديث المتقدم في التعليقة السابقة وقد وردت روايته في التهذيب : ( ولا بأس ان تصلي وهي .. )

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب القبلة حديث : ١ وقد رواه الشيخ (ره) ـ بهذا المتن أيضاً ـ في التهذيب في الجزء الثاني باب : ١٧ من الزيارات حديث : ٩٦ ص ٣٧٦ طبع النجف الحديث. فلاحظ.

٤٨٣

______________________________________________________

النبي (ص) لم يدخل الكعبة في حج ولا عمرة ولكنه دخلها في الفتح فتح مكة وصلى ركعتين بين العمودين ومعه أسامة بن زيد » (١). ولأجلهما اختار في الخلاف والتهذيب وحج النهاية والمهذب : المنع ، مدعياً في الأول الإجماع عليه. وقد يقتضيه ظهور الاستقبال الواجب في الصلاة بالإجماع والضرورة في غير ما يكون عليه المصلي في جوف الكعبة ، لا أقل من الانصراف عنه.

وفيه : أن الصحيحين معارضان بموثق يونس بن يعقوب : « قلت لأبي عبد الله (ع) : حضرت الصلاة المكتوبة وأنا في الكعبة أفأصلي فيها؟ قال (ع) : صل » (٢) ، والجمع العرفي يقتضي حمل الأولين على الكراهة. مضافاً الى أن الصحيح الأول رواه الشيخ : « لا تصلح صلاة المكتوبة في جوف الكعبة » (٣) ، ورواه أيضاً بطريق آخر : « تصلح صلاة المكتوبة في جوف الكعبة » (٤) ، والأول لو لم يصلح دليلا على الجواز مع الكراهة فلا يصلح دليلا على المنع ، والثاني صريح في الجواز. وأما حمل الموثق على صورة الاضطرار فبعيد عن مساق السؤال لا شاهد له. والإجماع المدعى غير حجة بعد شهرة الخلاف ، بل عدم اعتماد ناقله عليه في المبسوط على ما حكي. وما ذكر أخيراً لا يصلح لمعارضة الموثق. وأما دفعه بعدم الدليل على وجوب الاستقبال لمن كان في جوف الكعبة ، ولا إجماع ولا ضرورة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب القبلة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب القبلة حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب القبلة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب القبلة حديث : ٥ وقد ورد في التهذيب. هكذا ( لا تصلح .. ) فراجع الجزء الثاني ص ٣٨٣ طبع النجف الحديث ولكن نسب في الوسائل حذف كلمة ( لا ) الى نسخة قوبلت بخط الشيخ (ره).

٤٨٤

ولا بأس بالنافلة [١] ، بل يستحب أن يصلي فيها قبال كل ركن ركعتين [٢].

______________________________________________________

عليه. ففيه : أنه مخالف لإطلاق مثل : « لا صلاة إلا الى القبلة » (١) مع أن لازمه عدم وجوب استقبال جزء منها إذا صلى في جوفها ، ولا يظن التزامه من أحد ، فلاحظ. هذا فالجواز ـ كما عن الأكثر بل نسب إلى الأصحاب ـ أنسب بالعمل بالأدلة.

وأما الصلاة على سطح الكعبة : فلم يعرف الخلاف في جوازها اختياراً إلا من القاضي ، فخص الجواز بالاضطرار. وكأن مستند الجواز أصالة البراءة من مانعية الكون على السطح. وأما حديث المناهي : « نهى رسول الله (ص) عن الصلاة على ظهر الكعبة » (٢) ، فضعيف في نفسه ، مهجور عندهم ، فلا يصلح دليلا على المنع. لكن عرفت أن ما دل على اعتبار الاستقبال في الصلاة ظاهر في غير ذلك أو منصرف عنه. اللهم إلا أن يستفاد حكم المقام مما دل على جواز الصلاة في جوفها ، لعدم إمكان التفكيك بين الفوق والتحت من حيثية الاستقبال ، واحتمال مانعية الكون على السطح تعبداً منفي بأصل البراءة.

[١] بإجماع العلماء كافة ، كما عن المعتبر والمنتهى والمدارك.

[٢] ففي صحيح معاوية بن عمار : « إذا أردت دخول الكعبة‌ .. الى أن قال : ثمَّ تصلي ركعتين بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء‌ .. الى أن قال (ع) وتصلي في زواياه » (٣) ، وصحيح إسماعيل بن همام : « قال

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب القبلة حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب القبلة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب مقدمات الطواف حديث : ١.

٤٨٥

وكذا لا بأس بالفريضة في حال الضرورة [١]. وإذا صلى على سطحها فاللازم أن يكون قباله في جميع حالاته شي‌ء من فضائها [٢] ويصلي قائماً. والقول بأنه يصلي مستلقياً متوجهاً الى البيت المعمور [٣] أو يصلي مضطجعاً ضعيف.

______________________________________________________

أبو الحسن (ع) : دخل النبي (ص) الكعبة فصلى في زواياها الأربع وصلى في كل زاوية ركعتين » (١).

[١] بلا خلاف كما عن البحار ، وإجماع أصحابنا كما عن الذكرى ، وإجماع العلماء كافة كما عن المعتبر والمنتهى والمدارك.

[٢] على المشهور ، ليتحقق الاستقبال الواجب بإطلاق أدلة وجوبه.

[٣] هذا القول محكي عن الفقيه والخلاف والنهاية والمهذب والجواهر ، واستدل له برواية عبد السلام عن الرضا (ع) : « في الذي تدركه الصلاة وهو فوق الكعبة قال (ع) : إن قام لم يكن له قبلة ولكن يستلقي على قفاه ويفتح عينيه الى السماء ويعقد بقلبه القبلة التي في السماء البيت المعمور ويقرأ ، فإذا أراد أن يركع غمض عينيه ، وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع فتح عينيه ، والسجود على نحو ذلك » (٢) وعن الشيخ : دعوى الإجماع على العمل بمضمونه. وعن المبسوط : نسبة الحكم إلى رواية أصحابنا. والظاهر أنها عين المسند المذكور. لكن ضعفها في نفسها وإعراض المشهور عنها ، بل إعراض الصدوق والشيخ في باقي كتبهما ، بل عدم نسبة القول بمضمونها الى أحد فيما لو صلى في جوفها مع كون المقامين من باب واحد. بل عن الروض الإجماع على خلافها يمنع من الاعتماد عليها في تخصيص الأدلة القطعية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب مقدمات الطواف حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب القبلة حديث : ٢.

٤٨٦

فصل في مسجد الجبهة من مكان المصلى

يشترط فيه ـ مضافاً إلى طهارته [١] ـ أن يكون من الأرض أو ما أنبتته [٢]

______________________________________________________

على وجوب القيام والركوع والسجود والاستقبال. ومن هنا كان الأقوى ما عليه المشهور ، وأما القول بأنه يصلي مضطجعاً فلم أقف على قائل به. وكأن وجهه أن الوقوف مخالف للأدب ، فيحرم. وهو كما ترى صغرى وكبرى ، والله سبحانه أعلم.

فصل في مسجد الجبهة‌

[١] يأتي إن شاء الله تعالى الكلام فيه في السجود.

[٢] إجماعاً مستفيض النقل أو متواتراً ، وقد حكى في مفتاح الكرامة دعواه عما يزيد على ثلاثة عشر كتاباً للقدماء والمتأخرين من أصحابنا ( رض ) والنصوص الدالة عليه وافرة ، كصحيح هشام بن الحكم : « أنه قال لأبي عبد الله (ع) : أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز؟ قال (ع) : لا يجوز السجود إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس. فقال له : جعلت فداك ما العلة في ذلك؟ قال (ع) : لأن السجود خضوع لله عز وجل فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس ، لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها » (١). وصحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ١.

٤٨٧

غير المأكول والملبوس [١]. نعم يجوز على القرطاس [٢]

______________________________________________________

« أنه قال : السجود على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس » (١) ، وخبر الأعمش عن جعفر بن محمد (ع) : « لا تسجد إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا المأكول والقطن والكتان » (٢) ، وخبر الفضل بن عبد الملك : « قال أبو عبد الله (ع) : لا يسجد إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا القطن والكتان » (٣). وقريب منها غيرها.

[١] بلا خلاف ، بل إجماعاً كما عن الخلاف والغنية والروض والمقاصد العلية وغيرها ، وعن الأمالي : نسبته إلى دين الإمامية. وتدل عليه النصوص المتقدمة وغيرها. وبالتأمل يظهر لزوم حمل ما لا يفي بالدلالة على ذلك على ما هو واف بها. نعم ورد في القطن والكتان الرخصة في السجود ، ومقتضى الجمع العرفي بينه وبين ما دل على المنع عنه فيها حمل الثاني على الكراهة ، وحيث أنهما الغالب فيما لبس يتعين حمل المنع فيما لبس على الكراهة. ويطرد ذلك فيما أكل ، لوحدة السياق ، ولا سيما مع مناسبة التعليل في صحيح هشام للكراهة جداً ، لكن لا مجال لذلك كله بعد الإجماعات المتقدمة والاشكال في نصوص الرخصة كما يأتي إن شاء الله ، فلاحظ.

[٢] إجماعاً كما عن الجامع والمسالك والمفاتيح ، وعن التذكرة والروض والمدارك وكشف اللثام نسبته إلى علمائنا وإلى الأصحاب. ويشهد له جملة من النصوص ، كصحيح ابن مهزيار : « سأل داود بن فرقد أبا الحسن (ع) عن القراطيس والكواغد المكتوبة عليها هل يجوز السجود عليها أم لا؟

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ٦.

٤٨٨

أيضاً ، فلا يصح على ما خرج عن اسم الأرض كالمعادن مثل الذهب [١] والفضة والعقيق والفيروزج والقير [٢] والزفت‌

______________________________________________________

فكتب (ع) : يجوز » (١) ، وصحيح صفوان الجمال : « رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام في المحمل يسجد على القرطاس وأكثر ذلك يومئ إيماء » (٢) وصحيح جميل عنه (ع) : « أنه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة » (٣) بناء على ظهوره في الكراهة المصطلحة ، بل بناء على مفهوم الوصف يدل على جواز السجود على غير المكتوب وإن حملت الكراهة فيه على الحرمة. وسيجي‌ء إن شاء الله بقية الكلام فيه.

[١] حيث عرفت اتفاق النص والفتوى على عدم جواز السجود على ما ليس بأرض ولا ما أنبتت الأرض تعرف عدم جواز السجود على المعادن التي لا يصدق عليها الأرض ولا ما أنبتته ، مثل الأمور المذكورة في المتن. أما ما كان من المعدن يصدق عليه اسم الأرض فلا ينبغي التأمل في جواز السجود عليه ، إذ لم يؤخذ في الدليل مفهوم المعدن موضوعاً لعدم جواز السجود كي يدور المنع مدار صدقه ، أو يحسن التعرض لتحقيق مفهومه كما صنعه جماعة ، فلاحظ ،

[٢] عن المدارك نسبة المنع فيه إلى قطع الأصحاب ، وعن البحار : أنه المشهور ، بل لا يظهر فيه مخالف. ويشهد له ـ مضافاً إلى ما دل على عدم جواز السجود على غير الأرض ـ صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « قلت له : أيسجد على الزفت يعني : القير؟ قال (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ٣.

٤٨٩

ونحوها. وكذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد [١] والفحم [٢] ونحوهما. ولا على المأكول والملبوس كالخبز والقطن والكتان‌

______________________________________________________

لا » (١) ‌، وخبر محمد بن عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرضا (ع) : « لا يسجد على القير ولا على القفر ولا على الصاروج » (٢). نعم يدل على الجواز روايات معاوية بن عمار (٣) ورواية إبراهيم بن ميمون (٤) وفي رواية منصور بن حازم : أنه من نبات الأرض (٥) ، لكن الجميع لا مجال للعمل بها بعد وهنها بإعراض الأصحاب ، فهي محمولة على التقية لاتفاق العامة على الجواز ـ كما قيل ـ أو على حال الضرورة. والكلام في الزفت هو الكلام في القير ، لخروجه عن مفهوم الأرض ، بل قيل : إنه نوع منه. ويشهد له صحيح زرارة المتقدم‌.

[١] كما عن غير واحد ـ منهم المبسوط والسرائر ـ التصريح بالمنع عنه ، وفي كشف اللثام : « كأنه لا خلاف في أنه لا يسجد على النبات إذا صار رماداً ». وفي مفتاح الكرامة : « يظهر من المعتبر ونهاية الأحكام والتذكرة والذكرى وكشف الالتباس التأمل في ذلك حيث اقتصروا فيها على حكايته عن الشيخ (ره) ». وكيف كان فالمتعين المنع عنه ، لعدم صدق الأرض عليه.

[٢] لما سبق في الرماد ، ولا أقل من الانصراف إلى غيره. وفي الجواهر : « قد يقوى الجواز فيه ، للأصل وعدم طهارة المتنجس بالاستحالة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ٤ ، ٥ ، ٦.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ٧.

(٥) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ٨.

٤٩٠

ونحوها ويجوز السجود على جميع الأحجار إذا لم تكن من المعادن [١].

( مسألة ١ ) : لا يجوز السجود في حال الاختيار على الخزف [٢] ، والآجر [٣] ،

______________________________________________________

اليه ». وفيه : أنه لا مجال للأصل بعد ما عرفت ، ولا ملازمة بين ارتفاع جواز السجود بصيرورة الحطب فحماً وعدم ارتفاع النجاسة بذلك ، إذ يكفي في ارتفاع الأول ارتفاع موضوعه ولو بارتفاع صفته المقومة له ، ولا يكفي في الثاني ذلك ، بل لا بد من صدق الاستحالة الموجبة لتعدد الموضوع ذاتاً وصفة عرفاً ، مثلا لو ثبت حكم للعجين ارتفع بمجرد صيرورته خبزاً وإن كانت نجاسته لا ترتفع بذلك.

[١] قد عرفت أن المعيار أن يصدق عليها اسم الأرض.

[٢] في المدارك : نسبة الجواز إلى قطع الأصحاب. وعن الروض : « لا نعلم في ذلك مخالفاً من الأصحاب ». وقد يظهر من محكي المعتبر والتذكرة المفروغية عنه. وينبغي أن يكون كذلك ، لصدق الأرض عليه عرفاً ، كصدقها على العين ، وإن اختلفا في الوضوح وعدمه ، إذ الإجزاء الأرضية التي أخذت موضوعاً للسجود لم تتغير ولم تتحول ، وإنما تغير بعض صفاتها ـ مثل التماسك وعدمه ـ شدة وضعفاً ، وذلك لا يوجب اختلافاً في موضوع الأرض ، بشهادة انطباقه على التراب والصخر على نحو واحد وكون التماسك بعمل الله سبحانه أو بعمل العبد لا أثر له في الفرق. مع أن الشك كاف في الحكم بالجواز اعتماداً على استصحابه. وأما استصحاب مفهوم الأرض فلا مجال له ، لأنه من قبيل استصحاب المفهوم المردد بين معلوم البقاء ومعلوم الارتفاع ، المحقق في محله عدم صحته.

[٣] حكى في مفتاح الكرامة عن صريح النهاية والمبسوط وظاهر الأكثر‌

٤٩١

والنورة والجص المطبوخين [١]. وقبل الطبخ لا بأس به.

( مسألة ٢ ) : لا يجوز السجود على البلور والزجاجة [٢]

______________________________________________________

جواز السجود عليه ، وعن التنقيح. الميل اليه ، وعن البحار : أنهم لم ينقلوا فيه خلافاً. والكلام فيه هو الكلام في الخزف.

[١] المحكي عن الشيخ في النهاية والمبسوط : التصريح بجواز السجود على الجص. وعن جماعة من متأخري المتأخرين : الميل اليه. ويقتضيه صحيح الحسن ابن محبوب : « سأل أبا الحسن (ع) عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثمَّ يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب اليه بخطه : إن الماء والنار قد طهراه » (١) ، فإن السؤال يظهر منه المفروغية عن جواز السجود على الجص في نفسه ، وإنما كان الاشكال من السائل من جهة شبهة النجاسة ، فقوله (ع) : « إن الماء .. » ـ مهما كانت المناقشة فيه ـ ظاهر في تقرير السائل على اعتقاده من جواز السجود عليه في نفسه ، وفي رفع إشكاله فيه من جهة شبهة النجاسة. مع أن فيما دل على جواز السجود على الأرض كفاية ، لصدقها عليه كصدقها على الخزف والآجر ، بل هنا أظهر. وكذلك الكلام في النورة. نعم في خبر محمد بن عمرو بن سعيد (٢) النهي عن السجود على الصاروج وهو ـ كما عن الكاشاني ـ النورة بإخلاطها. وفي الذكرى : أنه يستلزم المنع من النورة بطريق أولى. وفيه : أنه يتوقف على كون الأخلاط أجزاء أرضية وهو غير ثابت ، بل الظاهر أن ما يسمى في زماننا بالصاروج من جملة أجزائه الرماد.

[٢] لخروجهما عن مفهوم الأرض عرفاً. مضافاً في الثاني إلى صحيح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ١.

(٢) تقدم في صفحة ٤٩٠.

٤٩٢

( مسألة ٣ ) : يجوز على الطين الأرمني [١] والمختوم.

( مسألة ٤ ) : في جواز السجدة على العقاقير والأدوية مثل لسان الثور وعنب الثعلب والخبة وأصل السوس وأصل الهندباء ـ إشكال ، بل المنع لا يخلو عن قوة [٢]. نعم لا بأس‌

______________________________________________________

محمد بن الحسين : « إن بعض أصحابنا كتب الى أبي الحسن الهادي (ع) يسأله عن الصلاة على الزجاج. قال : فلما نفذ كتابي إليه تفكرت وقلت : هو مما أنبتت الأرض وما كان لي أن أسأل عنه. قال : فكتب إلي : لا تصل على الزجاج وإن حدثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان » (١). ولعل المراد أنهما ممسوخان بالمزج ، لا أن الرمل في نفسه ممسوخ ، إذ لا إشكال في كونه أرضاً ، ولا في جواز السجود عليه ، لكن عن الصدوق وعلي بن عيسى روايته : « فإنه من الرمل والملح والملح سبخ » (٢).

[١] هو طين أحمر لم يخرج بحمرته عن كونه أرضاً يؤتى به من ( إيروان ) على ما في التحفة الفارسية ، وفي الجواهر في مبحث الربا : جزم بأنه الذي يؤتى به من قبر ذي القرنين. ويشهد له روايتا المصباح (٣) ومكارم الأخلاق (٤). والطين المختوم : طين أبيض ـ على ما رأيته ـ لم يخرج عن كونه أرضاً ، وببالي أن في التحفة ذكر أنه يؤتى به من بعض جزائر الغرب ، وذكر وجهاً لتسميته بالمختوم ـ فراجع.

[٢] نسبة الأكل واللبس في قوله (ع) : « إلا ما أكل ولبس » ‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب ما يسجد عليه ملحق الحديث الأول.

(٣) الوسائل باب : ٦٠ من أبواب الأطعمة المحرمة ملحق الحديث الثالث.

(٤) الوسائل باب : ٦٠ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ٣.

٤٩٣

بما لا يؤكل منها شائعاً ولو في حال المرض وإن كان يؤكل نادراً عند المخمصة أو مثلها.

______________________________________________________

إما أن يراد بها نسبة الأكل واللبس فعلا ، أو نسبتهما استعداداً ، وعلى الأول : لا يمكن أن يكون المراد من الموصول الشخص المتلبس بفعلية المبدأ لامتناع ذلك عقلا بالنسبة الى ما أكل ، فيمتنع أيضاً عرفاً بالنسبة الى ما لبس لبعد التفكيك بينهما ، بل المراد به إما الشخص بلحاظ قيام المبدأ بأمثاله ، فالمعنى : « إلا ما أكل أو لبس أمثاله » أو الجنس بلحاظ قيام المبدأ ببعض أفراده فالمعنى : « إلا الجنس الذي أكل بعض أفراده أو لبس كذلك ». وعلى الثاني : فالاستعداد إما أن يكون بلحاظ نفسه بأن يكون فيه من خصوصيات الطعم والرائحة ما يحسن لأجله أن يؤكل في قبال ما لا يكون كذلك ، ضرورة اختلاف الأشياء في ذلك اختلافاً بيناً ، وكذلك الحال فيما لبس ، أو يكون بلحاظ إعداد الناس إياه للأكل أو اللبس سواء أكان مستعداً في نفسه لذلك أم لا. والظهور الأولي للجملة المذكورة إرادة الشخص المتلبس بالمبدإ. لكن ـ حيث عرفت امتناعه ـ يدور الأمر بين إرادة الفعلية بالمعنيين الأخيرين وبين إرادة الاستعداد ، والثاني منهما أيضاً أظهر ، كما أن الأظهر الحمل على الاستعداد الذاتي لا العرضي ، لاحتياج الثاني إلى عناية زائدة لا قرينة عليها. نعم يساعده التعليل في صحيح هشام : « لأن أهل الدنيا إنما يعبدون ما أعدوه لأكلهم ولبسهم » (١) ولا يكفي في كون الشي‌ء معبوداً لهم كونه مستعداً للأكل أو اللبس في نفسه. لكن التعليل لما لم يمكن الأخذ بظاهره ـ لاقتضائه المنع في غير المأكول والملبوس‌

__________________

(١) تقدم ذكر الصحيح في البحث عن اشتراط كون مسجد الجبهة من الأرض ونباتها في أول هذا الفصل. ونص التعليل : ( لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ) والنقل هاهنا بالمعنى.

٤٩٤

______________________________________________________

من المفروش وغيره من حاجياتهم التي يعبدونها عبادة المأكول والملبوس ، واقتضائه الجواز في المأكول والملبوس اللذين ما أعدوهما للأكل واللبس ، وإن أكل ولبس لغيرهم من صلحاء العباد ـ يكون مجملا ، ويسقط عن مقام القرينية ، فتحمل الجملة على معناها الظاهر ـ أعني : الاستعداد الذاتي ـ ولا سيما وقد وردت الجملة في صحيح حماد غير مقرونة بالتعليل (١) المذكور. وعلى هذا يجوز السجود على العقاقير والأدوية مثل المذكورة في المتن ـ كما قطع به في الجواهر ـ لخلوها عن الاستعداد المذكور. نعم بناء على إرادة ما أعده الناس لأكلهم أو لبسهم يكون المنع في محله ، لأنها معدودة للأكل ولو بلحاظ حال المرض. نعم إذا كان الاحتياج اليه نادراً لا يصدق الاعداد والاستعداد عرفاً فلا بأس بالسجود عليه ، ولذا قال في المتن : « نعم لا بأس .. ».

ثمَّ إن المرجع في تعيين الاستعداد الذاتي نوع الإنسان الذي لا يقدح فيه مخالفة النادر ، إذ الإطلاق لا بد أن يكون منزلا على ذلك ، ولو فرض الاختلاف فالمرجع عموم جواز السجود على ما أنبتت الأرض الذي تضمنه صحيح الفضيل وبريد (٢) للشك في تخصيصه. ولو شك في اختلاف النوع واتفاقه ، فلأجل أن الشبهة حينئذ مصداقية ، فالمرجع فيها إما عموم الجواز بناء على الرجوع الى العام في الشبهة المصداقية ، أو الأصل الجاري في الشك في التعيين والتخيير من أصالة الاحتياط أو أصالة البراءة ، لكون المقام منه كما لا يخفى. لكن فرض الاختلاف غير ممكن كما نشير إليه في المسألة الحادية عشرة.

__________________

(١) بل نقل صحيح هشام في التهذيب غير مشتمل على الذيل فراجع ج : ٢ صفحة ٢٣٤ طبع النجف الحديث.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ٥.

٤٩٥

( مسألة ٥ ) : لا بأس بالسجود على مأكولات الحيوانات [١] كالتبن والعلف.

( مسألة ٦ ) : لا يجوز السجود على ورق الشاي ولا على القهوة [٢]. وفي جوازها على الترياك إشكال.

( مسألة ٧ ) : لا يجوز على الجوز واللوز [٣]. نعم‌

______________________________________________________

[١] بلا إشكال ظاهر ، لأن المنصرف اليه مما أكل ما كان كذلك بالنسبة إلى الإنسان ، ولا سيما بقرينة اقترانه بما لبس.

[٢] بناء على أن المراد مما أكل ما أعده الناس لذلك لا ينبغي التأمل في عدم جواز السجود على الشاي وعلى القهوة ، لاعدادهم إياهما للأكل ولو بالنحو الخاص. لأن الظاهر أن المراد من الأكل في المقام ما يعم استعماله ولو بنحو يكون به مائعاً. أما بناء على ما عرفت من استعداده في نفسه لذلك فغير بعيد بالنسبة إلى الشاي ، أما بالنسبة إلى القهوة فمحل إشكال أو منع ، لعدم كونها واجدة لذلك الاستعداد. وشيوع استعمالها إنما نشأ من جهة وجود خواص أخرى فيها ، كما يشهد لذلك شدة التنفر منها في الاستعمال الأول لها مع جهل المستعمل بها. والحال في الترياك أظهر. ولا يتضح الوجه في توقف المصنف في عدم جواز السجود عليه مع تقويته العدم في مثل العقاقير والأدوية مع أن الترياك أشيع منها استعمالا وأكثر اعتباراً ، فعلى ما يظهر منه من اعتبار الاعتياد يكون أولى بالمنع.

[٣] لأن الجبهة وإن كانت تلاصق القشر الذي ليس بمأكول ، إلا أن القشر عند اشتماله على اللب لما كان يلحظ تبعاً له عرفاً يصدق السجود على المأكول. لكن في تمامية التبعية المذكورة في مثل قشر اللوز والجوز إشكالا ظاهراً ، لاستقلال القشر في نفسه ، فهو كالصندوق من الخشب المملوء‌

٤٩٦

يجوز على قشرهما بعد الانفصال [١]. وكذا نوى المشمش والبندق والفستق.

( مسألة ٨ ) : يجوز على نخالة الحنطة [٢] والشعير وقشر الأرز.

( مسألة ٩ ) : لا بأس بالسجدة [٣] على نوى التمر ، وكذا على ورق الأشجار وقشورها ، وكذا سعف النخل.

( مسألة ١٠ ) : لا بأس بالسجدة على ورق العنب بعد اليبس وقبله مشكل [٤].

______________________________________________________

ذهباً. نعم يتم ذلك في مثل قشر الحنطة والشعير الذي لا استقلال له ويرى جزءاً من اللب ، وإن حكي عن التذكرة والمنتهى ونهاية الأحكام والسرائر والموجز : جواز السجود على الحنطة والشعير ، لأن القشر الذي ليس بمأكول حاجز بين المأكول والجبهة ، والسجود واقع عليه. لكنه ضعيف.

[١] لعموم جواز السجود على ما لا يؤكل ، ولا مجال لاستصحاب المنع الثابت قبل الانفصال ، لأن ذلك المنع ليس تخصيصاً لعموم الجواز كي يندرج المورد في مسألة استصحاب حكم المخصص ، وإنما هو تخصص لأجل صدق السجود على المأكول. مع أن الرجوع إلى الاستصحاب مطلقاً في تلك المسألة غير ظاهر.

[٢] لعدم إعدادها للأكل ولا استعدادها له ، ولا ينافيه أكلها مخلوطة بالدقيق كثيراً ، لعدم كونها مقصودة بالأكل أصالة ، فلاحظ.

[٣] وجهه ظاهر مما سبق.

[٤] بناء على ما عرفت الأظهر عدم جواز السجود عليه لتحقق الاستعداد الأكلي فيه. بل يشكل الحكم مع اليبس ، لأنه من الطوارئ‌

٤٩٧

( مسألة ١١ ) : الذي يؤكل في بعض الأوقات دون بعض لا يجوز السجود عليه مطلقاً [١]. وكذا إذا كان مأكولا في بعض البلدان دون بعض [٢].

______________________________________________________

المانعة من الأكل كما فيما وجد الاستعداد.

[١] بناء على ما استظهرناه من اعتبار الاستعداد الذاتي فالمدار في جواز السجود وعدمه على فقدان الاستعداد ووجدانه ، فان فقد جاز وإن وجد لم يجز ، سواء أكان مأكولا دائماً أم في وقت أم لم يكن مأكولا أصلا. وكذا بناء على اعتبار إعداد الناس إياه للأكل يكون المدار عليه ، وحينئذ ففي الوقت الذي لا يؤكل فيه إن كان فاقداً للاعداد لبعد الوقت جداً جاز السجود عليه ، وإن كان واجداً له لقرب الوقت امتنع السجود عليه ، فإطلاق المنع ـ كما في المتن ـ غير ظاهر على كل حال.

[٢] بناء على اعتبار الاستعداد يمتنع فرض اختلاف البلدان فيه لامتناع اختلاف مذاق النوع الإنساني في الاستعداد المذكور. نعم يمكن اختلاف الناس في إدراك ذلك الاستعداد لأوهام تقليدية أو عادات جارية ، فترى قوماً لا يرون الجراد واجداً لوصف المأكولية ، وآخرين يرون الترياك واجداً له ، وهذا الاختلاف لا اعتبار به ، لأنه ناشئ عن أمور زائدة عن ملاحظة الذات ، والعبرة بأن يعرض الشي‌ء على الآكل مع جهله به وعدم أكله له قبل ذلك كي لا يتأثر بتقليد غيره ولا بعادة جارية له ، فان حكم بأنه مأكول أو لا مأكول جرى حكم المنع والجواز ، كما أشرنا إليه سابقاً. نعم بناء على اعتبار الاعداد يمكن فرض اختلاف البلدان. لكن في الاكتفاء بإعداد بعض البلدان إشكالا ، وإن حكي عن جماعة كثيرة أنه لو أكل شائعاً في قطر دون غيره عم التحريم ، والتمسك بإطلاق ما أكل‌

٤٩٨

( مسألة ١٢ ) : يجوز السجود على الأوراد غير المأكولة.

( مسألة ١٣ ) : لا يجوز السجود على الثمرة قبل أوان أكلها [١].

( مسألة ١٤ ) : يجوز السجود على الثمار غير المأكولة [٢] أصلا كالحنظل ونحوه.

______________________________________________________

وإن كان يقتضيه ، إلا أنه يقتضي أيضاً الاكتفاء بالواحد والاثنين من الناس ، اللهم إلا أن يدعى الانصراف عن مثله ، ولا سيما مع ندرة ما لا يكون كذلك من النباتات. فتأمل جيداً.

[١] لأن الظاهر مما أكل ـ ولو بقرينة ما دل على النهي عن السجود على كدس الحنطة والشعير والطعام ونحوه ـ أعم مما كان يحتاج في أكله إلى علاج بالطبخ والنضج بالنار أو بالشمس أولا.

[٢] كما يقتضيه النص والإجماع المتقدمان. نعم في صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « قلت له : أسجد على الزفت ـ يعني : القير ـ؟ فقال (ع) : لا ، ولا على الثوب الكرفس ، ولا على الصوف ، ولا على شي‌ء من الحيوان ، ولا على طعام ، ولا على شي‌ء من ثمار الأرض ، ولا على شي‌ء من الرياش » (١). وصحيح ابن مسلم : « لا بأس بالصلاة على البوريا والخصفة وكل نبات إلا الثمرة » (٢). ونحوهما المرسل عن تحف العقول (٣). وإطلاق الثمرة فيها وإن كان يقتضي عموم الحكم لغير المأكول يجب تقييده بالمأكول للإجماع.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ١١.

٤٩٩

( مسألة ١٥ ) : لا بأس بالسجود على التنباك [١].

( مسألة ١٦ ) : لا يجوز على النبات الذي ينبت على وجه الماء [٢].

( مسألة ١٧ ) : يجوز السجود على القبقاب والنعل المتخذ من الخشب مما ليس من الملابس المتعارفة ، وإن كان لا يخلو عن إشكال [٣]. وكذا الثوب المتخذ من الخوص [٤].

______________________________________________________

[١] لعدم كونه من المأكول والملبوس.

[٢] لعدم كونه من نبات الأرض وظاهر النصوص المتقدمة اعتبار أن يكون على الأرض أو نباتها. وما في بعض النصوص من إطلاق النبات ـ كصحيح ابن مسلم المتقدم في الثمرة ، وخبر الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (ع) : « أن رجلا أتى أبا جعفر (ع) وسأله عن السجود على البوريا والخصفة والنبات. قال (ع) نعم » (١) ـ مقيد بنصوص الحصر في الأرض ونباتها ، ولا سيما مع غلبة كون النبات الذي يسأل عن السجود عليه من نبات الأرض.

[٣] للإشكال في عموم اللباس الممنوع من السجود عليه لمثل القبقاب. بل المنع أشبه وإن كان متعارفاً في لباس الرجل ، إذ هو أشبه بالموطوء لا بالملبوس. ومثل القبقاب القلادة والسوار والخلخال من الخشب فان ذلك ليس منصرف اللبس المانع كما لا يخفى. مع أنه بناء على ما استظهرناه من اعتبار الاستعداد لا إشكال ، لفقد ذلك في الخشب.

[٤] صدق اللبس على قلنسوة الخوص وثوبه ليس فيه الاشكال المتقدم في القبقاب فهما أولى منه بالمنع ، فعلى ما ذكرنا من اعتبار الاستعداد الذاتي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب ما يسجد عليه حديث. ١٠.

٥٠٠