مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

( مسألة ٢٣ ) : لا بأس بكون قاب الساعة من الذهب إذ لا يصدق عليه الآنية ، ولا بأس باستصحابها أيضاً في الصلاة إذا كان في جيبه حيث أنه يعد من المحمول. نعم إذا كان زنجير الساعة من الذهب وعلقه على رقبته أو وضعه في جيبه لكن علق رأس الزنجير يحرم لأنه تزيين بالذهب [١] ولا تصح الصلاة فيه أيضاً.

______________________________________________________

الخمسة المستثناة من الوجودي لا يصلح قرينة عليه. ومثلها دعوى الاختصاص بالنسيان فلا يشمل الجاهل بأنواعه ، فإنه خلاف إطلاقه. وما ادعى كونه قرينة عليه غير ظاهر كما سيأتي إن شاء الله تعالى في مبحث الخلل. نعم الظاهر عدم شموله للجاهل بالحكم إذا كان شاكاً حين الدخول في الصلاة مع عدم طريق شرعي أو عقلي يقتضي الاجزاء في نظره ، لظهور الحديث فيمن صلى بعنوان الامتثال وتفريغ الذمة ، لا مطلق من صلى ولو كان بانياً على الإعادة ، أو غير مبال أصلا ، فالشاك المذكور خارج عنه كالعامد ، ويدخل فيه الناسي للموضوع أو الحكم ، والغافل ، والجاهل المركب والبسيط إذا كان له طريق يقتضي الاجتزاء بالفعل ، قاصراً كان أو مقصراً.

[١] قد عرفت دلالة النصوص على حرمة التزيين وضعفها منجبر بالإجماع ، بل ما في الجواهر في كتاب الشهادات من دعوى الإجماع بقسميه على حرمة التحلي به كاف في البناء على الحرمة. وأما عدم صحة الصلاة فيه : فلا تخلو من إشكال ، لما عرفت من أن التزيين بالذهب لا دليل على مانعيته من صحة الصلاة ، واختصاص المانعية باللبس. واحتمال أن تعليق الزنجير لبس له ممنوع ، وإلا لزم كون الساعة الذهبية ملبوسة إذا علقت بقيطان ، بل يلزم أن يكون القيطان ملبوساً ، فاذا كان حريراً يحرم.

٣٦١

( مسألة ٢٤ ) : لا فرق في حرمة لبس الذهب بين أن يكون ظاهراً مرئياً أو لم يكن ظاهراً [١].

( مسألة ٢٥ ) : لا بأس بافتراش الذهب [٢] ، ويشكل التدثر به.

( السادس ) : أن لا يكون حريراً محضاً للرجال [٣]

______________________________________________________

نعم إذا وضعه في رقبته يكون ملبوساً ، وهو غير الفرض.

[١] لإطلاق الأدلة. نعم الظاهر أن التزيين مختص بالظاهر ولا يكون بالمستور. فتأمل.

[٢] لعدم صدق اللبس المحرم ، والأصل يقتضي البراءة. ومنه يظهر ضعف ما عن التحرير من المنع من افتراشه ، وما عن المبسوط والوسيلة من أن ما يحرم عليه لبسه يحرم عليه فرشه والتدثر به.

وأما التدثر به : فإن أريد منه معناه اللغوي الذي هو قريب من الالتحاف والالتفاف ـ ومنه قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) (١) ، وقال في القاموس « تدثر بالثوب اشتمل به » ونحوه كلام غيره ـ فالظاهر حرمته ، لصدق اللبس عليه. ولا يحضرني كلام لهم في المقام. وإن أريد معناه العرفي وهو التغطي بالغطاء الغليظ أو الكثير فصدق اللبس عليه غير ظاهر ، بل ممنوع فيكون جائزاً. ولعله يأتي في الحرير ما له نفع في المقام ، فانتظر.

[٣] فتبطل صلاتهم به إجماعاً ، كما عن الانتصار والخلاف والتذكرة والمنتهى وغيرها. ويشهد له مصحح إسماعيل بن سعد الأحوص ـ في حديث ـ قال : « سألت أبا الحسن الرضا (ع) : هل يصلي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال (ع) له : لا » (٢) ، ومكاتبة محمد بن عبد الجبار

__________________

(١) المدثر ـ ١.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

٣٦٢

سواء كان ساتراً للعورة أو كان الساتر غيره [١] ، وسواء كان مما تتم فيه الصلاة أولا على الأقوى [٢] ، كالتكة والقلنسوة ونحوهما.

______________________________________________________

الى أبي محمد (ع) : « هل يصلي في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب (ع) : لا تحل الصلاة في حرير محض » (١). ونحوهما غيرهما. نعم يعارضها صحيح إسماعيل بن بزيع قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن الصلاة في الديباج. فقال (ع) : ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس » (٢) إلا أنه بالاعراض ساقط عن الحجية ، فليحمل على بعض المحامل الصحيحة مثل حال الحرب. أو حال الضرورة. أو لغير الرجال ، أو على غير المحض ، أو نحو ذلك ، أو على التقية.

[١] صرح بذلك كثير من علمائنا. بل يكاد يفهم من الروض وغيره أنه مما انعقد عليه إجماعنا. كذا في مفتاح الكرامة. ويقتضيه إطلاق الأدلة.

[٢] كما عن الفقيه. والمنتهى والمختلف والبيان والموجز. ومجمع البرهان والمدارك والكفاية وغيرها. ويشهد له مكاتبة محمد بن عبد الجبار المتقدمة ، ومكاتبته الأخرى : « هل يصلي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب (ع) : لا تحل الصلاة في الحرير المحض ، وإن كان الوبر ذكياً حلت الصلاة فيه إن شاء الله تعالى » (٣).

وما قيل من احتمال إرادة الثوب من الحرير إن لم نقل بأنه المنساق منه ـ كما عن المختلف والشهيد الاعتراف به ـ بل قيل : إن الحرير المحض‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب لباس المصلي حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

٣٦٣

______________________________________________________

لغة هو الثوب المتخذ من الإبريسم ، وعليه يكون الجواب عن السؤال متروكاً ، ولعل ذلك لإشعار الحكم بالصحة فيه بالبطلان في غيره ، وهو مخالف للتقية ، لصحة الصلاة عندهم وإن حرم اللبس ، من غير فرق بين ما تتم الصلاة فيه وغيره. فعدل الامام (ع) الى بيان حرمة الصلاة المسلمة عندهم وإن اقتضى ذلك الفساد عندنا دونهم ، بل في التعبير بنفي الحل دون نفي الصحة إيماء الى ذلك ( كما ترى ) إذ الاحتمال مخالف للظاهر بلا قرينة. وكونه المنساق ممنوع. وما قيل من معناه لغة مخالف لوصف القلنسوة والتكة فيهما بالحرير المحض ، لا أقل من وجوب الحمل على الجنس الشامل لما يصنع منه الثوب وغيره ، بقرينة كونه جواباً عن القلنسوة والتكة واحتمال كون الجواب متروكاً لا يؤبه به. وإشعار الحكم بالصحة فيه بالبطلان في غيره وهو مخالف للتقية ليس بأقوى من ظهور قوله (ع) : « لا تحل الصلاة في حرير محض » في حرمة نفس الصلاة زائداً على اللباس ، والذي يظهر أنهم يخصون الحرمة باللباس فتأمل. مع أن الظاهر من التحريم في المقام الإرشاد إلى المانعية الذي لا يفرق فيه بين أهل المذاهب. وحمل الحل على حل اللبس غير ظاهر. ومثله حمل نفي الحل على نفي الإباحة المصطلحة فيكون أعم من الكراهة ، فإنه بعيد جداً.

وعن الشيخ والحلي والفاضلين والشهيدين والكركي وغيرهم : الجواز. ونسب إلى الأشهر ، وإلى المتأخرين ، والى أجلاء الأصحاب ، لخبر الحلبي : « كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم والقلنسوة ، والخف ، والزنار يكون في السراويل ويصلى فيه » (١) فيقيد به إطلاق الصحيحين. ودعوى أنه من قبيل تخصيص المورد وهو مستهجن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

٣٦٤

______________________________________________________

ممنوعة ، فإن الاستهجان إنما يسلم لو كان بحيث لو ضم هذا المقيد الى المطلق لكان الكلام متدافعاً ، ولو قيل : ( لا تحل الصلاة في حرير محض إلا في القلنسوة ونحوها ) لم يكن كذلك ، فالتقييد هو مقتضى الجمع العرفي.

وضعف سند الخبر بأحمد بن هلال العبرتائي المذموم الملعون ـ كما عن الكشي ـ الغالي المتهم في دينه ـ كما عن الفهرست ـ الذي رجع عن التشيع الى النصب ـ كما عن سعد بن عبد الله الأشعري ـ الذي لا نعمل على ما يختص بروايته ـ كما عن التهذيب ـ أو روايته غير مقبولة ـ كما عن الخلاصة ـ ( مدفوع ) ـ كما في الجواهر ـ بما عن الخلاصة من أن ابن الغضائري لم يتوقف في حديثه عن ابن أبي عمير والحسن بن محبوب لأنه قد سمع كتابيهما جل أصحاب الحديث واعتمدوه فيهما ، وبأن التأمل في كلام الأصحاب هنا حتى بعض المانعين يرشد الى عدم الإشكال في حجيته ضرورة كونهم بين عامل به ، وبين متوقف متردد من جهته ، وبين مرجح لغيره ، والجميع فرع الحجية.

اللهم إلا أن يقال : إن ما ذكره ابن الغضائري يختص بما رواه عن نوادر ابن أبي عمير ومشيخة ابن محبوب ، ولا يعم كل ما رواه عنهما ، وأن المتردد من الأصحاب لم يثبت أن تردده من جهة بنائه على حجيته ، بل البناء المذكور يمنع من التردد ، إذ اللازم تخصيص الصحيحين به ، بل المناسب للتردد هو التردد في حجيته وكذا المانع ، فان الظاهر منه عدم الاعتداد به لا ترجيح الصحيحين عليه ، إذ ليس المقام مقام الترجيح.

وبالجملة : ما أرشد إليه بعض الأصحاب غير ظاهر.

نعم يمكن البناء على حجية الخبر المذكور أولا : بما عن النجاشي ـ في ترجمة أحمد بن هلال المذكور ـ من أنه صالح الرواية يعرف منها‌

٣٦٥

______________________________________________________

وينكر. انتهى. فان الظاهر من كونه صالح الرواية جواز الاعتماد على روايته ، وأنه ثقة في نفسه. ولا ينافيه الطعن فيه بما سبق ، إذ يكون حاله حال جماعة من العامة ، والفطحية ، والواقفية وغيرهم من المخالفين للفرقة المحقة مع بناء الأصحاب على العمل برواياتهم. وثانياً : بأن الذي يظهر مما ذكر في ترجمته أنه كان في أول أمره مستقيماً ، بل كان من أعيان هذه الطائفة ووجوهها وثقاتها ، حتى أن أصحابنا بالعراق لقوه وكتبوا عنه ولم يقبلوا ما ورد في ذمه ، حتى حملوا القاسم بن العلاء على أن يراجع في أمره مرة بعد أخرى ، فوردت فيه ذموم هائلة طاحنة شديدة. وكان ذلك في أواخر عمرة حتى بتر الله سبحانه عمره بدعوة الحجة عجل الله تعالى فرجه ، بل المصرح به فيما روي عن أبي همام أن ذلك كان بعد وفاة عثمان بن سعيد (ره) ، ومن البعيد جداً أن يرجع إليه أحد من الشيعة بعد ورود تلك الذموم ، ولا سيما الراوي عنه الحديث المذكور ـ أعني : موسى بن الحسن الأشعري ـ الذي قيل في ترجمته : إنه ثقة عين جليل ، وأن الراوي عن موسى المذكور سعد بن عبد الله الأشعري الذي هو أحد الطاعنين فيه كما تقدم كلامه ، فذلك كله قرينة على كون رواية موسى عنه كانت في حال الاستقامة ، نظير ما عن إكمال الدين : « حدثنا يعقوب بن يزيد ، عن أحمد بن هلال في حال استقامته ، عن ابن أبي عمير ». على أن المذكور في ترجمته لا يخلو من تدافع ، فان المحكي عن النجاشي : أن الذموم وردت عن العسكري (ع) ، وعن الكشي : أنها من الناحية المقدسة ، وعن كتاب الغيبة : أن ذلك كان بعد وفاة عثمان ابن سعيد. وقد تقدم رميه بالغلو تارة ، وبالنصب أخرى ، ورمي بالرجوع عن الإمامة إلى القول بالوقف على أبي جعفر (ع). ومستند الأخير ما عن‌

٣٦٦

بل يحرم لبسه في غير حال الصلاة أيضاً [١]

______________________________________________________

كتاب الغيبة من التوقف في وكالة أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (ره) ، وهو أجنبي عن النسبة المذكورة ، وكأن منشأ الاشتباه تكنية محمد بن عثمان بأبي جعفر. فلاحظ.

هذا وقد خرجنا عن وضع الكتاب هنا مع أنا لم نؤد المسألة حقها من الفحص ، حيث لم يحضرنا تمام كلمات المجوزين تفصيلا ، لنعرف أنهم اعتمدوا على الخبر المذكور ، وكيف كان اعتمادهم عليه؟ نعم في المعتبر قال : « وفي التكة والقلنسوة من الحرير تردد أظهره الجواز. إلى أن قال : وجه الجواز ما رواه الحلبي » وذكر الرواية المذكورة. وقريب منه ما في الذكرى. وفي جامع المقاصد قال : « فيه ـ أي فيما لا تتم به الصلاة ـ قولان : أقربهما الكراهة ، لرواية الحلبي » ثمَّ ذكر الرواية ، ثمَّ قال : « الثاني : العدم لمكاتبة محمد بن عبد الجبار السالفة ، وحملها على الكراهة وجه جمع بين الأخبار ». والذي يظهر من نقل وجه القول بالجواز اعتماد القائلين به على الرواية المذكورة ، وعليه فلا بأس بالاعتماد عليها في المقام ، وإن كان لا يخلو من شبهة وإشكال ، والله سبحانه أعلم.

ثمَّ إنه لا ينبغي التأمل في عدم الفرق بين أفراد ما لا تتم به الصلاة سواء أقيل بالمنع أم الجواز ، لإطلاق الصحيحين وعموم خبر الحلبي ، فما عن بعض من الاقتصار على ذكر التكة والقلنسوة ، وآخر من زيادة الجورب والنعلين والخفين لعله من باب التمثيل ، وإلا فلا وجه له.

[١] إجماعا كما عن جماعة ، بل عن كثير دعوى إجماع علماء الإسلام عليه بل قيل : إنه من ضروريات الدين. ويشهد له جملة من النصوص ، كمرسل ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال : « لا يلبس‌

٣٦٧

إلا مع الضرورة [١] لبرد أو مرض ، وفي حال الحرب [٢] وحينئذ تجوز الصلاة فيه أيضاً [٣] ،

______________________________________________________

الرجل الحرير والديباج إلا في حال الحرب » (١). ونحوه في المنع غيره.

[١] إجماعاً حكي عن جماعة كثيرة. ويقتضيه قولهم (ع) : « ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر » (٢) ، وقولهم (ع) : « وليس شي‌ء مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر اليه » (٣) ، وحديث رفع التسعة المشهور ومنها الاضطرار (٤). ولو أريد من الاضطرار ما ترتفع به القدرة عقلا كفى حكم العقل بقبح التكليف. كما هو ظاهر.

[٢] إجماعاً كما عن جماعة كثيرة أيضاً ، ويشهد له مرسل ابن بكير المتقدم ، وموثق سماعة : « عن لباس الحرير والديباج. فقال (ع) : أما في الحرب فلا بأس به وإن كان فيه تماثيل » (٥). ونحوهما غيرهما.

[٣] أما في الضرورة : فالظاهر أنه لا إشكال فيه ، لأن الصلاة لا تسقط حينئذ قطعاً ، وسيأتي التعرض له في المسألة الثامنة والثلاثين. وأما في حال الحرب : فهو المعروف ، بل حكي الإجماع على عدم الفصل بين الجوازين. ودليله غير ظاهر ، إذ النصوص المتضمنة لاستثناء الحرب ظاهرة في الحكم التكليفي. ( وما في الجواهر ) من عمومها للوضعي المقدم على عموم المانعية ـ وإن كان بينهما العموم من وجه ـ بفهم الأصحاب ، ومناسبة التخفيف. ( في غير محله ) ، فالبناء على نفي المانعية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب قضاء الصلوات حديث : ١٣.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ٦ و ٧.

(٤) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ١ و ٣.

(٥) الوسائل باب : ١٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ٣.

٣٦٨

وإن كان الأحوط أن يجعل ساتره من غير الحرير [١]. ولا بأس به للنساء [٢] ،

______________________________________________________

حينئذ إما لدعوى عدم الفصل ، أو لدعوى انصراف نصوصها الى غير حال الحرب ، أو خصوص المحرم من اللبس ولا عموم فيها للمحلل منه. والأولان ـ ولا سيما الثاني ـ لا يخلوان من إشكال ، والأخير لا يخلو من وجه ، ولا سيما مع اعتضاده بدعوى كون نصوص الرخصة وإن اقتضت بمدلولها اللفظي رفع التكليف ، لكن بإطلاقها المقامي ـ حيث لم تتعرض لوجوب النزع حال الصلاة مع أنه مما يغفل عنه ـ قد دلت على رفع المانعية أيضاً. فتأمل.

[١] لاحتمال كون أدلة التحريم مقيدة لإطلاق أدلة وجوب الساتر ، وأدلة الرخصة لا إطلاق فيها يشمله. لكنه ضعيف ، لاتحاد اللسان في المقامين. نعم ربما يتوهم من بعض تعليلات الرخصة الاختصاص بما كان بطانة للدرع ليدفع ضرر زره عند الحركة ، لكنه تخرص مخالف لإطلاق الأدلة.

[٢] إجماعاً كما عن جماعة ، بل بإجماع أهل العلم كافة كما عن المعتبر والمنتهى والتحرير وجامع المقاصد. ويشهد له غير واحد من النصوص ، كخبر ليث : « قال أبو عبد الله (ع) : إن رسول الله (ص) كسا أسامة ابن زيد حلة حرير فخرج فيها ، فقال (ص) : مهلا يا أسامة إنما يلبسها من لا خلاق له فاقسمها بين نسائك » (١) ، وخبر جابر الجعفي عن أبي جعفر (ع) ـ في حديث ـ : « ويجوز للمرأة لبس الديباج والحرير في غير صلاة وإحرام » (٢) ، وخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب لباس المصلي حديث : ٦.

٣٦٩

بل تجوز صلاتهن فيه أيضاً على الأقوى [١].

______________________________________________________

جعفر (ع) قال : « سألته عن الديباج هل يصلح لبسه للنساء؟ قال (ع) : لا بأس » (١). ونحوها غيرها.

[١] كما نسب إلى الأكثر ، والى المشهور ، وإلى فتوى الأصحاب ، وإلى عمل الناس في الأعصار والأمصار. وعن الفقيه : المنع. وعن مجمع البرهان : أنه أولى. وعن البهائي في الحبل المتين : أنه أوجه. وعن جماعة : التوقف.

واستدل للمنع بإطلاق أدلة المانعية الشامل للنساء ، مثل : « لا تحل الصلاة في حرير محض » في صحيحي ابن عبد الجبار المتقدمين (٢) ، وذكر القلنسوة التي هي من لباس الرجل في السؤال لا يوجب اختصاص الجواب به. ومثل التوقيع : « لا تجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان » (٣) ، وخصوص خبر جابر المتقدم (٤) ، وخبر زرارة : « سمعت أبا جعفر (ع) ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز أو كتان أو قطن ، وإنما يكره الحرير المحض للرجال والنساء » (٥) ، وما دل على أنه لا يجوز للمرأة الإحرام في الحرير (٦). بضميمة ما دل من النص والفتوى على أن ما تجوز الصلاة فيه يجوز الإحرام فيه (٧). بل وبما دل على أنه لا تجوز في الحرير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب لباس المصلي حديث : ٩.

(٢) تقدما في أوائل البحث عن حرمة الحرير للرجال.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ٨.

(٤) تقدم في التعليقة السابقة.

(٥) الوسائل باب : ١٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ٥.

(٦) يدل على ذلك مرسل ابن بكير الآتي في أواخر هذه التعليقة.

(٧) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الإحرام حديث : ١.

٣٧٠

______________________________________________________

للرجال ، بضميمة ما دل على قاعدة الاشتراك.

ويمكن الإشكال في الجميع : أما في الأخير : فلأن العمدة في قاعدة الاشتراك الإجماع ، وفهم عدم الخصوصية للرجل حين ما يؤخذ موضوعاً للأحكام ، والإجماع في المقام منتف. وفهم عدم الخصوصية بعد عدم مساواة الرجل والمرأة في جواز لبس الحرير تكليفاً غير حاصل ، بل قد عرفت أن مناسبة الحكم والموضوع ربما تساعد على فهم الاختصاص بالرجل وأن المانعية من جهة الحرمة النفسية وهي مفقودة في المرأة. وأما فيما قبله : فيتوقف أولا على المنع من لبسها الحرير في الإحرام ، وهو محل إشكال أو منع ربما يأتي في محله إن شاء الله تعالى. وثانياً على أن القضية حجة في عكس نقيضها ـ أعني : كل ما لا يجوز الإحرام فيه لا تجوز الصلاة فيه ـ وهو غير ظاهر كما حرر في محله في الأصول. وأما فيما قبله : فظاهره المنع عن اللبس تكليفاً ، وحمله على المانعية عن الصلاة من المأول الذي ليس بحجة ، لجواز حمله على المرجوحية للبس تكليفاً ، وإن كان للرجال على نحو التحريم وللنساء على نحو الكراهة. وأما خبر جابر : فضعيف السند وأما إطلاق أدلة المانعية : فقد يجاب عنه بمعارضته بإطلاق ما دل على جواز لبسهن للحرير الشامل للصلاة بالعموم من وجه ، والترجيح له بفهم الأصحاب ولو فرض التساوي فالحكم التساقط والرجوع الى أصالة عدم المانعية. وفيه : أن إطلاق جواز اللبس إنما يتعرض لحكم اللبس تكليفاً ـ كما أشرنا إليه سابقاً ـ فشموله لحال الصلاة لا ينافي المانعية ، نظير إطلاق ما دل على جواز لبس المذكى مما لا يؤكل لحمه.

فالعمدة حينئذ في رفع اليد عن الإطلاق الدال على المانعية هو التمسك بمرسل ابن بكير عن أبي عبد الله (ع) : « النساء تلبس الحرير والديباج‌

٣٧١

بل وكذا الخنثى المشكل [١].

______________________________________________________

إلا في الإحرام » (١) ، فإن استثناء الإحرام قرينة على إرادة الأعم من التكليف والوضع في المستثنى منه ، ولا يقدح إرساله ، لانجباره بالعمل ، ولأن المرسل من أصحاب الإجماع ، وفي السند أحمد بن محمد الظاهر في ابن عيسى الأشعري. فتأمل. ولعله مثله موثق سماعة : « لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة ، فأما في الحر والبرد فلا بأس » (٢) ، فإنه لا يبعد أن يراد ما عدا حال الإحرام من سائر الأحوال. وبينها وبين إطلاق أدلة المانعية وإن كان هو العموم من وجه ، لكنهما مرجحان عليهما بقرينة مناسبة الحكم والموضوع ، وبما ربما قيل من الإطلاق المقامي لأدلة جواز اللبس المشار إليها آنفاً ، ولا سيما بملاحظة ما ورد في بعض النصوص من السؤال عن خصوص الرجال. إذ الظاهر أنه لوضوح حكم النساء ، ووضوح المانعية بعيد جداً ، فيتعين وضوح عدمها. مع أنه لو بني على التساقط فالمرجع أصالة عدم المانعية كما عرفت. وبالجملة : التأمل في نصوص الباب يشرف بالفقيه على القطع بالجواز. فتأمل جيداً.

[١] يعني : يجوز لبسها للحرير ، وتصح صلاتها فيه ، كما اختاره في الجواهر ، معللا للأول بأصالة براءة الذمة ، وللثاني بصدق الامتثال وعدم العلم بالفساد. وعن التذكرة : المنع تغليباً لجانب الحرمة. وفي المستند : جواز اللبس ، لاختصاص المنع بالرجال إجماعاً نصاً وفتوى ، ولا تصح صلاته فيه ، لإطلاقات المنع خرجت النساء فيبقى الباقي.

أقول : لأجل أن المستفاد من الكتاب والسنة أن الخنثى ليست قسماً‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب لباس المصلي حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

٣٧٢

وكذا لا بأس بالممتزج بغيره [١]

______________________________________________________

برأسه ، بل هو إما ذكر أو أنثى ، فاما مكلّف بأحكام الرجال أو بأحكام النساء ، وهذا العلم الإجمالي يقتضي الاحتياط بفعل كل ما يحتمل وجوبه على الرجال أو النساء ، ولا وجه للرجوع إلى أصالة البراءة ، أو صدق الامتثال أو تغليب الحرمة على الحل ، مع أن الأخيرين لا أصل لهما. وأما ما ذكره في المستند من اختصاص المنع بالرجال : فلا يجدي في الجواز ، لاحتمال كونه رجلا. كما أن إطلاق المنع عن الصلاة فيه لا يجدي في المنع مع احتمال كونه من النساء المعلوم خروجهن ، فلا بد مع ذلك من الرجوع إلى الأصل وقد عرفت أن المورد من موارد العلم الإجمالي بالتكليف التي لا يرجع فيها إلى الأصول النافية كما حرر في محله. وكأن كلامهم في المقام مبني على ملاحظة التكليف بالحرير تكليفاً أو وضعاً مع الغض عن العلم الإجمالي الحاصل من ملاحظة التكليف بغيره ، لكن إطلاق الفتوى في المتن يمتنع حمله على ذلك ، للابتلاء غالباً بالعلم الإجمالي ، لا أقل من العلم إما بوجوب ستر الجسد أو بوجوب الاجتناب عن الحرير ، ولذا قال في الذكرى : « يحرم على الخنثى لبسه أخذاً بالاحتياط ».

[١] إجماعاً في الجملة حكاه جماعة كثيرة. ويشهد له جملة من النصوص كصحيح البزنطي : « سأل الحسين بن قياما أبا الحسن (ع) عن الثوب الملحم بالقز والقطن والقز أكثر من النصف أيصلى فيه؟ قال (ع) : لا بأس ، قد كان لأبي الحسن (ع) منه جبات » (١) ، وخبر إسماعيل ابن الفضل عن أبي عبد الله (ع) : « في الثوب يكون فيه الحرير. فقال (ع) : إن كان فيه خلط فلا بأس » (٢). ونحوهما غيرهما.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

٣٧٣

من قطن أو غيره [١] مما يخرجه عن صدق الخلوص والمحوضة.

______________________________________________________

وإطلاق بعضها يقتضي الجواز بمطلق الممتزج وبما لم يكن حريراً محضاً ولو كان الخليط أقل من العشر. وربما يتوهم من كلام المعتبر حيث قال : « ولو كان عشراً » اعتبار أن لا يكون الخليط أقل من العشر. لكنه ضعيف مخالف لإطلاق الأدلة ، مع أن ظاهره كون المراد عدم الاستهلاك.

[١] يعني مطلق ما تجوز الصلاة فيه ، من دون فرق بين القطن ، والكتان ، والخز ، والصوف ، والوبر مما يؤكل لحمه ، وغيرها مما تجوز الصلاة فيه. وعن المعتبر والتذكرة : نسبته إلى علمائنا. وهو الذي يقتضيه خبر إسماعيل بن الفضل المتقدم ، والاقتصار في المنع على الحرير المحض ، لانتفاء المحوضة بالخلط في جميع ذلك.

نعم ربما يوهم الاختصاص بالقطن والكتان خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « قال : لا بأس بلباس القز إذا كان سداه أو لحمته من قطن أو كتان » (١) ، والتوقيع الشريف عن صاحب الزمان (ع) ـ في حديث ـ : « لا تجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان » (٢). أو الاختصاص بهما مع الخز خبر زرارة الآخر : « سمعت أبا جعفر (ع) ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز أو كتان أو قطن » (٣).

لكنه محمول ـ كما في الجواهر وغيرها ـ على إرادة المثال ، لغلبة الخلط بها ، كما يشير اليه ـ مضافاً إلى اختلافها في نفسها ـ ما في ذيل خبر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ٥.

٣٧٤

وكذا لا بأس بالكف به [١]

______________________________________________________

زرارة الأخير من قول أبي جعفر (ع) : « وإنما يكره الحرير المحض للرجال والنساء ». ونحوه ذيل خبر يوسف بن إبراهيم (١). وعلى هذا يحمل اختلاف كلماتهم في التعميم والتخصيص ، فعن بعضها : الاقتصار على القطن والكتان ، كالمقنع والمراسم والنهاية والخلاف وغيرها. وعن المقنعة والمبسوط : إضافة الخز إليهما. وعن آخرين : زيادة الصوف بدله وفي الجواهر : « لا ريب في إرادة المثال بشهادة ظهور دعوى الإجماع من المعتبر والتذكرة على التعميم. مع أن هذه الاقتصارات بمرأى منهم ومسمع » وما ذكره (ره) في محله كما يقتضيه أيضاً ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ عدم تحرير الخلاف ، وعدم الاستدلال لكل من الأقوال ، ولو كان بينهم خلاف لم يكن وجه لإهمالهم ذلك كما لا يخفى.

[١] كما نسب إلى الأكثر ، والأشهر ، والمشهور ، وفتوى الأصحاب. ومذهب الأصحاب ، وفي المدارك : « هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ». بل قيل : لا خلاف فيه إلا من القاضي ، فقد حكي عنه أنه نص على بطلان الصلاة في المدبج بالديباج والحرير المحض. ولعل مراده غير ما نحن فيه.

وكيف كان فقد حكي المنع أيضاً عن السيد في بعض رسائله ، والميل اليه عن الأردبيلي وكاشف اللثام ، والتردد فيه عن المدارك والكفاية والمفاتيح ويمكن أن يستدل له بإطلاق ما دل على المنع من لبس الحرير والصلاة فيه (٢). وبموثق عمار عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ : « عن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢ وغيره مما تقدم في البحث عن مانعية الحرير.

٣٧٥

______________________________________________________

الثوب يكون عَلَمه ديباج قال (ع) : لا يصلى فيه » (١) ، وخبر جراح المدائني عنه (ع) : « أنه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج ويكره لباس الحرير ولباس الوشي » (٢).

وفيه : أن عموم المنع من لبس الحرير لا يراد منه ـ بقرينة اتفاق النص والفتوى على جواز لبس المخلوط بغيره ـ إلا المنع عن لبس الموضوعات التي تلبس استقلالا إذا كانت حريراً محضاً ، مثل الثوب والقبا والسروال ونحو ذلك. إذ لا يمكن دعوى أن المراد من النهي عن لبس الحرير مطلق اللبس ، ويكون خروج السدا أو اللحمة إذا كان الآخر منهما غير حرير عنه من باب التخصيص ، فان ذلك مما لا يساعده المتفاهم العرفي في مقام الجمع بين الأدلة ، فلبس الثوب من القطن المكفوف بالحرير ليس لبساً لثوب حرير. نعم بالإضافة إلى الكف يصدق لبس الحرير ، لكن عرفت أن المراد من عموم المنع ما لا يشمل مثل ذلك ، وليس الكف إلا كالسدا أو اللحمة ، فالمرجع فيه أصل البراءة.

وأولى بالإشكال المذكور عموم المنع من الصلاة فيه ، إذ قد عرفت انحصاره بما في مكاتبة محمد بن عبد الجبار من قوله (ع) : « لا تحل الصلاة في حرير محض » (٣). وجه الاشكال : أن التوصيف بالمحض مانع من شموله لما نحن فيه ، فان انتفاء المحوضة كما يكون بالخلط بمثل السدا واللحمة يكون أيضاً باشتمال الثوب على القطع من الحرير ومن غيره ، إذ لا يكون مثل ذلك الثوب حريراً محضاً. مضافاً إلى خبر الحلبي المتقدم فيما لا تتم فيه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب لباس المصلي حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب لباس المصلي حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

٣٧٦

______________________________________________________

الصلاة‌. لكنه يختص بالكف بالمقدار الذي لا تتم الصلاة فيه وحده كما هو الغالب ، واحتمال التفكيك بين المستقل باللبس والتابع بعيد جداً ، فإن الثاني أولى بعدم المانعية ، مع أنه خلاف العموم المذكور في الخبر. ومضافاً أيضاً إلى خبر يوسف بن إبراهيم : « لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزره وعلمه حريراً ، وإنما كره الحرير المبهم للرجال » (١) ، فإن إطلاق نفي البأس فيه يشمل الصلاة وغيرها. مع أنه لو فرض اختصاصه بغيرها فقد عرفت أن مناسبة الحكم والموضوع تمنع من عموم المانعية لما لا يحرم لبسه. ومثله خبره الآخر : « لا يكره أن يكون سدا الثوب إبريسم ولا زره ولا علمه ، إنما يكره المصمت من الإبريسم للرجال ولا يكره للنساء » (٢) فان ذيلهما دال على عدم مانعية الحرير إذا كان جزءاً. والمناقشة في سندهما بجهالة يوسف بن إبراهيم ضعيفة ، لأن الراوي عنه الأول صفوان ، بل والثاني أيضاً بتوسط العيص بن القاسم ، وصفوان أحد الأعلام من أصحاب الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم. مضافاً إلى اختصاصه مع ابن أبي عمير والحسن بن محبوب بالنص عليهم بأنهم لا يروون إلا عن ثقة فلا مجال لذلك التشكيك في حجيتهما بعد كون المظنون اعتماد الأصحاب عليهما في المقام في الحكم بالجواز.

وأما موثق عمار ، فكفى موهناً له إعراض المشهور عن ظاهره ، بل قيل : إنه خلاف اتفاقهم على جواز كون علم الثوب حريراً. مضافاً إلى أنه ظاهر في المنع ، فيمكن حمله على الكراهة بقرينة ما سبق ، والجمع بينهما بالمنع في خصوص الصلاة موجب للتفكيك بين الصلاة ومطلق اللبس وهو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

٣٧٧

وإن زاد على أربع أصابع [١] ، وإن كان الأحوط ترك ما زاد عليها. ولا بأس بالمحمول منه [٢] أيضاً وإن كان مما تتم فيه الصلاة.

______________________________________________________

بعيد جداً عن لسان المنع في الصلاة ، لما أشرنا إليه من ظهوره في خصوص ما يحرم لبسه. وأما خبر جراح المدائني : فالكراهة فيه غير ظاهرة في المنع بل ادعي ظهورها في الجواز حتى جعل الخبر دليلا عليه فيما حكي عن المعتبر والتذكرة وغيرهما. فالقول بالجواز أقوى ،

[١] كما صرح به غير واحد ، ويقتضيه ظاهر ما عن الأكثر من خلو كلامهم عن التقييد بالأربع ، ولم نقف له على مستند في أخبارنا كما عن الروض وغيره. نعم روى العامة عن عمر : « أن النبي (ص) نهى عن الحرير إلا في موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع » (١). والاعتماد عليها مع عدم ظهور الجابر لها غير ظاهر. وفتوى الجماعة بالمنع عن الزائد لا تصلح للجابرية ، لتعليل بعضهم له بالاقتصار على القدر المتيقن في الخروج عن دليل المنع ، لا بالاعتماد على الرواية ، والتعليل أيضاً كما ترى. نعم الأحوط الاقتصار عليها ولو بني على خلافه. فالأحوط الاقتصار على ما لا تتم به الصلاة. فلاحظ.

[٢] بلا خلاف ظاهر ، بل جواز حمله في غير الصلاة ينبغي عده من القطعيات. نعم عن بعض : أنه بنى جواز حمله في الصلاة على جواز حمل ما لا يؤكل لحمه فيها ، لأن الحرير معدود من فضلات ما لا يؤكل لحمه. وفيه : أن المنع على تقديره مختص بما له لحم ، فلا يشمل مثل دود القز‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٨ حديث : ١١٥٧. وسنن البيهقي ج : ٢ ص ٤٢٣ ويروي مثله في مستدرك الوسائل باب ١٥ من أبواب لباس المصلي حديث : ١ فراجع.

٣٧٨

( مسألة ٢٦ ) : لا بأس بغير الملبوس من الحرير كالافتراش [١] ، والركوب عليه ، والتدثر به [٢] ،

______________________________________________________

والإبريسم ، ولو سلم فالنصوص الدالة على جواز لبس الحرير الممزوج بغيره ونحوه دالة على استثنائه.

[١] كما هو المشهور ، وفي المدارك : أنه المعروف من مذهب الأصحاب ، للأصل بعد عدم الدليل على حرمته ، إذ أدلة المنع مختصة باللبس صريحاً أو ظاهراً كما اعترف به غير واحد ، وإطلاق بعض النصوص منزل عليه للانصراف اليه. مضافاً إلى صحيح علي بن جعفر (ع) قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن الفراش الحرير ، ومثله من الديباج ، والمصلى الحرير ومثله من الديباج هل يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة؟ قال (ع) : يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه » (١). وفي خبر مسمع : « لا بأس أن يؤخذ من ديباج الكعبة فيجعله غلاف مصحف أو يجعله مصلى يصلي عليه » (٢) فما عن المبسوط من المنع من فرشه والتدثر به والاتكاء وأسباله ستراً ضعيف ، ومن ذلك تعرف جواز الركوب عليه.

[٢] فعن غير واحد ـ منهم جامع المقاصد والمسالك ـ جوازه ، وعن مجمع البرهان : « إن كان عموم يدل على تحريم اللبس حرم التدثر به والالتحاف ». وفي المدارك : « وفي حكم الافتراش التوسد عليه والالتحاف به. أما التدثر : فالأظهر تحريمه ، لصدق اسم اللبس عليه ». وفي حاشيتها : « هذا لا يخلو من تأمل ولذا حكم جده بأنه مثل الافتراش. فتأمل ». ومنشأ الخلاف اختلافهم في صدق اللبس وعدمه ، وفي الجواهر : « الظاهر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

٣٧٩

ونحو ذلك في حال الصلاة وغيرها ، ولا بزرّ الثياب وأعلامها [١] والسفائف والقياطين الموضوعة عليها وإن تعددت وكثرت.

( مسألة ٢٧ ) : لا يجوز جعل البطانة من الحرير [٢] للقميص وغيره وإن كان إلى نصفه. وكذا لا يجوز لبس الثوب الذي أحد نصفيه حرير. وكذا إذا كان طرف العمامة منه إذا كان زائداً على مقدار الكف [٣] ،

______________________________________________________

عدم صدقه على الالتحاف والتدثر ». وهو في محله إن أريد منه التغطي بالدثار واللحاف حال الاضطجاع ، ولو أريد سائر الأحوال من جلوس وقيام ومشي فالظاهر صدق اللبس. ولعل المراد مما في المتن الأول.

[١] بلا خلاف ظاهر عدا ما عن الكاتب من المنع من كون علم الثوب حريراً ، وخلافه غير معتد به وإن كان يطابقه موثق عمار المتقدم (١) لكن عرفت أنه لا مجال للعمل به بعد إعراض المشهور عنه ، على أنه معارض بخبر يوسف بن إبراهيم المتقدم ، فيتعين حمله على الكراهة ، فإنه أولى من تقييد خبر يوسف بغير الصلاة. فلاحظ.

[٢] كما نص عليه في الجواهر معللا له بأنها ملبوسة كالظهارة. وقد عرفت أن المستفاد من العمومات حرمة ما يكون ملبوساً مستقلا إذا كان حريراً ، وحلية ما يكون ملبوساً تبعاً أو بعض الملبوس. نعم قد يشكل الحكم في الثوب الذي يكون نصفه الأعلى قطناً والأسفل حريراً ، وقد صرح في الجواهر بالمنع عنه ، لكن الحل أظهر ، إذ لا يصدق على النصف الأسفل إنه ملبوس تام.

[٣] يعني : كفة الثوب ، وهذا التقييد غير ظاهر ، إذ ليس جواز‌

__________________

(١) تقدم ذكره في البحث عن الكف بالحرير في المسألة السابقة.

٣٨٠