مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

وكذا السنجاب [١]

______________________________________________________

« والوجه ترجيح الروايتين الأولتين وإن كانتا مقطوعتين ، لاشتهار العمل بهما بين الأصحاب ودعوى أكثرهم الإجماع على العمل بمضمونهما ». ونحوه ما عن المنتهى. والمراد بالروايتين الأولتين مرفوعا أحمد بن محمد وأيوب بن نوح ، فالأول : ما رواه الكليني (ره) عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد رفعه عن أبي عبد الله (ع) : « الصلاة في الخز الخالص لا بأس به ، فأما الذي يخلط فيه وبر الأرانب وغير ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه » (١) ومثله مرفوع أيوب بن نوح (٢). نعم في خبر داود الصرمي : « أنه سأل رجل أبا الحسن الثالث (ع) عن الصلاة في الخز يغش بوبر الأرانب فكتب : يجوز ذلك » (٣). ورواه الشيخ أيضاً عن داود الصرمي عن بشر بن بشار قال : « سألته .. » (٤) الحديث بلفظه. وكذا رواه الصدوق. ولكنه لا يصلح لمعارضة الخبرين المعتضدين بعمومات المنع ، لضعفه ، ودعوى الإجماع على خلافه. هذا ولم يعرف القول بالجواز إلا عن الصدوق (ره) في الفقيه فإنه ـ بعد أن أورد الرواية المذكورة ـ قال : « وهذه الرخصة الآخذ بها مأجور ورادها مأثوم. والأصل ما ذكره أبي رحمه‌الله في رسالته إلي : وصلّ في الخز ما لم يكن مغشوشاً بوبر الأرانب » (٥).

[١] يعني : تجوز الصلاة فيه وإن لم يكن من مأكول اللحم. وعن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب لباس المصلي ملحق الحديث الأول.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب لباس المصلي ملحق الحديث الثاني.

(٤) الوسائل باب : ٩ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٥) الفقيه ج ١ ص ١٧١ طبع النجف الحديث.

٣٢١

______________________________________________________

جامع المقاصد : عليه جمع من كبراء الأصحاب. ونسب إلى الأكثر ـ ولا سيما بين المتأخرين ـ تارة ، والى المشهور أخرى ، والى عامتهم ثالثة ، بل عن أمالي الصدوق : « إن من دين الإمامية الرخصة فيه وفي الفنك والسمور ، والأولى الترك » ، وفي الذكرى عن المبسوط : « لا خلاف في جواز الصلاة في السنجاب والحواصل الخوارزمية ». ويشهد له جملة من النصوص كصحيح أبي علي الحسن بن راشد : « قلت لأبي جعفر (ع) ما تقول في الفراء. أي شي‌ء يصلى فيه؟ قال (ع) : أي الفراء؟ قلت : الفنك والسنجاب والسمور. قال (ع) : فصل في الفنك والسنجاب ، وأما السمور فلا تصل فيه » (١) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « أنه سأله عن أشياء منها الفراء والسنجاب. فقال (ع) : لا بأس بالصلاة فيه » (٢) وصحيحه الآخر عنه (ع) : « سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه. قال (ع) : لا بأس بالصلاة فيه » (٣). ونحوها غيرها.

ومع ذلك فقد حكي المنع عن الصدوق في الفقيه ، ووالده في الرسالة والشيخ في الخلاف وأطعمة النهاية ، والحلي في السرائر ، وجماعة من المتأخرين ومتأخريهم ، بل عن الروض : نسبته إلى الأكثر ، وفي الذكرى ، وعن غيرها : نسبته الى ظاهر الأكثر ، لضعف جملة من نصوص الجواز ، واشتمال الصحيح منها على غيره مما لا تجوز الصلاة فيه ، ومعارضتها بموثق ابن بكير المتقدم المخالف للعامة المعتضد بغيره مما دل على عموم المنع عما لا يؤكل لحمه. وفيه : أن اشتمال الصحيح على غير السنجاب لا يقدح في العمل به فيه. ولو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

٣٢٢

وأما السمور ، والقاقم ، والفنك ، والحواصل : فلا يجوز الصلاة في أجزائها [١] على الأقوى‌

______________________________________________________

سلم فصحيح الحلبي الأول لم يذكر فيه معه إلا الفراء الذي هو حمار الوحش وهو مما يؤكل وتجوز الصلاة فيه. وصحيح أبي علي لم يذكر .. فيه إلا الفنك ، ولا مانع من القول بجواز الصلاة فيه ، كما هو مذهب جماعة. والمعارضة بالموثق ممنوعة لا مكان الجمع العرفي. ومجرد ذكره في السؤال لا يقتضي المعارضة ، لا مكان الجمع بين الكلامين بنحو الاستثناء المتصل بلا تدافع ولا تناقض ، كما هو المعيار في عدم المعارضة ، وحينئذ لا تصلح مخالفة العامة للترجيح. وعمومات المنع ـ لو تمت حجيتها في نفسها ـ صالحة للتخصيص. وعليه فالبناء على الجواز فيه أنسب بقواعد العمل بالأدلة وإن كان في النفس منه شي‌ء ، لعدم بناء أكثر القدماء عليه ، وللظن بورود الرخصة فيه مورد التقية كغيره. فلاحظ ، والله سبحانه أعلم.

[١] السمور : كتنور دابة تشبه السنور على ما قيل. وعدم الجواز فيه مشهور ، بل عن المفاتيح : عليه الإجماع ، ويشهد له ـ مضافاً الى عموم موثق ابن بكير ـ صحيح ابن راشد المتقدم (١) ، وخبر بشر بن بشار : « ولا تصل في الثعالب والسمور » (٢). وفي صحيح سعد بن سعد عن الرضا (ع) : « سألته عن جلود السمور. قال (ع) : أي شي‌ء هو ذاك الأدبس؟ فقلت : هو الأسود. فقال (ع) : يصيد؟ فقلت : نعم ، يأخذ الدجاج والحمام. فقال (ع) : لا » (٣) ونحوها غيرها.

__________________

(١) تقدم ذكره في التعليقة السابقة.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

٣٢٣

______________________________________________________

وعن الصدوق في المقنع والأمالي والمجالس : الجواز ، ويشهد له صحيح الحلبي المتقدم (١). وأما صحيح ابن يقطين قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود. قال (ع) : لا بأس بذلك » (٢) فليس دالا على الجواز ، لظهوره في جواز اللبس تكليفاً. ومثله صحيح الريان بن الصلت قال : « سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن لبس فراء السمور والسنجاب والحواصل وما أشبهها .. قال (ع) : لا بأس. بهذا كله إلا بالثعالب » (٣). ( اللهم ) إلا أن يكون بقرينة الاستثناء. نعم في خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر قال : « سألته عن لبس السمور والسنجاب والفنك. فقال (ع) : لا يلبس ولا يصلى فيه إلا أن يكون ذكياً » (٤). إلا أنه لا مجال للعمل بها بعد هجرها عند الأصحاب وإعراضهم عنها مع صحة السند ، ولأجله لا تصلح لمعارضة الموثق ، لسقوطها عن الحجية. وما في المعتبر ـ بعد ذكر صحيحي الحلبي وابن يقطين ـ من قوله : « وطريق هذين الخبرين أقوى من تلك الطرق ولو عمل بها عامل جاز » ضعيف.

والقاقم ـ عن المصباح ـ : « حيوان ببلاد الترك على شكل الفأرة إلا أنه أطول ويأكل الفأرة ». والظاهر أنه لا إشكال في كونه من غير مأكول اللحم ، كما لا إشكال في عدم جواز الصلاة فيه ولم ينسب الى أحد القول بالجواز فيه. نعم عن قرب الاسناد وكتاب المسائل عن علي بن جعفر (ع) : « عن لبس السمور والسنجاب والفنك والقاقم. قال (ع) :

__________________

(١) تقدم ذكره في التعليقة السابقة.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب لباس المصلي حديث : ٦.

٣٢٤

______________________________________________________

لا يلبس ولا يصلى فيه إلا أن يكون ذكياً » (١). إلا أني لم أجد الخبر المذكور في كتاب مسائل الرجال ، والذي حكاه في الوسائل عن قرب الاسناد خال عن ذكر القاقم. مع أنه لا مجال للعمل به بعد الاعراض عنه ومخالفته لعموم المنع. اللهم إلا أن لا يثبت كونه غير مأكول اللحم.

والفنك ـ بفتحتين ـ قيل : نوع من الثعلب الرومي ، وقيل : نوع من جراء الثعلب التركي. وعن بعض : أنه يطلق على فرخ ابن آوى. قيل : جلده يكون أبيض وأشقر وأبلق ، وحيوانه أكبر من السنجاب. نسب المنع فيه الى المشهور ، وعن المفاتيح : الإجماع عليه ، ويشهد له موثق ابن بكير‌. وعن مجالس الصدوق وأماليه : الجواز ، وعن المنتهى : أنه استوجهه. وهو في محله ، للتصريح به في جملة من النصوص ، كصحيحي ابن راشد ويقطين ، وخبر ابن جعفر (ع) المتقدمة‌. وفي مكاتبة يحيى بن أبي عمران الى أبي جعفر الثاني (ع) التصريح بجواز الصلاة فيه وفي السنجاب والخز. وفي خبر الوليد بن أبان : « قلت للرضا (ع) : أصلي في الفنك والسنجاب؟ قال (ع) : نعم » (٢). لو لا أنها مهجورة ساقطة عن مقام الحجية ، كما سبق في السمور ، ووجود المعارض المعتد به هناك ـ غير الموثق ـ وعدمه هنا ، لا يصلح فارقاً بين المقامين.

والحواصل : قيل : طيور كبار لها حواصل عظيمة. وعن صريح النهاية والإصباح والمبسوط والجامع : جواز الصلاة فيها. وكذا عن ظاهر غيرها. بل تقدم عن المبسوط : أنه لا خلاف في جواز الصلاة فيه وفي السنجاب. وكأنه لخبر بشر بن بشار : « صل في السنجاب والحواصل‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ٧.

٣٢٥

( مسألة ١٨ ) : الأقوى جواز الصلاة في المشكوك كونه من المأكول أو من غيره [١] ،

______________________________________________________

الخوارزمية ، ولا تصل في الثعالب ولا السمور » (١) ، ولصحيح الريان المتقدم في السمور‌ (٢) ، ولما‌ في التوقيع المروي عن الخرائج : « وإن لم يكن لك ما تصلي فيه فالحواصل جائز لك أن تصلي فيه » (٣) ، وصحيح ابن الحجاج ـ على نسخة الاستبصار ـ : « عن اللحاف من الثعالب أو الخوارزمية أيصلي فيها أم لا؟ قال (ع) : إن كان ذكياً فلا بأس به » (٤) : لكن الأول ضعيف. والثاني غير ظاهر في الصلاة كما عرفت. والثالث مرسل. مع أن الجواز فيه مشروط بفقد ما يصلي فيه. والرابع نسخة التهذيب (٥) ( فيه الجرز منه ) قيل الجرز ـ بكسر الجيم وتقديم المهملة على المعجمة ـ من لباس النساء ، وكلمة ( منه ) ظرف ضميره راجع الى الثعالب ، ولا مجال للعمل به مع اختلاف النسخ من ناسخ واحد. مع أن في اقترانه بالثعالب نوعاً من التوهين. فلاحظ. وكأنه لذلك كان المشهور المنع اعتماداً على ما دل بإطلاقه على المنع عما لا يؤكل لحمه. اللهم إلا أن يدعى كونها من مأكول اللحم ، كما يقتضيه إطلاق ما دل على حلية ما له حوصلة. فلاحظ.

[١] كما عن جماعة من المتأخرين ، منهم المحقق الأردبيلي ، وتلميذه في المدارك ، والمحقق الخوانساري ، والمحدثان المجلسي والبحراني ، والنراقيان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

(٢) راجع صدر هذه التعليقة.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٧ من أبواب لباس المصلي حديث : ١١ والاستبصار ج ١ ص ٣٨٢ طبع النجف الحديث.

(٥) التهذيب ج ٢ ص ٣٦٧ طبع النجف الحديث.

٣٢٦

______________________________________________________

في المعتمد والمستند ، وهو المشهور بين المعاصرين. خلافاً للمشهور ، بل عن الشافية : نسبته إلى الأصحاب ، وعن المدارك : نسبته الى قطعهم ، وعن الجعفرية وشرحها : « لو جهل من صلى في جلد أو ثوب من شعر حيوان أو كان مستصحباً في صلاته عظم حيوان ولم يعلم كون ذلك الجلد وذلك الشعر والعظم من جنس ما يصلى فيه فقد صرح الأصحاب بوجوب الإعادة مطلقاً ( يعني : أن الحكم بوجوب الإعادة إجماعي للأصحاب ) » وفي الجواهر ـ بعد قول ماتنه في مبحث الخلل : « إذا لم يعلم أنه من جنس ما يصلى فيه وصلى أعاد » ـ قال (ره) : « بلا خلاف معتد به أجده ، بل في المدارك : هذا الحكم مقطوع به بين الأصحاب ».

هذا ، والذي يظهر من كلام الأكثر أن مبنى المنع والجواز هو القول بشرطية مأكولية اللحم في لباس المصلي والقول بمانعية محرمية الأكل فيه. وفي المدارك عن المنتهى أنه قال : « لو شك في كون الصوف أو الشعر أو الوبر من مأكول اللحم لم تجز الصلاة فيه. لأنها مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه والشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط » ، وموضوع كلامه وإن كان هو الساتر ، إلا أن عموم المنع مما لا يؤكل لحمه لما كان عاماً لمطلق اللباس فاذا تأتت استفادة الشرطية منه بالنسبة إلى الساتر جرى الكلام بعينه بالنسبة إلى مطلق اللباس.

فتأمل. وكيف كان فالذي ينبغي هو التعرض في الجملة لما يستفاد من كلام الجماعة في المقام من نقض وإبرام ، فنقول : الكلام يقع في مقامات.

( المقام الأول )

ما هو مفاد النصوص من حيث الشرطية والمانعية ، فنقول : يمكن‌

٣٢٧

______________________________________________________

بدائياً استفادة الشرطية المذكورة من أمور :

( الأول ) : قوله (ع) في موثق ابن بكير المتقدم : « لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله تعالى أكله » (١) ، فإنه ظاهر في إناطة القبول بحلية الأكل ، وليست الشرطية إلا عين الإناطة المذكورة والمراد بالقبول فيه الاجزاء ، بقرينة بقية الفقرات.

( الثاني ) : قوله (ع) في الموثق المذكور : « فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شي‌ء منه جائز » ، فإنه صريح في إناطة الجواز بكونه محلل اللحم كما سبق ، والمراد من الجواز فيه ما هو ملازم للصحة.

( الثالث ) : ما في رواية أبي تمامة : « ألبس منها ما أكل وضمن؟ » (٢).

( الرابع ) : ما في رواية علي بن أبي حمزة : « لا تصل إلا فيما كان منه ذكياً قلت : أو ليس الذكي مما ذكي بالحديد؟ فقال (ع) : بلى إذا كان مما يؤكل لحمه » (٣) ، فان كونه من مأكول اللحم إما داخل في مفهوم الذكاة المقيد بها ما يصلي فيه ، أو يكون قيداً آخر كالذكاة.

( الخامس ) : ما تضمن النهي عن الصلاة في غير المأكول (٤) ، فإن المفهوم منه عرفاً تقييد الصلاة المأخوذة في موضوع الأمر بكونها في مأكول اللحم إذا صلى في حيوان ، كما ادعي ذلك في مثل قوله : « أكرم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ١ وقد تقدم ذكره في أول البحث عن الشرط الرابع من شرائط لباس المصلي.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٤) راجع الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي.

٣٢٨

______________________________________________________

العالم » و « لا تكرم الفاسق » ، حيث قيل : إن المفهوم منه عرفاً كون موضوع وجوب الإكرام العالم العادل.

هذا ويمكن أيضاً استفادة المانعية من أمور :

( منها ) : صدر موثق ابن بكير وهو قوله (ع) : « إن الصلاة في وبر كل شي‌ء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شي‌ء منه فاسد » ، فإنه ظاهر في إناطة الفساد بمحرمية الأكل التي هي عين إناطة العدم بالوجود التي هي من لوازم المانعية ، فإن المانع ما يلزم من وجوده العدم.

( ومنها ) : قوله (ع) : « وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شي‌ء منه فاسد » (١) والاستفادة منها بعين ما سبق.

( ومنها ) : ما في رواية إبراهيم بن محمد الهمداني الواردة فيما يسقط على الثوب من وبر وشعر ما لا يؤكل لحمه. قال (ع) : « لا تجوز الصلاة فيه » (٢) ، فان الظاهر مما لا يؤكل ما يحرم أكله ، فترتب عدم الصلاة على حرمة الأكل من قبيل ترتب عدم الممنوع على وجود المانع. ( ودعوى ) أن ما لا يؤكل هو ما لا يحل لحمه فترتب عدم الصلاة عليه من قبيل ترتب العدم على العدم الذي هو من لوازم شرطية الوجود. ( فيها ) : أن مقتضى تسلط النفي على نفس الأكل كون الأكل ممنوعاً محرماً ، ولذا استفيد التحريم من الجمل المنفية الواردة في مقام الإنشاء مثل : ( لا يقوم ) ( ولا يقعد ) وكما لا يصح الحمل فيها على معنى : لا يحل أن يقوم ، ولا يحل أن يقعد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

٣٢٩

______________________________________________________

لا يصح التقدير هنا أيضاً.

( ومنها ) : خبر حماد بن عمرو وأنس بن محمد : عن أبيه عن جعفر ابن محمد عن آبائه (ع) في وصية النبي (ص) لعلي (ع) : « قال : يا علي لا تصل في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه » (١) بالتقريب المتقدم. ومثله خبر محمد بن إسماعيل : « لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه لأن أكثرها مسوخ » (٢) ، بل التعليل فيه صريح في المانعية لأنه من تعليل العدم بالوجود.

( ومنها ) : الأخبار الخاصة الناهية عن الصلاة في الثعالب والأرانب (٣) والسمور والفنك (٤) والسباع (٥) وغير ذلك.

( ومنها ) : تعليل جواز الصلاة في السنجاب بأنه دابة لا تأكل اللحم (٦) ، فان الظاهر أن المراد منه أنه ليس من السباع ، فيكون من قبيل تعليل الصحة بالعدم الذي هو من لوازم المانعية ، كتعليل الفساد بالوجود.

هذا ، وإثبات الشرطية من الأمور المتقدمة لا يخلو من إشكال.

أما الأول : فلأن الظاهر من قوله (ص) : « لا تقبل تلك .. » أنه خبر للصلاة بعد خبر ، ويكون بياناً لمضمون الخبر الأول ـ أعني : قوله (ص) : « فاسدة » ـ بقرينة كون موضوعه اسم الإشارة ، الراجع إلى الصلاة فيما لا يؤكل لحمه ، فكأنه قال (ص) : « الصلاة فيما لا يؤكل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ٧.

(٣) راجع الوسائل باب : ٧ من أبواب لباس المصلي.

(٤) راجع الوسائل باب : ٤ من أبواب لباس المصلي.

(٥) راجع الوسائل باب : ٦ من أبواب لباس المصلي.

(٦) الوسائل باب : ٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢ و ٣.

٣٣٠

______________________________________________________

لحمه فاسدة غير مقبولة » وأين هو من الدلالة على الشرطية؟! وإنما تتم الدلالة لو قيل ابتداء : « لا تقبل الصلاة إلا فيما يؤكل لحمه ». وحينئذ يكون الظاهر من قوله (ص) : « حتى تصلي في غيره » أن الوجه في القبول انتفاء المانع.

وأما الثاني : فالظاهر أن قوله (ع) : « فان كان مما يؤكل لحمه .. » إنما سيق تمهيداً لبيان اعتبار التذكية وإناطة الجواز بها ، فيكون شرطاً لإناطة الجواز بالتذكية ، لا شرطاً للجواز كالتذكية ، ويكون مقيداً للإطلاق المستفاد من قوله (ع) : « حتى تصلي في غيره » ، فهو أجنبي عن الدلالة على الشرطية.

وأما الثالث : فمع أنه ضعيف السند ، وأنه لا تعرض فيه للصلاة أن مفاده ـ بقرينة السؤال عن الجواز وعدمه ـ هو جواز لبس المأكول دون غيره ، وأين هو من الظهور في الشرطية؟!

وأما الرابع : فمع الرمي بالضعف ، فيه : أن ما في ذيله من قوله : « قلت : وما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال (ع) : لا بأس بالسنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم ، وليس هو مما نهى عنه رسول الله (ص) إذ نهى عن كل ذي ناب ومخلب » كالصريح في أن المنع إنما يكون من جهة أنه يأكل اللحم ، أو كونه ذا ناب ومخلب ، فالحديث ـ بملاحظة الذيل ـ مما يتمسك به على المانعية كما سبق.

وأما الخامس : ففيه أن كون الخاص مما يوجب تقييد العام بقيد وجودي ممنوع جداً ، ولم يلتزم به في غير المقام أهل القول بالشرطية نعم لا بأس بدعوى تقييده بقيد سلبي وهو عدم الخاص. على أنها لا تخلو من إشكال مذكور في مبحث التمسك بالعام في الشبهات المصداقية.

٣٣١

______________________________________________________

ومن ذلك يظهر أن دعوى دلالة النصوص على الشرطية ضعيفة جداً والبناء عليها في غير محله ، بخلاف دعوى المانعية فإنها قوية جداً ، والبناء عليها متعين.

ثمَّ إنه قد يستشكل على الشرطية ـ بناء على تمامية دلالة النصوص عليها ـ بأنه لا يمكن الأخذ بإطلاق الشرطية ، ضرورة جواز الصلاة في غير ما يؤكل لحمه من القطن والكتان وغيرهما من أنواع النباتات. فلا بد إما من الالتزام بكون شرطية المأكول تخييرية ـ يعني : أن الشرط إما القطن أو الكتان أو ما يؤكل لحمه من الحيوان أو غيرها عدا غير المأكول اللحم من الحيوان ـ أو تكون الشرطية منوطة بكون اللباس حيوانياً. والأول خلاف ظاهر الأدلة. والثاني ـ مع أنه خلاف ظاهر الأدلة ـ غير جائز ، لأن اللباس الحيواني المفروض وجوده منوطاً به الشرطية إن كان من مأكول اللحم. فالشرط حاصل ، فالأمر به أمر بتحصيل الحاصل وإن كان من غير مأكول اللحم فالشرط ممتنع ، والأمر به أمر بالممتنع. وفيه : أن المنوط به الشرطية ليس اللباس الحيواني المتشخص بل نفس اللباس الحيواني ، وهو يمكن أن يكون على نحوين وإن كان المتشخص منه لا يكون إلا على أحد النحوين بعينه. وكونه خلاف ظاهر الأدلة ممنوع ، بل هو ظاهر الموثقة التي هي عمدتها وخبري علي بن أبي حمزة وأبي تمامة المتقدمين.

ثمَّ إنه قد يبنى على المانعية فيدعى اختصاصها بصورة العلم ، ( إما ) لدعوى : اختصاص أدلتها بصورة العلم باللباس وقصورها عن شمول صورة الجهل به. ( وإما ) لدعوى : كون الظاهر من العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام خصوص المعلوم منها دون نفس الطبيعة. ( وإما )

٣٣٢

______________________________________________________

لدعوى أن العلم شرط في صحة التكليف كالبلوغ والعقل فلا تكليف بالمانعية بدونه ( وإما ) لدعوى : أن مقتضى الجمع العرفي بين إطلاقات المانعية في المقام وبين مثل صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب أيعيد صلاته؟ قال (ع) : إن كان لم يعلم فلا يعيد » (١) تخصيص المانعية بصورة العلم فلا مانعية مع عدمه.

وفي الجميع ما لا يخفى ، إذ الدعوى الأولى : خلاف ظاهر الأدلة ، فإن عمدتها الموثق ، والسؤال إنما كان فيه عن نفس الموضوعات الواقعية التي تكون موضوعاً للعلم والشك. ( وأما ) الدعوى الثانية : فغريبة جداً ، إذ الظهور المذكور إن كان مستنده الوضع فهو خلاف ضرورة العرف واللغة ، وإن كان مستنده الانصراف فلا منشأ له. ( وأما ) الدعوى الثالثة : ففيها أن العلم إنما يكون شرطاً في حسن العقاب عقلا لا في المصلحة وإلا فلا دليل عليه من عقل أو شرع. ( وأما ) الدعوى الرابعة : ففيها أن الصحيح إنما تضمن صحة الصلاة مع الغفلة أو اعتقاد العدم وليس له تعرض لما نحن فيه ـ أعني : صورة الالتفات والشك ـ كما لا يخفى. وقياس المقام عليه قياس مع الفارق.

( المقام الثاني )

فيما هو مقتضى الأصول العقلية ، فنقول : على تقدير استفادة الشرطية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

٣٣٣

______________________________________________________

من النصوص يتعين الاحتياط بترك الصلاة في المشكوك كونه من محرم الأكل ومحلله ، وعلى تقدير استفادة المانعية تجوز الصلاة فيه ، ويكتفى بها في مقام الامتثال كما تقدم في كلام العلامة (ره).

أما الأول : فلأنه مع الشك في حل الأكل وحرمته يشك في حصول الشرط ، ومعه يجب الاحتياط ، للعلم باشتغال الذمة به الموجب عقلا للعلم بحصول الامتثال ، لما اشتهر من أن شغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني نعم يختص ذلك بما لو أحرز كون اللباس حيوانياً لما عرفت من أن الظاهر من نصوص الشرطية على تقدير تماميتها كون الشرطية منوطة بما إذا كان اللباس حيوانيا ، وعليه فاذا شك في كونه كذلك كانت الشرطية مشكوكة ، والأصل فيها البراءة. نعم لو قلنا بالشرطية التخييرية ـ بمعنى : أن الشرط إما القطن أو الكتان أو الحيواني المأكول ـ فمع الشك في حيوانيته وكونه من مأكول اللحم يجب الاحتياط ، لقاعدة الاشتغال ، لكن المبنى المذكور ضعيف.

وربما يتوهم عدم وجوب الاحتياط بناء على الشرطية ، بدعوى أن مقتضى تعلق الشرط بأمر خارجي هو إناطة التقييد به بوجود ذلك الخارجي قياساً على التكاليف النفسية مثل : ( أكرم العالم ) ونحوه ، فكما أنه ظاهر في إناطة وجوب الإكرام بوجود العالم ، كذلك في المقام يكون التقييد باللبس منوطاً بوجود وصف المأكول ، فمع الشك فيه يكون الشك في الشرطية ، والأصل البراءة. وضعفه ظاهر ، إذ وصف المأكول إذا أخذ منوطاً به الشرطية كيف يكون موضوعاً لها؟ وثبوت ذلك في مثل : ( أكرم العالم ) و ( أهن الفاسق ) ليس مقتضى التركيب اللغوي ، بل هو مقتضى القرائن الخاصة ، ولذا لا يلتزم به في مثل : ( أعتق رقبة مؤمنة ) نعم قد تقوم القرينة على ذلك في بعض الموارد ، مثل : ( أكرم العالم )

٣٣٤

______________________________________________________

و ( أهن للفاسق ) و ( تصدق على الفقير ) ، ولا مجال لقياس غيره عليه ولا سيما مع امتناعه كما عرفت.

وأما الثاني : فلأنه مع الشك في المأكولية يكون الشك في مانعية ذلك اللباس ، والأصل البراءة.

فإن قلت : هذا يتم لو كان موضوع المانعية ملحوظاً بنحو الطبيعة السارية بحيث يكون كل ما يفرض من الحيوان الذي لا يؤكل لحمه مانعاً مستقلا في قبال غيره من الأفراد ، إذ حينئذ يرجع جعل المانعية إلى جعل مانعيات متعددة بتعدد أفراد الحيواني المذكور ، فاذا عُلم بفردية اللباس للحيواني المذكور فقد علم بالمانعية ، وإذا شك فيها فقد شك في أصل مانعيته ، فيرجع الى أصل البراءة كما يرجع اليه لو شك في المانعية للشبهة الحكمية. أما لو كان ملحوظاً بنحو صرف الوجود فلا يكون شك في المانعية ، إذ يعلم بجعل مانعية واحدة لصرف الوجود الصادق على القليل والكثير ، وإنما الشك في انطباق المانع عليه ، فلا مجال لأصل البراءة ، لاختصاص مجراه بالشك بالتكليف ، وهو مفقود. وكما يفترق اللحاظان بما ذكر ـ أعني : جواز الرجوع إلى البراءة في الشك في الأول وعدمه في الثاني ـ يفترقان أيضاً في أنه لو اضطر إلى ارتكاب بعض الأفراد يجب الاجتناب عن بقية الأفراد على الأول ، لأن ارتكاب ما عدا المقدار المضطر اليه ارتكاب للمانع بلا ضرورة مسوغة ، وليس كذلك على الثاني ، إذ ليس للمقدار الزائد على المضطر اليه منع غير المنع الحاصل منه المفروض جوازه للضرورة. هذا وحيث يدور الأمر بين اللحاظين فمقتضى الإطلاق هو الثاني لأن اسم الجنس موضوع لنفس الماهية ، فملاحظة خصوصيات حصص الأفراد بحيث يكون كل واحد منها ملحوظاً في قبال غيره يحتاج إلى قرينة.

٣٣٥

______________________________________________________

قلت : أولا : أنه يمكن الرجوع إلى البراءة فيما لو كان الموضوع ملحوظاً على النحو الثاني أيضاً ، لأن صرف الوجود الملحوظ موضوعاً للمانعية لما كان يتحد مع تمام الأفراد ، فالفرد المشكوك على تقدير فرديته يكون موضوع الانطباق ، فيكون موضوع الانطباق موضوعاً للمانعية ، وعلى تقدير عدمها لا يكون كذلك ، فالشك في الفرد يستتبع الشك في اتساع المانعية بنحو تشمله ، فيكون الشك في التكليف به. والعلم بوحدة المانعية لوحدة موضوعها ، لا يخرج المقام عن كونه من الشك في التكليف وعن كون العقاب عليه عقاباً بلا بيان ، كما أشرنا إلى ذلك في تعليقتنا على الكفاية في مبحث الشبهة الموضوعية التحريمية. وثانياً : أن مقتضى الإطلاق وإن كان هو الثاني ، إلا أن الظاهر في النواهي النفسية والغيرية هو الأول ، لغلبة كون المفسدة الباعثة عليها موجودة في كل فرد لنفسه في قبال غيره ، ولذا بني عليه في عامة النواهي النفسية ، مثل : ( لا تشرب الخمر ) و ( لا تأكل النجس ) و ( لا تكذب ) .. إلى غير ذلك من الموارد التي لا تدخل تحت الحصر ، مع عدم البناء منهم على وجود قرينة خاصة ، كما يظهر بأقل تأمل في الموارد.

( المقام الثالث )

فيما يقتضيه أصل الحل ، فنقول : قد يقال : إن مقتضى جريان أصالة الحل في الحيوان المأخوذ منه اللباس صحة الصلاة فيه ، سواء استفيد من النصوص الشرطية أم المانعية.

أما على الأول : فواضح ، لأن الأصل المذكور يثبت الشرط فيترتب‌

٣٣٦

______________________________________________________

عليه صحة المشروط.

وأما على الثاني : فلأن الحل وإن كان ضداً للحرمة ، وجعل أحد الضدين ظاهراً لا يستلزم نفي الآخر كذلك ، إلا أن الظاهر من دليل الأصل ـ مثل صحيح ابن سنان : « كل شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه » (١) ، وخبر مسعدة بن صدقة : « كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه » (٢) ـ جعل الحل بلحاظ كل من أثر الحل وأثر الحرمة. وبعبارة أخرى : الظاهر منه جعل الحل بلحاظ أثره ونفي الحرمة بلحاظ أثرها ، فيقتضي نفي أثر الحرمة كما يقتضي ثبوت أثر الحل ، فاذا كان المنع عن الصلاة من آثار حرمة الأكل كان منفياً بمقتضى الأصل ، وإذا انتفى المنع صحت الصلاة.

فإن قلت : هذا يتم لو كان الحيوان محلا للابتلاء بالأكل ، أما إذا كان خارجاً عن الابتلاء ـ كما هو الغالب من كون الحيوان مفقوداً منذ دهر طويل والابتلاء إنما هو باللباس المعمول من صوفه أو جلده مثلا ـ فلا معنى لأصالة حل الأكل.

قلت : يكفي في صحة جريان الأصل المذكور في الحيوان الابتلاء باللباس المعمول منه ، فإنه كاف في رفع لغوية الجعل المذكور وصحته ، وهذا نظير ما لو غسل الثوب بماء ثمَّ شك في طهارة ذلك الماء ، فإنه يكفي في صحة جريان أصالة الطهارة في الماء الابتلاء بالثوب وإن كان الماء المغسول به معدوماً.

أقول : الشك في الحل والحرمة : ( تارة ) : يكون من جهة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٤.

٣٣٧

______________________________________________________

الشبهة الموضوعية ، ( وأخرى ) : من جهة الشبهة الحكمية ، مثل أن لا يعلم كون السمور مما يحل أكله أو لا؟ والأول : ( تارة ) : يكون مع تعين الحيوان خارجاً وتردده بين عنوانين ، كأن لا يعلم أن الحيوان المعين أرنب أو غزال. ( وأخرى ) : مع تردده بين معلومين ، كأن لا يدري أن هذا الوبر أخذ من هذا الأرنب أو من ذلك الغزال؟

هذا ولا يخفى أن إجراء أصالة الحل في الأول من نوعي الشبهة الموضوعية يتوقف ( أولا ) : على كون الأثر الشرعي في المقام مترتباً على نفس حلية الأكل لا على نفس موضوعاتها. ( وثانياً ) : على كون المراد من الحلية الحلية الفعلية بمعنى : الرخصة فعلا في الأكل ، لا بمعنى الحلية الأولية الثابتة للموضوعات بالنظر إليها أنفسها من حيث كونها حيواناً.

أما التوقف على الأول : فلأنه لو كان الأثر في المقام ثابتاً لنفس موضوعات الحلية بحيث يكون في عرضها بلا دخل لها فيه ، فلا مجال للأصل المذكور ، لأن المقصود من إجرائه ترتب الأثر الذي هو محل الكلام عليه ، وترتبه موقوف على كونه أثراً لمجراه ، فاذا فرض أنه ليس أثراً لمجراه لم يمكن أن يترتب بإجرائه إلا على القول بالأصل المثبت.

وأما التوقف على الثاني : فلأن الظاهر من الحل المجعول بالأصل المذكور هو الحلية الفعلية ـ أعني : الرخصة فعلا ـ فان كان الأثر المقصود إثباته في المقام أثراً لتلك الحلية ترتب بإجراء الأصل ، أما إذا كان أثراً لغيرها ـ أعني : الحلية الأولية الثابتة للحيوان من حيث كونه حيواناً التي لا تنافي المنع الفعلي لأجل كون الحيوان مغصوباً أو مضراً للآكل مثلا ـ امتنع أن يترتب بإجراء الأصل المذكور ، حيث أنه لا يثبت موضوعه كي يترتب بإجرائه ، وإنما يثبت موضوعاً آخر غير موضوعه. مذا ، وكلا‌

٣٣٨

______________________________________________________

الأمرين غير ثابت.

أما الأول : فلأن جملة من نصوص المقام قد جعل فيها موضوع الأثر ذوات العناوين الأولية ، التي هي موضوع الحرمة مثل ما دل على المنع عن الصلاة في الثعالب والأرانب (١) والسمور (٢) والسباع (٣). ونحوها ، ولم يتعرض فيها لكون الحرمة دخيلة في موضوع الأثر. وبعضها وإن تعرض لها مثل الموثق وغيره ، إلا أن التعليل في هذا البعض بمثل : « أن أكثرها مسوخ » (٤) وبمثل : « إنه دابة تأكل اللحم » (٥) يعين حمله على الطائفة الأولى بأن يكون عنوان محرم الأكل لوحظ مرآة إلى ذوات الموضوعات الأولية ، لا على أن يكون بنفسه موضوعاً للأثر في المقام.

وأما الثاني : فلأنه لو كان المراد من الحلية في المقام الرخصة الفعلية لزم عدم جواز الصلاة فيما لا تحله الحياة من ميتة الغنم ، وجواز الصلاة فيما يؤخذ من الأرنب ـ مثلا ـ عند الاضطرار إلى أكله ، لعدم الرخصة الفعلية في الأول وثبوتها في الثاني ، وهو مما لا يمكن الالتزام به فدل على أن المراد من الحلية والحرمة الأوليتان الثابتتان للموضوعات الأولية من حيث كونها حيواناً ، والأصل المذكور لا يصلح لإثبات الحلية بهذا المعنى ولا لنفي الحرمة كذلك ، لما عرفت من أن مفاده ليس إلا جعل الرخصة الفعلية ونفي المنع الفعلي ، ولذا لا يجري مع العلم بالحلية من جهة الاضطرار ولا مع العلم بالحرمة من جهة‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٧ من أبواب لباس المصلي.

(٢) راجع الوسائل باب : ٤ من أبواب لباس المصلي.

(٣) راجع الوسائل باب : ٦ من أبواب لباس المصلي.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ٧.

(٥) الوسائل باب : ٣ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢ و ٣ وباب : ٤ حديث : ١ وباب : ٦ حديث : ٢.

٣٣٩

______________________________________________________

الإضرار بالنفس لا غير. ومن ذلك كله تعرف عدم صحة إجرائه في الشبهة الحكمية لأجل ترتب الأثر المذكور ، فاذا شككنا في الحواصل الخوارزمية أنها مما يؤكل لحمه أو لا ، لا مجال لجريان أصالة الحل لإثبات كونه حلال الأكل ليترتب عليه جواز الصلاة في اللباس المأخوذ منه ، وإن قلنا بجواز إجرائها لإثبات جواز أكله ظاهراً.

وأما النوع الثاني : من الشبهة الموضوعية ـ أعني : ما لو كان المأخوذ منه اللباس مردداً بين فردين من معلومي الحكم ـ فإجراء أصالة الحل في الحيوان المردد لإثبات جواز الصلاة في المأخوذ منه يشكل ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ بأن موضوع الأصل إن كان العنوان الذي له الأثر ، فليس هو بمشكوك ، لأن المفروض كون كل من الحيوانين المتعينين معلوم الحكم ، وإن كان عنواناً آخر ـ مثل أن نقول في المقام : ( الحيوان الذي أخذ منه هذا اللباس ) ـ فهو وإن كان مشكوكاً ، إلا أنه ليس موضوعاً للأثر ، كما أشرنا إلى ذلك في غير موضع من هذا الشرح مما يكون مجرى الأصل المفهوم المردد أو الفرد المردد ، وتوضيح ذلك موكول إلى محله من مبحث الاستصحاب.

فتحصل مما ذكرنا كله : أنه لا مجال لإجراء أصالة الحل في الحيوان لإثبات صحة الصلاة في المأخوذ منه.

وهناك تقريبات أخرى لأصل الحل في المقام أوضح إشكالا مما سبق.

منها : أن يقال : إن الحل في دليل القاعدة يراد منه الحلية الوضعية ، بمعنى : النفوذ وترتب الأثر ، مثل ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (١) فيقال الصلاة في المشكوك لا يعلم أنها مما يترتب عليها الأثر المقصود من الصلاة ،

__________________

(١) البقرة ـ ٢٧٥.

٣٤٠