مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

ولكن لا يبعد أن يكون من الزوال إليهما [١] ووقت فضيلة‌

______________________________________________________

المتقدمان في المسألة السابقة ، وموثق معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (ع) المشار اليه آنفاً (١) : « أتى جبرئيل رسول الله (ص) بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر ثمَّ أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر‌ .. إلى أن قال : ثمَّ أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر ثمَّ أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلى العصر‌ .. إلى أن قال : فقال : ما بينهما وقت » ، وما في رواية المجالس لعهد أمير المؤمنين (ع) الى محمد بن أبي بكر من قول النبي (ص) : « ثمَّ أراني وقت العصر وكان ظل كل شي‌ء مثله » (٢) ، وما ورد في المستحاضة : انها تؤخر الظهر وتعجل العصر (٣). وقريب منه ما ورد في الحائض (٤).

[١] لمعارضة تلك النصوص بما دل على دخول وقتها بالذراع ، وموثق سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : العصر على ذراعين فمن تركها حتى يصير ستة أقدام فذلك المضيع » (٥) ، وخبر منصور عن أبي عبد الله (ع) « صل العصر على أربعة أقدام » (٦) ، وفي خبر سليمان بن جعفر : « قال الفقيه (ع) : آخر وقت العصر ستة أقدام ونصف » (٧) ، ورواية يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (ع)

__________________

(١) أشير إليه في أواخر التعليقة السابقة.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب المواقيت حديث : ١٢.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب المستحاضة حديث : ١ و ٨ و ١٥.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب الحيض حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٩ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

(٦) الوسائل باب : ٩ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٧) الوسائل باب : ٩ من أبواب المواقيت حديث : ٦.

٦١

______________________________________________________

قال : « سألته عن صلاة الظهر. فقال (ع) : إذا كان الفي‌ء ذراعاً. قلت : ذراعاً من أي شي‌ء؟ قال (ع) : ذراعاً من فيئك. قلت : فالعصر. قال (ع) الشطر من ذلك. قلت : هذا شبر. قال (ع) : وليس شبر كثيراً » (١) ، ورواية ذريح عن أبي عبد الله (ع) المتقدمة المتضمنة لكون فعل صلاة الظهر والعصر على القدم والقدمين أحب إليه (ع) من فعلها على القدمين والأربعة أقدام (٢) ، وروايته الأخرى : « متى أصلي الظهر؟ فقال (ع) : صل الزوال ثمانية ثمَّ صل الظهر ثمَّ صل سبحتك طالت أو قصرت ثمَّ صل العصر » (٣). ونحوها جملة أخرى ذكرها في الوسائل ـ في باب استحباب الصلاة في أول وقتها (٤) وما بعده من الأبواب ـ بضميمة ما دل على فضل المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها (٥) ، والمسارعة إلى المغفرة ، والمسابقة إلى الخيرات ، مما هو آب عن التخصيص. ولذا قال في المدارك : « ويستفاد من رواية ذريح وغيرها أنه لا يستحب تأخير العصر عن الظهر إلا بمقدار ما يصلي النافلة ، ويؤيده الروايات المستفيضة الدالة على أفضلية أول الوقت .. إلى أن قال : وذهب جمع من الأصحاب إلى استحباب تأخير العصر الى أن يخرج وقت فضيلة الظهر وهو المثل أو الأقدام ، وممن صرح بذلك المفيد في المقنعة .. إلى أن قال : إن أكثر الروايات يقتضي استحباب المبادرة بالعصر عقيب نافلتها من غير اعتبار للإقدام والأذرع ». وفي البحار استظهر حمل أخبار المثل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ١٨.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٢٢.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٤) باب : ٣ من أبواب المواقيت.

(٥) تقدم ذكرها في البحث عن وقت فضيلة الظهر.

٦٢

______________________________________________________

والمثلين على التقية. وفي الحدائق : أنها أظهر ظاهر في المقام ، وكأنه من جهة بناء المخالفين في عملهم على ذلك.

لكن لو تمَّ يبقى الإشكال في وجه الجمع بين نصوص دخول وقت العصر بالذراع وغيرها مما دل على دخوله بالزوال. ومثله في ذلك حمل القامة في النصوص الأول على الذراع ، كما في جملة من النصوص المتقدمة آنفاً ، فإنه يأباه ما في ذيل رواية يزيد بن خليفة عن عمر بن حنظلة من قوله (ع) : « فلم تزل في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين وذلك المساء » (١). وكذلك غيرها كما أشرنا إلى ذلك آنفاً.

ويحتمل الجمع بينها بحمل التأخير في نصوص المشهور على كونه مبنياً على فعل الظهر في آخر وقت فضيلتها ، وإلا فوقت الفضيلة للعصر لا من حيث الترتيب قامتان من الزوال. ولكن يأباه جداً ما ورد في المستحاضة من أنها تؤخر الظهر وتعجل العصر (٢) ، وغيره مما ورد فيها وفي الحائض إذا نقت بعد الزوال (٣) ، إلا أن يحمل على ما يتعارف من التفريق بين الصلاتين. وأما التعيين في كتبه (ع) الى الأمراء (٤) فيجوز أن يكون لمصلحة اقتضت ذلك ، إذ لا ريب في أن التعيين في جزء معين من وقت الفضيلة لا بد أن يكون لذلك. فان التصرف بنحو ذلك أهون من التصرف فيما هو صريح في رجحان التعجيل.

ويحتمل أن يكون استحباب التعجيل في النصوص الثانية لا لخصوصية راجعة للوقت ـ كما يقتضيه ظاهر التوقيت ـ بل لجهات ثانوية مثل خوف.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب المستحاضة حديث : ١ و ٨ و ١٥.

(٣) راجع الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الحيض.

(٤) من ذكر النص الذي يتضمنه في البحث عن وقت فضيلة الظهر.

٦٣

المغرب من المغرب إلى ذهاب الشفق أي : الحمرة المغربية [١] ووقت فضيلة العشاء من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل [٢] ، فيكون لها وقتا إجزاء ، قبل ذهاب الشفق ، وبعد الثلث إلى النصف. ووقت فضيلة الصبح من طلوع الفجر إلى حدوث الحمرة في المشرق [٣].

______________________________________________________

الفوت ، وحصول الشواغل المانعة عن فعلها في وقت الفضيلة ، أو نحو ذلك ، فيكون المقام من باب التزاحم وترجيح الأهم ، أو نحو ذلك مما لا ينافي استحباب التأخير عن القامة لخصوصية الوقت الذي قد عرفت أنه مفاد النصوص السابقة ، كما يشير الى ذلك صحيح سعد بن سعد عن الرضا (ع) : « قال يا فلان إذا دخل الوقت عليك فصلها فإنك لا تدري ما يكون » (١).

وبالجملة : الجمع بين النصوص في المقام بنحو تطمئن به النفس من أشكل المشكلات. لكن الذي تقتضيه قواعد العلم حمل أخبار المثل على التقية ، لمعارضتها بأخبار الذراع ، وكلاهما في مقام التقدير المانع من الجمع العرفي والأولى موافقة للعامة. أما أخبار التقدير بالذراع فالجمع بينها وبين أخبار التعجيل هو حمل الأول على العنوان الأولي والثانية على العنوان الثانوي ، كما هو المشار إليه أخيراً في وجوه الجمع. لكن الإنصاف أن رفع اليد عن أخبار التأخير على القدمين على كثرتها ورواية الأجلاء والأعيان لها في غاية الإشكال ، فالعمل عليها متعين ، وحمل أخبار التعجيل على الطوارئ الاتفاقية لا غير. والله سبحانه ولي التوفيق.

[١] كما سبق بيانه في وقت المغرب. فراجع.

[٢] كما سبق أيضاً‌

[٣] كما سبق ، إلا أن التحديد بالحمرة لم يعثر على نص فيه ، وإنما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

٦٤

( مسألة ١ ) : يعرف الزوال بحدوث ظل الشاخص المنصوب معتدلاً في أرض مسطحة بعد انعدامه [١] ، كما في‌

______________________________________________________

المذكور في النصوص أن يتخلل الصبح السماء ، كما في مصحح الحلبي وصحيح عبد الله بن سنان المتقدمين (١) وفي موثق معاوية بن وهب : « ثمَّ أتاه حين نور الصبح » (٢). وفي رواية معاوية بن ميسرة : « فقال : أسفر بالفجر فأسفر » (٣). وهذه العناوين لا تخلو من إجمال في نفسها ، فضلا عن ملازمتها لحدوث الحمرة المشرقية ، ولذلك خلت جملة من العبارات عنها ، واشتملت على التعبير بالاسفار والتنوير. ومع ذلك فقد صرح جماعة ـ كما في مفتاح الكرامة ـ بأن المراد بالأسفار في الكتاب والأخبار ظهور الحمرة. ويشهد لهم في الأول عدم تحرير الخلاف في ذلك مع اختلاف تعبيرهم كما عرفت ، ولكن في استفادة ذلك من الأخبار تأملا ظاهراً بل قد يظهر من صحيح ابن يقطين ـ : « عن الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة .. » (٤) ـ عدمه. وحمل العطف على التأكيد خلاف الأصل. إلا أن يقال : الاستعمال أعم من الحقيقة. فالعمدة في ذلك ظهور الإجماع عليه.

[١] من الواضح أنه إذا طلعت الشمس حدث لكل شاخص على سطح الأفق ـ أي : على وجه الأرض ـ ظل طويل إلى جهة المغرب ، ثمَّ لا يزال ينقص ذلك الظل كلما ارتفعت الشمس حتى تبلغ وسط السماء وتصل إلى دائرة نصف النهار وهي : دائرة عظيمة موهومة ، مارة بقطبي‌

__________________

(١) تقدم ذكرهما في ص ٤٨.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب المواقيت حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب المواقيت حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٥١ من أبواب المواقيت حديث : ١.

٦٥

البلدان التي تمر الشمس على سمت الرأس‌

______________________________________________________

الشمال والجنوب ، قاطعة لدائرة الأفق ، قاسمة للعالم نصفين متساويين شرقي وغربي ، فإذا وصلت الشمس إلى الدائرة المذكورة ، فإن كانت مسامتة لذلك الشاخص واقعة فوق رأسه انعدم الظل بالمرة ، وإن لم تكن مسامتة له بل مائلة عنه جنوباً أو شمالا بقي له ظل شمالي في الأول وجنوبي في الثاني. والمسامتة إنما تكون في الأماكن الواقعة فيما بين الميل الجنوبي إلى الميل الشمالي في زمان يكون مدار الشمس مساوياً لذلك المكان في البعد عن خط الاستواء والى جهته ، فان لم يكن مدار الشمس مساويا لذلك المكان في البعد عن خط الاستواء أو لم يكن الى جهته لم ينعدم الظل ، بل كان له ظل جنوبي إن كان المدار شمالياً لذلك المكان ، وشمالي إن كان جنوبياً له. وأما الأماكن الخارجة عما بين الميلين فالظل لا ينعدم فيها أصلا ، بل يكون للشاخص ظل شمالي إن كان المكان في شمال الميل الشمالي ، وجنوبي إن كان في جنوب الميل الجنوبي. فإذا زالت الشمس عن دائرة نصف النهار ، وصارت في قوس المدار الغربي ، فإن كان الظل منعدماً حدث إلى جهة المشرق ، وإن كان باقياً قد انتهى نقصه زاد إليها ، ثمَّ لا يزال يزيد كلما قربت الشمس الى المغرب حتى يرجع الظل في المقدار الى ما كان عليه حين الطلوع الى أن تغيب.

هذا ولأجل أن صورة انعدام الظل عند الزوال نادرة لم يتعرض في النصوص ولا في كلمات الأكثر لذكر حدوث الظل بعد عدمه علامة للزوال ، بل ذكر زيادة الظل بعد نقصه. ففي مرفوع أحمد بن محمد بن عيسى عن سماعة : « قلت لأبي عبد الله (ع) : جعلت فداك متى وقت الصلاة؟ فأقبل يلتفت يميناً وشمالاً كأنه يطلب شيئاً ، فلما رأيت ذلك تناولت عوداً‌

٦٦

كـ ( مكة ) في بعض الأوقات [١] ، أو زيادته بعد انتهاء نقصانه كما في غالب البلدان ، و ( مكة ) في غالب الأوقات. ويعرف أيضاً بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن واجه نقطة الجنوب [٢] ،

______________________________________________________

فقلت : هذا تطلب؟ قال (ع) : نعم ، فأخذ العود ونصبه بحيال الشمس ، ثمَّ قال : إن الشمس إذا طلعت كان الفي‌ء طويلاً ثمَّ لا يزال ينقص حتى تزول ، فاذا زالت زاد ، فاذا استبنت الزيادة فصلّ الظهر ، ثمَّ تمهل قدر ذراع وصلّ العصر » (١) ، وفي رواية علي بن أبي حمزة : « تأخذون عوداً طوله ثلاثة أشبار وإن زاد فهو أبين فيقام ، فما دام ترى الظل ينقص فلم تزل ، فاذا زاد الظل بعد النقصان فقد زالت » (٢) ، وفي مرسل الفقيه : « فاذا نقص الظل حتى يبلغ غايته ثمَّ زاد فقد زالت الشمس وتفتح أبواب السماء وتهب الرياح وتقضى الحوائج العظام » (٣).

[١] وهو ـ كما عن المقاصد العلية حاكياً له عن أهل الفن ـ يكون عند الصعود إذا كانت الشمس في الدرجة الثامنة من الجوزاء ، وعند الهبوط إذا كانت في الدرجة الثالثة والعشرين من السرطان ، لمساواة الميل في الموضعين لعرض ( مكة ).

[٢] كما عن جماعة من الأصحاب ، وعن جامع المقاصد نسبته إليهم مع التقييد بقولهم : « لمن يستقبل القبلة » ، وقيده بعض بقبلة العراق ، وآخر بما إذا كانت القبلة نقطة الجنوب. وكأنه مراد من أطلق ، وإلا ففساده‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

٦٧

وهذا التحديد تقريبي [١] ، كما لا يخفى. ويعرف أيضاً بالدائرة الهندية [٢] ،

______________________________________________________

أظهر من أن يحتاج إلى بيان. لكن التقييد بالأول لا يخلو من مساهلة ، لاختلاف القبلة في العراق باختلاف البلدان ، فيمتنع أن يكون الجميع بنحو واحد ، كما هو ظاهر ـ ولذلك قيده في المتن بالثاني ـ كظهور الوجه في كونه علامة على الزوال حينئذ ، إذ المواجهة لنقطة الجنوب توجب كون دائرة نصف النهار مسامتة لما بين الحاجبين ، فاذا مالت الشمس عن دائرة نصف النهار إلى المغرب فقد مالت إلى الحاجب الأيمن ، فيكون أحدهما عين الآخر.

[١] كونه تقريبياً إنما هو بلحاظ مقام الإثبات ، لأن ظهور ميل الشمس للمستعلم لا يكون بمجرد تحققه ، بل يحتاج إلى مضي زمان ، فان الحس لا يقوى على إدراك أول مراتبه ، فلا يدرك منه إلا المرتبة المعتد بها ، وهي إنما تكون بعد الزوال لا معه. وأما في مقام الثبوت : فهو تحقيقي ، لما عرفت من ملازمة الميل للزوال. نعم بناء على الاكتفاء بتقييده بمن يستقبل القبلة في العراق يكون تقريبياً حتى في مقام الثبوت بالنسبة إلى أكثر بلاد العراق الذي تكون قبلته منحرفة عن نقطة الجنوب إلى المغرب ، إذ تحقق الميل إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل نقطة القبلة يدل على تحقق الزوال قبله مدة قليلة تارة وكثيرة أخرى. ويمكن أن يقال بكونه تقريبياً مع التقييد بما في المتن حتى بلحاظ مقام الثبوت ، من جهة أن قوس المواجهة الحقيقية غير منضبط كقوس الاستقبال على ما يأتي في محله إن شاء الله تعالى.

[٢] وكيفيتها : أن تساوي موضعاً من الأرض بحيث لا يكون فيه انخفاض وارتفاع ، وتدير عليه دائرة بأي بعد ، وتنصب على مركزها‌

٦٨

______________________________________________________

مقياساً مخروطاً محدد الرأس يكون طوله قدر ربع قطر الدائرة تقريباً نصباً مستقيماً ، بحيث يحدث عن جوانبه أربع زوايا قوائم متساوية ، وعلامة استقامته أن يقدر ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة من ثلاثة مواضع ، فان تساوت الأبعاد فهو عمود ، فاذا طلعت الشمس وحدث لذلك المقياس ظل إلى جهة المغرب ، تنتظر حتى ينقص الظل ويصل طرفه إلى محيط الدائرة للدخول فيها فتعلم عليه علامة ، ثمَّ تنتظر خروجه بعد الزوال ، فاذا وصل طرفه إلى محيط الدائرة من جهة المشرق تعلم عليه علامة أخرى ، ثمَّ تصل ما بين العلامتين بخط مستقيم. ثمَّ تنصف ذلك الخط ، ثمَّ تصل ما بين مركز الدائرة ومنتصف ذلك الخط بخط آخر فهو خط نصف النهار. فإذا أردت معرفة الزوال في غير يوم العمل تنظر إلى ظل المقياس ، فمتى وصل إلى هذا الخط كانت الشمس في وسط السماء ، فاذا مال رأس الظل إلى جهة المشرق فقد زالت.

وأسهل من هذا الطريق طريق آخر : وهو أن ينصب مقياساً في الأرض بعد تسويتها فاذا طلعت الشمس وحدث له ظل رسم خطاً على ذلك الظل إلى جهة المغرب مبدؤه من قاعدة المقياس ، ثمَّ ينتظر إلى حين الغروب فيرسم خطاً على ظله إلى جهة المشرق مبدؤه من قاعدته أيضاً. فإن كان الخطان خطاً على ظله إلى جهة المشرق مبدؤه من قاعدته أيضاً. فإن كان الخطان خطاً واحداً مستقيما ـ كما في يومي الاعتدالين ـ نصّف ذلك الخط بخط مستقيم على نحو تحدث من تنصيفه زوايا ، وإن كان الخطان خطين متقاطعين ـ كما في غير اليومين المذكورين ـ فلا بد من أن يحدث من تقاطعهما زاوية ، فلينصفها بخط آخر نصفين متساويين ، وهذا الخط المنصف في الصورتين هو خط نصف النهار ، فاذا مال ظل الشاخص عنه إلى المشرق فقد زالت الشمس. ولا يعتبر في صحته أن يكون رسم الخط المنطبق على‌

٦٩

وهي أضبط وأمتن [١].

______________________________________________________

الظل عند الطلوع والغروب ، بل يكفي فيه أن يكون الرسم في زمانين متساويي النسبة إلى الطلوع والغروب في البعد والقرب.

[١] لكونه أقرب إلى الإحساس مما سبق ، ومع ذلك ربما لا يستقيم هذا الطريق في بعض الأحيان ، بل يحتاج إلى تعديل حتى يستقيم ـ كما عن الوافي ـ لاختلاف مداري الشمس حال مدخل الظل الغربي ومخرج الظل الشرقي. نعم يستقيم لو اتفق الميل حال الزوال فيتحد المداران حينئذ في الوقتين ، لكن الأمر سهل. لأن اختلاف المدار كذلك يوجب الاختلاف بزمان يسير جداً.

هذا وفي الجواهر : « إنما الكلام في اعتبار مثل هذا الميل في دخول الوقت بعد أن علقه الشارع على الزوال الذي يراد منه ظهوره لغالب الأفراد حتى أنه أخذ فيه استبانته ـ كما سمعته في الخبر السابق ـ وإناطته بتلك الزيادة التي لا تخفى على أحد على ما هي عادته في إناطة أكثر الأحكام المترتبة على بعض الأمور الخفية بالأمور الجلية كي لا يوقع عباده في شبهة .. ».

وفيه : أن مفهوم الزوال كسائر المفاهيم المأخوذة موضوعاً للأحكام الشرعية يترتب عليه حكمه واقعاً بمجرد وجوده كذلك ، ولا يعتبر فيه ظهوره لأحد ، فضلاً عن ظهوره لغالب الأفراد ، والاستبانة لم تؤخذ في موضوعيته للحكم ، وإنما أخذت طريقاً اليه جمعاً بين الخبر المتقدم وما دل على كون الوقت هو الزوال الواقعي ، وإناطته بالزيادة لا تنافي ذلك بل تثبته لأن الزيادة الواقعية ملازمة للزوال واقعاً وإن كان المحسوس منها يكون بعد الزوال بقليل. فلاحظ.

هذا وفي صحيح عبد الله بن سنان المروي عن الفقيه عن أبي عبد الله (ع) :

٧٠

ويعرف المغرب بذهاب الحمرة المشرقية [١]

______________________________________________________

« تزول الشمس في النصف من ( حزيران ) على نصف قدم ، وفي النصف من ( تموز ) على قدم ونصف ، وفي النصف من ( آب ) على قدمين ونصف ، وفي النصف من ( أيلول ) على ثلاثة أقدام ونصف ، وفي النصف من ( تشرين الأول ) على خمسة أقدام ونصف ، وفي النصف من ( تشرين الآخر ) على سبعة ونصف ، وفي النصف من ( كانون الأول ) على تسعة ونصف ، وفي النصف من ( كانون الآخر ) على سبعة ونصف ، وفي النصف من ( شباط ) على خمسة ونصف ، وفي النصف من ( آذار ) على ثلاثة ونصف ، وفي النصف من ( نيسان ) على قدمين ونصف ، وفي النصف من ( أيار ) على قدم ونصف وفي النصف من ( حزيران ) على نصف قدم » (١). وعن الخصال والتهذيب روايته أيضاً. وإطلاقه ليس مراداً قطعاً ، لاختلاف الأمكنة في ذلك اختلافاً فاحشاً ، ولذا قال في محكي التذكرة والمنتقى : « إن النظر والاعتبار يدلان على أن هذا مخصوص بالمدينة ». وعن المنتهى وشيخنا البهائي : « أنه مختص بالعراق وما قاربها لأن عرض البلاد العراقية يناسب ذلك ، ولأن الراوي لهذا الحديث ـ وهو عبد الله ابن سنان ـ عراقي ». هذا وقد يشكل الحديث لما فيه من اختلاف الشهور الثلاثة الأول بزيادة القدم والثلاثة التي بعدها بزيادة القدمين ، وكذا نقصان الثلاثة الأخيرة عن التي قبلها ، مع أن الاختلاف بالزيادة والنقصان إنما يكون تدريجياً. وحمله على كونه تقريبياً فلا ينافيه ذلك ، كما ترى خلاف الظاهر. والله سبحانه أعلم.

[١] إجماعا كما عن السرائر ، وعليه عمل الأصحاب كما في المعتبر ، ونسبه جماعة إلى المشهور ، وآخرون إلى الأكثر ومنهم السيد في المدارك. ومقتضى الجمود على ما يفهم من العبارة وملاحظة سياقه مساق علامات‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

٧١

______________________________________________________

الزوال الاتفاق على كون المراد من غروب الشمس غروبها عن أفق المصلي فتكون العلامة المذكورة مرجعاً عند الشك في غروبها عن الأفق ، لاحتمال حجبها بضباب أو سحاب أو جبل أو غير ذلك ، فاذا علم بغروبها عن الأفق جاز ترتيب الأثر وإن لم تذهب الحمرة ، فيكون مراد المخالف الاكتفاء في ترتيب الأثر بمجرد الغياب عن النظر وإن احتمل ذلك. لكن ليس مرادهم ذلك ، بل تحديد الغروب بذهاب الحمرة ، فيكون المراد من غروب الشمس وصولها تحت الأفق إلى درجة تقارن ذهاب الحمرة ، كما يظهر بأدنى تأمل في كلماتهم. وفي المدارك عن المبسوط والاستبصار وعلل الشرائع والاحكام وابن الجنيد والمرتضى في بعض مسائله : « انه يعلم باستتار القرص وغيبته عن العين مع انتفاء الحائل بينهما ». وحكي عن المنتقى والاثنا عشرية وشرحها. وفي المدارك : انه لا يخلو من قوة. وعن ظاهر حاشيتها والوافي والبحار والكفاية والمفاتيح والمستند وعن الحبل المتين : نفي البعد عنه. ونسب الى معتمد النراقي أيضاً ، بل عنه نسبته الى أكثر الطبقة الثالثة ، وربما نسب الى غيرهم أيضاً.

واستدل للأول بأخبار كثيرة :

منها : مصحح بريد بن معاوية عن أبي جعفر (ع) : « إذا غابت الحمرة من هذا الجانب ـ يعني من المشرق ـ فقد غابت من شرق الأرض وغربها » (١). وفيه : أن الترتيب في القضية ليس بلحاظ الوجود الخارجي ، إذ لا ترتب للجزاء على الشرط ، بل بلحاظ الوجود العلمي ، وترتب العلم بالجزاء على العلم بالشرط لا يقتضي اقترانهما حدوثاً ، بل يجوز أن يتقدم حدوث الجزاء على حدوث الشرط كما تقول : « إذا استطعمك‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ١.

٧٢

______________________________________________________

زيد فهو جائع ».

ومنها : مرسل علي بن أحمد بن أشيم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق ، وتدري كيف ذلك قلت : لا. قال (ع) : لأن المشرق مطل على المغرب هكذا ـ ورفع يمينه فوق يساره ـ فاذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا » (١) فان ظهور صدره في إرادة الغروب بالمرتبة المقارنة لذهاب الحمرة مما لا مجال لإنكاره. وكذا التعليل ، إذ الذي يصح أن يكون علة لذهاب الحمرة ليس إلا الغروب بتلك المرتبة لا غير. ومثله مرسل ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) : « وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق فاذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص » (٢).

ومنها : خبر أبان : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أي ساعة كان رسول الله (ص) يوتر؟ فقال (ع) : على مثل مغيب الشمس إلى صلاة المغرب » (٣). وفيه : أن ذكر نفس الصلاة لا وقتها يمكن أن يكون من جهة فصل الصلاة عن المغيب غالباً بالسعي الى المسجد والأذان والإقامة ولا يدل على تأخر وقتها عن المغيب.

ومنها : مصحح بكر بن محمد عن أبي عبد الله (ع) : « سأله سائل عن وقت المغرب. فقال (ع) : إن الله تعالى يقول ( فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي ) وهذا أول الوقت ، وآخر ذلك غيبوبة الشفق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ٥.

٧٣

______________________________________________________

وأول وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة ، وآخر وقتها إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ. يعني : نصف الليل » (١) وفيه : أن رؤية الكوكب قد تكون قبل الغروب ، وقد تكون معه ، وقد تكون بعده ، وقد تكون بعد ذهاب الحمرة والغالب رؤية الكوكب قبل ذهاب الحمرة بكثير ، والبناء عليه أو على إطلاق الرواية مخالف للقولين. مضافاً الى أن سوق الأول مساق الآخر يقتضي عدم ظهورها في الوجوب ، كرواية شهاب بن عبد ربه : « قال أبو عبد الله (ع) : يا شهاب إني أحب إذا صليت المغرب أن أرى في السماء كوكباً » (٢). مع معارضتهما بما رواه الصباح وأبو أسامة قالا : « سألوا الشيخ (ع) عن المغرب ، فقال بعضهم : جعلني الله فداك ننتظر حتى يطلع كوكب؟ فقال (ع) : خطابية إن جبرائيل نزل بها على محمد حين سقط القرص » (٣).

ومنها : خبر محمد بن علي : « صحبت الرضا (ع) في السفر فرأيته يصلي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق. يعني : السواد » (٤) وفيه : أن العمل مجمل لا يدل على التوقيت الوجوبي ، وحكايته ليست من المعصوم لتدل عليه ، كما لا يخفى.

ومنها : خبر عمار عن أبي عبد الله (ع) : « إنما أمرت أبا الخطاب أن يصلي المغرب حين زالت الحمرة من مطلع الشمس فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب وكان يصلي حين يغيب الشفق » (٥). وفيه : أنه لا يظهر منها كون أمره (ع) لأبي الخطاب بالصلاة حين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ١٨ من أبواب المواقيت حديث : ١٦.

(٤) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ٨.

(٥) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ١٠.

٧٤

______________________________________________________

زوال الحمرة كان للوجوب أو للاستحباب أو للاحتياط ، كما قد يشهد للأخير خبر عبد الله بن وضاح الآتي ، وللثاني مرسل الفقيه : « ملعون ملعون من أخر المغرب طلباً لفضلها » (١). ونحوه مرسل محمد بن أبي حمزة (٢). فافهم.

ومنها : مكاتبة عبد الله بن وضاح الى العبد الصالح (ع) : « يتوارى القرص ويقبل الليل ، ثمَّ يزيد الليل ارتفاعاً ، وتستتر عنا الشمس ، وترتفع فوق الجبل حمرة ، ويؤذن عندنا المؤذن ، أفأصلي وأفطر إن كنت صائماً أو انتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل؟ فكتب الي : أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك » (٣). وفيه : أن التعبير بالاحتياط شاهد بأن التأخير إنما هو لاحتمال عدم سقوط القرص لا لوجوبه تعبداً ، فهي على خلاف المشهور أدل. ودعوى أن اختياره (ع) للتعبير عن وجوب التأخير واقعاً تعبداً بقوله (ع) : « أرى » وقوله (ع) : « بالحائطة » لأجل التقية ، لا داعي إليها ، ولا شاهد عليها. مضافاً الى عدم ظهور الحمرة التي ترتفع فوق الجبل في الحمرة المشرقية. بل ظاهر قوله : « ويقبل الليل ثمَّ يزيد الليل ارتفاعاً » تبدل الحمرة المشرقية بالسواد وزوالها عن الأفق الشرقي ، فتكون الرواية مناسبة لمذهب الخطابية.

ومنها خبر جارود : « قال لي أبو عبد الله (ع) : يا جارود ينصحون فلا يقبلون ، وإذا سمعوا بشي‌ء نادوا به أو حدثوا بشي‌ء أذاعوه. قلت لهم : مسوا بالمغرب قليلا فتركوها حتى اشتبكت النجوم فأنا الآن أصليها إذا سقط‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب المواقيت : حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب المواقيت حديث : ٢٠.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ١٤.

٧٥

______________________________________________________

القرص » (١). وفيه : أن الظاهر أن قوله (ع) : « مسوا .. » بيان لصغرى قوله (ع) : « ينصحون فلا يقبلون ». وحينئذ تكون صلاته (ع) عند سقوط القرص ردعاً لما قد يختلج في أذهان الشيعة من رجحان الانتظار الى أن تشتبك النجوم. وحينئذ تكون على خلاف المشهور أدل ، لامتناع ردعهم عن ذلك التوهم بفعل الصلاة قبل وقتها ، فان ذلك إيقاع لهم بخلاف الواقع على وجه أعظم ، إذ ليس في التأخير إلا فوات الفضل وفي التقديم على الوقت فوات الصحة كما لا يخفى. وحمله على كونه من صغريات الإذاعة لتكون الصلاة عند سقوط القرص من باب التقية من العامة والفرار من خطر الإذاعة فتدل على المشهور ـ كما في الوسائل ـ لا وجه له ، لاختصاص ذلك بصورة إذاعة الحق الذي سمعوه لا الباطل الذي شرعوه كما هو ظاهر الرواية. فقوله (ع) : « قلت .. » راجع الى قوله (ع) : « ينصحون فلا يقبلون » وصغرى له ، لا صغرى لما بعده. وليس في قوله (ع) : « قلت .. » إشارة إلى الإذاعة بوجه.

ومنها صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (ع) : « قال لي : مسوا بالمغرب قليلا ، فان الشمس تغيب من عندكم قبل أن تغيب من عندنا » (٢). وفيه : أنه إن كان المراد من التعليل أنها تغيب عن الأفق حقيقة قبل أن تغيب من عندهم ، فهو كاف في جواز الصلاة ولا يعتبر غيابها عن جميع الآفاق بالضرورة ، ففي رواية عبيد الله بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال : « سمعته يقول : صحبني رجل كان يمسي بالمغرب ويغلس بالفجر وكنت أنا أصلي المغرب إذا غربت الشمس وأصلي الفجر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ١٥.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ١٣.

٧٦

______________________________________________________

إذا استبان لي الفجر. فقال لي الرجل : ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع؟ فإن الشمس تطلع على قوم قبلنا وتغرب عنا وهي طالعة على قوم آخرين بعد. قال (ع) : فقلت : إنما علينا أن نصلي إذا وجبت الشمس عنا وإذا طلع الفجر عندنا وليس علينا إلا ذلك ، وعلى أولئك أن يصلوا إذا غربت عنهم » (١). وإن كان المراد أنها تغيب بحسب النظر الخطئي لوجود حائل ونحوه عنها ، فوجوب الانتظار لا يدل على المشهور بوجه كما لا يخفى.

ومنها خبر محمد بن شريح عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن وقت المغرب فقال (ع) : إذا تغيرت الحمرة في الأفق وذهبت الصفرة وقبل أن تشتبك النجوم » (٢). وفيه : أن تغير الحمرة غير زوالها ، ومدعى المشهور هو الثاني دون الأول. فلم يبق ما يصلح دليلا للمشهور غير المرسلتين لا بني أشيم وأبي عمير‌. مع أن التعليل في أولتهما ظاهر في كون الحكم جارياً على المعنى العرفي في الغياب أعني : الغياب عن دائرة الأفق لا الغياب عن دائرة أخرى تحتها ، وزوال الحمرة إنما يقارن وصول الشمس تقريباً إلى الدرجة الرابعة تحت الأرض ، فلا يبعد الحمل على إرادة أن زوال الحمرة طريق قطعي إلى غياب الشمس عن دائرة الأفق ، بحيث لا يبقى احتمال كونها طالعة وأنها محجوبة بحائل من جبل أو غيره ، ولا سيما وأن تصرف الشارع الأقدس في الغروب وفي الليل ونحوهما مما جعل مبدأ الوقت لو كان ثابتاً لاشتهر النقل عنه ، لتوفر الدواعي اليه ، للابتلاء به في كل يوم ، فحمل لزوم الانتظار على كونه حكما ظاهرياً عند الشك أولى من حمله على كونه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ٢٢.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ١٢.

٧٧

______________________________________________________

حكماً واقعياً لتصرف الشارع الأقدس في مفهوم الغروب.

ولا سيما مع معارضة تلك النصوص بنصوص أخرى مضافاً إلى ما تقدم منها : صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها » (١). وصحيح زرارة : « قال أبو جعفر عليه‌السلام : « وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيت بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئاً » (٢) ، وخبر جابر عن أبي جعفر (ع) قال : « قال رسول الله (ص) : إذا غاب القرص أفطر الصائم ودخل وقت الصلاة » (٣) وصحيح داود بن فرقد : « سمعت أبي يسأل أبا عبد الله (ع) متى يدخل وقت المغرب؟ فقال (ع) : إذا غاب كرسيها. قلت : وما كرسيها؟ قال (ع) : قرصها. قلت : متى يغيب؟ قال (ع) إذا نظرت اليه فلم تره » (٤) ـ ونحوه صحيح علي بن الحكم عمن حدثه عن أحدهما عليه‌السلام(٥) ـ ورواية إسماعيل بن الفضل : « كان رسول الله (ص) يصلي المغرب حين تغيب الشمس حين يغيب حاجبها » (٦) ، وخبر عمرو ابن أبي نصر : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول في المغرب : إذا توارى القرص كان وقت الصلاة وأفطر » (٧) ، وخبر الربيع بن سليمان وأبان

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ١٦.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ١٧.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ٢٠.

(٤) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت ملحق حديث : ٢٥.

(٥) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ٢٥.

(٦) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ٢٧.

(٧) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ٣٠.

٧٨

______________________________________________________

ابن أرقم وغيرهم : « قالوا : أقبلنا من مكة حتى إذا كنا بوادي الأخضر إذا نحن برجل يصلي ونحن ننظر الى شعاع الشمس فوجدنا في أنفسنا ، فجعل يصلي ونحن ندعو عليه حتى صلى ركعة ونحن ندعو عليه ونقول : هذا من شباب أهل المدينة. فلما أتيناه إذا هو أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، فنزلنا فصلينا معه وقد فاتتنا ركعة فلما قضينا الصلاة قمنا اليه فقلنا : جعلنا فداك هذه الساعة تصلي؟ فقال (ع) : إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت » (١). وحمله على التقية ـ مع أنه لا داعي إليه ـ بعيد جداً ، ولا سيما بالنسبة إلى الجماعة الذين اقتدوا به مع عدم ظهور ذلك لهم بوجه. نعم صدرها ظاهر في اعتقادهم عدم دخول الوقت بغياب القرص ، ولعله لأنهم من أهل الكوفة الذين دخلت عليهم الشبهة من أبي الخطاب لعنه الله. ومصحح محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال : « كان رسول الله (ص) يصلي المغرب ، ويصلي معه حي من الأنصار يقال لهم : ( بنو سلمة ) ، منازلهم على نصف ميل فيصلون معه ، ثمَّ ينصرفون الى منازلهم وهم يرون موضع سهامهم » (٢) فان الظاهر أنه لا ينطبق على ما هو المشهور. ورواية صفوان بن مهران : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إن معي شبه الكرش فأؤخر صلاة المغرب حتى غيبوبة الشفق ثمَّ أصليهما جميعاً يكون ذلك أرفق بي. فقال (ع) : إذا غاب القرص فصل المغرب فإنما أنت ومالك لله سبحانه » (٣) ، ورواية الشحام : « قال رجل لأبي عبد الله (ع) : أؤخر المغرب حتى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ٢٣.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب المواقيت حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١٨ من أبواب المواقيت حديث : ٢٤.

٧٩

______________________________________________________

تستبين النجوم. فقال (ع) : خطابية ، إن جبرئيل نزل بها على محمد (ص) حين سقط القرص » (١) ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ : « قال : وقت المغرب حين تجب الشمس الى أن تشتبك النجوم » (٢) ورواية أبي بصير : « وقت المغرب حين تغيب الشمس » (٣) ، ورواية الفضل : « إنما جعلت الصلاة في هذه الأوقات ولم تقدم ولم تؤخر لأن الأوقات المشهورة المعلومة التي تعم أهل الأرض فيعرفها الجاهل والعالم أربعة غروب الشمس مشهور معروف تجب عنده المغرب » .. (٤) الى غير ذلك مما هو كثير.

( وترجيح ) الأولى على الأخيرة بأنها أقرب إلى الاحتياط ، وأن فيه جمعاً بين الأدلة ، وأنه من حمل المجمل على المبين ، والمطلق على المقيد ، ولاحتمال الثانية للتقية لموافقتها للعامة ، وللنسخ ، ولأن الأولى أشهر فتوى بين الأصحاب ولكونها أوضح دلالة إذ لم يصرح في الثانية بعدم اشتراط ذهاب الحمرة ، فما دل على اعتباره أوضح دلالة وأبعد عن التأويل ـ كما في الوسائل ـ ( كما ترى ). إذ الترجيح بالأحوطية ـ لو سلم ـ إنما يكون بعد تعذر الجمع العرفي. والأخبار الثانية ليست من قبيل المجمل أو المطلق ، لأن قولهم (ع) : حين تغيب الشمس ، أو قرصها ، أو نحو ذلك ، لما كان وارداً في مقام التوقيت فهو ظاهر في أول وجود الغياب لا غير ، وبعضها نص في ذلك. واحتمال الثانية للتقية أو للنسخ لا يكفي في رفع اليد عنها ، ولا سيما مع بعد الثاني جداً ، بل لعله ممتنع ، لصدورها من المعصوم في مقام البيان للحكم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب المواقيت حديث : ١٨.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب المواقيت حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ٢٨.

(٤) الوسائل باب : ١٠ من أبواب المواقيت حديث : ١١.

٨٠