مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

______________________________________________________

وخبر إسماعيل الجعفي : « سمعت أبا جعفر (ع) يقول : الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفاً ، فعد ذلك بيده واحداً واحداً ، الأذان ثمانية عشر حرفاً ، والإقامة سبعة عشر حرفاً » (١). وهو ينطبق على ما في الخبر الأول. وفي علل الفضل عن الرضا (ع) في الأذان : « وإنما جعل مثنى مثنى ليكون‌ .. إلى أن قال (ع) : وجعل التكبير في أول الأذان أربعاً لأن أول الأذان .. » (٢).

نعم يعارضها صحيح صفوان : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : الأذان مثنى مثنى ، والإقامة مثنى مثنى » (٣). وصحيح عبد الله بن سنان : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الأذان. فقال (ع) تقول : الله أكبر الله أكبر. أشهد .. » إلى آخر ما ذكر في الخبر الأول من الفصول يقول (ع) كل واحد من الفصول مرتين (٤). ومثله صحيح زرارة والفضيل الحاكي لأذان النبي (ص) لما أسري به إلى البيت المعمور ، وفي آخره قال (ع) : « والإقامة مثلها إلا أن فيها : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة. بين : حي على خير العمل ، وبين : الله أكبر. فأمر بها رسول الله (ص) بلالا فلم يزل يؤذن بها حتى قبض الله تعالى رسوله » (٥) وصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (ع) : « الأذان مثنى مثنى والإقامة واحدة » (٦) ، وخبر عبد السلام : « قال رسول الله (ص)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ١٤.

(٣) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٨.

(٦) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٧.

٥٤١

وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله ، وحي على الصلاة ، وحي على الفلاح ، وحي على خير العمل والله أكبر ، ولا إله إلا الله ، كل واحد مرتان.

وفصول الإقامة سبعة عشر : الله أكبر [١] في أولها مرتان ،

______________________________________________________

ـ في حديث ـ : إنه لما عرج بي إلى السماء أذن جبرئيل (ع) مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى » (١). ونحوها غيرها. والجمع العرفي يقتضي حمل ما دل على الأقل على الاجزاء وما دل على الأكثر على الفضل. بل لعل الأفضل ما روي عن النهاية (٢) والمصباح (٣) من أن الأذان والإقامة اثنان وأربعون فصلا ، فيكون التكبير أربع مرات في أول الأذان وآخره وأول الإقامة وآخرها والتهليل مرتين فيهما. لكن لا مجال لذلك بعد حكاية ظاهر الإجماعات على العمل بالأول. نعم عن الخلاف عن بعض الأصحاب : أنه عشرون كلمة وأن التكبير في آخره أربع. لكنه غير معتد به. قال في مفتاح الكرامة : « إن الشيعة في الأعصار والأمصار ، في الليل والنهار ، في المجامع والجوامع ورؤوس المآذن يلهجون بالمشهور ، فلا يصغى بعد ذلك كله إلى قول القائل بخلاف ذلك ».

[١] حكي عليه الإجماع ، وأنه مذهب العلماء ، وأنه لا يختلف فيه الأصحاب ، وأن عليه عمل الأصحاب ، وعمل الطائفة ، وأنه مذهب الشيعة وأتباعهم ، ونحو ذلك مما هو ظاهر في الإجماع. وليس في النصوص ما يشهد له إلا خبر إسماعيل الجعفي المتقدم‌. مع أنه محتاج في تتميم الدليلية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ١٧.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٢٢.

(٣) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٢٣.

٥٤٢

ويزيد بعد حي على خير العمل : ( قد قامت الصلاة ) مرتين وينقص من لا إله إلا الله في آخرها مرة. ويستحب الصلاة على محمد وآله عند ذكر اسمه [١].

______________________________________________________

إلى إجماع أو نحوه كما هو ظاهر. وأما النصوص الأخر : فمنها : ما دل على أن الإقامة مثنى مثنى كالأذان ، مثل صحيح صفوان وخبر عبد السلام ابن صالح‌. ومنها : ما دل على أنها واحدة مثل صحيح معاوية بن وهب‌. ومنها : ما دل على أنها مرة مرة إلا قول : ( الله أكبر ) فإنه مرتان (١) ومنها : ما تضمن أنها كالأذان إلا في زيادة : ( قد قامت الصلاة ) ، بعد بيان تثنية التكبير في أوله والتهليل في آخره كصحيح زرارة والفضيل‌. ومنها : ما دل على أنها كالأذان بعد بيان تربيع التكبير في أوله وتثنية التكبير في آخره كخبر الحضرمي والأسدي‌. وكذا خبر يزيد بن الحسن الذي قد ترك فيه ذكر : ( حي على خير العمل ). في الأذان (٢). ومنها : ما عرفت حكايته عن النهاية والمصباح. وقد عرفت أن الجمع العرفي بين النصوص المذكورة يقتضي حمل ما دل على الأقل على أقل مراتب الفضل وما دل على الزائد عليه على الأفضل على اختلاف مراتبه. لكن لا مجال لذلك بعد وضوح خلافه عند المتشرعة ، فالعمل على المشهور لازم. نعم لا بأس بالإتيان بغيره برجاء المطلوبية ، ولا سيما مع ما عن النهاية من جواز تربيع التكبير في آخر الأذان وأول الإقامة وآخرها. والله سبحانه أعلم.

[١] لصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « وصل على النبي كلما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ١٨ وباقي النصوص المشار إليها في هذه التعليقة تقدم ذكرها والإشارة إلى مصدرها في التعليقة السابقة.

٥٤٣

وأما الشهادة لعلي (ع) بالولاية وإمرة المؤمنين فليست جزءاً منهما [١].

______________________________________________________

ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره » (١). مضافاً إلى عموم ما تضمن الأمر بالصلاة عليه عند ذكره.

[١] بلا خلاف ولا إشكال قال في محكي الفقيه ـ بعد ذكر حديث الحضرمي والأسدي المتقدم ـ : « هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه ، والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً زادوا بها في الأذان :( محمد وآل محمد خير البرية ) مرتين ، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمداً رسول الله : ( أشهد أن علياً ولي الله ) مرتين ، ومنهم من روى بدل ذلك : ( أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً ) مرتين ، ولا شك في أن علياً ولي الله وأمير المؤمنين حقاً وأن محمداً وآله صلى الله عليهم خير البرية ، لكن ليس ذلك في أصل الأذان ». قال : « وإنما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض المدلسون أنفسهم في جملتنا » (٢) وقال الشيخ (ره) في محكي النهاية : « فأما ما روي في شواذ الأخبار من قول : ( ان علياً ولي الله وآل محمد خير البرية ) فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة فمن عمل به كان مخطئاً ». وقال في المبسوط : « وأما قول :( أشهد أن علياً أمير المؤمنين وآل محمد خير البرية ) ـ على ما ورد في شواذ الأخبار ـ فليس بمعمول عليه في الأذان ، ولو فعله الإنسان لم يأثم به ، غير أنه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله ». وفي المنتهى : « وأما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٢٥ ـ الفقيه : ج ١ صفحة : ١٨٨ طبع النجف الحديث.

٥٤٤

ولا بأس بالتكرير في : ( حي على الصلاة ) أو : ( حي على الفلاح ) [١] للمبالغة في اجتماع الناس ، ولكن الزائد ليس جزءاً من الأذان.

______________________________________________________

ما روي من الشاذ من قول : ( إن علياً ولي الله ) و ( أن محمداً وآله خير البرية ) فمما لا يعول عليه ». ونحوه كلام غيرهم. والظاهر من المبسوط إرادة نفي المشروعية بالخصوص ، ولعله أيضاً مراد غيره.

لكن هذا المقدار لا يمنع من جريان قاعدة التسامح على تقدير تماميتها في نفسها ، ومجرد الشهادة بكذب الراوي لا يمنع من احتمال الصدق الموجب لاحتمال المطلوبية. كما أنه لا بأس بالإتيان به بقصد الاستحباب المطلق لما في خبر الاحتجاج : « إذا قال أحدكم : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله. فليقل : علي أمير المؤمنين » (١). بل ذلك في هذه الأعصار معدود من شعائر الايمان ورمز إلى التشيع ، فيكون من هذه الجهة راجحاً شرعاً بل قد يكون واجباً ، لكن لا بعنوان الجزئية من الأذان. ومن ذلك يظهر وجه ما في البحار من أنه لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الاجزاء المستحبة للأذان ، لشهادة الشيخ والعلامة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها ، وأيد ذلك بخبر القاسم بن معاوية المروي عن احتجاج الطبرسي عن الصادق (ع) وما في الجواهر من أنه كما ترى. غير ظاهر.

[١] اتفاقاً كما في المختلف وظاهر غيره ، لموثق أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « لو أن مؤذناً أعاد في الشهادة ، أو في حي على الصلاة أو حي على الفلاح ، المرتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان إنما يريد‌

__________________

(١) رواه في الاحتجاج عن القاسم عن معاوية عن الصادق (ع) في طي احتجاجات علي (ع) مع المهاجرين والأنصار في ذيل تفصيل ما كتب على العرش وغيره صفحة : ٧٨.

٥٤٥

ويجوز للمرأة الاجتزاء [١]

______________________________________________________

به جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس » (١). وفي صحيح زرارة : « قال لي أبو جعفر (ع) ـ في حديث ـ : « إن شئت زدت على التثويب حي على الفلاح. مكان : الصلاة خير من النوم » (٢). ومن الأول يظهر عموم الحكم للشهادة ، ولا يختص بما ذكر في المتن.

[١] لا إشكال ظاهراً في مشروعية الأذان والإقامة للنساء. وعن المدارك وفي الحدائق : دعوى الإجماع عليه. وعن الذكرى : نسبته إلى علمائنا وعن كشف اللثام : الظاهر أنه اتفاقي. وكذا ظاهر محكي المعتبر والمنتهى والتذكرة. ويشهد له صحيح ابن سنان : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة تؤذن للصلاة. فقال (ع) : حسن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها أن تكبر وأن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله (ص) » (٣) وفي مرسل الفقيه : « قال الصادق عليه‌السلام : ليس على المرأة أذان ولا إقامة إذا سمعت أذان القبيلة ، ويكفيها الشهادتان ، ولكن إذا أذنت وأقامت فهو أفضل » (٤). وبذلك يخرج عما دل على أنه لا أذان ولا إقامة عليها ، مثل صحيح جميل بن دراج قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة أعليها أذان وإقامة؟ فقال (ع) : لا » (٥). ومثله خبر جابر‌ (٦) ، وخبر وصية النبي (ص) لعلي (ع) (٧). ويشهد لما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٣.

(٦) مستدرك الوسائل باب : ١٣ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٢.

(٧) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٧.

٥٤٦

عن الأذان بالتكبير والشهادتين ، بل بالشهادتين [١]. وعن الإقامة بالتكبير وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله [٢]. ويجوز للمسافر والمستعجل الإتيان بواحد من كل فصل منهما [٣] ،

______________________________________________________

في المتن من اجتزائها عن الأذان بالتكبير والشهادتين صحيح ابن سنان المذكور.

[١] كما في مرسل الفقيه المتقدم‌. وفي صحيح زرارة : « قلت لأبي جعفر (ع) : النساء عليهن أذان؟ فقال (ع) : إذا شهدت الشهادتين فحسبها » (١).

[٢] كما يشهد به صحيح أبي مريم الأنصاري : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إقامة المرأة أن تكبر وتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله » (٢). بل قد يظهر من المرسل المتقدم الاكتفاء عنها بالشهادتين فقط.

[٣] كما عن جماعة من الأصحاب التصريح به ، بل عن الذخيرة نسبة الحكم في الأول إلى الأصحاب ، ففي خبر بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه‌السلام : الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة ، الأذان واحداً واحداً ، والإقامة واحدة » (٣). ولعل ذيله قرينة على إرادة الإقامة من الأذان في أوله كما هو الظاهر من صحيح عبد الرحمن الآتي ، وخبر نعمان الرازي : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : يجزؤك من الإقامة طاق طاق في السفر » (٤) وصحيح أبي عبيدة : « رأيت أبا جعفر (ع)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٥.

٥٤٧

كما يجوز ترك الأذان والاكتفاء بالإقامة [١]. بل الاكتفاء‌

______________________________________________________

يكبر واحدة واحدة في الأذان. فقلت له (ع) : لم تكبر واحدة واحدة؟ فقال (ع) : لا بأس إذا كنت مستعجلا » (١). لكن لم يتعرض فيه للإقامة ، بل ولا لغير التكبير ، إلا أن يكون المراد من التكبير تمام الفصول بقرينة قوله : « واحدة واحدة » ، لأن التكرار في الوحدة لا يكون إلا بلحاظ الفصول غير التكبير. فتأمل.

[١] ففي صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق (ع) : « يجزئ في السفر إقامة بغير أذان » (٢). وصحيحه الآخر : « يقصر الأذان في السفر كما تقصر الصلاة ، تجزئ إقامة واحدة » (٣). ومرسل بريد مولى الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « سمعته يقول : لأن أقيم مثنى مثنى أحب إلي من أن أؤذن وأقيم واحداً واحداً » (٤). ومنه يستفاد أن الاقتصار على الإقامة أفضل من فعل الأذان والإقامة فصلا فصلا. بل منه يظهر أيضاً حكم الاستعجال بناء على مشروعية إفراد الفصول منهما معاً فيه. مضافاً إلى خبر أبي بصير المتقدم : « إن كنت وحدك تبادر أمراً تخاف أن يفوتك يجزؤك إقامة إلا الفجر والمغرب فإنه ينبغي أن تؤذن فيهما وتقيم من أجل أنه لا يقصر فيهما كما يقصر في سائر الصلوات » (٥) لكنه مختص بغير الفجر والمغرب.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٩.

(٤) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٦ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٧. وتقدم في البحث عن استحباب الأذان في صدر هذا الفصل.

٥٤٨

بالأذان فقط. ويكره الترجيع [١] على نحو لا يكون غناء ،

______________________________________________________

هذا ولعل الظاهر من عبارة المتن إرادة بيان جواز ترك الأذان والاكتفاء بالإقامة مطلقاً ، لا في خصوص حال السفر كما يقتضيه استحبابه مستقلا. وصحيح الحلبي : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل هل يجزؤه في السفر والحضر إقامة ليس معها أذان؟ قال (ع) : نعم لا بأس به » (١). وقريب منه غيره. لكن الحمل على هذا المعنى يقتضي أيضاً حمل ما بعده من الاكتفاء بالأذان فقط على مطلق الحال لا خصوص الحالين المذكورين وهو لا يوافق ما سبق من الاحتياط اللزومي في فعل الإقامة. كما أن الحمل على خصوص الحالين أيضاً يوجب الاشكال عليه بعدم الدليل بالخصوص على الاكتفاء بالأذان فقط لا في حال السفر ولا في حال الاستعجال ، كما أشرنا إليه سابقاً. فلاحظ.

[١] يعني : ترجيع الصوت فيه. ولا يظهر عليه دليل ـ كما اعترف به غير واحد ـ إلا ما يحكى عن الرضوي حيث قال فيه بعد ذكر فصول الأذان وعددها : « ليس فيها ترجيع ولا ترديد .. » (٢) بناء على أن المراد منه ترجيع الصوت كما عن البحار احتماله. نعم ذكر الأصحاب ( رض ) الترجيع في المقام ، واختلفوا في حكمه ومفهومه ، فهم بين قائل بكراهته ، وآخر بحرمته وعدم جوازه ، وآخر ببدعيته ، وآخر بعدم كونه مسنوناً ولا مستحباً. وبين مفسر له بتكرير التكبير والشهادتين في أول الأذان ، وآخر بأنه تكرير الشهادتين مرتين أخريين ، وآخر بأنه تكرير الشهادتين برفع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٣.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ١٩ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ١ ولكن المذكور فيه « تردد » مكان « ترديد » وهكذا الموجود في الحدائق.

٥٤٩

وإلا فيحرم [١] ، وتكرار الشهادتين جهراً بعد قولهما سراً أو جهراً [٢] ، بل لا يبعد كراهة مطلق تكرار واحد من الفصول إلا للإعلام.

( مسألة ١ ) : يسقط الأذان في موارد : ( أحدها ) : أذان عصر يوم الجمعة إذا جمعت مع الجمعة [٣] أو الظهر‌

______________________________________________________

الصوت بعد فعلهما مرتين بخفض الصوت ، أو برفعين ، أو بخفظين ، وآخر بأنه تكرير الفصل زيادة على الموظف. وعن جماعة من أهل اللغة : أنه تكرير الشهادتين جهراً بعد إخفاتهما. وعن بعض العامة : أنه الجهر في كلمات الأذان مرة والإخفات أخرى من دون زيادة. وتعيين واحد من المعاني المذكورة لا يهم بعد عدم ذكر لفظ الترجيع في النصوص. نعم خبر أبي بصير المتقدم في مسألة تكرير : ( حي على الصلاة ) (١) يدل على ثبوت البأس بإعادة ما عدا الشهادة والحيعلتين الأولتين مطلقاً ، وبإعادة الشهادة والحيعلتين لغير الاعلام ، وذلك في أمثال المقام من المندوبات ظاهر في الكراهة. وأما قاعدة التسامح ـ على تقدير تماميتها ـ فهي تقتضي كراهة جميع المعاني المذكورة بناء على صدق بلوغ الثواب بمجرد الفتوى حتى لو كانت بالحرمة أو الكراهة. هذا كله لو لم يؤت بالزائد بقصد المشروعية وإلا كان تشريعاً محرماً.

[١] هذا بناء على حرمة الغناء مطلقاً ، وإلا اختص بصورة تحريمه لا غير.

[٢] مما سبق في الترجيع تعرف الكلام هنا.

[٣] بلا خلاف معتد به أجده فيه كما في الجواهر. وعن الذكرى : نسبته إلى الأصحاب. وعن الغنية والسرائر والمنتهى : الإجماع عليه. واستدل‌

__________________

(١) راجع صفحة ٥٤٥.

٥٥٠

______________________________________________________

له برواية حفص بن غياث عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) : « الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة » (١) بناء على تفسيره بأذان العصر ـ كما عن بعض ـ لأنه ثالث الأذان والإقامة للظهر ، أو ثالث الأذانين للصبح والظهر. ولكنه كما ترى مجمل غير ظاهر. وقد حمله بعض على الأذان الثاني للظهر الذي قيل : إنه ابتدعه عثمان. كما عن مجمع البيان رواية ذلك عن السائب ابن زيد‌. وعن بعض : أنه ابتدعه معاوية.

هذا وعن الشيخ (ره) الاستدلال له بصحيح رهط منهم الفضيل وزرارة عن أبي جعفر (ع) : « إن رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين » (٢) وفي المدارك وغيرها : الاشكال عليه بأنه إنما يدل على ترك الأذان للعصر والعشاء مع الجمع بين الفرضين مطلقاً سواء أكان يوم الجمعة أم غيره ، وهو غير المدعى. ودفعه غير واحد بأنه لم يظهر من المستدل اختصاص الدعوى بالجمعة ، ولذا قال في المعتبر : « يجمع يوم الجمعة بين الظهرين بأذان وإقامتين ـ كذا قاله الثلاثة وأتباعهم ـ لأن الجمعة تجمع صلواتها وتسقط ما بينهما من النوافل ». وفي محكي كشف اللثام : « يسقط الأذان بين كل صلاتين جمع بينهما ـ كما قطع به الشيخ والجماعة ـ لأنه المأثور عنهم بل عن الخلاف الإجماع على أنه ينبغي لمن جمع بين الصلاتين أن يؤذن للأولى ويقيم للثانية ».

قلت : إشكال المدارك مبني على ما هو الظاهر من ذكر عصر الجمعة مورداً لسقوط الأذان بالخصوص في قبال سائر موارده من كونه بخصوصه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب صلاة الجمعة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الاذن والإقامة حديث : ٢.

٥٥١

______________________________________________________

مورداً للسقوط ، كالأذان لعصر عرفة ، وعشاء المزدلفة ، وغيرهما من موارد السقوط ، والصحيح المذكور خال عن الدلالة على ذلك. مع أن فهم الكلية المذكورة ـ أعني : سقوط الأذان في مورد الجمع ـ منه غير ظاهر ، إذ مجرد وقوع ذلك من النبي (ص) لا يدل عليه ، لجواز تركه للمستحب كتركه للنافلة ، وحكاية الإمام (ع) له يمكن أن يكون المقصود منها التنبيه على جوازه كالجمع بين الصلاتين ، كصحيح ابن سنان عن الصادق (ع) : « إن رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علة بأذان واحد وإقامتين » (١). ولذا تعرضت جملة من النصوص لجمعه (ص) بين الصلاتين من دون تعرض للأذان ، كموثق زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علة ، وصلى بهم المغرب والعشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة ، وإنما فعل رسول الله (ص) ليتسع الوقت على أمته » (٢). وخبر عبد الملك القمي عن أبي عبد الله (ع) : « أجمع بين الصلاتين من غير علة؟ قال (ع) : قد فعل ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد التخفيف عن أمته » (٣). ونحوهما غيرهما

ومن التعليل المذكور في هذه النصوص وغيرها يظهر ضعف ما ذكره بعض من استبعاد أن يكون المقصود من الترك بيان استحباب الترك وعدم وجوب الفعل ، لأن الترك الذي يمكن أن يكون لجهات عديدة مجمل الدلالة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب المواقيت حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

٥٥٢

______________________________________________________

لا يستكشف منه أن المتروك مستحب ، ولا شبهة أن القول أبلغ في بيان المقصود وأظهر. ( انتهى ). وجه الضعف : أن الاستدلال ليس بالترك ، بل بالتعليل لصراحته في كون الترك للدلالة على نفي الوجوب لا نفي المشروعية. وعليه فكلية سقوط مشروعية الأذان في حال الجمع المستحب أو مطلقاً غير ظاهرة من النصوص وإن نسبت إلى المشهور ، بل قد عرفت عن الخلاف دعوى الإجماع عليها ، وكذا في ظاهر المعتبر وكشف اللثام.

ولذلك قوى في الجواهر عدم السقوط فيما لو صلى الظهر أربعاً في يوم الجمعة فضلا عن الجمع بين الظهرين في غيره ، وإن اختار السقوط فيما لو صلى الظهر جمعة اعتماداً منه على الإجماعات صريحة أو ظاهرة على السقوط فيه ، المحكية عن الغنية والسرائر والمنتهى وغيرها ، التي بها ترفع اليد عن إطلاقات الاستحباب أو عموماته ، ولا سيما مع اعتضاد دعوى الإجماع باستمرار سيرة النبي (ص) والتابعين وتابعي التابعين على تركه ، ولم يقم مثل هذه الإجماعات على السقوط فيما لو صلى الظهر أربعاً يوم الجمعة ، فقد حكي العدم فيه عن المقنعة والأركان والكامل والمهذب والسرائر وغيرها ، فضلا عن كلية الجمع بين الصلاتين ولو في غيره ، ولم تثبت سيرة المعصومين (ع) على الترك فيها ، فالعمل فيها على إطلاقات المشروعية بلا مانع ، بل في السقوط في الصورة الأولى تأمل وإشكال حيث لم يتحقق إجماع يجب العمل به ، لحكاية القول بالعدم فيها عن جماعة منهم سيد المدارك وأستاذه الأردبيلي. ومن ذلك يظهر الاشكال على المصنف (ره) حيث لم يتعرض لسقوط الأذان في مطلق الجمع ، الظاهر منه بناؤه على عدمه ، ومع ذلك بنى على سقوط أذان العصر يوم الجمعة إذا جمعت مع الظهر من دون ظهور دليل عليه بالخصوص. وفي الجواهر : « وأولى منه‌

٥٥٣

وأما مع التفريق فلا يسقط [١]. ( الثاني ) : أذان عصر يوم عرفة إذا جمعت مع الظهر [٢] لا مع التفريق.

______________________________________________________

في عدم السقوط الجمع في غير محل استحبابه ». وما ذكره في محله. فلاحظ.

[١] لإطلاق دليل المشروعية من دون مقيد من نص أو إجماع ، ويشهد له ـ بناء على منافاة النافلة للجمع ـ خبر زريق المروي في الوسائل عن مجالس الشيخ (ره) عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : وربما كان يصلي يوم الجمعة ست ركعات إذا ارتفع النهار وبعد ذلك ست ركعات أخر وكان إذا ركدت الشمس في السماء قبل الزوال أذن وصلى ركعتين فما يفرغ إلا مع الزوال ثمَّ يقيم للصلاة فيصلي الظهر ويصلي بعد الظهر أربع ركعات ثمَّ يؤذن ويصلي ركعتين ثمَّ يقيم ويصلي العصر » (١). لكن الخبر ضعيف السند ، ومتضمن لمشروعية تقديم أذان الظهر على الزوال.

[٢] بلا خلاف ظاهر ، بل عن جماعة كثيرة : دعوى الإجماع صريحاً وظاهراً عليه. ويشهد له صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « السنة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن ويقيم للظهر ثمَّ يصلي ثمَّ يقوم فيقيم للعصر بغير أذان ، وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة » (٢) ، ومرسل الفقيه : « إن رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر بعرفة بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء بـ ( جمع ) بأذان واحد وإقامتين » (٣). ومقتضى إطلاق الصحيح عدم الفرق بين عرفة وغيرها من المواضع ، لظهوره في كون موضوع السقوط هو يوم عرفة ، لكن عن ظاهر السرائر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب صلاة الجمعة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٣.

٥٥٤

( الثالث ) : أذان العشاء في ليلة المزدلفة [١] مع الجمع أيضاً لا مع التفريق [٢] ( الرابع ) : العصر والعشاء للمستحاضة التي تجمعهما مع الظهر والمغرب [٣]

______________________________________________________

اختصاص الحكم بعرفة ، وفي الجواهر : « لعله المنساق من النص ». ويناسبه جداً كونه في سياق المزدلفة ، فيكون المطلق من قبيل المقرون بما يصلح للقرينية ، فيسقط إطلاقه.

هذا ومقتضى إطلاقه عدم الفرق في السقوط بين صورتي الجمع والتفريق. لكن لا تبعد دعوى كون المنسبق من عبارته خصوص صورة الجمع. فما قد يظهر من إطلاق جملة من العبارات من عموم الحكم للتفريق أيضاً ضعيف.

[١] بلا خلاف ظاهر. ويشهد له ـ مضافاً إلى ما تقدم ـ صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) : « صلاة المغرب والعشاء بـ ( جمع ) بأذان واحد وإقامتين ولا تصل بينهما شيئاً. وقال (ع) : هكذا صلى رسول الله (ص) » (١) ، ومصحح الحلبي عنه (ع) : « لا تصل المغرب حتى تأتي ( جمعاً ) فصل بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان وإقامتين » (٢).

[٢] إذ النصوص المتقدمة الدالة على السقوط ما بين مختص بصورة الجمع وبين منصرف إليها ، لأن الجمع هو الوظيفة الدارجة.

[٣] ليس في النصوص الواردة في أحكام المستحاضة تعرض لسقوط الأذان في الفريضة الثانية ، وإنما تضمنت الجمع بين الظهرين بغسل وبين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب الوقوف بالمشعر حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب الوقوف بالمشعر حديث : ١.

٥٥٥

( الخامس ) : المسلوس [١] ونحوه في بعض الأحوال التي يجمع بين الصلاتين [٢]. كما إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين بوضوء واحد. ويتحقق التفريق بطول الزمان بين الصلاتين [٣] لا بمجرد قراءة تسبيح الزهراء ، أو التعقيب والفصل القليل‌

______________________________________________________

العشاءين بغسل ، فالبناء على السقوط يتوقف على تمامية كلية سقوط الأذان مع الجمع. وما في الجواهر من ورود السقوط في المستحاضة في النصوص لم نقف عليه.

[١] لصحيح حريز عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : « إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان في حين الصلاة أخذ كيساً وجعل فيه قطناً ثمَّ علقه عليه وأدخل ذكره فيه ثمَّ صلى يجمع بين صلاتين الظهر والعصر ، يؤخر الظهر ويعجل العصر بأذان وإقامتين ، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء بأذان وإقامتين » (١).

[٢] إلحاق مثل المبطون والمسلوس سلس الريح بالمسلوس بالبول يتوقف إما على ثبوت كلية سقوط الأذان في الجمع بين الصلاتين ، أو إلغاء خصوصية المورد. وإذ أن ظاهر المصنف (ره) عدم ثبوت الكلية المذكورة يتعين كون الوجه عنده الثاني. ولا يخلو من تأمل.

[٣] قد يظهر من غير واحد ممن علل سقوط الأذان في الجمع بأن الأذان للوقت ولا وقت للعصر ، أو أن الوقت لواحدة منهما : أن الجمع عبارة عن فعل الفريضتين في وقت إحداهما ، فيكون التفريق عبارة عن فعلهما في وقتهما. لكن يرده ما ورد في المسلوس من تأخير الظهر وتعجيل العصر وتأخير المغرب وتعجيل العشاء ، الظاهر منه حصول الجمع بفعل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ١.

٥٥٦

______________________________________________________

الفريضتين في وقتهما معاً. كما أن المنسوب لجماعة من المحققين : أن الجمع عبارة عن وصل الصلاة الثانية بالأولى على نحو يصدق عرفاً إيقاعهما في زمان واحد ، اعتماداً منهم على كون ذلك هو المفهوم منه عرفاً ويقابله التفريق. وما ذكره هؤلاء في محله. نعم المحكي عن السرائر والروض وظاهر غيرهما : أن الجمع عبارة عن عدم التنفل بين الفريضتين ، والتفريق عبارة عن التنفل بينهما. وقد يشهد له خبر محمد بن حكيم : « سمعت أبا الحسن (ع) يقول : الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوع ، فاذا كان بينهما تطوع فلا جمع » (١) ، وخبره الآخر عنه (ع) : « إذا جمعت بين صلاتين فلا تطوع بينهما » (٢).

وخبر الحسين بن علوان عن جعفر (ع) : « رأيت أبي وجدي القاسم بن محمد يجمعان مع الأئمة المغرب والعشاء في الليلة المطيرة ولا يصليان بينهما شيئاً » (٣).

لكن لا يخفى أن الظاهر من الخبرين الأولين قدح التطوع في الجمع ، لا أن المراد من الجمع عدم التطوع ولو مع الفصل الطويل ، كما يقتضيه ظاهر القول المذكور ، ولا بأس بالالتزام بمنافاة التطوع للجمع ، فإنه مناف لمفهومه عرفاً. مضافاً إلى ظهور نصوصه في ذلك كصحيح ابن سنان المتقدم في يوم عرفة وصحيح حريز في المسلوس ، فلاحظهما. بل هو صريح صحيح منصور الوارد في المزدلفة الناهي عن التطوع بين العشاءين ، وأنه خلاف ما فعل رسول الله (ص). نعم قد ينافي ذلك صحيح أبان بن تغلب : « صليت خلف أبي عبد الله (ع) المغرب بالمزدلفة فلما انصرف أقام الصلاة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

٥٥٧

______________________________________________________

فصلى العشاء الآخرة لم يركع بينهما ثمَّ صليت معه بعد ذلك بسنة فصلى المغرب ثمَّ قام فتنفل بأربع ركعات ثمَّ أقام فصلى العشاء الآخرة » (١). لكن لإجماله لأنه حكاية عن واقعة لا يصلح لمعارضة ما سبق. وأما خبر عبد الله بن سنان : « شهدت صلاة المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول الله (ص) فحين كان قريباً من الشفق نادوا وأقاموا الصلاة فصلوا المغرب ، ثمَّ أمهلوا الناس حتى صلوا ركعتين ، ثمَّ قام المنادي في مكانه في المسجد فأقام الصلاة فصلوا العشاء ، ثمَّ انصرف الناس إلى منازلهم فسألت أبا عبد الله (ع) عن ذلك ، فقال (ع) : نعم قد كان رسول الله (ص) عمل بهذا » (٢). فلا يظهر منه أن ترك الأذان كان لأجل تحقق الجمع بين الفريضتين ليدل على عدم قدح النافلة فيه ، لجواز أن يكون لأجل الاستعجال أو المطر أو غيرهما مما اقتضى ترك الأذان للمغرب أيضاً. ومثله صحيح أبي عبيدة : « سمعت أبا جعفر (ع) يقول : كان رسول الله (ص) إذا كانت ليلة مظلمة وربح ومطر صلى المغرب ثمَّ مكث قدر ما يتنفل الناس ثمَّ أقام مؤذنه ثمَّ صلى العشاء الآخرة ثمَّ انصرفوا » (٣). وحمله على كون المراد من الإقامة ما يعم الأذان ، أو كون المراد من قوله (ع) : « قدر ما يتنفل الناس » مقداراً من الزمان بلا تنفل ، أو كونه (ص) لم يتنفل والعبرة بصلاته ، بعيد. مع أن كون العبرة بصلاته أول الكلام ، إذ لا نيابة في الأذان. وأما خبر الحسين بن علوان فاجماله ظاهر ، ومن ذلك تعرف الاشكال فيما ذكره المصنف بقوله : « بل لا يحصل .. ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

٥٥٨

بل لا يحصل بمجرد فعل النافلة [١] مع عدم طول الفصل. والأقوى أن السقوط في الموارد المذكورة رخصة لا عزيمة [٢] وإن كان الأحوط الترك ، خصوصاً في الثلاثة الأولى.

______________________________________________________

[١] قد عرفت ظهور النصوص في منافاته للجمع.

[٢] أما في الأول : فالمحكي عن البيان والروضة وكشف اللثام وغيرها : أنه حرام ، وعن المبسوط والعلامة في جملة من كتبه ، والذكرى ، وجامع المقاصد وتعليقة النافع وغيرها : أنه مكروه ، وعن الدروس : أنه مباح. وإذ عرفت أن عمدة المستند في السقوط هو الإجماع والسيرة يتعين البناء على الأخير ، لعدم ثبوت الإجماع على واحد منها بعينه ، والسيرة أعم من كل منهما ، ومع إجمالهما تكون إطلاقات التشريع الدالة على وجود المصلحة المصححة للتعبد به والتقرب بفعله بلا مقيد لها.

وأما ما في الجواهر من أنه لا جهة للتمسك بإطلاق أوامر الأذان أو عموماته. ضرورة الاتفاق على عدم شمولها للمفروض ، وإلا لاقتضيا بقاء ندبه ، فالمرجع أصالة عدم المشروعية المقتضية للحرمة. ففيه : أن البناء على انتفاء البعث اليه بظهور السيرة في ذلك لا يقتضي البناء على عدم المصلحة المصححة للتشريع والتعبد ، لاحتمال ملازمته لعنوان مرجوح ، فلا موجب لرفع اليد عن دلالة الأدلة العامة على رجحانه ووجود المصلحة فيه ، لأن دلالة الأوامر العامة على البعث والحث عليه بالمطابقة ، وعلى وجود المصلحة المصححة للتشريع بالالتزام ، ولا تلازم بين الدلالتين في الحجية ، فسقوط الأولى عن الحجية لظهور السيرة في خلافها لا يقتضي سقوط الثانية عنها ، كما أشرنا إلى ذلك مراراً في مطاوي هذا الشرح. ولذا بني على أصالة التساقط في المتعارضين ، وعلى كونهما حجة في نفي الثالث. وحصول‌

٥٥٩

______________________________________________________

القطع بمرجوحيته بنحو ينافي مشروعيته من الإجماع والسيرة ممنوع جداً. نعم لو كان المستند في السقوط خبر ابن غياث كان البناء على الحرمة التشريعية ـ كما هو لازم كونه بدعة ـ في محله. لكن عرفت عدم تماميته.

وأما في الثاني : فاستظهر في الجواهر كون السقوط عزيمة ناسباً الوفاق فيه إلى صريح بعض ، وإلى ظاهر التعبير بالبدعة. وعن الشهيد في بعض كتبه والمحقق : أنه مكروه ، وعن الدروس : الإباحة. وظاهر ما تضمنه صحيح ابن سنان (١) السابق من أن السنة إيقاع الصلاة الثانية بلا أذان أنه تخصيص لعموم المشروعية ، فيتعين كونه عزيمة ، لانتفاء الأمر به. وكذا الكلام بعينه في الثالث ، لاتحاد لسان السقوط فيهما.

وأما الرابع : فلأنك عرفت أنه لا دليل على السقوط فيه فاطلاقات المشروعية فيه بلا معارض. نعم قد يشكل فعله من جهة ظهور ما دل على أنها تجمع بين الظهرين بغسل وبين العشاءين بغسل في البعدية على نحو ينافيها الأذان. لكنه لو تمَّ لأشكل الأذان في الأولى أيضاً مع أنه في غير محله كما تقدم في غسل المستحاضة. بل عن الشهيد : أنه لا إشكال في مشروعية الأذان لها.

وأما في الخامس : فمقتضى الجمود على صحيح حريز (٢) عدم جواز الفصل بين الوضوء والصلاتين إلا بما ذكر في الصحيح من الأذان للأولى والإقامة لها وللثانية ، بمعنى : أنه لو فصل لم تبق طهورية الوضوء للصلاة المفصولة بالأذان. لكن لو تمَّ فهو أجنبي عن عدم المشروعية ، بل من جهة لزوم تحصيل الطهارة في الصلاة ، فهو نظير ما لو كانت له‌

__________________

(١) تقدم في المورد الثاني لسقوط الأذان.

(٢) تقدم في المورد الخامس لسقوط الأذان.

٥٦٠