مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

______________________________________________________

فكل ما يكون في هذا الانفراج فهو مستقبل ـ بالفتح ـ ولما كان هذا الانفراج يضيق من جانب المصلي ويتسع من جانب القوس ، فكلما يكون المستقبل ـ بالفتح ـ من جانب المصلي أقرب تكون المحاذاة أضيق ، وكلما كان أبعد كانت المحاذاة أوسع. ولعل مراد المصنف (ره) من المحاذاة العرفية هذا المعنى. يعني : المحاذاة الحسية لا المحاذاة المسامحية.

هذا وقد ذكر بعض مشايخنا ـ دام تأييده ـ في درسه : « إن قوس الاستقبال من دائرة الأفق نسبته إليها نسبة قوس الجبهة إلى مجموع دائرة الرأس ، ولما كان الغالب أن قوس الجبهة خمس من دائرة الرأس تقريباً ، فقوس الاستقبال من دائرة الأفق خمس تقريباً الذي يبلغ اثنتين وسبعين درجة وعليه فلا يضر الانحراف ثلاثين درجة تقريباً ». وما ذكره مما لا يشهد به عرف ولا لغة ، ولا تساعده كلماتهم ، فاستظهاره من الأدلة غير ظاهر الوجه.

ومثله في الاشكال ما عن المحقق الأردبيلي من عدم اعتبار التدقيق في أمر القبلة ، وما حاله إلا كحال أمر السيد عبده باستقبال بلد من البلدان النائية الذي لا ريب في امتثاله بمجرد التوجه الى تلك البلد من غير حاجة الى رصد وعلامات وغيرها ، مما يختص بمعرفته أهل الهيئة ، المستبعد والممتنع تكليف عامة الناس من النساء والرجال ـ خصوصاً السواد منهم ـ بما عند أهل الهيئة الذي لا يعرفه إلا الأوحدي منهم ، واختلاف العلامات التي نصبوها ، وخلو النصوص عن التصريح بشي‌ء من ذلك سؤالاً وجواباً ، عدا ما ستعرفه مما ورد في الجدي من الأمر تارة بجعله بين الكتفين ، وأخرى بجعله على اليمين ، مما هو ـ مع اختلافه ، وضعف سنده ، وإرساله ـ خاص بالعراقي ، مع شدة الحاجة لمعرفة القبلة في أمور كثيرة ، خصوصاً‌

١٨١

ويعتبر العلم بالمحاذاة [١] مع الإمكان. ومع عدمه يرجع الى العلامات والأمارات المفيدة للظن [٢].

______________________________________________________

في مثل الصلاة التي هي عمود الأعمال وتركها كفر ، ولعل فسادها ولو بترك الاستقبال كذلك أيضاً ، وتوجه أهل مسجد قبا في أثناء الصلاة لما بلغهم انحراف النبي (ص) ، وغير ذلك مما لا يخفى على العارف بأحكام هذه الملة السهلة السمحة ، أكبر شاهد على شدة التوسعة في أمر القبلة وعدم وجوب شي‌ء مما ذكره هؤلاء المدققون انتهى. ونحوه ما في المدارك وعن غيرها.

إذ فيه : ما عرفت من أن ظاهر أدلة الاستقبال وجوب الاستقبال بالمعنى المتقدم ، والخروج عنه مما لا موجب له. وكذا الحال في المثال الذي ذكره ، والاكتفاء فيه بمجرد التوجه في الجملة ممنوع ، إلا أن تقوم قرينة عليه. نعم تعذر العلم بها غالباً أو صعوبته يجوز الرجوع الى الظن ـ كما سيأتي ـ لا أنه يكون دليلاً على التوسع في معنى الاستقبال. فلاحظ. والله سبحانه أعلم.

[١] لأن شغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ كذلك.

[٢] استظهر في الجواهر جواز العمل بالأمارات الشرعية ولو مع التمكن من العلم ، لإطلاق دليل العمل بها ، وظهور اتفاق الأصحاب على إرادتها من العلم المأمور به للقبلة. وفيه : أنه إن كان المراد من الأمارات الشرعية ما ورد به النص مثل وضع الجدي على المنكب أو بين الكتفين ، ففيه : أن ظاهر السؤال في المرسل الآتي صورة العجز ، وكذا ظاهر المسند. مع أن في جعل الجدي من الأمارات الشرعية ـ بناء على استفادته من النص ـ إشكالا ، لأنه إذا كان علامة في صقع معين يمتنع أن يكون مخالفاً ، لأنه يلزم من الأمر بالعمل به الأمر بمخالفة الواقع دائماً. مع‌

١٨٢

وفي كفاية شهادة العدلين مع إمكان تحصيل العلم إشكال [١] ومع عدمه لا بأس بالتعويل عليها [٢] إن لم يكن اجتهاده على خلافها [٣]

______________________________________________________

أنه خلاف كونه علامة على القبلة ، فيتعين كونه مصيباً لها دائماً ويكون من الامارات المفيدة للعلم. نعم لو بني على عدم استفادة كونه علامة من النص من جهة قصور دلالته ، وأن ذلك مأخوذ من قول أهل الخبرة ، خرج عن كونه من الأمارات الشرعية ويكون حاله حال غيره مما يفيد الظن. وإن كان المراد مثل قبله البلد ومحاريب المسلمين وإخبار ذي اليد فالحكم بإطلاق أدلتها غير ظاهر ، إذ هي مستفادة من السيرة والإجماع. ودعوى شمولها لصورة التمكن من العلم محتاجة إلى تأمل. وسيأتي التعرض لذلك إن شاء الله.

[١] وجهه : أن دليل حجية البينة وإن كان شاملا للمقام ـ على ما عرفت من إمكان استفادة عموم الحجية من رواية مسعدة بن صدقة (١) ـ إلا أن في شمولها للأخبار عن حدس تأملا ، لقرب دعوى انصرافها الى الاخبار عن حسن أو ظهورها فيه.

وأما ما في الجواهر من أنه بين دليل اعتبارها وما دل على وجوب الاجتهاد عموم من وجه. ففيه : أن دليل اعتبارها حاكم على ما دل على وجوب الاجتهاد عند تعذر العلم ، لأن دليل اعتبارها يجعلها علماً تنزيلا فلا مجال للاجتهاد معه. ومنه يظهر أن الأقوى التفصيل بين إخبارها عن حس فتكون حجة ، وعن حدس فلا تكون حجة.

[٢] لدخولها حينئذ في التحري الواجب عند عدم إمكان العلم بالقبلة.

[٣] إذ حينئذ يكون العمل على اجتهاده ، لأنه أقرب إلى مطابقة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٤.

١٨٣

وإلا فالأحوط تكرار الصلاة [١] ، ومع عدم إمكان تحصيل الظن يصلي الى أربع جهات [٢] إن وسع الوقت ، وإلا فيتخير بينها‌

______________________________________________________

الواقع فيدخل في التحري دونها. هذا إذا كان أخبار البينة عن حدس. أما إذا كان عن حس فالبينة مقدمة على اجتهاده كما عرفت.

[١] فيصلي مرة على طبق اجتهاده ، وأخرى على طبقها. وظاهره التوقف. لكن عرفت الاجتزاء بالعمل باجتهاده.

[٢] الترتيب المذكور هو المشهور. وعن ظاهر الشيخين في المقنعة والنهاية والمبسوط وغيرهما : أنه مع فقد الأمارات السماوية لا يجوز العمل بالظن ، بل يصلي الى أربع جهات مع الإمكان ، ومع عدمه يصلي الى جهة واحدة. وفيه : أنه مخالف لصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « يجزئ التحري أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة؟ » (١) ، وموثق سماعة : « سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم ير الشمس والقمر ولا النجوم. قال (ع) : اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك » (٢) بناء على ظهورها في الاجتهاد في القبلة لا في الوقت ، ضرورة صدق التحري والاجتهاد على مطلق الظن. نعم يعارضهما مرسل خراش عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) : « إن هؤلاء المخالفين علينا يقولون : إذا أطبقت علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في الاجتهاد. فقال (ع) ليس كما يقولون ، إذا كان كذلك فليصل لأربع وجوه » (٣) إلا أنه لا مجال للعمل به لإرساله وإعراض المشهور عنه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب القبلة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب القبلة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب القبلة حديث : ٥.

١٨٤

______________________________________________________

وكيف كان فالمشهور شهرة عظيمة أنه مع فقد العلم والظن يصلي الى أربع جهات ، بل في المعتبر وعن المنتهى والتذكرة : نسبته إلى علمائنا وعن صريح الغنية : الإجماع عليه. ويشهد له مرسل خراش المتقدم ، ومرسل الكافي : « روي أيضاً أن المتحير يصلي الى أربعة جوانب » (١) ومرسل الفقيه : « روي في من لا يهتدي إلى القبلة في مفازة أن يصلي الى أربعة جوانب » (٢). وضعفها منجبر بما عرفت.

نعم يعارضها صحيح زرارة ومحمد عن أبي جعفر (ع) : « يجزئ المتحير أبداً أينما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة » (٣) ، ومرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن قبلة المتحير. فقال (ع) : يصلي حيث يشاء » (٤) ، وصحيح معاوية بن عمار : « أنه سأل الصادق (ع) : عن الرجل يقوم في الصلاة ثمَّ ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه قد انحرف يميناً أو شمالا. فقال (ع) : قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة. ونزلت هذه الآية في قبلة المتحير ( وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) (٥) » (٦).

والمناقشة في الأول سنداً بجهالة طريق الصدوق إلى زرارة ومحمد مجتمعين ، ومتناً من جهة أن في بعض النسخ ذكر « التحري » بدل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب القبلة حديث : ٤ وفي الوسائل عن الكافي ( انه ) بدل ( ان المتحير ).

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب القبلة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب القبلة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب القبلة حديث : ٣.

(٥) البقرة ـ ١١٥.

(٦) الوسائل باب : ١٠ من أبواب القبلة حديث : ١.

١٨٥

______________________________________________________

« المتحير ». مع أنه مناف لما دل على وجوب التحري عند عدم العلم. وفي الثاني بالإرسال. وفي الثالث بأنه قد احتمل جماعة من المحققين كون قوله : « نزلت .. » ، من كلام الصدوق لا من الرواية.

مندفعة بأن نص الصدوق على طريقه الى زرارة والى محمد مع عدم تعرضه لطريقة إليهما مجتمعين يقتضي أن طريقه إليهما مجتمعين هو طريقه الى كل منهما منفرداً. وما في بعض النسخ لا يعول عليه بعد كون النسخة الشائعة ما ذكرنا ولا سيما مع عدم مناسبة المتن لما في بعض النسخ. والجمع بينه وبين ما دل على وجوب التحري ممكن بالتقييد ، بل لعل ما دل على وجوب التحري يدل على حجية الظن ، ويكون بمنزلة العلم ، فيكون حاكماً على الرواية المذكورة ومرسل ابن أبي عمير كمسنده حجة عند المشهور ، فإنه لا يرسل إلا عن ثقة. فتأمل. واحتمال جملة من المحققين لا مجال للاعتماد عليه في رفع اليد عن الظاهر. وكأن الوجه في مناسبته لصدر الرواية هو التنظير ، وأنه كما لا يضر الانحراف عن القبلة خطأ كذلك لا يضر مع التحير. وورود جملة من النصوص في نزول الآية الشريفة المذكورة في النافلة (١) لا ينافي نزولها أيضاً في المتحير.

وكأنه لذلك اختار جماعة من المتأخرين الاكتفاء بالصلاة لجهة واحدة منهم المحقق الأردبيلي. وعن المختلف والذكرى : الميل اليه. ونسب أيضاً الى العماني والصدوق. وهو في محله لو لا شبهة إعراض الأصحاب عن النصوص المذكورة وإن لم يكن متحققاً ، لاحتمال كون الوجه في بنائهم على الصلاة للجهات الأربع كونه أوفق بقاعدة الاحتياط. وأما ما عن‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٥ من أبواب القبلة حديث : ١٨ و ١٩ و ٢٣ وباب : ١٣ من أبواب القبلة حديث : ٧ وراجع المستدرك باب : ١١ من أبواب القبلة حديث : ٥ و ٦.

١٨٦

( مسألة ١ ) : الامارات المحصلة للظن التي يجب الرجوع إليها عند عدم إمكان العلم كما هو الغالب بالنسبة إلى البعيد ـ كثيرة :

( منها ) : الجدي [١] الذي هو المنصوص في الجملة [٢] بجعله في أواسط العراق ـ كالكوفة والنجف وبغداد ونحوها ـ

______________________________________________________

السيد ابن طاوس (ره) في ( أمان الأخطار ) من الرجوع الى القرعة ففيه : أنه طرح لنصوص الطرفين من غير وجه ظاهر.

[١] بفتح الجيم وسكون الدال المهملة كما ضبطه جماعة ، منهم الحلي في السرائر ، وحكاه عن إمام اللغة ببغداد ابن العطار ، واستشهد له بقول مهلهل :

كأن الجدي جدي بنات نعش

يكب على اليدين فيستدير

وعن المغرب : « أن المنجمين يصغرونه فرقاً بينه وبين البرج ». وفي القاموس : « أن الجدي بمعنى البرج لا تعرفه العرب ». وعليه يكون مختصاً بالكوكب عندهم.

[٢] ففي موثق محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « سألته عن القبلة فقال (ع) : ضع الجدي في قفاك وصله » (١) ، ومرسل الفقيه : « قال رجل للصادق عليه‌السلام : أني أكون في السفر ولا أهتدي الى القبلة بالليل. فقال (ع) : أتعرف الكوكب الذي يقال له جدي؟ قلت : نعم. قال (ع) : اجعله على يمينك ، وإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك » (٢). وما عن تفسير العياشي عن إسماعيل بن أبي

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب القبلة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب القبلة حديث : ٢.

١٨٧

______________________________________________________

زياد السكوني عن جعفر (ع) : « قال رسول الله (ص) ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (١) قال (ص) : هو الجدي لأنه نجم لا يزول ، وعليه بناء القبلة ، وبه يهتدي أهل البر والبحر » (٢). ونحوه خبره الآخر (٣).

ولا يخفى أنه لا يمكن الأخذ بإطلاق النصوص المذكورة. وحملها على صقع معين تناسبه مما لا قرينة عليه. ومجرد كون السائل في الأول من أهل الكوفة غير كاف في القرينية على إرادتها بالخصوص ، ولا سيما لو ثبت مخالفتها لبلد السؤال. مع أن ذلك مناف لما ذكره المحققون من انحراف قبلة الكوفة عن نقطة الجنوب الى المغرب ، وأنه مما يبعد السؤال عن قبلة الكوفة التي هي من أعظم الأمصار الإسلامية المشتملة على كثير من المساجد ، ومنها المسجد الأعظم ، فإنه مما يبعد جداً جهل محمد بن مسلم بقبلتها الى زمان السؤال. فتأمل جيداً. فالبناء على إجمال النصوص المذكورة متعين. نعم يستفاد منها ومن غيرها ـ كموثق سماعة المتقدم في وجوب التحري والاجتهاد ـ جواز الاعتماد على الكواكب في معرفة القبلة وليس هو محلا للإشكال. فلا بد في معرفة قبلة كل بلد بعينه من الرجوع الى قواعد الهيئة وغيرها.

ولا بأس بالإشارة إلى شي‌ء مما ذكره مهرة الفن ـ على ما حكاه جماعة ـ فنقول : إن تساوى البلد ومكة ـ شرفها الله تعالى ـ طولا ـ بأن يكون الخط الواقع بين الشمال والجنوب المار بأحدهما ماراً بالآخر ـ فان زاد عليها عرضاً فقبلته نقطة الجنوب ، وإن نقص عنها عرضاً فقبلته‌

__________________

(١) النحل ـ ١٦‌

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب القبلة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب القبلة حديث : ٤.

١٨٨

______________________________________________________

نقطة الشمال. وإن تساوى معها عرضاً ـ بأن يكون خط المشرق والمغرب المار بأحدهما ماراً بالآخر ـ فان نقص طولا فقبلته نقطة المشرق ، وإن زاد طولا فقبلته نقطة المغرب. وإن اختلف معها طولا وعرضاً ، فبعد تسوية الأرض ورسمه دائرة عليها وتقسيم الدائرة أقواساً أربعة متساوية ، بإخراج خطين متقاطعين على زوايا قوائم أربع ، أحدهما من نقطة المشرق إلى نقطة المغرب ، والآخر من نقطة الجنوب إلى نقطة الشمال ، يسمى الأول خط المشرق والمغرب والآخر خط نصف النهار ، ثمَّ تقسيم كل من تلك الأقواس الأربعة إلى تسعين قسماً متساوية يسمى كل منها درجة ، ليكون مجموع الدائرة ثلاثمائة وستين درجة ، ثمَّ ينظر فان زاد البلد على مكة المشرفة طولا وعرضاً يحسب من نقطتي الجنوب والشمال الى المغرب بقدر التفاوت بين الطولين ويوصل بين النهايتين بخط ، ومن نقطتي المشرق والمغرب الى الجنوب بقدر التفاوت بين العرضين ويوصل بين النهايتين بخط ، ثمَّ يخرج خط مستقيم من مركز الدائرة الى محيطها ماراً بنقطة التقاطع بين الخطين ، فما بين نقطة تقاطع الخط المذكور والمحيط وبين نقطة الجنوب هو مقدار انحراف قبلة البلد عن نقطة الجنوب الى المغرب. وإن نقص طولا وعرضاً يحسب من نقطتي الجنوب والشمال الى المشرق ومن نقطتي المشرق والمغرب الى الشمال .. الى تمام العمل السابق. فمقدار انحراف قبلة البلد عن نقطة الشمال هو مقدار ما بين نقطة التقاطع ونقطة الشمال. وإن نقص طولا وزاد عرضاً ، يحسب من نقطتي الجنوب والشمال الى المشرق ومن نقطتي المشرق والمغرب الى الجنوب .. الى آخر العمل. وإن زاد طولا ونقص عرضاً يحسب من نقطتي الشمال والجنوب الى المغرب ، ومن نقطتي المشرق والمغرب الى الشمال الى آخر العمل.

١٨٩

______________________________________________________

ولعل الأولى من ذلك أن ترسم الدائرة المذكورة وتفرض مكة المشرفة في مركزها ، ثمَّ يوضع البلد في موضعها من الدائرة من حيث الطول والعرض ثمَّ يرسم خط مستقيم من البلد ، إلى مكة ، إلى المحيط ، ثمَّ ينظر مقدار ما بين موضع تقاطع الخط مع المحيط ، وبين إحدى النقاط الأربع فذلك المقدار هو مقدار الانحراف.

وهناك طريق آخر ومحصله : استقبال قرص الشمس عند زوالها في مكة في اليوم الذي تكون فيه فوق رؤوس أهلها ، فخط الاستقبال المذكور هو خط القبلة. وهو يتوقف على معرفة أمرين : أحدهما : الوقت الذي تكون فيه الشمس فوق رؤوس أهل مكة ، وثانيهما : وقت زوال مكة.

وطريق الأول : أن تحسب درجات العرض للمكان الذي يكون فيه الميل الشمالي فتوزع عليه درجات الميل الشمالي التي هي تسعون. فاذا كان عرض المكان اثنتين وعشرين درجة وثلاثين دقيقة ، كان لكل درجة أربع درجات من دائرة معدل النهار التي فيها مدارات الشمس ، ثمَّ يعرف عرض مكة ، فإذا كان خمس عشرة درجة كانت الشمس مسامتة لرؤوس أهلها عند ما تبعد من نقطة الاعتدال الى الميل الشمالي ستين درجة ، ويكون ذلك عند ما تكون في نهاية برج الثور صاعدة ، ونهاية برج السرطان هابطة. والمذكور في كلامهم أن الشمس تسامت رؤوس أهل مكة عند ما تكون في الدرجة الثامنة من الجوزاء صاعدة ، وفي الثالثة والعشرين من السرطان هابطة.

وطريق الثاني : هو أنه لما كانت الشمس تدور في كل يوم ـ الذي هو أربع وعشرون ساعة ـ ثلاث مائة وستين درجة كان لكل ساعة خمس عشرة درجة ، فإذا كان المكان أكثر من مكة طولا بخمس عشرة درجة كان زواله قبل زوال مكة بساعة ، وزوال مكة بعد زواله بساعة ، فقبلته‌

١٩٠

خلف المنكب الأيمن [١]. والأحوط أن يكون ذلك في غاية ارتفاعه وانخفاضه [٢]. والمنكب ما بين الكتف والعنق [٣]. والأولى وضعه خلف الاذن.

______________________________________________________

على خط مواجهة قرص الشمس بعد ساعة من زواله. وإذا كان المكان أنقص من مكة طولا بخمس عشرة درجة كان زوال مكة قبل زواله بساعة فقبلته خط مواجهة قرص الشمس قبل ساعة من زواله. وإذا كان طول المكان أكثر من طول مكة بعشر درجات فقبلته خط مواجهة قرص الشمس بعد زواله بأربعين دقيقة. وإذا كان أنقص من طول مكة بعشر درجات فقبلته خط مواجهة قرص الشمس قبل زواله بأربعين دقيقة. وعلى هذا القياس. وما ذكره الأصحاب في المقام مبني على الرجوع الى الطريقين المذكورين وغيرهما.

[١] لزيادتها على مكة طولا الموجب لانحراف قبلتها عن نقطة الجنوب الى المغرب. والمذكور في كلام جماعة ـ اعتماداً على بعض المحققين من علماء الهيئة ـ أن انحراف قبلة الكوفة عن نقطة الجنوب الى المغرب يساوي اثنتي عشرة درجة وإحدى وثلاثين دقيقة ، وانحراف قبلة بغداد يساوي اثنتي عشرة درجة وخمساً وأربعين دقيقة. والذي يقتضيه الاختبار أن انحرافهما يكون عشرين درجة تقريباً.

[٢] هذا الاحتياط غير ظاهر ، إذ لا يوجب ذلك قوة الظن بالقبلة الدقيقة الحقيقية حينئذ ، والاحتمالات كلها متساوية. نعم يمكن أن يكون الوجه التسالم على صحة كونه علامة حينئذ ، لتقييد أماريته بالحال المذكورة في كلام بعض.

[٣] كما عن نسخة من مختصر النهاية الأثيرية وصريح جامع المقاصد‌

١٩١

وفي البصرة وغيرها من البلاد الشرقية في الاذن اليمنى [١].

______________________________________________________

وربما نسب الى ظاهر نهاية الأحكام والتنقيح وإرشاد الجعفرية. وفي القاموس ومجمع البحرين وعن الصحاح : أنه مجمع عظمى العضد والكتف. وعن جماعة من الفقهاء الجزم به ، بل نسب الى أكثر من تعرض لتفسيره من الفقهاء. ويشهد له ما في كلام جماعة من جعل العلامة لأهل العراق جعل الفجر أو المشرق على المنكب الأيسر ، والمغرب أو الشفق على المنكب الأيمن. إذ لا يتأتى ذلك إلا على التفسير الثاني. ويناسبه جداً ملاحظة مادة الاشتقاق. ولعل مراد من فسره بالأول أنه المراد منه في خصوص المقام بملاحظة القواعد التي أعملها في تعيين القبلة ، لا أنه معناه لغة أو عرفاً وإلا فمعناه الثاني لا غير.

وكيف كان فلا مجال لحمله في المقام على الأول ، إذ عليه يكون الانحراف خمس درجات تقريباً ، وهو خلاف ما عرفت الذي ذكره المحققون في كتب الهيئة على ما حكاه عنهم في البحار وغيره. ومنه يظهر الإشكال في جعله خلف الاذن اليمنى. إلا أن الشأن في صحة الاعتماد على ما ذكره المحققون ، مع أن فيه من الغرائب ما لا يخفى على من له أدنى خبرة بالبلاد فقد ذكر فيه أن انحراف البحرين من الجنوب الى المغرب بسبع وخمسين درجة وثلاث وعشرين دقيقة ، مع أن الاختبار يقضي بأن منامة عاصمة البحرين تنحرف عن الجنوب الى المغرب ست وستين درجة تقريباً. وأن التفاوت بين المدائن وبغداد يكون بأربع درجات تقريباً ، فان ذلك أمر غريب ، لأن المدائن تبعد عن بغداد بفراسخ لا تزيد على العشرة فلاحظه.

[١] يعني في ثقب الاذن اليمنى. والمذكور في الجدول : أن انحراف البصرة من الجنوب الى المغرب ثمان وثلاثون درجة ، وهما متقاربان.

١٩٢

وفي الموصل ونحوها من البلاد الغربية بين الكتفين [١]. وفي الشام خلف الكتف الأيسر [٢]. وفي عدن بين العينين [٣]. وفي صنعاء على الاذن اليمنى. وفي الحبشة والنوبة صفحة الخد الأيسر [٤].

( ومنها ) : سهيل وهو عكس الجدي.

______________________________________________________

[١] ومقتضاه أن قبلته نقطة الجنوب ، والاختبار يقضي بأن انحراف الموصل عن الجنوب الى المغرب باثنتي عشرة درجة. ومنه يظهر الإشكال أيضاً فيما ذكر في الجدول : من أن انحراف الموصل من الجنوب الى المشرق أربع درجات واثنتان وخمسون دقيقة.

[٢] المذكور في الجدول : أن انحراف دمشق من الجنوب الى المشرق ثلاثون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة. وهو مخالف لما في المتن. والاختبار يقتضي أن انحرافه من الجنوب الى المشرق خمس عشرة درجة.

[٣] مقتضاه أن القبلة في عدن نقطة الشمال. والمذكور في الجدول : أن انحراف عدن من الشمال الى المشرق خمس درجات وخمس وخمسون دقيقة وهو مخالف لما ذكر. وكلاهما مخالف للاختبار ، فان انحراف عدن عن الشمال الى المغرب بتسع وعشرين درجة. وأن انحراف صنعاء أقل من ذلك أعني : درجة وخمس عشرة دقيقة. وفي المتن جعل الانحراف فيها من الشمال الى المغرب بقدر انحراف الكوفة. والذي يقتضيه الاختبار أن الانحراف فيها من الشمال الى المغرب ثلاث وثلاثون درجة.

[٤] المذكور في الجدول : أن جرم دار ملك الحبشة تنحرف من الشمال الى المشرق سبعاً وأربعين درجة وخمساً وعشرين دقيقة. والذي يقتضيه الاختبار أن انحراف ( أديس‌أبابا ) عاصمة الحبشة أربع درجات من الشمال‌

١٩٣

( ومنها ) : الشمس لأهل العراق إذا زالت عن الأنف إلى الحاجب الأيمن [١] عند مواجهتهم نقطة الجنوب.

( ومنها ) : جعل المغرب على اليمين والمشرق على الشمال لأهل العراق أيضاً في مواضع يوضع الجدي بين الكتفين كالموصل.

( ومنها ) : الثريا والعيوق لأهل المغرب يضعون الأولى عند طلوعها على الأيمن والثاني على الأيسر [٢].

( ومنها ) : محراب صلى فيه معصوم ، فان علم أنه صلى فيه من غير تيامن ولا تياسر كان مفيداً للعلم ، وإلا فيفيد الظن [٣].

( ومنها ) : قبر المعصوم فاذا علم عدم تغيره وأن ظاهره مطابق لوضع الجسد أفاد العلم ، وإلا فيفيد الظن [٤].

( ومنها ) : قبلة بلد المسلمين [٥] في صلاتهم وقبورهم ومحاريبهم إذا لم يعلم بناؤها على الغلط .. الى غير ذلك كقواعد‌

______________________________________________________

الى المشرق. ولعله يخالف ما ذكر.

[١] مقتضى ما سبق أن تجعل الشمس مقابل الاذن اليمنى فتخرج عن مقابلة الحاجب الأيمن بالمرة.

[٢] ذكر ذلك أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القمي (ره) في رسالة ( إزاحة العلة في معرفة القبلة ) ، وكأن المراد أن يكون موقف المصلي بينهما.

[٣] حملا للفعل على الصحة.

[٤] وذلك لأجل أن بناء المسلمين على الاستقبال في شق القبر وبنائه.

[٥] إجماعاً كما عن التذكرة وكشف الالتباس. وتقتضيه السيرة القطعية‌

١٩٤

الهيئة ، وقول أهل خبرتها.

______________________________________________________

وهو في الجملة مما لا إشكال فيه. إنما الإشكال في اختصاصه بحال عدم التمكن من تحصيل العلم بالقبلة ـ كما هو ظاهر المنتهى ، بل ظاهر قولهم : « فان جهلها عول على الأمارات المفيدة للظن » ، واختاره في المدارك ـ أو يعم صورة التمكن منه ـ كما اختاره في الجواهر ـ قولان ، أولهما أقوى ، لعدم الدليل على الثاني بعد عدم ثبوت إطلاق الإجماع والسيرة ، بل لا يبعد الاختصاص بصورة عدم التمكن من تحصيل الظن الأقوى ، وإن كان عموم الحكم لذلك لا يخلو من قوة ، لأن الظاهر ثبوت السيرة فيهما معاً كإطلاق معقد الإجماع. نعم لو اتفق حصول الظن الأقوى على الخلاف تعين العمل به دونها ، لإطلاق ما دل على وجوب التحري من دون مقيد.

وما في الذكرى وجامع المقاصد من أنه لا يجوز الاجتهاد في الجهة قطعاً. غير ظاهر بعد ما عن المبسوط والمهذب من وجوب الرجوع الى الأمارات إذا ظن بعدم صحة قبلة البلد. ولا فرق بين أن يكون الظن على خلافها بالجهة أو بمجرد التيامن والتياسر. والفرق بينهما بالعمل بالظن المخالف في الثاني ـ كما في الذكرى وجامع المقاصد وغيرهما ـ دون الأول غير ظاهر. قال في الذكرى : « ولا يجوز الاجتهاد في الجهة قطعاً ، وهل يجوز في التيامن والتياسر؟ الأقرب جوازه ، لأن الخطأ في الجهة مع استمرار الخلق واتفاقهم ممتنع ، أما الخطأ في التيامن والتياسر فغير بعيد ». ونحوه ما في جامع المقاصد. وقال في المدارك : « قد قطع الأصحاب بعدم جواز الاجتهاد في الجهة ـ والحال هذه ـ لأن استمرار الخلق واتفاقهم ممتنع أما في التيامن والتياسر فالأظهر جوازه لعموم الأمر بالتحري. وربما قيل‌

١٩٥

( مسألة ٢ ) : عند عدم إمكان تحصيل العلم بالقبلة يجب الاجتهاد في تحصيل الظن ، ولا يجوز الاكتفاء بالظن الضعيف مع إمكان القوي [١] ، كما لا يجوز الاكتفاء به مع إمكان الأقوى. ولا فرق بين أسباب حصول الظن ، فالمدار على الأقوى فالأقوى ، سواء حصل من الامارات المذكورة أو من غيرها ، ولو من قول فاسق ، بل ولو كافر ، فلو أخبر عدل ولم يحصل الظن بقوله ، وأخبر فاسق أو كافر بخلافه وحصل منه الظن من جهة كونه من أهل الخبرة يعمل به.

( مسألة ٣ ) : لا فرق في وجوب الاجتهاد بين الاعمى والبصير [٢].

______________________________________________________

بالمنع منه ، لأن احتمال إصابة الخلق الكثير أقرب من احتمال إصابة الواحد ومنعه ظاهر ».

لكن ظاهر الكلمات المذكورة أن نزاعهم في الموضوع ، وهو إمكان حصول الظن الأقوى من الظن الحاصل من استقرار سيرة المسلمين. وعليه فلا يبعد اختلاف ذلك باختلاف الموارد ، ولا نزاع في الحكم حينئذ. هذا كله في قبلة بلد المسلمين. أما غيرها من الامارات فسيأتي الكلام فيه في المسألة الآتية.

[١] لمنافاته لما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « يجزئ التحري أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة » (١) ، ولما في موثق سماعة : « اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك » (٢).

[٢] لإطلاق أدلته الشامل للأعمى والبصير. وما في كلامهم من أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب القبلة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب القبلة حديث : ٢.

١٩٦

غاية الأمر أن اجتهاد الاعمى هو الرجوع الى الغير في بيان الأمارات [١] ، أو في تعيين القبلة.

( مسألة ٤ ) : لا يعتبر إخبار صاحب المنزل إذا لم يفد الظن [٢] ، ولا يكتفى بالظن الحاصل من قوله إذا أمكن تحصيل الأقوى.

______________________________________________________

الأعمى يعول على غيره ، إن أريد منه التعويل الذي هو نوع من الاجتهاد والتحري ففي محله ، وإن أريد منه التعويل الذي هو من باب التقليد نظير رجوع الجاهل الى العالم في الأحكام تعبداً وإن لم يحصل منه ظن أو كان الظن على خلافه ، فهو مما لا دليل عليه ، ولا وجه للمصير اليه. وما دل على جواز الائتمام بالأعمى إذا كان له من يوجهه ، أجنبي عن إثباته ، لوروده مورد حكم آخر. مع أن الظاهر منه التوجيه على سبيل اليقين بالاستقبال ، لا مجرد التوجيه تعبداً ولو مع الظن بالخلاف. وبذلك يظهر سقوط البحث عن وجوب كونه مؤمناً ، عادلا ، ذكراً ، بالغاً ، حراً ، طاهر المولد. غير مفضول لغيره .. الى غير ذلك من شرائط التقليد. كما يظهر منه أيضاً ضعف ما عن الخلاف من وجوب الصلاة على الأعمى إلى أربع جهات. وربما استظهر من غيره أيضاً ، فإن ذلك أيضاً خلاف إطلاق صحيح زرارة‌.

[١] يعني : فإذا عرفها من الغير توصل إلى القبلة بنفسه.

[٢] لعدم صدق التحري حينئذ. وكذا الوجه فيما بعده. وأما ما دل على حجية إخبار ذي اليد من النصوص (١) المعتضدة بالسيرة فهو مختص بصورة عدم ما يوجب اتهامه : مع أنه مختص بأحكام ما في اليد مثل الطهارة‌

__________________

(١) تقدم ذكرها في الجزء الأول من هذا الكتاب.

١٩٧

( مسألة ٥ ) : إذا كان اجتهاده مخالفاً لقبلة بلد المسلمين في محاريبهم ومذابحهم وقبورهم ، فالأحوط تكرار الصلاة [١] إلا إذا علم بكونها مبنية على الغلط.

( مسألة ٦ ) : إذا حصر القبلة في جهتين بأن علم أنها لا تخرج عن إحداهما وجب عليه تكرار الصلاة [٢] إلا إذا كانت إحداهما مظنونة والأخرى موهومة فيكتفي بالأولى. وإذا حصر فيهما ظناً فكذلك يكرر فيهما [٣]. لكن الأحوط إجراء‌

______________________________________________________

والنجاسة والملكية ونحوها ، وفي شموله للمقام منع ، إذ الحكم في المقام راجع الى أن القبلة في النقطة الكذائية من الأفق ، وليس هو حكماً للدار أو البيت فتأمل جيداً.

[١] لما تقدم من دعوى الجماعة القطع بعدم جواز العمل بالاجتهاد ولكن قد عرفت لزوم العمل على اجتهاده إذا كان الظن الحاصل منه أقوى ، عملا بما دل على وجوب التحري والاجتهاد.

[٢] عملا بالعلم الإجمالي. هذا إذا ترددت القبلة بين نقطتين معينتين بحيث يعلم بأن الصلاة إليهما صلاة إلى القبلة. وأما إذا ترددت القبلة بين تمام نقاط الجهتين فقد يشكل الاكتفاء بالصلاة مرتين ، بل لا بد من تكرار الصلاة مرات كثيرة الى أن يعلم بالصلاة إلى القبلة ما لم يلزم الحرج. اللهم إلا أن يستفاد الاكتفاء بالصلاتين مما دل على الاكتفاء بالصلاة إلى أربع جهات عند الجهل بالقبلة كما هو غير بعيد. لكن في المستند : « لو اشتبهت القبلة في نصف الدائرة أو أقل من النصف وجبت الصلاة الى أربع لشمول دليل الأربع لذلك ». وهو كما ترى ، لمنع الشمول.

[٣] هذا إنما يتم لو ثبتت حجية الظن مطلقاً كالعلم ، إذ حينئذ يكون‌

١٩٨

حكم المتحير فيه بتكرارها إلى أربع جهات.

( مسألة ٧ ) : إذا اجتهد لصلاة وحصل له الظن لا يجب تجديد الاجتهاد لصلاة أخرى ما دام الظن باقياً [١].

______________________________________________________

الفرض كالفرض السابق في الحكم ، لكن الثابت حجية الظن التفصيلي الذي به يحصل التحري ، فغيره يرجع فيه الى ما دل على وجوب الصلاة الى أربع جهات ، كما هو ظاهر الجواهر. ولذلك جعل الأحوط إجراء حكم التحير.

[١] كما لعله المشهور ، لأن المقصود من الاجتهاد هو الظن ، وهو حاصل. وفيه : أنه يتم لو لم يعلم أو يحتمل تجدد الاجتهاد المخالف ، إذ مع ذلك لا يحرز تحقق التحري وتعمد القبلة حسب الجهد كما في الصحيح والموثق المتقدمين (١). ومن هنا قال في محكي المبسوط : « يجب على الإنسان أن يتبع أمارات القبلة كلما أراد الصلاة عند كل صلاة. اللهم إلا أن يكون قد علم أن القبلة في جهة بعينها أو ظن ذلك بأمارات صحيحة ثمَّ علم أنها لم تتغير جاز حينئذ التوجه إليها من غير أن يجدد الاجتهاد ». بل مقتضى ذلك أنه لو طرأ في الأثناء ما يوجب احتمال تغير الاجتهاد احتمالا معتداً به وجب التجديد ، فاذا لم يمكن إلا بإبطال الصلاة أبطلها ، ولا مانع من هذا الابطال مع الشك في كون الفعل موضوعاً للامتثال بلا محرز حقيقي ولا تعبدي. وكذا لو طرأ قبل الدخول فلا يدخل فيها إلا بعد تجديد الاجتهاد. ولا مجال لاستصحاب حكم الاجتهاد الأول ، لمنافاته لدليل وجوب التحري. ولا لدعوى صدق الصلاة بالاجتهاد ، لقيام الدليل على خلافها ، إذ الظاهر من قوله (ع) : « وتعمد القبلة جهدك » حال الصلاة لا آنا ما كما لا يخفى.

__________________

(١) تقدما في المسألة الثانية من هذا الفصل في البحث عن الاكتفاء بالظن الضعيف مع إمكان القوي.

١٩٩

( مسألة ٨ ) : إذا ظن بعد الاجتهاد أنها في جهة فصلى الظهر ـ مثلا ـ إليها ثمَّ تبدل ظنه إلى جهة أخرى وجب عليه إتيان العصر الى الجهة الثانية [١]. وهل يجب إعادة الظهر أو لا؟ الأقوى وجوبها [٢] إذا كان مقتضى ظنه الثاني وقوع الاولى مستدبراً ، أو الى اليمين ، أو اليسار. وإذا كان مقتضاه وقوعها ما بين اليمين واليسار. وإذا كان مقتضاه وقوعها ما بين اليمين واليسار لا يجب الإعادة [٣].

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ظاهر ، فإنه مقتضى التحري ، وتعمد القبلة بحسب الجهد. والاجتهاد الأول بعد زواله زال حكمه.

[٢] لا لحجية الظن حتى بالنسبة إلى إثبات صحة الأولى وعدمها ، ليكون الظن الثاني بمنزلة العلم بالاستدبار في الأولى ، أو كونها الى اليمين أو اليسار ، فإنه يتوقف على إطلاق يقتضي حجيته كذلك ، وهو مفقود إذ لا تعرض في الموثق والصحيح السابقين لذلك. بل لأن المكلف لما لم يجز له إلا العمل بالاجتهاد الثاني صار عالماً إجمالا ببطلان إحدى الصلاتين فلا بد له من إعادة الأولى فراراً عن مخالفة العلم المذكور. وعليه فوجوب الإعادة مدلول التزامي لما دل على وجوب الاجتهاد لا لنفس الاجتهاد. ولو كانت الصلاتان مترتبتين كان الحال أوضح ، لأنه يعلم ببطلان الثانية على كل حال ، إما لفوات الترتيب ، أو لفوات الاستقبال. نعم يتوقف ذلك على البناء على طريقية الاجتهاد ، إذ لو بني على موضوعيته فلا علم ، لصحة كل من الصلاتين واقعاً. لكنه خلاف ظاهر الأدلة ، بل لعله خلاف ما دل على الإعادة لو تبين الخطأ.

[٣] لصحتها واقعاً كما يقتضيه الاجتزاء بها لو تبين ذلك على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

٢٠٠