مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

______________________________________________________

فهي محكومة بأنها يترتب عليها الأثر إلى أن يعلم خلاف ذلك. وفيه ـ مع أن حمل دليل القاعدة على هذا المعنى خلاف المقطوع به منه كما يشهد به قوله (ع) في رواية مسعدة : « وذلك مثل الثوب .. » الظاهر بل الصريح في أن موضوع تطبيق القاعدة نفس الثوب وإخوته ، وليس هو مما له أثر يشك في ترتبه عليه وعدمه وكذا قوله (ع) : « فتدعه .. » ـ أنه يلزم من ذلك البناء على صحة كل عقد أو إيقاع يشك في ترتب الأثر عليه عند الشارع ، وكذا البناء على الصحة ظاهراً مع الشك في الشرط الذي لا إشكال في أنه مجرى لقاعدة الاشتغال ، فاذا شك في الطهارة من الحدث يجوز له أن يصلي للشك في ترتب الأثر على الصلاة المذكورة ، وكل ذلك مما لا يمكن الالتزام به.

ومنها : أن الشك في اللباس يستلزم الشك في مشروعية التعبد بالصلاة فيه وحليته ، فاذا جرت القاعدة وثبتت حلية التعبد بها ثبت ظاهراً أنه ليس بمانع. وفيه : ( أولا ) : أن الأثر المقصود في المقام ـ أعني : إجزاء الصلاة وكونها فرداً من المأمور به ـ ليس من الآثار الشرعية لحلية التعبد كي يترتب بإثباتها بالأصل ، بل هو من اللوازم الخارجية ، فإثباته بها مبني على القول بالأصل المثبت. ( وثانياً ) : أن موضوع أصالة الحل هو الشك في الحلية والحرمة ، وكون المقام منه موقوف على كون جواز التعبد وعدمه من أحكام ثبوت المشروعية واقعاً وعدمها حتى يكون الشك فيه شكاً فيه ، وليس كذلك ، لأن التحقيق عدم جواز التعبد بما لم يُعلم تشريعه ، فتكون الحرمة ثابتة بنفس الشك في المشروعية ، فلا مجال لأصالة الحل ، لعدم الشك في الحل والحرمة.

وبالجملة : المستفاد من أدلة حرمة التشريع عقليها ونقليها : أن موضوعها عدم العلم بالمشروعية لا عدم المشروعية واقعاً ، فمع الشك في‌

٣٤١

______________________________________________________

المشروعية يتحقق موضوع حرمة التشريع واقعاً ، فتثبت ، لا أنه مع الشك في المشروعية يشك في حرمة التشريع كي يتحقق موضوع قاعدة الحل وتكون هي المرجع. ولو سلم كون موضوع حرمة التشريع هو عدم المشروعية واقعاً ، فالشك في المشروعية وعدمها وإن كان يستوجب الشك في الحلية والحرمة ، إلا أنه لا مجال لإجراء أصالة الحل ( أولا ) : من جهة جريان أصالة عدم المشروعية ، فإنه على هذا القول لا مانع من إجرائها لترتب الأثر على مجراها ، وهي حاكمة على أصالة الحل. ( وثانياً ) : من جهة أنه على هذا القول يتعين حمل ما دل على عدم جواز التعبد بما لم يعلم على كونه حكماً ظاهرياً لا واقعياً ـ كما هو مبنى القول الأول ـ وإذا ثبت مثل هذا الحكم الظاهري وجب رفع اليد عن عموم أصالة الحل ، لتخصيص دليلها بدليله. وبالجملة : فهذا التقريب موهون جداً.

ومنها ما قيل من أن مرجع الشك في المانعية إلى الشك في منع الشارع عن إيقاع الصلاة فيه وترخيصه فيه ، فاذا جرت أصالة الحل فقد ثبت ترخيص ظاهري في جواز الصلاة فيه ، ولازم ذلك الترخيص الاكتفاء بالصلاة فيه. ( وتوهم ) اختصاص قاعدة الحل بالحل النفسي ( مدفوع ) بأنه خلاف إطلاق دليلها. ولا يجري هذا التقريب على القول بالشرطية ، لعدم انتزاعها من المنع كي يكون الشك فيها شكاً في المنع والرخصة كي يكون من موارد قاعدة الحل.

أقول : التحقيق أن الشرطية والمانعية كلتيهما إما منتزعتان من الأمر بالمقيد بالوجود أو العدم ، أو من نفس التقييد بالوجود أو العدم في رتبة سابقة على الأمر به ، ولا دخل للنهي في انتزاع المانعية بوجه. وما ورد في النصوص مثل قولهم (ع) : « لا تحل الصلاة في حرير محض » (١)

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

٣٤٢

______________________________________________________

وقوله (ع) في الحرير : « فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه » (١) ونحوهما مما هو كثير ، محمول على النهي العرضي ، لأن الأمر بالصلاة بالمقيد بالعدم يستلزم النهي عن ضده العام ، وهو ترك الصلاة المقيدة بالعدم ، وهذا الترك لازم للصلاة المقيدة بالوجود ، كما هو الحال في الضد الوجودي فإنه ملزوم للضد العام الحرام ، كما هو محرر في محله من مسألة الضد. ومن الغريب دعوى ثبوت هذا النهي ، فضلا عن دعوى كونه منشأ انتزاع المانعية. مع أنه لو سلم اقتضاء الأمر بالمقيد بالعدم النهي عن المقيد بالوجود لم يكن فرق بين الشرطية والمانعية في ذلك ، إذ يقال أيضاً : إن الأمر بالمقيد بالوجود يقتضي النهي عن المقيد بالعدم بعين الاقتضاء السابق ، فيكون الشك في وجود الشرط مستتبعاً للشك في حرمة الفاقد والترخيص فيه ، فيكون مجرى لقاعدة الحل أيضاً.

نعم هنا شي‌ء وهو أن الأمر بالمقيد بالعدم لما كان مستتبعاً للأمر الغيري بالقيد العدمي كان مستتبعاً للنهي الغيري عن نقيضه وهو الوجود ، لقاعدة أن الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده العام ، فمع الشك في المانعية يشك في حرمة المشكوك وحليته ، فيكون من هذه الجهة مورداً لقاعدة الحل. ولا يطرد ذلك على الشرطية ، لأن القيد الوجودي إذا كان واجباً فمع الشك في وجوده يكون الشك في فعل الواجب ، فيجب اليقين بالفراغ لا في حليته وحرمته. ليرجع إلى قاعدة الحل.

لكن التقريب على النهج المذكور يتوقف على كون القيد العدمي للصلاة اختيارياً للمكلف ، ليمكن تعلق الأمر الغيري به والنهي الغيري‌

__________________

(١) لم أعثر عليه في مظان وجوده في الوسائل ومستدركها والحدائق والجواهر. نعم وردت هذه العبارة في الذهب ، كما في حديث موسى بن أكيل الآتي في لبس الذهب.

٣٤٣

______________________________________________________

بنقيضه ، بأن يكون الموضوع الواجب الصلاة المقيدة بعدم لبس ما لا يؤكل لحمه ، فان اللبس مما يمكن تعلق النهي به نفسياً أو غيرياً. أما إذا لم يكن كذلك مثل عدم ما لا يؤكل لحمه ، فيكون الواجب الصلاة المقيدة بعدم ما لا يؤكل لحمه ، فلا مجال لتعلق الأمر الغيري به والنهي الغيري بنقيضه ولا لأن يكون موضوعاً للشك في الحل والحرمة ليكون موضوعاً للقاعدة. والمستفاد من أدلة الباب هو الثاني ، فإنها إنما تضمنت الصلاة فيما لا يؤكل لحمه ، لا الصلاة لابساً ما لا يؤكل لحمه ، فحرف الظرفية هو حرف التقييد ومدخولة هو القيد لا غير. هذا مضافاً إلى أن نقيض القيد العدمي للواجب وإن كان موضوعاً للنهي الغيري ، إلا أنه لا ينطبق على مطلق الوجود ، بل خصوص الوجود الذي يكون علة لعدم المأمور به أعني : المقيد ، فلو صلى في أول الوقت فيما لا يؤكل لحمه لم يكن مثل هذا القيد حراماً ولا مبغوضاً ، لا مكان أن يصلي بعد ذلك بما لا يكون مما لا يؤكل كما هو ظاهر. نعم يتم ذلك لو صلى في آخر الوقت. فلاحظ.

( المقام الرابع )

فيما يقتضيه الاستصحاب فنقول : ( تارة ) : يقصد إجراؤه في نفس الحيوان المأخوذ منه اللباس ، فيقال : الأصل عدم كونه محرم الأكل. ( وأخرى ) : في نفس اللباس ، فيقال : الأصل عدم كونه مأخوذاً من محرم الأكل. ( وثالثة ) : في نفس المصلي ، فيقال : الأصل عدم كونه لابساً مما يؤكل لحمه. ( ورابعة ) : في نفس الصلاة ، إما بأن يقال : كانت الصلاة قبل لبس هذا اللباس صحيحة فهي بعد لبسه باقية على ما كانت. أو بأن يقال :

٣٤٤

______________________________________________________

الأصل عدم تحقق الصلاة فيما لا يؤكل لحمه ، بنحو مفاد ليس التامة. أو بأن يقال : الأصل عدم كون الصلاة الواقعة كائنة فيما لا يؤكل لحمه.

والأول : يجري فيه الاشكال المتقدم في جريان أصالة الحل في الحيوان من التوقف على كون التحريم ملحوظاً موضوعاً لا طريقاً ، إذ لو كان طريقاً إلى العناوين الأولية فأصالة عدم كون الحيوان الخاص أرنباً أو غيره لا تجري ولو قلنا بجريان أصالة العدم الأزلي ، لاختصاص ذلك بغير الذاتيات كما يأتي. وأيضاً موقوف على كون الحيوان معيناً لا مردداً بين فردين معلومي الحال حسبما عرفت.

والثاني : يتوقف على جريان الاستصحاب في العدم الأزلي الذي قد اشتهر الاشكال فيه.

فان قلت : لو قيل بصحة استصحاب العدم الأزلي فإنما ذلك فيما كان من عوارض الوجود ، أما الذاتيات وعوارض الماهية فلا حالة لها سابقة إذ هي من الأزل إما متصفة بها أو غير متصفة ، فلا يقين سابق بعدم الاتصاف كي يصح استصحابه ، وكون المقام من الأول يتوقف على كون الحرمة ملحوظة موضوعاً للمانعية ، أما إذا كانت ملحوظة مرآة إلى الذوات الخاصة وكأنه قيل : ( لا تصل في وبر الأرنب ) ـ مثلا ـ فالوبرية ذاتية للأرنب ، فلا يصح أن يقال : قبل أن يوجد هذا اللباس لم يكن وبراً للأرنب كي يستصحب هذا العدم.

قلت : وبرية الوبر ذاتية ، لكن وصف وبرية الأرنب الناشئ من منشأ اعتبار الإضافة إلى الأرنب ليس ذاتياً للوبر ، ولا من لوازم ماهيته إذ ليس حقيقة وبر الأرنب غير حقيقة سائر أنواع الوبر ، بل الحقيقة واحدة ، وإنما الاختلاف في بعض الخصوصيات الزائدة على الذات الناشئة‌

٣٤٥

______________________________________________________

من نبات الوبر في جلده ، وهكذا الحال في بقية أجزاء الأرنب.

فإن قلت : موضوع الحكم يكون تارة : الصلاة لا فيما يحرم أكله ، فيكون العدم قيداً للصلاة ، وأخرى : الصلاة فيما لا يحرم أكله ، فيكون العدم قيداً للباس. وأصالة عدم كون اللباس مما يحرم أكله إنما تنفع على الثاني ، لأنها تثبت قيداً للموضوع بلا واسطة ، أما على الأول ـ كما لعله ظاهر الأدلة ـ فإنما تثبته بالملازمة بينه وبين مجراها ، لأنه إذا ثبت كون اللباس ليس مما يحرم فقد ثبت عدم كون الصلاة فيما يحرم ، فاجراؤها يتوقف على القول بالأصل المثبت.

قلت : الحرمة على الأول أخذت قيداً للصلاة ، لأنها قيد للموصول الذي هو قيد للعدم ، الذي هو قيد للصلاة ، وإذا كانت كذلك صح جريان الأصل فيها وجوداً وعدماً ، فكما أنه لو جرى استصحاب الحرمة لم يكن من الأصول المثبتة ، كذلك استصحاب عدم الحرمة ، وقد عرفت أنه لم يستشكل أحد في جريان أصالة الحل في الحيوان من هذه الجهة ، ولا فرق بينها وبين أصالة عدم الحرمة كما هو ظاهر. والمائز بين الأصل المثبت وغيره : أن المثبت ما لا يكون مجراه قيداً في القضية الشرعية ، وغيره ما يكون مجراه قيداً فيها ، بأن يكون واقعاً في سلسلة التقييد.

والثالث : يتوقف على كون القيد المذكور قيداً للمصلي ، وهو خلاف ظاهر الأدلة كما عرفت.

والرابع : يختص بما لو كان اللبس في الأثناء. لكن الإشكال في استصحاب الصحة مشهور. نعم لو كان المراد استصحاب عدم كونها فيما لا يحل أكله كان الاستصحاب في محله.

والخامس : ليس مجراه موضوعاً للأثر ، إذ العلم بعدم تحقق الصلاة‌

٣٤٦

______________________________________________________

فيما لا يحل أكله لا يجدي في حصول الفراغ عقلا ، فضلا عن استصحابه ، وإنما الذي يجدي في ذلك إحراز كون الصلاة الواقعة في الخارج لا فيما لا يؤكل ، وإثبات ذلك بالأصل المذكور يتوقف على القول بالأصل المثبت.

والسادس : لا غبار عليه ، لأنه محرز للواجب كسائر الأصول المحرزة ، كاستصحاب الطهارة ، وقاعدة التجاوز ، وقاعدة الفراغ ، ونحوها إلا أنه من قبيل الأصل الجاري في العدم الأزلي الذي قد اشتهر الاشكال فيه ، وقد تعرضنا في كتاب الطهارة لجهات الاشكال فيه ودفعها. وعليه فلا بأس بالبناء عليه فيما كان من عوارض الوجود ، والعرف لا يأباه ، وإن كان لا يخلو من خفاء. وكذلك مذاق الفقه كما يظهر من كلماتهم فيما لو شك في المرأة أنها قرشية ، فراجع. فلا مانع في المقام من الرجوع إلى أصالة عدم كون الصلاة فيما يحرم أكله.

ثمَّ إن الأصول المذكورة على اختلافها لو سلم جريانها في نفسها فإنما تجري بناء على المانعية ، ولا مجال لجريانها بناء على الشرطية ، لأن الأصل العدمي لا يحرز الشرط الوجودي. نعم استصحاب صحة الصلاة لو تمَّ يجري على البناءين ، لأن الصحة تكون من حيث وجدان القيد الوجودي كما تكون من حيث وجدان القيد العدمي.

هذا وقد كنا عزمنا حين الشروع في هذه المسألة أن نخرج بها عن وضع هذا المختصر ، لكثرة الاهتمام بها ، غير أنه لم يساعدنا التوفيق ، لكثرة الشواغل الفكرية ، الداخلية والخارجية ، النوعية والشخصية ، ولذلك اعتمدنا في جملة مما ذكرنا على رسالة لبعض الأعيان في هذه المسألة نسأله سبحانه مزيد العناية وكامل الرعاية ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي‌

٣٤٧

فعلى هذا لا بأس بالصلاة في الماهوت. وأما إذا شك في كون شي‌ء من أجزاء الحيوان أو من غير الحيوان فلا إشكال فيه [١].

( مسألة ١٩ ) : إذا صلى في غير المأكول جاهلا أو ناسياً فالأقوى صحة صلاته [٢].

______________________________________________________

العظيم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأكرم وآله الطاهرين.

[١] كأنه من جهة أن مبنى الاشكال هو القول بالشرطية ، وعلى القول بها فليست شرطية مطلقة ، بل منوطة باللباس الحيواني ، فمع الشك فيه يشك في الشرطية ، وحينئذ يكون الأصل البراءة منها ، كما في سائر موارد الشك في الشرطية. لكن عرفت أنه بناء على المانعية لا يكون جواز الصلاة فيه بذلك الوضوح ، لما عرفت من الإشكال في جريان كل من أصل البراءة وأصل الحل والاستصحاب ، فليس مبنى الاشكال مختصاً بالقول بالشرطية ، كما عرفت أيضاً الإشارة إلى أنه على تقدير القول بالشرطية يحتمل كون الشرطية تخييرية لا منوطة ، وعلى هذا التقدير لا يفرق الحال في وجوب الاحتياط ـ على تقدير القول به ـ بين إحراز حيوانية اللباس والشك فيها. فراجع. ولو قال بدله : ( فالإشكال حينئذ أخف ) كان أولى.

هذا والظاهر أن المراد مما في المتن صورة الشك في الحيوانية مع الشك في المأكولية على تقديرها. ولو علم بعدم المأكولية على تقديرها فالحكم فيها كما سبق أيضاً. ولو علم بالمأكولية على تقدير الحيوانية فلا إشكال أصلا.

[٢] أما في الجاهل ـ يعني : الجاهل بالموضوع ـ فلصحيح‌

٣٤٨

______________________________________________________

عبد الرحمن بن أبي عبد الله : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يصلي في ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب أيعيد صلاته؟ قال (ع) : إن كان لم يعلم فلا يعيد » (١). وأما في الناسي : فلحديث : « لا تعاد الصلاة » (٢) ، بل بناء على عموم الحديث للجاهل يكون دليلا على عدم الإعادة فيه أيضاً.

هذا وعن المشهور وجوب الإعادة في الناسي ، واستدل له بما في موثق ابن بكير من قوله (ع) : « لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله تعالى اكله » (٣) ، لظهور كونه في بيان حكم الصلاة الواقعة من المكلف ، كأنه قيل : ( إذا صلى فعليه الإعادة ) ، وبينه وبين حديث : « لا تعاد » وإن كان هو العموم من وجه لاختصاص الحديث بالنسيان وعمومه للخلل من حيث لا يؤكل وسائر موارد الخلل ، وعموم الموثق للنسيان والجهل واختصاصه بالخلل من حيث لا يؤكل ، إلا أنه بعد خروج الجاهل عن الموثق بمقتضى الصحيح السابق يبقى مختصاً بالناسي ، فتنقلب النسبة بينه وبين حديث : « لا تعاد » ، ويكون أخص مطلقاً منه فيقدم عليه. ولو فرض بقاء النسبة فمقتضى أصالة تساقط العامين من وجه في مورد المعارضة الرجوع إلى أصالة الفساد ، لفوات المشروط بفوات شرطه.

وتوهم : أن ظاهر السؤال كونه سؤالا عن أصل المانعية ، ومقتضى تنزيل الجواب على السؤال كون قوله (ع) : « فاسدة لا تقبل .. » وارداً في مقام أصل تشريع المانعية بالجعل الأولي ، كأنه قال : ( لا تجوز‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب النجاسات حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب القبلة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

٣٤٩

______________________________________________________

الصلاة فيما يحرم أكله ) فلا يكون منافيا لحديث : « لا تعاد .. » الوارد في مقام التشريع الثانوي.

مندفع : بأن السؤال وإن كان ظاهراً فيما ذكر إلا أن بيان المانعية لا ينحصر بلسان التشريع الأولي الدال بالمطابقة على المانعية أو بالالتزام مثل : ( صلّ لا فيما لا يؤكل لحمه ) أو ( لا تصل فيما يحرم أكله ) ، بل يكون أيضاً بلسان التشريع الثانوي مثل : ( لو صلى فيما لا يؤكل فسدت صلاته ) ، وكم من مانعية استفيدت من مثل ذلك ، فتنزيل الجواب على السؤال لا يقتضي صرف ظهور قوله (ع) : « فاسدة لا تقبل .. » في التشريع الثانوي إلى كونه في مقام التشريع الأولي ، ليخرج عن صلاحية المعارضة لحديث : « لا تعاد .. » ، بل المعارضة بينهما محكمة.

نعم يمكن أن يقال : الموثق شامل للجاهل بالموضوع وبالحكم ، قاصراً ومقصراً ، وللعالم بهما الناسي والملتفت ، وللغافل ، وصحيح عبد الرحمن مختص بالغافل والجاهل بالموضوع ، فإذا بني على تخصيص الموثق به كان الباقي بعد التخصيص العالم الناسي والملتفت ، والجاهل بالحكم بقسميه ، وبينه وبين حديث : « لا تعاد » ـ بناء على اختصاصه بالناسي ـ أيضاً نسبة العموم من وجه ، فلو بني على العمل بالحديث في الناسي كان الموثق حجة فيما عداه ، وحينئذ لا وجه لدعوى أنه لو عمل بالحديث في الناسي يبقى الموثق بلا مورد. بل اللازم العمل بالحديث في الناسي ، لوضوح دلالته ، وتأكدها بالاستثناء وبذيله الذي هو كالتعليل ، ويبقى الموثق حجة فيما عداه. نعم بناء على ما هو الظاهر من عموم الحديث لكل من هو في مقام تفريغ ذمته بالناقص ، لنسيان أو غفلة أو جهل يعذر فيه بالحكم أو الموضوع ـ كما هو الظاهر في الموثق أيضاً ـ يكون الموثق أخص مطلقاً من‌

٣٥٠

( مسألة ٢٠ ) : الظاهر عدم الفرق بين ما يحرم أكله بالأصالة أو بالعرض [١] كالموطوء والجلال ـ وإن كان لا يخلو عن إشكال.

______________________________________________________

الحديث فيخصص به ، ولأجل أنه أعم مطلقاً من صحيح عبد الرحمن يخصص بالصحيح أيضاً ، ونتيجة ذلك الصحة مع عدم العلم بالموضوع والبطلان فيما عداه.

ثمَّ إنه ربما يتوهم دلالة صحيح عبد الرحمن أيضاً على البطلان في صورة العلم بالمفهوم الشامل للناسي والغافل والعامد ، وفيه : أن المفهوم وإن دل على البطلان فيه ، لكن لا يظهر منه كونه لأجل النجاسة ، أو لأجل حرمة الأكل ، فاجماله مسقط له عن الحجية. فلاحظ.

[١] كما يقتضيه إطلاق الأدلة ، من غير فرق بين أن تكون الحرمة ملحوظة مرآة لموضوعاتها ، أو ملحوظة في نفسها عنواناً وموضوعاً للحكم. ( ودعوى ) أنه على الأول تكون مرآة لخصوص العناوين الأولية ، ولا مجال حينئذ لدعوى المانعية فيما هو محرم بالعارض ، حتى جعل ذلك مبنى للإشكال في المسألة. ( غير ظاهرة ) فإن المرآتية لا تلازم الاختصاص بالمحرم بالأصل ، إذ يمكن جعل الحرمة عنواناً للعنوان المحرم بالعارض مثل الموطوء ، كما يمكن جعلها عنواناً للمحرم بالأصل ، مثل الأرنب بعينه. فالعمدة حينئذ في الإشكال في المسألة الذي أشار إليه في المتن دعوى الانصراف الآتية على الوجهين. لكنها ممنوعة ، فالعمل بالإطلاق لازم. ( فان قلت ) : لازم البناء على الإطلاق المذكور بطلان الصلاة فيما كان محرماً للضرر أو الغصب أو نحو ذلك ، ولا يمكن الالتزام به ( قلت ) : الظاهر من النصوص بطلان الصلاة في الحيواني المحرم حيوانه بما أنه‌

٣٥١

( الخامس ) : أن لا يكون من الذهب للرجال [١]. ولا يجوز‌

______________________________________________________

حيوان ، سواء أكانت جهة التحريم عنواناً أولياً أو ثانوياً ، والحيوان المضر أو المغصوب ليس تحريمه بما أنه حيوان ، بل بما أنه مضر أو مغصوب ملغى فيه جهة حيوانيته ، بخلاف الموطوء والجلال وشارب لبن الخنزيرة. فلاحظ.

[١] كما هو المعروف ، بل في الجواهر : « نفي وجدان الخلاف في الساتر منه ، بل ولا فيما تتم الصلاة به منه وإن لم يقع الستر به ». ويشهد له موثق عمار عن الصادق (ع) : « لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلي فيه لأنه من لباس أهل الجنة » (١) ، وخبر موسى بن أكيل عنه (ع) : « جعل الله الذهب في الدنيا زينة للنساء فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه » (٢) ، وما في خبر جابر : « يجوز للمرأة لبس الديباج‌ .. الى أن قال : ويجوز أن تتختم بالذهب وتصلي فيه ، وحرم ذلك على الرجال إلا في الجهاد » (٣). والمناقشة في سند الأول ضعيفة ، لأن التحقيق حجية الموثق. وفي الأخيرين لا تهم ، لكفاية الأول ، ولا سيما مع اعتماد الأصحاب عليه ، كالمناقشة في دلالته من جهة التعليل في ذيله إذ الظاهر أن المراد من التعليل في ذيله : ان الله سبحانه خص لباس الرجال إياه في الجنة فلا يجوز لبسهم إياه في الدنيا. وهذا هو العمدة في إثبات المانعية.

أما حرمة لبس الذهب إجماعاً أو ضرورة فلا تقتضي الفساد نظير حرمة النظر إلى الأجنبية.

وما عن المنتهى من الاستدلال على البطلان بأن الصلاة فيه استعمال‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب لباس المصلي حديث : ٦.

٣٥٢

لبسه لهم في غير الصلاة أيضاً [١]. ولا فرق بين أن يكون خالصاً أو ممزوجاً [٢] ،

______________________________________________________

له فتحرم ، وحرمة العبادة تقتضي الفساد. مدفوع بالمنع من حرمة استعمال الذهب كلية ، وإن أريد من الاستعمال خصوص اللباس فالحرمة مسلمة ، لكن اللبس ليس عين الصلاة ولا قيدها ، ولو كان قيدها ـ كما لو كان لبساً للساتر ـ فحرمة القيد لا توجب فساد العبادة ، لعدم اعتبار العبادية في القيود ، إذ هي إنما تعتبر في الصلاة التي تتحد مع أجزائها دون قيودها.

ومثله في الاشكال دعوى أن حرمة اللبس منافية لإطلاق الأمر بالتستر فلا بد من تقييد التستر الذي هو موضوع الأمر بغير الذهب ، فالتستر به كالعراء. إذ فيها أيضاً أن المنافاة إنما تسلم بناء على الامتناع. وعليه فالساتر من الذهب إنما يكون خارجاً عن موضوع الأمر الفعلي لا عن ملاكه ، ومع حصول الملاك الموجود في غيره من أنواع الساتر تصح الصلاة ، ولا يكون التستر به كعدمه ، وقد عرفت أن التستر الصلاتي ليس عبادة حتى يكون النهي عنه مانعاً عن عباديته. مضافاً إلى أن غاية مقتضى ما ذكر المنع من التستر به ، لا مطلق اللبس في الصلاة.

[١] إجماعاً كما عن جماعة كثيرة ، وفي الجواهر : « إجماعاً أو ضرورة » ويدل عليه ما سبق من النصوص ، ويستفاد أيضاً مما تضمن النهي عن التختم بالذهب ، كخبر جراح المدائني عن أبي عبد الله (ع) : « لا تجعل في يدك خاتماً من ذهب » (١). ونحوه غيره.

[٢] كأنه لصدق لبس الذهب فيشمله إطلاق التحريم ، لكنه يختص بما لو كان للذهب وجود ممتاز في الخارج ، مثل الثوب الذي يكون سداه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

٣٥٣

بل الأقوى اجتناب الملحم به والمذهب بالتمويه والطلي [١] إذا صدق عليه لبس الذهب. ولا فرق بين ما تتم فيه الصلاة‌

______________________________________________________

أو لحمته ذهباً. أما إذا كان المزج مانعاً من امتياز الوجود ـ مثل ما لو ميع الذهب بالنحاس ثمَّ عمل منهما قلادة أو سوار أو درع أو نحوها ـ فالمنع تابع للصدق العرفي ، فقد يسمى نحاساً مذهباً ، وقد يسمى ذهباً مغشوشاً ، وقد يسمى شيئاً آخر. على أنه في المستند استشكل في المنع في القسم الأول ، معللا بأن ما لبسه ليس ذهباً ، وما هو ذهب لم يلبسه. وفيه : أن عدم صدق الذهب على نفس اللباس لأنه جزؤه لا كله لا يمنع من صدق لبس الذهب ، إذ يكفي في صدق اللبس تحقق الاشتمال ، وكل من السدا واللحمة مشتمل على البدن ، فهو ملبوس. هذا من حيث الحكم التكليفي وأما من حيث الحكم الوضعي : فلا ينبغي التأمل في المانعية حينئذ لصدق الصلاة فيه.

[١] كما نسب إلى العلامة والشهيدين وغيرهم ، وفي محكي كشف الغطاء : « الشرط الثالث : أن لا يكون هو أو جزؤه ـ ولو جزئياً ـ أو طليه مما يعد لباساً أو لبساً ولو مجازاً بالنسبة إلى الذهب من المذهب ، إذ لبسه ليس على نحو لبس الثياب ، إذ لا يعرف ثوب مصبوغ منه ، فلبسه إما بالمزج أو التذهيب أو التحلي .. ». وظاهر محكي الغنية والإشارة والوسيلة : الجواز. للتعبير فيها بالكراهة. وهو الأقرب ، لعدم صدق لبس الذهب بمجرد ذلك ولا سيما في التمويه ، لأنه معدود عرفاً من الألوان. والوجه الذي ذكره كاشف الغطاء إنما يتم لو كان قد ورد : ( لا تلبس الثوب من الذهب ) أما على ما ورد في النصوص فلا يتم ، لإمكان تحقق اللبس حينئذ في مثل السوار والقلادة والخاتم ونحوها. فلاحظ. نعم لو بني على حرمة التزيين‌

٣٥٤

وما لا تتم كالخاتم [١] والزر ونحوهما‌

______________________________________________________

بالذهب ـ كما ادعى في الجواهر في كتاب الشهادات الإجماع بقسميه عليه ويستفاد من بعض النصوص الآتية ـ أمكن المنع في الملحم إذا كان ذلك تزييناً عرفاً ، أما المذهب بالتمويه : ففيه إشكال ، لما عرفته من عدم صدق الذهب فيه ، لأنه لون عرفاً. هذا من حيث الحرمة النفسية. أما من حيث صحة الصلاة : فسيأتي الكلام فيه.

[١] أما عدم الفرق في حرمة اللبس تكليفاً : فالظاهر أنه لا إشكال فيه ، لصدق اللبس حقيقة على لبس ما لا تتم به الصلاة ، كصدقه على ما تتم ، فإطلاق دليل حرمة لبس الذهب بلا معارض. وأما بطلان الصلاة فيه : فهو المشهور. لكن في المعتبر : « لو صلى وفي يده خاتم من ذهب ففي فساد الصلاة تردد ، وأقربه أنها لا تبطل ، لما قلناه في الخاتم المغصوب ومنشأ التردد رواية موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد الله (ع) .. » (١) ومقتضى كلامه : عدم اختصاص القول بالصحة بمثل الخاتم ، بل يجري في مطلق اللباس غير الساتر ، لاطراد ما ذكره من الوجه في الجميع من أن النهي عن لبسه لا يقتضي النهي عن الصلاة. وفيه : أنه إن بني على الإغماض عن النصوص المتضمنة للمانعية كان الوجه الصحة حتى في الساتر كما أشرنا إليه آنفاً. وإن بني على العمل بها لم يكن فرق بين الجميع في البطلان ، لإطلاقها. وحيث أن نص المانعية لا يختص بخبر موسى بن أكيل الضعيف كي يجوز الاعراض عنه ، بل فيه الموثق المتقدم الداخل تحت موضوع حجية خبر الثقة ، فلا وجه للتردد في المسألة فضلا عن جعل الأقرب عدم البطلان.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ٥.

٣٥٥

______________________________________________________

وأما الأزرار ونحوها مما بعد جزءاً من اللباس : فالإشكال فيها هو الاشكال المتقدم في الملحم بالذهب. ومنشأ الاشكال : أن المحرم تكليفاً هو خصوص اللبس ـ كما تضمنه موثق عمار (١) ـ أو مطلق التزين ـ كما هو الظاهر ، وادعي عليه الإجماع ، ويستفاد من خبر حنان بن سدير عن أبي عبد الله (ع) قال : « سمعته يقول : قال النبي (ص) لعلي (ع) : إياك أن تتختم بالذهب فإنه حليتك في الجنة » (٢) ، وخبر أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) : « أن النبي (ص) قال لعلي (ع) .. الى أن قال : لا تتختم بخاتم ذهب فإنه زينتك في الآخرة » (٣). ونحوه خبر روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد الله (ع) (٤) وخبر أبي بصير الآتي في تحلية الصبيان بالذهب (٥) ، بناء على أن المراد من الغلمان البالغون ـ فان قيل بالثاني : فالمنع في محله ، لصدق التزين في الموارد المذكورة ، وإن قيل بالأول لضعف سند النصوص المذكورة : فلا وجه للمنع ، لعدم صدق اللبس فيها ، لفقد الاشتمال الذي يدور عليه صدق اللبس عرفاً. ثمَّ نقول : إن كان موضوع المانعية هو موضوع الحرمة النفسية ـ كما هو ظاهر الجواهر ـ كان الوجه صحة الصلاة أيضاً في الموارد المذكورة ، وإن كان غيره فالبطلان تابع لصدقه.

وتحقيق ذلك : ما أشرنا إليه آنفاً من أن حرف الظرفية في قولهم (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤ ويأتي ذكر نصه في أواخر هذه التعليقة.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ١١.

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٦٣ من أبواب أحكام الملابس حديث : ٥.

٣٥٦

نعم لا بأس بالمحمول منه [١]

______________________________________________________

( يصلي في كذا ) أو ( لا يصلي في كذا ) هل يراد منه الظرفية أو المعية. المحكي عن الوحيد (ره) : الثاني ، لامتناع ظرفية مدخولها للفعل وهو الصلاة ، فيتعين حملها على المعية ، كما قيل في قوله تعالى ( فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ) (١). وعليه فالوجه البطلان حتى في المحمول لو لم يقم الدليل على الصحة فيه. وظاهر غيره : الأول على ما هو الأصل في معناه تجوزاً ، ولو بلحاظ الظرفية للفاعل ، فلا يشمل المحمول ، بل يختص بما له نحو اشتمال على المصلي ولو على بعضه وهو الملبوس عرفاً. وهذا هو الأظهر بل لو بني على الأول ، فالظاهر من قوله (ع) في الموثق : « لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلي فيه لأنه من لباس أهل الجنة » (٢) تخصيص المانع بخصوص اللباس ، لا من جهة رجوع الضمير المجرور بحرف الظرفية إلى اللباس المتصيد من قوله (ع) : « لا يلبس » ، فان الظاهر رجوعه الى الذهب ، بل من جهة التعليل بأنه لباس أهل الجنة ، الظاهر في أن الله سبحانه خص لباسه بأهلها ، فإن ذلك يوجب تقييد الضمير بخصوص اللباس فلا يعم غيره.

والمتحصل من ذلك كله : هو حرمة لبس الذهب وحرمة التزين فيه تكليفاً ، وأما مانعيته عن الصلاة فتختص باللباس ، ولا تعم التزين ، لاختصاص الموثق باللباس ، فالتزين بالذهب لا يبطل الصلاة وإن كان حراماً تكليفاً. وأما اللبس : فيختص بما له نوع اشتمال على المصلي ولو بعضه ، ولا يكون في غيره.

[١] قيل : بلا ريب ولا إشكال سوى ما عن الوحيد (ره) في أول‌

__________________

(١) القصص ـ ٧٩.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

٣٥٧

مسكوكا أو غيره ، كما لا بأس بشد الأسنان به [١]. بل الأقوى أنه لا بأس بالصلاة فيما جاز فعله فيه من السلاح [٢] كالسيف والخنجر ونحوهما ، وإن أطلق عليهما اسم اللبس ، ولكن الأحوط اجتنابه.

______________________________________________________

كلامه ، لاستظهاره من ( في ) معنى المعية. لكن قيل : آخر كلامه ظاهر في الجواز. وهو الذي تقتضيه السيرة ، وما ورد من أمر الحاج بشد نفقته على بطنه ، المطابقين لمقتضى الأصل ، بعد قصور أدلة المنع عن شمول المحمول ، بل غير الملبوس ، كما عرفت.

[١] للأصل ، وفي صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « إن أسنانه (ع) استرخت فشدها بالذهب » (١). وقريب منه غيره‌.

[٢] أما جواز التحلية : فلا خلاف فيه ظاهر ، ويشهد له مصحح ابن سنان : « ليس بتحلية السيف بأس بالذهب والفضة » (٢) ، وخبر ابن سرحان : « ليس بتحلية المصاحف والسيوف بالذهب والفضة بأس » (٣) وأما جواز لبس المحلى بالذهب : فهو مستفاد من النصوص المذكورة بالالتزام العرفي. وأما جواز الصلاة فيها : فهو المحكي عن المحقق الخونساري في حاشية الروضة ، للأصل ، وضعف خبر الساباطي والنميري‌. وفيه : أن خبر الساباطي من الموثق الحجة ، فالبناء على الجواز لا بد أن يكون إما لمنع صدق اللبس حقيقة كما هو الظاهر ، وما ورد من أن السيف بمنزلة الرداء تصلي فيه ما لم تر فيه دما (٤) ، وما ورد من عدم جواز الصلاة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦٤ من أبواب أحكام الملابس حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٦٤ من أبواب أحكام الملابس حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٥٧ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

٣٥٨

وأما النساء : فلا إشكال في جواز لبسهن وصلاتهن فيه [١].

وأما الصبي المميز فلا يحرم عليه لبسه [٢] ،

______________________________________________________

في السيف إذا كان فيه ( الكيمخت ) الميت (١) ، محمول على المجاز ، لأن الاستعمال أعم من الحقيقة. وإما لدلالة ما دل على جواز التحلية ، لغلبة الابتلاء بذلك بنحو يغفل عن وجوب النزع حين الصلاة. وإما لظهور الموثق في التلازم بين المنع تكليفاً ووضعاً ، لذكرهما في كلام واحد ، وتعليلهما بأمر واحد. وهذا هو الأظهر.

[١] إجماعاً كما عن التذكرة. ويقتضيه الأصل وبعض النصوص. وعن الصدوق : المنع من صلاتهن ، لإطلاق النهي. وهو كما ترى.

[٢] بلا خلاف ظاهر. ويشهد له صحيح أبي الصباح قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الذهب يحلى به الصبيان؟ فقال (ع) : كان علي (ع) يحلي ولده ونساءه بالذهب والفضة » (٢) ، وصحيح داود بن سرحان قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الذهب والفضة يحلى به الصبيان؟ فقال (ع) : إنه كان أبي ليحلي ولده ونساءه الذهب والفضة فلا بأس به » (٣). وأما خبر أبي بصير : « عن الرجل يحلي أهله بالذهب؟ قال (ع) : نعم النساء والجواري ، وأما الغلمان فلا » (٤) فمع ضعفه غير صالح لمعارضة ما سبق ، فلا بد من طرحه ، أو حمله على ما لا ينافي ذلك مثل كونه مظنة الضرر وفساد الأخلاق ، أو الغلمان البالغين. وأما حمله‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٥ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٦٣ من أبواب أحكام الملابس حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٦٣ من أبواب أحكام الملابس حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٦٣ من أبواب أحكام الملابس حديث : ٥.

٣٥٩

ولكن الأحوط له عدم الصلاة فيه [١].

( مسألة ٢١ ) : لا بأس بالمشكوك كونه ذهبا في الصلاة [٢] وغيرها.

( مسألة ٢٢ ) : إذا صلى في الذهب جاهلاً أو ناسياً فالظاهر صحتها [٣].

______________________________________________________

على الكراهة : فينفيه فعلهم (ع) له.

[١] إذ دليل تشريع عبادته إن كان هو الأدلة الخاصة به فموضوعها عبادة البالغ كأنه قيل : ( فليصل الصبي صلاة البالغ ) وهكذا. فاذا فرض شرطية عدم الذهب في صلاة البالغ فهو كذلك في صلاة الصبي. وإن كان الأدلة العامة ـ بناء على شمولها للبالغ وغيره. وأن حديث : « رفع القلم .. » (١) إنما يرفع الإلزام فقط كما هو الظاهر الذي أشرنا إليه مراراً في هذا الشرح ـ فدليل المانعية يشمله. وذكر الرجل فيه ، إنما هو في قبال المرأة ، لا في قبال الصبي ، كأنه قيل : ( الذكر يصلي بلا ذهب ). وكأنه للاستشكال في ذلك واحتمال خصوصية الرجل ـ مضافاً الى ما دل على جواز لبس الصبي ، بضميمة ما تقدم في الصلاة في المحلى بالذهب ـ توقف المصنف (ره) عن الفتوى بالمانعية.

[٢] لأصالة البراءة من مانعيته.

[٣] لإطلاق حديث : « لا تعاد الصلاة » (٢). والاستشكال فيه من جهة ظهور الحديث في الخلل الناشئ من فوات وجودي ، فلا يشمل الموانع ، في غير محله ، لأنه خلاف إطلاقه ، ولا قرينة عليه. وكون‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١١.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب القبلة حديث : ١.

٣٦٠