مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

( مسألة ٧ ) : الأمة كالحرة في جميع ما ذكر [١] من المستثنى والمستثنى منه ، لكن لا يجب عليها ستر رأسها [٢] ولا شعرها ولا عنقها [٣]

______________________________________________________

لكن إقامة الدليل عليه لا تخلو من صعوبة كما سبق.

[١] لإطلاق أدلة المستثنى والمستثنى منه الشاملة للحرة والأمة. فما في محكي المبسوط من وجوب ستر الأمة ما عدا رأسها ضعيف ، أو غير مراد الظاهر. ولعله في قبال بعض الشافعية وأحمد من أنها بمنزلة الرجل في جواز كشف ما عدا العورة كما احتمله في الجواهر وعن كشف اللثام.

[٢] إجماعاً محصلا ، ومنقولا مستفيضاً ، عنا وعن غيرنا من علماء الإسلام ، عدا الحسن البصري فأوجبه على الأمة إذا تزوجت أو اتخذها لنفسه وقد سبقه الإجماع ولحقه. كذا في الجواهر. ويشهد له كثير من النصوص كصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) ـ في حديث ـ قال : « قلت له : الأمة تغطي رأسها إذا صلت؟ فقال (ع) : ليس على الأمة قناع » (١) وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن (ع) ـ في حديث ـ قال : « ليس على الإماء أن يتقنعن في الصلاة » (٢). ونحوهما غيرهما.

[٣] كما يقتضيه سقوط التقنع عنها نصاً وفتوى ، إذ قد عرفت أن استفادة وجوب سترهما إنما كانت بما دل على وجوب الصلاة بالقناع أو الخمار ، ولم يعرف في ذلك خلاف. نعم عن الروض : احتمال عدم دخول الرقبة في الرأس ووجوب سترها. ولكنه ضعيف جداً ، ولا سيما بملاحظة ما دل على أنه لا بأس أن تصلي في قميص واحد (٣).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب لباس المصلي حديث : ١٠.

٢٦١

من غير فرق بين أقسامها [١] من القنة ، والمدبرة ، والمكاتبة ، والمستولدة.

______________________________________________________

[١] كما يقتضيه إطلاق النص والفتوى ، بل استثناء الحسن البصري في الزوجة والسرية كالصريح في عموم الإجماع للجميع ، وفي صحيح محمد ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « قال : ليس على الأمة قناع في الصلاة ولا على المدبرة قناع في الصلاة ، ولا على المكاتبة إذا اشترط عليها مولاها قناع في الصلاة وهي مملوكة حتى تؤدي جميع مكاتبتها‌ .. ( إلى أن قال ) : وسألته عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار؟ فقال (ع) : لو كان عليها لكان عليها إذا حاضت وليس عليها التقنع في الصلاة » (١).

نعم في صحيحه عن أبي عبد الله (ع) قال : « قلت له : الأمة تغطي رأسها؟ فقال (ع) : لا ولا على أم الولد أن تغطي رأسها إذا لم يكن لها ولد » (٢) ، ومفهومه يقتضي إلحاق أم الولد إذا كان لها ولد بالحرة ومعارضته بخبره السابق بالعموم من وجه ، المقتضية لترجيح حمله على غير الصلاة على تقييد الخبر به بحمل الخبر على صورة فقد الولد موقوفة على كون المراد من قوله (ع) ـ في الخبر ـ : « إذا ولدت » أنها ولدت من مولاها ، وهو غير ظاهر ، بل قيل : ذيله يشهد بأن المراد مجرد الولادة في مقابل عدمها ، لتوهم السائل أن الولادة دخيلة في إجراء أحكام الحرة ، لأنها من أمارات البلوغ ، ولذا أجاب (ع) بأنه لو كان عليها الخمار إذا ولدت لكان عليها إذا حاضت. فالعمدة في رفع اليد عن ظاهر الصحيح ظهور الإجماع الذي هو كالصريح في عدم الفرق بين أنواع الأمة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب لباس المصلي حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

٢٦٢

وأما المبعضة : فكالحرة [١] مطلقاً. ولو أعتقت في أثناء الصلاة وعلمت به ولم يتخلل بين عتقها وستر رأسها زمان صحت صلاتها [٢] ، بل وإن تخلل زمان إذا بادرت الى ستر رأسها للباقي من صلاتها بلا فعل مناف [٣].

______________________________________________________

بل عن الخلاف : الإجماع على أن أم الولد كغيرها. إذ مع ذلك كيف يمكن الاعتماد على الصحيح؟!

[١] اتفاقاً ظاهراً ، لاختصاص الأمة في النص والفتوى بغير المبعضة فتبقى هي داخلة تحت إطلاق وجوب التستر على المرأة. وما في بعض النصوص (١) من التقييد بالحرة لا يوجب تقييد غيره بها ، كي يرجع في المبعضة الى الأصل ، بل إنما يوجب سقوط إطلاق ذلك النص بالخصوص. هذا مضافاً الى مصحح حمزة بن حمران عن أحدهما (ع) : « قلت : فتغطي رأسها منه حين أعتق نصفها؟ قال (ع) : نعم ، وتصلي وهي مخمرة الرأس » (٢). وقد يظهر أيضاً من صحيح ابن مسلم السابق (٣). فلاحظ.

[٢] بلا إشكال ، لوقوعها على وجهها بلا خلل فيها.

[٣] بلا خلاف يعرف كما اعترف به في الجواهر. نعم في كشف اللثام عن ابن إدريس : البطلان ، لكن في محكي السرائر : « إن بلغت الصبية بغير الحيض وجب عليها ستر رأسها وتغطيته مع قدرتها على ذلك. وكذلك حكم الأمة إذا أعتقت في أثناء الصلاة ». وهو ظاهر في المشهور.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤ و ١٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب لباس المصلي حديث : ١٢.

(٣) تقدم ذكره في التعليقة السابقة.

٢٦٣

______________________________________________________

والعمدة فيه : إما أصالة البراءة عن شرطية التستر في الآن المتخلل إذ الأدلة اللفظية الدالة عليها إنما تدل على شرطيته للأفعال الصلاتية ، لا مطلق الأكوان الصلاتية حتى ما يكون بين الأفعال ، والإجماع وإن قام على قدح التكشف في أثناء الصلاة ، إلا أنه لا يشمل المقام ، لما عرفت من انعقاد الشهرة على الصحة فيه. وإما حديث : « لا تعاد الصلاة » (١) بناء على شموله لمطلق الخلل وإن كان عن غير سهو ما لم يكن عن عمد واختيار ، وعلى جواز تطبيقه ولو في أثناء الصلاة ، فلا يقدح فوات التستر في الزمان المتخلل بين عتقها وبين وقوعه. وإما صحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) قال : « سألته عن الرجل صلى وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال (ع) : لا إعادة عليه وقد تمت صلاته » (٢) بناء على إطلاقه الشامل لصورة الالتفات في الأثناء ، الدال بالملازمة العرفية على عدم قدح التكشف من زمان العلم الى زمان وقوع التستر منه ، فيتعدى منه الى المقام.

ويمكن المناقشة في جميع ما ذكر بأن الظاهر من النصوص الناهية عن الصلاة بغير خمار قدح ترك الاختمار حال الصلاة أعني : ما بين المبدأ والمنتهى لا خصوص حال الأفعال. فتأمل. وبأن منصرف حديث : « لا تعاد » خصوص الفعل المأتي به بعنوان الامتثال ، فلا يشمل صورة ما لو كان الفعل في نظر المكلف ليس مصداقاً للمأمور به ، فلو علم في أثناء الصلاة أنه مضطر إلى ترك جزء أو شرط لا يجوز له إتمام الصلاة اعتماداً على حديث : « لا تعاد » والملازمة العرفية بين الصحة من حيث فوات التستر حال الجهل به وبينها من حيث فواته من حين العلم به الى زمان التستر إنما تسلم لو كان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب القبلة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

٢٦٤

وأما إذا تركت سترها حينئذ بطلت [١]. وكذا إذا لم تتمكن من الستر إلا بفعل المنافي [٢] ، ولكن الأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة.

______________________________________________________

مورد الصحيح خصوص صورة الالتفات في الأثناء ، أما لو كان مورده مطلقاً فإطلاقه إنما يقتضي الصحة من حيث فوات التستر حال الجهل ولو كان في الأثناء ، ولا يقتضي الصحة من حيث فواته حال العلم.

[١] لتفويت التستر عمداً ، وهو قادح نصاً وفتوى. لكن عن الخلاف : « إذا أعتقت فأتمت صلاتها لم تبطل صلاتها » ، ثمَّ نسب التفصيل بين التستر فتصح وتركه فتبطل إلى الشافعي. وظاهره الصحة مطلقاً. وهو غير ظاهر ، بل مناف لما دل على اعتبار التستر في غير الأمة. ولأجله لا مجال لجريان استصحاب الحكم الأول قبل العتق ، لأن الدليل المذكور حاكم على الاستصحاب. وفي المدارك : « التستر إنما ثبت وجوبه إذا توجه التكليف قبل الشروع في الصلاة ». وهو كما ترى.

[٢] كما في الشرائع والقواعد وغيرهما ، إذ حينئذ يدور الأمر بين فوات التستر وفعل المنافي ، وكلاهما قادح بمقتضى الإطلاق ، ولا دليل على الصحة حينئذ. وعن جامع المقاصد والمنتهى : التردد ، من ذلك ، ومن تساوي المانع الشرعي والعقلي مع انعقاد الصلاة صحيحة ، وعموم : ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (١) ، وأصالة البراءة. وفيه ما لا يخفى ، إذ المراد من المانع العقلي إن كان ما كان في تمام الوقت فلا وجه لإلحاق المانع الشرعي به ، لكون المفروض إمكان التدارك بلا فعل مناف ، وإن كان ما كان في خصوص تلك الصلاة فالحكم فيه ممنوع ، ولو ثبت بدليل فلا وجه للتعدي منه الى المقام. وعموم ( لا تُبْطِلُوا ) غير منطبق للانبطال.

__________________

(١) محمد ـ ٣٣.

٢٦٥

نعم لو لم تعلم بالعتق حتى فرغت صحت صلاتها على الأقوى [١] بل وكذا لو علمت لكن لم يكن عندها ساتر [٢] ، أو كان الوقت ضيقاً [٣]. وأما إذا علمت عتقها لكن كانت جاهلة بالحكم ـ وهو وجوب الستر ـ فالأحوط إعادتها [٤].

______________________________________________________

وأصالة البراءة لا مجال لها مع الدليل. ومنه يظهر ما عن المبسوط والمعتبر من أنها تستمر على صلاتها وتصح. ولأجل ذلك تعرف وجه الاحتياط الآتي.

[١] كما عن المعتبر والمنتهى والبيان وغيرها. وعن شرح الوحيد : أنه لا تأمل فيها. واستدل له بامتناع تكليف الغافل. وهو ـ كما ترى ـ لا يقتضي صحة الناقص وإجزاءه. فالأولى الاستدلال له بحديث : « لا تعاد الصلاة » الحاكم على إطلاق دليل وجوب التستر ، وبه ترتفع مناقشة الجواهر في الصحة بأنها خلاف الأخذ بالإطلاق.

[٢] بأن كان يشرع لها الصلاة ابتداء ، فإنها تستمر على صلاتها بإجماع علماء الأعصار كما في المنتهى. أما لو كان الساتر مفقوداً في ذلك الآن لا غير أشكل الحال بناء على عدم جواز البدار لذوي الأعذار.

[٣] فعن التذكرة والتحرير ونهاية الأحكام : الاستمرار ، لسقوط الشرطية مع الضيق. واختاره في كشف اللثام لسقوط الستر مع ضيق الوقت.

[٤] لما يظهر من محكي التذكرة والمنتهى من المفروغية عن البطلان حينئذ ، فإنهم ذكروه من دون ذكر خلاف فيه ، وتوقف المصنف لذلك ولدخوله في حديث : « لا تعاد » الذي لا مانع من شموله للجاهل بالحكم. والإجماع على عدم معذوريته إذا كان عن تقصير ممنوع الشمول لما نحن فيه ، والمتيقن منه حيثية العقاب لا غير. وسيأتي في مبحث الخلل إن شاء الله ما له نفع في المقام.

٢٦٦

( مسألة ٨ ) : الصبية غير البالغة حكمها حكم الأمة في عدم وجوب ستر رأسها ورقبتها [١] بناء على المختار من صحة صلاتها وشرعيتها [٢].

______________________________________________________

[١] إجماعاً محققاً. وتشير اليه مصححة يونس بن يعقوب : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل يصلي في ثوب واحد؟ قال (ع) : نعم. قلت : فالمرأة؟ قال (ع) : لا ، ولا يصلح للحرة إذا حاضت إلا الخمار » (١) ، وخبر أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (ع) : « إذا حاضت الجارية فلا تصلي إلا بخمار » (٢) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار » (٣) بناء على إرادة شرطيته للصلاة بقرينة تخصيص الخمار بالذكر كما أن الاستدلال بها جميعاً يتوقف على إرادة البلوغ من الحيض ، كما يشير اليه تعليق وجوب الصيام عليه في الخبر الثاني ، وبذلك كله يخرج عن عموم شرطية التستر. وإنكار العموم من جهة أن أدلة الشرطية موضوعها المرأة غير الصادقة على الصبية ليس على ما ينبغي ، إذ يكفي في عموم الحكم للصبية قاعدة الإلحاق التي يعول عليها في أمثال المقام. ومثله في الضعف الاستدلال على الحكم المذكور بحديث : « رفع القلم عن الصبي » (٤). ووجه الضعف ظهور الحديث في رفع الإلزام ، لا رفع الشرطية والجزئية للعبادة المشروعة ولو ندباً. فتأمل.

[٢] إلحاق الصبية بالأمة لا يتوقف على شرعية عبادة الصبي ، بل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب لباس المصلي حديث : ١٣.

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب لباس المصلي حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١١.

٢٦٧

وإذا بلغت في أثناء الصلاة فحالها حال الأمة المعتقة في الأثناء [١] في وجوب المبادرة إلى الستر ، والبطلان مع عدمها إذا كانت عالمة بالبلوغ.

( مسألة ٩ ) : لا فرق في وجوب الستر وشرطيته بين أنواع الصلوات [٢] الواجبة والمستحبة. ويجب أيضاً في توابع الصلاة من قضاء الأجزاء المنسية [٣] ، بل سجدتي السهو على الأحوط [٤]. نعم لا يجب في صلاة الجنازة [٥] وإن كان هو الأحوط فيها أيضاً. وكذا لا يجب في سجدة التلاوة وسجدة الشكر.

( مسألة ١٠ ) : يشترط ستر العورة في الطواف أيضاً [٦]

______________________________________________________

يتم ولو بناء على كونها تمرينية ، لإطلاق النص والفتوى. هذا وقد تقدمت الإشارة إلى وجه كونها شرعية لا تمرينية مراراً.

[١] لاتحاد الأدلة بأنواعها في البابين. فراجع.

[٢] بلا خلاف ظاهر ، بل حكي عليه الإجماع ، ويقتضيه إطلاق الأدلة.

[٣] لاعتبار المطابقة بين القضاء والمقضي في جميع الخصوصيات ، فاذا كان التستر شرطاً في سجود الصلاة كان شرطاً في قضائه.

[٤] يأتي في الخلل ـ إن شاء الله ـ الإشارة إلى وجهه ، وقد سبق مكرراً أيضاً في القبلة وغيرها.

[٥] لعدم ثبوت شمول الأدلة لها ، والأصل يقتضي البراءة فيها ، كما يقتضيها أيضاً في سجدة التلاوة ، كما يقتضيها الإطلاق فيها وفي سجدة الشكر.

[٦] كما عن جماعة ، للنبوي : « لا يطوف بالبيت عريان » (١)

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٣ من أبواب الطواف.

٢٦٨

( مسألة ١١ ) : إذا بدت العورة كلا أو بعضاً لريح أو غفلة لم تبطل الصلاة [١] ، لكن إن علم به في أثناء الصلاة وجبت المبادرة إلى سترها وصحت [٢] أيضاً ، وإن كان الأحوط الإعادة بعد الإتمام ، خصوصاً إذا احتاج سترها إلى زمان معتد به.

______________________________________________________

وعن المختلف : « للمانع أن يمنعه ، والرواية بالاشتراط غير مسندة من طرقنا ». لكن عن كشف اللثام : « إن الخبر يقرب من التواتر من طريقنا وطريق العامة ». وفي الجواهر : « قد تمنع دلالة ذلك على اعتبار الستر فيه للرجل والمرأة على حسب اعتباره في الصلاة ، ضرورة أعمية النهي عن العراء منه .. اللهم إلا أن يقال : إن المراد من العراء ستر العورة للإجماع ـ في الظاهر ـ على صحة طواف الرجل عارياً مع ستر العورة ». وتمام الكلام فيه موكول إلى محله.

[١] يعني : مع الجهل الى الفراغ أو الى حصول التستر له من باب الاتفاق ، والظاهر أنه لا إشكال فيه ولا خلاف ، إلا ما يحكى عن ابن الجنيد (ره) حيث قال : « لو صلى وعورتاه مكشوفتان غير عامد أعاد في الوقت فقط ». ويدل عليه صحيح ابن جعفر (ع) : « عن الرجل صلى وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة؟ أو ما حاله؟ قال (ع) : لا إعادة عليه وقد تمت صلاته » (١).

[٢] أما وجوب المبادرة : فالظاهر أنه من القطعيات ، وإن كانت استفادته من الأدلة موقوفة على شرطية التستر في جميع الأكوان الصلاتية ، التي لا يخلو إثباتها بالأدلة اللفظية من تأمل ـ كما أشرنا إليه فيما لو أعتقت‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

٢٦٩

( مسألة ١٢ ) : إذا نسي ستر العورة ابتداء أو بعد التكشف في الأثناء فالأقوى صحة الصلاة [١] ، وإن كان الأحوط العادة. وكذا لو تركه‌

______________________________________________________

الأمة في أثناء الصلاة ـ وإن كان غير بعيد. وأما صحة الصلاة حينئذ : فالظاهر أنه المشهور. وفي الجواهر نفي وجدان مخالف صريح فيه. نعم ظاهر التحرير : احتمال البطلان ، لإطلاق صحيح ابن جعفر (ع) السابق لكن عرفت الإشارة الى أن الصحيح وإن كان شاملا لصورة الالتفات في الأثناء إلا أنه غير متعرض إلا لحكم التكشف حال الجهل ، فلا يمكن استفادة حكمه من حال الالتفات الى زمان التستر ، والملازمة العرفية بين الحكمين إنما تسلم لو كان وارداً في خصوص صورة الالتفات في الأثناء ، لا ما لو كان شاملا لها بإطلاقه. كما عرفت أيضاً الإشكال في التمسك بحديث : « لا تعاد الصلاة ». فلا بد في البناء على الصحة من عدم ثبوت إطلاق لفظي لأدلة وجوب التستر ، كي يكون المرجع عند الشك أصالة البراءة من الشرطية. وقد عرفت المناقشة في ثبوت الإطلاق المذكور في صدر المبحث. نعم في النصوص ما يدل بإطلاقه على وجوب الاختمار ولم يثبت في غيره. فلاحظ.

[١] كما عن المدارك والرياض وشرح الوحيد. وعن الشهيد وغيره : البطلان. وعن ظاهر التذكرة والمنتهى والمحكي عن المعتبر : الإجماع عليه ظهوراً كالصريح. كذا في الجواهر. ولم يتضح وجهه بعد عموم حديث : « لا تعاد الصلاة ». ومن الغريب عدم التعرض للاستدلال على الصحة به والاستدلال عليها بصحيح ابن جعفر (ع) المتقدم ، إما بدعوى شموله للناسي ، أو بتنقيح المناط المشترك بينه وبين مورده ، مع وضوح منع الوجهين‌

٢٧٠

من أول الصلاة أو في الأثناء غفلة [١]. والجاهل بالحكم كالعامد على الأحوط [٢].

( مسألة ١٣ ) : يجب الستر من جميع الجوانب بحيث لو كان هناك ناظر لم يرها ، إلا من جهة التحت فلا يجب [٣]. نعم إذا كان واقفاً على طرف سطح أو على شباك بحيث ترى عورته لو كان هناك ناظر فالأقوى والأحوط وجوب الستر من تحت أيضاً [٤] ، بخلاف ما إذا كان واقفاً على طرف بئر‌

______________________________________________________

جميعاً أو خفائهما. وأضعف من القول بالبطلان ما يظهر من عبارة ابن الجنيد المتقدمة من التفصيل بين الوقت وخارجه.

[١] لكونه حينئذ من الجاهل الذي هو مورد صحيح ابن جعفر (ع) ، ومشمول لحديث : « لا تعاد الصلاة ». أيضاً.

[٢] كما هو المشهور بناء منهم على عدم عموم حديث : « لا تعاد » له. فتشمله أدلة الشرطية. وقد ذكرنا في مبحث الخلل ما يمكن اقتضاؤه لمنع الشمول له. فراجع.

[٣] إجماعاً أو ضرورة ، ويقتضيه ما دل على الاكتفاء بالدرع والقميص اللذين لا يستران العورة من جهة التحت ، وخلو النصوص عن الأمر بلبس السراويل أو الاستثفار ونحوه.

[٤] فان مقتضى الجمود على ما تحت عبارة النصوص وإن كان عدم الوجوب ، لخلوها عن التعرض لذلك ، إلا أن مناسبة الحكم والموضوع تساعد على أن موضوع الشرطية أن لا يكون المكلف على حالة ذميماً مهتوكاً ستره وحجابه ، ومقتضى ذلك أنه لا فرق في اعتبار الستر بين الجهات ، والاكتفاء في النصوص بالقميص إنما هو لكون الصلاة على الأرض غالباً الذي لا يكون‌

٢٧١

والفرق من حيث عدم تعارف وجود الناظر في البئر فيصدق الستر عرفاً ، وأما الواقف على طرف السطح لا يصدق عليه الستر إذا كان بحيث يرى ، فلو لم يستر من جهة التحت بطلت صلاته وإن لم يكن هناك ناظر ، فالمدار على الصدق العرفي ، ومقتضاه ما ذكرنا.

______________________________________________________

معه المصلي في معرض النظر من تحت ، فلو كان في معرض النظر كالإمام والخلف ـ بأن وقف على مخرم أو على طرف سطح ـ فلا بد من التستر من تحت بالسراويل أو الاستثفار مثلا ، وإلا بطلت الصلاة ، كما عن غير واحد منهم العلامة في التذكرة والنهاية ، والوحيد في حاشية المدارك. فما في الذكرى من التردد في الحكم فيما لو وقف على طرف سطح ، والجزم بالصحة فيما لو قام على مخرم ، غير ظاهر. والمراد من كونه في معرض النظر صلاحيته لأن ينظر اليه بلحاظ خصوصية المكان وإن علم بعدم وجود الناظر أو امتناع النظر عقلا ، فلا تجوز الصلاة بلا ساتر لمن كان في سجن قد بنيت أبوابه بحيث يمتنع عقلا دخول الناظر فيه ، فالمدار في صدق التستر الواجب عرفاً كونه غير مكشوف في مكان من شأنه أن يكون فيه ناظر وإن امتنع وجوده فيه من جهة أنه لا باب له ، ولا فرق بين التحت وغيره من الجهات.

وبذلك يظهر الفرق بين طرف السطح وشفير البئر ، فإن خصوصية البئر مانعة من وجود الناظر. نعم إذا كانت البئر قريبة القعر ومن شأنها أن يكون فيها ناظر كان شفيرها كطرف السطح.

لكن يشكل ذلك بأن مقتضاه جواز الصلاة عارياً في الحفيرة التي يساوي فراغها بدن المصلي ، وجواز الصلاة عارياً في المكان إذا كان فيه‌

٢٧٢

( مسألة ١٤ ) : هل يجب الستر عن نفسه بمعنى أن يكون بحيث لا يرى نفسه أيضاً ، أم المدار على الغير؟ قولان الأحوط الأول ، وإن كان الثاني لا يخلو عن قوة [١] ، فلو صلى في ثوب واسع الجيب بحيث يرى عورة نفسه عند الركوع لم تبطل على ما ذكرنا ، والأحوط البطلان. هذا إذا لم يكن بحيث قد يراها غيره أيضاً ، والا فلا إشكال في البطلان.

( مسألة ١٥ ) : هل اللازم أن يكون ساتريته في جميع الأحوال حاصلا من أول الصلاة الى آخرها ، أو يكفي الستر بالنسبة الى كل حالة عند تحققها؟ مثلا إذا كان ثوبه مما يستر حال القيام لا حال الركوع فهل تبطل الصلاة فيه وإن كان في حال الركوع يجعله على وجه يكون ساتراً ، أو يتستر عنده بساتر آخر ، أو لا تبطل؟ وجهان ، أقواهما الثاني [٢] ، وأحوطهما الأول. وعلى ما ذكرنا فلو كان ثوبه مخرقاً بحيث تنكشف عورته في بعض الأحوال لم يضر إذا سد ذلك الخرق‌

______________________________________________________

جدار وكان المصلي متصلا بالجدار حال القيام ومكشوف القبل ، وهكذا ، وذلك كله مما لا يمكن الالتزام به. ولعل ذلك يقوي ما تقدم عن الذكرى من صحة الصلاة على المحرم. وينبغي إلحاق طرف السطح به. فلاحظ.

[١] لعدم الدليل على اعتبار التستر بلحاظ نفسه ، ومنصرف النص والفتوى التستر بلحاظ الغير.

[٢] لصدق الصلاة متستراً في جميع الأحوال ، وعدم التستر على تقدير مفقود لا دليل على قدحه.

٢٧٣

في تلك الحالة بجمعة أو بنحو آخر ولو بيده على اشكال في الستر بها [١].

( مسألة ١٦ ) : الستر الواجب في نفسه من حيث حرمة النظر يحصل بكل ما يمنع عن النظر [٢] ، ولو كان بيده ، أو يد زوجته ، أو أمته. كما أنه يكفي ستر الدبر بالأليتين [٣] وأما الستر الصلاتي : فلا يكفي فيه ذلك [٤] ولو حال الاضطرار بل لا يجزئ الستر بالطلي بالطين أيضاً حال الاختيار. نعم يجزئ حال الاضطرار على الأقوى وإن كان الأحوط خلافه وأما الستر بالورق والحشيش : فالأقوى جوازه حتى حال الاختيار ، لكن الأحوط الاقتصار على حال الاضطرار. وكذا يجزئ مثل القطن والصوف غير المنسوجين ، وإن كان الأولى المنسوج منهما أو من غيرهما مما يكون من الألبسة المتعارفة.

______________________________________________________

[١] ينشأ من ظهور النص والفتوى في اعتبار التستر بما هو خارج عن المصلي. ومن أن المتيقن اعتبار التستر بالخارج في الجملة ، أما وجوب استقلاله في الستر به فمما لا دليل عليه ، والأصل البراءة. واستقرب في محكي الذكرى البطلان. وظاهر محكي نهاية الأحكام : الصحة. وهو الأقوى. ولذا لا يظن الاشكال من أحد في الاكتفاء بوضع خرقة فوق القبل إذا كان مستوراً من الجانبين بالفخذين ، ولا يتوقف حصول التستر الواجب على لفه بالخرقة.

[٢] هذا مما لا إشكال فيه بأقل تأمل في أدلته.

[٣] كما في النص.

[٤] بلا خلاف ولا إشكال ، لما يظهر من النصوص من اعتبار‌

٢٧٤

______________________________________________________

التستر بشي‌ء من ثوب أو نحوه. وقد اختلفت كلماتهم في تعيينه اختياراً واضطراراً ، ففي محكي المبسوط : « إن لم يجد ثوباً يستر العورة ووجد جلداً طاهراً أو قرطاساً أو شيئاً يمكنه أن يستر به عورته وجب عليه ذلك. فان وجد طيناً وجب أن يطين به عورته ». ونحوه ما عن السرائر والمنتهى والتحرير والنهاية والبيان. وظاهرها ـ كما عن المحقق الثاني وجماعة الاعتراف به ـ أنه لا يجوز التستر بالحشيش والطين إلا عند الضرورة وفقد الثوب. لكن عن البحار : « ذهب الأكثر ـ ومنهم الشيخ والفاضلان والشهيد في البيان ـ إلى أنه مخير بين الثوب والورق والطين » ، فاستظهر من العبارات المذكورة التخيير وعدم الترتيب. وتبعه عليه في مفتاح الكرامة والجواهر ، بقرينة ذكر الجلد والخرق في جملة منها. وعن الدروس وغاية المرام وحاشية الإرشاد وحاشية الميسي والروض والمسالك : التصريح بأنه لا يجوز التستر بالحشيش والورق إلا عند تعذر الثوب ، وأنه إذا تعذر الحشيش تعين الطين. ونحوه ما عن المدارك إلا أنه ذكر أنه إذا تعذر الحشيش انتقل إلى الإيماء ، فلم يجعل الطين ساتراً صلاتياً في جميع المراتب. وعن المهذب البارع والموجز : أن الحفيرة مقدمة على الماء الكدر ، وهو مقدم على الطين وعن المسالك وغيرها : تقدم الماء الكدر على الماء الحفيرة. وعن جامع المقاصد : احتمال التخيير ، واحتمال تقدم كل على الآخر. وفي غيرها غير ذلك.

وملخص ما ينبغي أن يقال في المقام : إن نصوص اعتبار الساتر المشتملة على الثوب والقميص والدرع والملحفة والقناع والخمار ونحوها مما لا مجال لأن يستفاد منها جواز التستر بمثل الحشيش والورق اختياراً ، بل لا يستفاد منها كونهما ساتراً صلاتياً ولو في بعض الأحوال ، لخروجهما عن العناوين المذكورة فيها ، والتعدي منها إليهما محتاج إلى قرينة مفقودة. كما لا يستفاد منها عدم‌

٢٧٥

______________________________________________________

الجواز أيضاً ، لعدم ظهورها في التقييد بغيرهما ، لقرب احتمال كون العناوين المذكورة فيها مثالا لمطلق الساتر ، فلا تصلح دليلا لنفي ساتريتهما. ومثلها صحيح ابن جعفر (ع) : « عن رجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً وحضرت الصلاة كيف يصلي؟ قال (ع) : إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتم صلاته بالركوع والسجود ، وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم » (١) ، فإن فقد الثوب ونحوه فيه لم يؤخذ قيداً لجواز التستر بالحشيش في كلام الامام (ع) ، وإنما ذكر في مفروض السؤال ، وذلك إنما يقتضي الإجمال. وحينئذ فالمرجع في جواز التستر بالحشيش والورق الأصل ولأجل أن الظاهر أن منشأ الشك هو الشك في اعتبار هيئة مخصوصة للساتر منهما ، لا الشك في جواز التستر بمادتهما ـ إذ لا يظن الاشكال من أحد في جواز التستر بالثوب المصنوع من الحشيش أو الورق كالمنسوج من سعف النخل ونحوه ـ يكون المقام من الشك في الشرطية الذي يكون المرجع فيه أصل البراءة ، ومقتضاه جواز التستر بهما اختياراً ، لا من الشك في التعيين والتخيير ليكون المرجع فيه أصالة الاحتياط ، بناء على ما هو المشهور من أنها المرجع فيه.

وأما الطين والوحل ونحوهما : فلا دليل على كونهما ساتراً صلاتياً فضلا عن كونهما ساتراً في حال الاختيار. ولأجل أن الشك هنا في تعيين ما عداهما من أنواع الساتر يكون المقام من الشك في التعيين والتخيير ، لا في اعتبار خصوصية فيهما ليكون من الشك في الشرطية كما في الحشيش والورق فالمرجع فيه أصالة الاحتياط لا أصالة البراءة ، فلا يجوز التستر بهما في حال الاختيار. وأما في حال الاضطرار فمقتضى أصالة البراءة عدم وجوب التستر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

٢٧٦

______________________________________________________

بهما لأجل الصلاة. نعم لما كان التستر بهما موجباً للأمن من المطلع الموجب للصلاة قائماً مؤمئاً أو راكعاً وساجداً ، فلا بأس بدعوى وجوبه مقدمة للقيام الواجب وحده ، أو مع الركوع والسجود. وهو واضح بناء على وجوب إتمام الركوع والسجود على العاري إذا أمن المطلع ، أما بناء على أنه يومئ لهما وإن أمن المطلع ، فقد يقال بوجوب الجمع عليه ، للعلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين من إتمامهما والإيماء لهما ، إذ على تقدير كونهما ساتراً صلاتياً يتعين الأول ، وعلى تقدير عدمه يتعين الثاني ، وحيث لا دليل على أحد الأمرين يجب الجمع بينهما. ولا فرق بين أمن المطلع من جهة التستر بهما ، وأمنه من غير جهته ، كما إذا كان في بيت وحده. نعم على الأول يعلم بوجوب التستر بهما تفصيلا ، إما لأنه ستر صلاتي ، أو لأنه مقدمة للقيام وفي الثاني ، لا يعلم بذلك ، بل يتردد بين لزوم التستر بهما وإتمام الصلاة ، وبين الصلاة مومئاً ولو بدون تستر بهما. لكن فرض إمكان إتمام الصلاة في الوحل ونحوه بعيد جداً ، بل من جهة ذكر الركوع والسجود ممتنع.

هذا وقد يدعى انحلال العلم الإجمالي بأن الإيماء في صلاة العاري على تقدير القول به يمكن إثباته بإثبات موضوعه ، سواء أكان موضوعه عدم وجود الساتر الشرعي أم عدم ساترية الموجود شرعاً ، فان كلا من العدمين مما يمكن إثباته بالأصل ، فإذا ثبت وجوب الإيماء انحل العلم الإجمالي على ما تقرر في محله من أنه إذا ثبت التكليف في أحد أطراف العلم الإجمالي يسقط العلم الإجمالي عن المنجزية ، فيرجع في الطرف الآخر إلى أصالة البراءة ، فلا يجب التستر به ، ولا إتمام الركوع والسجود. ( وفيه ) : أن حكم العاري ليس موضوعه عدم ساترية الموجود ، بل موضوعه عدم وجوده ، وأصالة عدم وجوده لا تجري لأنها من قبيل الأصل الجاري في‌

٢٧٧

فصل في شرائط لباس المصلي

وهي أمور :

( الأول ) : الطهارة في جميع لباسه ، عدا ما لا تتم فيه الصلاة منفرداً ، بل وكذا في محموله على ما عرفت تفصيله في باب الطهارة [١].

( الثاني ) : الإباحة ، وهي أيضاً شرط [١] في جميع لباسه من غير فرق بين الساتر وغيره.

______________________________________________________

الفرد المردد بين معلوم البقاء ومعلوم الانتفاء.

نعم قد يقال إن مقتضى إطلاق قول الكاظم (ع) في صحيح ابن جعفر (ع) : « وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته .. » كون الطين ساتراً صلاتياً ، لأنه مما يستر به العورة ، فيكون موضوعاً لإتمام الركوع والسجود ، ولا مجال للرجوع إلى أصالة عدم ساتريته شرعاً. اللهم إلا أن يدعى انصرافه إلى مثل الحشيش ، ولو بقرينة غلبة وجود الطين لمن غرق متاعه ، لكنها غير ظاهرة ، فدعوى ساترية الطين في حال الاضطرار غير بعيدة. لكن في ثبوت ذلك في الوحل والماء الكدر تأملا ، لانصراف الصحيح عنهما جداً. والله سبحانه أعلم.

فصل في شرائط لباس المصلى‌

[١] وعرفت أيضاً الاستدلال له. فراجع.

[٢] إجماعاً في الجملة ، كما عن الناصريات والغنية ونهاية الاحكام‌

٢٧٨

______________________________________________________

والتذكرة والذكرى وكشف الالتباس وغيرها. واستدل له ( تارة ) : بعدم الدليل على الصحة بدونها ـ كما عن السيد (ره) ـ ( وأخرى ) : بأن التصرف في الثوب المغصوب قبيح ، ولا تصح نية القربة فيما هو قبيح ـ كما عن الخلاف ـ ( وثالثة ) : بأنه مأمور بإبانة المغصوب ورده إلى مالكه فاذا افتقر الى فعل كثير كان مضاداً للصلاة ، والأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده ، والنهي يقتضي الفساد ـ كما حكاه في المدارك عنهم ـ ( ورابعة ) : برواية إسماعيل بن جابر الجعفي عن أبي عبد الله (ع) : « لو أن الناس أخذوا ما أمرهم الله به فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم ، ولو أخذوا ما نهاهم الله تعالى عنه فأنفقوه فيما أمرهم الله تعالى به ما قبله منهم » (١) وبما عن تحف العقول المحكي عن بعض نسخ النهج عن أمير المؤمنين (ع) في وصيته لكميل : « يا كميل انظر فيم تصلي وعلى م تصلي ، إن لم يكن من وجهه وحله فلا قبول » (٢). ( وخامسة ) : بأن النهي عن المغصوب نهي عن وجوه الانتفاع به ، والحركات فيه انتفاع فتكون محرمة منهياً عنها ومن الحركات القيام والقعود والركوع والسجود ، وهي أجزاء الصلاة ، فتكون منهياً عنها ، فتفسد. كذا ذكر في المعتبر.

وهذه الوجوه لا تخلو بظاهرها من الإشكال ، إذ يكفي في الحكم بالصحة الظاهرية أصالة البراءة عن الشرطية. ونية القربة المعتبرة في الصلاة إنما هي في أفعال الصلاة لا في التصرف في الثوب. والتستر بالثوب وإن كان تصرفاً فيه ، إلا أنه ليس من أفعال الصلاة ، بل من شرائطها ، ولذا لا إشكال ظاهر في صحة الصلاة مع الغفلة عن التستر أصلا ، والقصد شرط‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب مكان المصلي حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب مكان المصلي حديث : ٢.

٢٧٩

______________________________________________________

في صحة العبادة. وقد تحقق في محله أن الأمر بالشي‌ء لا يقتضي النهي عن ضده. مع أن النهي على تقديره غيري ، وفي اقتضاء النهي الغيري للفساد إشكال معروف. مع أن الرد قد لا يجب ، لتعذره ( فتأمل ). أو يجب ولا يكون ضداً منافياً للصلاة ، لحضور المالك أو الواسطة في الإيصال اليه مع أنه لا يختص هذا الحكم بالساتر ولا بالملبوس ، بل كل مغصوب يمكن رده إلى مالكه لا تجوز الصلاة به مع الابتلاء به. والإنفاق في رواية إسماعيل ظاهر في غير ما نحن فيه. مع أنها لا تدل على أكثر من كون الإباحة شرطاً في القبول. وكذا رواية تحف العقول. مع أنها ضعيفة غير مجبورة بالعمل. ومجرد موافقة المشهور غير جابرة. وكون القيام والقعود والركوع والسجود من قبيل الحركات لا يخلو عن تأمل أو منع ، فان المفهوم منها عرفاً أنها من قبيل الهيئة القائمة بالجسم ، فتكون من مقولة الوضع ، لا من قبيل الحركة لتكون من مقولة الفعل. نعم الحركة من قبيل المقدمة لوجودها ، وحرمة المقدمة لا توجب النهي عن ذيها ولا فساده ، وما ذكرنا هو المطابق للمرتكز العقلائي ، فان التذلل والخضوع واستشعار مشاعر العبودية إنما يكون بالهيئة الخاصة التي يكون عليها العبد في مقام عبادة مولاه ، لا بالحركة المحصلة لها ، كما لا يخفى.

فان قلت : الظاهر من أدلة وجوب الركوع والسجود ونحوهما كون الحدوث بخصوصه واجباً لا ما يعم الحدوث والبقاء ، ومن المعلوم أن الحدوث لا يكون دفعياً بل تدريجي ، فلو هوى من القيام الى الركوع لا بقصد الصلاة لم يجزئ ، وإذا كان الهوي صلاة جاء ما سبق من امتناع كونه محرماً مبعداً.

قلت : لو سلم ذلك فإنما يقتضي كون أول مراتب الانحناء جزءاً‌

٢٨٠