مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٥

لعدم استناد الإذن في هذا القسم إلى اللفظ ، ولا دليل على حجية الظن غير الحاصل منه [١].

______________________________________________________

الدليل على حجية الظن الحاصل من غير اللفظ ، ودلالة الأفعال ليست كدلالة الألفاظ ، إذ دلالة الألفاظ من أجل أنها مجعولة طرقا إلى المعاني بخلاف الأفعال ، فإن دلالتها من أجل المقارنة الغالبية بين الفعل والمدلول ، ولأجل أن الاقتران الغالبي غير كاف في البناء على وجود أحد المقترنين بمجرد العلم بوجود المقارن الآخر ، بل لا بد من الملازمة بينهما في ذلك ، لا يجوز البناء على وجود ما يقارن الفعل غالباً بمجرد العلم بوجود الفعل. نعم إذا كان الفعل مجعولا طريقاً إلى شي‌ء كاللفظ كان الاعتماد عليه في محله ، لبناء العقلاء على الحجية فيه كالألفاظ ، ويختلف ذلك باختلاف العادات كاختلاف اللغات ، ولا يبعد أن يكون فتح أبواب المضائف والمسابل من هذا القبيل ، فيجوز الدخول في المضيف والصلاة فيه بمجرد فتح بابه ، كما يجوز الوضوء والاستقاء من السبيل بمجرد فتح بابه أيضاً ، ونحوهما غيرهما ، ولا يصح قياسهما بسائر الأفعال الموجبة للظن بالرضا من جهة غلبة اقترانها به.

[١] قد عرفت بناء العقلاء على حجية الفعل المجعول طريقاً إلى الشي‌ء كبنائهم على حجية اللفظ ، ولو لا هذا البناء لكان الجعل لغواً كما في وضع اللفظ.

هذا والمحكي عن الذخيرة والبحار : جواز الصلاة في كل موضع لا يتضرر المالك بالكون فيه ، وكان المتعارف بين الناس عدم المضايقة في أمثاله وإن فرض عدم العلم برضا المالك ، إلا أن تكون أمارة على الكراهة وأيده في الحدائق بما دل على جعل الأرض مسجداً له (ص) ولأمته (١) ، لمناسبة‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٧ من أبواب التيمم. وباب : ١ من أبواب مكان المصلي.

٤٤١

( مسألة ١٧ ) : يجوز الصلاة في الأراضي المتسعة [١]

______________________________________________________

الامتنان للاكتفاء بالظن. واستدل في محكي المستند ـ بعد ما قواه ـ بأصالة جواز التصرف في كل شي‌ء. والإجماع على المنع غير ثابت في صورة الظن ، والتوقيع (١) ضعيف السند ، ومثله خبر محمد بن زيد الطبري : « لا يحل مال إلا من وجه أحله الله » (٢) ، ولضعف الاستدلال بموثق سماعة المتقدم المتضمن عدم حل مال المسلم إلا بطيب نفسه (٣). وفيه : أن حرمة التصرف في مال الغير مما أجمع عليه جميع الأديان والملل كما اعترف به ، وكفى بذلك حجة عليه ، ولا حاجة إلى التمسك بالتوقيع ليورد عليه بضعف السند. مع أنه اعترف في محكي كلامه بانجباره بالشهرة ، والخلاف في المقام إنما كان في حجية الظن لا في تخصيص حرمة التصرف في مال الغير بغير رضاه بغير صورة الظن ، فان الخلاف في الحكم الظاهري لا يلازم الخلاف في الحكم الواقعي ، وموثق سماعة ظاهر في التصرف ، وحمله على خصوص الإتلاف غير ظاهر.

وبالجملة : بعد الاتفاق على الحكم الواقعي ـ يعني : حرمة التصرف في مال الغير بغير رضاه ـ يكون المرجع عند الشك في الرضا أصالة العدم ، إلا أن تقوم حجة عليه ، ومع الشك في الحجية يبنى على عدمها.

[١] كما صرح به جماعة والعمدة فيه السيرة القطعية على التصرف من دون استئذان من ملاكها. وفي عموم الحكم لصورة العلم بالكراهة إشكال ، للشك في ثبوت السيرة فيها ، وإن كان غير بعيد. أما أدلة نفي الحرج‌

__________________

(١) يريد به التوقيع المتقدم في المسألة الثانية من هذا الفصل وهو قوله (ع) : ( فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه ).

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب الأنفال حديث : ٢.

(٣) تقدم في المسألة الثانية من هذا الفصل.

٤٤٢

اتساعاً عظيماً بحيث يتعذر أو يتعسر على الناس اجتنابها وإن لم يكن إذن من ملاكها ، بل وإن كان فيهم الصغار والمجانين بل لا يبعد ذلك وإن علم كراهة الملاك ، وإن كان الأحوط التجنب حينئذ مع الإمكان.

______________________________________________________

والضرر (١) : فلا مجال للتمسك بها ، لاختصاصها بالحرج والضرر الشخصيين وهما غير محل الكلام ، ولو سلم فلا تصلح لإثبات الجواز ، لأنها امتنانية ، والأدلة الامتنانية لا تجري إذا لزم من جريانها خلاف الامتنان في حق الغير.

وأما ما يقال من أن أدلة نفي الحرج والضرر والضرار لا تصلح لتحليل أموال المسلمين المحرمة بالكتاب والسنة وفطرة العقل مجاناً بلا عوض ، وإلا لاقتضى ذلك إباحة كثير من المحرمات ، ولعله بعموم التحريم يستكشف أنه لا حرج لا يتحمل في الحرمة المزبورة. فضعيف أولا : بأن محل الكلام مجرد الجواز لا نفي العوض. وثانياً : بأنه لا محذور في تحليل المحرمات بأدلة نفي الحرج ، إذ لا يتضح فرق بين الواجبات والمحرمات ، فكما أنها تقتضي نفي الوجوب لو كان حرجياً كذلك تقتضي نفي التحريم لو كان حرجياً. وثالثاً : بأن تطبيق أدلة الحرج يتوقف على إحراز ثبوته كما هو المفروض ، ومعه لا مجال لأن يستكشف عدمه من عموم التحريم. فالعمدة في عدم جواز تطبيق أدلة نفي الحرج ونحوها في المقام ما ذكرنا من لزوم خلاف الامتنان. ولو جرت لم تصلح لإثبات كون التصرف مجانياً ، إذ لا حرج في ثبوت القيمة ، فعموم ضمان مال المسلم بحاله غير محكوم عليه بها. هذا كله إذا فرض ثبوت الحرج في ترك التصرف ، لكنه ليس محل الكلام أيضاً ، بل محله ما يلزم من تركه حرج نوعاً ، فإنه المراد مما في المتن من‌

__________________

(١) تقدمت الإشارة إليها في الجزء الأول صفحة : ٧٠ و ٢٠٣ فراجع.

٤٤٣

( مسألة ١٨ ) : تجوز الصلاة في بيوت من تضمنت الآية جواز الأكل فيها بلا إذن [١] مع عدم العلم بالكراهة [٢] كالأب والأم والأخ والعم والخال والعمة والخالة ومن ملك الشخص مفتاح بيته والصديق. وأما مع العلم بالكراهة فلا يجوز بل يشكل مع ظنها أيضاً [٣].

______________________________________________________

قوله (ره) : « بحيث يتعذر أو يتعسر ».

[١] لأن تجويز الشارع الأقدس للأكل مع عدم الاذن الثابت كتاباً وسنة بل وإجماعاً ـ كما في الجواهر ـ راجع إلى حجية ظهور الحال في الرضا من المالك بالأكل ، فيكون حجة على الرضا بالصلاة ، لأنها أولى ، فتأمل. والآية الكريمة هي قوله تعالى ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً ) (١).

[٢] بلا خلاف أجده فيه ، كما في الجواهر.

[٣] بل ظاهر محكي كشف اللثام الإجماع على المنع معه ، لانصراف الآية الشريفة عنه فيرجع إلى أصالة المنع. لكن لا يظهر للانصراف وجه غير الغلبة ، وفي اقتضائها للانصراف المعتد به في رفع اليد عن الإطلاق إشكال أو منع ، فالإطلاق محكم ، المقتصر في الخروج عنه على خصوص العلم بالكراهة ، لظهور الإجماع الكاشف عن أن الحكم المذكور ظاهري ، والحكم الظاهري لا مجال له مع العلم بالواقع. ( فان قلت ) : إذا كان‌

__________________

(١) النور ـ ٦١.

٤٤٤

( مسألة ١٩ ) : يجب على الغاصب الخروج من المكان المغصوب [١] ، وإن اشتغل بالصلاة في سعة الوقت يجب قطعها [٢]

______________________________________________________

الحكم المذكور ظاهرياً فملاكه جعل الظهور الحالي طريقاً إلى الرضا ، فمع الظن بالكراهة لا طريق إلى الرضا ليثبت لأجله الترخيص. ( قلت ) : الظهور الحالي المجعول طريقاً هو الظهور النوعي الذي لا ينافيه الظن بالخلاف ، وتخصيصه بالظهور الشخصي خلاف الظاهر ، ولو سلم كان اللازم اعتبار الظن بالرضا ، فلا يجوز الأكل مع الشك فيه ، كما لا يجوز مع الظن بالكراهة ، فلاحظ.

[١] الخروج : عبارة عن الحركة إلى المكان المباح ، وهذه الحركة لما كانت في المغصوب كانت محرمة ، وحيث أنها بالاختيار الملازم لاختيار الدخول كانت معصية كما ذهب إليه أبو هاشم. وما عن المنتهى من أن هذا القول باطل عندنا ، وما عن التحرير من أنه أجمع الفضلاء على تخطئة أبي هاشم في هذا المقام غير ظاهر ، كما هو موضح في الأصول. وحينئذ فوجوب الخروج لا يراد منه الوجوب النفسي ، لما عرفت من أنه غصب كالدخول ، ولا الوجوب الغيري ، إذ ليس هو إلا مقدمة للكون في خارج المغصوب ، وليس هو بواجب ، بل الواجب ترك الكون في المغصوب ، لكن لما كان يلازمه الكون في المباح كان الكون المذكور واجباً بالعرض ، فتكون مقدمته ـ أعني : الخروج ـ واجباً كذلك ، فوجوب الخروج ليس إلا مقدمي عرضي.

[٢] الصلاة المذكورة باطلة ، فكأن المراد وجوب قطعها بالخروج ، لكن الخروج قد لا يقتضي قطعها لعدم استلزامه لبعض المنافيات لها.

٤٤٥

وإن كان في ضيق الوقت يجب الاشتغال بها حال الخروج [١]

______________________________________________________

[١] على المشهور ، بل قيل : يظهر من بعض أنه لا خلاف فيه. وكأن ذلك منهم لبنائهم على كون التصرف بالخروج مباحاً ، وحينئذ لا مانع من صحة الصلاة لا مكان التقرب بها ، ولأجل أن الركوع والسجود يوجبان مزيد المكث في المغصوب وجب الانتقال إلى الإيماء ، ولا يجب حينئذ القضاء ، لأنه فرع الفوت وهو غير حاصل بفعل الصلاة الناقصة ، لأن المراد من الفوت فوت أصل الفريضة لا الفريضة الكاملة. لكن في اقتضاء الركوع المكث الزائد منع ظاهر ، لعدم استلزامه الاستقرار بخلاف السجود ، فالبناء على إطلاق بدلية الإيماء عنه غير ظاهر. مضافاً إلى ما عرفت من فساد المبنى ، وأن الخروج محرم كالدخول ، فوقوعه من الغاصب مبعد له ، ويمتنع معه التقرب بالتصرف في حاله. اللهم إلا أن يمنع من شمول التحريم لمثل التصرف بالقراءة والإيماء ، لكنه في غير محله كما سبق.

فان قلت : قد سبق أن الظاهر أن القراءة ليس تصرفاً في المغصوب لأنها كيفية قائمة بالصوت ، وكذلك الإيماء يراد منه الهيئة القائمة بالجسم ، وليست من التصرف المحرم.

قلت : هو مسلم ، لكنهما موقوفان على حركة الفم والرأس ويمتنع التكليف بما يتوقف على الحرام ، إلا أن ترفع اليد عن حرمته ، لكنه في المقام ليس كذلك قطعاً. وعلى هذا أيضاً يشكل الوجه في وجوب الصلاة بالكيفية المذكورة.

إلا أن يقال : بعد اضطراره إلى الغصب ـ ولو بسوء الاختيار ـ يجب عليه عقلا الصلاة بالقراءة والإيماء فراراً عن محذور المعصية بترك الصلاة ، لأن المانع من وجوبها ليس عدم إمكان التقرب بها ، لكون‌

٤٤٦

مع الإيماء للركوع والسجود ، ولكن يجب عليه قضاؤها أيضاً إذا لم يكن الخروج عن توبة وندم ، بل الأحوط القضاء وإن كان من ندم وبقصد التفريغ للمالك [١].

______________________________________________________

المفروض عدم انطباق الواجب على ما هو الحرام ، بل المانع توقفها على الحرام ، فاذا فرض الوقوع في الحرام على كل حال والاضطرار اليه وجب عقلا الوقوع في خصوص الفرد المترتب عليه الواجب تحصيلا لغرض الشارع اللهم إلا أن يكون فرضه في مثل هذه الحال الصلاة بمحض الاخطار ، لأن كل ما عداها من المراتب يمتنع التكليف به ، والصلاة لا تترك بحال (١). لكن لم يتحقق هذا الحديث ، فيشكل الاكتفاء بالصلاة الاخطارية ، والبناء على عدم وجوب القضاء. هذا ولأجل الإشكال في صحة الصلاة بالإيماء لم يكتف بها في المتن ، بل ألزم بوجوب القضاء ، لكن كان المناسب أن يجعل وجوب الأداء أو القضاء من باب الاحتياط ، لا من باب الفتوى بالوجوب كما لعله ظاهر.

[١] ربما فصل بين كون الخروج صادراً عن توبة وندم ، وكونه لا عن ذلك ، فيحكم بوجوبه في الأول ، لعدم كونه محرماً ، ولا معصية بعد سبقه بالتوبة ، بخلاف الثاني فيكون محرماً لا غير بناء على امتناع اجتماع الأمر والنهي. هذا بناء على كونه مقدمة للتخلص الواجب ، أما بناء على بطلان ذلك ـ كما تقدم تحقيقه ـ يكون حاصل التفصيل أنه حرام في الثاني دون الأول ، فتصح الصلاة فيه. وفيه : أن التوبة لا ترفع الحرمة ، ولا ترفع كونه معصية ، لأن كونه محرماً ومعصية من قبيل الموضوع لها ، فيمتنع‌

__________________

(١) ينقل المؤلف ـ دام ظله ـ هذا الحديث في الجزء السادس بلفظ ( لا تسقط الصلاة بحال ) ويذكر عدم وجدانه إلا في الجواهر.

٤٤٧

( مسألة ٢٠ ) : إذا دخل في المكان المغصوب جهلا أو نسياناً أو بتخيل الإذن ثمَّ التفت وبان الخلاف ، فان كان في سعة الوقت لا يجوز له التشاغل بالصلاة [١] ،

______________________________________________________

ارتفاعهما بها ، وإنما ترفع حسن العقاب ، وحينئذ فإن كان المانع من صحة العبادة كون الخروج محرماً ومعصية فالتوبة لا تجدي في صحة العبادة ، وإن كان المانع كون الفعل يحسن العقاب عليه كانت التوبة مجدية في صحة العبادة وحيث أن الأظهر الثاني فالتفصيل في الصحة وعدمها بين التوبة وعدمها في محله. هذا وقد يظهر من الجواهر أن التوبة إنما يترتب عليها الأثر إذا كانت بعد الفعل لا قبله. ولكنه غير ظاهر في مثل الفرض ، أعني : ما لو فعل ما هو علة تامة في الوقوع في المعصية.

[١] لمنافاته لوجوب التخلص عن التصرف في مال الغير بغير إذنه ، فيحرم عقلا. لكن لو تشاغل بالصلاة أمكن القول بصحتها إذا كان زمانها مساوياً لزمان الخروج أو أقل منه ، لأن ذلك المقدار من التصرف مضطر اليه لا عن سوء الاختيار ، فلا يكون حراماً ، فلا مانع من صحته إذا كان معنوناً بعنوان الصلاة ، غاية الأمر أنه لو صلى كذلك وقع في التصرف في المغصوب زائداً على المقدار المضطر اليه ، لكن التشاغل بالصلاة ليس مقدمة لذلك ، بل هو ملازم له ، لأن الخروج مقدمة للكون في المكان المباح الملازم لترك الغصب ، فترك الخروج علة لعدم الكون في المكان المباح الملازم للتصرف في المغصوب ، والتشاغل بالصلاة ملازم لترك الخروج الملازم للحرام. نعم إذا كان زمان الصلاة يزيد على زمان الخروج فبعض الصلاة يكون تصرفاً غير مضطر اليه محرماً. وكذا لو أذن له المالك بالخروج ونهاه عن التشاغل ، إذ الإذن المذكورة رافعة للاضطرار إلى الحرام ، فالتشاغل‌

٤٤٨

وإن كان مشتغلا بها وجب القطع [١] والخروج ، وإن كان في ضيق الوقت اشتغل بها حال الخروج [٢] سالكاً أقرب الطرق ، مراعياً للاستقبال بقدر الإمكان ، ولا يجب قضاؤها وإن كان أحوط [٣] لكن هذا إذا لم يعلم برضا المالك بالبقاء بمقدار الصلاة ، وإلا فيصلي ثمَّ يخرج. وكذا الحال إذا كان مأذوناً من المالك في الدخول ثمَّ ارتفع الاذن [٤] برجوعه عن إذنه ، أو بموته والانتقال إلى غيره.

( مسألة ٢١ ) : إذا أذن المالك بالصلاة خصوصاً أو عموماً ثمَّ رجع عن إذنه قبل الشروع فيها وجب الخروج في سعة الوقت [٥] ،

______________________________________________________

بالصلاة تصرف محرم.

[١] بناء على ما ذكرنا من إمكان دعوى صحة الصلاة فوجوب القطع للمزاحمة بين حرمة القطع وحرمة الغصب ، والثانية أهم. نعم على تقدير البطلان تكون الصلاة باطلة منقطعة.

[٢] ويسقط وجوب الاستقرار والسجود ، لمنافاتهما للخروج الواجب ، المقدم دليله على دليلهما ، ويومئ حينئذ إلى السجود. وأما الركوع فان كان مستلزماً لزيادة المكث أومأ بدلا عنه ، وإلا وجب فعله.

[٣] لما سيأتي عن ابن سعيد وغيره.

[٤] فان التصرف حينئذ يكون عن عذر فيجري عليه ما تقدم كما سيذكره في المسألة الآتية.

[٥] هذا القيد غير ظاهر ، لأن الخروج واجب في السعة والضيق ، غاية الأمر أنه في السعة يصلي بعد الخروج ، وفي الضيق يصلى حال الخروج‌

٤٤٩

وفي الضيق يصلي حال الخروج [١] على ما مر. وإن كان‌

______________________________________________________

فكأن السعة قيد لأمر مقدر.

[١] كما هو المشهور ، لما سبق في المسألة السابقة. وعن ابن سعيد : أنه نسب صحة هذه الصلاة إلى القيل ، وقد يظهر منه التوقف فيها. ومثله ما عن منظومة الطباطبائي. قال في الجواهر : « لعله لعدم ما يدل على صحتها ، بل قد يدعى وجود الدليل على العدم باعتبار معلومية اعتبار الاستقرار والركوع والسجود ونحو ذلك ، ولم يعلم سقوطها هنا ، والأمر بالخروج بعد الاذن في الكون وضيق الوقت وتحقق الخطاب بالصلاة غير مجد ، فهو كما لو أذن له في الصلاة وقد شرع فيها وكان الوقت ضيقاً مما ستعرف عدم الإشكال في إتمام صلاته ، فالمتجه حينئذ عدم الالتفات إلى أمره بعد فرض كونه عند الضيق الذي هو محل الأمر بصلاة المختار والمرجح على أمر المالك بسبق التعلق ، فلا جهة للجمع بينهما بما سمعت ، بل يصلي صلاة المختار مقتصراً فيها على الواجب مبادراً في أدائها على حسب التمكن لكن لم أجد قائلا بذلك ، بل ولا أحد احتمله ». ولا يخفى ما فيه ، لأن قاعدة حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه تقتضي عجزه عن كل شرط وجزء للصلاة مناف للخروج ، فيسقط ، فان كان له بدل ـ كالسجود ـ انتقل إلى بدله ، وإلا سقط بلا بدل. وقياس المقام على ما لو رجع في أثناء الصلاة ـ مع أنه قياس مع الفارق ـ لا يجدي للمنع في المقيس عليه. وليس ذلك من باب ترجيح أمر المالك على الأمر بصلاة المختار ، ليرجح العكس للسبق ، بل هو لورود دليل النهي عن التصرف بغير إذن المالك على دليل الشرائط والأجزاء الذي عليه العمل في جميع الموارد. مع أن السبق الزماني من حيث هو ليس من المرجحات كما هو ظاهر ، ولا فرق‌

٤٥٠

ذلك بعد الشروع فيها فقد يقال بوجوب إتمامها مستقراً [١] وعدم الالتفات إلى نهيه وإن كان في سعة الوقت إلا إذا كان موجباً لضرر عظيم على المالك. لكنه مشكل ، بل الأقوى وجوب القطع في السعة [٢] ، والتشاغل بها خارجاً في الضيق‌

______________________________________________________

بين أن يكون الأمر بالخروج رجوعاً عن الأمر السابق أولا ، لجريان ما ذكرنا في المقامين. والفرق بينهما ـ كما يظهر من الجواهر في كلام له بعد ذلك ـ غير ظاهر.

[١] قال في الذكرى : « لو نهى الآذن في القرار عن الصلاة لم يصل فان نهى في الأثناء فالإتمام قوي للاستصحاب ، ولأن الصلاة على ما افتتحت عليه ». وحكي ذلك عن البيان. وفي حاشية المدارك : « في شمول النهي ـ يعني نهي المالك ـ لهذه الصورة تأمل ، لأن المفروض أن المالك رخصه وأذن له بقدر الصلاة ويعلم قدر الصلاة ويعلم أنه يجب عليه إتمام الصلاة ويحرم عليه قطعها ، على أنه لعله في هذا القدر يدخل في أمر لا يمكن شرعاً قطعه ، كما لو كان مشغولا بجماع أو غيره مما لا يتيسر له القطع ، لأنه ربما يقتله أو يضره ضرراً عظيماً أو غير عظيم ، إذ لا ضرر ولا ضرار ، فيمكن أن تكون الصلاة أيضاً من قبيل الأمور المذكورة .. ».

[٢] كما عن كتب كثيرة ـ منها جامع المقاصد والروض والمسالك ومجمع البرهان والمدارك ـ عملا بما دل على حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه وعن الإرشاد ، ونسب إلى جماعة : أنه يصلي في حال الخروج ولو في سعة الوقت.

ومحصل الكلام : أن المقام مورد طوائف ثلاث : إحداها : ما دل على عدم جواز التصرف في مال الغير بغير إذنه. ثانيتها : ما دل على حرمة‌

٤٥١

______________________________________________________

قطع الصلاة. ثالثتها : ما دل على وجوب صلاة المختار. وهذه الطوائف الثلاث لما لم يمكن العمل بها أجمع ، يدور الأمر بين طرح الأولى فيتعين القول الأول ، وطرح الثانية فيتعين القول الثاني ، وطرح الثالثة فيتعين القول الثالث. لكن الطائفة الثانية لا تصلح لمعارضة الطائفتين الأخريين ، لأن موضوع حرمة القطع العمل الصحيح ، ومع حرمة التصرف يمتنع التقرب فيبطل العمل. وكذا مع وجوب صلاة المختار لا تكون الصلاة في حال الخروج موضوعاً للامتثال لتصح ويحرم قطعها. وعليه يتعين القول الثاني كما عرفت. نعم لو فرض حرمة القطع في المقام يتعين سقوط القاعدة الثالثة ، لأن حرمة التصرف توجب العجز عن الصلاة المختار ، فيتعين القول الثالث. وأما القول الأول المبني على سقوط القاعدة الأولى فما سبق من وجهه ضعيف جداً ، كما يظهر بأقل تأمل فيما ذكرنا. وأما قياس المقام على الاذن في الرهن والدفن حيث لا يجوز الرجوع فيهما عن الاذن ـ بمعنى : أن لو رجع لا يترتب أثر عليه ـ ففيه : أن الرهن يوجب حقاً للمرتهن في العين ثابتاً بإذن المالك ، فالرجوع لما لم يكن موجباً لزوال الحق ، إذ لا دليل عليه ، بل هو خلاف قاعدة السلطنة على الحقوق نظير السلطنة على الأموال ، لم يؤثر الرجوع أثراً. وثبوت حق الصلاة للمأذون في الصلاة غير ظاهر ، بل لا يظن التزامه من أحد. وفي الدفن قام الإجماع على حرمة نبش من دفن بوجه مشروع حال الدفن ، ولما لم يكن الرجوع عن الاذن رافعاً لذلك الموضوع ، لامتناع انقلاب ما وقع عما وقع عليه ، لم يؤثر الرجوع في جواز النبش. وليس المقام كذلك ، لاعتبار الإباحة في جميع أجزاء الصلاة ، ولا يختص اعتبارها بأول الأجزاء. وأما قاعدة أن الاذن في الشي‌ء إذن في لوازمه : فلو صحت فغاية ما تقتضيه أن لوازم الصلاة‌

٤٥٢

خصوصاً في فرض الضرر على المالك.

( مسألة ٢٢ ) : إذا أذن المالك في الصلاة ، ولكن هناك قرائن تدل على عدم رضاه ، وأن إذنه من باب الخوف أو غيره لا يجوز أن يصلي [١] ، كما أن العكس بالعكس.

( مسألة ٢٣ ) : إذا دار الأمر بين الصلاة حال الخروج من المكان الغصبي بتمامها في الوقت أو الصلاة بعد الخروج وإدراك ركعة أو أزيد ، فالظاهر وجوب الصلاة في حال الخروج ، لأن مراعاة الوقت أولى [٢] من مراعاة الاستقرار والاستقبال والركوع والسجود الاختياريين.

______________________________________________________

تكون بالاذن اللازم للإذن في الصلاة ، وأين هذا من إثبات جواز المضي في الصلاة بعد الرجوع عن الاذن فيها؟! نعم لو كان إتمام الصلاة من لوازم الشروع فيها جاز بمجرد الاذن في الشروع ، لكن عرفت منع ذلك وأن إباحة المكان شرط في الإتمام على نحو شرطيتها في الشروع ، فمع انتفائها يمتنع الإتمام. فلاحظ وتأمل.

[١] تقدم أن موضوع الجواز واقعاً هو الرضا الواقعي ، وأن الجواز مع الاذن جواز ظاهري إنما يعمل عليه مع الشك في الرضا الباطني ، لا مع العلم بالحال وجوداً أو عدماً. فراجع.

[٢] هذا في الجملة من القطعيات ، ويقتضيه جميع ما دل على لزوم الانتقال إلى الأبدال الاضطرارية في الوقت عند عدم التمكن من الفرد الاختياري فيه وإن تمكن منه في خارج الوقت. نعم قد يشكل من جهة ما دل على أن من أدرك ركعة من الصلاة في الوقت فقد أدرك الصلاة فيه (١). لكن تقدم اختصاصه بصورة ما لو فات الوقت إلا مقدار ركعة‌

__________________

(١) راجع المسألة : ١١ من فصل أوقات اليومية ونافلتها في هذا الجزء.

٤٥٣

( الثاني ) : من شروط المكان : كونه قاراً فلا تجوز الصلاة على الدابة [١] ،

______________________________________________________

فلا يدل على جواز التأخير إلى أن تبقى ركعة ، فعموم ما دل على وجوب إيقاع تمام الصلاة في الوقت بحاله ، ومقتضى الجمع بينه وبين ما دل على الابدال الاضطرارية وجوب البدل.

فان قلت : المراد من الركعة الركعة التامة ومقدارها يسع الصلاة الاضطرارية ، وحينئذ فدليل : « من أدرك ركعة » يقتضي تعين إيقاع ركعة تامة في الوقت والباقي خارج الوقت ، وعدم الاكتفاء بالبدل الاضطراري وإن وقع تمامه في الوقت.

قلت : هذا مسلم ، لكنه يختص بخصوص مورد : « من أدرك » وهو ما لو لم يبق من الوقت إلا مقدار ركعة تامة ، لا في مثل المقام مما بقي منه أكثر من ذلك. وقد تقدم نظير ذلك في بعض مسائل التيمم لضيق الوقت. فراجع.

[١] لا إشكال ولا خلاف في عدم جواز الصلاة على الدابة إذا كان يفوت بعض ما يعتبر فيها من استقبال أو قيام أو طمأنينة أو غيرها مما يعتبر في الصلاة ، بل ادعي عليه إجماع المسلمين. ويقتضيه ما دل على اعتبار ذلك في صحتها ، المعتضد بما دل بالخصوص على عدم جواز فعل الفريضة على الدابة ، كصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) : « لا يصلى على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل به القبلة ، وتجزؤه فاتحة الكتاب ، ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي‌ء ، ويومئ في النافلة إيماء » (١) ، ورواية عبد الله بن سنان : « قلت لأبي عبد الله (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب القبلة حديث : ١.

٤٥٤

أو الأرجوحة [١] ،

______________________________________________________

أيصلي الرجل شيئاً من المفروض راكباً؟ قال (ع) : لا ، إلا من ضرورة » (١) ‌ونحوهما غيرهما.

هذا وليس في النصوص المذكورة دلالة على اعتبار الاستقرار في الصلاة بمعنى الطمأنينة ، فضلا عن اعتباره بمعنى آخر ، لأنه إن بني على الجمود على ما تحت العبارة فيها دلت على مانعية الكون على الدابة تعبداً من حيث هو ، فيكون عدم الكون على الدابة شرطاً في قبال سائر الشرائط ، فلا ربط له بالاستقرار ولا بغيره. وإن بني على ظهورها في كون وجه النهي كون الصلاة على الدابة فاقدة لما يعتبر فيها ، فالفقدان لا يختص بالاستقرار ، فإن الصلاة على الدابة على النحو المتعارف فاقدة للاستقرار والقيام والاستقبال والسجود على المساجد السبعة ، ولا قرينة على كون النهي من جهة خصوص فقد الاستقرار ، كي تكون دليلا على شرطيته. فالعمدة في اعتبار الاستقرار ـ بمعنى الطمأنينة ـ ما دل على اعتباره بالخصوص من الإجماع والنص ، الآتي التعرض لهما في محله من أفعال الصلاة ، فانتظر.

[١] لا إشكال أيضاً في عدم صحة الصلاة على الأرجوحة إذا كان يفوت بعض ما يعتبر في الصلاة ، لأدلة الاعتبار كما في الدابة ، ويشير اليه خبر ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « عن الرجل هل يصلح له أن يصلي على الرف المعلق بين نخلتين؟ فقال (ع) : إن كان مستوياً يقدر على الصلاة عليه فلا بأس » (٢) ، لظهوره في اعتباره تمامية الصلاة لو وقعت فوقه. نعم بناء على ظهوره في المسمر بالمسامير يدل على حكم الأرجوحة بالأولوية.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب القبلة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب مكان المصلي حديث : ١.

٤٥٥

أو في السفينة [١] ونحوها مما يفوت معه استقرار المصلي.

______________________________________________________

[١] المحكي عن جامع المقاصد والجعفرية وشرحها : أنه لا تجوز الصلاة في السفينة مع عدم التمكن من استيفاء الأفعال. وعن ظاهر المبسوط والنهاية والوسيلة ونهاية الأحكام والمدارك : الجواز مطلقاً. وكأنهم اعتمدوا على إطلاق بعض النصوص كصحيح جميل : « أنه قال لأبي عبد الله (ع) : تكون السفينة قريبة من الجدد فاخرج وأصلي؟ قال (ع) : صل فيها ، أما ترضى بصلاة نوح (ع) »؟ (١) ، وموثق المفضل بن صالح : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الصلاة في الفرات وما هو أضعف منه من الأنهار في السفينة فقال (ع) : إن صليت فحسن وإن خرجت فحسن » (٢). ونحوهما غيرهما.

وفيه : أن الظاهر منها السؤال عن حيثية الصلاة في السفينة ، وأن كونها في السفينة مانع عن صحتها أم لا؟ كما يقتضيه القياس بنظائره ، كما لو سئل عن الصلاة ضاحكاً أو متكتفاً أو ملتفا أو نحو ذلك ، فالجواب بنفي البأس إنما يقتضي الصحة من هذه الجهة ولا يقتضي الصحة من الجهات الأخر كما لا يخفى ، فلا إطلاق فيها يقتضي الجواز ولو مع عدم استيفاء سائر الواجبات. نعم الظاهر من تخصيص السفينة بالسؤال دون سائر الأماكن التي يصلي فيها كون الحيثية المنظورة بالسؤال ملازمتها دائماً للحركة التبعية ، فمرجع السؤال عن الصلاة في السفينة إلى السؤال عن مانعية الحركة المذكورة ، فالجواب بنفي البأس يقتضي عدم قدحها في صحة الصلاة ولا تعرض في النصوص لسائر الجهات.

هذا ، مضافاً إلى معارضتها بغيرها مما دل على عدم جواز الصلاة في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب القبلة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب القبلة حديث : ١١.

٤٥٦

نعم مع الاضطرار ـ ولو لضيق الوقت عن الخروج من السفينة مثلا ـ لا مانع [١] ، ويجب عليه حينئذ مراعاة الاستقبال‌

______________________________________________________

السفينة اختياراً مثل مصحح حماد بن عيسى : « سمعت أبا عبد الله (ع) يسأل عن الصلاة في السفينة فيقول (ع) : إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا ، فان لم تقدروا فصلوا قياماً ، فان لم تستطيعوا فصلوا قعوداً وتحروا القبلة » (١) ، وما في خبر علي بن إبراهيم : « ولا يصلي في السفينة وهو يقدر على الشط » (٢). فان الجمع بينهما يتعين إما بحمل الأخيرة على الاستحباب ، أو بالحمل على صورة عدم إمكان الصلاة تامة ، والثاني هو المتعين ، لأن الأول خلاف الترغيب عليها بمثل قوله (ع) : « أما ترضى بصلاة نوح (ع)؟ » بل لعل الترغيب المذكور بنفسه قرينة على إرادة خصوص الصلاة التامة ، فلاحظ. وبالجملة دعوى جواز الصلاة في السفينة ولو ناقصة ضعيفة جداً.

[١] بلا خلاف ظاهر ، كما صرح به في خبر ابن سنان السابق ، ونحوه غيره مما هو مصرح بالجواز فيه ، أو ظاهر فيه ، مثل ما تضمن الجواز للمريض ، أو يوم الوحل ، أو المطر. وأما خبر منصور بن حازم قال : « سأله أحمد بن النعمان فقال : أصلي في محملي وأنا مريض؟ فقال (ع) : أما النافلة فنعم ، وأما الفريضة فلا. قال : وذكر أحمد شدة وجعه. فقال (ع) : أنا كنت مريضاً شديد المرض فكنت آمرهم إذا حضرت الصلاة فينحوني فاحتمل بفراشي فأوضع وأصلي ثمَّ أحتمل بفراشي فأوضع في محملي » (٣)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب القبلة حديث : ١٤.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب القبلة حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب القبلة حديث : ١٠.

٤٥٧

والاستقرار بقدر الإمكان ، فيدور حيثما دارت الدابة أو السفينة [١]. وإن أمكنه الاستقرار في حال القراءة. والأذكار والسكوت خلالها حين الاضطراب وجب ذلك مع عدم الفصل الطويل الماحي للصورة ، وإلا فهو مشكل [٢].

( مسألة ٢٤ ) : يجوز في حال الاختيار الصلاة في السفينة [٣] أو على الدابة [٤] الواقفتين مع إمكان مراعاة جميع الشروط من الاستقرار والاستقبال ونحوهما ، بل الأقوى جوازها مع‌

______________________________________________________

فمحمول على صورة عدم الضرورة بقرينة غيره مما عرفت ، ولا وجه لحمله على الاستحباب كما عن الشيخ.

[١] لأن الضرورة تقدر بقدرها ، ولخبر محمد بن عذافر : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل يكون في وقت الفريضة لا تمكنه الأرض من القيام عليها ولا السجود عليها من كثرة الثلج والماء والمطر والوحل أيجوز له أن يصلي الفريضة في المحمل؟ قال (ع) : نعم هو بمنزلة السفينة إن أمكنه قائماً ، وإلا قاعداً وكل ما كان من ذلك فالله أولى بالعذر ، يقول الله عز وجل ( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) (١) » (٢).

[٢] بل الظاهر وجوب التشاغل بالذكر والقراءة ، لأن مانعية السكوت الماحي للصورة أهم من شرطية الاستقرار.

[٣] قال في جامع المقاصد : « أما السفينة الواقفة فيجوز اتفاقاً مع عدم الحركات الفاحشة ». وتقتضيه النصوص المتقدمة بالإطلاق أو بالأولوية لظهور بعضها في السائرة.

[٤] قال في القواعد : « وفي صحة الفريضة على بعير معقول أو‌

__________________

(١) القيامة ـ ١٤.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب القبلة حديث : ٢.

٤٥٨

______________________________________________________

أرجوحة معلقة بالحبال نظر ». وقال في مفتاح الكرامة : « منع من الصلاة عليهما في المنتهى والإيضاح والموجز الحاوي والجعفرية وشرحيها وحاشية الفاضل الميسي ، لكونه في الأول بمعرض الزوال كالدابة ». ويظهر من التعليل المفروغية عن المنع في الدابة الواقفة. ( وكيف كان ) فالمنع إما لما ذكر الموجب لعدم الجزم بالنية ، أو لمخالفته لقوله تعالى ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ ) (١) ـ كما عن الإيضاح ـ لأن المراد بالمحافظة عليها المداومة وحفظها عن المفسدات والمبطلات ، وإنما يتحقق ذلك في مكان اتخذ للقرار وإما لقوله (ص) : « جعلت لي الأرض مسجداً » (٢) ـ أي : مصلى ـ فلا يصح إلا فيما معناها ، وإنما عديناه إليه بالإجماع ، وغيره لم يثبت كما عن الإيضاح أيضاً ، أو لإطلاق النصوص الناهية عن الصلاة على الدابة. لكن الأول مبني على اعتبار الجزم بالنية ، والمبني ممنوع ، مع أنه لا يقتضي المنع مطلقاً. والثاني : ممنوع ، لأن الظاهر منه الإتيان بها على الوجه الصحيح. والثالث : يراد من الأرض فيه ما يقابل المسجد ، فالمراد عدم اعتبار وقوع الصلاة في المساجد. والرابع : وإن كان مقتضى الجمود عليه هو مانعية الكون على الدابة عن صحة الصلاة كما أشرنا إليه سابقاً ، إلا أن التأمل في النصوص يشرف على القطع بأن المراد إيقاعها على الدابة على النهج المتعارف المستلزم لفوات كثير من الواجبات ، فان قوله (ع) في مصحح عبد الرحمن : « لا يصلي على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل به القبلة ، وتجزؤه فاتحة الكتاب ، ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي‌ء ، ويومئ في النافلة إيماء » (٣) لا يراد منه عدم جواز إيقاع الفريضة تامة لغير المريض‌

__________________

(١) البقرة ـ ٢٣٨.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب مكان المصلي.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب القبلة حديث : ١.

٤٥٩

كونهما سائرتين إذا أمكن مراعاة الشروط ولو بأن يسكت حين الاضطراب عن القراءة والذكر مع الشرط المتقدم ويدور إلى القبلة إذا انحرفتا عنها ، ولا تضر الحركة التبعية بتحركهما [١] وإن كان الأحوط القصر على حال الضيق والاضطرار.

( مسألة ٢٥ ) : لا تجوز الصلاة على صبرة [٢] الحنطة وبيدر التبن وكومة الرمل مع عدم الاستقرار. وكذا ما كان مثلها.

______________________________________________________

وجوازه له. وكذا ما في خبر ابن سنان : « أيصلي الرجل شيئاً من المفروض راكباً؟ قال (ع) : لا ، إلا من ضرورة » (١) ، لا يراد منه ذلك أيضاً. ويشهد له ما ورد في جواز النافلة على الدابة والفريضة عند الضرورة من الثلج والوحل والماء والمطر وغير ذلك (٢) ، فإنه صريح في الجواز على النحو الممكن وإن كانت ناقصة ، ولو لم يكن إلا غلبة وقوعها ناقصة لكفى بها قرينة على ما ذكر. وليس ذلك من الانصراف للغلبة كي يقال : إن التحقيق عدم كون الغلبة موجبة للانصراف المعتد به في رفع اليد عن الإطلاق بل هو من أجل أن الغلبة موجبة لتنزيل السؤال والجواب على كون الجهة المسؤول عنها هو صحة الصلاة من أجل النقص الوارد عليها من جهة الركوب على ما هو المتعارف ، وصرفها عن مقتضى الجمود عليها من الحمل على مانعية الكون على الدابة من حيث هو مع استيفاء تمام الواجبات فيها سائرة كانت أو واقفة.

[١] كما نص عليه غير واحد ، لعدم الدليل عليه ، حيث أنها لا تنافي الاطمئنان المعتبر نصاً وإجماعاً.

[٢] مع عدم الاستقرار وجهه ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب القبلة حديث : ٤.

(٢) راجع الوسائل باب : ١٤ من أبواب القبلة.

٤٦٠