حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

وأيضا ، رواية السكوني موافقة لما ذكره الشارح من القاعدة وظواهر بعض الأخبار المقبولة المسلّمة ، أو الصحيحة ، أو المعتبرة (١) ، فتدبّر.

قوله : حمل الاولى (٢) مع عدم الصحّة على الكراهة .. إلى آخره (٣)

والحلبي منع بعد الثلاثة أيّام (٤) ، ولعلّ دليله أنّ الخاصّ مقدّم ، والمطلق مقيّد.

قوله : وقد مرّ أنّ المراد مع الاشتراط ، وعليه يحمل الأخبار المطلقة .. إلى آخره (٥)

يظهر من هذا أنّه رحمه‌الله قائل بحرمة النفع المشروط في القرض إذا كان نفع المعاملة المحاباتيّة ، والظاهر منه عدم الخلاف فيها ، إذ لو كان خلاف لتعرّض إليه ولم يحكم بها جزما من دون اعتناء إلى مخالفة الفقهاء أصلا ، إذ ليس طريقته هكذا ، بل تعرّض في هذه الفروع إلى أحكام غريبة وخلافات غير مهمّة ، ومع ذلك لم يتعرّض في المقام أصلا ، فظهر أنّه رحمه‌الله مشارك مع غيره ممّن دلّ كلامه على عدم الخلاف ، وقد مرّ في صدر الباب (٦) ، فلاحظ!.

قوله : مثل ما في صحيحة يعقوب بن شعيب الثقة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. إلى آخره (٧)

والشيخ رحمه‌الله في « الاستبصار » فهم من هذا الحديث المنع

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ ـ ٣٤٤ الحديث ٢٣٨١١.

(٢) أي رواية سماعة : مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٠٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٥١ الحديث ٢٣٨٢٨.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٠٩.

(٤) الكافي في الفقه : ٣٣١.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١٠.

(٦) راجع الصفحة : ٣١١ من هذا الكتاب.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١٠ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٥٦ الحديث ٢٣٨٣٨.

٣٤١

والحرمة (١) ، ولهذا تصدّى لتأويله تارة بالحمل على الكراهة ، وتارة بالحمل على صورة الشرط ـ كما فهمه الشارح وصاحب « المفاتيح » (٢) وغيرهما ـ وصرّح بالحرمة في هذه الصورة ، فإنّه قال : ( إذا شرط ذلك فلا يجوز على ما بيّناه ، ويزيده بيانا ما رواه .. ) ثمّ أتى برواية دالّة على الحلّية ما لم يكن شرط (٣) ، وأشار بقوله : ( على ما بيّناه ) إلى قوله سابقا من أنّه إذا اشترط على المستقرض الهديّة فلا يجوز أخذه (٤) ، واستدلّ على ذلك بالأخبار (٥).

وكلامه في غاية الظهور في أنّه لا فرق بين صورة السلم وغيرها ، وأنّ المناط هو الشرط وعدمه لا غير ، فتدبّر!.

قوله : ويمكن حملها على الشرط أيضا ـ كما مرّ ـ ويمكن حمل بعض المطلقات عليها ، ويدلّ عليهما أيضا .. إلى آخره (٦)

حمل رحمه‌الله صدر الخبر ، وهو قوله عليه‌السلام : « لا يصلح ، إذا كان قرضا يجرّ شيئا فلا يصلح » (٧) على الاشتراط ، على سبيل البتّ والجزم والتعيين ، وذيلها على سبيل الإمكان والاحتمال ، لأنّ الأوّل من باب المطلق والمقيّد ، فالحمل عليه متعيّن ، لأنّ الأخبار في حكاية النفع على ثلاثة أقسام :

__________________

(١) الاستبصار : ٣ ـ ١٠ الحديث ٢٧.

(٢) مفاتيح الشرائع : ٣ ـ ١٢٦.

(٣) الاستبصار : ٣ ـ ١٠ ذيل الحديث ٢٧ والحديث ٢٨.

(٤) الاستبصار : ٣ ـ ٩ ذيل الحديث ٢٣.

(٥) الاستبصار : ٣ ـ ٩ الأحاديث ٢٤ ـ ٢٦.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١١.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٥٦ الحديث ٢٣٨٣٨.

٣٤٢

منها : المنع مطلقا ، مثل الحديث النبوي المشهور (١) ، وما يؤدّي مؤدّاه من الأخبار الخاصية ، وهي متعدّدة ، ومن جملتها هذا الخبر (٢) ، لأنّ ظاهر عدم الصلاح الفساد والمفسدة ، وظاهر ذلك الحرمة وعدم ترتّب الأثر سيّما في أمثال المقام ، مضافا إلى أنّ قوله : « إذا كان يجرّ شيئا » ظاهره الإشارة والإيماء إلى الحكم المشهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنّ القرض إذا كان يجرّ شيئا فهو حرام ، وظهر ذلك واشتهر من عموم حرمة الربا ، والأخبار الخاصّة الّتي أشرنا إليها ، ولهذا فهم الكلّ المنع ، سيّما مع تأكّد قوله : « لا يصلح » وتكرّره.

والقسم الثاني : الجواز مطلقا ، مثل : « خير القرض ما جرّ منفعة » (٣).

والقسم الثالث : التفصيل ، وهو الحرمة مع الشرط والعدم بدونه ، وهو الجامع بين المطلقات المانعة والمطلقات المبيحة ، ووجه جمع صدر منهم عليهم‌السلام ، والفقهاء أيضا تلقّوا بالقبول ، بحيث لم يتأمّل أحد منهم في ذلك ـ كما لا يخفى على المتتبّع ـ ولذا اتّفق فتاويهم على ذلك. نعم ، وقع منهم بعض نزاعات ، في خصوص بعض أمور أشرنا إليه سابقا.

وأمّا ذيل الخبر ، فقد اختلف فهمهم فيه ، من حيث أنّ قوله : « وإن كان إنّما يقرضه .. إلى آخره » (٤) ربّما كان أظهر في عدم الاشتراط ، فيكون المنع محمولا على الكراهة ، للاتّفاق على الحلّية وظهورها من الأخبار الكثيرة ، ولذا ربّما احتمل بعضهم التقيّة (٥) ، لكن بملاحظة أنّ قوله عليه‌السلام : « إن كان معروفا بينهما » (٦)

__________________

(١) أي : حديث : « كلّ قرض جرّ منفعة فهو ربا ». كنز العمّال : ٦ ـ ٢٣٨ الحديث ١٥٥١٦.

(٢) أي : خبر يعقوب بن شعيب المتقدّم : وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٥٦ الحديث ٢٣٨٣٨.

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٥٥ الأحاديث ٢٣٨٣٤ و ٢٣٨٣٥ و ٢٣٨٣٧.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٥٦ الحديث ٢٣٨٣٨.

(٥) لاحظ! الوافي : ١٨ ـ ٦٥٩ ذيل الحديث ١٨٠٦٠.

(٦) مرّ آنفا.

٣٤٣

جواب في مقابل سؤال السائل ، وهو أنّه سأل : إنّ الرجل يأتي حريفه وخليطه يستقرضه فيقرضه ، ولو لا أنّه حريفه وخليطه ويصيب عليه لم يقرضه ، ومعلوم أنّ سؤاله في صورة أنّه إن لم يصب عليه لم يقرضه ، فضمير كان راجع إلى المسؤول ، ربّما يظهر أنّ التفصيل في الجواب وارد في الصورة المذكورة.

فيصير المعنى على ذلك ، أنّه إن كان ما سألته مجرّد المعروفيّة والمعلوميّة بينهما فلا بأس ، وإن كان أزيد من ذلك بأنّ إقراضه بشرط أن يصيب عليه ، فلا يصلح.

فعلى هذا ، لا غبار على الحديث أصلا ، فلا وجه للحمل على الكراهة ولا التقيّة أصلا ، ويكون مثل صدر الحديث.

مع أنّ الحمل على التقيّة مع تأتّي الحمل الوجيه ، خلاف ما عليه الفقهاء ، وإطراح للخبر بغير وجه ، فتأمّل.

وممّا ذكر ربّما يتقوّى دلالة صدر الخبر أيضا ، فتدبّر.

فالحديث ـ على ما ذكر ـ طابق فتوى الفقهاء من أنّ المعاملة المحاباتيّة إذا صارت شرطا في القرض يحرم وتفسد (١) ، وظهر منه حقّية فتواهم وفساد ما توهّم بعض من الصحّة والحلّية ، وكون ذلك من الحيل المحلّلة للربا (٢).

على أنّه ظهر فساد ذلك من طريقين آخرين :

الأوّل : إنّ الحديث يدلّ على أنّ نفع المعاملة المزبورة (٣) قد جرّه القرض ، وهذا القدر يكفي حجّة عليهم ، وإن قلنا بعدم دلالة : لا يصلح على الحرمة ، وذلك لأنّهم ينكرون كونه قد جرّه القرض ويتحاشون.

__________________

(١) راجع! مفتاح الكرامة : ٥ ـ ٤٠ ـ ٤٤.

(٢) لاحظ! مفاتيح الشرائع : ٣ ـ ٦٣.

(٣) إشارة إلى المعاملة المذكورة في صدر حديث يعقوب بن شعيب.

٣٤٤

ومع ذلك نتمّ التقريب ونقول : هذا نفع قد جرّه القرض ، وكلّ نفع جرّه القرض حرام إن كان شرطا وحلال إن كان محض التبرّع ، فالصغرى من هذا والكبرى من الأحاديث الخارجة.

الثاني : أنّهم يدّعون الحلّية ، متشبّثين بعموم ( أَحَلَّ اللهُ ) (١) وغيره ، ويقولون : هذا بيع ، وكلّ بيع حلال ، فهذا حلال ، وغير خفيّ أنّ مقتضى العمومات وما يظهر منها كون البيع حلالا بحتا ، ومباحا صرفا ، وأمرا صالحا ، بل ويظهر منها الأجر العظيم ، والمدح الجسيم ، إذا كان الغرض اكتساب المال ، وغير خفيّ أنّ ما نحن فيه نوع من اكتسابه.

وهذا الحديث نصّ في أنّ ما نحن فيه أمر غير صالح ، ويظهر أنّ القرض أثّر فيه هذا الأثر ، وأخرجه عن العمومات ، لأنّ الأمر الغير الصالح لا يكون داخلا في الأمر الصالح ، فضلا عن أن يكون ممدوحا ومأجورا عليه.

فإن قلت : نؤوّل العمومات وظواهرها بما يلائم.

قلت : منها ما لا يقبل التأويل ، مع أنّ التأويل ارتكاب خلاف الظاهر ، والاستدلال إنّما هو بالظاهر ، والكلام إنّما هو في الاستدلال.

مع أنّ العمومات يعارضها ما دلّ على أنّ كلّ قرض يجرّ المنفعة فهو حرام وما يؤدّي مؤدّاه ، وغير خفيّ أنّ بملاحظة هذا الحديث يرجّح دخول ما نحن فيه في هذه العمومات لا ما ذكرتم ، مع أنّ تأويلكم للعمومات فاسد ، لأنّ التأويل فرع تحقّق التعارض ، ولا تعارض قطعا ، إذ لا منافاة بين أن يكون البيع في نفسه أمرا صالحا ، وإذا صار شرطا في القرض أو البيع الربوي يصير أمرا غير صالح ، وهذا ظاهر.

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٧٥.

٣٤٥

فعلى هذا ، لا عموم للصحّة ولا إجماع ، لو لم نقل بالإجماع على عدمها ، فلا يمكن الحكم بالصحّة ، لأنّها عبارة عن ترتّب الآثار شرعا ، والأصل عدمه حتّى يثبت بدليل شرعي ولا دليل.

واستدلّوا ببعض أخبار خاصّة (١) لا دلالة [ فيها ] على مطلوبهم ، مع قطع النظر عن السند والتعارض وعدم الفتوى وسنذكرها ، فتدبّر.

وممّا ذكر ظهر أنّه ـ مع قطع النظر عن هذا الحديث ـ لا يمكنهم الاستدلال بالعمومات ، لتعارضها بعمومات كلّ قرض يجرّ منفعة ، وما يؤدّي مؤدّاها ، بل أظهريّة الدخول فيها ، وكذا عموم ما دلّ على حرمة الربا ، لأنّه الزيادة لغة.

فإن قلت : ليس الحرام مطلق الزيادة اللغويّة.

قلت : ليس الحلال مطلق البيع اللغويّ ، فإنّ للحلّية شرائط ، مع أنّ شرائطها أكثر من شرائط حرمة الربا ، فتأمّل.

قوله : وقد ورد أخبار بعضها صحيحة في [ أنّه يجوز القرض ] .. إلى آخره (٢)

يظهر منه أنّه رحمه‌الله اختار رأي العلّامة ومن تبعه من أنّ الحرام شرط زيادة العين أو الصفة لا مطلق المنفعة (٣) ، ويظهر هذا أيضا منه في الفرع الثالث عشر (٤) ، ولعلّه الأقوى ، بالنظر إلى ما يظهر من الأخبار ، فتأمّل.

قوله : إنّه يجب دفع جميع ما يملكه في الدين ، عدا دار السكنى ، وعبد الخدمة وفرس الركوب ـ إن كان من أهلهما ـ وقوت يوم وليلة له .. إلى آخره (٥)

الظاهر من كلامه كون استثناء المذكورات من المقبولات والمسلّمات ،

__________________

(١) لاحظ! الوافي : ١٨ ـ ٧٢١ الباب ١١٢.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١١ ، وفيه : ( وقد ورد في أخبار بعضها صحيح .. ).

(٣) تحرير الأحكام : ١ ـ ١٩٩.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٢٤.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١٤.

٣٤٦

بخلاف مثل الكتب العلميّة لا ظهار لعلّ الأوّل من إجماع أو غيره كان ظاهرا عليهم ، والثاني من العلّة المنصوصة ، وحجّيتها غير مسلّمة عند الكلّ ، سيّما مع عدم صحّة السند ، وإن كان إبراهيم كالثقة عندهم (١) ، لأنّ حجّيّة مثله في مثل المقام محلّ كلام عندهم ، لعدم المقاومة مع ما دلّ على وجوب أداء الدين ، فضلا عن أن يغلب عليها.

فربّما يشكل الأمر في أمثال زماننا بالنسبة إلى فرس الركوب أيضا ، بل وعبد الخدمة أيضا ، والاحتياط واضح ، والله يعلم.

قوله : ولا يخفى المبالغة فيها من وجوه .. إلى آخره (٢)

ومنها أنّه لا يخلّيه يبيع داره لإعطاء دينه ، بل ولا يرضى بذلك أبدا وإن لم يجبره على البيع ، كما هو الظاهر من سؤاله من أنّ المديون أراد البيع من قبل نفسه من دون إجبار وإكراه من الديّان.

قوله (٣) : فإن هو باع الدار وقضى دينه بقي لا دار له .. إلى آخره (٤)

هذه النكرة في سياق النفي تدلّ على أنّه لا دار أصلا ، فقوله : « ما يكفيه وعياله » يعني من حيث الداريّة ، ويؤيّده أنّه ليس المراد كفاية مؤنته ومؤنة عياله مطلقا وأبدا قطعا ، كما لا يخفى على المتأمّل ، إلّا أن يحمل على كفاية مؤنة اليوم ، كما ذكره الفقهاء.

وكيف كان ، لا يظهر من الرواية ما يخالف فتوى الفقهاء ، فتدبّر.

__________________

(١) راجع جامع الرواة : ١ ـ ٣٨.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١٥.

(٣) في د ، ه : ( قول الراوي ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١٧ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٤٢ الحديث ٢٣٨٠٧.

٣٤٧

قوله : فتأمّل ، فإنّها منافية لقول الأصحاب .. إلى آخره (١)

فيه تأمّل ، لأنّ الظاهر أنّه قال : « لأيتام » (٢) ، وأنّ ذكر ذلك تعرّض ، وهو أنّ اليتيم بنفسه لا يمكنه ضبط ماله ، ولعلّه لم يكن له وليّ ، كما هو الأظهر من هذا القول ، فكيف مسلمة (٣) الدين حتّى يبيع ضيعته الّتي هي معاشه لأداء دينه.

وعلى تقدير أن يكون له وليّ ، فالمتعارف أنّ الولي إذا أخذ [ الدين ] يصرفه عليه شيئا فشيئا مدّة مديدة ، ولعلّ دينه لا يخلو ولا يسلم عن الخطر والضرر ، وإن كان الوليّ في غاية الأمانة ، ولا يخرج من الشرع بالمرّة.

مع أنّ كونه كذلك أيضا لا يخلو عن الندرة ، إذ ليس من الأفراد الغالبة الشائعة ، وأندر من ذلك أن يكون بحيث يعامل بهذا الدين الّذي أخذه لليتيم حتّى النفع (٤) ، ومع ذلك يؤمن تلك المعاملة عن الضرر والتلف ، بحيث لم يضرّ في الدين ضررا أصلا ورأسا.

فمع جميع ما ذكر سأل أنّه : هل يجب عليّ أن أبيع ضيعتي وأبقى ولا شي‌ء لي أصلا؟ مع أنّه لا ينفع ذلك للأيتام لو لم يضرّهم ، بل احتمال ضررهم في جنب أن لا أبيع ضيعتي وأبقى أنتفع منها وأتعيّش وأعطي دينهم شيئا فشيئا على حسب ما احتاجوا أقوى وأظهر؟ فأجاب عليه‌السلام باختياره ما هو الأولى للمديون والأيتام بلا شبهة.

هذا كلّه ، مضافا إلى ما ستعرف ، والله يعلم.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١٧.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١٧ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٤٠ الحديث ٢٣٨٠٢.

(٣) كذا في النسخ ، والظاهر أنّ الصواب : ( يسلّمه ).

(٤) كذا في النسخ ، والظاهر أنّ الصواب : ( حتّى يحصل النفع به ).

٣٤٨

قوله : ويمكن حملهما على عدم الطلب .. إلى آخره (١)

لا يخفى أنّه ليس ذلك بحمل ، بل هو الظاهر كما لا يخفى ، ولو سلّمنا عدم الظهور فلا شكّ في عدم ظهورهما في خلاف ذلك :

أمّا الأولى (٢) ، فلا يظهر طالب فضلا عن المضيّق.

وأمّا الثانية (٣) ، فالظاهر أنّ اقتضاها ما كان على التضييق ، ولهذا بمجرّد أن قال : يأتينا ، خطر (٤) فنعطيك ، رضي بالتأخير والتمس منه عليه‌السلام وعدة يأتيه عندها ، فلا يأتي قبلها ، وبمجرّد ما قال عليه‌السلام : « كيف أعدك .. إلى آخره » (٥) رضي وسكت وصار عليه‌السلام من جملة الّذين خرج من عندهم الدائنون وهم راضون ، لا من جملة من خرج من عنده الدائن وهو غير راض.

مع أنّه عليه‌السلام ورد منه ما ورد بالنسبة إلى مثل هذا المديون وغير ذلك من التهديدات والتخويفات (٦) ، مع أنّه قال تعالى ( أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ ) (٧) الآية ، و ( لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ) (٨) الآية ، وعنهم عليهم‌السلام أزيد وأشدّ وآكد (٩) ، فتأمّل ما سيجي‌ء في آخر الباب.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١٨.

(٢) أي صحيحة بريد العجلي : مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١٧ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٤٠ الحديث ٢٣٨٠٢.

(٣) أي رواية عمر بن يزيد : مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١٧ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٢٩ الحديث ٢٣٧٨١.

(٤) الخطر : هو نبات يجعل ورقة في الخضاب الأسود يختضب به. لسان العرب : ٤ ـ ٢٥٣.

(٥) من رواية عمر بن يزيد ، آنفة الذكر.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٤٨ الباب ١٦ من أبواب الدين والقرض.

(٧) البقرة ٢ : ٤٤.

(٨) الصفّ (٦١) : ٢.

(٩) لاحظ! بحار الأنوار : ٢ ـ ٢٦ ـ ٤٠ الباب ٩.

٣٤٩

مع أنّه حمل بعض الأصحاب قوله : « يقتضيه » ـ ومعناه أنّه طلب منه قضاء دينه ـ أنّه طلب منه عليه‌السلام ما يقضي دينه.

وعلى تقدير أن يكون ما ذكره خلافا للظاهر ، فوجهه هو ما ذكرناه ممّا ظهر منه عليه‌السلام ، ومن غيره من الأئمّة عليهم‌السلام أيضا من الخارج ، مضافا إلى ما يظهر من نفس الرواية ممّا أشرنا إليه ، والله يعلم.

مع أنّ الرجل إن كان من شيعة جعفر عليه‌السلام ، فمعلوم حاله بالنسبة إلى إمامه ، بل يفدي نفسه له فضلا عن ماله ، وإن كان من أهل السنّة فلزمه أحكامهم كما ورد عنهم عليهم‌السلام في أخبار كثيرة (١) ، وليس حكمهم في المقام مطابقا لحكم الشيعة من الأئمة عليهم‌السلام ، مع أنّ العامّة أيضا في غاية التعظيم للأئمّة عليهم‌السلام ، حتّى خلفاء بني أميّة وبني العبّاس دورانهم ، فتدبّر.

قوله : ويؤيّده في الاولى [ أنّه قال : « لأيتام » ] .. إلى آخره (٢).

لا شكّ في ذلك ، لما ذكرنا وما سيجي‌ء في آخر الباب من أنّ عدم رضا الغريم ظلم في كلّ يوم وكلّ ليلة.

قوله : لا دليل عليه نصّا خاصّا .. إلى آخره (٣).

العموم يكفي للدلالة ، وقد اعترف بوجوده ، فقوله : فيمكن .. إلى آخره (٤) ، فيه تأمّل لا يخفى ، والظاهر أنّ مراده أنّ العمومات لا تكفي لمعارضة ما يظهر من الأخبار الخاصّة ، والحقّ أنّه لا يظهر منها ما يخالفها ، كما مرّ.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٢ ـ ٧٢ الباب ٣٠ من أبواب ، مقدّمات الطلاق وشرائطه.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١٨ ، وفيه إشارة إلى رواية بريد العجلي آنفة الذكر.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١٨.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١٨.

٣٥٠

مع أنّه ورد الخاص المعارض لهذه الأخبار ، منها رواية سلمة (١) المذكورة في شرح قول المصنّف : تكره الاستدانة (٢) ، وسندها معتبر كما لا يخفى على المتأمّل المطّلع.

قوله : في بعض الكتب مثل « التذكرة » ، لعموم دليل المنع .. إلى آخره (٣).

فيه ما فيه ، لأنّ الإطلاق ينصرف إلى ما هو المتعارف الشائع ، سيّما بعد ملاحظة ما ورد من التهديد والتشديد ، والتحذير الشديد في عدم أداء الدين ، وعدم إرضاء صاحب الدين (٤) ، وغير ذلك ممّا ورد في حقوق الناس (٥) ، ويظهر ذلك من الرؤيا كثيرا ، بل ونهاية شدّة الأمر ، فلعلّ (٦) شدّة الأمر في أداء الدين صارت سببا لعدم اعتبار الفقهاء للعلّة المنصوصة في حسنة الحلبي المتقدّمة (٧) مع عملهم بها في الجارية ، فتأمّل! واقتصروا في بيع الدار على ما اقتصروا من الخبر على البيع ، مع ما ورد من المنع في موثّقة زرارة (٨) وغيرها (٩).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٦ ـ ١٨٥ الحديث ٣٨٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٢٥ الحديث ٢٣٧٧٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٥٣.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١٩.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٢٧ الباب ٥ من أبواب الدين والقرض.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٢٤ الباب ٤ من أبواب الدين والقرض.

(٦) في النسخ الخطّية : ( فتأمّل ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه ، علما أنّ العبارة ساقطة من نسختي ب ، ج.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١٥ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٣٩ الحديث ٢٣٨٠١.

(٨) تهذيب الأحكام : ٦ ـ ١٨٧ الحديث ٣٩٠ ، الاستبصار : ٣ ـ ٦ الحديث ١٣ ، ولكن في : الكافي : ٥ ـ ٩٧ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٤٠ الحديث ٢٣٨٠٣ ورد : ( عثمان بن زياد ) بدلا من : ( زرارة ).

(٩) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٤١ الحديث ٢٣٨٠٤.

٣٥١

ويشير إلى عدم العموم ، أنّ زرارة لم يقل : إنّي لا أخرجه من ظلّ رأسه لأنّه يبيع القدر الّذي لا يحتاج إليه فيه أو يشتري ظلّ رأسه ويسكن ولا يخرج ، وحسنة الحلبي (١) أظهر في عدم العموم ، بملاحظة العلّة المنصوصة فيها ، فتدبّر.

قوله : والظاهر أنّه عمل بها شيخه أيضا ، فتأمّل (٢).

لا تأمّل في أنّهما جميعا عملا بهما كما لا يخفى ، والروايتان (٣) موافقتان للعمومات وغيرها.

قوله : وهما يدلّان على أنّ الضمان ناقل .. إلى آخره (٤).

بعد تحقّق الضمان الشرعي بحمل رواية إسحاق (٥) على رضا الغرماء ، كما ورد في الخبر الصحيح السابق (٦).

قوله : ماله الّذي ذهب به منه ذلك الرجل ، قال : نعم ، ولكن لهذا كلام .. إلى آخره (٧).

استدرك ذلك مع عدم الوجوب ، ولم يستفصل أنّه هل صيرورته إليه من جهة الأمانة أم لا ، كما أنّ الأمر في الصحيحة أيضا كذلك ، وترك الاستفصال في المقام يفيد العموم ، إلّا أن يقال : الخاص (٨) مقدّم ، لكونه أقوى دلالة ، فتأمّل.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١٥ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٣٩ الحديث ٢٣٨٠١.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٢٠.

(٣) أي رواية مسعدة بن صدقة : مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١٧ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٤٢ الحديث ٢٣٨٠٧ ، ومرسلة الصدوق : مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٤٢ الحديث ٢٣٨٠٦.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٢٠.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٢٠ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٤٦ الحديث ٢٣٨١٧.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٢٠ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٤٦ الحديث ٢٣٨١٦.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٢٥ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢٧٤ الحديث ٢٢٥٠٣.

(٨) المراد بالخاص في هذا المقام : صحيحة معاوية بن عمّار : مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٢٦ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢٧٥ الحديث ٢٢٥٠٩ وصحيحة سليمان بن خالد : مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٢٦ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢٧٤ الحديث ٢٢٥٠٥.

٣٥٢

الرهن

في عقد الرهن

قوله : قال في « التذكرة » : الخلاف في [ الاكتفاء بالمعاطاة ] .. إلى آخره (١).

قد مرّ في كتاب البيع ما يظهر منه الحال.

قوله : إنّ الاستقبال (٢) إذا فهم منه [ الرضا بالقبول ] .. إلى آخره (٣).

أو الاستحباب ، وهذا هو الظاهر.

قوله : وأنّ دلالة الآية (٤) غير ظاهرة ، لكونها بالمفهوم .. إلى آخره (٥).

لا يخفى أنّ القدر الثابت من الآية هو الرهن المقبوض ، وإن قلنا بعدم حجّية هذا المفهوم ، لكن هذا المفهوم له ظهور ، لأنّ الحكم يرجع إلى القيد ، فالظاهر من الآية أنّ الرهن الّذي قرّر وشرّع هو المقبوض ، وهذا القدر من الظهور يكفي للحجّية ، فتأمّل.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٣٠ ، تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ١٢.

(٢) في ألف : ( الاستحباب ) ، وفي المصدر : ( الاستيجاب ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٣٢.

(٤) البقرة ٢ : ٢٨٣.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٣٦.

٣٥٣

قوله : فالقيود أيضا كذلك ، ألا ترى [ أنّ السفر غير شرط؟ ] .. إلى آخره (١).

مفهوم القيد حجّة قطعا ، لأنّ القيد للاحتراز ، فكيف لا يكون مفهومه حجّة؟! سلّمنا أنّه ليس مفهوم القيد ، لكن نقول : المنطوق لا عموم فيه ، فإنّ من يقول بعدم حجّية المفهوم لا يقول بأنّ المنطوق عام ، لأنّه فاسد بالبديهة ، مثلا يقول قوله عليه‌السلام : « في السائمة زكاة » (٢) لا يدلّ على أنّ غير السائمة ليس فيها زكاة ، لأنّ إثبات الشي‌ء لا ينفي ما عداه ، فليس هاهنا إلّا حكم واحد ـ وهو حكم المنطوق خاصّة ـ وهو ثبوت الزكاة في السائمة لا نفيها عن غيرها ، لكن لا يقول : هذا الحديث يدلّ على ثبوت الزكاة في غير السائمة أيضا ، لأنّه فاسد ، لعدم الدلالة ، فلا يمكن التعدّي.

فنقول في المقام : إنّ القدر الثابت هو حكم المنطوق خاصّة ، وهو صحّة رهن المقبوض خاصّة ، لعدم الدليل على الصحّة سواه ، ولا يثبت منه سوى حكم المنطوق ، وهو لا يشمل غير المقبوض قطعا ، إلّا أن يقال بأنّ العمومات تدلّ على العموم ، ولا يضرّها هذا المنطوق.

نعم ، لو كان المفهوم حجّة ، ونقول بأنّ المفهوم يعارض المنطوق (٣) ويخصّصه يكون الحكم منحصرا ومختصّا بعدم العموم دالّا بالعموم أقوى (٤) ، لكن الكلام في العمومات.

قوله : والإرشاد يقتضي تمام التوثيق .. إلى آخره (٥).

لا يخفى أنّ الشرعيّة والصحّة إذا ثبتت من هذا الإرشاد ـ كما هو الظاهر ـ

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٣٦.

(٢) دعائم الإسلام : ١ ـ ٢٥٧ ، مستدرك الوسائل : ٧ ـ ٦٣ الحديث ٧٦٥٤.

(٣) المراد منه هنا : منطوق العمومات.

(٤) في ألف ، ه : ( وإلّا بالعموم أقوى ).

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٣٦.

٣٥٤

فمقتضى ظاهرها أنّ الشرعيّة والصحّة تكون بهذه الطريقة ، فتأمّل جدّا.

قوله : بل وجوده وعدمه سواء ، وقيل : معلوم [ عدم اشتراط ذلك ] .. إلى آخره (١).

لا يخفى أنّه فرّق بين الأخذ من الراهن ثمّ الإعطاء إليه يحفظه على سبيل الوكالة والأمانة إن كان للمرتهن وثوق به في ذلك ، وبين أن لا يقبض منه أصلا ، بأن يكون عند الراهن باقيا على حاله وكما كان بيده ، إذ ذلك ينافي الاستيثاق غالبا بالنسبة إلى المديون الّذي لا وثوق لصاحب المال عليه في أدائه (٢) ، ولأجل ذلك يأخذ الرهن منه ، فتأمّل.

قوله : والخبر (٣) ضعيف ، لأنّه منقول .. إلى آخره (٤).

والّذي ببالي إنّها مرويّة بسند صحيح أيضا (٥) ، فلأجل هذا حكم القائل بضعفه أنّه بسبب اشتراك محمّد بن قيس خاصّة (٦) ، فالخبر صحيح ، لظهور كونه

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٣٦.

(٢) في ب ، ج : ( في أدائه ماله ).

(٣) أي خبر ابن زياد ، الّذي مرّ آنفا.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٣٧.

(٥) لم نعثر على هذه الرواية بسند صحيح ، وما نقل في كتب الأخبار والفقه هو رواية محمد بن قيس ومرسلة العيّاشي ، وفي طريق الاولى حسن بن محمد بن سماعة الّذي كان من شيوخ الواقفة وكان يعاند ويتعصّب في الوقف. لاحظ! منهج المقال : ١٠٧! والمحشّي رحمه‌الله أيّد ما في منهج المقال في تعليقاته : تعليقات على منهج المقال : ١٠٧.

فعلى هذا ، تكون هذه الرواية من الموثّقات. لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٨٣ الباب ٣ ، جامع أحاديث الشيعة : ١٨ ـ ٣٥٣ الحديث ١١٩٠ ، والحدائق الناضرة : ٢٠ ـ ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ، مفتاح الكرامة : ٥ ـ ١٣٩ ، وغيرها.

(٦) وقد وثّق المولى الأردبيلي محمد بن قيس هذا أيضا في : مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٣٧ ، ولكن ضعّف هذه الرواية من جهتين أخريين :

الاولى : إنّ الطريق بين الشيخ وحسن بن محمّد بن سماعة مبهم ، ولم تثبت وثاقة جميع الوسائط.

الثانية : إنّ حسن بن محمد بن سماعة واقفي ، ورواية الواقفي ليست بحجّة.

وقد أعرض المحشّي رحمه‌الله عن هذين الإشكالين وادّعى أنّ سبب تضعيف هذه الرواية هو اشتراك محمد بن قيس لا غير. فلاحظ!.

٣٥٥

البجليّ الثقة (١).

وأمّا الدلالة ، ففي غاية الظهور ، كما هو غير خفيّ ، ولذا قال الشارح رحمه‌الله : ( ويمكن تأويله ) (٢).

وفيه ، أنّ تأويل الحديث غير جائز إلّا عند وجود معارض أقوى ، لأنّه لو لم يكن أقوى فيجوز التأويل فيه ، فمع تساوي الاحتمالين فالأصل عدم الصحّة وترتّب الأثر ، لأنّ الصحّة حكم شرعيّ يتوقّف على الثبوت من دليل شرعي ، فالاحتمال لا يكفي ، سيّما مع كونه قبل العقد غير صحيح قطعا ، فيستصحب حتّى يثبت خلافه.

ولا يخفى أنّ المعارض هاهنا غير موجود لا المساوي ولا الأقوى ، لأنّ العام والخاص إذا تعارضا فالخاص مقدّم قطعا ووفاقا ، أمّا عند من يقول بتخصيص الكتاب بالخبر الواحد فظاهر ، وأمّا عند من لا يقول فغير خفيّ أنّ هذا الخبر معتضد بمفهوم الآية (٣) ، والاستصحاب المذكور اعتضادا يكفي للمقاومة ، فتأمّل!

قوله : فيدخل تحت نحو ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤) و « المسلمون عند

__________________

(١) لاحظ! معجم رجال الحديث : ١٧ ـ ١٧٥ ـ ١٧٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٣٧.

(٣) البقرة (٢) : ٢٨٣.

(٤) المائدة (٥) : ١.

٣٥٦

شروطهم » (١) .. إلى آخره (٢).

لا يخفى أنّ « المسلمون عند شروطهم » لا يدلّ على الوجوب ، وإلّا لزم تخصيص العام بالقدر الّذي لا يرضى به المحقّقون ، لخروج الأكثر بمراتب شتّى.

وأمّا ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، فإن جعلنا المعنى أنّ العقد إذا وقع بين متعاقدين يجب عليهما جميعا الوفاء ـ كما هو الظاهر المتبادر ، وعليه العلماء ـ يخرج منها عقد الرهن ، لعدم الوجوب عليهما جميعا.

وإن جعلنا وجوب الوفاء في الجملة ، أعمّ من أن يكون من الطرفين أو من طرف واحد ، فلا يمكن إثبات العقود اللازمة منها ، لأنّ العام لا يدلّ على الخاص :

أمّا الملازمة من الطرفين فظاهر ، لأنّ وجوب الوفاء في الجملة لا يقتضي وجوب الوفاء من الطرفين ، وهو ظاهر.

مع أنّه لو اقتضى لكان يرجع إلى الشقّ الأوّل من الترديد ، وظهر حاله.

وأمّا اللازم من طرف واحد خاصّة ، فلأنّه يمكن تحقّق ـ في الجملة ـ في اللازم من الطرفين ، مضافا إلى أنّ الطرف الواحد غير معيّن أيّهما هو ، فلا بدّ من المعيّن من الخارج.

فالآية بنفسها لا تفي للدلالة ، مع أنّ العلماء يستدلّون بها نفسها ، بل يستدلّون على اللازم من الطرفين بلا شبهة ويثبتونه من الآية في جميع اللازمات من الطرفين من غير ضميمة ، بل ولا يتأتّى الضميمة كما لا يخفى ، فينسدّ باب إثباتها منها ، لو لم نقل باب إثبات الكلّ ، فتأمّل جدّا.

ثمّ إنّه على فرض الشمول للرهن خرج بدليل عرفته ، وسيجي‌ء في بحث

__________________

(١) عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٩٣ الحديث ١٧٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٦ الأحاديث ٢٣٠٤٠ و ٢٣٠٤١ و ٢٣٠٤٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٣٧ ـ ١٣٨.

٣٥٧

وضع الرهن على يد الأجنبي ما ينبغي أن يلاحظ.

قوله : والأخبار الصحيحة في جواز الوطء ، والضمان على المرتهن ، وعلى حكم الاختلاف في الزيادة والنقصان .. إلى آخره (١).

لا يخلو ما ذكره من تأمّل ، لأنّ المستفاد منها جلّا أو كلّا أنّ الرهن عند المرتهن وفي قبضه ، مضافا إلى أنّ المتعارف الغالب القبض ، وعدم الاستيثاق والوثوق وغيره ، والمطلقات في الأخبار محمولة على الغالب منصرفة إليه ، والسؤال وقع فيها عن أمر آخر ، مع ظهور القبض ، فوجوب التفصيل محلّ نظر (٢) ظاهر ، ولو وجب وجب التفصيل في سائر أحكام الرهن أيضا ، بل في كلّ الأحكام الشرعيّة لم يتحقّق أمثال هذا التفصيل ، فتأمّل.

قوله : ويكفي لقبضه قبض فرد من أفراد ما يصدق عليه ، ولا يجب كون المقبوض قبله مشخّصا ، وهو ظاهر .. إلى آخره (٣).

لا يخفى أنّ الظاهر والمتبادر من الرهن الوارد في الآية والأخبار هو العين ، والتبادر من المقبوض كونه بنفسه مقبوضا هنا ، لا فرد من أفراد ما يصدق عليه.

وقياسه على البيع فاسد ، لأنّ الجواز فيه بدليل لا يقتضي الجواز هنا ، للإجماع والأخبار على جواز بيع الكلّي وشرائه ، مع أنّ القبض ليس شرطا فيه أصلا ، وهو شرط في الرهن على الأصحّ ، مع أنّ الرهن شرّع للاستيثاق بالنسبة إلى ما في الذمّة ، فكيف يصير ما في الذمّة وثيقة لما في الذمّة ، مع أنّ المتبادر كون غير ما في الذمّة وثيقة لما في الذمّة؟! فتأمّل جدّا!

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٣٨.

(٢) لم ترد : ( محلّ نظر ) في : ألف ، ب ، د ، ه.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٤٢.

٣٥٨

قوله : وإن كان أخذ ثمنه جائزا بعد بيعه .. إلى آخره (١).

قد مرّ في كتاب البيع أنّ الوجه حرمة التجاهر ، والدليل عليه أنّ الكافر مكلّف بالفروع عندنا ، لعموم الأدلّة وخصوصها ، كما كتبناه في « حاشية الوافي » ، خرج منه ما إذا لم يتجاهروا وباعوا ، فإنّهم يملكون الثمن ، كما أنّهم يملكون المبيع بحسب حكمهم في مذهبهم ، وأقرّوا على ذلك بالإجماع والأخبار ، فتأمّل.

قوله : [ وإن ورد رواية دالّة ] على جواز بيع خدمته .. إلى آخره (٢).

والظاهر أنّه مجاز في الإجارة لغة وعرفا.

قوله : لزم عدم صحّة الرهن ، لوجود التدبير قبله ، وعلى تقدير بطلان التدبير بالرهن .. إلى آخره (٣).

التدبير من العقود الجائزة إلى أن يتحقّق الموت والعتق ، فعلى تقدير المنافاة يتعيّن الرجوع عنه وصحّة الرهن ، والرهن إنّما وقع على ذات المدبّر ، لا وصفه وكونه بشرط التدبير ، ولو كان كذلك لكان المنافاة ظاهرة ، لا منفيّة.

وممّا ذكر ظهر أنّه لا وجه في التأمّل في نفس الصحّة.

قوله : ولكن اشتراط الثبوت حال الرهن ينفيه ، وإن كان في تحقّقه .. إلى آخره (٤).

إن أراد ثبوت ما في الذمّة ، ففي الأولى أيضا غير ثابت ، إذ متى كان العين موجودة يكون العين نفس حقّه ، فالعبرة بالأوّل إلى ما في الذمّة.

نعم ، إن كان مع وجودها غير ممكن الأخذ يتحقّق للرهن نفع ، بالقياس إلى

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٤٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٤٦ ، والرواية في : وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ١١٩ الباب ٣ من أبواب التدبير.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٤٧.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٤٩.

٣٥٩

نفس العين ، مع تأمّل في ذلك أيضا ، لأنّ النفع إنّما هو بالنسبة إلى عوض العين ، مع جريان ذلك في الثانية أيضا ، مع تأمّل في كونه رهنا بالمعنى المصطلح عليه ، المدلول في الأخبار ، فتأمّل.

قوله : ولهذا تجد تجويزهم في الدرك على الثمن والمبيع .. إلى آخره (١).

لا يخفى أنّ الدرك على الثمن والمبيع وأمثالهما لا إشكال فيه أصلا ، ولا شهادة له على ما ذكره الشارح مطلقا ، لأنّ الحقّ ثابت حين الرهن وإن وقع البيع بشرطه ، على ما قاله الشارح من أنّ هذه الشروط شروط اللزوم.

قوله : ولا ينافي تعلّق حقّ الغير به [ كونه في يده ] .. إلى آخره (٢).

لا يخفى أنّ هذا الحق هو الاستيثاق المأخوذ في مفهوم الرهن لغة وعرفا ، ويدلّ عليه الأدلّة الشرعيّة ، وأنّ الرهانة عقد شرّع للاستيثاق ، فإذا كان المرتهن لا وثوق له في أداء ماله وطلبه ، ولأجل ذلك يأخذ الرهن ، وبه شرّع له الرهن ، فإذا لم يكن استيثاق في الرهن أيضا يكون العقد لغوا محضا ، ويكون هذا الرهن محتاجا إلى رهن آخر واستيثاق ، وهكذا.

وبالجملة ، لا شبهة في كون حقّ الغير هنا استيثاق ماله ، ولا يتحقّق الاستيثاق إلّا بأن يقبضه من الراهن أو يدعه عنده على فرض أن يكون له وثوق واعتماد في أنّه يأخذ ماله من الرهن وإن كان عند الراهن ، والاستيثاق والوثوق لا يتحقّق إلّا بأن يكون عند المرتهن أو عند الراهن برضاه وتجويزه ، لا بغير رضاه وعدم تجويزه وعدم الرخصة منه ، وإن قلنا بأنّ القبض ليس بشرط ، لأنّ الاستيثاق شرط قطعا ، بل وبه يتحقّق ماهيّة الرهانة ، والاستيثاق لا يتحقّق إلّا

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٥٠.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٥٣.

٣٦٠