حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

تثبت ، ولم يثبت ، ومرّ أيضا « ما حرّم الله تعالى أكلها حرّم ثمنها » (١) وغير ذلك ، فليلاحظ.

قوله : ولهذا ترى أنّ عذرة الإنسان تحفظ ، بل تباع وينتفع بها في الزراعات .. إلى آخره (٢)

أمّا البيع فلا ، بل الّذي نشاهد منهم أنّهم يضمّنونها بتراب ، أو مثله ممّا يصحّ بيعه ، ويقولون : نبيع ذلك لا العذرة ، ويعترفون بالمنع عن بيعها.

عدم جواز اقتناء المؤذيات

قوله : وأمّا تحريم اقتناء المؤذيات [ فليس بواضح الدليل ] .. إلى آخره (٣)

ربّما ورد الأمر بقتل المؤذيات (٤) ، فكيف يجوز الاقتناء مع ذلك؟! سيّما عند الشارح ومن يقول بمقالته من أنّ الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضدّه ، مع أنّ المقام غير متوقّف عليها ، فتأمّل.

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٢ ـ ١١٠ الحديث ٣٠١ مع اختلاف يسير في العبارة ، مسند أحمد بن حنبل : ١ ـ ٤٨٣ الحديث ٢٦٧٣ مستدرك الوسائل : ١٣ ـ ٧٣ الحديث ١٤٧٨٧.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٩.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠.

(٤) راجع! وسائل الشيعة : ١٢ ـ ٥٤٤ الباب ٨١ من أبواب تروك الإحرام.

٢١

ما قصد به المحرّم

قوله : وفي رواية .. إلى آخره (١)

في رواية جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام (٢) ، رواها الشيخ في كتاب المكاسب (٣).

قوله : ومعلوم تحريم التكسّب بما هو المقصود منه حرام .. إلى آخره (٤)

مرّ الإشارة إلى دليله (٥) ، ومرّ في بحث الحجامة رواية مقتضاها ومضمونها أنّ الحجامة لو كانت حراما لما احتجم الرسول ، وما أعطى الأجر (٦) ، فيظهر منها أنّ كلّ عمل حرام لا يجوز إعطاء الأجر فيه ، وأشار إليه الشارح.

قوله : فإنّ الله تعالى يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم .. إلى آخره (٧)

يومي هذا التعليل إلى اعتبار الغرض الصحيح في البيع ، فتأمّل ، ويدلّ على حرمة الإعانة في الإثم.

قوله : لعدم القدرة بسببه على ذلك ، وهو فساد عظيم .. إلى آخره (٨).

قيل : يمكن أن يقال أنّه سبب لحفظ النفس ، وحفظها من كلّ فتنة مشروع ،

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١ ، وفيه : ( وفي الرواية ).

(٢) الكافي : ٥ ـ ١٢٢ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ١٦٥ الحديث ٢٢٢٥٧.

(٣) تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٧١ الحديث ١٠٧٥ ، وقد أثبتنا هذه الحاشية ـ من قوله : وفي رواية. المكاسب ـ من : د ، ه.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٢.

(٥) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١.

(٦) الكافي : ٥ ـ ١١٥ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٥٤ الحديث ١٠٠٩ ، الاستبصار : ٣ ـ ٥٨ الحديث ١٩١ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ١٠٥ الحديث ٢٢٠٩٧.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٤ ، وهو مقطع من حديث عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ١٠١ الحديث ٢٢٠٨٧.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٥.

٢٢

دون حربهم ، فتأمّل.

أقول : فيه نظر ظاهر ، لأنّ حفظ النفس ربّما يؤدّي إلى تلف النفوس المقدّسة ، ولا أقلّ من المؤمنة والمستضعفة ، ويؤدّي إلى الفتنة الّتي هي أشدّ من القتل ، بل إلى مفاسد عظيمة ، كما قال الشارح رحمه‌الله.

قوله : بل جواز ذلك حين حرب إحدى الفئتين من الكفّار مع الأخرى منهم ، [ وهو صريح في ذلك ] .. إلى آخره (١)

ربّما يكون الظاهر من أهل الباطل هنا هم المسلمين غير الناجين ، وكثيرا ما يكون فيهم مستضعفون ، مع أنّ الأصحاب لا يحكمون بحليّة قتل غير المستضعفين منهم أيضا ، فتأمّل.

قوله : [ فكأنّ المبيع لا يصلح لكونه مبيعا لهم ] كما في بيع الغرر (٢).

فيه تأمّل ظاهر.

قوله : وإجارة المساكن لوضع المحرّمات .. إلى آخره (٣).

قد أشرنا إلى دليل ذلك (٤) ، ومرّ في بحث حكم الحجامة أيضا ما يدلّ على ذلك ، فلاحظ.

قوله : ويدلّ على الكراهة صحيحته عنه (٥) أيضا .. إلى آخره (٦).

الظاهر ، أنّ الأخبار بجعلهم خمرا إنّما هو على سبيل المظنّة ، لأنّ حصول

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٦.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٦.

(٤) راجع! الصفحة ٢٢ ، عند قوله : ( ويدلّ على حرمة الإعانة في الإثم ).

(٥) أي : صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ١٣٧ الحديث ٦٠٥ ، الاستبصار : ٣ ـ ١٠٦ الحديث ٣٧٥ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢٣١ الحديث ٢٢٤٠٦.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٩.

٢٣

اليقين بأنّهم يجعلون خصوص هذا الشخص من العنب أو العصير خمرا ممّا لا يكاد يتحقّق عادة ، إلّا على فرض نادر ، والأخبار واردة مورد المتعارف الغالب ، لا يجوز حملها على الفروض النادرة بغير قرينة ، كما حقّق في محلّه.

مع أنّه متعارف التعبير بهذا النحو من جهة المظنّة ، في أمثال المقامات ، ويمكن حمل أمثال هذه الصحاح على الاتّقاء ، بناء على أنّ المراد من الخمر هو العصير العنبي الّذي ينشّ أو يغلو بالنار ، فإنّ المتعارف عند الشيعة أنّهم في زمان الأئمة عليهم‌السلام كانوا يعبّرون عنه بلفظ الخمر بسبب ما سمعوا من الأئمة عليهم‌السلام ، ينبّه على ذلك ملاحظة « الكافي » باب أصل

حرمة الخمر وبدئها (١) ، وكذا ملاحظة « الفقيه » باب حدّ شرب الخمر (٢) ، وغير ذلك.

وهذا هو السّبب في حكمهم بالنجاسة ، وأنّه يجب حدّ شاربه حدّ شرب الخمر والمسكر ، وغير ذلك من الأحكام ، وبسطنا الكلام في رسالتنا في حكم العصير ، فليلاحظ.

وما ذكرناه ربّما يظهر من التأمّل في هذه الصحاح وما وافقها.

والمراد على الاحتمال الأوّل أنّه لا بأس إذا بعته ، وهو حلال وإن ظننت أنّه يجعله حراما واتّفق مطابقة ظنّك للواقع ، فتأمّل.

قوله : وهي حسنة ابن أذينة وقال : كتبت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام .. إلى آخره (٣)

يمكن توجيه الفرق مع توجيه الحديث بأنّ ضمير « منه » راجع إلى مطلق

__________________

(١) الكافي : ٦ ـ ٣٩٣ باب أصل تحريم الخمر.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٤ ـ ٣٩ باب حدّ شرب الخمر.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥١ ، وحسنة ابن أذينة هي : « كتبت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذه برابط! فقال : لا بأس به ، وعن رجل له خشب

٢٤

الخشب لا المبيع ، والظاهر أنّ متّخذ البرابط هنا من المسلمين ، للشيوع والغلبة وانصراف الذهن. وأمّا متّخذ الصلبان ، فالظاهر أنّه من النصارى كما لا يخفى ، والأصل في المسلم حمل أفعاله على الصحّة ، ولا يوجد هذا الأصل بالنسبة إلى النصراني ، فتأمّل.

ما لا انتفاع فيه

قوله : وكذا الكلام في بيع المسوخ إن كان ممّا لا ينتفع به كالقرد .. إلى آخره (١).

لا يخفى ، أنّه سيظهر من كلامه في ذكر شرائط العوضين في البيع ، أنّ المنع من جهة عدم كون ما لا انتفاع به (٢) ملكا ، والبيع نقل ملك إلى آخر ، وسنذكر تمام الكلام هناك.

قوله : [ سواء ] كان ممّا يصاد عليها ، كالفهد والهرّ والبازي .. إلى آخره (٣).

يظهر من بعض الأخبار صحّة بيع السنّور ، فإنّ رجلا تزوّج بشرط أن يكون (٤) يبيع الدوابّ ، فظهر أنّه يبيع السنّور ، فأجاز أمير المؤمنين عليه‌السلام شرطه ،

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٢.

(٢) في د ، ه : ( ما لا ينتفع به ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٣.

(٤) لم ترد ( يكون ) في : ب.

٢٥

حيث قال : « السنّور دابّة » (١) هذا على ما هو في بالي.

قوله : [ مع ضعفها ] بعدّة عن سهل وغيره .. إلى آخره (٢).

العدّة ثقات أجلّة ، فلا وجه لذكرهم ، والحمل متعيّن ، لأنّ الأخبار واردة على ما هو الغالب المتعارف لا الفروض النادرة.

ما هو حرام بنفسه

قوله : والظاهر أنّ للنقش أقساما .. إلى آخره (٣).

ذكرنا في أوّل الكتاب عن « الفقه الرضوي » ما يدلّ على الاختصاص بذي الروح (٤).

قوله : لأنّ الظاهر أنّ الغرض من التحريم [ عدم خلق شي‌ء يشبّه بخلق الله ] .. إلى آخره (٥).

في الدلالة نظر ، إذ على تقدير تسليم ظهور الغرض ، فهو عدم الخلق لا البقاء ، سيّما إذا صار منشأ لإتلاف (٦) مال محترم ، وأنّ الصور توطأ وتفرش.

ولعلّ الغرض أن لا يشابه أحد نفسه مع الله تعالى في خلق صورة الخلق

__________________

(١) الكافي : ٥ ـ ٥٦١ الحديث ٢٢ ، معاني الأخبار : ٤١٣ الحديث ١٠٤ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٤٣٣ الحديث ١٧٢٨ ، وسائل الشيعة : ٢١ ـ ٢٣٥ الحديث ٢٦٩٨٠. وفيها « السّنانير دوابّ ».

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٤ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ١٧١ الحديث ٢٢٢٧٦.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٤.

(٤) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٣٠١.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٦.

(٦) في ب ، ج : ( إذا ينشأ إتلاف ).

٢٦

وشكلهم ، مع تأمّل في هذا أيضا ، لأنّه يقتضي المنع عن صورة الأشجار والجنّ والشياطين (١) ، بل كلّ صورة وشكل ، فتأمّل.

قوله : المشتمل على الترجيع المطرب ، الظاهر أنّه لا خلاف حينئذ في تحريمه وتحريم الأجرة عليه .. إلى آخره (٢).

وقيل : المحزن داخل في المطرب (٣) ، وقيل : مدّ الصوت (٤) ، ومنهم من اقتصر على الصوت المشتمل على الترجيع (٥) ، ومنهم من اقتصر على المطرب (٦) ، وقيل : هو تحسين الصوت (٧) ، وقيل : رفع الصوت مع موالاته (٨) ، والأظهر الرجوع إلى العرف ، لتقدّمه على اللغة عند التعارض على الأظهر ، سيّما مع الاضطراب في اللغة ، فتأمّل.

قوله : [ إطلاقه على غير المرجّع ] والمكرّر في الحلق .. إلى آخره (٩).

والنوحة ليس غناء في العرف وإن اشتمل على ترجيع ما ، فتأمّل.

قوله : ولكن مدلول الأدلّة أعمّ ، مثل : « المغنيّة ملعونة .. » (١٠). إلى

__________________

(١) في ج ، د ، ه : ( الشيطان ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٧.

(٣) راجع! القاموس المحيط : ١ ـ ١٠١ ، المصباح المنير : ٣٧٠.

(٤) السّرائر : ٢ ـ ١٢٠.

(٥) مسالك الأفهام : ٢ ـ ٣٢٢ ، الحدائق الناضرة : ١٨ ـ ١٠١.

(٦) شرائع الإسلام : ٤ ـ ١٢٨ ، الدروس الشرعيّة : ٢ ـ ١٢٦ ، جامع المقاصد : ٤ ـ ٢٣.

(٧) كتاب الام ( مختصر المزني ) : ٣١١ ، المجموع شرح المهذّب : ٢٠ ـ ٢٣١ ، المغني لابن قدامة : ١٠ ـ ١٧٨.

(٨) النهاية في غريب الحديث والأثر : ٣ ـ ٣٩١.

(٩) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٧.

(١٠) الكافي : ٥ ـ ١٢٠ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٥٧ الحديث ١٠٢٠ ، الاستبصار : ٣ ـ ٦١ الحديث ٢٠٣ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ١٢١ الحديث ٢٢١٤٧.

٢٧

آخره (١).

لا يخفى أنّه لا عموم في هذه الأخبار وما شاكلها على حرمة الغناء بحيث يتناول مراثي الحسين عليه‌السلام جدّا ، فتنبّه وتدبّر مليّا! ، ولا إجماع أيضا ، وهو واضح (٢).

قوله : ويمكن أن يقال : الأخبار ليست بحجّة .. إلى آخره (٣).

الخبر المنجبر بعمل الأصحاب حجّة ـ كما حقّقناه ـ بل المنجبر بالشهرة أيضا حجّة ، ولا تأمّل في أنّهم يتمسّكون بهذه الأخبار ويروون ويعتمدون ، بحيث لا تأمّل في أنّهم يعتمدون.

قوله : قد استثني الحداء ـ بالمدّ .. إلى آخره (٤).

ظاهر كلامه أنّه ليس له دليل ، كما اعترف به (٥) وصرّح به غيره (٦) ، وببالي أنّ المستثني اعتمد في استثنائه على رواية أهل السنّة ، وهي : أنّه « زاد المسافر » ، أو أنّه « نعم زاد للمسافر » ، والتمسّك بمثله مشكل.

قوله : مثل صحيحة أبي بصير (٧). ورواية الحكم الحنّاط ـ المجهول ـ عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « المغنّية الّتي تزفّ العرائس .. ». إلى

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٧.

(٢) الحاشية ـ من قوله : ولكن مدلول. أثبتناها من : د ، ه.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٩.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٩.

(٥) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٦١.

(٦) لاحظ! كفاية الأحكام : ٨٦.

(٧) الكافي : ٥ ـ ١٢٠ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ٩٨ الحديث ٣٧٦ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٥٧ الحديث ١٠٢٢ ، الاستبصار : ٣ ـ ٦٢ الحديث ٢٠٥ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ١٢١ الحديث ٢٢١٤٦.

٢٨

آخره (١).

مقتضى الروايتين الاختصاص بالزفّة ، ولا يعارضهما الرواية الأخيرة (٢) ، لاحتمال أن يكون المعهود الدعاء للزفّة ، فتأمّل.

وكيف كان ، مختصّ بالمغنّية ، فلا يشمل المغني ، فتدبّر.

قوله : نعم ، يمكن كون خبر أبي بصير صحيحا ، كما أشرنا .. إلى آخره (٣).

الظاهر أنّه صحيح ، لما حقّقناه ، ومراد شارح « الشرائع » أنّ الموضع الّذي يكون فيه صحيح يدلّ على الجواز (٤) ، فلا وجه للمنع ، لعدم المانع من الإجماع والأخبار ، لا أنّ في كلّ ما استثني ورد صحاح دالّة ، فيمكن أن يكون مراده ما دلّ من جملة الأخبار الصحيحة ، فتأمّل.

قوله : [ إلى زماننا ] هذا من غير نكير وهو يدلّ على الجواز غالبا .. إلى آخره (٥).

في أمثال زماننا نرى النكير ، ونرى أنّه لا ينفع ولا ينجع ، ونرى أنّه ربّما يتّقون من الناس والعوام ، فلعلّ السّابق كان كذلك ، بل لا ندري أنّه فيما سبق كانوا يغنّون في المراثي ، فضلا عن تعارف ذلك بينهم ، وخصوصا مع دعوى عدم

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٩ ـ ٦٠ والرواية وردت في : الكافي : ٥ ـ ١٢٠ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٥٧ الحديث ١٠٢٣ ، الاستبصار : ٣ ـ ٦٢ الحديث ٢٠٦ ، وسائل الشيعة ١٧ ـ ١٢١ الحديث ٢٢١٤٥.

(٢) أي رواية نضر بن قابوس : مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٧ ، الكافي : ٥ ـ ١٢٠ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٥٧ الحديث ١٠٢٠ ، الاستبصار : ٣ ـ ٦١ الحديث ٢٠٣ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ١٢١ الحديث ٢٢١٤٧.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٦١.

(٤) مسالك الأفهام : ١ ـ ١٢٩ في تفسير الغناء.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٦١.

٢٩

النكير ، مع أنّ المشايخ صرّحوا في كتبهم بالحرمة ، من غير استثناء أصلا ، واستثنوا الحداء والزفّة والعرس للمغنّية ، ولم يستثنوا شيئا إلّا ما نسب إلى نادر منهم.

وربّما يتمسّك بقول الصادق عليه‌السلام للمنشد الّذي كان يقرأ عنده : « اقرأ كما كنت تقرأ عندكم بالعراق » (١) ، وفيه أيضا تأمّل ظاهر ، لعدم معلوميّة المراد ، وأنّه كان يغنّي بالعراق ، فتدبّر.

قوله : ويؤيّده جواز النياحة بالغناء ، وجواز أخذ الأجرة عليها ، لصحيحة أبي بصير (٢) .. إلى آخره (٣).

لا تأمّل في أنّ النوحة حلال على كل ميّت ، سيّما على الحسين عليه‌السلام ، فلو كان داخلا في الغناء فهو مستثنى ، وإلّا فلا استثناء ولا معارضة ، ولعلّه كذلك ، إذ لا يقال في العرف : إنّه يغنّي ، وإنّ النوحة غناء ، والعرف مقدّم على اللغة ، كما حقّق ، مع أنّ (٤) جواز النوحة بلا مضايقة ، وعدم جواز الغناء مطلقا يؤيّد التقديم هنا.

وبالجملة ، لم يظهر كون النوحة غناء حتّى يتوجّه ما يقوله ، ويحتاج إلى ارتكاب خلاف الظاهر ، والتخصيص الّذي هو مخالف للأصل ، ومجرّد كونه معينا على البكاء لا يصلح للتخصيص ، إذ ربّما يحصل الإعانة بالأفعال المحرّمة.

قوله : [ ولا يضرّ القول في ] حنّان [ بأنّه واقفي ] (٥).

__________________

(١) كامل الزيارات : ١٠٤ ـ ١٠٥ الحديثان ١ و ٥ مع تفاوت يسير.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ٩٨ الحديث ٣٧٦ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٥٩ الحديث ١٠٢٨ ، الاستبصار : ٣ ـ ٦٠ الحديث ١٩٩ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ١٢٧ الحديث ٢٢١٦٢.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٦١.

(٤) لم ترد ( أنّ ) في : ج ، د ، ه.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٦٢.

٣٠

قد عدّ المحقّق (١) [ و ] العلّامة (٢) م ق (٣) حديثه من الموثّق ، وقال السيّد مصطفى رحمه‌الله : ( وهو كوفي ق م له كتاب روى عنه إسماعيل بن مهران. النجاشي (٤) : ثقة ، له كتاب روى عنه الحسن بن محبوب. « الفهرست » (٥) : واقفي ، ق م « جخ » (٦).

وذكر المولى ميرزا محمد رحمه‌الله : ( إنّه واقفي ظم ، ثقة ، « فهرست » (٧) انتهى.

قوله : وعدم التصريح بتوثيقه .. إلى آخره (٨).

لا تأمّل في كونه موثّقا ، لأنّ الشيخ صرّح في « الفهرست » بكونه ثقة وأنّه يروي عنه ابن أبي عمير (٩) ، وصرّح في « العدّة » بأنّه لا يروي إلّا عن الثقة (١٠).

قوله : كما تدلّ عليه الأخبار الكثيرة ، مثل : حسنة وليد بن صبيح (١١) .. إلى آخره (١٢).

أقول : وهذا الخبر يدلّ على أنّ في زمان المعصوم لو كانوا يمنعون على

__________________

(١) المعتبر : ٢ ـ ٦٦٧.

(٢) مختلف الشيعة : ٤ ـ ١٨٩.

(٣) ق : أي من أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام ، م : أي من أصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام ، لاحظ! الرجال لابن داود : ٢٦ ، نقد الرجال : ٣.

(٤) رجال النجاشي : ١٤٦ الرقم ٣٧٨.

(٥) الفهرست للطوسي : ٦٤.

(٦) رجال الطوسي : ٣٤٦ ، نقد الرجال : ١٢١.

(٧) رجال المولى ميرزا محمّد الأسترآبادي : ١٢٧.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٦٢.

(٩) الفهرست للطوسي : ٦٤ الرقم ٢٤٤.

(١٠) عدّة الأصول : ١ ـ ٣٨٦ و ٣٨٧.

(١١) الكافي : ٥ ـ ١٠٥ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٣٠ الحديث ٩١٧ ، رجال الكشي : ١ ـ ٣٦٨ الحديث ٢٤٧ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ١٨٧ الحديث ٢٢٣١٤.

(١٢) مجمع الفائدة والرهان : ٨ ـ ٦٤.

٣١

المعاونة الحلال كان يضيق عليهم ، لأنّهم كانوا ظلمة.

قوله : وأنّه غيبة ، والظاهر أنّ عموم أدلّة تحريم الغيبة [ من الكتاب والسنّة يشمل المؤمنين وغيرهم ] .. إلى آخره (١).

وأنّه أذيّة للمؤمن ، بل والمؤمنين الّذين هم أقرباؤه وأحبّاؤه ، وكذا تنقيص له ، بل إهانة له ولهم ، وربّما يبقى دهرا طويلا ، فهو أشدّ من الغيبة بمراتب.

قوله : وبالجملة ، عموم أدلّة الغيبة [ وخصوص ذكر المسلم يدلّ على التحريم مطلقا ] .. إلى آخره (٢).

الأدلّة وإن كانت عامّة ، إلّا أنّ المراد من الغيبة لا بدّ أن يكون معلوما ، والقدر الّذي يفهم من الأخبار حرمتها بالنسبة إلى من له حرمة ، والظاهر منه الشيعة ، كما يومي إليه قوله تعالى ( لَحْمَ أَخِيهِ ) (٣) ، فإنّ المخالف الّذي أنكر أصلا أو أصلين من أصول الدين ـ وهما الإمامة والعدل ـ بل وكثيرا من صفات الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنكرها وبدّلها ، بل ربّما قال بتعدّد الآلهة وأمثاله من شنائع أصول الدين ، كافر بلا شكّ بالكفر المقابل للإيمان ، وإن لم يكن كافرا بالكفر المقابل للإسلام ، بل ورد في الأخبار أنّه شرّ من اليهود والنصارى وغيرهما (٤) ، واللعن والطعن والقدح والإنكار والبراءة منه ، ورودها في شأنه أزيد وأشدّ وآكد وأكثر ممّا ورد في الكفّار بمراتب شتّى ، لا يخفى على من له أدنى اطّلاع وفطنة.

فكيف يكون مثل هذا له حرمة تمنع عن الغيبة ولا تمنع عمّا ذكرنا ، وغيره

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٧٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٧٦.

(٣) الحجرات (٤٩) : ١٢.

(٤) الكافي : ٢ ـ ٤٠٩ الحديث ٣ و ٤ و ٥ ، المحاسن للبرقي : ١ ـ ١٧٣ الحديث ٤٩ و ١٧٦ الحديث ٥٥ ، بحار الأنوار : ٢٧ ـ ٢٢١ الحديث ٤ و ٦٩ ـ ١٣٤ الحديث ١٣.

٣٢

مثل : أنّهم أولاد بغايا (١) ، وأنّه ليس عندهم من الحق والملّة الحنيفيّة أصلا (٢) وأنّهم أعداء الله وأعداء رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأعداء الأئمة عليهم‌السلام (٣) وأنّ إجراء أحكام الإسلام فيهم لأجل التقيّة والمداراة وإبقاء الشيعة (٤) وأمثال ذلك؟! وإلّا ففي الحقيقة هم كفّار يعامل معهم صاحب الأمر ـ عجّل الله تعالى فرجه ـ عند ظهوره معاملة الكفّار ، وأنّ حالنا معهم إلى زمان ظهوره عليه‌السلام حال أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في مكّة ، في بدء أمرهم مع الكفّار إلى زمان تسلّط الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في الجزية ومقاتلته.

وبالجملة ، بورود هذه الأمور في شأنه وأشدّ منها ، كيف يبقى تأمّل في أنّ لهم حرمة تمنع عن الغيبة؟! بل ربّما يحصل القطع بخلاف ذلك ، سيّما بملاحظة قوله تعالى ( لَحْمَ أَخِيهِ ) (٥) وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر الرواية الّتي رواها عن « الفقيه » : « ومن اصطنع إلى أخيه معروفا » (٦) مع أنّه في صدرها قال : « من اغتاب مسلما » (٧) ، إذ يظهر أنّ المراد من المسلم هو المؤمن ، واستعماله فيه في غاية الكثرة ، والقرينة واضحة إن قلنا بكونه ظاهرا في المعنى الأعم ، وإلّا ففيه أيضا تأمّل ، لنهاية كثرة الاستعمال في كلّ واحد منهما في الأخبار ، وكذا الحال عند المتشرّعة ، بل ربّما يظهر أنّ الشيعة كانوا يقعون فيهم (٨) على سبيل الشيوع والتداول ، بل

__________________

(١) لاحظ! المحاسن للبرقي : ١ ـ ٢٣٢ الأحاديث ٢٤ و ٢٥ و ٢٦ ، بحار الأنوار : ٢٧ ـ ١٤٥ باب أنّ حبّهم عليهم‌السلام علامة طيب الولادة.

(٢) لاحظ! المحاسن للبرقي : ١ ـ ٢٤٢ الحديث ٥٢ و ٢٤٣ الحديث ٥٤ و ٥٥ ، بحار الأنوار : ٢٣ ـ ٨٧ الحديث ٣٠.

(٣) لاحظ! بحار الأنوار : ٢٧ ـ ٨٨ الحديث ٣٨.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٦ ـ ٢١٩ الباب ٢٦ من أبواب الأمر والنهي.

(٥) الحجرات (٤٩) : ١٢.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ٤ ـ ١٠ باب ذكر جمل من مناهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٧) من لا يحضره الفقيه : ٤ ـ ٨.

(٨) في ب ، ج ، وهامش د ، ه : ( يتّقون منهم ).

٣٣

الأئمّة عليهم‌السلام أيضا ، وفيما ذكرنا ـ أيضا ـ إشارة إلى ذلك ، فتأمّل.

والأخبار الّتي نقلها من العامّة أيضا ظاهر في أنّ المراد من المسلم من هو أخ في الدين (١) ، فتدبّر.

قوله : ويدلّ على الجواز ما في رواية إبراهيم بن هاشم (٢) .. إلى آخره (٣).

هذه ظاهرة في جواز العمل بالسحر لا التعلّم ، والعمل حرام إجماعا ونصوصا ، فلا بدّ من التوجيه ، وهو أنّ الإبطال والحلّ يكون بغير السّحر ، بأنّ مبطل السّحر لا يجب أن يكون سحرا ، بل ليس بسحر البتّة ، كما يظهر من تعريفه (٤). نعم ، هو ممّا يتعلّق بالسحر ، ولذا يعرفه السّحرة ، وربّما يعدّ في السّحر لذلك ، مع أنّ الرواية لو كانت صحيحة لم تصلح لمقاومة ما دلّ على الحرمة وإجماعهم عليها ، فضلا عن أنّها ضعيفة.

قوله : لأنّه تدليس في الجملة ، ولأنّه قد يغفل عنه المشتري .. إلى آخره (٥).

وسيجي‌ء في بحث البيع في الظلمة صحيحة هشام بن الحكم في « الفقيه » (٦) وحسنته في « التهذيب » (٧) عن الكاظم عليه‌السلام : « إنّ البيع في الظلال غشّ ، والغشّ لا يحلّ » (٨) ، ويظهر هذا من أخبار كثيرة رويت في « الكافي » وغيره في باب وجوب

__________________

(١) لاحظ! اتحاف السّادة المتّقين : ٦ ـ ٢٦٩ ، الدرّ المنثور : ٦ ـ ١٠١.

(٢) الكافي : ٥ ـ ١١٥ الحديث ٧ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١١٠ الحديث ٤٦٣ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٦٤ الحديث ١٠٤٣ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ١٤٥ الحديث ٢٢٢٠٧.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٧٩.

(٤) لاحظ : مسالك الأفهام : ١ ـ ١٢٩.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٨٢.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١٧٢ من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١٧٢ الحديث ٧٧٠.

(٧) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ١٣ الحديث ٥٤.

(٨) وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢٨٠ الحديث ٢٢٥٢١ و ٤٦٦ الحديث ٢٣٠٠٧.

٣٤

نصيحة المؤمن أو المسلم ، وحرمة ترك النصيحة والغشّ وغيره من أبواب المعاشرة مع المسلم والمؤمن ، والمعاملة معهم ، والمكر بهم والخدعة ، وحقوقهم (١) ، فلاحظ.

قوله : وللأخبار ، مثل رواية محمّد بن مسلم .. إلى آخره (٢).

في دلالة الروايتين على ما ذكره نوع تأمّل ، أمّا الثانية (٣) فظاهر ، وأمّا الأولى (٤) فلأنّ الظاهر منها عدم البأس فيما إذا رأينا جميعا رؤية ظاهرة بلا تجسّس ، فلا فرق بين شوب اللبن بالماء ومزج الحنطة بالتراب ، إذا رأينا جميعا ، لا يكون به بأس مع كراهة ، وإلّا فالحرمة ، وإن كان بالتفتيش والتجسّس سيعلم حاله ويظهر ، فتأمّل.

قوله : وعن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥) .. إلى آخره (٦).

والروايتان السابقتان أيضا تدلّان مع صحّة أحدهما وحسن الآخر.

قوله : [ الظاهر ] لا ، لأنّ الغرض من النهي في مثله عدم صلاحيّة بيع مثله [ على أنّه غير مغشوش ] .. إلى آخره (٧).

لم يفهم الغرض ، ولو كان يفهم لكان الحقّ مع من يقول : إنّ النهي في

__________________

(١) لاحظ! الكافي : ٢ ـ ١٦٦ الحديث ٣ و ٥.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٨٢.

(٣) حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٨٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١١٢ الحديث ٢٣٢٦٤.

(٤) رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٨٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١١٢ الحديث ٢٣٢٦٣.

(٥) الكافي : ٥ ـ ١٦٠ الحديث ٥ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١٧٣ الحديث ٧٧١ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ١٣ الحديث ٥٣ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢٨٠ الحديث ٢٢٥٢٢.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٨٣.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٨٣.

٣٥

المعاملات أيضا يقتضي الفساد ، وهو مع أنّه ليس كذلك ـ كما حقّق في محلّه ـ ليس مذهب الشارح ، كما مرّ ، ولذا قيّد بقوله : ( في مثله ).

نعم ، القول بأنّه ليس ممّا وقع به التراضي له وجه ، لكن يقتضي ذلك الفساد في كلّ مبيع معيوب وثمن معيوب ، وكذا ما هو دون الشرط ، وهو فاسد قطعا ـ كما ستعرف ـ والموافق لقواعدهم الصحة ، لأنّ المشتري بعد العلم بالغشّ ربّما يرضى بالبيع ، فيجب على البائع الوفاء بعقده ، وسيجي‌ء تمام الكلام.

نعم ، على البائع حرام أكل عوضه وأخذه ، لأنّه أكل مال بالباطل ، وأخذ بغير طيبة نفس صاحبه.

قوله : قيل : ومنه تزيينه بما يختصّ بالنساء .. إلى آخره (١).

ببالي أنّه ورد ذمّ النساء المتشبّهات بالرجال والرجال المتشبّهين بالنساء ، ولعنهم أو شدّة ذمّهم ، بحيث كان في غاية الظهور في الحرمة (٢) ، مع أنّ ممّا ذكر لباس الشهرة المذمومة ، مضافا إلى الدناءة والرذالة والخفّة والمهانة ، ولا يجوز له أن يذلّ نفسه ، فتأمّل.

ما يجب فعله

قوله : وأيضا ، إنّه لمّا استحقّ فعله [ لله لغير غرض آخر ] (٣).

ولأنّه إذا خوطب بفعل شي‌ء بعنوان الوجوب ، فالقول بأنّي لا أفعله إلّا أن

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٨٥.

(٢) الجعفريّات : ١٤٧ ، علل الشرائع : ٦٠٢ الحديث ٦٣ ـ ٦٥ ، مستدرك الوسائل : ٣ ـ ٤٦١ الحديث ٣٩٩٧ و ١٣ ـ ٢٠٢ الباب ٧٠ من أبواب ما يكتسب به.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٨٩.

٣٦

تعطوني أجرا عصيان ، كما لو قال : لا أصلّي الظهر إلّا كذلك ، مع أنّه لا يصير عمله ملكا والأخذ حتّى يأخذ عوضه منه ، بل لا يخرج عن ملكه ، فكيف يأخذ العوض ، ويجمع بين العوض والمعوّض؟! فلا معنى لكون ما يأخذ عوضا ولا أجرة وأجرا وملكا والأخذ تملّكا.

نعم ، لو وهبه واهب بغير عوض أصلا ولا معاوضة مطلقا فهو أمر آخر ، وأمّا وجوب الصناعات فإنّما هو لحصول النظام ، وهو كما يتحقّق مجّانا كذا يتحقّق بعنوان أخذ الأجرة ، بل تحقّقه بالأوّل بعنوان عدم جواز أخذ الأجرة محلّ نظر ، بل غير خفيّ عدمه ، والمتحقّق المشاهد تحقّقه بالثاني ، كما لا يخفى ، فتأمّل.

وبالجملة ، حاله حال من عنده الطعام والناس مضطرّون إليه ، كما في المخمصة ، كما مرّ في حكاية الاحتكار ، إذ لا شكّ في أنّه لا يجب أن يبذل مجّانا.

نعم ، لو وجد مضطرّ غير قادر على العوض بوجه من الوجوه ، حتّى على سبيل الاقتراض يجب حينئذ حسبة وكفاية ، ولو تعيّن عليه فعينا (١) ، لكن هذا أمر آخر ، فتدبّر.

والحاصل ، أنّه لا فرق بين وجوب إعطاء الأعيان ووجوب إعطاء المنافع ، ولا بين الوجوب العيني والوجوب الكفائي ، ولا بين العبادات ـ وهي الّتي لا تصحّ إلّا بالنيّة ـ وبين غير العبادات ـ وهي الّتي تصحّ بغير النيّة ـ في أنّه إذا خوطب بفعله وثبت وجوب تحقّقه لا يجوز توقيفه على أخذ الأجرة ، فيكون الأخذ حراما أيضا ، لما عرفت.

وأمّا الواجبات الكفائيّة الّتي هي من قبيل الصناعات وبيع الأعيان ، ممّا هو واجب لحصول النظام ، ودفع الضرر ، وكذا الواجبات العينيّة الّتي هي من هذا

__________________

(١) في ألف ، ب : ( معيّنا ).

٣٧

القبيل ، فالوجوب الحاصل فيها إنّما هو القدر المشترك بين الإعطاء مجّانا أو الإعطاء بالعوض ، مع أنّ النظام لا يحصل غالبا إلّا بالثاني.

وممّا ذكرنا ظهر ما في قوله رحمه‌الله : ( ولكن يرد الإشكال .. إلى آخره ) (١) وكذا قوله رحمه‌الله : ( ويمكن أن يقال .. إلى آخره ) (٢). مع أنّ الّذي ثبت حرمة أخذ الأجرة فيه من الدليلين اللذين ذكرهما هو العبادات الواجبة ، وغير العبادات الّذي وقع الإجماع فيه (٣) ، ومثل الصناعات غير داخلة في ذلك قطعا ، إذ ليست من العبادات قطعا ، لعدم اشتراط النيّة فيها جزما ، ولم يتحقّق الإجماع على عدم جواز أخذ الأجرة فيها ، بل الإجماع (٤) حاصل بالجواز ، بل الضرورة من الدين ، مضافا إلى الأخبار المتواترة.

والفرق بين العبادات وغيرها في اشتراط النيّة في الأوّل دون الثاني قد كتبناه مشروحا في « حاشيتنا على المدارك » في مبحث الوضوء (٥).

وممّا ذكر ظهر أنّه لم يظهر إشكال أصلا حتّى يحتاج إلى دفعه ، سيّما وبما ذكره ، فتأمّل.

قوله : يحرم عليه فعله لذلك الغرض [ ويحرم الأجر عليه ] .. إلى آخره (٦).

هذا الدليل إنّما هو في العبادات خاصّة.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٨٩.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٨٩.

(٣) لاحظ : مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٨٩.

(٤) لاحظ : مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٨٩.

(٥) حاشية مدارك الأحكام ( مخطوط ). نسخة المكتبة الرضويّة : ٣٢ ـ ( قوله : واعلم أنّ الفرق. أقول : لا يخفى أنّ الواجب ما يكون على تركه العقاب ، فإن كان عبادة .. ).

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٨٩.

٣٨

قوله : ألا ترى جواز الأجرة على الحجّ [ وسائر العبادات ] .. إلى آخره (١).

ولعلّه لا يضرّ اشتراط نيّة الإخلاص ، لأنّ بعد الإجارة يجب على المؤجر (٢) كما لو وجب ابتداء ، فتأمّل.

وممّا ذكرنا اندفع ما يتوهّم وروده على الشارح قدس‌سره من أنّ ما ذكره هنا مناف لما استدلّ به لحرمة أخذ الأجرة بقوله : ( وأيضا إنّه لما استحقّ فعله .. إلى آخره ) (٣) ، فتدبّر.

وممّا ذكر ظهر ـ أيضا ـ عدم الفرق بين الحجّ وغيره من العبادات ، فما توهّم بعضهم من الفرق بأنّ الحجّ مشوب بالماليّة بخلاف غيره فإنّها بدنيّة محضة فاسد ، لأنّ المنافاة بين قصد القربة وأخذ الأجرة إن كانت حاصلة فلا فرق بين الحجّ وغيره ، ولا بين الواجب والمستحب ، فلا المشوبيّة بها ينفع ، ولا عدم الوجوب ، وقد عرفت عدم المنافاة ، وصحّة فعل العبادات عن الميّت كما يظهر من أخبار كثيرة (٤) ، وعمومها يقتضي صحّة الإجارة في كلّ عبادة للميّت ، ومثل إجارة الحج وغيره ممّا ورد النصّ فيها ، والإجماع شاهد أيضا ، فتدبّر.

قوله : ولا دلالة فيها أيضا على إباحة المقاسمة .. إلى آخره (٥).

قوله عليه‌السلام : « إن كان ما قبضه .. إلى آخره » (٦) يدلّ على إباحة شراء

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٩١.

(٢) كذا ، والظاهر أنّ المقصود الأجير.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٨٩.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ ـ ٢٧٦ الباب ١٢ من أبواب قضاء الصلوات.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٠١.

(٦) الكافي : ٥ ـ ٢٢٨ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٧٥ الحديث ١٠٩٤ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢١٩ الحديث ٢٢٣٧٧ ، وفيها : « إن كان قبضه .. » ، وما هنا موافق لما في : مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٠١.

٣٩

المقاسمة ، لوقوعه جوابا عن سؤاله : « يجيئنا المقاسم » ، لأنّ ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال يفيد العموم ، بل المدار في أراضي العراق كان على المقاسمة غالبا ، والسائل عراقيّ وأرض العراق مفتوحة عنوة ، والمدار فيها على المقاسمة ، مع أنّه عبّر عن آخذ الزكاة بالمصدّق (١) ، فإذا جاز الشراء منهم جاز الأخذ منهم بعنوان الهبة بطريق أولى ، لأنّ إعطاء العوض للظالم الجائر المخالف كيف يصير منشأ لحلّية أخذ العوض؟! بل إعطاء العوض يوجب إعانة الظالم والإعانة على الإثم ، بخلاف الأخذ بغير عوض.

قوله : نعم ، ظاهرها ذلك ، ولكن [ لا ينبغي الحمل عليه ] .. إلى آخره (٢).

الظهور يكفي للاستدلال ، ولا يشترط الصراحة ، ومداره ـ حينئذ ـ على الاستدلال بالظواهر ، مع أنّ الظهور إنّما هو في صدر الحديث (٣) ، وأمّا وسطه وذيله فهما صريحان غاية الصراحة (٤) ، مع أنّ ظهور الصدر أيضا في غاية القوّة ، وما دلّ على المنع ـ على تقدير التسليم ـ فإنّما يكون دلالته بعنوان العموم ، والخاصّ مقدّم سيّما إذا عاضدة الشهرة ، بل الإجماع المنقول (٥) وإن كان بخبر الواحد ، فإنّه أيضا حجّة ، ولا يضرّ خروج معروف النسب إن كان ، فكيف إذا لم يعرف خارج؟! هذا ، مضافا إلى أنّ الخاص صحيح ومتعدّد ومتكثّر ، كما ستعرف.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٠٢.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٠٢.

(٣) أي قوله عليه‌السلام : « لا بأس به حتّى تعرف الحرام بعينه ». وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢١٩ الحديث ٢٢٣٧٦.

(٤) أي قوله عليه‌السلام : « إن كان قبضه بكيل .. ». وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢١٩ الحديث ٢٢٣٧٦.

(٥) مسالك الأفهام : ١ ـ ١٣٢ ، الحدائق الناضرة : ١٨ ـ ٢٤٣.

٤٠