حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

الزيادات من « التهذيب » (١).

أقول : وجه الدلالة أنّه عليه‌السلام أمر بالذوق بعنوان التأكيد بعد تجويزه بقوله : « نعم ».

ويؤيّد الدلالة كونه جوابا لقول الراوي في سؤاله : « يشتري ما يذاق » ، إذ الظاهر منه تعارف شرائه بالذوق ، فإنّه عليه‌السلام فرّع جوابه ـ المؤكّد على السؤال المذكور ـ بكلمة : « فاء » ، حيث قال : « فليذقه » ، فتأمّل جدّا.

قوله : [ يعني يفتقر ] لزوم البيع فيما المطلوب منه الطعم ويختلف طعمه إلى اختباره بطعمه .. إلى آخره (٢).

إذا كان المقصود من المبايعة حصول الطعم أو الرائحة ، فلا بدّ من الاختبار حتّى يرتفع الغرر والجهالة.

نعم ، لو أمكن وصف ما هو المقصود ، وتحقّق خيار ـ على قياس ما مرّ في اشتراط الكيل والوزن أنّ البائع لو أخبر بها جاز ـ وكذا لو كان المقصود هو الفرد الصحيح الّذي هو الأصل ووقع المبايعة على ذلك الأصل.

ولا يلزم من الّذي ذكر أن يكون الاختبار مستحبّا أو ملزما مطلقا ، إذ كثيرا ما لا يمكن الضبط بالوصف بحيث يرتفع به الجهالة ليحصل التعيّن (٣) ويحصل [ ما ] يرتفع به النزاع ، إذ ربّما لا يمكن الضبط ، وربّما أمكن لكن لا يرتفع الغرر والنزاع والضرر بالرجوع إلى أهل العرف بعد حصول ذلك منه كما هو المشاهد ، وربّما أمكن لكن لم يرتفع الوصف الرافع ، ولم يكن أيضا أصل له بحيث يحصل المقصود ، كما هو الحال في كثير ، وربّما كان له أصل لو بنى المعاملة لصحّت ، لكن لم

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٣٠ الحديث ١٠٠٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٧٩.

(٣) في ه : ( اليقين ).

١٢١

تبن عليها ، بأن وقع التصريح عندها بعدم البناء ، أو ظهر من القرائن ، فتأمّل جدّا.

قوله : [ تخيّر بين الردّ وإعادة الثمن ] ، والإمساك وأخذ الأرش ، كما هو المقرّر في سائر المعيبات .. إلى آخره (١).

قيل : ما وقفت على رواية على هذا التخيير إذا خرج المبيع معيبا ، بل ظاهر بعض الروايات في العيب أنّ الحكم الردّ مع عدم التصرّف والأرش معه ، وقد مرّ رواية عمر بن حنظلة الدالّة على تخيير المشتري إذا خرج المبيع ناقصا (٢).

انتهى.

قاله مولانا ملّا عبد الله رحمه‌الله.

أقول : الدليل عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٣) ، فإنّه يقتضي وجوب الوفاء بالأبعاض أيضا ، فيجب أن يعطي ما تحقّق وعوض ما لم يتحقّق ، ويؤيّده روايتا : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٤) ، و « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » (٥) المرويّتان عن علي عليه‌السلام ، فتأمّل.

وأمّا اختيار الردّ فظاهر ، لعدم وفاء البائع بتمام ما باعه ، وسيجي‌ء التحقيق في ذلك.

قوله : وفيه تأمّل ، إذ لا يعلم .. إلى آخره (٦).

لا يخفى أنّه رحمه‌الله علّل بأنّ المانع هو الجهل والغرر ، فإذا تراضيا على المجهول

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٨٠.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٧ الحديث ٢٣٠٦٤.

(٣) المائدة ٥ : ١.

(٤) عوالي اللآلي : ٤ ـ ٥٨ الحديث ٢٠٥ مع اختلاف في المتن.

(٥) عوالي اللآلي : ٤ ـ ٥٨ الحديث ٢٠٧.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٨٢ ، مع اختلاف في اللفظ ، إذ ورد في المصدر : ( وفيه تأمّل ، إذ لم يقم دليل على اعتبار هذا المقدار من العلم ).

١٢٢

كيف يصحّ المعاملة؟! لأنّ اشتراط العلم والمنع عن الغرر من طرف الشارع ، فلا ينفع تراضيهما أصلا ولو كانا في غاية الرضا ونهاية الشوق وشدّة الامتثال مع تساوي القيمة ، بل والرغبة أيضا ، بل وسائر الصفات ، مثلا : إذا كان رطل من دبس التمر بدرهم ورطل من دبس العنب أيضا بدرهم ، والدبسان متّحدا الأوصاف ، واتّحد الرغبة أيضا ، وعلم كلّ واحد من الطرفين بتحقّق الدبسين الموصوفين ، وأوقعا المعاملة على رطل متردّد بينهما بدرهم من دون تعيين أحدهما لعدم التفاوت عندهما في الرغبة وعدم التفاوت في القيمة. أيضا لا ينفع ما ذكر للخروج عن الجهل والتصحيح ، لتحقّق المانع الشرعي ـ وهو الجهل والغرر ونهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عنه مطلقا (١) ـ وإن كان الطرفان في غاية الشوق.

والطبيعة الكلّية وإن كانت معلومة من حيث الطبيعة الكليّة ، ومتعيّنة من هذه الحيثيّة ، إلّا أنّها غير متعيّنة بالنظر إلى تحقّقها في ضمن الفرد في الخارج ، وهي إنّما تصير مبيعا وثمنا باعتبار تحقّقها في الفرد الخارجي.

ومعلوم أنّ الجريب الواقع في شرقي الأرض غير الجريب الواقع في غربيّها ـ مثلا ـ كما أنّ الدبس التمري غير الدبس العنبي ـ مثلا ـ خرج متماثل الأجزاء بدليل ، وهو الإجماع ، وأنّ رطلين منها ـ مثلا ـ من جهة التماثل والاتّحاد من جميع الوجوه لم يكونا عند العرف والمعاملين والعقلاء الماهرين شيئين متغايرين بحيث يكون التردّد بينهما غررا عندهم وجهلا ، ومرجع الغرر إلى العرف كما عرفت ، ولا هكذا مختلف الأجزاء وغير متماثلها ، فيبقى تحت عموم المنع ، فتأمّل.

فإن قلت : إذا جعل رطل مشخّص من المتماثل ـ مثلا ـ مبيعا لا بدّ أن يكون متعيّنا ، وإلّا يكون البيع باطلا ، فلو كان خصوصيّة شخصها غير داخل في الغرر

__________________

(١) لاحظ! عوالي اللآلي : ٢ ـ ٢٤٨ الحديث ١٧.

١٢٣

أصلا ، فلم يكون البيع باطلا؟.

قلت : لمّا وقع البيع على الشخص المخصوص لا بدّ أن يكون متعيّنا ، إذ البيع سبب لنقل المبيع من حينه إلى المشتري ، وغير المتعيّن محال انتقاله ، وانتقال الكلّي المتماثل من جهة تعيّنه ، إذ يصير الكلّي مبيعا ودينا وغير ذلك جزما ، فالكلّي ينتقل إلى ذمّة شخص إذا كان متماثلا ، بخلاف الشخصي.

وأيضا إذا أوقعا العقد على الشخص فلا جرم يكون خصوصيّة التشخّص مطلوبة في ذلك العقد ، فلو لم يعيّنا لزم الغرر والجهل ، بخلاف ما إذا لم يجعلا الخصوصية داخلة ، فتأمّل.

قوله : فكيف يكفي المشاهدة؟ إلّا أن يقال : المراد به ـ هنا ـ المخيط .. إلى آخره (١).

قد عرفت أنّ الغرر المنهي هو أن يرجع فيه إلى أهل العرف ، وهو الّذي يكون مجهول الحصول أو المقدار عندهم ، وهو المقدار الّذي يكون بناء تفاوت القيمة أو الرغبة في المعاملة عليه ، كالحنطة والسمن وأمثالهما ممّا يكال أو يوزن ، فإنّ بناء تفاوت الثمن على الكيل أو الوزن ـ مثلا ـ عليه جزما وعلى تفاوت الأوصاف ـ أي الأنواع ـ بل الأصناف أيضا في الموضع الّذي يكون البناء عليه أيضا ، وهو الأغلب. وأمّا تفاوت الرغبة فهو اعتباري بحسب اعتبار المعاملين.

إذا عرفت هذا ، فنقول : الحيوان ـ مثلا ـ لا غرر في الجهل بمقدار وزنه كالفرس ، وأمّا مثل الغنم ـ ممّا يكون المطلوب فيه مقدار اللحم وزنا ـ فرفع الغرر فيه إنّما هو بالتخمين. وأمّا إذا لم يكن المطلوب فيه مقدار اللحم ، فإن كان المطلوب فيه المساحة ـ كالفيل عند أهل الهند ـ فرفع الغرر بالمساحة ، وإن لم يكن

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٨٢.

١٢٤

المطلوب المساحة أيضا فيرفع بالأوصاف.

وأمّا الثوب المخيط ، فالمطلوب ـ غالبا ـ ليس الذرع ، فإن كان مطلوب المعاملين الذرع فلا بدّ من الذرع بحسب ما هو المطلوب. وأمّا غير المخيط ، فالغالب منه يكون المطلوب الذرع ، وتفاوت القيمة بنسبته ، كالحنطة بالنسبة إلى الكيل أو الوزن ، لكن في كثير من الثياب الغير المخيطة المطلوب القماش ، وكونه طاقة من غير ملاحظة الذرع ، ولعلّ نظر المشهور إلى أنّ الثوب من حيث هو هو لمّا لم يكن الذرع هو المطلوب بحيث يكون تفاوت القيمة عليه جزما والبتّة ، حتّى يكون الجهل فيه غررا منهيّا عنه قالوا بكفاية المشاهدة ، أو يكون المطلوب فيه الذرع بالمقدار الذي يحصل بالتخمين أيضا ، مثل ما قلنا في الغنم.

وأمّا إذا كان مقصود المعاملين الذرع الواقعي ويكون تفاوت القيمة عليه عندهم البتّة ، فالغرر لا يندفع إلّا بالذرع ، ولعلّهم نقلوا الإجماع أيضا.

قوله : [ ثبوت الخيار للمشتري ] إذا لم يكن المبيع بالوصف الّذي اشترى به هو المشهور بينهم .. إلى آخره (١).

قال بعض المحشّين : ويدلّ عليه صحيحة جميل بن درّاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « سألته عن رجل اشترى ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها فلمّا آن نقد المال صار إلى الضيعة فقلّبها ثمّ رجع فاستقال (٢) فلم يقله ، فقال عليه‌السلام : لو أنّه قلّب منها أو نظر إلى تسعة وتسعين قطعة ثمّ بقي منها قطعة ولم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية ».

روى الشيخ ذلك في آخر باب عقود البيع من « التهذيب » (٣) ، لكنّها واردة

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٨٢.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( فاستقال صاحبه ).

(٣) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٦ الحديث ١١٢.

١٢٥

في خيار المشتري ، إلّا حملها على التغيّر غير بعيد. انتهى كلامه رحمه‌الله.

وبل متعيّن بملاحظة الفتاوي ، بل الإجماع ، ويدلّ عليه ـ أيضا ـ ما ذكرناه فيما لو خرج معيبا من عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) بالتقريب الّذي عرفت (٢) ، فما ذكره من أنّ ( مقتضى القاعدة بطلانه ) (٣) فيه ما فيه.

قوله : وحينئذ ينقلب مدّعيا والبائع منكرا [ فالقول قوله ] .. إلى آخره (٤).

لا يخفى فساد ما ذكره من الفرق بين الشخصي والكلّي ، وأنّ الحال فيها واحد من دون تفاوت أصلا.

وأيضا ، ظاهر عبارة المصنّف كون البيع شخصيّا خاصّة ، لأنّه الّذي يظهر كون مبيعه بغير الوصف المذكور ، فلا وجه لذكره في المقام ، إلّا أن يكون مراده ذكر ما لا أصل له أيضا استطرادا.

وأيضا ، ظاهر عبارة الشارح أنّ المشتري مدّع شرطا والبائع ينكره ، ولا تأمّل ـ حينئذ ـ في كون المشتري مدّعيا ، فيقدّم قول البائع.

ولا شبهة في أنّه غير ما ذكره المصنّف ، لأنّ الّذي ذكره هو أنّ البيع صار بعنوان الوصف الرافع للجهالة لا المشاهدة ، فإن ظهر كون المبيع بغير ذلك الوصف ثبت الخيار ، وإن لم يظهر لكن اختلفا فيه ، بأن ادّعى البائع كونه بذلك الوصف وأنكره المشتري قدّم قوله ، لكونه المنكر ، فإن أثبت البائع فهو ، وإلّا يتوجّه على المشتري الحلف ، فإن كان شخصا بطل البيع.

ففي الحقيقة ، يرجع إلى ادّعاء البائع اشتغال ذمّة المشتري بحقّ البائع ـ أي

__________________

(١) المائدة ٥ : ١.

(٢) راجع الصفحة : ١٢٢ من هذا الكتاب.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٨٣.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٨٣.

١٢٦

الثمن ـ والمشتري ينكره ، كما لا يخفى.

والظاهر أنّه يرجع ما ذكر إلى ما ذكرنا ، فتدبّر (١).

قول المصنّف رحمه‌الله : ولو تعذّر العدّ .. إلى آخره (٢).

لعلّ المراد التعذّر آن العقد وحينه ، والمتعارف أنّهم يقولون : لا نقدر ولا نستطيع ، ومرادهم : الآن ، ونظره ـ حينئذ ـ في هذه الفتوى إلى الصحيحة الآتية ، ولذا عبّر كذلك.

وهل التعذّر شرط بناء على أنّ الأدلّة اقتضت الكيل والوزن والعدّ ـ خرج هذه الصورة بالدليل وبقي الباقي ـ أم لا؟ لأنّ غاية ما ثبت من الأدلّة تحقّق كيل أو وزن أو عدّ يظهر به المقدار ويخرج عن الغرر.

وهذا المعنى متحقّق هنا ، لعدم التفاوت بين التفاوت القليل الّذي يحصل في الموازين والّذي يحصل هنا ، ولإطلاق الروايتين الأخيرتين (٣) ، وكون القيد في الصحيحة (٤) في سؤال الراوي. ولعلّ الثاني أقوى.

قوله : وليست بصريحة ، بل ظاهرة ، مع عدم الصحّة ، إلّا الأولى (٥).

الظهور يكفي في الأدلّة الشرعيّة من الآيات والأخبار ، ولا يشترط الصراحة ، ولعلّ الضعف منجبر بالشهرة.

__________________

(١) هاتان الحاشيتان ـ من قوله : إذا لم يكن البيع. إلى : يرجع ما ذكر إلى ما ذكرنا ، فتدبّر ـ أثبتناهما من : د ، ه.

(٢) إرشاد الأذهان : ١ ـ ٣٦٢ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٨٤.

(٣) أي : رواية عبد الملك بن عمرو : وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٣٤٣ الحديث ٢٢٧١٠ ورواية عبد الرحمن ابن أبي عبد الله : وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٣٤٢ الحديث ٢٢٧٠٩.

(٤) أي : صحيحة هشام بن سالم وابن مسكان : وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٣٤٨ الحديث ٢٢٧٢١.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٨٥ ، وفيه : ( ولكن ليست بصريحة .. ).

١٢٧

ثمّ الصحيحة (١) ظاهرة في التعذّر العرفي ، والثانية (٢) في تعسّر ما ، والثالثة (٣) في عدم اعتبار التعذّر ولا التعسّر ، ولعلّ عدم القول بالفصل يقتضي اتّحاد الحال في الكلّ ، وأنّ العدّ والوزن والكيل على حدّ سواء ، فتأمّل.

ويمكن حمل الثالثة ـ أيضا ـ على تعسّر ما ، لأنّ المتعارف عدم ارتكاب أمثال ذلك إلّا لتعسّر ، ولو كان قليلا ، فتأمّل.

قوله : الظاهر عدم الفرق ، فإنّ ما جزؤه مجهول مطلقا [ فهو مجهول ] .. إلى آخره (٤).

لا يخفى أنّ المجهوليّة لا تضرّ إلّا من جهة الغرر ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع الغرر (٥) ، لا عن المجهول. نعم ، الغرر لا يتحقّق إلّا من جهل البتّة ، إذ لو لم يكن جهل أصلا فلا معنى للقول بأنّه مغرور.

وأيضا ، الجاهل ـ من حيث هو هو ـ لا يصير مكلّفا ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن الغرر ، فيكون مكلّفا بترك المعاملة الّتي تكون معرضا للغرر ، والمعرض له إمّا مجهوليّة أصل العوض أو قدره ، أو حصولهما لكن لا مطلقا ، بل بحيث يعدّ في العرف وعند أهل الخبرة غررا ، ولذا لا عبرة بتفاوت المكاييل والموازين وأشباهها.

وممّا لا عبرة به جهل ما ليس مقصودا بالذات في المعاملة ، مثل : عروق الأشجار وأصول الأساطين وأمثالهما ، إذ لا شك في المجهوليّة وعدم العبرة بجهله

__________________

(١) أي : صحيحة هشام بن سالم وابن مسكان الآنفة الذكر.

(٢) أي رواية عبد الملك بن عمرو : مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٨٤ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٣٤٣ الحديث ٢٢٧١٠.

(٣) أي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله : مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٨٤ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٣٤٢ الحديث ٢٢٧٠٩.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٨٦.

(٥) لاحظ! عوالي اللآلي : ٢ ـ ٢٤٨ الحديث ١٧.

١٢٨

عند جميع أهل العرف وأهل الخبرة منهم ، فلا يمكن أن يقال : إنّ الجهل المذكور يوجب الغرر ، بل ذلك من البديهيّات.

فكيف يمكن دعوى عدم الفرق الّذي ذكره؟! وكيف يخفى الفرق على متأمّل ، فضلا عن دعوى ظهور عدمه؟! والله يعلم.

قوله : وفيه تأمّل ، إلّا أن يريد [ جعله شرطا خارجا عن المبيع ] .. إلى آخره (١).

فيه ، ما سنذكر في بيع الثمر قبل ظهوره فلاحظ! ولمّا كان جهل مثله غير مضرّ ، فلا مانع من اشتراطه أصلا ، فكونه جزءا أو خارجا شرطا صريحا أو لازم العقد ، لا ضرر فيه أصلا.

قوله : وقد جوّزوا بيعه مع مشاهدة الفأرة في المسك من دون مشاهدته وشمّه ، ولعلّه لإجماع أو نصّ .. إلى آخره (٢).

الظاهر أنّ الحكم بالصحّة بناء على أصل السلامة ـ كما أشار إليه في « شرح الشرائع » (٣) ـ وهو ظاهر أيضا ، وأنّ السلامة كافية للصحّة ، لعدم الغرر وفقدان الجهل بالنسبة إلى ما هو سالم ، ولا يشترط أزيد من هذا إذا وقع التراضي عليه ، وكذا لا سفاهة إذا كان كذلك (٤).

نعم ، لو أريد نوعا خاصّا من المسك فهو أمر آخر ، ولا بدّ من الاختبار حينئذ ، لتحقّق ما به التراضي ، فتأمّل.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٨٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٨٩ ، مع تقديم وتأخير في العبارة.

(٣) مسالك الأفهام : ١ ـ ١٤٠.

(٤) لم ترد ( كذلك ) في : ب.

١٢٩

قوله : وكذا لا يجوز النقيصة إلّا بالمراضاة ، فتأمّل .. إلى آخره (١).

وذلك لأنّ جواز الإندار إذا كان للمشتري خاصّة ، يكون على سبيل القهر ، من دون توقّف على التراضي ، كما هو مقتضى عباراتهم ، يعني عبارة كلّ من يقول هنا ولا يجوّز له الزيادة إلّا برضا البائع أو إلّا بالمرضاة ، أو يضمّ إلى ذلك ( قوله : وكذا لا يجوز النقيصة .. إلى آخره ) ، ومن جملتهم الشارح المورد ومن شاركه في هذا الإيراد ، ومثل المحقّق الشيخ علي (٢).

فلا شكّ أنّ جواز الإندار بالنقيصة للمشتري لا يكون موقوفا على التراضي ، لأنّ القدر الذي يحتمل الزيادة والنقيصة أزيد من قدر النقيصة قطعا ، فلا معنى لأن يكون للمشتري إندار القدر الزائد عن قدر النقيصة من دون توقّف على رضا البائع أصلا ، ولا يكون إندار ما هو أقلّ منه وأنقص منه إلّا برضا البائع ، مع أنّ معنى جواز الإندار أنّه يجوز عدم الإندار أيضا كلّا أو بعضا ، فالنقيصة مذكورة ضمنا والتزاما.

فإن قلت : لعلّ المورد لا يخصّص الإندار القهري ـ الّذي هو ما يحتمل الزيادة والنقيصة ـ بخصوص المشتري ، بل يجعله مشتركا بينه وبين البائع.

قلت : على هذا لا يستقيم قوله : ( ولا يجوز له إندار الزيادة إلّا برضا البائع ) (٣) ، وكذا قوله : ( ولا يجوز النقيصة إلّا بالمراضاة ) (٤) ، لأنّه إن جعل الإندار لهما معا فلا يستقيم إطلاق الكلامين معا ، بل لا بدّ أن يقول : الإندار إن وقع من المشتري فقط ففي الزيادة يتوقّف على رضا البائع فقط ، وإن كان من البائع فلا

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٩٠.

(٢) جامع المقاصد : ٤ ـ ١١٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٩٠.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٩٠.

١٣٠

يتوقّف على رضا المشتري أصلا ، لعين ما ذكرنا ، وفي جانب النقيصة نقول بعكس هذا. وإن وقع منهما معا ، فلا فرق بين ذلك القهري والزيادة والنقيصة أصلا ، لصحّة الكلّ ، فتأمّل.

على أنّا نقول : كون الإندار القهري مشتركا بينهما خلاف ما يظهر من عبارات من أورد الإيراد عليه ، ولعلّه لا يقول به ويخصّصه بالمشتري ـ كما هو ظاهر العبارة ـ فلا إيراد عليه ، لأنّ فتواه إنّما هو على حسب رأيه ، ومع ذلك هو في نفسه محلّ نظر ، لعدم دليل عليه ، لأنّ ما علّل به من قلّة التفاوت والتسامح لا يقتضي القهريّة ، لأنّ أحدا لا يتسلّط على أخذ مال الغير وإن كان قليلا غاية القلّة قهرا ، بل ولا يتسلّط على أخذ حبّة من حنطة ـ مثلا ـ ولا ذرّة من تراب ـ مثلا ـ وإن لم يكن مالا ، فضلا عن المال ، غاية ما ينفع تلك العلّة رفع ضرر الجهل والغبن والضرر والسفه بعد التراضي.

وأمّا رواية علي بن أبي حمزة (١) ، فمع الضعف ، عدم دلالتها واضح ، بل مقتضاها نفي الإندار القهري رأسا.

وأمّا رواية حيّان (٢) وإن لم تكن صحيحة أيضا ، إلّا أنّها منجبرة بعمل الأصحاب ، مضافا إلى أنّها موثّقة ، والموثّق حجّة على الأصحّ ، فمقتضاها حصول القهري للمشتري خاصّة ، لا يثبت منها أزيد من هذا.

ولا يمكن حملها على صورة التراضي ، لاتّفاق الطرفين على جواز الأخذ ، وإن كان يزيد ولا ينقص بعد رضا البائع ، بل الظاهر أنّه وفاقي بين كلّ الفقهاء ، فظهر منها أنّ الرواية إنّما هي في صورة عدم الرضا ، فتأمّل.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٣٦٦ الحديث ٢٢٧٦٠.

(٢) وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٣٦٧ الحديث ٢٢٧٦٣.

١٣١

ثمّ إنّ القهري يتوقّف على معرفة ما يحتمل الزيادة والنقيصة ولو بالظنّ ، فلو ظهر الخطأ بما لا يتسامح به ، فالظاهر وجوب الردّ إلى صاحب الحقّ فلو سمح به ولم يأخذه لم يجب على الآخر القبول.

نعم ، صيرورته ملكا له يتوقّف عليه ، وكذا الحال لو سمح بالإندار القهري وغيره.

ومجرّد الجواز لا يقتضي الملكيّة قهرا إن لم يندر ، والكلام في المقام إنّما هو في مجرّد الجواز ، فتأمّل.

قوله : ـ سؤال الراوي من المعصوم عليه‌السلام ـ « ويحسب لنا فيه نقصان لمكان الزقاق ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه .. » (١) .. إلى آخره (٢).

الظاهر أنّ الحساب من المباشر للوزن أو الكيل ـ أي الوزّان أو الكيّال ، كما هو المتعارف الآن في البلاد الكبيرة ، بل وغيره الكبيرة أيضا ـ لا من البائع ، فإنّه حينئذ يكون حلالا بالاتّفاق الظاهر من الأصحاب ، ولقولهم عليهم‌السلام : « الناس مسلّطون على أموالهم » (٣) ، وقولهم عليهم‌السلام : « لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا من طيب نفسه » (٤) ، فالظّاهر من هذه الرواية تداول الحساب وقهريّته ، والشارع صحّح ما كان يزيد وينقص لا ما يزيد ولا ينقص.

فالظاهر من هذه الرواية تداول الأعم ، ولذا صحّح الشرع البعض دون البعض والمتداول في زماننا الآن ـ أيضا ـ الأعم.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٣٦٧ الحديث ٢٢٧٦٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٩١.

(٣) عوالي اللآلي : ٢ ـ ١٣٨ الحديث ٣٨٣ و ٣ ـ ٢٠٨ الحديث ٤٩.

(٤) عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٢ الحديث ٩٨ و ٣ ـ ٤٧٣ الحديث ٣ ، مع اختلاف يسير.

١٣٢

ومن هذا يظهر وجه اشتراط كون ذلك عن تراض منكم في الرواية السابقة ، لأنّه عليه‌السلام ما استفصل في الجواب ، فلا معارضة بين الروايتين إلّا من جهة البأس في عموم المفهوم ، ولا يعارض المفهوم المنطوق ، فضلا عن عمومه ، مع إمكان حمل البأس على الكراهة وكون الأولى عدم الاكتفاء بالقهري.

قوله : وصحّتهما غير ظاهر ، والأصل يقتضي العدم .. إلى آخره (١).

لا يخفى أنّ ديدن الفقهاء العمل بمضمون هذا الخبر (٢) بهذا المضمون في مواقع كثيرة ، بل كلّ موقع كان من قبيل ما نحن فيه عملوا به ، فمجرّد الشهرة يجبر الضعف حتّى عند الشارح أيضا ، فضلا عن مثل هذه الشهرة.

وأمّا القاعدة (٣) ، فمعلوم أنّ القابض أقدم حين القبض والأخذ على أن يكون الضمان عليه ، فالتضمين ليس من جهة العقد الفاسد ـ الّذي هو بعينه كعدم العقد أصلا عند الشرع ـ بل من جهة القبض كذلك.

فإن قلت : الإقدام على الضمان إنّما هو من حيث اعتقاده أنّه ماله ، لا مطلقا ، فبعد ما ظهر أنّه ليس ماله فلا إقدام ولا رضي ، لأنّ ما رضي به لم يتحقّق ، وما يتحقّق لم يتحقّق له رضى به.

قلت : هذا وارد في إذن صاحب المال في أخذ ماله بل وأشد ، فإنّه لم يرض بأخذ ماله والتصرّف فيه وتسليط اليد عليه إلّا بأن يكون مال الأخذ والضمان

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٩٢.

(٢) أي خبر : « على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي » ، مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٩٢ ، عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٤ الحديث ١٠٦ و ٣٨٩ الحديث ٢ و ٢ ـ ٣٤٥ الحديث ١٠ و ٣ ـ ٢٤٦ الحديث ٢ و ٢٥١ الحديث ٣ ، مستدرك الوسائل : ١٧ ـ ٨٨ الحديث ٢٠٨١٩.

(٣) وهي قاعدة : ( كلّ عقد يضمن بصحيحة يضمن بفاسده ، وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ). راجع! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٩٢.

١٣٣

عليه ، وكون العوض ماله.

وقد ظهر أنّ الأمر لم يكن كذلك ، فلا رضا ، لأنّ ما رضي به لم يتحقّق وما تحقّق لم يكن ما رضي به ، فأخذ مال الغير بغير إذنه ورضاه غصب ، بل إذا أخذ برضا بعنوان الأمانة ثمّ نوى أن لا يعطيه يصير ضامنا به وبأمثاله ، بل وبأدون من ذلك أيضا.

والحاصل ، أنّ شائبة تغيّر ما اذن له يصير ضامنا ، فضلا عن مثل ما نحن فيه.

والحاصل ، أنّ الأمانة عبارة عن التماس صاحب المال من الأمين أن يحفظ ماله ، والحفظ ليس إلّا لمصلحة صاحب المال يسألها ويلتمسها ويجعل الأمين نائبا عن نفسه في التعب في المحافظة ، وهي إحسان من الأمين وتبرّع منه ، وليس الأمانة في العرف إلّا ما ذكر ، ولذا يحكم الفقهاء بالضمان في غير ذلك ، لأنّه خرج من عموم الحديث (١) خصوص الأمانة الشرعيّة والأمانة المالكيّة ، وبقي الباقي ، فتأمّل جدّا.

وسيجي‌ء عن الشارح في آخر بحث الرهن اعترافه بما ذكرنا في الجملة ، فلاحظ! وأمّا قاعدة الإقدام ، فإنّه أقدم على أن يكون العوض للمشتري والثمن له ، والمشتري أقدم بالعكس ، فكيف يجمعان بين العوض والمعوّض عنه جميعا؟! إذ للآخر أن يقول : أعطيتني العوض على أن يكون التلف من مالك والضمان عليك ، فكيف تجعل الضمان عليّ وتأخذ الثمن منّي؟ ردّ عليّ ما أخذت منّي وخذ مالك ، وإن لم يمكنك فعوضه ، كما مرّ الإشارة في البيع الفضولي ، فتأمّل جدّا.

__________________

(١) أى : حديث « على اليد ما أخذت حتّى تؤدّى » ، وقد مرّت الإشارة إلى مصادره آنفا.

١٣٤

قوله : وإن لم يكن بسبب البيع ، بل بسبب الإذن المفهوم مع البدل .. إلى آخره (١).

ما ذكره يحقّق كون الضمان على القابض ـ كما ذكره الفقهاء ـ لا على صاحب المال كما ادّعاه رحمه‌الله ، فدليله يثبت خلاف مطلوبه كما لا يخفى ، فالضمان على القابض ثبت منه.

ورجوع كلّ إلى عين ماله هو مقتضى فساد المعاملة ، إذ ليس معناه إلّا ذلك ، ويجتمع الضمان على القابض مع الفساد شرطا ، فتأمّل جدّا.

قوله : ويحتمل أعلى القيم كما في الغصب ، وهو بعيد .. إلى آخره (٢).

الّذي يظهر من كلامه في كتاب الغصب أنّ الغاصب أيضا لا يضمن القيمة السوقيّة إذا تفاوتت (٣).

فعلى هذا ، يكون أعلى القيم بالنظر إلى غير التفاوت السوقي ، بل يكون بالقياس إلى تفاوت أحوال المبيع ، وهذا هو الظاهر من القواعد أيضا ، بل وربما كان غيره من كتب الفقهاء أيضا ظاهرا فيه.

فعلى هذا ، لا شكّ في كون هذا الاحتمال هو الصواب ، لأنّ كلّ ما تلف تحت اليد يكون على اليد أن تؤدّيه إلى صاحبه ، سواء كان من الأعيان أو المنافع ، لكن لا خفاء في أنّ المراد من القيمة في كلامهم هو القيمة السّوقيّة ، فيكون المراد من القيمة يوم القبض القيمة السوقيّة ذلك اليوم ، وكذا المراد من القيمة يوم التلف ، فيكون أعلى القيم هو القيمة السوقيّة لا غير.

فعلى هذا ، يبعد هذا القول ـ كما ذكره الشارح ـ بل لا وجه له ، لأنّ الغاصب

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٩٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٩٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٢١.

١٣٥

يؤخذ بأشقّ الأحوال عندهم ، وهذا ليس بغاصب جزما ، وأمّا الزيادة الّتي وقعت في المبيع ولا تكون من فعل المشتري ، فهي من البائع جزما ، فعليه عوضها ، والنقيصة عليه أرشها ، وهما خارجان عن قيمة المبيع جزما ، ولذا يكونان على المشتري جزما ، على تقدير تسليم عين المبيع.

فعلى ما ذكر ، يكون الفرق بين القول بيوم القبض والقول بيوم التلف في غاية الوضوح ، فمن قال بقيمة يوم القبض يقول بعدم اعتبار تفاوت السعر السوقي بعده ، ومن قال بيوم التلف يقول بعدم اعتباره قبله وبعده أيضا ، وعدم اعتبار تفاوت السوق لا يلائم القول بأعلى القيم ، إلّا أن يقال : مراده الأعلى بالقياس إلى حالة المبيع ، لا تفاوت السوق كما أشرنا ، أو بعدم اعتباره بعد يوم التلف ، وهو بعيد.

في بيع الثمار

قوله : ولأنّه بيع معدوم ، غير معلوم ولا موصوف ، وليس معه شي‌ء .. إلى آخره (١).

المانع أمران :

الأوّل : معدوميّته ، لأنّ البائع إن أراد البيع الحال ـ كما هو مقتضى الإطلاق ، أو صرّح به ـ فليس شي‌ء ينتقل الآن إلى المشتري ، وإن أراد الانتقال بعد الوجود فالمدّة مجهولة ، وإن أراد السلف بأن يكون ذمّته حين العقد مشغولة فالفساد من وجهين : مجهوليّة المدّة ، واشتراط كون المبيع من شجرة معيّنة ، بل

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٩٦.

١٣٦

كون المبيع شخص الثمرة المعيّنة.

والأمر الثاني : أنّ المعدوم حين العقد مجهول الحصول ومجهول المقدار جزما ، ولو فرضنا حصول الظنّ بالحصول من مقتضى العادة ، وأنّ ذلك يكفي لدفع الغرر من جهة الحصول ، فالغرر من جهة المقدار موجود لا رافع له أصلا ، لعدم العادة في تعيين المقدار ، وقد مضى أنّ الرافع له المشاهدة أو الوصف أو الكيل والوزن.

وأمّا بيع مثل الخرطة والخرطات بعد ما وجد الخرطة الأولى ، وشوهدت ، فهو مبيع واحد ، ملفّق من الموجود والمعدوم ، والمجهول والمعلوم ، وبيع حالّ بالقياس إلى الموجود ، ولعلّه بالقياس إلى المعدوم أيضا حالّ بتعلّقه بالعهدة ، ولذا لو لم يأت المعدوم يأخذ ما بإزائه من الثمن من البائع ـ على ما هو الظاهر ومقتضى الأدلّة ـ وإن كان بعد الإقباض ، لأنّ القبض في مثله التخلية ، فلا غرر ، لأنّه حين العقد ظاهر الحصول ، بل جزء مبيع حصول بعضه يقيني موجود حين العقد ، وحصول الأبعاض متّصل بعضها ببعض مختبط ، وإذا لم يحصل فيأخذ ما بإزائه.

وجهل المدّة غرر في غير مثل الموضع ، لما عرفت من كون الغرر معنى عرفيّا ، والمجموع الّذي ابتداؤه من حين العقد ، وباقي الأجزاء مختبط الحصول متّصل الوجود إلى الآخر ، ليس فيه جهل المدّة ـ الّذي [ هو ] غرر عند أهل الخبرة والعقلاء والعرف ـ وكذا الحال في مقدار المعدوم ، فإنّ الظاهر عندهم كونه على حدّ متعارف عندهم بعد ملاحظة الخرطة الأولى ، بحيث لا يعدّون التفاوت المحتمل غررا.

وممّا ذكر ، ظهر أنّه لو كان الانتقال بالنسبة إلى المعدوم بعد وجوده لا يضرّ أيضا.

١٣٧

والحاصل ، أنّه لو كان فيه مخالفة الأصل في الجملة لا يضرّ بعد وجود النصّ المنجبر بعمل الأصحاب ، والله يعلم.

قوله : ويدلّ عليه ـ أيضا ـ بعض الروايات .. إلى آخره (١).

لا يخفى أنّ الأخبار متواترة في المنع.

قوله : وهو يحيى بن القاسم (٢) الواقفي أيضا .. إلى آخره (٣).

الحسن بن سماعة موثّق كالصحيح ، وعلي بن أبي حمزة ، ادّعى الشيخ إجماع الشيعة على العمل بروايته (٤) ، ويحيى بن القاسم ثقة غير واقفي (٥) ـ كما حقّق في محلّه ـ والقطع غير مضرّ ، لأنّ الرواية (٦) من كتابه ـ كما هو ظاهر ـ وكتابه معتمد عليه ، مع أنّ الضعف منجبر بعمل الأصحاب.

قوله : قال محمّد بن الحسن : الأصل في هذا [ أنّ الأحوط أن لا يشتري الثمرة سنة واحدة إلّا بعد أن يبدو صلاحها ] (٧).

لا يخفى أنّه فرّق بين تجويز البيع قبل بدوّ الصلاح وتجويزه قبل أن يوجد في حال العدم ، فلم يظهر مخالفة للإجماع ، وسيجي‌ء ما يعضد ذلك ، فتأمّل.

قوله : فان اشتريت فلا تشتر إلّا بعد أن يكون معها شي‌ء آخر ، فإن خاست كان رأس المال .. إلى آخره (٨).

لعلّ المراد : إن اشتريت قبل البدوّ وبعد الوجود في الجملة ، بقرينة قوله :

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٩٧.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( ابن أبي القاسم ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٩٧.

(٤) لاحظ! عدّة الأصول : ١ ـ ٣٨١.

(٥) لاحظ! رجال النجاشي : ٤٤١ الرقم ١١٨٧ ، ورجال العلّامة الحلّي : ٢٦٤.

(٦) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢١٤ الحديث ٢٣٥٢٢.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٩٨ ، عن : تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٨٨.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٩٨ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٨٨.

١٣٨

( فإن خاست كان رأس المال فيما بقي ) ولعلّ بطلان بيع المعدوم رأسا كان من المسلّمات الواضحات عنده بحيث لا يجعله محلّ توهّم فيه ، كما يظهر من ملاحظة كتب الفقهاء حتّى الشيخ ، كما لا يخفى على المطّلع.

ولذا لم ينسب أحد من الفقهاء إلى الشيخ ما نسبه إليه الشارح رحمه‌الله ، مع أنّهم لعلّه رووا ألف مرّة هذه العبارة من « التهذيب » ، ولم يشر أحد إلى خلاف من أحد ، مع أنّهم يذكرون القول الشاذّ شديد الشذوذ ، بل واحتمال خلاف (١) بأن يقولوا : لو كان كذا لكان في المسألة قولا آخر ، وربّما يذكرون المخالف للإجماع ، بل والمخالف للضرورة ، ومع ذلك اتّفق الكلّ في المقام كلّ الاتّفاق ، كما ذكرنا ، فإنّ عمله برواية ثعلبة (٢) يقتضي تجويزه بيع المعدوم بالمرّة على كراهة حتّى يطلع فيه شي‌ء.

قلت : فعلى هذا ، يلزم قوله بعدم الكراهة أصلا بعد طلوع شي‌ء منه ، مع أنّه صرّح بكراهة البيع قبل أن يبدو صلاحها ، وصرّح بذلك في صحيحة الحلبي (٣) الّتي عمل بها واستشهد بها (٤) ، فظهر أنّه فهم الروايتين على نهج واحد ، لأنّه قال : ( وكذلك ذكر ثعلبة .. إلى آخره ) (٥).

فظهر أنّه فهم من « الطلوع » بدو الصلاح ، كما فهم من رواية يعقوب أيضا.

__________________

(١) في د ، ه : ( خلافه ).

(٢) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٨٦ الحديث ٣٦٦ ، الاستبصار : ٣ ـ ٨٨ الحديث ٣٠١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٠٩ الحديث ٢٣٥١١.

(٣) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٨٥ الحديث ٣٦٤ ، الاستبصار : ٣ ـ ٨٧ الحديث ٢٩٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢١٠ الحديث ٢٣٥١٢.

(٤) لاحظ : تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٨٨ الاستبصار : ٣ ـ ٨٨.

(٥) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٨٨ الاستبصار : ٣ ـ ٨٨ ، وعنهما : مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٩٨.

١٣٩

على أنّا نقول : مجرّد الاحتمال كاف ، بل ولو كان مرجوحا ، لما عرفت.

مع أنّ أمثال هذه الاضطرابات غير عزيز في كلام الشيخ ، إن لم يبن الأمر على أمثال ما ذكرنا ، وبعد البناء لا اضطراب ، وكذلك الحال في كلام غيره من الفقهاء.

قوله : ولكن قال في آخرها : « وسئل عن الرجل يشتري الثمرة المسمّاة من أرض فتهلك ثمرة تلك الأرض كلّها .. » .. إلى آخره (١).

لا يخفى ، أنّ الظاهر منه بيع الكلّي المشترط كون المبيع من أرض كذا ، فلا مخالفة بين صدرها وآخرها ، ولا مخالفة بين الروايات أصلا ، لأنّ المستفاد من رواية ثعلبة أيضا المنع ، فإنّ الشيخ والشارح سلّما المنع فيها ، لكن بالنسبة إلى ذلك العام بعينه دون غيره من الأعوام ، وظاهر أنّ عام الخصومة وقع شراؤهم وقعد النخل ، ولذا كانوا يتخاصمون ، وسائر الأعوام لم يقع نهي منه عليه‌السلام فيها كما قالا.

فأيّ معنى للقول بأنّ نهيه كان لذلك العام بعينه ، مع أنّه غير خفي منعه (٢) في سائر الأعوام أيضا كما يظهر من كثير من الأخبار والإجماعات وفتاوي باقي الفقهاء حتّى الشيخ والشارح أيضا؟! فلعلّ ضمير « لم يحرّمه » راجع إلى بيع ثمر النخل ، لأنّ ابن مسلم سأله عمّا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في النخل ، فأجاب بما أجاب.

فالظاهر ، أنّ أمثال هذه السؤالات منهم لأجل الخصومة مع العامّة ، كما صرّح به المحقّقون ، وحيث لم يسأل إلّا عمّا قاله الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يناسب في الجواب إلّا ما ذكرنا ، كما لا يخفى على المتأمّل.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٩٩ ، وفيه ذكر لرواية الحلبي المشار إليها في الهامش المرقّم ٣ من الصفحة ١٣٩.

(٢) في ب : ( نهى من بيعه ) بدلا من ( غير خفي منعه ).

١٤٠