حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

والظاهر أنّ مرادهم غير النادر ، ولهذا قال في « الدروس » ما قال (١).

وغير خفيّ أنّ المتداول المشهور في زمان الصادق عليه‌السلام مذهب مالك وشركائه ، ولعلّ قولهم بعدم ضرر النادر لأنّه كالمعدوم (٢) ، وأنّه لا يكاد يتحقّق صيد خال عنه ، وأنّ المتبادر من قوله تعالى ( أَمْسَكْنَ ) (٣) هو هذا ، وكذلك الأخبار (٤) ، فتأمّل! ومن هذا جمع الشيخ بين الأخبار بحمل ما دلّ على الحلّية مع الأكل على النادر (٥) ، حتّى لا يخالف طريقة الشيعة أيضا.

قوله : وهذه صحيحة وصريحة في عدم اشتراط الأكل مطلقا ، وأنّه مذهب العامّة .. إلى آخره (٦).

فيه تأمّل ، إذ ربّما يفعلون تقيّة ، وفي المقام شواهد ذكرناها في « حاشيتنا على المفاتيح ».

والحاصل ، أنّ القائل بعدم الحلّية إنّما قال من جهة القواعد الّتي أئمّتنا عليهم‌السلام أمروا بمراعاتها ـ مثل قولهم عليهم‌السلام : « لا تنقضوا اليقين إلّا باليقين » (٧) ـ والعمل بظاهر القرآن ، فإنّ قوله تعالى ( أَمْسَكْنَ ) ليس لغوا بحتا وجوده كعدمه ، وفي

__________________

(١) الدروس الشرعيّة : ٢ ـ ٣٩٣ ، مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣٣.

(٢) في ألف : ( كالعدم ).

(٣) المائدة ٥ : ٤.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٣٣ الباب ٢ من أبواب الصيد.

(٥) تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٢٨ ذيل الحديث ١١١.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣٥ ، وفيه إشارة إلى رواية حكم بن حكيم : الكافي : ٦ ـ ٢٠٣ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٣٣ الحديث ٢٩٦٧١.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٤٥ الحديث ٦٣١.

٦٤١

الأخبار المتواترة أمروا بالأخذ بما وافق القرآن ، بل بما هو أوفق به (١) ، ومع ذلك لعلّ المشهور عند الشيعة ذلك وعند العامّة ـ في ذلك الزمان ، كما عرفت ـ خلافه.

مع أنّهم في الأخبار المتواترة أمروا بالأخذ بما اشتهر بين الشيعة (٢) ، وورد أيضا في التواتر الأمر بترك ما عمله العامّة (٣) ، وأمروا كذلك بالتجنّب عن الشبهات ، وسلوك طريق الاحتياط مهما أمكن (٤). إلى غير ذلك.

ومع جميع ذلك ، كيف يمنعون عن الأكل ، ويقولون بأنّه مذكّاة حتّى يقول به : « أو ليس قد جامعوكم؟ » ، ويقول الراوي : « بلى » (٥).

سلّمنا ، لكن على هذا أيّ حاجة إلى الردّ عليهم بالقياس الواضح الفساد ، فإنّ القياس مع الفارق ليس عند أحد بالبديهة ، سيّما وأن لا يكون مناسبة أصلا بين المقيس والمقيس عليه ، فإنّ منعهم عن الأكل ليس إلّا من جهة أنّه أمسك على نفسه ، والله تعالى قال ( أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) (٦) ، وأيّ مناسبة لذلك في ذبح الرجل بشي‌ء يقاس عليه ، سيّما مع قولهم بوقوع التذكية في القتل وأنّه يكفي للتذكية ، كما قال عليه‌السلام وقال الراوي ، إذ فيه تصريح بأنّ التذكية لا دخل لها في المقام ، بل المانع ليس إلّا عدم الإمساك للصائد ، كما هو صريح كلامهم (٧).

ومن بديهيّات الدين عدم اعتبار إمساك الكلب في ذبح الرجل ، بل من

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ١٠٦ الأحاديث ٣٣٣٣٤ و ٣٣٣٤٣ و ٣٣٣٤٤ ـ ٣٣٣٤٩ و ٣٣٣٥١ و ٣٣٣٥٢.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ١٠٦ الحديث ٣٣٣٣٤ و ١٢٢ الحديث ٣٣٣٧٦.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ١١٨ الأحاديث ٣٣٣٦٢ ـ ٣٣٣٦٧.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ١٥٤ الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي.

(٥) مرّت الإشارة إليه في رواية حكم بن حكيم.

(٦) المائدة ٥ : ٤.

(٧) لاحظ! مختلف الشيعة : ٢ ـ ٦٨٩.

٦٤٢

بديهيّات العقل أيضا ، فإنّ الأطفال ، بل المجانين يجزمون بأنّ إمساك الصائد لا ربط له ـ أصلا ، ومن جميع الوجوه ـ بذبح الرجل في التذكية ، لا في الصيد.

فإن قلت : إذا كانوا قائلين بحصول التذكية بمجرّد القتل يلزمهم القول بالحلّية من جهة الأصول والعمومات.

قلت : على تقدير التسليم ، فالحجّة عليهم ليست سوى الأصول والعمومات ، لا ما لا ربط له (١) أصلا ، بل كان قياسا مع الجامع ، كان القول به والعمل به حراما ، فأيّ داع إلى ارتكابه ، مع الأدلّة الواضحة المسلّمة الّتي لا يمكن لأحد أن يتأمّل فيها ، ولم يتأمّل أحد فيها؟! مع أنّه بديهيّ إنّ منعهم ليس إلّا من ظاهر القرآن (٢) ، وصريح الأخبار الواردة عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام ، مثل ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لعديّ بن حاتم حين سأله : إنّي أرسل الكلاب المعلّمة؟ : « إن أكل فلا تأكل ، فإنّه أمسكه على نفسه » (٣) ، وفي حديث آخر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فإذا أرسلته فقتل ولم يأكل فكل ، فإنّه أمسك على صاحبه » (٤). إلى غير ذلك من الأخبار الصريحة في المنع.

قوله : وأنّه مذهب العامّة ، ومن جملة ما حمل الشيخ في كتابي الأخبار غيرها ممّا ورد فيه ذلك على التقيّة .. إلى آخره (٥).

صرّح السيّد رحمه‌الله بكون مذهب الشيعة أنّه إن ندر أكله حلّ وإلّا حرم ، وأنّ

__________________

(١) كذا ، والظاهر أنّ الصواب : ( لأنّ ما لا ربط له ).

(٢) إشارة إلى : المائدة ٥ : ٤.

(٣) الخلاف : ٣ ـ ٢٤٤.

(٤) الخلاف : ٣ ـ ٢٤٤.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣٥.

٦٤٣

هذا مما انفرد به الإماميّة (١) ، والشيخ في « الخلاف » ادّعى هذا الإجماع (٢) ، بل ادّعى غير واحد الإجماع من الشيعة على الحرمة (٣) ، فكيف يكون عدم الاشتراط مذهب العامّة؟! وظهر ممّا ذكرناه أنّ المشهور المتداول في زمان الصادق عليه‌السلام ليس إلّا مذهب مالك ونظرائه ، فتعيّن حمل هذه الصحيحة (٤) على التقيّة ، كما سنذكر.

في أحكام الاصطياد

قوله : لأنّه مكلّب .. إلى آخره (٥).

فيه إشارة إلى أنّ التعليم لا يجب أن يكون من مسلم.

قوله : لعلّ فيه إشارة إلى كون التعليم [ هو التسمية ] .. إلى آخره (٦).

ليس كذلك ، بل إشارة إلى أنّ المكلّب فيه مأخوذ فيه المعلّمية.

قوله : في رواية القاسم بن سليمان المتقدّمة .. إلى آخره (٧).

ليس فيها شهادة عليه مطلقا.

قوله : وأيضا يحتمل كونه مع إصابة الآلة الصيد ، وظاهره عام ، ثمّ

__________________

(١) لاحظ! الانتصار : ١٨٥.

(٢) الخلاف : ٣ ـ ٢٤٤.

(٣) لاحظ! مختلف الشيعة : ٢ ـ ٦٨٩.

(٤) أي : صحيحة حكم بن حكيم آنفة الذكر.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣٨ ، وهو من رواية سليمان بن خالد ، وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٦٠ الحديث ٢٩٧٤٦.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣٩.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣٩ ، وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٥٧ الحديث ٢٩٧٣٨.

٦٤٤

الوجوب غير ظاهر [ الدليل ] .. إلى آخره (١).

هذا الاحتمال لعلّه أولى وأقرب بملاحظة فتواه في « القواعد » (٢) وغيره في غيره ، مثل « المسالك » (٣) ، وبملاحظة علّة هذا الوجوب ، وهي درك التذكية من نفسه إن أدرك حيّا ، وحصول التذكية ـ أي العلم بها وبالحلّية ـ إن أدرك غير حيّ ، بالتفصيل الّذي [ مرّ ].

فالوجوب من جهة أنّه فرع قوله : ( فإن أدرك .. إلى آخره ) (٤) ظهر وجهه وعلّته ودليله ، وأنّه وجوب شرطي.

مع احتمال كونه شرعيّا أيضا ، من جهة تحريم تضييع المال ، فتأمّل جدّا!

قوله : إذ الأصل عدم الوجوب ، وتركه في ظاهر الأدلّة من الآية (٥) والأخبار (٦) مشعر به .. إلى آخره (٧).

من نازع؟ وكيف يتأتّى له المنازعة ، مع القطع بأصالة عدم التذكية والتحريم والنجاسة والمنجّسية ، ما لم يثبت التذكية من دليل شرعي ، وليس إلّا فيما ذكروه ، لانحصار الإجماع ، وعدم تحقّق آية أو حديث صحيح واضح الدلالة في العموم الّذي ذكره؟! بل الأخبار منها : مطلقة ، والمطلق ينصرف إلى الغالب ، والغالب أنّ الصيّادين يسارعون وإن لم يكونوا مسلمين ، بل المتبادر منها ليس إلّا ما ذكرنا.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٤٨.

(٢) قواعد الأحكام : ٢ ـ ١٥١.

(٣) مسالك الأفهام : ٢ ـ ١٧٩.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٤٩ ـ المتن ـ ، إرشاد الأذهان : ٢ ـ ١٠٤.

(٥) المائدة ٥ : ٤.

(٦) وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٤٠ الباب ٤ من أبواب الصيد.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٤٩.

٦٤٥

ومنها : ما دلّ على المنع ، مثل رواية عيسى بن عبد الله ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « كل من صيد الكلب ما لم يغب عنك ، فإذا تغيّب عنك فدعه » (١).

وصحيحة الفضلاء عن الصادقين عليهما‌السلام قالا في الكلب يرسله الرجل ويسمّي ، قال : « إن أخذه فأدركت ذكاته فذكّه » (٢) ، والمتبادر من لفظ « فأدركت ذكاته فذكّه » تحقّق المنازعة من جهة كلمة « إدراك » ، وكلمة « الفاء » في الموضعين ، ولما ذكرناه ، ولقوله بعد ذلك : « وإن أدركته وقد قتله وأكل فكل ما بقي ، ولا ترون [ ما يرون ] في الكلب ».

وقويّة يونس بن يعقوب ، أنّه قال للصادق عليه‌السلام : « عن رجل أرسل كلبه فأدركه وقد قتل ، قال : كل » (٣).

والمرسلة عن الصادق عليه‌السلام : « إن أرسلت كلبك على شي‌ء فأدركته ولم يكن معك حديدة ، فدع الكلب يقتله وكل » (٤).

وفي « قرب الاسناد » ، في الصحيح ، عن عليّ بن جعفر ، عن رجل لحق صيدا ـ ظبيا أو حمارا ـ فصرعه بضرب السيف أنّه : « [ إذا ] أدرك ذكاته أكل ، وإن مات قبل أن يغب عنه أكله » (٥).

إلى غير ذلك من الأخبار.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٢٩ الحديث ١١٧ ، وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٥٩ الحديث ٢٩٧٤٥.

(٢) الكافي : ٦ ـ ٢٠٢ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٣٤ الحديث ٢٩٦٧٢ ، مع اختلاف يسير.

(٣) الكافي : ٦ ـ ٢٠٤ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٢٣ الحديث ٩٢ ، وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٣٤ الحديث ٢٩٦٧٤.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ٢٠٥ الحديث ٩٣٤ ، وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٤٨ الحديث ٢٩٧١٢ ، مع اختلاف يسير.

(٥) قرب الاسناد : ٢٧٨ الحديث ١١٠٧.

٦٤٦

مع أنّ الآية والأخبار المتضمّنة لإمساك الكلب واشتراطه ظاهرة أيضا ، لظهور أنّ الكلب لا يمسك كيف كان ، وأزيد من القدر الّذي صاحبه يسعى إليه ويسارع ، سيّما ويكون الشرط أن لا يأكل ، كما هو المشهور ، بل المجمع عليه ، كما عرفت.

نعم ، بعض الأخبار ظاهر في عدم تعرّض السائل لحكاية المسارعة وعدمها (١) ، لعدم كون ذلك مدّ نظره أصلا ، وأي يتبع فيه (٢).

نعم ، في غير واحد من الأخبار في الصيد بالسلاح : إنّ « من جرح صيدا بسلاح وذكر اسم الله عليه ، ثمّ بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع ، وقد علم أنّ سلاحه هو الّذي قتله ، فليأكل منه » (٣).

وفي الصحيح عن الصادق عليه‌السلام : إنّ الرميّة يجدها صاحبها. : « إن كان يعلم أنّ رميته هي الّتي قتلته ، فليأكل » (٤).

ويمكن حمل الكلّ على تحقّق المسارعة ، أو اليأس وإدراكها صارعة ، فتأمّل! والظاهر عدم المضايقة في الحلّية بعد العلم بالتذكية.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٣٣ الباب ٢ من أبواب الصيد.

(٢) كذا.

(٣) الكافي : ٦ ـ ٢١٠ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٦٢ الحديث ٢٩٧٥٠.

(٤) الكافي : ٦ ـ ٢١٠ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٦٥ الحديث ٢٩٧٦٠.

٦٤٧

الذبح

في أركان الذبح

قوله : وأمّا الإجماع فقد تقدّم (١).

بل الظاهر أنّ التحريم كان شعار الشيعة يعرفون به ، كما أنّ التحليل شعار العامّة.

قوله : مثل موثّقة سماعة ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ، قال : « سألته عن ذبيحة اليهودي والنصراني ، فقال : لا تقربها » .. إلى آخره (٢).

سماعة وإن قيل : إنّه واقفي (٣) ، إلّا أنّ أهل الرجال قالوا : ثقة ثقة (٤) ، وهو ممّن أجمعت (٥) ، والنجاشي حكم بكونه من الباب (٦) ، ولا يشكّ في عدم وقفه ، لموته في زمان الكاظم عليه‌السلام ، ولروايته الروايات المنافية للوقف ، ولغير ذلك ممّا

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٧١.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٧٣ ، الكافي : ٦ ـ ٢٣٩ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٥٥ الحديث ٢٩٩٧٥.

(٣) رجال الطوسي : ٣٥١ الرقم ٤.

(٤) رجال العلّامة الحلّي : ٢٢٨ الرقم ١.

(٥) لاحظ! عدّة الأصول : ٣٨١.

(٦) لم يرد هذا التعبير في رجال النجاشي : ١٩٣ ، ولكن ورد في جوابات أهل الموصل ـ للشيخ المفيد ـ أنّ سماعة من الأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام. جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية : ٢٥.

٦٤٨

حقّقته في الرجال (١) ، فحديثه صحيح بلا شبهة.

على أنّ الموثّق حجّة ، سيّما المنجبرة بجوابر كثيرة ، الّتي من جملتها الشهرة بين الأصحاب ، بل الأخيرة تكفي في انجبار الضعيف ، فضلا عن الموثّق ، فضلا عن ما ذكرنا.

قوله : ولكن الأولى أكثر ، مثل رواية حمران ، قال : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول ـ في ذبيحة الناصب واليهودي والنصراني ـ : لا تأكل ذبيحته حتّى تسمعه يذكر اسم الله ، قلت : المجوسي؟ [ فقال : ] نعم ، إذا سمعته يذكر اسم الله عليه ، أما سمعت قول الله ( وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ )؟ .. إلى آخره (٢).

ومع ذلك موافقة للشهرة بين الأصحاب ، وقد أمرونا بأخذ مثلها (٣) ـ ويدلّ عليه العقل أيضا ـ ومخالفة للعامّة (٤) ، والأخبار متواترة في وجوب أخذ مثلها (٥) ، متعاضدة بالنقل والشهرة بين الأصحاب ، وموافقة لظاهر الكتاب (٦) ، والأخبار في أخذ مثلها أيضا متواترة (٧) ، متعاضدة بما ذكرنا.

والأخبار المعارضة لهذه الأخبار على خلاف هذه الأخبار ، بحيث طرحها من وجوه متعدّدة مذكورة وغيرها ، مثل : تضمّنها حلّية ذبيحة لم يتحقّق في ذبيحها شرط من الشرائط الواجبة المسلّمة المتّفق عليها ، والثابتة من الأدلّة

__________________

(١) تعليقات على منهج المقال : ١٧٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٧٥ ، ورواية حمران في : تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٦٨ الحديث ٢٨٧ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٦١ الحديث ٢٩٩٩٧ ، والآية في : الأنعام ٦ : ١٢١.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ١٠٦ الحديث ٣٣٣٣٤.

(٤) المغني لابن قدامة : ٩ ـ ٣١٣ المسألة ٧٧٥٢.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٦) لاحظ! الأنعام ٦ : ١٢١.

(٧) لاحظ! الكافي : ١ ـ ٦٩ الأحاديث ١ ـ ٥.

٦٤٩

الكثيرة الصحيحة والمعتبرة ، لأنّ اليهود والنصارى والمجوس لا يراعون الشرائط المذكورة ، لا يراعون التسمية ، ولا استقبال القبلة ، ولا فري الأوداج الأربعة على النهج المعتبر عندنا ، سيّما النصارى والمجوس ، بل يقتلون بضرب مثل الفأس العظيم على رأس الذبيحة حتّى تقع ويسلمون (١) ويأكلون ، وبأمثال هذا يكون ذبيحة المجوس.

فهذه الأخبار الموافقة للعامّة والتقيّة ، معارضة لجميع أدلّة شرائط الذبح ، بل بأدلّة نفس الذبح (٢) ، وكلّ واحد ممّا ذكرنا يكفي لمنع العمل بها ، فما ظنّك باجتماع الكلّ؟! بل الظاهر أنّ مستحلّ ذبيحة اليهود والنصارى والمجوس يشترط ما في الشرائط الوفاقيّة الثابتة من الأدلّة الّتي لا غبار عليها أصلا.

قوله : أو يحمل الأوّل على الكراهة (٣) ، ولكنّه مذهب نادر .. إلى آخره (٤).

لا يخفى أنّ ما ذكرنا من المضعّفات والموجبات للطرح وارد على أدلّة مذهب الصدوق أيضا.

قوله : لأنّ كثرة الأخبار لا توجب ردّ القليل إلّا مع عدم إمكان الجمع ، وقد عرفت الإمكان ، وأيضا نقل شخص رواية لم يرو أنّه منافية للأولى (٥) بحسب الظاهر لا يستلزم ردّ الأخيرة ، بل ولا ردّ شي‌ء منهما ، وهو ظاهر .. إلى آخره (٦).

لا يخفى فساد ما ذكره رحمه‌الله ، لأنّ الأئمّة عليهم‌السلام أمرونا في الأخبار المتعارضة

__________________

(١) كذا ، والظاهر أنّ الصواب : ( ويسلخون ).

(٢) لاحظ! الدروس الشرعيّة : ٢ ـ ٤١٠ ـ ٤١٤.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( على الكراهة ، للجمع .. ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٧٩.

(٥) كذا ، وفي المصدر : ( رواية ثمّ رواية منافية للأولى ).

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٨٠.

٦٥٠

بحسب الظاهر بمراعاة المرجّحات ، والأخذ بالراجح وترك المرجوح ، أمرونا بمراعاة الأعدليّة والأفقهيّة والأشهريّة ، وموافقيّة الكتاب ، والشهرة بين الأصحاب ، ومخالفة العامّة. إلى غير ذلك (١).

وورد ما ذكرناه بأجمعه منهم ، وكثير منها ورد في كثير من الأخبار ، بل وربّما ورد في الأخبار المتواترة الخارجة عن حدّ الإحصاء ، بل المخالفة للعامّة والموافقة للكتاب ، ولم يأمروا قط بالجمع بين الأخبار ، ولا كان ذلك طريقة فقهائنا إلى آخر زمان الشيخ ، فأحدث رحمه‌الله هذه الطريقة ، لا لأجل الفتوى والعمل ، بل لرجوع الهارون (٢) وأمثاله ، ولذا لم يكن جمعه فتواه ، إلّا ما شذّ ، وكان طريقة الشيخ رحمه‌الله مسلوكة إلى زمان المتأخّرين إلى زمان الشارح ، فإنّهم كانوا يرجّحون بالمرجّحات ويفتون بالراجح البتّة ، ويجعلون المرجوح الموهوم متروكا به ـ كما أمرهم المعصوم عليه‌السلام ـ إلّا أنّهم ربّما يجمعون بين المرجوح الموهوم ، والراجح ـ الّذي هو حجّة ـ بضرب من التوجيه ، حتّى يوافق غير الحجّة الحجّة ، ويقولون : الجمع أولى من الطرح.

وهذا أيضا لا بأس به ، كما حقّقنا في رسالتنا في « الجمع بين الأخبار » ، وما ذكر في غير العام والخاص والمطلق والمقيّد ، وأمّا العام والخاص والمطلق والمقيّد ، فقد ذكرنا حالها بطول وتحقيق ، وبينّا أيضا وجه حجّية الجمع في موضع يكون حجّة ، وبينّا أقسام الجمع وما هو حجّة وما ليس بحجّة ، من أراد الاطّلاع فعليه بملاحظتها (٣).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٢) كذا ، وفي تهذيب الأحكام : ( أبو الحسين الهاروني العلوي ). تهذيب الأحكام : ١ ـ ٢.

(٣) الرسائل الأصوليّة : ٣ ـ ٢٢٩.

٦٥١

ومن جملة ما هو حجّة ، ما يكون لوجه الجمع شاهد من الحديث ، كما ظهر في المقام من أنّ الوجه هو التقيّة ، مع أنّ هو الوجوه (١) واضح من الخارج قطعا ، ودلّ عليه العقل والنقل المتواتر وطريقة الشيعة ، فأيّ خفاء فيما ذكر؟!

قوله : ويمكن حملها على الكراهة ، لما تقدّم ، وحمل الضرورة على المشقّة في الجملة ، لا مثل حلّ الميتة (٢) ، فتأمّل .. إلى آخره (٣).

لا يضرّ ذلك للقول بالتقيّة ، لأنّ العامّة ، وإن لم يقولوا بالاشتراط (٤) ، إلّا أنّ الآية (٥) لمّا دلّت على اشتراط التسمية ـ بحيث لا يمكن ردّ دلالتها ـ فلم يكن للأئمّة عليهم‌السلام مانع عن اعتبارها لذلك ، فإنّهم كانوا فقهاء عندهم مع مقام الفقاهة إن قالوا كذلك ـ تقريبا للحقّ مهما أمكن ـ لم يكن له مانع ، وكم من نظائر ذلك صدرت عنهم عليهم‌السلام.

مع أنّ المعنى التقيّة في زمانهم وعدمها ، لا في أمثال زماننا ، ففي زمانهم لم يكن مانع عن اعتبار التسمية ، بل كان المانع منحصرا في المنع عن ذبيحتهم.

قوله : فصحيح ابن أبي عقيل (٦) ، عن محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ذبيحة من دان بكلمة الإسلام [ و ] صام وصلّى ، لكم حلال إذا ذكر اسم الله عليه » .. إلى آخره (٧).

يمكن أن يكون في زمان أمير المؤمنين عليه‌السلام كان الأمر كذلك من جهة التقيّة ،

__________________

(١) كذا ، والظاهر أنّ الصواب : ( مع أنّه هذا وجه .. ).

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( لا مثل حال حلّ الميتة ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٨١.

(٤) لاحظ! المجموع شرح المهذب : ٩ ـ ٧٨.

(٥) الأنعام ٦ : ١٢١.

(٦) كذا ، وفي المصادر : ( ابن عقيل ).

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٨٢ ، تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٧١ الحديث ٣٠٠ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٦٦ الحديث ٣٠٠١٣.

٦٥٢

أو عدم وجود إماميّ المذهب يذبح ، فيلزم الحرج في الدين لو اعتبر الإيمان في ذلك الزمان ، ولذا لم يعتبر في ذلك الزمان الإيمان في موضع ثبت اعتباره ، مثل الشهادة وأمثالها ، فتأمّل جدّا!

قوله : وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « سألته عن ذبيحة المرجئي والحروري ، قال : كلّ وقرّ واستقرّ حتّى يكون ما يكون » ، لعلّ فيها إشارة إلى التقيّة ، فتأمّل .. إلى آخره (١).

هذه الصحيحة ، لتضمّنها حلّية ذبيحة الحروري ـ الّذي هو من النواصب ـ تكون شاذّة ، لم يقل أحد بها ، فيجب طرحها أو تأويلها ، والظاهر أنّها محمولة على التقيّة ، كما ينادي به قول : « قرّ واستقرّ » ، فإنّه صريح في أنّها معيوبة ممنوعة ، إذ لا يقال في الحلال : قرّ واستقرّ ، لعدم عيب فيه ، سيّما وأن يقول : « حتّى يكون ما يكون » (٢) ، فإنّه صريح في أنّ عدم المنع عارضي من جهة التقيّة ، أو لزوم العسر في الاحتراز بعدم تيسّر ذبيحة المؤمن أصلا أو غالبا.

ومن هذا قال لزكريّا بن آدم : « أنهاك .. إلى آخره » (٣) ، لأنّ أهل قم ما كانوا مبتلين بذبيحة المخالف أصلا حتّى يتحقّق لهم التقيّة أو عسر رفع اليد عن الأكل ، لأنّ ذبيحتهم كلّها كانت من الشيعة.

ويدلّ على ما ذكرنا ـ أيضا ـ رواية أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام : « عن الرجل يشتري اللحم من السوق وعنده من يذبح ويبيع من إخوانه فيتعمّد

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٨٣ ، والرواية : تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٧٢ الحديث ٣٠٥ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٦٨ الحديث ٣٠٠٢٠.

(٢) في النسخ : ( عمل يكون ما يكون ) ، والظاهر أنّ ما أثبتناه هو الصواب.

(٣) تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٧٠ الحديث ٢٩٨ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٦٧ الحديث ٣٠٠١٧.

٦٥٣

الشراء من القصّاب (١) ، فقال : أيّ شي‌ء تسألني (٢) أن أقول؟! ما يأكل إلّا مثل الميتة والدم ولحم الخنزير ، قلت : سبحان الله ، مثل الميتة والدم (٣) ولحم الخنزير؟! فقال : نعم ، وأعظم عند الله من ذلك ، فقال (٤) : إنّ هذا في قلبه على المؤمنين مرض » (٥) ، فإنّ [ في ] هذا الحديث ينادي بما ذكرناه سؤال الراوي ، فضلا عن جواب المعصوم عليه‌السلام.

وممّا يدلّ على ما دلّ ، ما ورد في الأخبار الّتي لا تحصى من أنّهم كفّار ، ونصّاب ، فإن كان الإطلاق على سبيل الحقيقة فهو ، وإن كان مجازا فأقرب المجازات متعيّن ، وهو المشاركة في جميع الأحكام إلّا ما أخرجه الدليل ، سيّما مع ظهور ذلك من الأخبار كما عرفت ، فتأمّل!

قوله : وأمّا تحريم ذبيحة المجنون والصبي الغير المميّز [ فلعدم الشرط ] .. إلى آخره (٦).

لا ظهور لما ذكره ، إذ المتبادر من الأدلّة عدم كون القتل من الكافر بعد جعل المسلم إيّاه في حكم المذبوح.

قوله : وما في روايتي عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمتين : « إذا فرى الأوداج ، فلا بأس بذلك » (٧) ، وأنت تعلم ما فيه ، إذ قد يعلم الحلّ بغيره أيضا من عموم صدق الذبح ونحوه ، كما ستسمع ، والشهرة ليست بحجّة (٨).

قال ابن المفلح رحمه‌الله في شرحه على « الشرائع » :

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( النصّاب ).

(٢) في النسخ : ( سألني ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( مثل الدم والميتة ).

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( ثمّ قال ).

(٥) تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٧١ الحديث ٣٠٣ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٦٧ الحديث ٣٠٠١٦.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٨٦.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٩١ ـ ٩٢ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٨ الحديث ٢٩٨٥٠.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٩٥ ـ ٩٦.

٦٥٤

( واشترط في « المبسوط » (١) و « الخلاف » (٢) قطع الأعضاء الأربعة ، وانعقد عليه الإجماع ، فلو بقي من أحد الأعضاء ولو بمقدار شعرة لم تحلّ الذبيحة ) (٣). انتهى.

قوله : وروايتا عبد الرحمن (٤) ليستا بحجّتين ، إذ قد يكون المراد من الأوداج : الودجين فقط ، وإن سلّم أنّه قد يطلق على كلّ واحد [ ودج ] ، فمجموع الأربعة أوداج ، وأنّه ورد ذلك في اللغة ، إلّا أنّها ليست بصريحة في ذلك .. إلى آخره (٥).

لا يخفى أنّ الروايتين مع صحّة سند إحداهما واعتبار سند الأخرى منجبرتان بالشهرة ، وكون المراد من الأوداج الودجين ـ مع كونه خلاف الظاهر ـ خلاف ما يظهر من صحيحة الشحّام (٦) من اعتبار قطع الحلقوم أيضا ، مع أنّ القول منحصر في : قطع الأوداج الأربعة ، والاكتفاء بقطع الحلقوم. وحيث يظهر ضعف الثاني ـ كما ستعرف ـ ينحصر في الأوّل ، لعدم قول آخر.

مع أنّ دلالة الأخبار لا يجب أن تكون صريحة ، بل الظهور يكفي ـ سيّما مع ما عرفت ـ وخصوصا بملاحظة كون التذكية شرطا في الحلّية ، والشكّ في الشرط يوجب الشكّ في المشروط.

ولعلّ المتبادر من شقّ الأوداج ـ على الإطلاق ـ قطعها ، ويشهد على ذلك

__________________

(١) المبسوط : ٦ ـ ٢٥٩.

(٢) الخلاف : ٣ ـ ٢٤٨ المسألة ٢١ والمسألة ٢٤.

(٣) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : غير مطبوع.

(٤) مرّت الإشارة إليهما آنفا.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٩٦.

(٦) الكافي : ٦ ـ ٢٢٨ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٩ الحديث ٢٩٨٥٢.

٦٥٥

صحيحة الشحّام ، ولا معارضة بينها وبينهما (١) ـ كما ستعرف ـ وأيضا العمومات الدالّة على الذبح تعيّن ما ذكر ، لأنّ المتعارف في الذبح هو القطع ، والإطلاق منصرف إلى المتعارف.

قوله : قال في « القاموس » : ( فرى يفري شقّه فاسدا أو صالحا. تفرى : انشقّ ) (٢) ، فلا يفهم منه القطع [ بالكليّة ] ـ كما هو المدّعى والمشهور ـ وهو ظاهر ، وكأنّه إلى ذلك أشار في « الشرائع » بقوله : ( المشهور ) (٣) ، فتأمّل (٤).

يمكن أن يقال : مجرّد الشقّ لا يكفي ، وفاقا من الكلّ ، ولأنّ لفظ الشقّ ينصرف إلى المتعارف الشائع وولي الكامل (٥) ، فتأمّل. وكذا الكلام في خروج الدم.

قوله : ويمكن أن يكون قطع الحلقوم كافيا مع العلم بأنّه مات به بخروج الدم ونحوه .. إلى آخره (٦).

لا يخفى أنّ صحيحتي عبد الرحمن ـ مع انجبارها بالشهرة ـ موافقة للعمومات الدالّة على الذبح ، فإنّ المتعارف تحقّق الذبح بفري الأوداج وقطعها ، ولا يكتفى بقطع خصوص الحلقوم ، بل العمدة في الذبح قطع الودجين ، وخروج الروح بطريق الذبح منحصر في قطعهما على أيّ حال ، وأنّه لو لم يقطعا لا يتحقّق الموت ـ عادة ـ إلّا بعد مدّة مديدة ، على قياس ما إذا وقع جرح تحت الحلقوم أو

__________________

(١) أي : لا معارضة بين صحيحة الشحّام وروايتي عبد الرحمن المتقدّمتين.

(٢) القاموس المحيط : ٤ ـ ٣٧٦ ، مع اختلاف يسير.

(٣) شرائع الإسلام : ٣ ـ ٢٠٥.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٩٦.

(٥) كذا في النسخ ، والظاهر أنّ المراد : التتابع الكامل ، لأنّ معنى والى : تابع. لاحظ : لسان العرب : ١٥ ـ ٤١٢ ، الصحاح ٦ ـ ٢٥٣٠.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٩٦.

٦٥٦

موضع آخر يوجب هلاك الحيوان بعد مدّة ، وعند الذبّاحين أنّ الودجين موضع الروح ، والروح فيهما ، وما لم يقطعا لم يتحقّق التذكية والذبح ، إلّا أن يكون يفعل بالحيوان ما يصير سببا لهلاكه بعد مدّة.

ولعلّ ما ذكر لا يخفى على من له أدنى اطّلاع وتأمّل.

وأيضا ، دلالة الصحيحتين المنجبرتين بالفتاوي والشهرة ، الّتي كادت تكون إجماعا ، بل ربّما لا يبقى تأمّل في كونها إجماعا بملاحظة ما ذكرنا وسنذكر ، وأنّ المدار في الأعصار والأمصار على قطع الأدواج البتّة ، وأنّ الذبح عرفا لا يتحقّق إلّا به ، وأصالة عدم التذكية وعدم الحلّية ، وغير ذلك ، دلالتهما على اشتراط قطع الأوداج في غاية الظهور ، لأنّ المعصوم عليه‌السلام جعل فري الأوداج شرطا للحلّية بصريح عبارته.

وأمّا صحيحة الشحّام ، فلا دلالة فيها على كون فري الأوداج غير شرط في الحلّية ـ كما لا يخفى ـ بل أقصى ما تدلّ على أنّ غير الحديد إذا كان بحيث يقطع الحلقوم ويجري الدم يكون صالحا للتذكية عند تعذّر الحديد.

وذكر الحلقوم مبنيّ على أنّ غيره من الأوداج في غاية السهولة من الانقطاع ، وبأدنى شي‌ء ينقطع ، بخلاف الحلقوم ، فإذا كان الشي‌ء قاطعا للحلقوم يكون قاطعا لغيره من الأوداج بطريق أولى البتّة ، ولا كذلك العكس ، إذ ربّما كان الشي‌ء يقطع غير الحلقوم منها ولا يقطع الحلقوم.

وأيضا الودجان محيطان بالحلقوم والمري‌ء ، ولعلّ المري‌ء مؤخّر عن الحلقوم ، فانقطاع الحلقوم مع عدم انقطاع غيره من الأوداج ممّا لا يتحقّق ـ بحسب عادة الذبّاحين في الذبح ـ بل لا يتيسّر الذبح المتعارف إلّا قطع الكلّ عند قطع الحلقوم ، كما أنّه لا يمكن قطع الحلقوم بدون قطع الجلدة الّتي على الحلقوم ، واللحم

٦٥٧

والعروق الّتي تكون تحت الجلدة وفوق الحلقوم عادة ، فلو كان أدخل السكّين من طرف الحلق وقطع الحلقوم بحيث لم ينقطع جلد العنق أصلا ، وكذا اللحم والعروق الّتي تحت ذلك الجلد صدق أنّه قطع الحلقوم ، ولا شكّ في أنّه ليس بذبح ، ولا يقال : إنّه ذبح البتّة ، ومعلوم أنّه ليس مراد المعصوم عليه‌السلام.

وكذلك حال الودجين ، وعرفت أنّ الإطلاق ينصرف إلى المتعارف ، وعرفت أنّ المتعارف لا يتحقّق قطع الحلقوم بدون قطع الأوداج الباقية.

على أنّه على تقدير وجود دلالة فيها ، فلا ريب في كونها في غاية الضعف ، لا تصلح لمقاومة دلالة الصحيحتين ، فضلا عن كونها أقوى منها ، فتأمّل جدّا! على أنّ الحلقوم هو الحلق ـ على ما في « القاموس » (١) ـ لا مجرى النفس ، على أنّ إطلاقه على الحلق لا شبهة فيه ، فلا يتحقّق التعارض والمقاومة.

على أنّه ورد في الأخبار أنّ : « النحر في اللبّة ، والذبح في الحلقوم » (٢) فظاهرها كون الحلقوم هو الحلق ـ كما قلنا ـ ، والعلماء والفقهاء ذكروا في تفسير قوله تعالى ( فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ) (٣) أنّ المراد هو الحلق (٤) ، وأخبارهم يكشف بعضها عن بعض.

فليس في الصحيحة (٥) دلالة على كفاية قطع مجرى النفس خاصّة حتّى يكون التعارض والتقاوم حاصلا منها ، فضلا أن يغلب على حسنة عبد الرحمن

__________________

(١) القاموس المحيط : ٤ ـ ١٠١.

(٢) الكافي : ٦ ـ ٢٢٨ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٢ الحديث ٢٩٨٥٩ ، وفيها ( الحلق ) بدلا من : ( الحلقوم ).

(٣) الواقعة (٥٦) : ٨٣.

(٤) لاحظ! تفسير روح البيان : ٩ ـ ٣٣٩.

(٥) في النسخ : ( في الصحّة ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

٦٥٨

وأمثالها.

قوله : قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : النحر في اللبّة ، والذبح في الحلقوم » ، وحسنة صفوان ، قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن ذبح البقر [ من المنحر ] ، فقال : لا (١) ، للبقر الذبح ، وما نحر فليس بذكي » (٢) (٣).

في « الكافي » : « الحلق » بدل « الحلقوم » ، والمراد من الحلقوم الحلق ـ كما عرفت ـ سيّما في المقام ، جمعا بين النسختين ، ولأنّه لا معنى لإرادة مجرى النفس في مقابل اللبّة ، لأنّ مجرى النفس ممتدّ إلى اللبّة.

وكيف [ كان ] ، يظهر من هذه الحسنة كالصحيحة كون الذبح تحت اللحية ، كما وقع التصريح في كلام الفقهاء (٤).

ويدلّ عليه أيضا صحيحة ابن مسلم عن الباقر عليه‌السلام الّتي مرّت في استقبال القبلة في الذبح ، إذ في آخرها : « لا تأكل من ذبيحة لم تذبح من مذبحها » (٥) ، والإضافة تفيد العهد ، والمعهود هو ما تحت اللحية ، لأنّه المعروف الشائع المتعارف ـ عرفا ، وعند الذبّاحين ـ حتّى أنّ الأطفال إذا أطلقوا الذبح يريدون ما تحت اللحية ، كما هو المتبادر من العرف.

مع أنّ الظاهر من الذبح كونه في العنق البتّة ، فالذبح الّذي لا يكون من المذبح ما يكون في العنق ولم يكن من المذبح ، فتعيّن كونه تحت اللحية.

__________________

(١) لم ترد : ( لا ) في كلّ من : الكافي ، وتهذيب الأحكام ، ووسائل الشيعة.

(٢) الكافي : ٦ ـ ٢٢٨ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٥٣ الحديث ٢١٨ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٤ الحديث ٢٩٨٦٢.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٩٨ ، وما بين المعقوفتين أثبتناه من المصادر.

(٤) تحرير الأحكام : ٢ ـ ١٥٨ ، الدروس : ٢ ـ ٤١٢.

(٥) الكافي : ٦ ـ ٢٢٩ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ١٥ الحديث ٢٩٨٦٦.

٦٥٩

وأيضا ، يظهر من اللحية [ في ] اللغة وعرف الناس ، حيث يطلقون الذبح على الوجع الّذي يكون تحت اللحية وفي الحلق ، وكذا الذباح ، والذابح ميسم يسم على الحلق بعرض العنق ، وشعر ينبت بين النصل والمذبح (١) ، كذا في « القاموس » (٢).

والنصل : متّصل الرأس من العنق تحت اللحية (٣). إلى غير ذلك.

ومن ذلك ، الإشارة إلى ما تحت اللحية إذا أرادوا الذبح ـ كما يظهر من الأخبار (٤) ـ أيضا ، وأيضا المتبادر من لفظ الرأس الّذي قطع بالذبح في الأخبار هو الرأس الخالي عن الرقبة وعن بعض الرقبة ، كما لا يخفى.

وبالجملة ، الشواهد كثيرة ، مع أنّ الأصل عدم التذكية حتّى تثبت ، وسيجي‌ء [ أنّه ] شرط ، والشكّ في الشرط يوجب الشكّ في المشروط.

قوله : [ إلى القبلة ، وجهه إليها ] ويمكن أن يحصل ذلك بالمذبح فقط .. إلى آخره (٥).

بعيد ، بل ظاهر الأخبار مجموع الذبيحة (٦) ، كما لا يخفى.

قوله : وأمّا إذا لم يسمّ ، فالظاهر أنّه إن ترك عمدا حرم ، للآية (٧) والأخبار (٨) ، وجهلا ونسيانا حلّ ، للأخبار .. إلى آخره (٩).

لم نجد من الأخبار ما يدلّ على معذوريّة الجاهل في المقام وحلّية ذبيحته ،

__________________

(١) كذا ، وفي القاموس : ( بين النصيل والمذبح ).

(٢) القاموس المحيط : ١ ـ ٢٢٨.

(٣) كذا في النسخ ، والظاهر أنّ الصحيح : ( النصل : مفصل ما بين العنق والرأس تحت اللحيين ). لاحظ! القاموس المحيط : ٤ ـ ٥٩ ، لسان العرب : ١١ ـ ٦٦٥.

(٤) لاحظ! مستدرك الوسائل : ٧ ـ ١٠٦ الحديث ٧٧٦٦ و ١٢ ـ ٢٠٢ الحديث ١٣٨٨٣.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١١٤.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٧ الباب ١٤ من أبواب الذبائح.

(٧) الأنعام ٦ : ١٢١.

(٨) وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٩ الباب ١٥ من أبواب الذبائح.

(٩) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١١٦.

٦٦٠