حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

آخره (١).

لا يخفى أنّ الدين يكون كليّا مشاعا ، والأصل بقاؤه كذلك شرعا حتّى يثبت صيرورته جزئيّا ومفروضا ومختصّا حصّة كلّ واحد منهما بصاحبه ثبوتا تامّا لازما لا تزلزل فيه أصلا ، يثبت كلّ واحد ممّا ذكر بالدليل الشرعي ، ويكون كذلك شرعا ، والمثبت هو الإجماع والخبر.

ولا إجماع هنا قطعا ـ لو لم نقل بالإجماع على خلافه كما نقل (٢) ـ والإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة عند فقهائنا.

وأمّا الخبر ، فلم يوجد خبر يدلّ ، بل الأخبار المتعدّدة المستفيضة تدلّ على خلافه (٣) كالإجماع ، والأخبار منجبرة بعمل الأصحاب ، فتأمّل!

قوله : [ فإنّ المسألة من مشكلات الفنّ ] ، فإنّ الحكم غير موافق لقاعدة العقل ، ولا تدلّ عليه الروايات مع ضعفها .. إلى آخره (٤).

لم نجد للعقل هنا قاعدة ثابتة ظاهرة ، مع أنّ قاعدة الاستصحاب تقتضي عدم صحّة القسمة ، لأنّ الصحّة حكم شرعي يتوقّف على دليل شرعي وليس ، بل الأدلّة الشرعيّة على خلافها كما أشرنا ، وضعف السند إن كان فغير مضرّ بعد الانجبار.

والظاهر من الروايات عدم صحّة القسمة ، لا عدم لزومها (٥) ، إذ لا خفاء

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٠٧.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٠٦.

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٧٠ الحديث ٢٣٨٧٢ و ٤٣٥ الباب ١٣ من أبواب كتاب الضمان و ١٩ ـ ١٢ الباب ٦ من أبواب كتاب الشركة.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢١٠.

(٥) مرّت الإشارة إلى الروايات.

٥٤١

في أنّ ظاهرها عدم تأثير القسمة لا أنّه يجوز لهما فسخ القسمة ، والظاهر منها أيضا عدم مدخليّة تلف البعض ، والعبرة بعموم الجواب ، لا خصوص السؤال ، وعموم الجواب واضح على المتأمّل ، ولذا فهم الأصحاب العموم.

مع أنّه إذا رضي الشريكان بأن يأكل كلّ واحد منهما قدرا من الدين ، فلا شبهة في الحلّية والإباحة ، كما أنّه إذا رضي أحدهما أن يأكل الآخر كلّه يكون حلالا أيضا ، لكن ليس هذا قسمة شرعيّة ، بل أكل مال بطيب نفس صاحبه ، فتأمّل جدّا.

وما نقل عن ابن إدريس (١) لا ينافي كون المسألة إجماعيّة ، لأنّ خروجه غير مضرّ ، فتأمّل.

في القسمة

قوله : [ ويراد به هنا ما لا يتضرّر بقسمته ] ، وهو بعيد ، فتأمّل. فمع عدم الضرر يجبر الممتنع على القسمة مطلقا .. إلى آخره (٢).

لعلّه لا بعد فيه ، بل هذا هو الظاهر ، بل الظاهر عدم تحقّق ضرر معتدّ به بحيث يقاوم ضرر عدم القسمة الحاصل للشريك غالبا.

والحاصل ، أنّ ضرر عدم القسمة ضرر متعارف شائع معتدّ به ، وأمّا ضرر القسمة في المثلي فمن الفروض النادرة غاية الندرة ـ لو لم نقل : إنّه مجرّد فرض ـ وبعد تحقّق الضرر فليس بضرر معتدّ به عند العقلاء بحيث يعدّ ضررا عندهم ،

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٠٥.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢١٧.

٥٤٢

سيّما وأن يقاوم ضرر العدم ويغلب عليه ، ولذا أفتى الفقهاء على سبيل الإطلاق (١) ، فتأمّل!

__________________

(١) لاحظ! مفتاح الكرامة : ١٠ ـ ١٨٣.

٥٤٣

المضاربة

قوله : [ وله أحكام خاصّة ] ، والفرض عدم وجودها من المالك ، وقصدوا كلّا من العامل (١) .. إلى آخره (٢).

إذا كان المال باقيا على حاله ، فلا شبهة في أنّ النماء يكون ملكا لصاحب العين ، وبمجرّد جعله للغير قبل وجوده لا يتحقّق النقل إلى الغير وصيرورته ملكا له ، لأنّ النقل يحتاج إلى ناقل شرعي ، ومجرّد الوعدة ليس من النواقل الشرعيّة ، وليس هذا من العقود المملّكة.

فلعلّ المراد أنّه إذا جعلا الربح للعامل بحيث يكون له شرعا ، لا يكون إلّا بأن كان المال دينا وقرضا ، والربح والخسران عليه.

مع أنّه يظهر من الأخبار أنّه إذا جعل الخسران على شخص فالربح له (٣) ، فإذا كان المال باقيا على ملك صاحبه فأيّ معنى لكون خسران مال شخص على شخص آخر ـ كما قال به الشارح في مسألة الشركة (٤) ـ وكون الربح والخسران تابعين لرأس المال أم لا؟! فتأمّل! على أنّ المال لا يبقى بعينه في المعاملات حتّى يكون مال المالك ، فإنّ الظاهر أنّ المالك إذا جعل كلّ الربح للعامل لا يريد أنّ العامل يشتري بهذا المال للمالك

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( من المالك وقصده ، وكذا من العامل ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٢٧.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٢٢ الحديثين ٢٤٠٧٠ و ٢٤٠٧١.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٩٨ ـ ١٩٩.

٥٤٤

ويبيع أيضا للمالك ، بل يريد أن يشتري ويبيع العامل لنفسه ويأخذ الربح ويردّ رأس المال ، وهذا بعينه معنى القرض ، فتأمّل.

على أنّه على فرض أن يريد من العامل أن يجعل معاملاته للمالك ، يشتري له ويبيع له ـ مع بعده في نفسه غاية البعد ـ معلوم أنّ العامل إذا اشترى للمالك يصير المبيع ملك المالك ، وهو وكيل المالك في الشراء ، وبعد ما يبيعه للمالك بالوكالة يصير مجموع الثمن مال المالك.

وهكذا في كلّ معاملاته إلى آخرها يصير مجموع الربح مال المالك بسبب سؤال المالك وإرادته ، ورضا العامل وإيقاعه المعاملات كذلك ، فأراد المالك أن يكون الربح الحاصل لنفسه لا للعامل وجعل الربح لنفسه لا للعامل ، فإذا أراد أن يكون ، بعد ما جعل الربح لنفسه ، أن يكون للعامل ، فمع ما فيه من الحزازة والاستبعاد وكونه خلاف ظاهر كلام العلّامة (١) ، معلوم أنّه لا ناقل ـ بحسب الشرع ـ ينقله إلى ملك العامل ، ومجرّد الوعد يكون ناقلا بعد سؤاله أن يجعله لنفسه ، وتأكيده في ذلك لا يخفى فساده على من له أدنى تأمّل ، فتأمّل!

قوله : وفي محمّد بن عيسى كلام ، وهما (٢) مشتركان .. إلى آخره (٣).

مجرّد كون كلام فيهما لا يضرّ ، إذ لا يسلم جليل عن كلام ، وكذا الكلام في أبان ـ كما حقّقناه في الرجال (٤) ـ مع أنّ أمثال هذه الروايات منجبرة بعمل الأصحاب وغيره.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢٢٩.

(٢) يعني : أبان ويحيى المذكورين في سند رواية الحلبي : وسائل الشيعة : ١٩ ـ ١٦ الحديث ٢٤٠٥١.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٢٨.

(٤) تعليقات على منهج المقال : ١٧ ـ ١٩ و ٣١٣ ـ ٣١٤.

٥٤٥

قوله : في « التهذيب » عن النوفلي ، عن السكوني ، وهما ليسا بموثّقين .. إلى آخره (١).

الشيخ في « العدّة » صرّح بكون السكوني هذا ثقة ، وادّعى أيضا إجماع الشيعة على العمل برواياته وكونها حجّة (٢) ، واختار جدّي العلّامة المجلسي رحمه‌الله كونه إماميّا أيضا ، لكون رواياته في الغالب مخالفة للعامّة موافقة للخاصّة ، وأنّه لا يكاد يخلو باب من أبواب الفقه إلّا وهو روى عن الأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ رواية فيه (٣).

مع أنّ الرواية المذكورة منجبرة بعمل الأصحاب ، بل الإجماع أيضا ، فتأمّل!

قوله : فإمّا أن يشتري بالعين أو في الذمّة ، بمعنى أن يقصدوا أداءه (٤) من مال المضاربة ، فتأمّل ، إذ قد لا يفهم ويتلف قبل الأداء .. إلى آخره (٥).

الفهم حاصل ، لقضاء العرف والعادة ، وكون غالب المعاملات على الذمّة ، ولم يرد في خبر من الأخبار المتعدّدة الكثيرة ما يشير إلى اشتراط ذلك ، والإطلاقات والعمومات تقتضي الصحّة ، والتلف قبل الأداء من الفروض البعيدة ، لا يضرّ بعد ظهور الإرادة ، وكون الإطلاق منصرفا إلى المتعارف ، وعدم شرط وقيد ، على أنّه يجوز أن تكون الصحّة دائرة مع البقاء والأداء ، فتأمّل!

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٣٥ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ١٩٥ الحديث ٤٢٨ و ٧ ـ ١٩٢ الحديث ٨٤٨.

(٢) عدّة الأصول : ١ ـ ٣٨٠.

(٣) روضة المتّقين : ١٤ ـ ٥٩.

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( بمعنى أن يقصد الان أداءه ).

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٤٥.

٥٤٦

وسيجي‌ء عند ذكر قول المصنّف : ( ولو اشترى العامل .. إلى آخره ) التصريح بأنّه إن اشترى في ذمّة المالك يصحّ ويلزمه العوض (١) ، وذكر الفقهاء أنّه يصير ذلك مضاربة وداخلا في مضاربة ، وذكروا أمثال ذلك كثيرا ، فلاحظ « شرح القواعد » (٢) وغيره (٣) ، حتّى يظهر لك.

على أنّه يجوز أن يصير جعالة بشروط المضاربة ، فيصحّ ويلزم ، وإن ذكروا المضاربة بعد ما يظهر أنّ مراد الطرفين ليس إلّا ثمرات المضاربة ، فتأمّل!.

قوله : فإن كان هذا صحيحا فلا إشكال في النقرة وإلّا فإشكال .. إلى آخره (٤).

الإجماع المنقول بخبر الواحد العادل حجّة ، كما حقّق في محلّه ، والقول بأنّه خبر مرسل فلا يكون حجّة أثبتنا بطلانه في « الفوائد » ، وغيرها (٥).

قوله : مثل ( أَوْفُوا ) (٦) ، و « المسلمون عند شروطهم » (٧) ، وتسلّط الناس على أموالهم (٨) .. إلى آخره (٩).

الاستدلال بالأدلّة الثلاثة فاسد ، لأنّ المقام من العقود الجائزة ، ولأنّ

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٦٥ ، وفيه عبارة المصنّف هكذا : ( وإن اشترى في الذمّة بالإذن ) ، راجع : إرشاد الأذهان : ١ ـ ٤٣٦.

(٢) جامع المقاصد : ٨ ـ ٩٣.

(٣) مفتاح الكرامة : ٧ ـ ٤٦٢.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٤٧.

(٥) الفوائد الحائريّة : ٣٠٠ ـ ٣٠٧ و ٣٨٧ ـ ٣٨٩ ، الرسائل الأصوليّة : ٢٩٢ ـ ٣٠٢.

(٦) المائدة ٥ : ١.

(٧) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٦ الأحاديث ٢٣٠٤٠ و ٢٣٠٤١ و ٢٣٠٤٤.

(٨) لاحظ! عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢ الحديث ٩٩ و ٤٥٧ الحديث ١٩٨ و ٢ ـ ١٣٨ الحديث ٣٨٣ و ٣ ـ ٢٠٨ الحديث ٤٩.

(٩) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٤٨.

٥٤٧

« المسلمون عند شروطهم » محمول على الاستحباب ، وتسلّط الناس على أموالهم يقتضي إباحة تصرّفاتهم لا النقل وغيره من الثمرات الشرعيّة ، ومرّ الكلام مفصّلا في مبحث الشركة (١) ، فلاحظ!

قوله : وإن كان فيها ربح فله ، للمضارب أن يطأها؟ قال : نعم .. إلى آخره (٢).

يظهر منه أنّها ليست داخلة في مال المضاربة ، لأنّ مال المضاربة يكون الربح فيه بينهما ، فيكون الحديث دالّا على التحليل من قول صاحب الجارية : « تكون معك » ، فالظاهر أنّه ظاهر فيه ، وأنّه لا حاجة فيه إلى أزيد من ذلك من الإيجاب والقبول ، فتأمّل!

قوله : وإن لم يكن هناك ربح ، قال الشيخ رحمه‌الله يجب على العامل جبايته أيضا .. إلى آخره (٣).

مقتضى عقد المضاربة أنّ العامل عليه العمل في التجارة فقط ، ومع ذلك عليه ذلك العمل ما دام مضاربا وكائنا تحت العقد ، لا مطلقا ، إذ بعد العقد وانفساخه وزواله هو والأجنبي سواء ، كما أنّ الحال حال عدم العقد ، وحال بعد انفساخه وزواله سواء ، وعدم العقد أوّلا وانعدامه ثانيا لا تفاوت بينهما بالنظر إلى القواعد.

اللهم إلّا أن يكون دليل شرعي يقتضي الفرق ، ومن الدليل الشرعي : أن يكون عادة ينصرف الإطلاق إليها ولم يتحقّق من الشرع مانع عنها ، فتأمّل!

__________________

(١) مرّ في الصفحات : ٥٣٧ ـ ٥٣٩ من هذا الكتاب.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٦١ ، وهو من رواية الكاهلي : وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٢٧ الحديث ٢٤٠٧٨.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٦٦ ـ ٢٦٧.

٥٤٨

الوديعة

قوله : وقد يمنع اشتراط اللفظ في القبول مع كونه عقدا ، وقد فهم جواز كونه فعلا .. إلى آخره (١).

قد مرّ في كتاب البيع منّا كلام يمكن تحقيق أمثال المقام منه ، فلاحظ (٢)! مع أنّ الإذن لا يحتاج تأثيره إلى قبول أصلا ، لا فعلا ولا قولا ، إذ صحّة التصرّف تحصل بمجرّد الإذن ، بخلاف أن لو كانت عقدا ، إذ الصحّة حينئذ تتوقّف على القبول ، فلو لم يقبل الإيجاب لم يصحّ تصرّفه ، من باب الأمانة المالكيّة الشرعيّة ، والمالك لم يأذن إلّا بعنوان هذه الأمانة ، فتأمّل.

وأيضا ، لو كان عقدا ، فبمجرّد الفسخ ينفسخ ، والرضا بعد الفسخ لا ينفع في تحقّق الأمانة الشرعيّة المالكيّة ، بل يكون أمانة شرعيّة صرفة ، وحكمها غير حكم الأمانة المالكيّة.

وإن كان مجرّد الإذن ، فبعد وجود الإذن من المالك تتحقّق الأمانة ، فسخ الودعي أم لم يفسخ ، إذ فسخه لا عبرة به أصلا ، بل العبرة بعدم تغيّر رأي المالك ، وعدم رفعه إذنه.

وأيضا ، يظهر الثمر لو حلف أن لا يعقد أو أن يعقد عقدا.

وأيضا ، ربّما يظهر الإذن من الفحوى بالأخذ والحفظ من دون إظهار من

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٧٢.

(٢) راجع الصفحة : ٧١ من هذا الكتاب.

٥٤٩

المالك أصلا ، فإذا أخذ وحفظ من جهة الفحوى خاصّة ، لا يقال : إنّه ودعي ، وإنّ المال وديعة عنده ، ولم يجر فيه أحكام الوديعة عندهم ، كما هو الظاهر ، ولا دلّ عليه دليل ، وعموم « على اليد » (١) شامل من غير مخرج ، ومرّ منّا في كتاب البيع زيادة التحقيق ، فلاحظ!

قوله : فمع القبول تحصل الوديعة ، لما مرّ .. إلى آخره (٢).

حصول الوديعة بمجرّد هذا لا يخلو عن إشكال ، لما عرفت في الحاشية السابقة ، فتأمّل!

قوله : ولكن (٣) بأجرة ليتمّ به المعاش ، كما في سائر الأمور .. إلى آخره (٤).

الأمر كما ذكره رحمه‌الله ، إلّا أنّه ربّما لا يتمكّن من الأجرة أيضا ، وهو أيضا نوع اضطرار ، فيجب ـ حينئذ ـ بذل الأجرة بالوجوب الكفائي أو الحفظ ، فلا أجرة (٥) ، وربّما يصل الأمر إلى أنّه لا يكون باذل لها ، فيتعيّن الحفظ بلا أجرة ، والحال في الواجبات الكفائيّة ـ بل العينيّة أيضا ـ كذلك.

لا يقال : يمكن أن يشغل (٦) ذمّته بالأجرة إلى أن يرزقه الله إيّاها ، لأنّا نقول : يمكن أن لا يتحقّق أجير يرضى بهذا ، أو يحصل العلم العادي بعدم حصول الأجرة له ، على أنّه ربّما كان ذلك حرجا ، والحفظ ليس فيه حرج ، فتأمّل جدّا! ولعلّه إلى ما ذكرنا أشار بقوله : ( دائما ) في قوله : ( بلا عوض دائما ) (٧) ،

__________________

(١) عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٤ الحديث ١٠٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٧٤.

(٣) لم ترد ( ولكن ) في المصدر.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٧٥.

(٥) في ب : ( أو الحفظ بلا أجرة ).

(٦) في ألف ، ب ، ه : ( يشتغل ).

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٧٥.

٥٥٠

وبقوله : ( فتأمّل ) (١) إلى أنّه لم يظهر منه دعوى الدوام ، بل لا تأمّل في أنّ مراده رحمه‌الله في الجملة وفي بعض الصور ، ولذا قال : ( وربّما تعذّر ذلك ) (٢) ، فتأمّل!

قوله : فيضمن القابض مطلقا فرّط أو لم يفرّط ، فلا يخرج عن الضمان .. إلى آخره (٣).

وذلك لأنّ كون المال في يد الصبي والمجنون في محلّ التضييع ، فيجب حفظه ، كما لو أطار الريح ثوبا إلى بيته ، فيجب عليه إعلام الولي وردّه عليه ، فلو لم يعلم يصير ضامنا مطلقا ، أمّا مع الإعلام وعدم تقصير أصلا لا في الحفظ ولا في الإعلام والردّ ولا في الأخذ عن الصبي والمجنون ، فالحكم بالضمان مع عدم التفريط مطلقا محلّ نظر ظاهر ، اللهم إلّا أن تكون العبارة سقيمة.

قوله : والظاهر أنّه لا ينبغي هنا الحكم بالضمان .. إلى آخره (٤).

في مبحث الحجر اختار ضمان السفيه ، بالعلّة الّتي ذكرها هاهنا (٥) ، وأجبنا عنها هناك (٦) ، فلاحظ!

قوله : وظاهر كلامهم عدم الوجوب .. إلى آخره (٧).

قد مرّ الكلام في مبحث المفلّس ، وأنّ الظاهر أنّ الحقّ مع الأصحاب (٨) ، فلاحظ!

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٧٥.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٧٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٧٦.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٧٧.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢١٢.

(٦) لاحظ! الصفحة : ٣٨٥ من هذا الكتاب.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٧٨ ، وفيه : ( وظاهر كلام البعض عدم الوجوب ).

(٨) لاحظ! الصفحة : ٤٠٣ من هذا الكتاب.

٥٥١

قوله : [ على ما يقتضي العرف حفظه ] مثل تلك الوديعة ، بأن يحفظ الدراهم في الصندوق .. إلى آخره (١).

لأنّ الوديعة استنابة في الحفظ ، فإطلاقها ينصرف إلى العرف ، فالمراد منها الحفظ على ما يعدّ عرفا حفظه ، كما هو الحال في موضوعات الأحكام ، والمدار على اصطلاح المتعاقدين إن لم يكن موافقا للعرف العام ، أو لم يكن فيه عرف عام.

قوله : لا خفاء في أنّ هذا الكلام يدلّ على أنّ مجرّد المخالفة ليس بسبب للضمان .. إلى آخره (٢).

لا شكّ في أنّه يدلّ على أنّ المخالفة تضرّ وتوجب الضمان ، إلّا أن يكون محسنا ، و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (٣) ، فإنّ المالك إذا قال : لا تحفظه في حرز بل اتركه في محلّ التضييع وبنحو لا يؤمن من التلف ولا وثوق بالحفظ ، وهو حفظه عن التلف ووضعه في حرز وضبطه أشدّ ضبط ، فلا شكّ في أنّه محسن عرفا وواقعا ، وصادق أنّه حفظ للمالك واستوثق له وضبط واحتاط لأجله ، ويصدق عليه أنّه أمين عرفا وودعي ومستودع كذلك ، مع أنّه كذلك شرعا ، لما عرفت.

مع أنّ الّذي ذكره العلّامة (٤) رحمه‌الله إنّما هو في صورة يأمر المالك بحفظ ماله وحرزه وضبطه ، إلّا أنّه معتقد أنّ حفظه هكذا أولى وأصوب ، والأمين رضي بذلك من أوّل الأمر وعندما أخذه ووافقه في معتقده ، إلّا أنّه ربّما تحدث أمور وأحوال يتغيّر بذلك الحال ، فاعتقد أنّ ضبطه كذا أولى وأصوب ، ولذا ضبط كذا ، وليس هذا الضبط إلّا بأمر المالك ، كما لا يخفى.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٨٠.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٨١.

(٣) التوبة ٩ : ٩١.

(٤) تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢٠٣ و ٢٠٤.

٥٥٢

وما ذكرناه ظاهر من كلامه عند التأمّل ، والشارح سيصرّح بأنّ مثل هذا لا يخرج عن الأمانة وعن إذن المالك (١) ، فلاحظ.

ولم يظهر من هذا مخالفة لما سيذكره من الإجماع (٢) ، وما سنذكره من الأدلّة ، فما ذكره رحمه‌الله إلى آخره محلّ تأمّل ظاهر غاية الظهور ، إذ لم نجد ممّا ذكره من الآية والأخبار عينا ولا أثرا.

قوله : وبالجملة ، ظاهر الأدلّة يقتضي عدم الضمان ، إلّا بالتلف في الصورة المخالفة أيضا (٣) .. إلى آخره (٤).

لا يخفى أنّه كان مأذونا في الحفظ بنحو خاص ، لا مطلقا ، فإذا كان حفظه لا بطريق الإذن (٥) ، لا جرم يده حينئذ يد غصب ، لأنّ المأذون ما فعله ، والّذي فعله ليس بمأذون فيه ، فأيّ فرق بينه وبين من يكون في يده بغير إذن المالك؟ بل ربّما يكون هذا أشدّ ، لأنّ الظاهر من كلام المالك : أنّك غير مأذون ولا أرضى أصلا بغير هذه الصورة بحفظ وبتصرّف ، وأين هذا ممّن لم يظهر من المالك عدم الرضا وعدم الإذن؟! وإنّما هو أخذ وحفظ وتصرّف بغير إذن منه.

والحاصل ، فرق بين مجرّد عدم الإذن ، وإظهار المالك بالمنع عن الحفظ والتصرّف.

وأيضا ، عموم « على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي » (٦) شامل لهذه الصورة

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٨٠.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٨٢.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( في صورة المخالفة أيضا ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٨٢.

(٥) في ألف ، ب ، ج : ( لا بطريق الحفظ ).

(٦) عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٤ الحديث ١٠٦ ، مستدرك الوسائل : ١٧ ـ ٨٨ الحديث ٢٠٨١٩.

٥٥٣

قطعا من غير دليل على الإخراج ، ولا شكّ أنّ هذا الحديث حجّة عند الأصحاب بأجمعهم ، فيكون منجبرا بعملهم وفتواهم ، فيكون حجّة قطعا وفاقا ، لما حقّق في محلّه.

وأمّا الرجوع إلى ما أمر به ، فيشمله أيضا عموم هذا الحديث ، مع أنّه لم يعلم الآن أنّه مأذون من المالك في حفظه ، إذ لم يثبت من كلامه عموم يشمل هذه الصورة بحيث يوثق به ، بل للمالك أن يقول : بعد ما خالفتني لم حفظت ولم لم تردّ إليّ؟ أو ما كنت راضيا؟! ويصحّ هذا منه عند العقلاء.

وأيضا ، بعد المخالفة خرج عن كونه أمينه قطعا.

وصدق الآن أنّه ليس بمأذون فيه ، وليس بأمينه ، بل وأنّه خائن بلا تأمّل ، وهو مستصحب حتّى يثبت خلافه ، فتأمّل جدا! هذا كلّه ، مضافا إلى الإجماع الّذي ذكره (١) ، والإجماع حجّة ، كما حقّق ، بل ظاهر أنّه إجماع واقعي من كلّ الفقهاء كما لا يخفى.

قوله : [ بل نهى عن ذلك الفعل ] ، فكيف لا يكون ضامنا؟ .. إلى آخره (٢).

قد ظهر الجواب عن ذلك ، مع أنّه غاية ما في الباب أن يكون العلّامة أخطأ في هذه الصورة ، ولا يلزم منه مخالفة ما نقله من الإجماع (٣) ، ولا تدافع بين ظاهري كلاميه ، كما هو ظاهر ، بل كلاماه (٤) في غاية التوافق.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٨٢.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٨٤.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ١٩٨.

(٤) أي كلاما العلّامة ، في تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ١٩٧ ـ ١٩٨ و ٢ ـ ٢٠٣ ـ ٢٠٤ ، وقد ردّ المحشّي رحمه‌الله بكلامه هذا على المقدّس الأردبيلي رحمه‌الله ، حيث قال : ( فبين هذين الكلامين تدافع ظاهر ) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٨٢.

٥٥٤

قوله : فيشكل التوجيه والتخصيص بما لم ير أنّه أحوط (١) .. إلى آخره (٢).

لا إشكال أصلا ، لأنّ أحد الكلامين يصير مقيّدا للكلام الآخر قطعا ووفاقا ، وبناء المكالمات والمخاطبات على ذلك عرفا وشرعا ولغة ، ومدار الكلّ على ذلك.

قوله : لأنّ القبول اللفظي غير كاف في تحقّق الوديعة .. إلى آخره (٣).

بناء كلامه رحمه‌الله على أنّ الوديعة عقد ، والعقد لا يتحقّق عندهم إلّا بالإيجاب والقبول ، والمتبادر من العقد ما هو باللفظ ، ومرّ الكلام في ذلك في البيع (٤) ، فيشكل الاكتفاء بالقبول الفعلي ، إلّا أن يقال : العمدة في مثل هذا هو الإيجاب ، لحصول الإذن.

وأيضا ، يتعارف القبول الفعلي ، وكون مثل هذا العقد وديعة ، بحيث إذا أطلق لفظ الوديعة يحتمل هذا أيضا ، فتأمّل!

قوله : [ وضع اليد على مال الغير على وجه شرعي ] بدون إذن المالك ، هو الأمانة الشرعيّة على ما عرفت .. إلى آخره (٥).

الأمانة الشرعيّة هي ما وقع تحت يده وفي ملكه بغير إذن المالك مطلقا ، لا بغير إذن المالك بعنوان عقد الوديعة وإن كان بإذنه بعنوان آخر ، مثل ما ذكره من الطرح عنده ، ومثل إذن الفحوى ، فنفي الواسطة بالمرّة محلّ تأمّل.

قوله : إن كان عالما بالتلف مع الانتهاء بالنهي ، فيجب حينئذ حفظ هذا

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( وتخصيصه بما إذا لم ير أنّه أحوط ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٨٤.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٨٥.

(٤) راجع الصفحتين : ٦٥ ـ ٦٦ من هذا الكتاب.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٨٥.

٥٥٥

المال .. إلى آخره (١).

هذا ، إذا لم يكن له غرض معتدّ به عند العقلاء ، وإن كان في غرضه خاطئا ، إذ لا يلزم أن يكون كلّ غرض مطابقا للواقع حتّى يخرج عن السفاهة ، وإلّا يلزم أن يكون كلّ الناس سفهاء ، إذ قلّ من يكون جميع أغراضه في جميع أفعاله في أمواله مطابقا للواقع ، بل لعلّه لا يوجد مثله عادة.

مع أنّه ربّما يكون غرضه مطابقا للواقع ، بأن بعد النشر ربّما يطّلع عليه الجائر الظالم فيضرّه ضررا أكثر أو مساويا ، إلّا أنّ هذا أقرب حصولا أو يكونان متساويين ، فلا داعي إلى التعب في النشر ، أو مع الداعي يصيران متساويين ، أو يكون ضرر النشر أرجح إلّا أنّه ليس برجحان معتدّ به عند العقلاء.

قوله : وما نعرفه إلّا فيما قلناه ، ويحتمل ترتّب الضمان على التلف بالترك مطلقا .. إلى آخره (٢).

قد عرفت أنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « على اليد ما أخذت » (٣) عامّ عند الفقهاء وبحسب ظاهر اللفظ ، خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي ، مع أنّ مقتضى الأدلّة وعند الأصحاب أنّ الجاهل غير معذور في نفس الأحكام الشرعيّة ـ كما حقّق في محلّه (٤) ـ وأيضا إتلاف مال الغير موجب للضمان مطلقا ، كما سيجي‌ء إن شاء الله ، فتأمّل جدّا!

قوله : وهو أيضا خلاف ما سبق [ من الضابطة ] .. إلى آخره (٥).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٨٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٨٧.

(٣) عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٤ الحديث ١٠٦ ، مستدرك الوسائل : ١٧ ـ ٨٨ الحديث ٢٠٨١٩.

(٤) الفوائد الحائريّة : ٤١٥ ـ ٤٢٩.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٨٧.

٥٥٦

فيه ما فيه ، لأنّ مرادهم ظاهر ، مع أنّ مثل هذا المفهوم لا عبرة به ، فتأمّل جدّا!

قوله : واعلم أنّ هذا الكلام أيضا صريح في أنّ التقصير مطلقا لا يوجب الضمان دائما ، بل مع التلف به أيضا .. إلى آخره (١).

لم نجد دلالة ، فضلا عن الصراحة ، بل ظاهر هذا الكلام تحقّق معنى التقصير ومورده ، إذ لم يظهر من كلامه أنّ العقد كان مقيّدا بهذا القيد ، بأنّه ما رضي بالحفظ إلّا بأن يفعل ما أمره به بمجرّد أمره به وعند أمره ومن حينه.

والّذي يضرّ العقد والحفظ أن يكون بها جوع أو عطش ولم يزله عنها مع علمه بذلك ، بل مع جهله أيضا ، ويظهر هذا من قوله : ( إن لم يكن بها جوع .. إلى آخره ) (٢) ، وظاهر أنّ مراده من ذكر الموت على سبيل المثال ، وإلّا فالضرر الآخر أيضا مثل الموت عندهم قطعا ، لأنّ الإتلاف عندهم أعمّ من إتلاف المجموع أو الأبعاض ، من غير فرق بينهما في الدوام واللادوام ، فتأمّل جدّا! وإن كان أوّل كلامه له ظهور ، مع قطع النظر عمّا أشرنا.

قوله : وبالجملة ، أدلّة عدم الضمان قويّة حتّى يثبت الناقل ، وعلى تقدير الضمان [ ينبغي التقسيط ] .. إلى آخره (٣).

قد عرفت عدم وجدان عموم في عدم الضمان يشمل ما ذكره ، بل الموجود العموم في الضمان ، مثل : « على اليد ما أخذت » (٤) ، و « لا ضرر ولا ضرار » (٥) ،

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٨٨.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٨٨.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٨٩.

(٤) مرّ آنفا.

(٥) الكافي : ٥ ـ ٢٩٢ باب الضرار ، عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٠ الحديث ٩٣ ، وسائل الشيعة : ٢٠٥ ـ ٤٠٠ الحديث ٣٢٢١٧ و ٤٢٠ الحديث ٣٢٢٥٧ و ٤٢٧ الباب ١٢ من أبواب إحياء الموات.

٥٥٧

وغيرهما.

قوله : [ ظاهر ] عبارات الأصحاب مثل الكتاب .. إلى آخره (١).

بل في « القواعد » أظهر ذلك (٢) ، والصواب ما ذكره الشارح بقوله : ( فكأنّه مقيّد .. إلى آخره ) (٣).

قوله : فالأقرب عدم الضمان ، لقضاء العادة بالاستنابة .. إلى آخره (٤).

وجهه أنّه يمكن أن يتصرّفا فيه ما ينافي الحفظ العادي ، فمجرّد البعث على يدهما يخرج عن الإذن الظاهر من المالك فيصير غاصبا ، إلّا أن يكون هذا البعث أيضا داخلا في إذن المالك صريحا ، أو بمقتضى العادة الكائنة فيما بينهما ، مثل كون المستودع ممّن لا يتعاطى ذلك بنفسه ، بل بمثل هؤلاء الّذين ليسوا بمأمونين غالبا ، فإنّ البعث حينئذ بإذن المالك ، لانصراف قوله : إحفظ ، أو وديعة. إلى غير ذلك ، كما أشرنا سابقا.

قوله : فإنّ التكليف الخارج (٥) عن العادة بلا دليل واضح ونصّ [ لا يخلو عن إشكال ] .. إلى آخره (٦).

بل الظاهر عدم الإشكال في عدم التكليف بأزيد منه إذا دلّ العادة عليه ، لانصراف كلام المالك إليه كما أشرنا ، فبعد ظهور الرخصة منه ، فأيّ إشكال؟

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٩١.

(٢) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٩٣.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٩١.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٩٢.

(٥) كذا ، وفي المصدر : ( بمثل هذا التكليف الخارج ).

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٩٣.

٥٥٨

والرخصة إن كانت حاصلة من جهة العادة وانصراف الكلام وإطلاقه إليه ، ففي جميع العاديات لا إشكال ، وإلّا ففي الكلّ إشكال ، لاتّحاد المقتضي والمانع.

اللهم ، إلّا أن يكون في بعض العاديات إجماع أو نصّ في الضمان ، وإن ظهر الرخصة من المالك ، ودون ثبوته خرط القتاد ، بل قدماؤنا لم يتعرّضوا أصلا لأمثال هذه الأمور ، اتّكالا على القاعدة ، مضافا إلى عدم الصدور من الشرع ما ينافي القاعدة (١) ، فتأمّل!

قوله : ويمكن مع الجهل أيضا (٢) ، حيث قصّر في التحقيق .. إلى آخره (٣).

لا يخفى أنّهم يحكمون بالضمان جهلا ، بل ونسيانا أيضا ، لأنّ الضمان بالإتلاف من الأحكام الوضعيّة والمسبّب المترتّب على السبب ، ولذا يحكمون بضمان المجنون والصبي ، فلا حاجة إلى التقييد بالتقصير في التحقيق.

قوله : ولا يكون حينئذ هذا الكذب قبيحا ولا مضرّا ، بل يصير واجبا ونفعا محضا .. إلى آخره (٤).

إن أراد رحمه‌الله أنّه حينئذ مثل الصدق الّذي يصير سببا لنجاة النبيّ من القتل من دون تفاوت ، ففيه ما فيه ، ألا ترى أنّ النظر من الطبيب الأجنبي إلى فرج المرأة الأجنبيّة ولمسها وإدخال اليد فيها لإخراج الطفل الميّت عند الضرورة واجب! وليس هذا مثل النظر إلى يد الرجل الكبير ولمسها عند الضرورة.

وكذا قتل الزهّاد والعبّاد من المؤمنين ونسائهم وأطفالهم عند تترّس الكفّار

__________________

(١) كذا في كافّة النسخ ، والظاهر أنّ المراد : ( عدم صدور ما ينافي القاعدة من الشرع ).

(٢) لم ترد ( أيضا ) في المصدر.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٩٤.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٠١.

٥٥٩

إيّاهم واجب ، وليس هذا مثل قتل الكفار الفجّار ، الظلمة المفسدين في الأرض ، القاتلين للمؤمنين ، والآخذين لأموالهم ونسائهم وأطفالهم أسراء يزنون بهنّ ويلوطون بهم ويبيعونهم ، ويكسرون بيضة الإسلام ، ويحرقون القرآن ، ويخرّبون المساجد ، ويفعلون غير ذلك من الفحشاء والمنكر.

وبالجملة ، فرق بيّن بين المحذورات الّتي إباحتها الضرورات وأوجبتها ، وبين الواجبات الّتي [ هي ] حسن فقط ، مثل الفرائض اليوميّة ، والجهاد ، وأداء الدين ، ورفع الظلم بالوجه الأحسن ، فإنّ الثاني حسن محض ، بخلاف الأوّل ، فإنّه حسن مشوب بالقبح.

وأمّا حكاية الاجتماع ، ففيه أنّ الحسن ليس إلّا رفع القتل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنقاذه عنه ، وهذا ليس عين الكذب ، بل يحصل به وهو مقدّمته ، فعلى القول بأنّ مقدّمة الواجب المطلق لا يجب أن تكون واجبا ، وإيجابه ليس إيجابها ، فالأمر واضح ، فإنّ الكذب قبيح ، وما يحصل به حسن ، لا هو نفسه ، وأحدهما غير الآخر قطعا ، وعدم إمكان الامتثال لكلّ من التكليفين من جهة التلازم في صورة انحصار المنقذ في الكذب غير مضرّ ، لأنّه غير مكلّف بهما قطعا ، بل مكلّف بالإنقاذ خاصّة.

وأمّا على القول بوجوب المقدّمة أيضا ، فوجوبها توصّلي ، والوجوب التوصّلي يجتمع مع الحرمة قطعا ولا تضادّ بينهما ، كإنقاذ الغريق وإطفاء الحريق بوجه قبيح ، وكقطع طريق الحجّ بوجه حرام ، والقبح الذاتي إنّما يضادّ الحسن الذاتي لا التوصّلي ، ألا ترى أنّ الوضوء مستحبّ لنفسه وواجب لغيره ، والغسل واجب لنفسه ـ على رأي جماعة ـ ومستحبّ لغيره ، والصلاة في الحمّام واجبة أو مستحبّة لكنّها مكروهة للغير ، كما حقّقنا. إلى غير ذلك ، مع أنّ الأحكام الخمسة

٥٦٠