حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

قوله : أرضا معيّنة قليلة ، ولهذا يتّكل صاحبها على غلّة [ تلك الأرض ] .. إلى آخره (١).

لا يخفى أنّ جميع ما ذكر متحقّقة في مثل حمل البطون ، ولبن الضرع ، وقصب الآجام ، وغير ذلك ممّا أشرنا إليه في مسألة القدرة على التسليم ، ومع ذلك صريح الأخبار ، وكلام الفقهاء أنّه مجهول الحصول وفيه الغرر ، ولا يجوز لذلك بيعه إمّا مطلقا أو منفردا (٢) ، والشارح رحمه‌الله أيضا وافقهم (٣) ، فلاحظ.

قوله : ولهذا يكتب إليها كتابة ويبعث إليها [ بهدايا ] .. إلى آخره (٤).

كما أنّ حياتها مستصحبة بقاعدة الاستصحاب ، كذا عدم تحقّق عزلها مستصحب بقاعدة الاستصحاب ، بل ربّما كان استصحاب حال العدم اليقيني أقوى ، ولذا يقول باستصحاب العدم وأصل العدم كلّ من يقول بالاستصحاب ومن ينكره ـ كما لا يخفى على المطّلع ـ ولذا لا يكتبون الكتابة إلى من كان معدوما ثمّ احتمل وجوده ، ولا يبعثون إليه بهدايا بعد الغيبة بمدّة طويلة ، فإمكان موتها مثل من الأمثال المانعة عن حصول العزل ، فتأمّل.

قوله : [ يكون ذلك دينا على البائع ] والمناسب للقوانين بطلانه .. إلى آخره (٥).

والحديث المخالف للقانون الشرعي ليس بحجّة ما لم يكن مكافئا مقاوما له ، لأنّه من باب تعارض العام والخاص ، والمقاومة ليست حاصلة إلّا من عمل

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٥٣.

(٢) لاحظ : وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٣٤٨ و ٣٤٩ و ٣٥١ الأبواب ٨ و ١٠ و ١٢ ، مفتاح الكرامة : ٤ ـ ٢٨٢ ـ ٢٨٤.

(٣) راجع : مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٨٥.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٥٣.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٥٣.

٢٠١

الفقهاء ، ولو لم يكن معمولا به عندهم يتعيّن تأويله بما يوافق القانون ، ولذا أوّله الشارح بما أوّله ، فلا يتحقّق ضرر من جهة الحديث المخالف على فتاوى الأصحاب ، فتأمّل جدّا.

قوله : [ وهذه ] كالصريحة في عدم اشتراط الغلبة ، بل عدم الظنّ أيضا ، فتأمّل (١).

وجه التأمّل ظاهر ، لأنّ الوجود في البلد الآخر يكفي لغلبة الظنّ ، إذ في عهدة البائع استحصاله وتسليمه ، وفي « القواعد » : إنّ « النقل لغرض المعاملة (٢) ، ومنه يظهر اشتراط كون النقل عاديّا ، فتأمّل.

في أحكام السلف

قوله : [ فإن كان مقتضى العادة أو القرينة شيئا ، ] وإلّا ينصرف إلى موضع الحلول (٣).

لا أفهم هذا ولا تعليله ، بل الظاهر ما ذكره الأصحاب ، لكن في الغالب وجود القرينة على أنّ موضع التسليم هو بيت البائع ومكانه حين العقد ، فتأمّل.

وبالجملة ، النقل إلى بيت المشتري أو مكانه ليس داخلا في العقد ولم يجعل البائع على عهدته ، فليس عليه إلّا تسليم المبيع عند ما طلبه منه المشتري ، وتسليمه ذلك من بيته أو موضع العقد.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٥٤.

(٢) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٣٧.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٦٠.

٢٠٢

قوله : لأنّ مقتضى العقد وجوب تسليم المبيع [ عند الحلول ] .. إلى آخره (١).

لو كان مقتضى العقد ذلك يلزم جهالة عظيمة ، أعظم من التأجيل إلى وقت الحصاد مثلا ، بل الأصحاب جعلوا التأجيل إلى نفر الحاج من منى جهالة مبطلة ، مع أنّ التفاوت ليس إلّا يوم واحد ، ويلزم ضرر عظيم ونزاع عظيم ، بل وسفاهة كذلك.

مع أنّ التسليم في أيّ مكان ليس جزءا للعقد ولا لازما له ، أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني فلاشتراط اللزوم الذهني ، وقياسه على القرض قياس فاسد.

وبالجملة ، ما ذكره هنا مخالف لما ذكره أوّلا.

قوله : [ يحتمل مكان الطلب ] بعد الحلول خصوصا .. إلى آخره (٢).

لا أيّ موضع كان. نعم ، لو كان عادة أو قرينة مثل : الماء والحطب ، وعادة أهل القرى إن كانت معهودة عند المتبايعين ، فتأمّل.

قوله : أي لا يجوز بيع ما اشتري بالسلم قبل حلول أجله .. إلى آخره (٣).

نقل الشارح رواية عن خالد بن الحجّاج متضمّنة لجواز البيع قبل الحلول ، في بحث بيع ما يكال قبل القبض (٤) ، واستند إليها ، ولم يتأمّل فيها أصلا!

قوله : وفيه بنان بن محمّد ، وقد نقل عن الصادق عليه‌السلام .. إلى آخره (٥).

قال المحشين : الظاهر أنّ المنقول لعنه ، غير بنان بن محمّد المذكور ، لأنّه ـ على ما هو الظاهر ـ روى عن علي بن مهزيار ، كما ذكر الكشّي (٦) في ذكر محمّد بن

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٦٠.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٦٠.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٦٠.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٣٨ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٦٩ الحديث ٢٣١٧١.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٦١.

(٦) رجال الكشّي : ٢٤٥ الحديث ٤٥٠ ـ من منشورات جامعة مشهد ـ والسند فيه هكذا : ( علي بن محمد قال : حدّثني بنان بن محمد ، عن علي بن مهزيار ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع .. ).

٢٠٣

إسماعيل بن بزيع ، وهو لم ير الصادق عليه‌السلام (١) ، فتأمّل. انتهى.

أقول : الظاهر أنّه أخو أحمد بن محمّد عيسى الّذي يروي عنه أحمد كثيرا (٢) ، وفيه إشعار بوثاقته كما لا يخفى على العارف بحال أحمد.

ومثل علي بن جعفر ـ الجليل غاية الجلالة ـ لا يروي عن غير المعصوم عليه‌السلام.

ومع ذلك ، للأخبار الكثيرة (٣).

قوله : لأنّ الأرش جزء من الثمن وله جزء من المبيع .. إلى آخره (٤).

الأرش عوض الصحّة والسلامة الكائنة في الثمن بسبب فوتها وعدم التمكّن منها ، فإذا كان هذا الصحّة جزءا حقيقيّا من الثمن لكان فواتها موجبا لبطلان ما قابلها من المبيع ، فيكون العقد صحيحا بالنسبة إلى الباقي خاصّة ، وكان المشتري

__________________

(١) حاصل الاستدلال ـ بتوضيح منّا ـ أنّ بنان الملعون على لسان الباقر والصادق عليهما‌السلام هو بنان التبّان الّذي قتل في زمان الصادق عليه‌السلام أو قبله ، كما يظهر من رواية ابن سنان وعلي بن حمزة وأبي يحيى الواسطي وغيرها ، ( رجال الكشّي : ٢ ـ ٥٩٣ الرقم ٥٤٩ و ٧٧٨ الرقم ٩٠٩ و ٥٩١ الرقم ٥٤٤ ).

ولكن بنان بن محمد كان من تلامذة علي بن مهزيار ، الّذي كان من أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام ، ( رجال النجاشي : ٢٥٣ الرقم ٦٦٤ ) ، وادّعى بعض أنّه أدرك مولانا صاحب الزمان ـ عجّل الله فرجه ـ أيضا. فعلى هذا ، كان بنان بن محمد حيّا بعد الإمام الصادق عليه‌السلام ، وتلمذ على علي بن مهزيار وغيره ، ولا يمكن أن يكون اللعن متوجّها إليه.

(٢) ذكر في : تعليقات على منهج المقال : ٧٣ : ( بنان بن محمد ، يروي عنه محمّد بن أحمد بن يحيى ، ولم يستثن روايته ، وفيه إشعار بالاعتماد عليه ، بل لا يبعد الحكم بوثاقته أيضا ) ، ولعلّ مراده هنا أيضا محمد بن أحمد ، سقط لفظ ( محمد ) ، أو المراد : أحمد بن يحيى ، وليس أحمد بن محمّد بن عيسى الّذي كان أخا لـ ( بنان محمد ) ، لأنّ العلمين : الأردبيلي والخوئي لم يعثرا على رواية واحدة من أحمد بن محمّد بن عيسى من أخيه ، فكيف بالكثير؟! راجع! جامع الرواة : ١ ـ ١٣١ ، معجم رجال الحديث : ٣ ـ ٣٦٧ و ١٠ ـ ٣١١.

(٣) لاحظ : وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٠٣ الباب ١١ من أبواب السلف.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٦٤.

٢٠٤

مخيّرا بين الردّ والأخذ بالنسبة من الثمن ، كما هو الحكم في خيار تبعّض الصفقة ، فلا وجه للأرش أصلا ، ويكون الحكم بالأرش فاسدا مطلقا. لا أنّ الحكم هو الأرش بعد اختيار الإمساك ، وبعد العجز عن الأرش خيار تبعّض الصفقة.

ومرّ تحقيق الكلام في خيار تبعّض الصفقة ، وسيجي‌ء في خيار العيب من أنّه (١) له الردّ والأرش ، كما أشار إليه الشارح من أنّه هو المقرّر في كل المعيبات (٢) ، فلاحظه ، ولاحظ ما علّلنا به ، وتأمّل جدّا!

قوله : يعني إذا حصل العقد واتّفقا على قبض الثمن المسلّم فيه .. إلى آخره (٣).

أمّا لو اختلفا في اشتراط الأجل ، فالقول قول المنكر ، إذا اتّفقا على وقوع العقد بلفظ ( بعت ) وما شابهه ، ولو اتّفقا على وقوعه بلفظ : ( أسلمت ) ، أو ( أسلفت ) ، فالقول قول المدّعي ، لأنّ اللفظ المذكور حقيقة في السلم ، والأصل في الاستعمال الحقيقة ، فهما متّفقان على وقوع البيع بتأخير ، فالمنكر يدّعي فساد البيع والمدّعي صحّته.

لكن لا يخلو بعد عن إشكال ، لاحتمال كون ذكر الأجل من محقّقات ماهيّة السلم ، كما أنّ كلّ واحد من الإيجاب والقبول وأمثالهما من محقّقاتها ومحقّقات ماهيّة كلّ عقد وبيع ، فلعلّ المنكر ينكر تحقّق نفس السلم ، فإذن الأصل معه.

لكن الحقّ والأقرب أنّه من شرائط صحّته الشرعيّة ، لأصالة الحقيقة وأصالة الصحّة المذكورتين.

هذا ، إن قلنا بعدم جواز البيع بلفظ السلم ولو مجازا ، وعلى القول بجوازه

__________________

(١) في ب : ( أنّ ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٢٤ و ٤٢٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٦٤ ، وفي المصدر : ( يعني إذا اتّفقا على قبض الثمن ).

٢٠٥

فلأصالة الحقيقة فقط.

ولو ادّعى وقوع العقد بلفظ البيع والمدّعي بلفظ السلم ، فالظاهر أنّ الحكم حينئذ يخالفهما ، مع احتمال كون الحكم في الصورة الأولى أيضا كذلك ، ولعلّ الأوّل أولى.

هذا إذا كان النزاع من أوّل الأمر ، أمّا لو اتّفقا على وقوع عقد السلم وبيعه ، ثمّ ادّعى المنكر عدم الاشتراط وعدم ذكره ، فهو إنكار بعد الإقرار ، لا يسمع منه بظاهر الشرع ، إلّا أن يدّعي علم المدّعي بذلك فهو دعوى آخر ، ويكون له تسلّط حلف نفي العلم ، وإن أنكر ذلك بعض الفقهاء مدّعيا أنّه مكذّب لإقراره فلا يسمع أصلا ، والحقّ هو الأوّل.

وإذا اتّفقا على ذكر الأجل وادّعى أحدهما زيادته ، فالقول قول منكرها.

قوله : وتكافؤ الدعوى والبيّنة .. إلى آخره (١).

يشكل ، بأنّه يقتضي تقديم بيّنة الداخل ـ كما عليه بعض الأصحاب ـ وهو خلاف المشهور وخلاف ما هو الأظهر من الأدلّة ، كما سيجي‌ء في كتاب القضاء إن شاء الله.

وإذا ادّعى البائع قبض الثمن ، فالقول قوله مع اليمين ، أمّا قبل التفرّق فظاهر ، وأمّا بعده فلا يخلو عن إشكال ، لاستلزامه فساد البيع ، وهو مخالف لأصالة الصحّة.

وفي « القواعد » حكم بما ذكر معلّلا بأنّه منكر (٢) ، وفيه أنّ جميع المواضع الّتي يحكم فيها بأصالة الصحّة يكون فيها منكر ينكر شرطا من شروط البيع

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٦٥.

(٢) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٣٨.

٢٠٦

ومقدّمة من مقدّماته.

ومع ذلك نقول : الأصل مع من يدّعي الصحّة ، ونجعله المنكر ، لأنّ المنكر من يدّعي موافق الأصل أو الظاهر أو الذي لم يترك إذا سكت ، إلّا أن يكون مراد العلّامة أنّه ينكر نفس القبض من غير تأمّل منه في الصّحة ، بل ربّما كان متفرّعا على الصحّة ، إذ لولا الصحّة لم يكن هناك ثمن يستحقّه البائع ، ويكون حقّه ، والأصل عدم وصول حقّه ، فتأمّل.

فعلى هذا نقول : لا مانع من الحكم بعدم وصول حقّه إليه والحكم بصحّة البيع معا ، نظير ما حكم رحمه‌الله من عدم نجاسة الماء القليل الّذي وقع فيه صيد خرج روحه ، ولا يعلم أنّ الخروج كان من جرح الاصطياد أو من وقوعه في الماء ، ومع ذلك حكم بنجاسة ذلك الصيد وكونه ميتة ، لأصالة عدم التذكية (١).

ونظير ذلك قول بعض العلماء بنجاسة الثوب المغسول الّذي وقع الشكّ في إزالة النجاسة عنه ، للحكم ببقاء نجاسة مثله حتّى يحصل اليقين أو الدليل الشرعي على طهارته ، وطهارة الأشياء الملاقية له حال الرطوبة ، للحكم ببقاء الطهارة حتّى يتيقّن النجاسة (٢). إلى غير ذلك من أمثال هذه الأحكام.

ويحتمل أن يكون رحمه‌الله يرجّح أصل الصحّة على أصل العدم في موضع يكون محطّ الدعوى الصحّة والفساد ، فتأمّل.

قوله : ولا خيار للمسلم في الإلزام وأخذ الثمن (٣) ، والمشهور أنّ له الصبر إلى أن يوجد .. إلى آخره (٤).

هذا الخيار من قبيل خيار الشرط يكون المبيع الجنس المعلوم ، بشرط كونه

__________________

(١) قواعد الأحكام : ١ ـ ٧.

(٢) راجع! مدارك الأحكام : ١ ـ ١٠٨ ، الحدائق الناضرة : ١ ـ ٥١٢.

(٣) في المصدر : ( في الإلزام والفسخ وأخذ الثمن ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٦٥.

٢٠٧

في السنة المذكورة في الشهر المذكور ، فإذا تعذّر الشرط فللمشتري أن يرفع اليد عنه ، ويلزم بأصل المبيع برضا جديد منه ، وأن يفسخ العقد لعدم وصول حقّه إليه ، على قياس ما قلنا في خيار تبعّض الصفقة وخيار الشرط وغيرهما.

والموثّقة المنجبرة بالشهرة الموافقة للقاعدة أيضا دليل (١) ، مع أنّها موثّقة كالصحيحة ، بل ربّما كانت صحيحة ، لما علم في علم الرجال أنّ الفطحيّة كلّهم رجعوا في قرب من الزمان إلّا طائفة عمّار (٢) ، ومقتضاها أعمّ من الانقطاع ، كما أنّ مقتضى القاعدة أيضا كذلك.

قوله : ولكن مقتضى القاعدة (٣) أن يكون له حينئذ [ المسلّم فيه ] .. إلى آخره (٤).

قد عرفت أنّ مقتضى العقد أنّه ليس في ذمّة البائع سوى الجنس المعلوم في الوقت المعلوم.

ولو لم يوجد فيه ، لم يكن له سوى الخيار بين الصبر ، والفسخ وأخذ عين ما له إن كان موجودا وإلّا فعوضه.

وإن وجد فيه ثمّ وقع التأخير من غير تقصير من البائع ففقد ، فحكمه كما ذكر ، وأمّا بتقصيره ـ كأن كان غاصبا ـ فحكمه حكم الغاصب.

__________________

(١) أي : موثّقة عبد الله بن بكير : مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٦٥ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١٦٥ الحديث ٧٢٨ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٣١ الحديث ١٣١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٠٩ الحديث ٢٣٧٣٤.

(٢) لاحظ! الكافي : ١ ـ ٣٥٢ ذيل الحديث ٧ ، رجال الكشّي : ٢ ـ ٥٦٧ الحديث ٥٠٢ ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد : ٢ ـ ٢٢٣ ، بحار الأنوار : ٤٧ ـ ٣٤٥ الحديث ٣٥.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( القاعدة الفقهيّة ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٦٦.

٢٠٨

في المرابحة والمواضعة

قوله : [ وينبغي أن لا يكون الغرض مجرّد الإخبار برأس المال حيلة ] ليتحقّق البيع الحقيقي ، فتأمّل (١).

بل لو كان البيع الحقيقي يكون أيضا مشكلا ، لانصراف الذهن إلى غير هذا البيع ، إذ ينصرف إلى البيع الأوّل الّذي وقع المماكسة فيه وعدم المسامحة ، بل ربّما كان المشتري إذا اطّلع بأنّ مراده البيع الثاني الّذي أوقعه مع غلامه وشراؤه الثاني منه بعده لم يرغب إلى البيع ولم يرض بهذه المرابحة ، وإن لم يكن في الشراء الثاني تفاوت أصلا بالنسبة إلى الشراء الأوّل.

قوله : يوجب إثما وخيارا له ، فردّ المبيع (٢) إلى صاحبه لخيانته وغشّه ، فتأمّل .. إلى آخره (٣).

لا شبهة في الإثم وحرمة الثمن على البائع ، لكونه أكل مال بالباطل وعدم طيب نفس من صاحبه ، إلّا أنّ المشتري إذا اطّلع بالحال ورضي بالعقد يجب على البائع الوفاء به ، ولا يمكنه أن يقول : إنّي بعته بهذا الثمن بشرط أن يكون هو الثمن الّذي وقع عليه العقد أوّلا وليس كذلك لأنّي كذبت وخنت ، إذ للمشتري أن يقول : رفعت يدي عن هذا الشرط ورضيت بكون هذا ثمنا. ومعنى صحّة البيع هو ما ذكرنا ، فتأمّل.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٧٣.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( يوجب إثما وبين ردّ المبيع ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٧٣.

٢٠٩

قوله : كما يدلّ عليها (١) رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. إلى آخره (٢).

ظاهر هذه الرواية أنّ البيع وقع مرابحة بغير نسبة الربح إلى رأس المال ، لأنّ التجّار قالوا : « نأخذ به ده دوازده » ، والمعصوم عليه‌السلام سأل : « كم يكن ذلك » ـ أي ده دوازده ـ؟ قالوا : « في كلّ عشرة آلاف ألفين » ، فقال : « أبيعكم هذا باثني عشر ألفا ».

وظاهر هذا أنّ التجّار ما اشتروا إلّا مرابحة ، وما وقع شراؤهم إلّا كذلك ، وهو عليه‌السلام أيضا ما منعهم عن ذلك ، بل قرّرهم عليه ، إلّا أنّه عليه‌السلام نسب لاثنى عشر ألفا ـ الّذي هو مجموع ثمن المرابحة ـ إلى المتاع ، وهذا بعينه هو الّذي يقوله الفقهاء.

وأيضا ، يظهر من التأمّل في الرواية أنّ متاع المعصوم عليه‌السلام كان عشرة آلاف ، والألفين كان ربحه ، فظهر الإخبار برأس المال من قوله عليه‌السلام : « أنا أبيعكم .. إلى آخره » ، متفرّعا على ما قالوا : في كلّ عشرة ألفين ، وهذا معنى بيع المرابحة ، فتأمّل.

على أنّه لو لم يكن كلّ واحد ممّا ذكر دليلا على المرابحة ، فالمجموع له ظهور فيها.

وأيضا ، الكراهة في المرابحة ـ مع أنّه لم يقل بها أحد ، وورد عدم البأس عنها مطلقا (٣) ـ لو كانت ، فمن جهة عدم الاحتياط في ضبط رأس المال والإخراجات ، وهذا مأمون من المعصوم عليه‌السلام ، فكيف يقول : « وعظم ذلك عليّ » (٤) ،

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( عليه ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٧٤ ، والرواية في : الكافي : ٥ ـ ١٩٧ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٥٤ الحديث ٢٣٤ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٦١ الحديث ٢٣١٤٦.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٦٠ و ٦١ الباب ١٢ و ١٣ من أبواب أحكام العقود.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٧٤ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٦٣ الحديث ٢٣١٤٩ ، وفيها : ( وعظم عليّ ).

٢١٠

سيّما وأن يقول لغيره : لا بأس أصلا؟ مع أنّ الغير أولى بالكراهة من جهة عدم مأمونيّة الاحتياط.

وأيضا ، الكراهة في الروايتين الأوليين (١) إنّما تعلّقت بخصوص « ده يازده وده دوازده » ، لا مطلق المرابحة ، فإنّ المرابحة لا تنحصر فيه ، بل هو قسم من المرابحة ، وكراهة قسم من الشي‌ء لا يستلزم كراهته مطلقا ، ولو كان المطلق مكروها لكان يقول بكراهته مطلقا ، لا أن يخصّه بخصوص هذا القسم.

وقوله عليه‌السلام في رواية جراح (٢) : « ولكن .. إلى آخره » لا يدلّ على كونه بيعا بغير مرابحة ، بل ظاهره أنّه غير « ده يازده ودوازده » حسب.

وأمّا الرواية الأولى (٣) ، فلم يثبت الحقيقة الشرعيّة في المساومة ، فلعلّها تعيين قيمة المتاع وجعل القيمة قيمته ، وهو أعمّ من المصطلح عليه ، مع أنّ قوله عليه‌السلام : « ولكن .. إلى آخره » لا يقتضي انحصار المرابحة في مثل « ده يازده » ، وهو ظاهر ، ولا عموم الكراهة في كلّ مرابحة بعد النصّ بأنّ المكروه هو خصوص مثل « ده يازده » ، إذ لا مانع من أنّه عليه‌السلام عدل عن المكروه إلى ما هو الأفضل ، فتأمّل.

وبما ذكرناه لعلّ الفقهاء حكموا بكراهة نسبة الربح لا مطلق المرابحة ، فتأمّل.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٧٤ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٦٢ الحديثان ٢٣١٤٧ و ٢٣١٤٩.

(٢) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٥٥ الحديث ٢٣٧ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٦٢ الحديث ٢٣١٤٧.

(٣) أي رواية محمد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٧٤ ، وقد مرّت الإشارة إليها.

٢١١

قوله : لعلّ عنده دليل غير ما نقلناه .. إلى آخره (١).

لعلّ المنشأ هو قوله عليه‌السلام : « وعظم ذلك عليّ » (٢) ، مضافا إلى قوله : « أكره » ، لعدم ثبوت كون الكراهيّة حقيقة في المصطلح عليه ، لكن فيه أنّه وإن لم يثبت إلّا أنّ الأصل عدم الحرمة ، وإن قال : « عظم عليّ » ، فتأمّل.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٧٥.

(٢) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٧٤ ، وقد مرّت الإشارة إليه.

٢١٢

اللواحق

في أقسام الخيار

قوله : [ فهو مؤيّد ] ، لما قلناه من اللزوم في بيع المعاطاة ، فتذكّر (١).

هذا فرع كون المعاطاة عقدا ، بل وربّما يشكل لو لم تكن متبادرة من لفظ العقد وإن كان عقدا.

وأمّا « المسلمون عند شروطهم » (٢) ، فمحمول على الاستحباب أو الطلب عند الفقهاء.

خيار المجلس :

قوله : [ وفي حديث آخر ] : « التاجران » ، بدل « البائعان » .. إلى آخره (٣).

لمّا كان المتعارف في فعل التاجر المبايعة فلا معارضة ولا مغايرة أصلا.

قوله : ولم يبيّن معناه شرعا .. إلى آخره (٤).

لا شبهة في أنّ موضوعات الأحكام يرجع فيها إلى غير الشرع سوى العبادات ، وسوى ما ثبت من الشارع اصطلاح خاص يكون تكلّمه عليه ، ولم يثبت ، فلا حاجة إلى الاعتذار بهذا العذر في المقام.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٨٣.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٦ الحديثان ٢٣٠٤٠ و ٢٣٠٤١.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٨٣ ، وفيه إشارة إلى رواية زرارة : وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٧ الحديث ٢٣٠١٦.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٨٤.

٢١٣

وظاهر أنّ بين الصدق اللغوي والعرفي فرق ، إذ بأدنى شي‌ء يصدق بحسب اللغة ، بخلاف العرف.

والظاهر ، أنّ العرف مقدّم على اللغة ، كما هو الحال في سائر المقامات ، فعلى هذا يحتاج إلى قدر معتدّ به عند أهل العرف ، وبالخطى يتحقّق قطعا ، كما هو الظاهر من الأخبار (١) أيضا ، وأمّا الخطوة الواحدة فمحتمل.

قوله : لعلّ فيها دلالة على جواز بيع ما في الذّمة [ قبل القبض ] .. إلى آخره (٢).

لم نجد دلالة فيها أصلا.

قوله : وفيه تأمّل ، لعدم صدق البائع والتاجر المذكور في الأخبار [ عليهم ] .. إلى آخره (٣).

مقتضى الإجماع والأخبار والاستصحاب بقاؤه إلى حين الموت ، وأمّا بعده فنقله إلى الوارث ، من العمومات الدالّة على أنّ كلّ حقّ من الميّت ينتقل إلى وارثه (٤) ، فلاحظ وتأمّل! ولهذا ذكر الفقهاء أنّ جميع أنواع الخيارات يرثها الوارث لا خصوص هذا الخيار (٥).

__________________

(١) راجع! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٨ الباب ٢ من أبواب الخيار.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٨٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٨٥.

(٤) مراده رحمه‌الله أنّ عمومات آية الإرث ، والروايات تشمل الحقوق أيضا ، بالإضافة إلى المرسلة المشهورة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما ترك الميّت من حق فلوارثه ». لاحظ! مسالك الأفهام : ٢ ـ ٢٤٦ ، مفاتيح الشرائع : ٣ ـ ٨٢ ، مفتاح الكرامة : ٤ ـ ٥٩٠ ، وغيرها.

وقال في مفتاح الكرامة ـ عند بحث توريث الخيارات ـ ما نصّه : ( ويدلّ عليه النبوي المنجبر بعمل العلماء : « ما ترك ميّت من حقّ فهو لوارثه » المؤيّد بعمومات الإرث كتابا وسنّة ) ، مفتاح الكرامة : ٤ ـ ٥٩٠.

(٥) راجع! مفتاح الكرامة : ٤ ـ ٥٩٠.

٢١٤

قوله : والظاهر أنّ الثبوت لمن أوقع العقد .. إلى آخره (١).

الظاهر ثبوته لمن هو البائع والمشتري حقيقة ، لا من هو وكيل في مجرّد إجراء الصيغة ، والظاهر أنّ ما سيذكره عن « التذكرة » (٢) إشارة إلى ما ذكرنا ، فتأمّل جدّا.

قوله : ولعلّه لا خلاف عندنا أيضا ، وَ ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) .. إلى آخره (٣).

ليس كذلك ، بل الخلاف واقع ، نسب إلى البعض بأنّه لا يسوّغ ذلك ، لأنّه خلاف الكتاب والسنّة ، لأنّ مقتضاهما ثبوت الخيار فيه مطلقا ، كما هو الظاهر منهما.

ويمكن الجواب بأنّ الظاهر منهما أنّ العقد المطلق يقتضي ذلك ، لا مطلق العقد كما هو الحال في سائر الشرائط الجائزة وفاقا ، فالعقد المشروط صحيح أيضا ، لدخوله في عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤) ، و ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ) (٥) ، و ( تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٦) ، وغير ذلك.

والحاصل ، أنّ كلّ أمر يصحّ للمكلّف أن يفعله بعنوان شرط أو عقد أو عهد أو غيرها ، يصحّ أيضا أن يدخله في العقود ، وليس شرطا مخالفا للكتاب والسنّة ، بل موافق لهما كما عرفت.

وكلّ أمر لا يمكن شرعا وليس له أن يفعله أصلا لا يجوز له إدخاله في

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٨٥.

(٢) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٨٦.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٨٦.

(٤) المائدة ٥ : ١.

(٥) الإسراء ١٧ : ٣٤.

(٦) النساء ٤ : ٢٩.

٢١٥

العقود ولا يصحّ أصلا ، مثل : أن لا يرث فلان عن أبيه ، أو يكون الحرّ الفلاني عبدا ، أو تكون فلانة خارجة عن حبالة زوجها ، أو لا يكون له وطؤها ، وأمثال ذلك ، فتأمّل جدّا.

قوله : [ إذ الظاهر أنّ مفارقة أحدهما ] يسقط خيار الآخر أيضا ، كما مرّ في الخبرين (١) ، فالفسخ بيده .. إلى آخره (٢).

يسقط خيار الآخر إذا ثبت مقامه ولم يتبعه ، ولم يظهر من الخبرين أزيد من هذا ، كما لا يخفى على من تأمّل فيهما.

وحين المتابعة إن وقع الافتراق اللغوي الحقيقي فقد عرفت أنّه غير مضرّ ، وإن وقع الافتراق العرفي فهو أيضا غير مضرّ إذا كان من جهة غفلة الآخر ، أو عدم تمكّنه من العدو معه ، لأصالة بقاء الخيار ، وعدم ثبوت القاطع من إجماع أو خبر ، أمّا الإجماع فظاهر ، وأمّا الخبر فستعرف الكلام في العموم.

فما ذكره رحمه‌الله مؤيّد ، بل دليل ، لأنّ الأصل في البيع اللزوم بلا تأمّل ، فالخيار إنّما هو للخلاص عن مقتضي هذا الأصل.

فإذا كان الافتراق الكرهي يوجب اللزوم ، فهو أمر ممكن لكلّ عاقد ، وميسّر للأكثر ، فأيّ فائدة في الخيار؟ ومعلوم أنّ الأخبار واردة بالقياس إلى الأفراد الشائعة والغالبة ، سواء كانت واردة بالقياس إلى غيرها أم لا ، فتأمّل جدّا.

قوله : وظاهر الأخبار عام ، فلو لم يكن إجماع ونحوه [ يمكن القول بالسقوط ] (٣).

لم يفهم العموم ، إذ المتبادر الافتراق المستند إلى إرادتهما بأن يفترق كلّ

__________________

(١) أي خبر محمد بن مسلم : مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٨٤ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٨ الحديثان ٢٣٠١٩ و ٢٣٠٢٠.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٨٨.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٨٨.

٢١٦

منهما موضع العقد أو حكم الموضع ، أو يذهب أحدهما ويثبت الباقي بإرادتهما ، فلو هرب أحدهما ـ لأنّه يريد اللزوم ـ حين غفلة الآخر ، فبعد تفطّنه إن ثبت مكانه تحقّق الافتراق المذكور ، وإن تبعه فلم يعلم بعد تحقّق الافتراق المذكور ، فالخيار اليقيني مستصحب حتّى يثبت الناقل عنه بإجماع أو خبر.

نعم ، العموم المذكور يشمل صورة علمهما بالمسألة ، وجهلهما ، وعلم أحدهما.

قوله : ويؤيّده أنّ الأمر بيده ، لو أراد الفسخ لقال : فسخت .. إلى آخره (١).

لا تأييد أصلا ، لأنّ المتعارف أنّ المتعاملين متردّدان متأمّلان في أنّ مصلحتهما في الفسخ والإمضاء ، ولو لم يكن لهما تردّد أصلا لم يبقيا على هذا الحال ، بل يقولان : فسخنا أو التزمنا ، وكذا الحال في واحد منهما ، وربّما يريد أحدهما اللزوم دون الآخر.

قوله : لقائل : التزمت .. إلى آخره (٢).

قول : التزمت لا يفيد اللزوم إلّا بالنسبة إلى القائل فقط ، فأيّ فائدة فيه؟

بل ربّما كان خلاف الفائدة!

قوله : [ جعل هذا الخيار للطرفين في يد الولي دائما ] ما لم يسقط بالشرط (٣) ، مع أنّ في الأصل المنصوص عليه ما كان كذلك .. إلى آخره (٤).

الّذي ذكر في « القواعد » أنّ مسقطاته هو التزام عنهما ، أو اشتراط

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٨٨.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٨٨ ، وفي بعض نسخ مجمع الفائدة والبرهان ( فسخت ) بدلا من ( التزمت ).

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( بالشرط والتخاير ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٨٩.

٢١٧

السقوط ، أو تفارق المجلس (١) ـ على قول ـ ومراده من الالتزام بالبيع هو الإسقاط للخيار بعده ، أو التصرّف المسقط ، كما لا يخفى على من تأمّل كلامه.

مع أنّ كون التصرّف مسقطا ممّا لا ريب لأحد فيه بالنسبة إلى أحد من فقهائنا ـ سيّما العلّامة ـ ولذا قال الشارح : ( ما ذكر التصرّف ، ولعلّه .. إلى آخره ) (٢).

وأمّا نسبته رحمه‌الله مفارقة المجلس إلى قوله : فلأنّه لم يرد في الخبر لفظ المجلس ، بل الوارد « مفارقة الأبدان » ، ولم يعتبر العلماء سوى ما في الأخبار ، فلا وجه لاعتباره ، سيّما جعله نازلا منزلة الرفيق ، فلأنّه لا ربط له بالرفيق ولا خصوصيّة.

هذا حال « القواعد » ، وأمّا « التذكرة » فقد ذكر فيه السقوط بالشرط والتخاير (٣) ، فلا يبقى سوى التصرّف المسقط ، فقد اعتذر الشارح بما اعتذر ، فلا وجه للاعتراض عليه ، مع أنّ العذر واضح ، سيّما ومن « القواعد » يظهر إدخاله في الالتزام (٤) ، فتأمّل.

ثمّ لا يخفى أنّ الاختيار بيد الولي أيّ وقت يريد أن يفسخ يفسخ ، فأيّ فائدة في اشتراطه السقوط ، مع أنّ هذا الخيار للعاقد فقط على ما مرّ؟! مع أنّ المصلحة للطرفين في بقاء الخيار ، والخيار ليس إلّا لأجل المصلحة ، فكون شرط الإسقاط مصلحة لا يخلو عن إشكال مع كون الأمر بيده ، فتأمّل!

__________________

(١) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٤٢.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٨٨.

(٣) تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٥١٧.

(٤) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٤٢.

٢١٨

قوله : [ لم يعهد في الشرع ] عود المعتق رقّا .. إلى آخره (١).

مآل هذا إلى الاستقراء ، وربّما كان إجماعيّا أيضا.

خيار الحيوان :

قوله : مثل صحيحة علي بن رئاب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري .. » .. إلى آخره (٢).

هذه الصحيحة واضحة الدلالة في الاختصاص بالمشتري ، بل ومسلّمة الدلالة كما سنشير إليه ، ويؤيّد الدلالة التأمّل في باقي أجزائها إلى الآخر ، إذ فيها مؤيّدات ومخصّصات بالمشتري ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وكذا صحيحة الحلبي (٣) ، وربّما يؤيّدها قوله : ( وهو بالخيار .. إلى آخره ) (٤) ، فتأمّل جدّا.

ومن العجب أنّ صاحب « المسالك » مثل باقي الفقهاء عادته حمل المطلق على المقيّد من أوّل الفقه إلى آخره ، ولا يتأمّل أنّ هذا ينافي ما توهّمه من عدم اعتبار القيد مطلقا ، بل أكثر مقيّداته ليس بقوّة ما نحن فيه ، بل ربّما كان أضعف بمراتب ، حتّى أنّه في مبحث اغتسال الجنب في البئر ذكر أخبارا كثيرة متضمّنة لنزح سبع دلاء لمجرّد دخول الجنب فيها ، ثمّ نقل خبرا واحدا يتضمّن نزح السبع لاغتساله فيها (٥) ، فقال : تحمل تلك الأخبار الكثيرة على اغتساله فيها ، حملا

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٩٠.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٩١ ، والصحيحة وردت في : الكافي : ٥ ـ ١٦٩ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٧٥ الحديث ٣٢٠ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٣ الحديث ٢٣٠٣٢.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٩١ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١٢٦ الحديث ٥٤٩ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٤ الحديث ١٠١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٠ الحديث ٢٣٠٢٣.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٩١.

(٥) وهو خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، روض الجنان : ١٥٤ ، تهذيب الأحكام : ١ ـ ٢٤٤ الحديث ٧٠٢ ، وسائل الشيعة : ١ ـ ١٩٥ الحديث ٥٠٥.

٢١٩

للمطلق على المقيّد (١). وأين هذا من مثل ما نحن فيه؟ فتأمّل جدّا.

والحاصل ، أنّه لو كان في الأخبار أنّ للمشتري خيار الحيوان ، فهذا هو الّذي لم يعتبره المشهور من فقهائنا ، لأنّ إثبات الشي‌ء لا ينفي ما عداه.

وأمّا إذا كان في الأخبار أنّ خيار الحيوان للمشتري ، فهذه العبارة ـ مع قطع النظر عن القرائن ـ تفيد اختصاص خيار الحيوان للمشتري وانحصاره فيه ، كقوله : والزكاة في السائمة (٢) ، فإنّه يفيد انحصارها فيها ، ولو قيل ـ مع ذلك ـ بأنّ للبائع خيار الحيوان ، عدّا متناقضين عرفا ، فراجع إليهم يظهر لك.

وأيضا ، قوله عليه‌السلام : « الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري » (٣) ، الشرط مفرد محلّى باللام يفيد العموم ، كما هو مسلّم في الأحكام الشرعيّة ، فتأمّل.

وأيضا ، كما أنّه عليه‌السلام بيّن أنّ خيار الحيوان ثلاثة ، كذا بيّن أنّه للمشتري ، فكما لا يجوز أن يجعل ثلاثة في المقام مفهومها غير معتبر بأنّها وصف ، ومفهوم الوصف ليس بحجّة ، فلعلّ غير الثلاثة أيضا يكون خيار الحيوان ، فكذا لا يجوز أن يجعل للمشتري مفهومه غير معتبر.

وبالجملة ، كما أنّ « ثلاثة » له مدخليّة تامّة في بيان خيار الحيوان ، فكذلك قوله : « للمشتري » ، وجعل الأوّل داخلا في البيان دون الثاني ، فاعتبار قوله : « للمشتري » ليس إلّا من أنّه من تتمّة بيان خيار الحيوان ، وما يذكر في مقام بيان شي‌ء لا بدّ أن يكون داخلا فيه جزما ومن تتمّته قطعا.

__________________

(١) روض الجنان : ١٥٤ ، وجاء فيه ـ بعد ذكر خبر أبي بصير المذكور آنفا ـ : ( فيحمل مطلقها عليه ، جمعا بين الأخبار ).

(٢) لاحظ : وسائل الشيعة : ٩ ـ ١١٨ الباب ٧ من أبواب زكاة الأنعام.

(٣) الكافي : ٥ ـ ١٦٩ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٤ الحديث ١٠٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٣ الحديث ٢٣٠٣٢.

٢٢٠