محمّد باقر الوحيد البهبهاني
المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢
بالشرطين ، فإذا لم يف بالتعجيل ورضي البائع بالشرط الآخر فقط ، يجب على المشتري الوفاء بإعطائه ، لأنّه كان واجبا عليه في ضمن المجموع ، وكان هو واجبا وغيره ، فلا معنى لأن يعتذر بأنّي لما لم أعط الشرط الآخر وفات ، فلي أن لا أعطي الشرط الممكن أيضا وأفسخ البيع.
وهذا مثل خيار تبعّض الصفقة ، بل وأولى منه ، كما لا يخفى.
ومن هذا ظهر ما في قوله : ( وإذا سلم في الشروط .. إلى آخره ) (١) ، إذ ظهر الدليل ، وأنّه لا حاجة إلى الإجماع ، وأنّه لا وجه لتوقّفه في الشروط أيضا ، وأنّ دليله جار فيما نحن فيه ، فتأمّل.
قوله : [ المقصود والمفاد وصريحة ] لزوم الإعطاء بعد العقد بلا فصل .. إلى آخره (٢).
فيه ، أنّه على هذا يكون الإقباض داخلا في ماهيّة البيع وحقيقة العقد ، وأنّ به يتحقّق الانتقال في الملك (٣) لا بالعقد ، وأنّ القبول لا فائدة فيه ، وأنّ الركن هو الإقباض ، بل الإيجاب أيضا لا فائدة فيه ، لأنّ المشتري أيضا لا يرضى بغير الإقباض كالبائع ، فيكون ركنا البيع هما الإقباضان ، فيبطل جميع الأحكام المتعلّقة بعدم الإقباض بعد البيع ، مثل : تلف المبيع قبل القبض ، وغير ذلك.
وأيضا ، قد مرّ أنّ القدرة على التسليم في الجملة شرط للبيع ، فكيف يكون نفس التسليم ركنا ومحقّقا للماهيّة؟! وبالجملة ، إن جعل معنى البيع والشراء وعقدهما هو أنّ المبيع ـ مثلا ـ ملكك بشرط أن يكون الثمن ملكي وأن تقبضني إيّاه حتّى يصير ملكك ـ وكذا
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٤.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٤.
(٣) في ب : ( والملك ) ، بدلا من : ( في الملك ).
الحال (١) في جانب المشتري ـ فالأمر كما ذكرناه.
وإن جعل المعنى أنّ المبيع ـ مثلا ـ ملكك بإزاء أن يكون الثمن ملكي ، فلا وجه لما ذكره الشارح رحمهالله ، لأنّ الّذي لم يقبض يكون آثما غاصبا ، كما ذكرناه ، فتأمّل.
قوله : ويؤيّده الأصل ، وعدم الضرر على الممتنع ، وحصوله .. إلى آخره (٢).
قد عرفت الفرق بين اشتراط فعليّة الإقباض وعدم الاشتراط ، وكذا الفرق بين تعذّر العوض واستحالته وعدم تعذّره واستحالته ، وكذا الفرق بين تعذّر الجميع وتعذّر البعض ، وحكم كلّ واحدة من الصور ، وأنّ الحكم هو الّذي حكم به الفقهاء لا غير ، وحكمهم صحيح ثابت من الأدلّة ، وأشرنا إلى الأدلّة.
فلا وجه لما ذكره ، وكذا لا وجه لقوله : ( إلّا أنّ في صحيحة علي .. إلى آخره ) (٣) ، إذ هو الخيار (٤) في التأخير المسلّم عند الفقهاء بصورته المذكورة في الأخبار ، وشروطه الظاهرة منها.
قوله : وكأنّه محمول على الخيار وعدم اللزوم ، لكن مع عدم قبض المبيع أيضا .. إلى آخره (٥).
إن شاء الله سيذكر في بحث الخيارات أنّ ظاهرها عدم اللزوم للمشتري (٦) ،
__________________
(١) في ألف : ( وكذا حال العوض ).
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٥.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٥ ، وصحيحة علي بن يقطين في : وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٢ الحديث ٢٣٠٥٢.
(٤) في ب : ( بالخيار ).
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٦.
(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٦.
فلاحظ! ، وادّعوا على ذلك الإجماع أيضا.
قوله : وفي سند الأخيرة أبو إسحاق (١) ، وهو مذكور .. إلى آخره (٢).
هو إبراهيم بن هاشم ، وهو من الأعاظم المعروفين (٣) ، ولذا ذكره في الأوّل ، ولم يتعرّض لوجهه.
وأمّا محمّد بن أبي حمزة ، فالظاهر عدم الاشتراك ، كما حقّق (٤).
قوله : [ بين البجليّ الثقة ] والثمالي المهمل ، فحمل الشيخ غير بعيد .. إلى آخره (٥).
لا شبهة في أنّ الثقة هو محمّد بن أبي حمزة الثمالي ، والمهمل ـ إن كان ـ فهو محمّد بن أبي حمزة التيملي (٦).
وأمّا محمّد بن أبي حمزة البجليّ ، فغير مذكور أصلا ، لا في كتب الرجال ، ولا في غيرها ، وهو توهّم من الشارح رحمهالله.
قوله : ولأنّه قد يؤول إلى النزاع والتشاجر [ فيبطل حينئذ ] .. إلى آخره (٧).
ولأنّ مقتضى العقد الانتقال من حين العقد ، وغير المعيّن لا ينتقل البتّة ، فتأمّل.
قوله : لأنّه مردّد ، ويؤيّده [ ما نقل عن العامّة والخاصّة ] (٨).
ولأنّ العقد يقتضي الانتقال ـ كما قلنا ـ وهذا فرع التعيين ، إذ لم يتعيّن
__________________
(١) كذا ، وفي المصدر : ( وفي السند أبو إسحاق ).
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٦.
(٣) تعليقات على منهج المقال : ٢٩. راجع! تنقيح المقال : ١ ـ ٤١.
(٤) تعليقات على منهج المقال : ٢٧٤ ، وكذا في صفحة ١١١ منه في ترجمة حسين بن أبي حمزة.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٦.
(٦) راجع : رجال الشيخ الطوسي : ٣٠٦ الرقم ٤١٧.
(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٧.
(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٧.
انتقاله ، لأنّه لم يتعيّن المنتقل ، فأيّ شيء انتقل وأيّهما تحقّق؟!
قوله : [ من النهي عن بيعين ] في بيع واحد ، وقد فسّر بمثل ذلك .. إلى آخره (١).
الدال بإطلاقه على النهي فيما نحن فيه ، وإن احتمل معنى آخر ، لأنّ الاحتمال من باب شمول الإطلاق والعموم ، فتأمّل.
قوله : لعدم الفرق ، وهي رواية النوفلي .. إلى آخره (٢).
هذا بناء على ما سيذكره من أنّ الأجلين تغليب ، لكن يشكل التعدّي على هذا ، لأنّ الظاهر أنّه قياس ، والأولى التمسّك بعدم القول بالفصل إن كان إجماع مركّب ، أو البناء على أنّ العدول من قوله : ( نسيئة ) ، مع غاية اختصاره ، ووضوح دلالته ، ومطابقته لما ذكر في صورة المسألة ، ومناسبته له إلى القول الطويل المخالف لما ذكر ، لفائدة إظهار التعميم وجعل القاعدة كلّية ، كما فهم الجماعة ، فتأمّل.
قوله : فخذها بأيّ ثمن شئت ، واجعل صفقتها واحدة .. إلى آخره (٣).
لا يخفى أنّ الظاهر من هذا الكلام عدم تحقّق المبايعة ، لأنّ المشتري أحد طرفي العقد والآن يقول البائع له : خذها بأيّ ثمن شئت واجعل الصفقة ـ أي بعد الأخذ والاختيار ـ كما هو ظاهر أيضا ، فالمشتري إن أخذ بالثمن الّذي شاء فلا شكّ في أنّه معيّن فتصير الصفقة على ذلك المعيّن ، وإلّا فلم يقع بيع كما هو ظاهر
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٧ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٧ الحديثان ٢٣٠٨٥ و ٢٣٠٨٦.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٨ ، ورواية النوفلي في : تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٥٣ الحديث ٢٣٠ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٧ الحديث ٢٣٠٨٣.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٨ ، وهو من رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام : الكافي : ٥ ـ ٢٠٦ الحديث ١ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١٧٩ الحديث ٨١٢ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٤٧ الحديث ٢٠١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٦ الحديث ٢٣٠٨٢.
الرواية ، فكيف يتأتّى الاستدلال بها للمقام؟! ويمكن المناقشة بمثل ذلك في الرواية الأولى أيضا ، فتأمّل.
قوله : لعلّ معناه أنّه يبيّن كلّ واحد منهما [ قبل وقوع البيع ] .. إلى آخره (١).
هذا بعيد ، بل الظاهر أنّ المراد أنّه لا بدّ من تعيين أحدهما قبل البيع وإيقاع البيع بذلك المعيّن ، وأمّا إذا لم يعيّن (٢) فليس له إلّا أقلّهما وإن كانت نظرة ، وهذا إمّا انتقام ومؤاخذة منه بسبب تقصيره في التعيين حين الصفقة وعدم مراعاته فقه التجارة وآدابها ، أو محمول على الاستحباب من جهة مسامحته في الفقه فيها ، أو المراد أنّه لا يعطى غالبا إلّا أقلّهما ـ وإن كانت نظرة ـ من جهة أنّه لمّا لم يقع ضبط وتعيين تقع منازعات ومخاصمات وتعليلات من المشتري في اختياره الأقل ، وأنّ بناءه كان على الإعطاء عاجلا ، فحصل التأخير من طرف البائع والتقصير من جهته.
هذا وأمثال هذا ، حتّى أنّ المشتري ربّما يصرّح باختيار النقد والعاجل إلّا أنّه مماطل بدعوى اختياره الأجل بعد الاختيار الأوّل ويبني أمره على التزلزل ، فتأمّل.
ويمكن أن يكون ذلك إظهارا لفساد العقد ووقوع التسليط على الإتلاف بإزاء أن يعطي أحد الثمنين ، فلا تسلّط له في أخذ
الأكثر بعد أن رضي بالأقل أيضا ، وكون الأقل بقيد التعجيل والحلول غير نافع ، لعدم تحقّق حلول في الفاسد ، وكذا المؤجّل الفاسد لا يتحقّق فيه تأجيل شرعا ، فيأخذ العين من الحين والعوض كذلك إن تلفت ، تأمّل فيه.
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٨.
(٢) في ه : ( يبيّن ).
قوله : وهذه ما ذكرها في « التذكرة » ، وأظنّ حسن سندها ، لأنّ الظاهر أنّ محمد بن قيس هو الثقة الّذي ينقل عنه .. إلى آخره (١).
لا يخفى أنّ هذه الرواية (٢) لا يمكن أن تصير دليلا للجماعة ، لأنّ مقتضاها تسلّط البائع على أخذ الأقل حالّا أيضا ، حيث جعل النظرة هي الفرد الأخفى ، فالأصلي هو الحالّ ، وظاهرها أنّ البائع ليس له إلّا الأقلّ وإن أخّر الأخذ إلى الأجل طمعا في أخذ الأكثر الّذي شرطه ، مع أنّ ظاهرها عدم وقوع المبايعة ، بل مجرّد المساومة ، بل قوله : « فخذها بأيّ ثمن شئت ، واجعل صفقتها » ظاهر في جعل العقد والمبايعة بالنسبة إلى خصوص أحد الثمنين ، لأنّ الصفقة هي العقد والمبايعة ، وقال : اجعل صفقة تلك السلعة واحدة ، لأنّ ظاهر السياق أنّ قوله : « أجعل » أمر كلفظ : خذ ، وخذ بأيّ ثمن تعيين لا ترديد ، لأنّه إمّا أن يأخذ بالأقل أو يأخذ بالأكثر حتّى يطابق أمر البائع وطلبه ، وظاهرها أنّ جعل الصفقة واحدة هو بعيد الأخذ والاختيار. فيكون الظاهر ما ذكرناه ، وإن قلنا أنّ قوله : « أجعل » ـ على صيغة المتكلّم ـ فتأمّل! والحاصل ، أنّه لم يظهر من الرواية أنّ المعاملة وقعت بأزيد ممّا تكلّم به البائع ، فيقول المعصوم عليهالسلام : إذا وقعت بمجرّد ما تكلّم به البائع من غير تعيين قبل البيع وإيقاع الصفقة بذلك المعيّن ، وأراد البائع أن يأخذ من المشتري ثمن هذه المعاملة الواقعة بمجرّد ما ذكره البائع ، فليس للبائع تسلّط على أن يأخذ من المشتري الثمن الأكثر وإن كان أنظره إلى الأجل ، إذ بمجرّد الإنظار ـ الّذي هو فعله ـ لا يستحقّ أن يأخذ من المشتري ذلك الثمن.
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٨ ، تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٤٩١.
(٢) أي : رواية عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام ، الكافي : ٥ ـ ٢٠٦ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٦ الحديث ٢٣٠٨٢.
وأمّا المشتري وإن وعد وشرط أن يعطي الأكثر بعد النظرة إلّا أنّه لا يلزم عليه الوفاء ، بحيث يتسلّط على الأخذ منه بائع المتاع أو غيره ، بل لا يجب عليه الوفاء. نعم ، يستحبّ عليه الوفاء ، لأنّ كلّ شرط ووعد يتحقّق من المسلم لا يجب عليه الوفاء ولا يتسلّط على الأخذ منه آخذ ما لم يقع في ضمن عقد لازم ، ولم يقع هاهنا في ضمن العقد اللازم ، إذ لم تقع المعاملة بأزيد ممّا ذكره البائع في مقام المساومة.
على أنّه على تقدير أن يقدّر في الحديث حكاية وقوع المعاملة بصفقة واحدة بعنوان الترديد بين الشقّين (١) ـ كما فهمه الشارح ـ وإن كان خلاف ما يظهر من الحديث.
فحكم المعصوم أيضا ـ كما ذكرنا ـ موافق للقاعدة ، لعدم صحّة المعاملة ، كما هو المشهور عند الأصحاب ، فإذا أراد أن يعطي متاعه للمشتري ويأخذ ثمنه منه فليس له ـ على سبيل التسلّط ـ إلّا أخذ الأقلّ ، فتأمّل.
قوله : ولا يحلّ مال امرئ إلّا بطيب النفس (٢) منه .. إلى آخره (٣).
ولقوله تعالى ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٤) ، وقوله : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٥) ، و ( أَوْفُوا بِالْعَهْدِ ) (٦) ، و ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٧) ، و
__________________
(١) في ألف : ( الشيئين ).
(٢) كذا ، وفي المصدر : ( نفس ).
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٩ ، والحديث بمعناه في : عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٢ الحديث ٩٨ و ٢ ـ ١١٣ الحديث ٣٠٩ و ٢ ـ ٢٤٠ الحديث ٦ و ٣ ـ ٤٧٣ الحديث ٣.
(٤) النساء ٢٩٤.
(٥) المائدة ٥ : ١.
(٦) الإسراء ١٧ : ٣٤.
(٧) البقرة ٢ : ٢٧٥.
« المسلمون عند شروطهم » (١) ، وغير ذلك ممّا يظهر من تتبّع تضاعيف أحاديث الأحكام.
وورد منهم عليهمالسلام أنّه : إذا ورد إليكم حديث فاعرضوه على سائر أحكامنا ، فإن وجدتم موافقا لها فاقبلوا ، وإلّا فلا (٢) ، والعبارة ليست ببالي ، إلّا أنّها بهذا المضمون.
قوله : [ فكيف العمل بها ] مع كونها حسنة؟! .. إلى آخره (٣).
بل وغير معمول بها أيضا ، كما عرفت.
قوله : [ دخوله تحت الغرر المنفي والجهل الممنوع غير ظاهر ] ، لأنّ الاختيار إليه ، وعلى كلّ من التقديرين الثمن معلوم .. إلى آخره (٤).
لا يخفى ، أنّ الكلام في وقوع المبايعة كذلك ، لا أن يكون خصوص الإيجاب كذلك ، والمشتري يقبل أحد طرفي ذلك ، فيحصل التعيين لذلك ، ويقع العقد ـ الّذي هو مجموع الإيجاب والقبول ـ على المعيّن مع الإشكال في الإيجاب أيضا ، فإنّه ما أوجب معيّنا ، وغير المتعيّن لا يمكن تحقّقه ووقوعه وانتقاله ، فإنّ العقد ناقل ومملّك ، والنقل والملك لا يتحقّق إلّا به ، والاختيار ليس مملّكا وناقلا.
قوله : ولزوم العقد موقوف (٥) لا صحّته ، وإلّا يشكل الأمر. إلى
__________________
(١) الكافي : ٥ ـ ١٦٩ الحديث ١ ، عوالي اللآلي : ٢ ـ ٢٥٨ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٦ الحديث ٢٣٠٤٠ و ٢٣٠٤١.
(٢) لاحظ : بحار الأنوار : ٢ ـ ٢٤٤ الحديث ٥٢ ، وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ١٢١ الحديث ٣٣٣٧٣.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٩.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٩.
(٥) كذا ، وفي المصدر : ( ولزوم العقد على ذلك الشرط ).
آخره (١).
قد عرفت فساد جعل الشرط شرطا للزوم العقد دون صحّته وانتقال العوض.
ونزيد توضيحا هنا بأنّ : جميع الفقهاء ـ حتى الشيخ علي ، والشهيد ، ومن وافقهما في جعل المتوقّف على الشرط هو اللزوم خاصّة (٢) ـ اتّفقوا على أنّ الشرط من جملة العوض وتتمّته ، وكذلك كلّ من يوقع عقد البيع متّفق على إرادة كونه من الجملة والتتمّة.
والأدلّة أيضا تقتضي ذلك ، بلا شكّ ولا شبهة.
وأيضا ، قولك : بعت هذا بالثمن المعيّن والشرط المعيّن ، صريح في ذلك ، لأنّ المعطوف في حكم المعطوف عليه ، والعامل فيهما كلمة ( بعت ) ، وحرف الباء.
إذا عرفت جميع ذلك ، فنقول : إنّ مجموع العوض الّذي هو مدخول حرف الباء ـ أي الثمن والشرط ـ إمّا يكون بإزاء الانتقال خاصّة ، أو بإزائه وإزاء اللزوم أيضا ، أو بإزاء اللزوم خاصّة :
والأوّلان ، يوجبان الدور في المقام بلا شبهة.
والثالث ، يوجب كون الانتقال في البيع بلا عوض ، وهو فاسد قطعا ، لأنّ الانتقال بلا عوض من خواصّ الهبة ، فكيف يجوز كون البيع هبة؟! ثمّ كيف يصير منشأ اللزوم موجبا لقلب ماهيّة الهبة إلى البيع؟! وكيف مع عدم الوفاء بالملزم (٣) يصير معا جائزا؟
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٣٠.
(٢) راجع : جامع المقاصد : ٤ ـ ٢٠٤ ، الروضة البهيّة : ٣ ـ ٥١٥ ـ ٥١٦ ، مفتاح الكرامة : ٤ ـ ٤٣٣.
(٣) في ه : ( بالملزوم ).
بقي أن يكون بعض العوض المذكور بإزاء الانتقال والبعض الآخر بإزاء اللزوم ـ كما اختاره الشهيد ومن وافقه ـ فمع أنّه خلاف مدلول عبارة العقد ، لاتّحاد اللفظ والعبارة ، واتّحاد المدلول والدلالة ، واتّحاد القصد والإرادة ، لأنّ مقصود المتعاقدين ليس سوى مدلول العبارة ، فالتفكيك المذكور تحكّم بحت ، وترجيح بلا مرجّح.
ومع ذلك ، إن أرادوا كون هذا البيع بثمنين على تقديرين ـ أي عوضين ، عوض على تقدير اختيار مجرّد الانتقال ، وعوض على تقدير اختيار لزوم الانتقال ـ فهذا البيع فاسد عند جميع الفقهاء ، حتّى الشهيد والشيخ علي رحمهماالله وأمثالهما (١) ، بل فساده من وجوه متعدّدة ، كما عرفت ممّا كتبناه في حاشيتنا عند قول المصنّف : ( من باع مطلقا أو شرط التعجيل ) (٢).
ومع ذلك لا ينفع في المقام ، إذ لو اختار اللزوم فالدور بحاله ، وإن اختار الجواز فلا وجه إذن للشرط.
وإن أرادوا كون البيع بثمن واحد على تقدير واحد إلّا أنّ بعض الثمن بإزاء الانتقال وبعضه بإزاء اللزوم ، ففيه أنّه على هذا كيف يتصوّر تفكيك أجزاء البيع الواحد على الفرض الواحد ، حتّى يقال : يؤثّر أوّلا انتقاله ، ثمّ يبقى لزومه متزلزلا ، إن وفى بثمنه وعوضه يتحقّق اللزوم أيضا ، وإلّا فيبقى الجواز والانتقال خاصّة؟! فإن قلت : الفقهاء صرّحوا بأنّه عند فقدان الشرط يكون للمشترط خيار الفسخ ، وهذا صريح في كون الشرط بإزاء اللزوم ، وأنّه المتوقّف عليه.
__________________
(١) راجع! تحرير الأحكام : ١ ـ ١٧٣ ، جامع المقاصد : ٤ ـ ٢٠٤ ، الروضة البهيّة : ٣ ـ ٥١٤.
(٢) مرّ في الصفحة : ١٧٨ من هذا الكتاب.
قلت : الفقهاء ما خصّصوا خيار الفسخ بفقدان الشرط ، بل قالوا بخيار الفسخ بفقدان أيّ جزء من أجزاء الثمن ، وأيّ جزء من أجزاء المبيع ، وأيّ وصف من أوصافهما ، ومن جملة ذلك فقدان الشرط.
ومعلوم أنّه ليس جزء من أجزاء المبيع بإزاء اللزوم ، بل الجميع بإزاء الثمن على حدّ سواء ، وكذا الحال في أجزاء الثمن والأوصاف ، وأيضا خيار الفسخ في المشروط عند فقد الشرط إنّما يكون للمشترط فقط.
وأمّا الّذي عليه الشرط فلا خيار له أصلا باتّفاق جميع الفقهاء حتّى الشيخ علي والشهيد (١) وأمثالهما ، فلو (٢) كان المتوقّف على الشروط هو اللزوم خاصّة لكان للمشتري أيضا خيار الفسخ.
وأيضا ، قد عرفت سابقا أنّ الخيار في الفسخ للمشترط ، وإن كان بسبب التراضي الواقع حين العقد ، لكن خياره في الإمضاء ليس بذلك الرضا منه ، بل رضا جديد يحدث منه ، ويلحق العقد وله هذا الرضا اللاحق بمقتضى الأدلّة الّتي عرفت.
فإن قلت : لعلّ نظر المحقّق الشيخ علي والشهيد رحمهماالله والغير إلى ما ذكرت.
قلت : لا يدفع الدور ، بل يحقّقه ويؤكّده ويتفرّع عليه ، لأنّ فقدان الشرط هنا من جهة الاستحالة الكائنة من الدور ، ومع ذلك لا خيار للمشتري أصلا كما عرفت.
والدور إنّما حصل من جهة المشتري بأنّ تملّكه فرع تمليكه ، وتمليكه فرع تملّكه. ومع ذلك ، الكلام في صحّة العقد مع تحقّق الشرط كما اختاره الشهيد رحمهالله (٣)
__________________
(١) مسالك الأفهام : ١ ـ ١٤٢.
(٢) في ألف ، د ، ه : ( ولو ).
(٣) الدروس الشرعيّة : ٣ ـ ٢٠٣.
وموافقوه ، لا مع رفع اليد عنه لاستحالته.
فإن قلت : ما تقول في البيع بشرط العتق؟
قلت : لم يثبت توقّف عتق المشتري ـ على أيّ حال يكون ـ على تماميّة ملكه ، إذ لعلّ ما نحن فيه خرج عن قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا عتق إلّا في ملك » (١) بسبب النصّ وإجماع الأصحاب (٢) ، أو يكون العتق من جهة البائع الآمر ، أو يكون النصّ والإجماع قرينة على أنّ المراد من الشرط هنا غير معناه الظاهر ، بخلاف ما نحن فيه ، بل الأمر فيه بالعكس.
فإن قلت : ما تقول في البيع بشرط أن يبيع من الغير؟
قلت : لم يظهر بعد صحّة هذا ، ولا القائل بالصحّة ـ كما لا يخفى على المطّلع ـ ومع ذلك نقول : بيع المشتري ـ على أيّ تقدير ـ لم يثبت توقّفه على تماميّة ملكه ، إذ لعلّه يكون البيع من جهة البائع الآمر الشارط ، ولا يمكن البيع من جهة على نفسه كما هو ظاهر ، فتأمّل جدّا.
وبهذا الجواب صرّح العلّامة ، مع ادّعائه صحّة اشتراط البيع من الغير عندنا (٣).
فإن قلت : البائع يريد الانتقال من حين العقد ، فكيف توقّفه على الشرط؟
قلت : لعلّه يريد الانتقال المتزلزل إلى أوان الشرط ، فإن وقع يكشف عن
__________________
(١) عوالي اللآلي : ٢ ـ ٢٩٩ الحديث ٤ و ٣ ـ ٤٢١ الحديث ٣ ، وفي : الكافي : ٦ ـ ١٧٩ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢١٧ الحديث ٧٧٤ ، الاستبصار : ٤ ـ ٥ الحديث ١٥ ، وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ١٥ الحديث ٢٨٩٩٨ ورد لفظ الحديث هكذا : « لا عتق إلّا بعد ملك ».
(٢) راجع : مفتاح الكرامة : ٤ ـ ٧٣٩.
(٣) تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٤٩٠ ، حيث ذكر فيه : ( أمّا لو شرط أن يبيعه على غيره صحّ عندنا ).
تحقّقه ولزومه من حين العقد ، وإلّا فلا ، فتأمّل.
فإن قلت : الفقهاء لم حكموا هنا بالبطلان ، ولم يقولوا بالصحّة بعد رفع اليد عن الشرط وتحقّق خيار الفسخ؟
قلت : طريقتهم في كثير من أمثال المواضع الحكم بالبطلان ، مثل اشتراط الأجود ، وغير ذلك ممّا هو كثير.
قوله : فقال : ابتع لي متاعا لعلّي أشتريه منك .. إلى آخره (١).
لا يخفى ، أنّ المتاع غير الطعام وما يكال بحسب الظاهر ، والمراد من الحديث أنّ الرجل إذا أمر رجلا آخر أن يشتري متاعا ليشتري منه ويعطيه الربح يخاف أن يكون هذا ربا ، فأجاب عليهالسلام : إنّ البيّع صار واسطة ، والثاني إذا اشتراه وأربحه إنّما يشتريه ما اشتراه الأوّل ، فلا ربا ، بل هو ربح المعاملة.
فلا دلالة في الروايتين (٢) على الصحّة فيما يكال أيضا ، لما ستعرف أنّ المانع هو كونه يكال ، لا تحقّق الربا وكون الربح من غير جهة المعاملة ، ولذا صرّح في صحيحة الحلبي (٣) الآتية بالصحّة في المتاع ، والفساد في الطعام معلّلا بأنّه يكال ، فتأمّل.
قوله : يشتري الثمرة ثمّ يبيعها قبل أن يأخذ .. إلى آخره (٤).
لعلّ المتبادر من الثمرة
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٣٧ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٥١ الحديث ٢٢٠ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٥١ الحديث ٢٣١١٨.
(٢) أي : الرواية السابقة المشار إليها بقوله : « فقال : ابتع لي متاعا .. » ، والرواية الآتية في قوله : « يشتري الثمرة ثمّ يبيعها .. ».
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٣٩ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١٣٦ الحديث ٥٩٤ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٥٥ الحديث ٢٤٠ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٦٧ الحديث ٢٣١٦٢.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٣٧ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١٣٢ الحديث ٥٧٦ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٨٨ الحديث ٣٧٦ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٢٥ الحديث ٢٣٥٥٠.
في الحديثين (١) كونها على الشجر ، وعدم كونها ممّا يكال ، سيّما بملاحظة صحيحة الحلبي الآتية (٢).
وبالجملة ، لا يقاوم دلالة هذين دلالة الصحيحة وغيرها ، وذكر الشارح هذين الصحيحين عند قول المصنّف : ( وأن يبيع ما ابتاعه ) (٣) ـ في بحث بيع الثمار ـ وأنّه يجوز عند الفقهاء قبل القبض وبعده من دون تأمّل ، فلاحظ.
قوله : « لا يصلح » من عبارات الكراهية .. إلى آخره (٤).
عدم الصلاح له ظهور في المنع ، سيّما بملاحظة أنّ مقابل الصلاح الفساد ، وهو المناسب في أمثال المقام ، مع أنّ النهي حقيقة في الحرمة ، وليس هاهنا معارض ، لما عرفت من أنّ ما في الصحاح غير محلّ النزاع ، وما في الضعيف (٥) ـ مع ضعف السند ـ لا يقاوم دلالته النهي ، بل وعدم الصلاح أيضا. هذا في رواية أبي بصير (٦).
وأمّا رواية الحجّاج (٧) ، فيمكن اختصاصها بموردها.
__________________
(١) المراد منهما : الحديثان ٣٧٦ و ٣٧٧ من تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٨٩ ، ومجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٣٧ الحديثان ٢ و ٣.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٣٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٦٧ الحديث ٢٣١٦٢.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢١٢.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٣٩.
(٥) أي رواية أبي بصير الّتي سنشير إليها في الهامش التالي.
(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٣٧ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٣٧ الحديث ١٥٤ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٦٩ الحديث ٢٣١٦٨.
(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٣٨ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١٣١ الحديث ٥٦٩ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٣٩ الحديث ١٦٤ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٦٩ الحديث ٢٣١٧١ ، إلّا أنّ صاحب « الوسائل » حذف آخر الحديث من دون إشارة إليه ، ولكن استدرك في جامع أحاديث الشيعة : ١٧ ـ ٤٨٩ الحديث ٥ ، فلا تغفل! ، وفي المصادر : ( ابن الحجّاج ).
ورواية جميل (١) ، يمكن حملها على عدم البأس بالبيع في الجملة ، فتأمّل.
وكيف كان ، لا نجد معارضا مطلقا من جهة ضعف السند ، مع أنّه سيجيء في بحث السلف عدم جواز بيعه قبل الحلول إجماعا ، فرواية الحجّاج مخالفة للمجمع عليه عندهم.
قوله : [ جواز المواضعة أيضا ] ، لكن الأوّليين ينفيانها أيضا .. إلى آخره (٢).
يمكن حمل الأوّل على ورود الشرط مورد الغالب من عدم البيع وضيعة ، أو أنّ البيع قبل القبض لا يكون بالوضيعة غالبا ، مع أنّه يشعر بحرص وشدّة رغبة فيه ، ولا يكون غالبا إلّا بالمرابحة وبعدها التولية. وبما ذكرنا يتّفق الأخبار وأجزاء هذا الخبر.
قوله : وهذه جعلت المنفي فيها مرابحة [ والجواز التولية ] .. إلى آخره (٣).
قد عرفت عدم المخالفة والتفاوت ، وعدم ضرر أصلا ، وعدم شيء مطلقا بمقتضى القواعد.
قوله : [ ثمّ إنّه ] يمكن حمل أخبار المنع مع ما عرفت فيها .. إلى آخره (٤).
بعيد جدّا ، مع أنّه لا مقاومة بحسب السند ، فلا وجه للحمل ، مع أنّه ربّما يستفاد من الروايات أنّ القبض ثمّ البيع للتعبّد (٥) عن شباهة الربا ، فتأمّل.
قوله : [ في اشتراط الوزن والكيل ] تأمّلا ، وعلى تقدير التسليم .. إلى آخره (٦).
قد مرّ ما في تأمّله ، مع أنّه لا مانع من أن يكون ما يكال أو يوزن لا يجوز
__________________
(١) الكافي : ٥ ـ ١٧٩ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٣٦ الحديث ١٥١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٦٦ الحديث ٢٣١٥٨.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٤١ ، وفي المصدر : ( لكن الأوّلتين تنفيانها أيضا ).
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٤١.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٤١.
(٥) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٦٥ الحديث ٢٣١٥٣ وباقي أحاديث الباب.
(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٤٢.
بيعه قبل القبض وقبل الكيل والوزن ، وإن لم يكن شرطا.
قوله : وأظنّ (١) أنّ هذا توجيه لا بأس به .. إلى آخره (٢).
لا نفع في هذا التوجيه ، لعدم القائل بالفصل ، مع أنّه بعيد بالنسبة إلى ظواهر الأخبار الأخر ، ولا داعي لارتكاب البعيد ، لأنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه.
وبالجملة ، الأخبار ظاهرة في المنع في المكيل والموزون وغير التولية بلا مانع ولا معارض ، فتأمّل جدّا.
في السلف
قوله : من لزوم الغرر المنفي [ لولا الذكر ] .. إلى آخره (٣).
وللعلّة المنصوصة في رواية جابر الآتية (٤) في قول المصنّف : ( ولا يصحّ المذروع ) (٥) ، وكذا السفه والضرر والتعيين لرفع النزاع ، وغير ذلك.
قوله : وفي الإثم تأمّل ، كما مرّ في الصرف .. إلى آخره (٦).
في تأمّله في خصوص الإثم نظر ظاهر ، بعد اعترافه بأنّه ظاهره أنّه يحصل
__________________
(١) كذا ، وفي المصدر : ( أظن ).
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٤٢.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٤٧.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٥١ ، الكافي : ٥ ـ ٢٢٢ الحديث ١٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٨٧ الحديث ٢٣٦٨٤.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٥١.
(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٤٧.
الإثم أيضا ، فإنّ الإجماع المنقول (١) إن كان حجّة ـ بناء على أنّ ما دلّ على حجيّة الخبر الواحد يشمله عند النظر والتأمّل ، ولذا لم يتحقّق من الفقهاء نزاع في حجّيته ، بل النزاع وقع من شاذّ من علمائنا المتأخّرين الّذين ليس لهم تعرّق (٢) في الفقه وأصول الفقه ـ فمقتضى ما يستفاد منه حصول الإثم أيضا ، وإلّا فلا بدّ من التأمّل في اعتبار القبض أيضا كما وقع من الشاذّ.
بل الظاهر أنّ سائر الفقهاء شاركوا العلّامة في الإجماع المذكور ، لأنّهم اتّفقوا في الفتوى من غير تأمّل أصلا في اشتراط القبض بطريقة العلّامة ، ولا يخفى أنّ مستندهم ـ أيضا ـ هو الإجماع نفسه ، لا نقل العلّامة إيّاه ، لتقدّمهم عليه.
بل لعلّ المتأخّر عنه ومن هو في رتبته استناده على نفس الإجماع أيضا ، فبملاحظة ما ذكر يصير الإجماع ـ في القوّة ـ من قبيل الإجماع المتواتر أو اليقيني علينا أيضا.
فإن قلت : نظر الشارح في تأمّله إلى أنّ العلّامة نسب البطلان إلى علمائنا دون عدم الجواز.
قلت : إنّه رحمهالله حكم أوّلا بعدم الجواز ثمّ فرّع عليه البطلان عند جميع علمائنا ، وهذا ينادي بأنّ البطلان عندهم على سبيل التفريع على عدم الجواز ، فتأمّل جدّا! هذا ، مضافا إلى ما ذكرناه أيضا في الصرف ، ويظهر من كلام الشارح أنّ تأمّله في المقام تأمّله في الصرف ، فلاحظ تأمّله هناك كما أمر (٣).
قوله : ولكن يؤيّده أيضا ما تقدّم من الأدلّة الدالّة [ على اشتراطهما فيهما ] .. إلى آخره (٤).
__________________
(١) لاحظ : تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٥٥٦ ـ البحث السادس.
(٢) في ألف : ( تعرّف ) ، وفي د ، ه : ( تصرّف ).
(٣) راجع : مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٠٢.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٤٨.
بل يؤيّده ما مرّ في ذكر الجنس والوصف ، بل يدلّ عليه ، فتأمّل.
وفي الروايتين (١) ظهور في البأس إذا لم يكن بكيل معلوم ، ولعلّ الظاهر منه هنا المنع ، سيّما بملاحظة الضم إلى الأجل المعلوم.
بل رواية جابر (٢) المتضمّنة للمنع عن السلف في روايا الماء في غاية الظهور في اشتراط الكيل والوزن.
وبالجملة ، مجموع ما أشرنا يكفي لكونه دليلا ، سيّما بعد عدم الخلاف من الأصحاب ، مع أنّ المتعارف في الأعصار والأمصار ضبط المكيل والموزون بالكيل والوزن لتعيين المبيع ، وإن كانوا ربّما يكتفون بالمشاهدة في الحال في بعض الأحوال ، وفي السلف لا يتأتّى المشاهدة ، فتأمّل.
قوله : والخبر كأنّه محمول على كونه أصغر .. إلى آخره (٣).
في الحمل نظر ، ومرّ الكلام في ذلك (٤) ، وفي رواية الحلبي (٥) ، وحمل الكيل وصرفه إلى المعهود المتعارف ظاهر.
قوله : [ إلّا أنّ ] دليله غير واضح ، بل الظاهر عدم ذلك (٦).
__________________
(١) أي : رواية غياث بن إبراهيم : الكافي ٥ ـ ١٨٤ الحديث ١ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١٦٧ الحديث ٧٤٠ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٧ الحديث ١١٦ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٨٩ الحديث ٢٣٦٩٠ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٤٨ ، ورواية محمد الحلبي : الكافي : ٥ ـ ١٨٥ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٨ الحديث ١٢١ ، وسائل الشيعة ١٨ ـ ٢٩٥ الحديث ٢٣٧٠٢ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٤٨.
(٢) الكافي : ٥ ـ ٢٢٢ الحديث ١٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٨٧ الحديث ٢٣٦٨٤.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٥٠.
(٤) مرّ في الصفحة : ١١٧ وما بعدها.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٧٨ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٣٧٧ الحديث ٢٢٧٨٧.
(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٥٢.
دليله واضح ، وقد أشرنا إليه في مسألة القدرة على التسليم (١) ، وذكرنا هناك أنّ القدرة على التسليم عند جميع الفقهاء ليست مجرّد الظن بالقدرة على التسليم ، فمن اعتبر غلبة الوجود لم يرد سوى القدرة على التسليم ، لأنّها في السلم منحصرة في الغلبة لا طريق لها إلى غيرها ، ومجرّد الظنّ لو كان كافيا لزم صحّة بيع ما في الضرع من اللبن ، وقصب الآجام ، وثمرة النخل والأشجار في السنة الآتية ، وغير ذلك ممّا هو مسلّم عند الجميع ـ إلّا شاذّ منهم ـ بطلانه ، فتأمّل جدّا.
وفي « التحرير » : يجب كون المسلّم فيه عام الوجود عند الحلول بلا خلاف (٢) انتهى ، فتأمّل.
قوله : والاكتفاء بإمكان وجوده (٣).
لا يخفى أنّ عقد البيع ليس معلّقا على اتّفاق الوجود ، بل لا يصحّ التعليق فيه ، فبمجرّد إمكان الوجود كيف يجعل البائع على عهدته ، وفي ذمّته إعطاء المبيع مطلقا ، وعلى أيّ حال؟! مع أنّه مكلّف بوجوب الوفاء بعقده وعهده وشرطه ، سيّما وأنّه جعل إعطاء المبيع مطلقا بإزاء ثمن المشتري ، الّذي يأخذه حالّا ويتصرّف فيه تصرّف الملّاك في أملاكه ، ويتلفه كيف يشاء.
والمشتري أيضا ما أعطى الثمن ولا رضي بأن يصير ملكه يتصرّف كذلك ويتلف كيف ما أراد إلّا بإزاء المبيع المشترط إعطاؤه البتّة.
وعلي أيّ حال ، فيما لم يكن هناك وثوق تام ، كيف يتأتّى جميع ما ذكر؟! هذا ، مضافا إلى ما مرّ وسيجيء ، فلاحظ!
__________________
(١) راجع الصفحة : ١٠٩ ـ ١١١ من هذا الكتاب.
(٢) تحرير الأحكام : ١ ـ ١٩٥.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٥٢.
قوله : كما هو عبارة « القواعد » (١) ، و « التذكرة » (٢) على ما نقل في « شرح الشرائع » (٣) .. إلى آخره (٤).
لا يخفى أنّ عبارة « القواعد » صريحة في اعتبار الغلبة (٥) ، لأنّه كثيرا ما يحكم بالبطلان من جهة عزّة الوجود ، فبعبارته الواضحة (٦) فيما ذكرنا من أنّ القدرة على التسليم عندهم في غلبة الوجود ، كأنّه (٧) يريد من عزّة الوجود ما يقابل عموم الوجود ، فلاحظ عبارته.
وأمّا عبارة « التذكرة » (٨) ، فليست عندي ، وفي الظنّ أنّها مثل « القواعد » ، سيّما بعد ملاحظة ما سيذكر الشارح عنه من قوله : ( ولو غلب على الظنّ .. إلى آخره ) (٩) ، فلاحظ.
قوله : وهما يدلّان على جواز اشتراط [ القرية المعيّنة ] .. إلى آخره (١٠).
لا يبعد حملهما (١١) على القرية العظيمة الّتي يغلب وجود طعامها ، كما حملوهما (١٢) على ذلك.
__________________
(١) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٣٧.
(٢) تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٥٥٤.
(٣) مسالك الأفهام : ١ ـ ١٧٠.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٥٢.
(٥) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٣٤ ـ ١٣٥.
(٦) في ألف ، ج : ( بعبارته الواضحة ) ، وفي د ، ه : ( فبعبارته واضحة ).
(٧) في ألف ، ج : ( لأنّه ).
(٨) تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٥٤٩ ـ ٥٥٠.
(٩) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٥٤.
(١٠) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٥٣.
(١١) مراده : صحيحة زرارة ، ورواية خالد بن الحجّاج. لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٥٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣١٣ الحديث ٢٣٧٤٥ و ٣١٤ الحديث ٢٣٧٤٧.
(١٢) في ألف ، د : ( حملهما ).