حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

وتبادر ما نحن [ فيه ] في الأخبار الدالّة على عدم إرث الكافر من المسلم المورث لعلّه محلّ تأمّل ظاهر ، سيّما لعدم كون الصغير كافرا ، ولا في حكم الكافر من جميع الوجوه ، بل القطع حاصل بعدم كونه في حكم الكافر في وجوب قتله ، وأخذ الجزية [ منه ] ، وكونه تبعا للسابي. إلى غير ذلك.

وما ذكر في هذا الخبر المفتي به عند الأكثر نوع من الأولويّة في أولي الأرحام ، سيّما بملاحظة ما اشتهر وتلقّي بالقبول عند جميع الفحول ووجدوا بالوجدان ، من أنّه ما من عامّ إلّا وقد خصّ ، وملاحظة قوله تعالى ( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ ) (١) وغيرهما من الكتاب والأخبار المتواترة.

مضافا إلى الأخبار المتواترة في مراعاة ما هو أوفق بالقرآن والسنّة المتواترة ، وما اشتهر بين الأصحاب وغير ذلك ، مثل ما ورد في السعي في إهداء الضالّة وتشييد الدين ، وترويج الحقّ والصواب ، وتأليف القلوب إلى الحقّ ، مع أنّه تعالى جعل للمؤلّفة قلوبهم قسطا من الزكاة ، وما ورد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وغير ذلك ، والله يعلم.

قوله : وهو ظاهر على أنّ في متنه [ ـ أيضا ـ ] قصورا ، حيث حكم أوّلا بتوريث ابن الأخ وابن الأخت ولم يفصّل بأنّه أسلم الأولاد أم لا ، وحكم [ بعده ] بأنّه إن أسلموا يعطي الإمام .. إلى آخره (٢).

لا يخفى ما فيه ، فإنّ المعصوم عليه‌السلام صرّح بأنّ توريث ابن الأخ والأخت المسلمين مطلقا إن لم يكن له ولد صغار ، فإن كان له ولد كذلك فالتوريث ، وإن كان بحاله ، إلّا أنّه عليهما أن ينفقا عليهم ممّا ورثا حتّى يدركوا ، والراوي ـ حين

__________________

(١) المائدة ٥ : ٢.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٤٨٤.

٧٤١

سأل ـ صرّح بأنّه ليس له أولاد مسلمون ، بل له أولاد وزوجة نصارى ، فليس هنا موضع الاستفصال بأنّه مسلم الأولاد أم لا.

ثمّ لما سئل عليه‌السلام أنّه إذا اتّفق أنّ أولاده الصغار ـ إن كانوا ـ إن اتّفق أنّهم أسلموا وهم صغار ، هل حالهم مثل ما لو لم يسلموا؟ فأجاب عليه‌السلام بأنّه حينئذ ليس حالهم حال ما لو لم يسلموا ، إذ يعطى حينئذ ما ترك أبوهم للإمام عليه‌السلام أولى الظنّ (١) القويّ غاية القوّة حاصل بأنّهم يبقون على إسلامهم ، لا أنّهم يرتدّون إن بلغوا (٢).

فعلى هذا ، لا يناسب إعطاء ميراثهم من أمّهم لابن الأخ والأخت ، فإنّهم يأكلونه ويصرفونه.

وأمّا سكوته عن وجوب الإنفاق عليهم ، فلأنّه من اليقينيّات أنّهم لا يتركون جائعين عن بابين (٣) مثلا ، لأنّهم يموتون قطعا ، فلا وجه لحفظ الإمام عليه‌السلام ميراثهم إلى أن يدركوا ، بل لعلّه على الإمام عليه‌السلام أن ينفق عليهم من ماله أو من بيت المال ، لا خصوص أموالهم الّتي يورثهم (٤) المسلم البتّة ، و [ هي ] حقّ المسلمين جزما.

وفي صورة عدم إسلامهم ، لمّا كان المال حقّ ابن الأخ والأخت وهما ورثاه الآن ، كان عليهما أن ينفقا من مالهما المذكور إلى بلوغهم ، وأمّا الإمام عليه‌السلام فالمال ليس ماله ، مع أنّ الإمام يعلم يقينا أنّه ما ذا يصنع ، فلا حاجة إلى إظهار ذلك في المقام ، ولا يقتضي المقام إظهاره ، وإن كان في مقام جواب سؤال السائل كما لا

__________________

(١) كذا في النسخ ، والظاهر أنّ الصواب : ( إذ أنّ الظنّ ).

(٢) في ألف : ( آن بلوغهم ).

(٣) كذا في النسخ : الف ، د ، ه ، والعبارة ساقطة من نسختي ب ، ج.

(٤) في النسخ الكلمة هكذا : ( يرثهم ) ـ بدون تنقيط.

٧٤٢

يخفى ، لأنّه كان يدري أنّ الإمام عليه‌السلام لا يخلّيه حتّى يموت ، والله يعلم.

قوله : فلا يردّ هذا التنزيل بالردّ المذكور. نعم ، يمكن ردّه بأنّه حينئذ يلزم توريث الأولاد ، إلّا ابني الأخ والأخت (١) والإنفاق عليهما ، بل يأخذه الحاكم وينفق ، وعدم جواز الأخذ منهم بعد أن كفروا يجب حينئذ استعسار الأولاد ، فتأمّل .. إلى آخره (٢).

لا يخفى وضوح فساد هذا الردّ ، إذ لا يلزم من عدم الدخول في الكافر الممنوع من الإرث كونه وارثا مطلقا ، بل لعلّه يكون بالنحو الثابت من هذا الخبر المعمول عند الأكثر ، مع ما فيه من المؤيّدات الّتي عرفت ، مع أنّه لعلّه صحيح ، ولا يبعد صحّته كما عرفت ، فلاحظ حال عبد الملك بن أعين من الرجال وما كتبنا فيه (٣) ، مضافا إلى ما فيه من الجوابر الّتي عرفت ، فتأمّل!

الرقّ

قوله : ويمكن الاستدلال ـ أيضا ـ على عدم إرثه من غيره (٤) بما تقدّم في صحيحة محمّد بن مسلم [ الّتي ] في إسلام الوارث على ميراث ، « قلت : العبد يعتق على ميراث ، فقال : هو بمنزلته » (٥) ، وما في حسنته : « ومن أعتق على ميراث قبل

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( لا ابني الأخ والأخت ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٤٨٥ ، ولم ترد فيه : ( يجب حينئذ. فتأمّل ) وورد بدلها : ( وبالجملة ، إنّ التنزيل لا يصلح ما في هذه الرواية ).

(٣) تعليقات على منهج المقال : ٢١٤ ـ ٢١٥.

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( من غيره أيضا ).

(٥) من لا يحضره الفقيه : ٤ ـ ٢٣٧ الحديث ٧٥٨ ، وسائل الشيعة : ٢٦ ـ ٢١ الحديث ٣٢٤٠١ ، وفيه : ( قال ) بدلا من ( فقال ).

٧٤٣

أن يقسم الميراث فهو له ، ومن أعتق بعد ما قسم فلا ميراث له » (١) ، فيها دلالة على إرثه إن أعتق قبل القسمة .. إلى آخره (٢).

ويمكن أن يستدلّ ـ أيضا ـ بصحيحة منصور الآتية عند قول المصنّف رحمه‌الله : ( ولو تحرّر بعضه ) (٣) ، وما رواه في « الفقيه » عن الصادق عليه‌السلام : « إنّ العبد لا يورث » (٤) ، وكذا الأخبار الواردة في أنّ من تحرّر بعضه من المكاتبين يورث بقدر ما تحرّر (٥) ، وما ورد في عدّة أخبار من عدم التوارث بين الحرّ والمملوك (٦).

إلّا أن يقال بأنّ هذه الأخبار من الأخبار الدالّة على أنّ المملوك لا يملك شيئا ، لظهورها في ذلك ، فيكون الكلام فيها هو الكلام في سائر ما دلّ عليه.

ووجه الظهور أنّه إن كان يملك ، ويكون المال ماله بعد موته يصير من جملة ما ترك جزما ، فيشمله العمومات القرآنيّة والأخباريّة في انتقاله إلى الورثة.

والقول بأنّ المملوكيّة لعلّها تكون حاجبة للإرث مطلقا ، يعني كما أنّها حاجبة للوارث في وارثيّته وإرثه ، فكذا حاجبة للمورّث في مورثيّته ، وإيراثه يقتضي أن لا يكون المالك أيضا وارثا له ، فإنّه حرّ ولا توارث بين الحرّ والمملوك.

والأخبار ظاهرة في أنّ مال المملوك الميّت مال مولاه لا مال وارثه (٧) ،

__________________

(١) الكافي : ٧ ـ ١٤٤ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٢٦ ـ ٢١ الحديث ٣٢٤٠٠.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٤٨٧.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٥٠٠.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ٤ ـ ٢٤٧ الحديث ٧٩٦ ، وسائل الشيعة : ٢٦ ـ ٤٤ الحديث ٣٢٤٥٦ ، ولم ترد فيه : ( إنّ ).

(٥) لاحظ! من لا يحضره الفقيه : ٤ ـ ٢٤٧ باب ميراث المكاتب ، وسائل الشيعة : ٢٦ ـ ٤٧ الباب ١٩ من أبواب موانع الإرث.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٦ ـ ٤٣ الباب ١٦ من أبواب موانع الإرث.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٦ ـ ٦١ الباب ٢٤ من أبواب موانع الإرث.

٧٤٤

فتعيّن أن يكون الانتقال إلى المولى من جهة الملك ، لا من جهة الإرث ، كما صرّح به بعض المحقّقين (١).

وأيضا ، ربّما يظهر من كلام الشارح عدم كون عدم الموروثيّة مسلّمة عند الكلّ ، متّفقا عليه بين الفقهاء ، سيّما القائلين بالملك ، وإلّا لكان يشير إلى ذلك كما أشار في مبحث الحجر وتنظّر فيه (٢) ، فلاحظ! والشيخ رحمه‌الله وجّه هذه الأخبار وعلّل من جهة أنّ المملوك لا يملك (٣) ، وكذا غيره ممّن وجدنا وعلمنا جزما أنّه عمل بها ووجّهها ، فتأمّل.

وادّعى الإجماع على عدم الإرث والإيراث من الطرفين ، وأنّ الرقّ مانع عن ذلك ، ولم أطّلع على مخالف لهذا الإجماع ، ومضمون الأخبار.

وفي « المسالك » : جعل حاجبيّة الرقّ مخصوصا بالقول بمالكيّة العبد ، إذ لو لم يملك لم يتحقّق معنى الحجب ، كما في صورة عدم ترك الميّت مالا أصلا ، وبعد ما رأى أنّ المال على القول بالمالكيّة ، لا بدّ أن يكون إرثا ، وأنّه ليس بإرث أصلا وجّه ذلك بأنّ ملك العبد غير مستقرّ ، يعود إلى السيّد إذا زال الملك عن رقبته ، كما إذا باعه (٤). انتهى.

وفيه تأمّل ظاهر ، ومرّ الكلام في ذلك في كتاب البيع (٥) ، فلاحظ!

قوله : فلا عموم فيها ، مع احتمال كون ذلك تبرّعا منه عليه‌السلام ، فإنّ المال بعد

__________________

(١) لاحظ! الروضة البهيّة : ٨ ـ ٣٨.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢١٣.

(٣) تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٣٣٦ ذيل الحديث ١٢٠٨ ، الاستبصار : ٤ ـ ١٧٧ ذيل الحديث ١٣.

(٤) مسالك الأفهام : ٢ ـ ٢٥٤.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢١٣.

٧٤٥

عدم الوارث له عليه‌السلام .. إلى آخره (١).

قوله عليه‌السلام : « انظروا هل تجدون له وارثا؟ » (٢) ظاهر في العموم ، وقول القيد (٣) لا يخصّصه بلا تأمّل ، لأنّه من الاتّفاقيّات كما ذكره ، وظهور عدم التبرّع غير بعيد.

قوله : والظاهر أنّه أحوط بالنسبة إلى حال العبد ، ولا شكّ أنّ الاكتفاء بالقيمة السوقيّة أحوط بالنسبة إلى المالك .. إلى آخره (٤).

بل الظاهر عدم كونه أحوط بعد ما ظهر من حقّية ما ذكره أوّلا ، مع أنّه ربّما يؤدّي إلى عدم الإعتاق ، لعدم وفاء المال بمهما أراد ، إلّا أن يدخله في الإجحاف ، فتأمّل! مع أنّه كثيرا ما يتضرّر بأنّه يصير سائلا بالكفّ.

وبالجملة ، ما ذكر أوّلا متعيّن ، للأخبار المنجبرة بعمل الأصحاب (٥) ، لأنّ ظاهرهم ذلك ، والظهور يكفي في الأخبار وفي كلامهم.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٤٩٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٤٩٣ ، الكافي : ٧ ـ ١٤٨ الحديث ٨ ، من لا يحضره الفقيه : ٤ ـ ٢٤٦ الحديث ٧٩١ ، وسائل الشيعة : ٢٦ ـ ٥٢ الحديث ٣٢٤٧٤.

(٣) في ج ، د : ( وقول القيل ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٤٩٨.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٦ ـ ٤٩ الباب ٢٠ من أبواب موانع الإرث.

٧٤٦

كتاب القضاء

٧٤٧
٧٤٨

صفات القاضي

قوله : فيه دلالة على تجزّؤ الاجتهاد والفتوى وتجويز القضاء للمتجزّئ ، فافهم (١).

لا نزاع في أنّ العلم بجميع الأحكام ليس شرطا في الفتوى والاجتهاد ، كيف وهو من خواصّ الشارع؟! بل النزاع إنّما هو في اشتراط الاطّلاع بجميع مدارك الأحكام والقدرة على استنباطها ، ومنها التوقّف ، كما لا يخفى على المطّلع بأحوال المجتهدين الّذين لا تأمّل لأحد في اجتهادهم ، بل لا يوجد مجتهد إلّا ويتوقّف في بعض المسائل ، بل وغير واحد منها.

فعلى هذا ، لا دلالة للرواية (٢) على التجزّؤ في الاجتهاد ، بل على أنّ العالم ببعض الأحكام مجتهد ، وقوله فيه حجّة ، والمانع للتجزّؤ يمنع حصول العلم ببعض الأحكام للمتجزّئ ، إلّا أن يدّعى ظهور حصول العلم ببعضها من دون الإحاطة بجميع المدارك في ذلك الزمان ، لكن لو تمّ هذا ـ بحيث ينفع محلّ النزاع ـ يكون هو الدليل من دون مدخليّة الرواية ، إذ لا نزاع في أنّه بعد تحقّق العلم يكون حجّة وعالمه مجتهدا ، بل هذا فوق درجة الاجتهاد ، وهو فوق المجتهد ، إذ يكفي للمجتهد الظنّ ، بل النزاع إنّما هو في حصول العلم أو الظنّ المعتبر من دون الاطّلاع بجميع المدارك ، إذ يجوز أن يكون لباقي المدارك ـ كلّا أو بعضا ـ مدخليّة في الفهم ، فلو

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٧.

(٢) أي رواية أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّال : مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٧ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ٢ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ١٣ الحديث ٣٣٠٨٣.

٧٤٩

كان مطّلعا لتغيّر فهمه ، ومع عدم الاطّلاع كيف يحكم بعدم المدخليّة؟! إلّا أن يقلّد المجتهد في الكلّ ، فيكون في الحقيقة مقلّدا لا مجتهدا ، أو ملفّقا.

ولا دليل على حجّية مثل هذا الظنّ ، وقد بسطنا الكلام في المقام في رسالتنا (١) ، وظهر ممّا ذكر أنّ محلّ النزاع ليس ذلك الزمان ، إذ لا شكّ في حصول اليقين ممّا سمع من الشارع مشافهة ، من دون حاجة إلى مقدّمة وشرط من شرائط الاجتهاد المتّفق عليها عند الفريقين ، إذ لا شكّ في أنّ القائل بالتجزّؤ يشترط للمتجزّئ ـ أيضا ـ شرائط الاجتهاد ، إذ الشرائط المعتبرة لم تعتبر للمجتهد المطلق ، بل لمطلق الاجتهاد ، كما لا يخفى.

قوله : ولأنّه روى الأصبغ بن نباتة أنّه قال .. إلى آخره (٢).

لعلّ المراد الخطأ في موضوع الحكم الشرعي ، لا في نفسه ، ولهذا أمر بالتأمّل.

قوله : [ كون من روى ] حديث أهل البيت عليهم‌السلام ونظر (٣) في حلالهم وحرامهم وعرفهما حاكما وقاضيا وإن لم يكن مجتهدا في الكلّ .. إلى آخره (٤).

فيه ـ مضافا إلى ما مرّ ـ أنّ « أحكامنا » (٥) ظاهر في الكلّ ، بل وإفادة « حلالنا وحرامنا » البعض أيضا محلّ نظر.

__________________

(١) أي رسالة الاجتهاد والأخبار : الرسائل الأصوليّة : ٦٧ ـ ٧١.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٧ ، ورواية الأصبغ بن نباتة في : من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ٥ الحديث ١٦ ، وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٢٢٦ الحديث ٣٣٦٥١.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( وينظر ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١١.

(٥) من رواية عمر بن حنظلة : مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٨ ، الكافي : ١ ـ ٦٧ الحديث ١٠ ، وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ١٣٦ الحديث ٣٣٤١٦.

٧٥٠

قوله : [ فلا يجوز للمتّصف بالشرائط الحكم بغير نصبه ] ، والدليل عليه غير ظاهر إلّا أن يكون إجماعيّا .. إلى آخره (١).

في قوله عليه‌السلام : « فإنّي قد جعلته [ عليكم ] حاكما » وقاضيا ، وغير ذلك شهادة واضحة على الاشتراط ، وأنّ نصبهم كذلك إنّما هو لعدم تمكّنهم من النصب بالخصوص ، فدعوى البعد بعيد ، فتأمّل.

قوله : [ ولم يجز ] ولم ينفذ حكمه ، إذ لا بدّ من الإذن .. إلى آخره (٢).

لكن روى « الكشّي » في عروة القتّات ما يشير إلى الجواز (٣) ، مع تأمّل فيه ، فتأمّل!

قوله : [ الإجماع أيضا ، ] وإلّا فما أعرف له دليلا بعد جعله مخصوصا .. إلى آخره (٤).

يمكن الاستشهاد بحكاية عروة القتّات ، فتأمّل!

قوله : فإنّ عرفان الأحكام بدون الاجتهاد لا يمكن ، ويؤيّده الاعتبار ، وفيه تأمّل ، لعدم حجّية الاعتبار ، وأنّ ظاهر الأخبار أنّه يكفي مجرّد الرواية ، وأنّ فهمها كاف .. إلى آخره (٥).

لا يخفى أنّ هذا الراوي أعلى درجة من المجتهد في زماننا بمراتب ، لانسداد باب العلم ، وتراكم الشبهات والاختلالات ، ومقتضى الأدلّة حرمة العمل بالظنّ والحكم بغير عرفان ، ولم يظهر من الأخبار عدم عرفان الرواة ، بل وربّما كان الظاهر عرفانهم ، ولا أقلّ من عرفان كعرفان المجتهد ، وأنّه كان حاصلا لهم لو لم

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١٧.

(٣) رجال الكشي : ٢ ـ ٦٦٩ الحديث ٦٩٢.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١٧.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ١٩.

٧٥١

نقل بأزيد منه ، بل لو كان ظاهرها العدم لزم ارتكاب خلاف الظاهر ، جمعا بين الأدلّة.

ولا يمكن حمل ما دلّ على اشتراط العرفان على مثل مجرّد الرواية من دون عرفان لقطعيّة السند وقوّة الدلالة ، لو لم نقل بالنصوصيّة في بعضها ، مع أنّ مجرّد الاحتمال لا يكفي في المقام والحكم في الأموال والدماء والفروج وأمثالها بمجرّده ، مضافا إلى أنّ العمل بغير العلم في الأحكام الشرعيّة خلاف الأصل والعقل ، بل الظنّ لا يكفي إلّا أن يدلّ [ دليل ] علمي على اعتباره ، كما هو في ظنّ المجتهد.

فإذا كان الظنّ لا يكفي ، فكيف مجرّد الاحتمال؟! سيّما وإن كان مرجوحا ، لو لم نقل بالقطع بفساده ، فتأمّل! على أنّا نقول : ليس ظاهر الأخبار أنّ القاضي استند إلى الرواية ، فضلا عن اكتفائه بمجرّدها ، بل المستفاد منها أنّ القاضي هو الراوي ، والمحدّث ، وإن أراد أنّه يكفي للمدّعي والمدّعى على مجرّد الرواية من دون قاض وقضاء وحكم ، فلا يخفى ما فيه ، فتدبّر (١)!

قوله : وقد يمنع لزوم ترجيح المرجوح ، إذ قد يظنّ التساوي ، بل الرجحان في الفتوى الواحدة أو الحكم الواحد ، بل أكثر من (٢) كونه مفضولا ، وقياسه على حال الإمامة والرئاسة (٣) غير سديد .. إلى آخره (٤).

بل نقول : إنّ التقليد خلاف الأصل ، بل منهيّ عنه لنفسه ، ولكونه ظنّا وغير علم ، مضافا إلى الثمرات مثل القتل وأخذ مال الغير وأمثالهما ، خرج تقليد

__________________

(١) في ب إضافة : ( والله يعلم ).

(٢) كذا ، وفي المصدر : « مع ».

(٣) كذا ، وفي المصدر : « والرئاسة العامّة ».

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٢١.

٧٥٢

الأعلم بالإجماع وغيره ، وبقي الباقي.

وأيضا ، حكم غير الأعلم مرجوح في نظر المقلّد بالنسبة إلى حكم الأعلم إذا وقع بينهما مخالفة ، ولا بدّ للمقلّد الظنّ بكون حكم مجتهده حكم الشارع لا أقلّ منه ، والمرجوح موهوم ، وأين هو من المظنون؟! فتدبّر.

وظنّ التساوي ، مع علمه بكون الآخر أعلم بالأحكام الشرعيّة ، وعدم اطّلاعه بمدارك الأحكام وطرق استنباطها ، أو عدم مهارته فيها ، مع اعتقاد مهارة الأعلم ، فيه ما فيه.

وعلى فرض حصوله من غير جهة مع أنّه محال ، أو من جهة فاسدة ـ مثل كون المفضول أعرف بالشعر أو القيافة وأمثال ذلك ـ فاعتباره شرعا أو عقلا فيه ما فيه.

قوله : ولهذا قد (١) جوّز إمامة المفضول [ للفاضل في الصلاة ] .. إلى آخره (٢).

لا يخفى ما فيه ، والفرق بينه وبين ما نحن فيه.

قوله : [ عدم الخلاف ] في عدم انعزاله [ بموت القاضي ] .. إلى آخره (٣).

الظاهر ترك لفظ العدم ، كما في « المسالك » (٤).

__________________

(١) لم ترد : ( قد ) في المصدر.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٢١.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٣٠ ، وفيه : ( في انعزاله ) ، وهذه الحاشية وردت فقط في ب ، ج دون بقيّة النسخ.

(٤) مسالك الأفهام : ٢ ـ ٢٨٧.

٧٥٣

آداب القضاء

قوله : أن يحضر العلماء حال حكمه ، إذ قد يسهو أو يخطأ فينبّهونه فيرجع بعد أن رأى ما ذكروه صوابا إليه ، أو ربّما أشكل عليه المسألة للغفلة عن دليلها تلك الساعة .. إلى آخره (١).

في « التهذيب » بسنده إلى الصادق عليه‌السلام ، قال : « إذا كان الحاكم يقول لمن عن يمينه ولمن عن يساره : ما ترى؟ ما تقول؟ فعلى ذلك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ألا يقوم من مجلسه ويجلسهما مكانه! » (٢).

لعلّ المراد منه الجاهل بالحكم ، لا المجتهد المشاور احتياطا ، بل هو الظاهر.

ونقل الكشّي رحمه‌الله في عروة القتّات رواية عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « أيّ شي‌ء بلغني عنكم؟ قلت : ما هو؟ قال : بلغني أنّكم أقعدتم قاضيا بالكناسة! قلت : نعم [ ـ جعلت فداك ـ ذاك ] رجل يقال له عروة [ القتّات ، وهو رجل ] له حظّ من عقل يجتمع عنده ، يتكلّم (٣) ويتساءل ، ثمّ يردّ ذلك إليكم ، قال : لا بأس » (٤).

والرواية الاولى من الأدلّة على عدم جواز تقليد القاضي للمجتهد ، ولا يعارض الثانية ، لأنّ مضمونها نوع اجتهاد ، سيّما في ذلك الزمان ، فتدبّر.

قوله : لأنّ هذا الحكم يجري على المذهبين ، وقد ذكره الفريقان في آداب

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٣٧ ـ ٣٨.

(٢) تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٢٢٧ الحديث ٥٤٥ ، وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٢١٥ الحديث ٣٣٦٢٥.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( فيتكلّم ).

(٤) رجال الكشّي : ٢ ـ ٦٦٩ الحديث ٦٩٢.

٧٥٤

القضاء ، لأنّ الإصابة في الاجتهاد على القائل بكون (١) كلّ مجتهد مصيبا إنّما هي مع موافقة الاجتهاد للدليل المناسب للحكم ، والمفروض هنا الغفلة عنه .. إلى آخره (٢).

لا يخفى أنّ الاجتهاد واستفراغ الوسع شرط في صحّة حكم القاضي ، فإن حصل صار مصيبا عند المصوّبة ، وحكمه حكم الله تعالى بعينه ، إذ لا حكم له [ تعالى ] إلّا ما ظنّه المجتهد بعد مراعاة شرائط الاجتهاد ، فلا وجه حينئذ في الرجوع إلى قول المنبّه ، لأنّ حكم الله تعالى في شأنه هو الّذي حكم به.

وأمّا إذا لم يستفرغ الوسع ولم يحصل الشرائط كان حكمه باطلا ، ولم يكن حكم الله تعالى قطعا.

فلا معنى لاستحباب إحضار العلماء الدالّ على صحّة الحكم بدون الإحضار ، إلّا أنّه أولى ، إذ هذا يناسب مذهب المخطّئة. وموافقة الاجتهاد للدليل (٣) المناسب إن كفى ظنّ المجتهد بها فهي حاصلة في المقام ، وإلّا فكيف يحكم وإن لم يكف الظنّ بل لا بدّ من اليقين؟! فبدون إحضارهم ـ إن حصل ـ فأيّ فائدة في الإحضار؟ إذ اليقين ينفي الاحتمال. وإن لم يحصل فكيف يصحّ حكمه بدون الإحضار يستحب ، لو لم نقل بفساد حكمه مع الإحضار أيضا! فتدبّر! فإن قلت : الظنّ كاف ، لكن لا يلزم من حصوله حصول الظنّ بنفس الحكم حتّى يكون حكمه ـ تعالى ـ تابعا له ويكون صوابا ، إذ لعلّه يتوقّف على أمر آخر مثل ملاحظة المعارض وغيره ، وحينئذ يستحبّ أن يجعل ظنّه أقوى أو يحصل

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( على القول بكون ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٣٩ ، مسالك الأفهام : ٢ ـ ٢٨٨.

(٣) في ب ، ج : ( الاجتهاد والدليل ).

٧٥٥

العلم.

قلت : تحصيل الأقوى أو العلم حينئذ إن كان تحت وسعه وقصّر ، فلا يجوز العمل على الضعيف ، كما هو الظاهر من طريقتهم والمقرّر منهم في شرائط الاجتهاد ومقدّماته.

ومع ذلك لا خصوصيّة لذلك في إحضار العلماء ، إذ المحصّل لهما أمور كثيرة ، بل ربّما يحصل بعد إحضار العلماء ، ومشاورتهم ظنّ أضعف بالنسبة إلى الحاصل من أمور أخر.

ومع ذلك كلامهم إنّما هو في الإحضار حال الحكم ، ولا يكون ذلك إلّا بعد طيّ جميع المقدّمات والشرائط من ملاحظة المعارض وغير ذلك ، فتأمّل!

كيفيّة الحكم

قوله : فإنّا نجد أنّ التقييد (١) في زماننا هذا بين المسلمين قليل جدّا ، وهو ظاهر ، وما يدلّ على عدم الخروج عن اليقين إلّا بيقين آخر (٢) .. إلى آخره (٣).

وفي زماننا أقلّ وأقلّ ، بل لعلّه لا يوجد إلّا في البلاد الكبيرة وفي غاية القلّة ، فعلى اشتراط التفتيش حتّى يثبت العدالة يندر ما يتحقّق حكم ، وهو أيضا مفسدة ، كما سنشير إليه.

فمقتضى ما ذكره ، ملاحظة القاضي أقلّ المفسدتين.

ومن هذا يظهر وجه جمع آخر بين الأخبار ، وكذا بينها وبين غيرها لو لم

__________________

(١) في ج ، ونسخة من المصدر : ( التقيّد ).

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٤٥ الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٥٨.

٧٥٦

يكن خرقا للإجماع المركّب والشأن في ثبوته ، وسيجي‌ء ـ في عنوان أنّه لا تقبل شهادة الذمّي ـ ما يشير إلى ذلك (١) ، فتأمّل.

مع أنّ ظهور العدالة كاف قطعا ، والنزاع إنّما وقع في أنّها ما هي ، فتأمّل!

قوله : [ وخصوص الآية ، مثل : ] قوله تعالى ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (٢).

فيه ما لا يخفى ، وسيجي‌ء الكلام.

قوله : والأخبار ، مثل صحيحة عبد الله بن أبي يعفور الثقة ، في « الفقيه » قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : بما (٣) تعرف عدالة الرجل بين المسلمين ، حتّى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال : أن تعرفوه بالستر ، والعفاف ، وكفّ البطن والفرج واليد واللسان .. » (٤) .. إلى آخره (٥).

وجه الاستدلال ، أنّ المستفاد منها أنّه لو لم يحصل المعرفة بالنحو المذكور لم يقبل أصلا.

وفيه ، أنّ المعرفة بهذا النحو ليس بشرط إجماعا ، للإجماع على عدم اعتبار صلاة الجماعة فضلا عن معرفتها ، وللاتّفاق على كفاية المعرفة من شهادة العدلين ، وأنّها من طرق المعرفة ، بل سيجي‌ء عن الشارح رحمه‌الله الاكتفاء بالعدل الواحد أيضا (٦).

وأيضا ، إن أريد أنّها تدلّ على أنّ معرفة عدالة الرجل إنّما تحصل من كونه

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٣٠٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٥٨ ، والآية في : الطلاق (٦٥) : ٢.

(٣) في : من لا يحضره الفقيه : ( بم ).

(٤) من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ٢٤ الحديث ٦٥ ، وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٣٩١ الحديث ٣٤٠٣٢.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٥٨ ـ ٥٩.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٧٣.

٧٥٧

معروف العدالة بين المسلمين ، ساترا لجميع عيوبه عليهم ، فيظهرونها على من احتاج إلى المعرفة ، ففيه ـ مضافا إلى ما قلنا من الحصول بالشهادة أيضا ـ أنّها تحصل بالمعاشرة أيضا ، بل هي أقوى الطرق ، بل المعرفة إنّما تحصل من المعاشرة معاشرة المحتاج ، أو الشهود الماهرين له.

مع أنّ السائل إن كان يعرف ماهيّة العدالة ، لكن لا يعرف كيفيّة الثبوت ، فكان يكفي أن يجاب بأنّ المثبت هو شهادة المسلمين.

وإن كان لا يعرف الماهيّة وكان يسأل عنها ، فكيف يناسبه أن يجاب بأن يعرفه المسلمون بكذا وكذا؟ إذ يظهر منها كون معرفة المسلمين لها مدخليّة في العدالة ، ولا شكّ في فساده ، ولم يعتبر أحد في العادل ، أن يكون عادلا عند المسلمين ، بل المعتبر ـ مثلا ـ حال القاضي ، فلو كان عادلا عنده كفى في قبول شهادته وإن لم يكن عند غيره عادلا ، بل ولو كان عند غيره فاسقا لكن لم يبلغه ، أو بلغه بعد حكمه ، أو حكمه بها قبل البلوغ ، كان صحيحا بظاهر الشرع ، أو بلغه قبل الحكم لكن لم يعتن به لعدم عدالة المبلّغ ، أو لغير ذلك ، حتّى أنّه لو ترجّح عنده شهود التعديل أو بنى على أنّ التعديل مقدّم يصحّ قوله.

وبالجملة ، لا يشترط في العادل أن لا يظهر فسقه على أحد ، فضلا عن أن يكون عادلا عندهم حتّى عند القائل بالملكة ، لأنّ هذه الملكة مثل سائر الملكات في عدم استحالة التخلّف ، وليست مرتبة العصمة ولا يشترط تحصيل القطع بعدم الفسق ، بل يكفي الظنّ كما سيجي‌ء ، وإن كان ظنّ الملكة أقوى.

وأيضا ، يجوز أن يفسق الشاهد وفاقا ويتوب ، فتقبل شهادته ، كما سيجي‌ء.

وإن أريد أنّ المراد من المسلمين في الحديث آحاد من احتاج إلى الشهادة

٧٥٨

وقبولها ، مثل القاضي والمستشهد ، فيكون المراد أنّ القاضي ـ مثلا ـ بم يعرف عدالة الرجل حتّى يقبل شهادته؟ فأجاب بأن يعرفه بالستر والعفاف .. إلى آخره.

فهذا ـ مع أنّه ربّما كان خلاف الظاهر ـ لا يلائمه قوله عليه‌السلام : « والدلالة على ذلك » (١) .. إلى آخره.

فإن قلت : الحديث صحيح (٢) ، متلقّى بالقبول عند الصدوق ، بل الشيخ أيضا ، فلا بدّ من التوجيه ، حتّى يرفع ما ذكرت من المفاسد ، لكن على أيّ حال الدلالة على المطلوب باقية ، وهي عدم القبول إلّا بمعرفة اجتناب الكبائر .. إلى آخره.

قلت : الشيخ رواها بمتن مخالف لهذا المتن (٣) في الجملة ، وهذا أيضا علاوة لما ذكرنا. وأمّا التوجيه ، فلعلّ بارتكابه ترفع الدلالة ، وأظهر التوجيهات ـ بل لعلّه هو الظاهر من الحديث ـ أنّ الراوي سأل : بم يصير الرجل معروف العدالة بين المسلمين حتّى تصير شهادته حجّة لكلّ من احتاج إليها منهم ، وعلى كلّ من أوردت عليه منهم؟ والحاصل ، أن يكون شهادته متلقّاة بالقبول بينهم؟ فقال : « أن يعرفوه .. إلى آخره ».

فالكلام منتظم لا غبار عليه إلّا حكاية اشتراط صلاة الجماعة ، وهو محتاج إلى التوجيه على أيّ تقدير.

فعلى هذا نقول : كون الشهادة متلقّاة بالقبول بين المسلمين لا يتأتّى إلّا بما ذكره عليه‌السلام ، كما ستعرف في حاشية أخرى ، وهذا لا يقتضي أن يكون قاض لا يمكنه

__________________

(١) مرّت الإشارة إليه آنفا.

(٢) أي حديث عبد الله ابن أبي يعفور ، الّذي مرّت الإشارة إليه آنفا.

(٣) تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٢٤١ الحديث ٥٩٦.

٧٥٩

أن يحكم في قضيّته بشهادة مسلم غير ظاهر الفسق إلّا بمعرفة اجتناب الكبائر ، وبينهما فرق ظاهر ، فكيف يبقى دلالة الحديث على اشتراط التفتيش بحيث يعارض الأخبار الدالّة على عدم الاشتراط؟ فتأمّل! وسيجي‌ء زيادة التوضيح على ذلك.

قوله : وكيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممّن جرى الحكم من الله ـ عزوجل ـ ومن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه الحرق في جوف بيته بالنار .. إلى آخره (١).

وفي « الأمالي » بسنده عن الكاظم عليه‌السلام : « من صلّى خمس صلوات في اليوم والليلة في جماعة فظنّوا به خيرا ، وأجيزوا شهادته » (٢).

وفي « الكافي » في باب علامات المؤمن ، عن عثمان ، عن سماعة ، عن الصادق عليه‌السلام قال : « من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدّثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم كان ممّن حرمت غيبته ، وكملت مروءته ، وظهر عدله ، ووجب أخوّته » (٣) ، ورواه الصدوق في « العيون » بسنده عن الرضا عليه‌السلام (٤) ، وفيه شهادة على اعتبار المروءة.

وقال علي عليه‌السلام في قوله تعالى ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ ) (٥) : « ممّن ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفّته ، وتيقّظه فيما يشهد به ، وتحصيله ، وتمييزه ، فما كلّ صالح مميّزا ، [ ولا محصلا ، ولا كلّ محصّل مميّز صالح ] » (٦) ، والأخبار

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٢ ـ ٥٩ ، وهو قطعة من رواية بن أبي يعفور الّتي مرّت الإشارة إليها آنفا.

(٢) أمالي الصدوق : ٢٧٨ الحديث ٢٣ ، وفيه : ( عن الصادق عليه‌السلام ).

(٣) الكافي : ٢ ـ ٢٣٩ الحديث ٢٨.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ ـ ٣٣ الحديث ٣٤.

(٥) البقرة ٢ : ٢٨٢.

(٦) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٦٧٢ الحديث ٣٧٥ ، وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ٣٩٩ الحديث ٣٤٠٥٤ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٧٦٠