حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

الظاهر من الآية (١) ، والأخبار الواردة في مضمونها أنّ الأكل يجوز من دون إذن ، بقرينة قوله تعالى ( مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ ) (٢) ، ومن النصوص الواردة ، لأنّهم عليهم‌السلام قالوا : يأكل بغير إذنه ، ويأكل بغير إذنهم ، والمرأة تأكل بغير إذن زوجها ، ونحو ما ذكر من العبارات (٣).

وفي الموثّق عن الصادق عليه‌السلام في قول الله عزوجل ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ) (٤) الآية ، قال : « بإذن ، وبغير إذن » (٥).

وبالجملة ، المستفاد من الأخبار وكلام الأخيار أنّ الأكل المذكور لا يتوقّف على الإذن ، لا أنّه يجوز مطلقا وإن منع صاحب المال وصرّح بعدم الرضا أصلا ، أو علم بذلك ، بل وظنّ أيضا ، لأنّ مقتضى الأدلّة المحرّمة الحرمة مطلقا ، وفي غاية التشديد إلّا أن يؤذن.

ومن الآية المذكورة ونحوها من الأخبار لم يثبت أزيد من عدم التوقّف ، فبهذا (٦) القدر صرّح لا أزيد ، سيّما والعقل أيضا يمنع مع عدم الرضا ، فتدبّر.

وفي بعض الأخبار قيّد بعدم الإفساد (٧) ، وفي بعض الأخبار يتحقّق بالتمر ونحوه من المأدوم لا الطعام مطلقا (٨) ، وسيذكرهما الشارح رحمه‌الله (٩).

__________________

(١) النور (٢٤) : ٦١.

(٢) النور (٢٤) : ٦١.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٨٠ الباب ٢٤ من أبواب آداب المائدة.

(٤) النور (٢٤) : ٦١.

(٥) المحاسن للبرقي : ٢ ـ ١٨٧ الحديث ١٥٤٠ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٨٣ الحديث ٣٠٥٥٠.

(٦) في النسخ : ( فهذا ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٨١ الحديث ٣٠٥٤٧.

(٨) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٨٢ الحديث ٣٠٥٤٩.

(٩) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣٠٧ و ٣٠٨.

٧٢١

وفي « الفقه الرضوي » : « واعلم أنّه جائز للوالد أن يأخذ من مال ولده بغير إذنه ، وليس للولد أن يأخذ من مال والده إلّا بإذنه ، والمرأة (١) أن تنفق من مال زوجها [ بغير إذنه ] المأدوم دون غيره ، وإذا أرادت الام أن تأخذ من مال ولدها ، فليس [ لها ] ، إلّا أن تقوّم على نفسها لتردّه عليه ، ولا بأس للرجل أن يأكل من بيت أبيه وأخيه وأمّه وأخته وصديقه ما يخشى عليه الفساد (٢) من يومه بغير إذنه ، مثل البقول والفواكه (٣) وأشباه ذلك » (٤).

قوله : [ والاجتناب أحوط ] وأيضا لا يتجاوز عن الأكل العادي ، فتأمّل .. إلى آخره (٥).

ولعلّ قوله عليه‌السلام : « ما لم يفسد » (٦) في بعض الأخبار يدلّ عليه.

قوله : فلا يضرّ وجود عبد الله بن بكير .. إلى آخره (٧).

لأنّه ثقة على الأصحّ ، وموثّق كالصحيح على المشهور ، لتوسّعه ، والمبالغة فيه ، وكونه ممّن أجمعت العصابة (٨) ، لكن في الطريق قاسم بن عروة ، وهو مهمل وإن ذكر فيه بعض المقوّمات (٩).

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( وللمرأة ).

(٢) في النسخ : ( ما لا يخشى عليه الفساد ) ، والصحيح ما أثبتناه ، وهو الموافق لما في المصدر.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( والفاكهة ).

(٤) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٢٥٥.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣٠٦.

(٦) وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٨١ الحديث ٣٠٥٤٧ ، وفيه : ( ما لم تفسد ).

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣٠٨ ، وفيه إشارة إلى سند رواية زرارة : وسائل الشيعة : ٤ ـ ٢٨١ الحديث ٣٠٥٤٧.

(٨) لاحظ! رجال الكشي : ١ ـ ٢١٧.

(٩) لاحظ! تعليقات على منهج المقال : ٢٦٣.

٧٢٢

قوله : [ وهو بعيد عن لفظة : ] « لا يحلّ » (١) ، مع أنّ المعارض لا يصلح للمعارضة ، لما عرفت (٢) ، وحملها أيضا على عدم جواز الأخذ منه (٣) ، فإن كان ذلك لا يجوز على وجه .. إلى آخره (٤).

من جهة عدم الصحّة والمخالفة للعقل والنقل كتابا وسنّة وإجماعا ، وفيه أنّه كلّما يزيد قوّة ما ذكره ، ويشتدّ يصير منشأ لقوّة المعارض وفتاوي الفقهاء ، لأنّهم الخبيرون الماهرون ، يظهر أنّه ظهر عليهم قوّة مستند فتواهم إلى الحدّ الّذي عدلوا عن حكم العقل والنقل المذكور ، واتّفقوا على خلافه ، لوثوق تامّ خال عن التزلزل بالمرّة ، حتّى أنّهم ما أمروا بالاحتياط أصلا ، مع كونهم بحيث يحتاطون غالبا ، بل وكلّيا في مقام احتمال الخطر والضرر.

مع أنّ المعارض فيه صحاح ، مثل ما رواه البرقي ، عن أبيه ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بالرجل يمرّ على الثمرة يأكل منها ولا يفسد ، [ و ] قد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تبنى الحيطان بالمدينة ، لمكان المارّة ». رواها في « محاسنه » (٥) ، وهو كتابه قطعا.

وروى هذه الرواية الكليني ، إلّا أنّه رواها عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرّار ، عن يونس بن عبد الرحمن (٦) ، عن عبد الله بن سنان ، عن

__________________

(١) من رواية علي بن يقطين : مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣١١ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٩٢ الحديث ٣٩٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٢٨ الحديث ٢٣٥٥٨.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( على ما عرفت ).

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( عدم جواز الأخذ معه ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣١١.

(٥) المحاسن للبرقي : ٢ ـ ٣٣٦ الحديث ٢١٥٥.

(٦) لم ترد في المصدر : ( ابن عبد الرحمن ).

٧٢٣

الصادق عليه‌السلام. الحديث (١).

ومعلوم اتّحاد الروايتين ، مع أنّ الكليني قال في أوّل كتابه ما قال.

مع أنّ إسماعيل بن مرّار مقبول الحديث عند القمّيين (٢) ، مع أنّهم كانوا يخرجون عن قم من روى عن غير العادل ، ولذا أخرجوا البرقي المذكور ، لأنّه ربّما يروي في « المحاسن » عن غير العادل (٣) عندهم أيضا ، والسيّد الداماد حكم بعدالة إسماعيل المذكور من الجهة المذكورة (٤) ، وربّما كان غيره أيضا ، ومنهم الميرزا رحمه‌الله (٥) ، مع أنّ الظاهر من القدماء اتّفاقهم على روايته وكونها صحيحة عندهم.

وأيضا ، نقل ـ في « وسائل الشيعة » ـ شيخنا الحرّ رحمه‌الله عن كتاب علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام : « عن رجل يمرّ على ثمرة ، فيأكل منها؟ قال : نعم ، قد نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تستر الحيطان » (٦) ـ أي البساتين ـ ومعلوم أنّ علي بن جعفر في غاية الوثاقة والجلالة ، وكتابه معروف مقبول ، فالحديث في غاية الصحّة وعلوّ الإسناد ، وأيّ صحيح يكون مثله؟! وأمّا مرسلة ابن أبي عمير (٧) ، فهي صحيحة البتّة ، وهو ممّن أجمعت العصابة

__________________

(١) الكافي : ٣ ـ ٥٦٩ الحديث ١.

(٢) لاحظ! تعليقات على منهج المقال : ١٣١.

(٣) العبارة : ( ولذا أخرجوا. غير العادل ) أثبتناها من د ، حيث أنّها لم ترد في النسخ الأخرى.

(٤) لاحظ! الرواشح السماويّة : ٤٩.

(٥) لاحظ! منهج المقال وتعليقاته : ٦١ و ١٣١.

(٦) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٢٦ الحديث ٢٣٥٥٣.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣١٠ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٩٣ الحديث ٣٩٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٢٦ الحديث ٢٣٥٥٤.

٧٢٤

على تصحيح ما يصحّ عنهم (١) ، ومع ذلك هو ممّن صرّح الشيخ في « العدّة » بأنّه لا يروي إلّا عن الثقة (٢) ، ومع جميع ما ذكر ، اتّفق أهل الرجال على أنّ مراسيله مقبولة في حكم المسانيد (٣) ، وذكروا وجهه ، وهو في غاية الجلالة والعظم والزهد والتقوى ، سيّما في ضبط الحديث ، كما لا يخفى على المطّلع.

ومع جميع ما ذكر انجبرت بالشهرة بين الأصحاب ، والخبر المنجبر وإن كان ضعيفا ، كما هو الحقّ المحقّق في محلّه ، والمسلّم عند الفقهاء القدماء والمتأخّرين إلّا نادر من متأخّري المتأخّرين ، لشبهة ضعيفة ، ولهذا ترى الفقهاء المتقدّمين والمتأخّرين في المسائل الفقهيّة بنوا على ذلك (٤) ، مثل : حدّ السعي لطلب الماء في التيمّم عملوا برواية السكوني (٥) ، وتركوا ما في صحيحة زرارة « فليطلب ما دام [ في ] الوقت » (٦). إلى غير ذلك من الأحكام الفقهيّة ، بل قلّ ما يكون (٧) مستنده حديثا صحيحا ، سيّما الصحيح السالم عن المعارض ، ولعلّه لا يكاد يوجد على الصحيح المذكور ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون في موت الفقه ، ألا ترى أنّ الشارح لا تكاد توجد مسألة فقهيّة خالية عن الاضطراب عنده.

والحاصل ، أنّ المرسلة مع انجبارها بالجوابر الكثيرة ، منجبرة ـ أيضا ـ بأخبار قويّة كثيرة في غاية الكثرة ، بل ربّما وصلت التواتر :

__________________

(١) لاحظ! رجال الكشي : ٢ ـ ٨٣٠.

(٢) عدّة الأصول : ١ ـ ٣٨٦.

(٣) لاحظ! ذكري الشيعة : ٤ ، تعليقات على منهج المقال : ٢٧٥.

(٤) لاحظ! الفوائد الحائريّة : ٤٨٧ ـ ٤٩١.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ ـ ٢٠٢ الحديث ٥٨٦ ، وسائل الشيعة : ٣ ـ ٣٤١ الحديث ٣٨١٥.

(٦) الكافي : ٣ ـ ٦٣ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٣ ـ ٣٤١ الحديث ٣٨١٤.

(٧) في ألف : ( بل قال ما يكون ) ، وفي د ، ه : ( بل ربّما قالوا يكون ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

٧٢٥

منها : صحيحة محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن بعض رجاله ـ والظاهر أنّه عبد الله بن سنان الثقة الجليل المذكور ، كما لا يخفى على الماهر ، مع أنّ يونس ممّن أجمعت العصابة وفي غاية الجلالة (١) ـ عن الصادق عليه‌السلام ، سأله (٢) عن الرجل يمرّ بالبستان ، وقد حيط عليه أو لم يحط. إلى أن قال عليه‌السلام : « لا بأس أن يأكل ، ولا يحمل ، ولا يفسد » (٣).

والصدوق قال : قال الصادق عليه‌السلام : « من مرّ ببستان فلا بأس أن يأكل ثمرها ولا يحمل .. » (٤) ، فإنّه نسب الرواية إلى الصادق عليه‌السلام بعنوان المسلّمية وعدم الاتّكال على الواسطة.

وما رواه الكليني والشيخ ، عن السكوني ، عن الصادق عليه‌السلام قال : « [ قضى ] النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيمن سرق الثمار في كمّه ، فما أكل منه فلا إثم عليه » (٥) الحديث.

[ و ] في « إكمال الدين » بإسناد الصحيح في حصّة الإمام من الخمس ، عن الأسدي رضى الله عنه ، فيما ورد عليه من محمّد بن عثمان رضى الله عنه في جواب مسائله ، عن الصاحب ـ صلوات الله عليه ـ : « [ و ] أمّا ما سألت [ عنه ] من أمر الثمار من

__________________

(١) لاحظ! رجال الكشي : ٢ ـ ٨٣٠.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( سألته ).

(٣) تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٨٣ الحديث ١١٣٥ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٢٧ الحديث ٢٣٥٥٦.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١١٠ الحديث ٤٦٤ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٢٨ الحديث ٢٣٥٥٩ ، وفيها : ( من مرّ ببساتين فلا بأس بأن يأكل من ثمارها ولا يحمل ).

(٥) الكافي : ٧ ـ ٢٣٠ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ١٠ ـ ١١٠ الحديث ٤٣١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٢٦ الحديث ٢٣٥٥٢ ، وفي كلّ من الكافي وتهذيب الأحكام : ( فما أكل منه فلا شي‌ء عليه ) ، وما هنا موافق لوسائل الشيعة.

٧٢٦

أموالنا يمرّ [ بها ] المار فيأكل منها هل يحل أم لا؟ يحلّ أكله (١) ، ويحرم حمله » (٢).

وفي « الاحتجاج » للطبرسي : مثل ذلك (٣).

وفي « قرب الإسناد » بعبد الله بن جعفر ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن زياد ، عن الصادق عليه‌السلام : « سئل عمّا يأكل الناس من الفاكهة. إلى أن قال : لا يأكل أحد إلّا من ضرورة ، ولا يفسد إذا كان عليها فناء يحاط (٤) ، ومن أجل [ أهل ] الضرورة نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبنى [ على ] حدائق النخل والثمار بناء ، لكي يأكل منها كلّ أحد » (٥).

وابن إدريس في آخر « السرائر » نقل من كتاب « مسائل الرجال ومكاتباتهم » : ( مولانا علي بن محمّد النقي عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل دخل بستانا ، أيأكل [ من ] الثمرة من غير علم صاحب البستان؟ قال (٦) : نعم » (٧) ) (٨).

إلى غير ذلك من أخبار كثيرة مذكورة في أبواب الفقه ، مثل كتاب البيع ، وكتاب الزكاة ، وكتاب الأطعمة ، وكتاب الحدود ، وابن إدريس ادّعى التواتر ـ ولعلّه كذلك ـ وادّعى الإجماع أيضا (٩) ، ولعلّه الظاهر من القدماء والمتأخّرين إلّا

__________________

(١) كذا ، وفي المصادر : ( يمرّ بها المار فيتناول منه ويأكله ، هل يحلّ له ذلك؟ فإنّه يحلّ له أكله .. ).

(٢) كمال الدين وتمام النعمة : ٥٢١ الحديث ٤٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٢٨ الحديث ٢٣٥٦٠.

(٣) الاحتجاج للطبرسي : ٢ ـ ٤٨٠.

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( عليها فناء محاط ).

(٥) قرب الإسناد : ٨٠ الحديث ٢٥٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٢٩ الحديث ٢٣٥٦١.

(٦) في السرائر : ( فقال ) ، وما هنا موافق لما في : وسائل الشيعة.

(٧) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٢٩ الحديث ٢٣٥٦٣.

(٨) السرائر : ٣ ـ ٥٨٢.

(٩) السرائر : ٣ ـ ١٢٦.

٧٢٧

النادر منهم ، وعرفت أنّ كثيرا من الأخبار المذكورة صحاح باصطلاح المتأخّرين أيضا ، وكلّها صحاح باصطلاح القدماء ، ومعمول به وحجّة عند الكلّ ، إلّا عند (١) مثل الشارح.

وأمّا صحيح ابن يقطين (٢) ، فلعلّه وارد بالنسبة إلى بلده ـ وهو بغداد ـ فإنّه كان في غاية الظلم ، ونهاية كثرة الناس فيها ، فلو جوّز لهم لم يبق ثمر في يوم واحد ، وهو عين الإفساد المنهيّ عنه في هذه الأخبار ، مع اتّفاق الفقهاء ، بل وأدون منه كما مرّ في الشرائط ، سيّما مع اشتراط عدم مظنّة الكراهة.

ويشير إليه ما في مرسلة متروك (٣) ، فإنّه ظاهر أنّه بالنسبة إلى مثل بغداد لا الموضع الّذي ندر الأخذ منه ، مع قابليّة الحمل على التقيّة ، فإنّ سلاطين الجور كيف كانوا يرضون بصدور أمثال ذلك بالنسبة إلى رعيّتهم! مع أنّهم أيضا يتضرّرون لما كانوا يأخذون من الخراج ، بل كان لهم ولسائر المنصورين (٤) والخدمة والعساكر زروع غاية الكثرة ونحوه ، فلا شكّ في عدم رضاهم ، بل وإبائهم ، سيّما وعلي بن يقطين هو الوزير من طرفهم ، المأمور منهم بازدياد مداخلهم ، كما هو عادة الوزراء ، والمروي عنه أيضا الكاظم عليه‌السلام ، وهو عليه‌السلام كان في شدّة من التقيّة ، ورواياته عالية فيها ، إذ ربّما كان العامّة أيضا لا يرضون بالأكل ،

__________________

(١) في ألف : ( لا عند ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣١١ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٩٢ الحديث ٣٩٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٢٨ الحديث ٢٣٥٥٨.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣١٠ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٨٥ الحديث ١١٤٠ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٢٧ الحديث ٢٣٥٥٧ ، وفي تهذيب الأحكام ووسائل الشيعة : ( مروك ) بدلا من ( متروك ) ، وهو الصحيح ظاهرا.

(٤) في ألف : ( المتضرّرين ).

٧٢٨

بل ربّما كان فقهاؤهم أيضا كذلك (١) ، والله يعلم.

ولا شكّ في أنّ الأحوط الاجتناب ، كما قال به الشارح ، [ حيث ] قال : « سألته عن الرجل يمرّ بالنخل والسنبل والثمرة ، أفيجوز (٢) له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة؟ قال : لا بأس » (٣) هذه مرسلة .. إلى آخره (٤).

وفي « الفقه الرضوي » : « فإذا مررت ببستانة (٥) ، فلا بأس أن تأكل من ثمارها ، ولا تحمل معك شيئا » (٦).

قوله : [ وهو خلاف الظاهر ] ، فيردّ الخبر بذلك .. إلى آخره (٧).

لا وجه لردّه مع قابليّته التوجيه الوجيه.

في الاضطرار

قوله : لا يجوز له الأكل والشرب (٨) كما تقدّم ، فإن كان ما يندفع إلّا بالشبع يشبع .. إلى آخره (٩).

وفي « الدعائم » : عن علي عليه‌السلام أنّه قال : « المضطرّ يأكل الميتة وكلّ محرّم إذا

__________________

(١) لاحظ! المجموع شرح المهذّب : ٩ ـ ٥٣ ـ ٥٥.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( فيجوز ).

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٢٦ الحديث ٢٣٥٥٤.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣١٠.

(٥) كذا ، وفي المصدر : ( فإذا مررت ببستان ).

(٦) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٢٥٥.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣١١.

(٨) كذا ، وفي المصدر : ( ممّا يجوز له الأكل أو الشرب ).

(٩) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣١٥.

٧٢٩

اضطرّ إليه » ، وقال (١) جعفر بن محمّد عليه‌السلام : « إذا اضطرّ المضطر إلى أكل الميتة أكل شي‌ء حتّى يشبع (٢) ، وإذا اضطرّ إلى الخمر شرب حتّى يروى ، وليس له أن يعود إلى ذلك حتّى يضطرّ إليه [ أيضا ] » (٣). ولا يخفى أنّ الغالب بالنسبة إلى المضطرّين الحاجة إلى الشبع والريّ ، كما هو الظاهر.

قوله : وفي السند [ جهالة ] لا تضرّ ، وهي صريحة في جواز شرب الخمر وغيرها مع انحصار ما يدفع الضرورة فيه ، ولا يبعد فهم جوازه لدفع المرض أيضا ، فتأمّل .. إلى آخره (٤).

مع أنّ الكليني رواها بطريق آخر لا إرسال فيه (٥) ، والصدوق رواها في الصحيح عن محمّد بن عذافر ، عن أبيه ، عن الباقر عليه‌السلام (٦) ، مع أنّه لا يوجد تكليف يقدّم على حفظ النفس وإن كان وجوبه شديدا ، بل لا يكون أوجب الفرائض ، مثل

الفريضة اليوميّة وأشدّ منها ، بل وأصول الدين يجب فيها التقيّة حفظا للنفس ، قال تعالى ( إِلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) (٧) ، وورد : « لا دين لمن لا تقيّة له » (٨) ، و « التقيّة ديني ودين آبائي » (٩). إلى غير ذلك من التشديدات فيها

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( قال ).

(٢) في المصدر : ( إذا اضطرّ الرجل إلى الميتة أكل حتّى يشبع ).

(٣) دعائم الإسلام : ٢ ـ ١٢٥ الحديث ٤٣٥.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣١٨.

(٥) الكافي : ٦ ـ ٢٤٢ الحديث ١.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ٢١٨ الحديث ١٠٠٩.

(٧) النحل ١ : ١٠٦.

(٨) وسائل الشيعة : ١٦ ـ ٢١٠ الحديثان ٢١٣٧٨ و ٢١٣٧٩.

(٩) وسائل الشيعة : ١٦ ـ ٢١٠ ضمن الحديث ٢١٣٧٩.

٧٣٠

مع أنّ التقيّة واجبة في شرب الخمر أيضا ، كما يظهر من الأخبار (١) ، وغيرها ، مع أنّه من المسلّمات أن لا تقيّة في الدماء (٢) ، والشيخ ألحق بها الجراحات فقط ، لما فيها من الدم (٣) ، ولم يلحق المقام أصلا ، مع أنّ شاربها يعذر إلّا في الثالثة أو الرابعة على حدّ سائر المحرّمات ، ولا يقتل إلّا أن ينكر تحريمها ، لأنّ المنكر له ينجرّ إنكاره إلى إنكار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد علمت أنّ في إنكار الرسالة تتحقّق التقيّة ، بل وفي سبّ الرسول أيضا كما تحقّق عن عمّار ، ونزل فيه ( إِلّا مَنْ أُكْرِهَ ) الآية (٤) ، فإذا كان في سبّ الرسول وإنكاره يتحقّق التقيّة ، ففي شرب الخمر بطريق أولى بمراتب ، لما عرفت.

ومعلوم أنّ التقيّة لحفظ النفس ، مع أنّ الأخبار الّتي تمسّك بها الشيخ علّل فيها النهي عن الشرب بأنّ الشرب يقتله أو يضرّه ، فمن جهة حفظ النفس وانعدام الضرر نهوا عليهم‌السلام عنه ، فكيف يؤمر بهلاك النفس تنزّها عن الشرب؟! وفي « المحاسن » ، في الصحيح ، عن محمّد بن مسلم وعدّة ، قالوا : « سمعت (٥) أبا جعفر عليه‌السلام يقول : التقيّة في كلّ شي‌ء ، وكلّ شي‌ء اضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه الله له » (٦).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٦ ـ ٢١٦ الحديث ٢١٣٩٨.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٦ ـ ٢٣٤ الباب ٣١ من أبواب الأمر والنهي.

(٣) لم نعثر على ما ذكره في كتب الشيخ الطوسي ، إنّما نقله عنه الشهيدان في : الدروس الشرعيّة : ٢ ـ ٤٨ ومسالك الأفهام : ١ ـ ١٣١. وقد أفتى بذلك أيضا : الحلبي في : الكافي في الفقه : ٣٨٧ ، وهو الظاهر من ابن إدريس في : السرائر : ٢ ـ ٢٠٣ ، ولمزيد من الاطّلاع راجع : مفتاح الكرامة : ٤ ـ ١١٦.

(٤) النحل ١٦ : ١٠٦ ، لاحظ! التبيان في تفسير القرآن : ٦ ـ ٤٢٨.

(٥) كذا ، وفي المصدر : ( سمعنا ).

(٦) المحاسن للبرقي : ١ ـ ٤٠٣ الحديث ٩١٢.

٧٣١

مع أنّ الرواية المذكورة رواها الصدوق أيضا في « أماليه » ، عن شيخه ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن محمّد بن إسماعيل ابن بزيع ، عن محمّد بن عذافر ، عن أبيه ، عن الباقر عليه‌السلام (١).

ورواه في « العلل » عن أبيه عن سعد ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم ـ جميعا ـ عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن محمّد بن عذافر ، عن أبيه ، عن الباقر عليه‌السلام (٢).

ورواها ـ أيضا ـ بطريق صحيح عن محمّد بن عذافر ، عن بعض رجاله (٣) ، عن الباقر عليه‌السلام (٤).

ورواه في « العلل » لمحمّد بن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جدّه (٥).

والشيخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عمرو بن عثمان ، مثله (٦).

ورواها العيّاشي في « تفسيره » ، عن محمّد بن عبد الله ، عن بعض أصحابه ، عن الصادق عليه‌السلام (٧).

ورواها البرقي في « محاسنه » بالطريق الّذي رواها الكليني بغير إرسال (٨) ، مع أنّ الكليني والصدوق قالا في أوّل كتابيهما ما قالا.

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥٢٩.

(٢) علل الشرائع : ٤٨٤ الحديث ٢.

(٣) في النسخ : ( عن بعض رواية ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) علل الشرائع : ٤٨٣ الحديث ١.

(٥) لاحظ! بحار الأنوار : ٦٢ ـ ١٦٥ ذيل الحديث ٢.

(٦) تهذيب الأحكام : ٩ ـ ١٢٨ الحديث ٥٥٣ ، مع اختلاف في سنده.

(٧) تفسير العيّاشي : ١ ـ ٣١٩ الحديث ١٥.

(٨) المحاسن للبرقي : ٢ ـ ٦٢ الحديث ١١٧٥.

٧٣٢

فظهر أنّ هذه في أعلى درجات الاعتبار والحجّية ، مضافا إلى صحّتها في بعض الطريق ، مع أنّ الشهرة إذا صارت جابرة تكفي للحجّية ، إذ على ذلك المدار في الفقه ، فما ظنّك إذا انجبرت بجميع ما عرفت؟! مضافا إلى أنّ ثمر التكاليف إنّما هو بعد بقاء المكلّف ، ومن جهة هذا كلّه ، مضافا إلى ما ذكره الشارح من العقل والنقل من نفي الحرج (١) ، بل ونفي العسر ، بل وإرادة اليسر (٢) ، مع أنّ ما دلّ على وجوب حفظ النفس من اليقينيّات ، من القرآن والأخبار المتواترة ، مضافا إلى نفي الضرر والإضرار.

وفي « المفاتيح » ـ في المقام ـ قال : ( وفي الخبر : « في رجل أصابه عطش حتّى خاف على نفسه ، وأصاب خمرا ، قال : يشرب منه قوته » (٣) ) (٤).

والأخبار المتواترة في حلّية كلّ ما حرّم الله عند الاضطرار (٥) ، مضافا إلى الإجماع والعقل.

قوله : وفي رواية الحلبي ، قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن دواء عجن (٦) بخمر ، فقال : ما أحبّ أن أنظر إليه ولا أشمّه ، فكيف أتداوى به؟! » (٧). هذه الأخبار مع أدلّة التحريم الكثيرة ، الدالّة على المبالغة في تحريم المسكر ـ خصوصا الخمر ـ دليل المنع .. إلى آخره (٨).

وجه المبالغة : حسم مادّة الفساد ، فلو كانوا يرخّصون لأدّى ذلك إلى

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣١٧.

(٢) في النسخ الخطّية : ( وأراد باليسر ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٣٧٨ الحديث ٣٢١٧٠ ، مع اختلاف يسير.

(٤) مفاتيح الشرائع : ٢ ـ ٢٢٦.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢١٤ الباب ٥٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(٦) في الكافي : ( يعجن ).

(٧) الكافي : ٦ ـ ٤١٤ الحديث ١٠ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٣٤٥ الحديث ٣٢٠٨٦.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣٢١ ـ ٣٢٢.

٧٣٣

شيوع شرب الخمر ونحوه ممّا يكون طباع الفسّاق في غاية الشوق [ إليه ] ، بل طباع الكلّ ، لأنّ النفس أمّارة بالسوء (١) ، فكانوا يرتكبون معلّلين بأنّا نداوي مرضنا ، بل النفس ـ أيضا ـ من جهة كونها أمّارة بالسوء كثيرا ما يخفى ويغيّر ، ولذا لا ينجو إلّا من يجاهد نفسه دائما بالعلاجات الصادرة عن الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام والحكماء وأرباب القوى القدسيّة ، وقليل ما هم ، و ( إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ). إلى آخر الآية (٢) ، وقال تعالى ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ) (٣) ، وقال ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) (٤).

وفي « الاحتجاج » عن الطبرسي ، عن هشام بن الحكم ، قال : « سأل الزنديق أبا عبد الله عليه‌السلام قال : [ و ] لم حرّم الله الخمر ولا لذّة أفضل منها؟ قال : حرّمها لأنّها أمّ الخبائث ورأس كلّ شرّ » (٥) الحديث.

والأئمّة ـ من الجهة المزبورة ـ لا بدّ أن يبالغوا مبالغة كاملة ، ألا ترى أنّ الإنسان لا بدّ أن يكون بين الخوف والرجاء على حدّ سواء؟! ومع ذلك [ ورد ] بالنسبة إلى المعاصي والعصاة ما ورد ، بحيث يوجب اليأس التام ، وورد بالنسبة إلى الخائفين المأيوسين ما ورد ، بحيث يوجب الرجاء التام ، وهكذا في كلّ محلّ ومقام ، وهم عليهم‌السلام كانوا أطبّاء لعلاج النفوس ، انظر حال الطبيب كيف يسلك مع

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى في سورة يوسف ١٢ : ٥٣.

(٢) العصر (١٠٣) : ٢ و ٣.

(٣) فاطر (٣٥) : ٨.

(٤) الكهف ١٨ : ١٠٣ و ١٠٤.

(٥) الاحتجاج للطبرسي : ٢ ـ ٣٤٦.

٧٣٤

المغمرين في الشهوات وأمثالهم ، وكذا حال الوعّاظ والناصحين وأهل الخير في مقام الإرشاد والإصلاح ، ورأينا بعض الشاربين يعتذر بأنّي إن لم أشرب أضرّ في مرض كذا.

وبالجملة ، كلّما زاد حرص المتعلّمين على معصية اقتضى ذلك زيادة التشديد في المنع وسدّ الباب ، حسما لمادّة الفساد ، مع أنّ الّذي في الأخبار أنّه تعالى لم يجعل في حرام شفاء (١) ، وهو أمر محمود ، حسن عقلي ، فربّما يأتي العقل وجوده في الحرام مطلقا ، بخلاف طلب السلامة من المفسدة ، فإنّه كثيرا ما تدفع الأفسد بالفاسد ، والضرورات تبيح المحذور والمحذورات ، ولا غبار.

ولذا ورد في الحسن عن هارون بن خارجة (٢) ، عن الصادق عليه‌السلام : « في رجل اشتكى عينيه ، فبعث له كحل يعجن بالخمر ، فقال : هو خبيث بمنزلة الميتة ، فإذا كان (٣) مضطرّا فليكتحل [ به ] » (٤).

آداب المائدة

قوله : وفي رواية أخرى : « ملعون ملعون من جلس [ طائعا ] على مائدة يشرب عليها الخمر » (٥) .. إلى آخره (٦).

وروى الصدوق ـ أيضا ـ مرسلا ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « لا تجالسوا

__________________

(١) لاحظ! الكافي : ٦ ـ ٤١٤ الحديث ٦ و ٨ ـ ١٩٣ الحديث ٢٢٩ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٢٢١ الحديث ٣١٧٣٧ و ٣٤٩ الحديث ٣٢٠٩٧.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( هارون بن حمزة الغنوي ).

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( فإن كان ).

(٤) تهذيب الأحكام : ٩ ـ ١١٤ الحديث ٤٩٣ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٣٥٠ الحديث ٣٢١٠١.

(٥) الكافي : ٦ ـ ٢٦٨ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٤ ـ ٢٣٢ الحديث ٣٠٤١٦.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣٣١.

٧٣٥

شرّاب الخمر ، فإنّ اللعنة إذا نزلت عمّت من في المجلس » (١).

ويدلّ عليه الأخبار الكثيرة في المنع عن الجلوس مع العصاة ، وفي مجالس العصاة (٢) ، والفقهاء أفتوا بها ، مع أنّ المحمّدين الثلاث أفتوا بالمنع عن الجلوس أيضا ، كما هو غير خفيّ (٣).

قوله : [ العلّامة عدّى التحريم إلى الاجتماع ] للهو والفساد ، [ و ] عن ابن إدريس أنّه لا يجوز الأكل من طعام يعصى الله به ، أو عليه (٤) ، وقال : ( ولم نقف على مأخذه ) (٥) ، ويمكن كون المأخذ ما أشرنا إليه ، فتأمّل (٦).

يمكن أن يقال : مستنده تحريم الإعانة على الإثم ، لأنّهم إن لم يجتمعوا لم يتحقّق هذا الإثم ، فاللازم على الكلّ ترك الاجتماع ، وكذا لو منعوا عن الأكل فإنّهم لا يجتمعون حينئذ ، لأنّ العادة أنّ الأكل وغيره يصير سببا للفساد.

وبالجملة ، الإعانة على الإثم حرام بلا شبهة.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ٤ ـ ٤١ الحديث ١٣٢ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٣٧٤ الحديث ٣٢١٦٢.

(٢) لاحظ! بحار الأنوار : ٧١ ـ ١٩٠ الباب ١٤.

(٣) لاحظ! الكافي : ٦ ـ ٢٦٨ باب كراهيّة الأكل على مائدة يشرب عليها الخمر ، المقنع : ٤٥٢ ، النهاية للطوسي : ٥٩٣.

(٤) نقله مسالك الأفهام عن السرائر : ٣ ـ ١٣٦.

(٥) مسالك الأفهام : ٢ ـ ٢٠٣.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣٣٣.

٧٣٦

كتاب الإرث

٧٣٧
٧٣٨

في موانع الإرث

الكفر

قوله : فالقول بالصحة ، كما نقله (١) في « الشرح » (٢) و « المختلف » (٣) مشكل ، لعلّ المراد إليه صحيح ، ولكن لا تصلح للحجّية في مثل هذه الأحكام المخالفة للقوانين ، وهو ظاهر (٤).

لا يخفى أنّه رواه في « الفقيه » عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن عبد الملك بن أعين ومالك بن أعين (٥) ، عن الباقر عليه‌السلام. إلى آخر الحديث (٦) ، ففيها مؤيّدات :

منها : ما قال في أوّل « الفقيه » ، مضافا إلى أنّه أفتى به (٧) ، كما لا يخفى.

ومنها : أنّ السند صحيح إلى الحسن ، وهو ممّن أجمعت العصابة ، على قول (٨).

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( كما فعله ).

(٢) مسالك الأفهام : ٢ ـ ٢٥٢.

(٣) مختلف الشيعة : ٢ ـ ٧٤٠ ـ ٧٤١.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٤٨٤.

(٥) كذا ، وفي المصدر : ( أو مالك بن أعين ).

(٦) من لا يحضره الفقيه : ٤ ـ ٢٤٥ الحديث ٧٨٨.

(٧) المقنع : ٤٥٢.

(٨) لاحظ! رجال العلّامة الحلّي : ٣٧ ، رجال الكشّي : ٢ ـ ٨٣٠.

٧٣٩

ومنها : كون هشام في غاية الجلالة (١).

ومنها : كون الرواية عن الرواة عن الباقر عليه‌السلام ، وفيها وجوه من القوّة نصّا واعتبارا ، مثل قول الصادق عليه‌السلام : « إنّ أبي كان يفتي بمرّ الحقّ ، وإنّه عليه‌السلام ما كان يتّقي » (٢) ، لحكاية جابر ، وقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يبقر علم الدين » (٣) ، وإبلاغ سلامه إليه (٤) ، وغير ذلك ممّا ذكرنا في موضعه.

والكليني ـ أيضا ـ رواها بطريقين إلى سهل بن زياد ومحمّد ـ وهو ثقة ، وسهل أيضا ثقة على الأقوى ، وقويّ على غير الأقوى ـ وهما رويا عن الحسن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم (٥) ، عن الباقر عليه‌السلام (٦) ، وهو أيضا قال في أوّل « الكافي » ما قال ، مع تعدّد الطريق وعمله بها.

والشيخ ـ أيضا ـ روى في الصحيح ، عن الحسن المذكور. إلى آخر السند ، عن الباقر عليه‌السلام (٧) ، وهو ـ أيضا ـ أفتى بها ، مضافا إلى الأكثر كما ذكر.

مع أنّها تتضمّن السعي في تحصيل إسلام أولاد صاحب المال ، لأنّ السعي في أصل تحقّق الإسلام مطلوب (٨) ، وكذا إسلام خلف صاحب المال ، مع أنّ ( أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (٩).

__________________

(١) لاحظ! رجال العلّامة الحلّي : ١٧٩ ، رجال النجاشي : ٤٣٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ ـ ٢٦٤ الحديث ٥١٠٨.

(٣) في المصدر : ( يبقر العلم بقرا ).

(٤) لاحظ! بحار الأنوار : ٤٦ ـ ٢٢٥ الحديث ٥.

(٥) في المصدر : ( عن هشام بن سالم ، عن مالك بن أعين ).

(٦) الكافي : ٧ ـ ١٤٣ الحديث ١.

(٧) تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٣٦٨ الحديث ١٣١٥.

(٨) في النسخ : ( لا يسعى في أصل تحقّق الإسلام مطلوب ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٩) الأنفال ٨ : ٧٥.

٧٤٠