محمّد باقر الوحيد البهبهاني
المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢
قوله : « لا بأس ، إذا لم يكن فيه شرط » في حسنة الحلبي (١) ، [ وفيه ] شهادة واضحة على أنّ مجرّد عدم شرط الإعطاء لا يكفي في الحلّية ، بل لا بدّ أن لا يكون هناك شرط أصلا وبوجه من الوجوه حتّى يكون مجرّد التبرّع ومحض التطوّع ، فيكون من قبيل العطيّات الصادرة من الخارج ابتداء ، والهبات الّتي هي مجرّد الإحسان ، وإن كان للإحسان جزاء ، وغير خفي أنّه إذا كان كذلك كلّما زاد في العطيّة كان أحسن ، ولو وهبه الكلّ كان أصلح.
وقس على ما ذكرنا حال حسنته الأخرى ، وما يؤدّي مؤدّاهما من الأخبار المعتبرة المستفيضة ، ويرجع الكلّ إلى مضمون صحيحة محمّد بن قيس ، وترجع الصحيحة إلى مضمونها ، فجميعها على نهج واحد ـ والحمد لله ـ وعلى طبق فتوى الفقهاء ـ رضوان الله عليهم.
قوله : وعدم جواز أخذ عارية للقرض ، وقد تقدّم الجواز في الانتفاع بالرهن .. إلى آخره (٢).
يعني بعنوان الشرط ، كما هو مدلول الصحيحة (٣) ، ولا يخفى أنّ العارية أيضا من العقود.
فظهر أنّ شرط النفع في القرض حرام وإن كان بعنوان عقد ، وإن كان النفع ينسب إلى العقد المشروط ، وأنّ المناط في الحرمة هو الاشتراط في القرض لا الانتساب ، وإن سلّمنا عدم الانتساب إلى القرض.
فظهر فساد ما توهّم البعض من أنّها من الحيل للربا ، وإن وقعت شرطا في
__________________
(١) الكافي : ٥ ـ ٢٥٤ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٩١ الحديث ٢٣٤٦٥.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٦٦.
(٣) أي صحيحة محمد بن قيس ، الّتي مرّت الإشارة إليها آنفا.
القرض (١) خلافا لفتوى الفقهاء رحمهمالله.
وظهر من هذا أيضا قوّة دلالة الحصر وشمولها للعقود أيضا ، وعدم اختصاصه بغير العقد ، مضافا إلى دلالته الظاهرة الكائنة لنفسه.
وكذا الحال في حسنة الحلبي السابقة (٢) ، فإنّه يظهر قوّة دلالة العموم وظهور عدم الاختصاص بغير العقد ، وقد مرّ في الحاشية السابقة ما مرّ ، فتدبّر.
قوله : وجوب أخذ الأجود ، ذكره في « التذكرة » (٣) .. إلى آخره (٤).
ينبغي التقييد بما إذا لم يكن للمقرض عذر وجيه ، وإلّا فإنّه ربّما يتضرّر بالأجود من غصب غاصب أو غير ذلك.
قوله : انّه يلزم قيمة وقت تسليم القرض مطلقا. لعلّ دليله أنّ القيمي إنّما خرج عن ملك المالك بالعوض ، وليس له العوض إلّا القيمة .. إلى آخره (٥).
سيأتي ـ في مبحث أنّه لو دفع المديون عروضا للقضاء .. إلى آخره ـ رواية بمضمونها ، وهي صحيحة محمّد بن الحسن الصفّار قال : « كتبت إليه في رجل كان له على رجل مال ، فلمّا حلّ عليه المال أعطاه به طعاما أو قطنا أو زعفرانا ولم يقاطعه على السعر ، فلمّا كان بعد شهرين أو ثلاثة ، ارتفع الطعام والزعفران والقطن أو نقص ، بأيّ السعرين يحسبه لصاحب الدين ، سعر يوم (٦) الّذي أعطاه
__________________
(١) لاحظ! مفاتيح الشرائع : ٣ ـ ٦٣.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٦٥ ، الكافي : ٥ ـ ٢٥٤ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٩١ الحديث ٢٣٤٦٥.
(٣) تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٤.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٦٦.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٦٩.
(٦) كذا في النسخ وفي مجمع الفائدة والبرهان ، وفي : تهذيب الأحكام ووسائل الشيعة : ( بأي السعرين يحسبه ، قال : لصاحب الدين سعر يومه .. ).
وحلّ ماله عليه أو السعر الثاني بعد شهرين أو ثلاثة ، يوم حاسبه؟ فقال عليهالسلام (١) : ليس له إلّا على حسب سعر وقت ما دفع إليه الطعام إن شاء الله » (٢) ، فلاحظ.
أحكام الدين
قوله : وبالقبض هو المشهور .. إلى آخره (٣).
يدلّ على المذهب المشهور الأخبار الواردة في كتاب الزكاة في أنّ زكاة القرض على المستقرض (٤) ، فلاحظ.
قوله : ممّا يدلّ على وجوب الوفاء بالوعد والعقد ، مثل ( أَوْفُوا ) (٥) ، و ( لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ) (٦) ، و « المسلمون عند شروطهم » (٧) .. إلى آخره (٨).
لو دخل عقد القرض في العموم لوجب الوفاء بمجرّد العقد من حينه على الطرفين ، وتحقّق بهذا النحو التسلّط من كلّ منهما على الآخر إذا وقع العقد مطلقا ، بل والانتقال القهري ، كما هو شأن العقود اللازمة ، بل والتقاصّ القهري أيضا من الحين ، لتساوي الحقّين من جميع الوجوه ، بل وعدم الانتقال أصلا ، لما ذكر في
__________________
(١) كذا ، وفي المصدر : ( فوقّع عليهالسلام ).
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٩٩ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ١٩٦ الحديث ٤٣٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٨٥ الحديث ٢٣٢٠٨.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٧٣ ، أي : حصول التملّك بالقبض.
(٤) وسائل الشيعة : ٩ ـ ١٠٠ الباب ٧ من أبواب من تجب عليه الزكاة.
(٥) المائدة ٥ : ١.
(٦) الصفّ (٦١) : ٢.
(٧) عوالي اللآلي : ٢ ـ ٢٥٨ الحديث ٨.
(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٨٠.
التقاصّ القهري ، على أنّه على أيّ تقدير لا يبقى للعقد فائدة مثمرة شرعا ، بل لا فائدة أصلا شرعا ، وإن لم نقل بالتقاصّ القهري ، فتأمّل.
فعلى هذا ، تكون فائدة القرض مترتّبة على نفس القبض وتحته ، من غير مدخليّة العقد ، وفيه ما فيه ، مع أنّ ما يترتّب على نفس القبض ظاهر أنّه ما ذا ، فتأمّل.
فإن قلت : الفقهاء ذكروا أنّ القبض أو التصرّف شرط (١).
قلت : من ذكر ذلك ذكر أنّ القرض لا لزوم في أجله ، فلو كان حجّة لكان حجّة في المقامين.
ومع ذلك يبقى بعض الإشكال ، وهو أنّه يجب على المستقرض ردّ العوض من حين العقد على طريقة المعاوضات اللزوميّة الحاليّة.
ومع ذلك ، إن كان الواجب عليه والمنتقل من ماله إلى ملك المقرض هو عين مال المقرض ، ففيه ما فيه.
وإن كان غير ماله على التعيين ، ففيه أيضا ما لا يخفى ، إذ يصير القرض من المعاوضات الصرفة ، يجري فيه لوازمها.
وإن كان لا على التعيين ، ففيه أيضا ما فيه ، فتأمّل.
فإن قلت : القرض ليس من المعاملات الحلوليّة وإن وقع مطلقا ، لأنّ المستقرض إنّما يستقرض بتأخيره ردّ العوض ، والمقرض أيضا يقدم على ذلك ، وهذا أمر بيّن لا سترة فيه ، ولهذا ورد الثواب العظيم على القرض (٢) ، وغير خفيّ أنّه ليس هذا الثواب لأجل إجراء الصيغة فقط من دون قبض ، ولا له مع القبض
__________________
(١) لاحظ! الدروس الشرعيّة : ٣ ـ ٣٢٣ ، مفتاح الكرامة : ٥ ـ ٤٩.
(٢) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٢٩ الباب ٦ من أبواب الدين والقرض.
والاسترداد من الحين بغير مهلة أصلا ولا تأخير مطلقا ، والأخبار أيضا تنادي بذلك (١) ، فالتأخير مأخوذ في حقيقة القرض ونفس المعاملة ، ولهذا لو أخذ بإزاء تأخيره ما زاد عن ماله يكون منفعة قرضه البتّة ، والأخبار أيضا تنادي بذلك ، ويكون حراما إن كان شرطا ، وإلّا فلا.
قلت : على هذا يجب تعيين الأجل وانضباطه على طريقة المعاملات اللزوميّة ، لاتّحاد العلّة ، فتأمّل جدّا.
وأيضا ، المستفاد من الأخبار المتواترة أنّ القرض مستحبّ (٢) ، ولا شكّ أنّ الاستحباب يرجع إلى التأخير كما اعترفت ، واستحباب التأخير يقتضي جواز الرجوع البتّة (٣) ، والدالّ عليه يدلّ عليه بالبديهة ، فعموم تلك الأخبار وإطلاقها يقتضي كون ذلك التأخير مستحبّا مطلقا.
وبالجملة ، الوارد في الآية والأخبار ـ مع نهاية كثرتها ـ ليس سوى المدح والترغيب والثواب من دون شائبة لزوم وعقاب على الترك أصلا ورأسا ، ومقتضى ذلك ليس سوى الاستحباب بالبديهة ، كما لا يخفى على المتأمّل في الآية (٤) والأخبار ، وأنّ المقرض محسن إلى المقترض متبرّع ، و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (٥).
فلو كان القرض من العقود الواجبة لكان الأهم فيه لزوم الوفاء ووجوبه ،
__________________
(١) ثواب الأعمال : ١٦٦ الحديث ١ و ٤ و ٥ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٣٠ الحديث ٢٣٧٨٥ و ٣٦٦ الباب ٢٥ من أبواب الدين والقرض.
(٢) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٢٩ الباب ٦ من أبواب الدين والقرض.
(٣) في ب ، ج : ( إليه ).
(٤) البقرة ٢ : ٢٨٠.
(٥) التوبة ٩ : ٩١.
لا الاستحباب الدالّ على رجحان الفعل وجواز الترك ـ بل هو معناه ـ ولو لم يجز الترك لكان واجبا لا مستحبّا ، ويكون العقاب على الترك وعلى استرداد العوض ومطالبته ، لا إظهار ترتّب الثواب خاصّة من دون شائبة عقاب.
مع أنّه لو كان من العقود اللازمة ، لوجب على المقرض التأخير إلى وقت غير معيّن ، لكون مقتضى العقد التأخير ، كما قلت ، ولعدم ذكر الأجل كما هو المفروض ، فلا يجوز له المطالبة ، بل ولا يجوز للمستقرض أيضا الردّ قبل ذلك الوقت الغير المعيّن ، فإمّا لا يجوز لهما ما ذكرنا مطلقا ـ بل ولا لوارثهما أيضا إلى انقراض الدنيا ـ وهو بديهي البطلان ، أو يجوز في وقت غير معيّن عند الله تعالى وعندهما ، وهو أيضا بديهي البطلان ، بل ويلزم تحقّق الانتقال في وقت خاص لا تعيين فيه أصلا ـ لا عند الله ولا عندهما ـ وهو أيضا بديهي البطلان ، بل ويلزم التقاصّ القهري أيضا في ذلك الوقت ، وهو أيضا بديهي البطلان.
وإن بنى على التعيين لذلك الوقت ، ففيه أنّه ترجيح من غير مرجّح أصلا ورأسا ، وهو أيضا بديهي البطلان.
هذا كلّه ، مضافا إلى لزوم الغرر والضرر المفسدين للمعاملة اللزوميّة ، ومضافا إلى أنّه لا يثمر سوى نزاع المتعاقدين ومخاصمتهما بنحو لا ترتفع تلك المخاصمة أصلا ، و [ قد ] وضع الشرع لرفع التخاصم لا لوضعه. إلى غير ذلك من مفاسد عدم التعيين ، كما مرّ في البيع وغيره.
ويدلّ أيضا على عدم لزومه ، الإجماع المنقول عليه ، وهو حجّة كما حقّق في محلّه (١) ، بل الظاهر أنّه الإجماع الواقعي ، لأنّ القرض ممّا يعمّ به البلوى ، والمسلمون في الأعصار كان يكثر منهم الإقراض والاقتراض ، حتّى من نسائهم
__________________
(١) لاحظ! نهاية الأصول : ٢ ـ ١٧٠.
وصغارهم ، فضلا عن الرجال والكبار.
فلو كان من العقود اللازمة لاشتهر اشتهار الشمس ، وظهر على النساء والصغار بحيث لا يبقى ريبة ، فكيف صار الأمر بالعكس؟! إذ جميع الفقهاء أفتوا بالجواز ، وغير الفقهاء يكونون تابعي الفقهاء ومقلّديهم ، مع أنّ المتعارف الشائع وقوع القرض الّذي لا أجل له أو له أجل لكن ليس بأجل شخصي لا يقبل التفاوت أصلا ورأسا ، سيّما في مثل قرض الخبر والخمير والجوز وأمثالها ، وتحقّق اللزوم في هاتين الصورتين فاسد بالبديهة ، كما أشرنا.
فظهر أنّ القرض من حيث هو هو وفي نفسه ليس من العقود اللازمة ، بل من الجائزة ، والأجل المشخّص لا يمكن أن يصير سببا للزوم ، لأنّ الأجل ليس إلّا تعيين مدة شيء ، فإن كان الشيء واجبا يصير الأجل أجل شيء واجب ، ومعناه أنّ ذلك الواجب إلى مدّة كذا ، وإن كان جائزا يصير أجل جائز ، يكون المعنى أنّ مدّة ذلك الجائز كذا ، وإن كان حراما يصير أجل الحرام ، ويصير أنّ مدّة الحرام كذا ، وقس على هذا.
فالعبرة بما وقع الأجل له ، لا بنفس الأجل ، وهذا أيضا واضح ، وليس الأجل المشخّص شرطا لتحقّق القرض أو لصحّته ، للإجماع والأخبار المتواترة الدالّة على صحّة مطلق القرض (١) ، بل وصحّة القرض الغير المؤجّل بالأجل الشخصي.
فحال مضمرة الحسين بن سعيد (٢) حال ما ورد في البيع بثمنين إلى أجلين ،
__________________
(١) أي أنّ أخبار الدين مطلقة ولم يشترط فيها قيد الأجل. لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣١٥ أبواب الدين والقرض.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٨١ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٦ ـ ١٩٠ الحديث ٤٠٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٤٤ الحديث ٢٣٨١١.
بأنّه يكون للمشتري بأقلّ الثمنين وأبعد الأجلين (١) ، واشتراء (٢) الدين بأقلّ منه ، وبأن ليس للمشتري سوى قدر الثمن (٣) وغيرهما ، بل وأضعف منه بوجوه :
الأوّل : التعدّد هناك ، والوحدة هاهنا.
الثاني : الصحّة هناك ، والضعف هاهنا.
الثالث : وجود القائل هناك ، بل وجماعة من الأعاظم (٤) ، وعدم الوجود هاهنا أصلا.
الرابع : الصراحة هناك ، وعدمها هاهنا ، وذلك لأنّه صرّح في « القاموس » بأنّ القرض ما لا أجل له والدين ما له أجل (٥) ، وأشار إلى هذا القول أيضا الشارح (٦).
فعلى هذا ، قيد ( إلى أجل ) يكون قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي ، معيّنة للمجازي الّذي هو الدين ، فلا وجه للاستدلال أصلا ، كما هو الشأن في كلّ موضع يكون مع اللفظ قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي.
فإن قلت : لعلّ مراد « القاموس » لا أجل له مثمرا ، لأنّ الأجل غير المثمر ليس بأجل حقيقة ، وإلّا فالقرض المؤجّل قرض حقيقة.
قلت : إن أردت الثمرة الشرعيّة ، فلا دخل لها في اللغة ، وإن أردت اللغويّة
__________________
(١) لاحظ! تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٥٣ الحديث ٢٣٠ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٧ الحديث ٢٣٠٨٣.
(٢) في النسخ الخطّية ( واشتراه ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.
(٣) لاحظ! الكافي : ٥ ـ ١٠٠ الحديثين ٢ و ٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٤٧ الحديثين ٢٣٨١٩ و ٢٣٨٢٠.
(٤) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٠٠ ، مختلف الشيعة : ٣ ـ ٤١٣.
(٥) القاموس المحيط : ٤ ـ ٢٢٦.
(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٨٠.
بأنّ القرض لغة معاملة تبرّعية كالهديّة والعطيّة ، فالتأخير المعتبر فيه تضمّنا أو التزاما تبرّعي من تبرّع ما اعتبر هو فيه ، ومعنى التبرّع أنّه في قوّة أن يقول : عهدت ووعدت ولي أن أوفي وأن لا أوفي ، فكما أنّ نفس التأخير تبرّعي هكذا كونه إلى غاية معيّنة ، إذ بديهي أنّ مجرّد ذكر غاية لذلك التأخير لا يوجب تغيّر الدلالة والمراد من حيث اللزوم والتبرّع ، فلا فرق بين أن يقول : أقرضتك ، وأن يقول : ملّكتك وعليك عوضه وأصبر عليك في ردّ العوض تبرّعا ـ قيدا للتمليك والصبر ـ وكذا بين أن يقول : أقرضتك إلى كذا ، أو ملّكتك وأصبر عليك في ردّ العوض إلى كذا تبرّعا.
وعدم الفرق بحسب المفاد لغة ، فهذا الأجل ليس بأجل حقيقة من حيث إفادته أنّ لي أن أوفى وأن لا أوفي.
وبالجملة ، إن أردت هذا ، فهذا يشيّد أركان الفقهاء ويوهن استدلالك بالحديث ، ويمنع احتجاجك بالعمومات ، لأنّ الأمر بالوفاء بالعقد إنّما هو على حسب ما تضمّنه ، وكذا العهد والوعد والشرط ، بل اللازم حينئذ ما ذكره الفقهاء ، لأنّ الطرفين أقدما عليه ، فاللازم على المستقرض الردّ متى طالبه المقرض.
على أنّه على تقدير خلوّ عقد القرض عن قيد التبرّع المزبور ، وعدم الإفادة مطلقا بحسب اللغة ، فإن حكمت بعدم التبرّع شرعا أيضا مطلقا ، ففساده كما ترى ، مضافا إلى ما سيذكر. وإن حكمت بالتبرّع وعدم اللزوم مطلقا ، فهو مطلوب الفقهاء. وإن فكّكت (١) وفرّقت بين ما إذا ذكر لتأخيره غاية وما لم يذكر ، بالحكم باللزوم في الأوّل ودخوله تحت العمومات ، وعدم اللزوم في الثاني وخروجه ، فلعلّه تحكّم بالقياس إلى العمومات ، عموم ما دلّت على اللزوم وعموم ما دلّ على
__________________
(١) في ب ، ج : ( حكمت ).
عدمه ، ومناف لما دلّ على وجوب تعيين الأجل في العقود اللازمة ، وموجب لجواز التفكيك بهذا النحو في جميع العقود اللازمة.
فظهر ممّا ذكر وهن آخر في استدلالك بالمضمرة (١) ، فتأمّل.
على أنّا نقول : معنى قولهم : ( العقد المؤجّل من القرض جائز أيضا قبل حلول الأجل ) أنّه يجوز لكلّ من الطرفين الفسخ ، وما لم يفسخا يكون العقد باقيا على حاله ، مثمرا ثمر اللزوم ما دام باقيا على حاله على طريقة غيره من العقود الجائزة ، فلو اتّفق عدم الفسخ ـ إمّا لمانع كالغيبة ونحوه ، أو مجرّد اتّفاق ـ هل الموت يوجب الفسخ ويتحقّق أحكام الحلول وثمراته به ، أم لا يوجب ، بل المتحقّق ثمرات عدم الحلول؟ فسأل الراوي عن الحال ، فأجاب بالأوّل ، فتأمّل.
وبالجملة ، أمثال هذه السؤالات عن المعصوم كثيرة ، وليست بغريبة ، سيّما من فقهاء الأصحاب مثل : الحسين بن سعيد.
هذا كلّه ، منضما إلى ضعف دلالة التقرير ، سيّما ورأي المالكي رأيه (٢) ، والمعصوم عليهالسلام كان يتّقي من أهل الحجاز كثيرا ، فتأمّل! وأيضا ، أنّه لم يذهب أحد من العامّة إلى أنّ البيع بثمنين إلى أجلين يكون للمشتري أبعدهما مع أقلّهما ، مضافا إلى الصراحة التامّة ، فتأمّل! على أنّا نقول : قد عرفت أنّ القرض من العقود المتبرّع بها حتّى بالقياس إلى الأجل المأخوذ فيه ، بل المتبرّع به ـ في الحقيقة وما هو المقصود بالذات ـ إنّما هو الأجل ، فلو كان الأجل المذكور في الحديث هو هذا الأجل فلا محيص عمّا ذكرنا من أنّ المراد قبل تحقّق الفسخ ، وإن ادّعيت ظهور كون الأجل المذكور فيه
__________________
(١) أي مضمرة الحسين بن سعيد : مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٨١ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ١٩٠ الحديث ٤٠٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٤٤ الحديث ٢٣٨١١.
(٢) لاحظ! تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٥.
غير مرعي (١) ، فلا جرم إمّا أن يكون المراد من القرض الدين ـ كما أشرنا ـ أو يكون شرطا في عقد لازم.
هذا ، على تقدير تسليم ما ادّعيت من الظهور ، وإلّا فالظاهر عدم الظهور ، سيّما بعد ظهور كون أجل القرض من الأمور التبرّعية المحضة كما أشرنا ، فتدبّر.
قوله : « فقد حلّ مال القارض » (٢) ، ولا يضرّ إضمار مثله .. إلى آخره (٣).
ويمكن أن يقال : في هذا الخبر ـ مضافا إلى ما مرّ ـ أنّه عليهالسلام حكم بأنّ موت المستقرض سبب لانعدام الأجل والرخصة في التأخير إلى ذلك الأجل ، وذلك لأنّه لا تأمّل في أنّ القرض يصير مؤجّلا.
نعم ، الفقهاء يقولون : التأجيل ليس بلازم (٤) ، بل هو تبرّع محض ورخصة غير لازمة الوفاء ، وتلك الرخصة لم تكن إلّا للمستقرض فبموته تنعدم ، لأنّها وأجلها لم يكونا إلّا بحسب التبرّع ، فلا يكونان حق المستقرض وملكا له حتّى يتصوّر انتقالهما إلى الورثة ، فيجب على الورثة المبادرة في أداء ذلك القرض إلّا أن يرخّصهم القارض ويجعل لهم أجلا مستأنفا ، فتأمّل.
قوله : ( إلّا أن يشترط في لازم ) (٥) يعني لا يلزم تأجيل [ الحالّ ] .. إلى آخره (٦).
وقيل : ينقلب العقد اللازم جائزا حينئذ (٧) ، ومقتضى ظاهر العبارة أنّ
__________________
(١) في ألف : ( تبرّعي ) ، وفي ه : ( شرعي ).
(٢) ذيل مضمرة الحسين بن سعيد ، وقد مرّت آنفا.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٨١.
(٤) لاحظ : مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٨٠ ، جامع المقاصد : ٥ ـ ٣٥ ، الروضة البهيّة : ٤ ـ ١٧ ، مفتاح الكرامة : ٥ ـ ٥٣.
(٥) من قول المصنّف : إرشاد الأذهان : ١ ـ ٣٩٠.
(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٨٢.
(٧) لاحظ! مسالك الأفهام : ١ ـ ١٧٧ ، مفتاح الكرامة : ٥ ـ ٥٤.
النزاع فيما إذا جعل أجل القرض شرطا في عقد لازم كما ذكره الفقهاء ، وذكر في « الشرح » (١) : أمّا لو أقرض بشرط بيع مثلا ويكون القرض مؤجّلا لم يلزم الأجل ولا القرض ، بمقتضى ما ذكروه من الحصر ، ولأنّ جزء عقد جائز جائز ، من حيث أنّ الاعتبار بالعقد ، والجزء تابع للكلّ.
فإن قلت : إذا كان القرض بشرط البيع كان البيع أيضا بشرط القرض ، فإذا كان مؤجّلا لزم ـ على قول المصنّف ومن وافقه (٢) ـ ويدخل تحت محلّ النزاع.
قلت : الملازمة ممنوعة ، وسيّما على رأي المصنّف ومن تبعه ، من الفرق بين القرض بشرط البيع المحاباتيّة وبيع المحاباة بشرط القرض ـ كما مرّ في صدر الباب (٣) ـ ومع ذلك لا يلزم صيرورة ذلك داخلا في محلّ النزاع ، إذ محلّ النزاع هو جعل نفس الأجل شرطا في عقد لازم ، لا أن يكون كلّ واحد من العقدين شرطا بالنسبة إلى الآخر وجزءا وتابعا ، مع أنّه ربّما لا يخلو عن رجحان أصليّة القرض ، فليتأمّل.
قوله : [ عند ] الإمكان الشرعي والطلب ، وكأنّه إجماعي .. إلى آخره (٤).
لا وجه للتعبّد بالطلب ، إذ الغريم ربّما كان غير رشيد ولا وليّ له ، أو يكون جاهلا بحقّه أو غافلا أو مسامحا أو مساهلا أو موسّعا عليه ، فيجب حينئذ بوجوب موسّع ، إن لم يكن [ هناك ] دواعي للمبادرة من طرف نفسه ، مثل : عدم التمكّن من الأداء بعد ذلك أو خوف ذلك ، فيجب فورا ، إلّا أن يريد من الطلب عدم رفع اليد عن حقّه بعدم إبراء ذمّته ، أو يكون مراده من الوجوب المضيّق.
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٨٢.
(٢) لاحظ! إرشاد الأذهان : ١ ـ ٣٩٠ ، مفتاح الكرامة : ٥ ـ ٥٤.
(٣) راجع! الصفحة : ٣١٠ من هذا الكتاب.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٨٤.
وفي الكلّ نظر ظاهر ، حتّى الأخير ، فتأمّل! والمراد من النيّة هو العزم والداعي ، سواء كان مخطرا بالبال أو لا ، كما حقّقناه في مبحث النيّة في العبادات.
قوله : وبعيد عن تصرّف الغير .. إلى آخره (١).
وأنّه لو لم يفعل يثمر عادة إلى التلف ، أو ربّما يثمر ، ومقدّمة الواجب واجب عند الفقهاء.
قوله : [ الإيجاب بمثل هذا مشكل ] إلّا أن يكون إجماع أو نحوه .. إلى آخره (٢).
مثل الأخبار (٣) ، فإنّ ظاهره في الوجوب على القول بوجوب المقدّمة ، كما هو المشهور ، مع أنّ إطلاقه على الوجوب الشرطي لعلّه لا إشكال فيه في أمثال المقام ، فتأمّل.
قوله : والأصل عدم ظهور المانع (٤) ، لأنّ صرف المال في وجه الله ، ولبراءة الذمّة [ ، ولو احتياطا ، لا يسمّى إسرافا ولا تبذيرا ] (٥).
هذا كذلك إن لم يرفع اليد عن الطلب والجدّ فيه للوصول إلى صاحبه ، والظاهر أنّ ابن إدريس لا يمنع من ذلك (٦).
وأمّا مع اليأس بالمرّة وحصول العلم العادي بعدم الوصول إليه ، فمع التصدّق إشكال ، لدوران الأمر بين انقراض الصاحب أو وجود صاحب ، فعلى
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٨٦.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٨٦.
(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٢٥٧ الباب ١ من كتاب الوصايا.
(٤) كذا ، وفي المصدر : ( والأصل ، وعدم ظهور المانع ).
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٨٨.
(٦) السرائر : ٢ ـ ٣٧.
الأوّل يصير مال الإمام عليهالسلام ، وعلى الآخر الإمام وليّ الغيّب ، فمع التمكّن والإيصال إلى حاكم الشرع يشكل أيضا ، لا مع اليقين بعدم التمكّن منه أيضا ، ولعلّ الأمر بالتصدّق من جهة أنّ الأمر إلى الإمام عليهالسلام فأمر به ، ولعلّ الأمر بالإيصال إليه كان فيه مانع ، فهو أمر ، فتدبّر.
قوله : ولأنّ النصّ في مال الغير إذا لم يعلم صاحبه [ كثير جدّا ] .. إلى آخره (١).
أشار في « المفاتيح » (٢) إلى النصّ في التصدّق ، وفي « بداية الشيخ الحرّ رحمهالله » (٣) : ( وروي تدفع إلى المساكين ، وروي : يوصى بها فإن جاء طالبها ، وإلّا فهي كسبيل مالك ) (٤) : انتهى ، فتدبّر.
قوله : ويمكن حملها على عدم اليأس بالكلّية ، لأنّ الأمر بالطلب معه لا يحسن من الحكيم ، وهو ظاهر .. إلى آخره (٥).
ليس ما ذكره حملا ، بل هو الظاهر ، إذ لم يردّ السائل على قوله : « لا يدري » (٦) ، وهو لا يستلزم اليأس بالبديهة ، وكذلك سؤاله عن حاله شرعا ، إذ لم يكن فقيها ، ولذا سأل ، وكذلك طول زمان عدم درايته.
نعم ، ربّما يظهر منه بعد ما في حصول المعرفة ، وعسر في الجملة فيه ، فلذا قال : يكفي هذا لأن أتصدّق عنه وأخلص من العسر في التعب في الطلب؟
فأجاب عليهالسلام بعدم الكفاية ولزوم الطلب في إيصال حقّ الناس إليهم (٧) ، لما فيه من
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٨٨.
(٢) مفاتيح الشرائع : ٣ ـ ١٢٩.
(٣) لم نعثر على ما ذكره في بداية الهداية!
(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٦٢ الحديث ٢٣٨٥٥.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٨٨.
(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٨٨ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٦٢ الحديث ٢٣٨٥٤.
(٧) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٦٢ الحديث ٢٣٨٥٤.
التأكيدات والتشديدات الّتي لم تكن في حقوق الله تعالى ، وإن كانت مثل الصلاة الفريضة ، بل ميزان عدل الله إنّما هو في حقوق الناس (١) ، وإلّا ففي حقوق الله (٢) هو أكرم وأرحم من أن يعذّب بنار جهنّم ، حيث قال ( يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) (٣) ، وأمثال ذلك ، ما لم يؤدّ إلى الكفر ، فإنّه ( لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) (٤).
قال ذلك ، حتّى لا يجترئ على ترك مثل الفريضة أحد ، ومقتضى وعيده التهديد ، وله أن يفعل وله أن يترك ، بخلاف حقوق الناس.
وقد عرفت رواية سلمة (٥) ونحوها في الجملة ، وأمّا رواية زرارة فما قال : لم يفعل أو لم أقدر ، ولا قال (٦) أيضا : ما قدرت إلى الآن وأمثاله ، بل قال : قال « لا يقدر .. إلى آخره » (٧) ، فما قال ينادي بيأسه ، فلا تعارض أصلا ، فلا حاجة إلى الحمل أصلا ، فتأمّل جدّا.
مع أنّ رواية زرارة غير دالّة على عدم الطلب ، بل ربّما كان الظاهر منه الطلب بقدر تيسّره ، وأنّ زرارة كان كذلك لكن كان خائفا من التكليف بأشدّ منه.
__________________
(١) لاحظ! بحار الأنوار : ٧٢ ـ ٣١١ ـ ٣٣٤.
(٢) في ألف : ( حقوق نفسه ).
(٣) الزمر (٣٩) : ٥٣.
(٤) النساء ٤ : ٤٨.
(٥) أي : رواية سلمة الّتي مرّت في : مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٥٣ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ١٨٥ الحديث ٣٨٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٢٦ الحديث ٢٣٧٧٣.
(٦) ما أثبتناه هو الصحيح ، وأمّا في النسخ : الف ، د ، ه فالعبارة هكذا : ( قال قال لم يفعل لم يقدر ولا قال ) ، وهذه العبارة ساقطة من نسختي ب ، ج.
(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٨٨ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٦٢ الحديث ٢٣٨٥٣.
نعم ، الروايتان تعارضان ما دلّ على التصدّق ، سيّما رواية زرارة ، فالشأن في ملاحظة ما دلّ على التصدّق ، ثمّ الجمع بأيّ نحو يكون أقرب ، وربّما كان مع اليأس بالمرّة مال الإمام عليهالسلام ، فأمر بالتصدّق لذلك.
قوله : ولا يخفى بعده .. إلى آخره (١).
لا يخفى ما في كلام الشارح من التدافع.
قوله : وحصول الثواب له ، ولا ضرر عليه .. إلى آخره (٢).
لا يخفى ، أنّ هذا لا كلام فيه ، ولا مدخل لتأمّل أحد فيه ، حتّى ابن إدريس ، لأنّ « الناس مسلّطون على أموالهم » (٣) ، وهو ما يتصرّف إلّا في مال نفسه ، ومجرّد قصد التصدّق المذكور لا يخرجه عن ملكه ولا يدخله في ملك الغريم بالبديهة.
نعم ، مجرّد إحسان إليه ـ كما قال ـ لكن لا سبيل إلى سبيل عليه حتّى يقال : ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (٤) بعد ما بنى على نفسه أنّ صاحبه إن لم يرض يأخذ ماله ، لأنّ ذلك لم يكن عين ماله ، بل عين ماله إنّما هي في ذمّته.
ومنع المعصوم عليهالسلام عن التصدّق في الصحيحة (٥) ليس من قبيل المقام ، لأنّ غرض الراوي هو تخلّص نفسه عن تعب الطلب ، لأنّه يتصدّق ويكون وجوب طلبه باقيا على حاله بعد ، من دون تفاوت أصلا ، ولذلك أمره المعصوم عليهالسلام بالطلب ساكتا عن حكاية التصدّق.
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٨٨.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٨٩.
(٣) عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٢ الحديث ٩٩ و ٤٥٧ الحديث ١٩٨ و ٢ ـ ١٣٨ الحديث ٣٨٣ و ٣ ـ ٢٠٨ الحديث ٤٩.
(٤) التوبة ٩ : ٩١.
(٥) أي صحيحة معاوية بن وهب السابقة.
وهذا في غاية الظهور ، وذكره الطول ليس إلّا للرضيّة (١) في عدم الطلب ، لاستلزامه ـ عادة ـ مشقّة بالبعد ما في (٢) الحصول ، ومعلوم أنّ المعصوم عليهالسلام لم يكن منّاعا للخير ـ العياذ بالله منه.
قوله : وبعض الأخبار عدم جواز الأخذ ، وإن حملت على الذمّي ، فقوله : « للبائع حرام » (٣) محلّ التأمّل .. إلى آخره (٤).
لا وجه للتأمّل ، لأنّ الكفّار عندنا مكلّفون بالفروع أيضا قطعا (٥) ، والصحّة وترتّب الأثر شرعا لا تنافي الحرمة ـ كما حقّق في محلّه (٦) ـ فلا وجه للحرمة على القابض بعد استتار البيع من البائع وإن وقع الاطّلاع بحسب الاتّفاق لخصوص القابض ، ولا شكّ في أنّ هذا لا ينافي الاستتار.
وغير خفيّ أنّه ـ بحسب العادة ـ في ذلك الزمان ما كان يتحقّق بيع خصوص الخمر والخنازير إلّا من أهل الذمّة ، بل ومع الاستتار أيضا ، فارتفع الإشكال في هذا الحديث (٧) رأسا ، وكذا في الأحاديث الآتية ، سيّما ومع التصريح في بعضها بالذمّي ووقوع الإجماع من الخارج ، وكذا الأخبار في أنّ ذلك حرام على المسلم ولا يملك الثمن أيضا (٨) ، وكذا على أهل الذمّة مع عدم الاستتار (٩) ، فتدبّر.
__________________
(١) في د ، ه : ( للوصيّة ).
(٢) في ألف : ( باقي ).
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٩٠ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٧٠ الحديث ٢٣٨٧١.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٩١.
(٥) لاحظ! الذريعة : ١ ـ ٧٥.
(٦) لاحظ! معالم الدين : ٩٦.
(٧) أي حديث داود بن سرحان : مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٩٠ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٧٠ الحديث ٢٣٨٧١.
(٨) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢٢٣ ـ ٢٢٩ الأبواب ٥٥ ـ ٥٨ من أبواب ما يكتسب به.
(٩) لاحظ! المبسوط : ٢ ـ ٤٤ ، السرائر : ١ ـ ٤٧٤.
قوله : فقال أبو جعفر عليهالسلام : « يردّ عليه الرجل الّذي عليه الدين ماله الّذي اشترى به من الرجل الّذي له عليه الدين » (١) ، وفيهما مع ضعف السند ـ كما قاله في « التذكرة » (٢) .. إلى آخره (٣).
إشارة إلى عدم ثبوت ضعفه من الرجال ، بل أثبتنا قوّته (٤) ، بل كمال قوّته ـ كما اختاره جدّي (٥) ـ مع أنّ الشيخ هو المضعّف (٦) وقد رجع في علم الرجال ، عمل (٧) الشيخ وغيره رواية في المقام تنادي بما ذكرناه.
مع أنّ تضعيف العلّامة إنّما هو من تضعيف الشيخ ، حيث قال : يرمى بالغلوّ ، كما صرّح هو أيضا بذلك في « الخلاصة » (٨) ، و « ابن داود » (٩) ، والمضعّف هو الّذي عمل بها هنا إلى أن قدّمها على الأحاديث والقواعد القطعيّة.
والظاهر أنّ المنع في روايته عن الرضا عليهالسلام (١٠) حسما لمادّة الربا ، ورواية أبي
__________________
(١) الكافي : ٥ ـ ١٠٠ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ١٨٩ الحديث ٤٠١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٤٧ الحديث ٢٣٨١٩.
(٢) تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٣ ، والمقصود من ضعف السند هنا هو ضعف محمّد بن الفضيل الأزدي.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٩٥.
(٤) راجع! تعليقات على منهج المقال : ٣١٥.
(٥) روضة المتّقين : ١٤ ـ ٤٤٧.
(٦) رجال الطوسي : ٣٦٠ الرقم ٢٥ و ٣٨٩ الرقم ٣٥.
(٧) هذه العبارة ساقطة من ب ، ج ، وفي باقي النسخ كما هي مثبتة ، والظاهر أنّ الصواب : ( ونقل ) بدلا من ( عمل ).
(٨) رجال العلّامة الحلّي : ٢٥١ الرقم ١٩.
(٩) رجال ابن داود : ٢٧٥.
(١٠) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٩٤ ، الكافي : ٥ ـ ١٠٠ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ١٩١ الحديث ٤١٠ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٤٨ الحديث ٢٣٨٢٠.
حمزة (١) ـ إن كانت دالّة ـ والمتشبّه بالربا ، كما ورد منهم عليهمالسلام في غير موضع ، والشيخ أو غيره أيضا أفتوا به (٢) ، فتدبّر.
قوله : وبضعف السند ، وبالحمل على ما إذا حصل [ الربا ] .. إلى آخره (٣).
وحملها الشهيد الثاني على الضمان ، وحمل على بطلان العقد (٤) ، فلعلّه يرجع إلى الإبراء وعلى الاستحباب.
قوله : وهو أيضا مجهول ، وأبي بصير مشترك ، وفي خلف أيضا قول وإن كان ضعيفا .. إلى آخره (٥).
ويزيدها (٦) ضعفا الشهرة بين الأصحاب في خلافها وترك العمل بما يستفاد منها ، مضافا إلى المخالفة لظاهر القرآن ، مثل قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٧) ، و ( أَوْفُوا بِالْعَهْدِ ) (٨) ، وغيرهما ، والمخالفة للمطلّقات والعمومات الواردة في النسيئة والسلم (٩) وغيرهما.
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٩٤ ، وقد مرّ سابقا.
(٢) لاحظ! مفتاح الكرامة : ٥ ـ ٢٢.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٩٥.
(٤) الروضة البهيّة : ٤ ـ ٢١.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٠١.
(٦) الضمير هنا يعود على رواية خلف بن حمّاد عن إسماعيل بن أبي قرّة عن أبي بصير عن الصادق عليهالسلام : مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٠١ ـ ١٠٢ ، الكافي : ٥ ـ ٩٩ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ١٩٠ الحديث ٤٠٧ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٤٤ الحديث ٢٣٨١٠.
(٧) المائدة ٥ : ١.
(٨) الإسراء ١٧ : ٣٤.
(٩) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٥ ـ ٤٠ الأبواب ١ ـ ٥ من أبواب أحكام العقود ، و ٢٨٨ ـ ٢٩٢ الأبواب ٣ ـ ٥ من أبواب السلف.
مع أنّه ورد في أخبار كثيرة أنّ ما خالف الكتاب زخرف (١) ، و « اضربوه على الحائط » (٢). وغير ذلك.
وأيضا ، ورد أنّه « إذا ورد خبر فاعرضوه على سائر أحكامنا ، فإن لم يوافقها فلا تعملوا به » (٣).
وأيضا ، ورد الأمر بترك الشاذّ (٤) ، فلعلّها من الشاذّ ، فتأمّل.
وأيضا ، حال الحياة لا شكّ في عدم الحلول ، فهو مستصحب حتّى يثبت خلافه.
ولما ذكره الشارح دخل أيضا في الضعف ، وجميع ما ذكر ، وإن ورد في صورة العكس ـ إلّا حكاية الاشتهار ، فإنّها بالعكس ـ إلّا أنّ الإجماع كاف للحكم.
مع أنّ العصابة اتّفقوا على العمل برواية السكوني ، كما ذكره في « العدّة » (٥) وفي خصوص قد عرفت الاشتهار ، بل الاتّفاق بين القدماء والمتأخّرين ، مضافا إلى صراحة الدلالة ، وضعف الدلالة في هذه الرواية (٦) ، لأنّ اللام ليست نصّا في الملكيّة ، لاحتمال كونها للانتفاع والاختصاص في مثل السكنى والعمرى والحبس والعاريّة وأمثالها ، فتأمّل.
__________________
(١) إشارة إلى ما ورد في : الكافي : ١ ـ ٦٩ الحديثين ٣ و ٤ ، وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ١١٠ الحديثين ٣٣٣٤٥ و ٣٣٣٤٧.
(٢) التبيان في تفسير القرآن : ١ ـ ٥ ، مع اختلاف يسير.
(٣) وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ١٢٣ الحديث ٣٣٣٨١ ، مع اختلاف يسير.
(٤) الكافي : ١ ـ ٦٧ الحديث ١٠ ، بحار الأنوار : ٢ ـ ٢٤٥ الحديث ٥٧ ، وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ١٠٦ الحديث ٣٣٣٣٤.
(٥) عدّة الأصول : ١ ـ ٣٨٠.
(٦) أي : رواية أبي بصير آنفة الذكر.