حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

الصحاح (١) وسلّمه الشارح (٢) ، فكيف يجوّز هنا أن يأخذ أزيد؟! وأيضا ، ذمّة المفلّس لم تكن مشغولة بالعوض قطعا ، لعدم عقد أو عهد أو شرط أو تراض أصلا ، بل ذمّته ليست مشغولة إلّا بالمتعذّر ، فكيف يمكن للمشتري الضرب مع الغرماء بما لم يكن ذمّة المفلّس مشغولة به أصلا ، وكانت ذمّته فيه بريئة مطلقا؟! ولو كان يجوز له أخذه بالعوض عند التعذّر ، لكان مخيّرا في أخذ العوض أيضا مع عدم الحجر أيضا ، إذ الحجر لم يتحقّق إلّا بالقياس إلى ما اشتغل ذمّة المفلّس ، لا ما لم يشتغل (٣) ، ولذا لم يشارك الغرماء من لم يحلّ دينه ، ولم يجز الحجر على المؤجّل قبل حلول الأجل ، بل لو كان الغرماء كلّهم مشترين السلم المتعذّر لا نسلّم تسلّطهم على الحجر ، بل لم يتحقّق الحجر من جهتهم بمقتضى الأصل والدليل.

لا يقال : يجوز للغرماء أخذ العوض عوضا عن حقّهم ، فلا يتعيّن أن يكون ما يأخذون عن المفلّس نفس حقّهم.

قلت : يجوز مع التراضي ، لا قهرا ، فتأمّل.

قوله : فكأنّه ترك للإجماع .. إلى آخره (٤).

في « القواعد » حكم بوجوب الإنفاق عليه في السفر إلى أن يصل إلى بيته ، إن وقعت القسمة في السفر (٥).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٠٧ الحديث ٢٣٧٢٩ و ٣٠٩ الحديث ٢٣٧٣٥.

(٢) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٦٥.

(٣) في ألف : ( إلى ما أشغل ذمّة المفلّس ، لا ما لم يشغل ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٦٧.

(٥) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٧٣.

٤٠١

قوله : وكذا كفن زوجته ومملوكه (١) ، دون قريبه .. إلى آخره (٢).

لم يظهر وجهه ، لأنّ المتبادر من المطلق كفن نفسه (٣) ، والعمومات تقتضي وجوب أداء الدين ، وتعلّق الحجر وحقّ الغرماء أيضا كذلك ، ولعلّ وجه التقديم أنّ كسوتهم حال الحياة مقدّمة فكذا بعد الموت ، لأنّ حرمة المؤمن حيّا وميّتا واحدة (٤) ، ويؤيّده العلّة المنصوصة في منع بيع دار سكناه (٥) ، والله يعلم.

قوله : [ فينقض القسمة ويجمع المال ثمّ يقسم من الرأس ] ، لظهور بطلان القسمة الأولى ، لتعلّق حقّ هذا الغريم أيضا .. إلى آخره (٦).

فعلى هذا يكون النماء الحاصل بعد القسمة الأولى للمفلّس ، وأمّا التلف فلعلّه ممّن هو في يده وتلف عنده ، لأنّ يده يد ضمان ، لعموم : « على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي » (٧).

ويحتمل ـ على بعد ـ كونه من المفلّس ، لانكشاف كون المال ماله واليد ليست يد غصب ، وفيه أنّ الضمان غير منحصر في الغصب. نعم ، الأمانة لا ضمان فيها.

__________________

(١) لم ترد في المصدر : ( ومملوكه ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٦٩.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٤٥ الباب ١٣ من أبواب الدين والقرض و ١٩ ـ ٣٢٨ الباب ٢٧ من أبواب الوصايا.

(٤) لاحظ! بحار الأنوار : ٧٦ ـ ٧٩ الحديث ١ و ٧٨ ـ ٣٢٨ الحديث ٢٧ ، وسائل الشيعة : ٣ ـ ٥٥ الحديث ٣٠١٠.

(٥) لاحظ! الكافي : ٥ ـ ٩٦ الحديث ٣ ، علل الشرائع : ٥٢٩ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٨٦ الحديث ٣٨٧ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٣٩ الحديث ٢٣٨٠١.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٦٩.

(٧) عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٤ الحديث ١٠٦ ، السنن الكبرى : ٦ ـ ٩٥ باب ردّ المغصوب.

٤٠٢

قوله : فيمكن الشهادة على الأوّل دون الثاني ، وفيه تأمّل .. إلى آخره (١)

لا يخفى أنّه لم يثبت ـ بعد ـ أنّ مجموع المال لهم ، ولم يثبت أيضا أنّ مالهم أيّ قدر ، والأصل عدم انتقال الجميع إليهم ، وعدم كونه حقّهم حتّى يثبت ، وكذا الكلام في القدر ـ أيّ قدر فرض ـ وأصالة عدم وارث آخر يعارضها الأصل الّذي ذكرناه.

وممّا ذكر ظهر الكلام في آية الإرث (٢) أيضا.

على أنّه لو تمّ ما ذكره لم ينفع المظنّة أيضا ، لأنّه لا يعدل عن الأصل بمجرّد المظنّة ، لقولهم عليهم‌السلام : « لا تنقض اليقين إلّا بيقين مثله » (٣) ، ولذا يقدّمون الفقهاء الأصل على الظاهر إلّا فيما ثبت شرعا تقديم الظاهر عليه.

لكن في حكاية الغرماء لا يمكن ثبوت الانحصار غالبا لو لم نقل كلّيا ، إذ إقرار المديون لا ينفع ، والشهادة على النفي لا تسمع ، ورجوعه إلى الإثبات ممّا لا يكاد يتحقّق ، فتأمّل جدّا.

قوله : [ وظاهر أنّه ينكر الحال ] وهم يدّعون وجوده عنده ، والأصل عدمه .. إلى آخره (٤).

هذه الدعوى كيف تجتمع مع احتمال الوجود؟! لأنّ الاحتمال شكّ في وجوده ، إلّا أن يجعل المراد من الدعوى أنّه يحتمل وجود المال كذلك ، فتأمّل.

قوله : لا دليل على الكلّ بخصوصه ، إلّا أن يكون إجماعا .. إلى آخره (٥).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٧١.

(٢) النساء ٤ : ١١ و ١٢.

(٣) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٤٥ الحديث ٦٣١ ، مع اختلاف في الألفاظ.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٧٦.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٨١.

٤٠٣

ربّما يدلّ على الكلّ العلّة المنصوصة (١) ـ على ما هو ببالي ـ فليلاحظ.

__________________

(١) لاحظ! الكافي : ٥ ـ ٩٦ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٨٦ الحديث ٣٨٧ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٣٩ الحديث ٢٣٨٠١.

٤٠٤

الضمان

قوله : اعلم أنّ الضمان لفظ مشترك عند الفقهاء بين المعنى الأعمّ من الضمان بالمعنى الأخصّ .. إلى آخره (١).

ليس الضمان ضمّ ذمّة إلى ذمّة كما توهّمه العامّة (٢) ، بل هو جعل ما في ذمّة في ضمن ذمّة أخرى ، فمعنى ضمنت ـ مثلا ـ : جعلت ما في ذمّة فلان في ذمّتي ، وتعهّدت أن أعطي ، وعليّ أن اعطي كما عليه أن يعطي ، ولك التسلّط عليّ كتسلّطك الّذي كان عليه ، وأمثال هذه المضامين.

فإذا كان ذلك صحيحا شرعا ، لزمه أن يعطي كما كان يلزم المديون ، وينتقل من ذمّة المديون إلى ذمّته وتبرأ ذمّته ، وينتقل تسلّطه إلى الضامن بأن يكون التسلّط عليه خاصّة.

هذا محلّ وفاق الشيعة ، ومقتضى الصيغة والعقد ، ويصير الانتقال والاشتغال من حين العقد وبعنوان اللزوم ، لعين ما ذكرنا.

والأصل عدم الصحّة إلّا أن يثبت الصحّة من الشرع ، والقدر الثابت من الإجماع والأخبار (٣) هو ما ذكرناه ، ولا ينفع مثل ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤) للصحّة

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٨٢.

(٢) راجع! المغني لابن قدامة : ٤ ـ ٣٤٤ المسألة ٣٥٧٠.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٤٢٢ الأبواب ٢ و ٣ و ٤ من أبواب الضمان.

(٤) المائدة ٥ : ١.

٤٠٥

بأيّ وجه كان ، لما ستعرف في كتاب الشركة ممّا سنذكره هناك (١).

مع أنّ عقد الضمان مقتضاه ومعناه هو الّذي ذكرنا ، فلا يقبل خيار الفسخ ، لمنافاته لمقتضى العقد والتعهّد اللزومي ، إذ يصير معنى العقد حينئذ : جعلته في ذمّتي إن اشتهيت ، وعليّ أن اعطي إن رضيت واشتهيت ، فكلّ وقت يطالبه الديّان له أن يعطي وله أن لا يعطي ، فلا ثمرة للضمان والتعهّد ، إذ له قبل هذا أيضا أن يعطي وأن لا يعطي ، وإن مات فلوارثه أيضا ذلك ، لأنّه حقّ من حقوقه وكلّ حقّ منه ينتقل إلى الوارث.

وبالجملة ، لا شبهة في عدم مناسبته للضمان والتعهّد.

وأيضا ، إذا انتقل المال إلى ذمّته وبرئت ذمّة المضمون ـ كما هو عند الشيعة ومقتضى الظاهر من العقد والأدلّة ، بل مقتضى معنى العقد ـ فحينئذ عوده يحتاج إلى دليل.

وليس كذلك البيع ، إذ بمجرّد العقد ينتقل العوضان ، فترتّب آثار العقد قبل الفسخ ، والإجماع والأخبار تدلّ على الصحّة.

وممّا ذكر ظهر أنّه لا يناسبه التعليق على الوقت المستقبل وإن كان معيّنا كرأس الشهر ، لأنّ معناه ومقتضاه الانتقال والجعل على العهدة من الحين ، فبالتعليق يصير وعدة لا إنشاء ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وليس كذلك الإجارة ، لأنّ المنافع الآتية ملك المؤجر ، بحيث يقبل نقلها الآن ، بل لا تتحقّق الإجارة إلّا في المنافع الآتية ، الّتي توجد بعد العقد شيئا فشيئا ، وكذا الحال فيما هو مثل الإجارة.

__________________

(١) يأتي في الصفحة : ٥٣٨ من هذا الكتاب.

٤٠٦

في شرائط الضامن

قوله : [ لم يصرّح كونه من مال المولى ] ولا في ذمّته فينصرف إلى الظاهر ـ وهو الكسب ـ والظاهر أنّه مع عدم القرينة ينصرف إلى ذمّته .. إلى آخره (١).

لأنّ الإذن لا يستلزم النقل إلى ذمّته والرضا به ، فضلا عن أن يكون العقد كذلك ، والأصل براءة ذمّته ، وكذا الاستصحاب ، إلّا أن يقال : الإذن فيه إذن في لوازمه ، ومنها إفراغ الذمّة ولزوم الإفراغ الآن ، كما هو الظاهر من اللوازم ، لا أنّه إن اتّفق العتق يؤثّر الضمان ، وإلّا فلا أثر له في الدنيا ، بل في الآخرة أيضا.

مع أنّ معنى الضمان أنّ مالك في ذمّتي أعطيك كما على المضمون عنه أن يعطيك ، ولك التسلّط عليّ كما لك التسلّط على المضمون ، لا أنّه لا أعطي إلّا أن يتّفق وجوب الإعطاء عليّ ، مع كونه فرضا خلاف الأصل بعيدا بملاحظة حال الاستصحاب.

فعلى هذا ، يتعلّق بكسبه ، إلّا أن يقال : الآن ليس له ذمّة غير ذمّة المولى فينتقل إلى ذمّة المولى ، وهو بعيد غاية البعد ، وخلاف الأصل والقاعدة ، إذ للعبد يكون ذمّة بالمعنى المذكور.

قوله : وإن كان مذهب الأصحاب في غير هذه الصورة أنّه ناقل ، ويدلّ عليه [ رواياتهم ] .. إلى آخره (٢).

لا يخفى أنّ الّذي يقتضيه كلام أكثر الأصحاب أنّه في هذه الصورة أيضا

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٨٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٨٦.

٤٠٧

ناقل ، لأنّهم يجعلون تعلّق الدين به تعلّقه بالرهن لا تعلّقه بأرش الجناية ، على أنّه لو كان تعلّقه تعلّق أرش الجناية لكان النقل أيضا متحقّقا ، لأنّ المال المعيّن هو حقّ الضامن وماله ، وكيف يتعلّق به مع بقائه على ذمّة الضامن؟ فتأمّل! ولإطلاق قولهم : إنّ الضمان ناقل عندنا ، ولأنّه لو لم يكن ناقلا لكان الدين في ذمّة المضمون عنه باقيا كما هو ، فلا معنى لعدم تسلّط صاحب المال على المضمون عنه أصلا وتسلّطه على رجل آخر غير مشغول ذمّته بحقّه مطلقا ، بل لا بدّ أن يرجع إلى المضمون عنه لو لم ينتقل الحق ، كما صرّحوا به (١).

والحاصل ، أنّه على تقدير صحّة هذا الضمان لا بدّ أن يكون نقلا خاصّا ، وأن يكون اشتغال ذمّة الضامن بهذا النحو ، كما إذا باع سلفا نوعا خاصّا من المبيع فاتّفق عدم مجيئه في السنة الّتي باعه.

على أنّ الفقهاء جعلوا شغل ذمّة الضامن مطلقا من المحتمل ، بأنّه لو تلف ذلك المال بغير تفريط منه يكون ضامنا أن يعطي من غيره ، وإن كانوا جعلوا بطلان الضمان في صورة التلف احتمالا آخر.

وممّا ذكر ظهر ما في قوله : بل معه أيضا. (٢)

قوله : لعدم الصراحة في كون هذا القول بعد قول المعطي بحمل بعير ، مع أنّه جعالة .. إلى آخره (٣).

لا يخفى ظهور تعلّقه بحمل بعير ، وكونه جعالة لا يضرّ ، لقول بعض أصحابنا بصحّة الضمان في مال الجعالة أيضا ، منهم العلّامة في « القواعد » ، لأنّه كان في ذمّته

__________________

(١) مسالك الأفهام : ١ ـ ٢٠٠.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٨٦.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٨٧ ، وقد وردت هذه العبارة مرتكبة ومختلفة في النسخ الخطّية فرتّبناها على ما هي مرتّبة عليه في المصدر.

٤٠٨

وعهدته إن فعل له الفعل أن يعطي مال الجعالة (١) ، وهذا القدر انتقل إلى ذمّة الضامن ، فتأمّل.

وكونه مذهب من قبلنا أيضا لا يضرّ ، لأصالة البقاء حتّى يثبت خلافه ولم يثبت ، إن لم يثبت أنّ شرع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسخ كلّ حكم من أحكام الشرع السابق ، بل الثابت من الآيات (٢) والأخبار (٣) خلاف ذلك.

قوله : والأولى تدلّ على اعتبار رضا الغريم ، وغيرها .. إلى آخره (٤).

الظاهر أنّ القرينة كانت موجودة في رضا الغريم ، لأنّ حقّه كان غير موجود ، لعدم التركة ظاهرا ، وأنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان في غاية مرتبة الوفاء

__________________

(١) قواعد الأحكام : ١ ـ ٢٠٠.

(٢) لاحظ الآيات :

أ ـ ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ). البقرة ٢ : ١٨٣.

ب ـ ( قُلْ آمَنّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) آل عمران ٣ : ٨٤.

ج ـ ( قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) آل عمران ٣ : ٩٥.

د ـ ( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ) المائدة ٥ : ٤٨.

هـ ـ ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى ) الشورى (٤٢) : ١٣ ، وغيرها من الآيات.

(٣) لاحظ! الأحاديث : أ ـ تفسير البرهان : ١ ـ ١٨٠ الحديث ١. ب ـ تفسير البرهان : ٤ ـ ١١٩ الحديث ١٠. ج ـ بحار الأنوار : ٧٣ ـ ٦٧ باب السنن الحنيفيّة. وراجع ـ أيضا ـ الفوائد الحائريّة : ٤١٣ الفائدة ١٣.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٨٧.

٤٠٩

والوثوق به (١).

قوله : وزيادة الفرع على الأصل بالدليل لا قصور فيه ، ومعلوم أنّ المال واجب على المضمون عنه وذمّته مشغولة .. إلى آخره (٢).

لا تأمّل لهم في ذلك ، ولذا يجوّزون الضمان مؤجّلا ، لأنّ الّذي في ذمّته وذمّته مشغولة إن يعطي في الأجل ، فينتقل في ذمّة الضامن هكذا ، والأجل حقّ من حقوقه ، فالدين بهذا الحقّ يتعلّق بذمّة الضامن ، كما إذا كان دينار يصرف الدينار تسعة دراهم ، وإذا رفع اليد عن هذا الحقّ بأن قال : أعطي المال الآن ، فبمجرّد هذا لا يصير حالّا ولا يتسلّط الديّان على الأخذ حالا.

وأيضا ، للأجل قسط من الثمن ، فإذا قال : أعطي الثمن زائدا عن الحق ، لا يصير مشغول الذمّة بالزائد ، وبمجرّد التبرّع لا يكون في الذمّة شي‌ء ، وكذا بمجرّد الوعد ، فكيف يصلح للضمان؟! وقوله : ( وإنّما الأجل للطلب وجواز التأخير .. إلى آخره ) (٣) لو تمّ لكان اللازم إعطاء المؤجّل أيضا في المفلّس وضربه مع الغرماء وتقسيم ماله على الحالّة والمؤجّلة معا ، ومرّ أنّه ليس كذلك وإن كان المفلّس راضيا أشدّ الرضا ، ومرّ أنّه لا حقّ للمؤجّل. إلى غير ذلك من الأحكام ، مثل : أنّ المديون لو تبرّع به قبل الأحكام لم يجب على الديّان أخذه. إلى غير ذلك.

إلّا أن يقال : شرط جائز في نفسه بعد رضا الطرفين ، فإن كان في ضمن عقد لازم يصحّ ويصير لازما ، وهذا يتوقّف على كونه عقدا ، فتأمّل ، وعلى أنّ

__________________

(١) إشارة إلى حديث أبي سعيد الخدري في ضمان أمير المؤمنين عليه‌السلام : مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٨٧ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٤٢٤ الحديث ٢٣٩٦٨.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٩٠.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٩٠.

٤١٠

الشروط الجائزة تصير لازمة ، لا أنّ العقد يصير جائزا ، والظاهر أنّه كذلك.

نعم ، يتوقّف على عدم كونه منافيا لمقتضى العقد من حيث أنّ الضمان إنّما هو في الحق الثابت ـ كما سيجي‌ء ـ وضمان ما لم يجب ليس بصحيح ، أو ليس بضمان ، ومرّ ما به يظهر الحال.

قوله : وإن قالوه ، إلّا أن ينضمّ إليه قرينة ، ويعلم من « التذكرة » (١) الإجماع على الرجوع مع الإذن في مجرّد الضمان ، فتأمّل .. إلى آخره (٢).

يمكن أن يقال : مرادهم من الضمان بالإذن كونه بسبب الإذن ، بحيث لو لم يأذن لم يصر ضامنا ، ولمّا كان الإذن غير معتبر في نفس الضمان أصلا ، ويتأتّى للضامن أن يضمن من دون إذن أصلا ، بل مع عدم اطّلاع المضمون عنه مطلقا ، بل مع منع المضمون عنه وعدم رضاه به ، يصير التوقيف على الإذن قرينة على إرادة العوض ، وكذا لو كان بالتماس المضمون عنه ، لدلالة العرف على العوض هنا ، فكذا في السابق ، فتأمّل.

قوله : وجه الكلّ ظاهر .. إلى آخره (٣).

مضى الكلام فيه (٤).

قوله : ولو قيل بثبوت الحاضرة بمجرّد طلوع الفجر .. إلى آخره (٥).

حكم في « القواعد » بصحّة الضمان في الحاضرة (٦) ، ولعلّ مراده بعد

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٩٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٩١.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٩٢.

(٤) راجع الصفحة : ٤٠٨ من هذا الكتاب.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٩٣.

(٦) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٧٨.

٤١١

الثبوت ، أو أنّها تؤول إلى الثبوت قطعا عادة ، فتأمّل.

قوله : إذ الضمان عندهم ناقل ، ووجوب الردّ لا ينتقل ، بل يجب على القابض أيضا .. إلى آخره (١).

يمكن أن يقال : إنّ الضمان جعل الشي‌ء في ذمّة أحد وعهدته في ذمّة الضامن وعهدته ، ومعلوم أنّ نفس العين ـ من حيث أنّها عين ، ومن حيث هي هي ـ لا تكون في عهدة ، ولا يمكن أن تصير في عهدة شخص وذمّته.

بل الّذي في العهدة والذمّة حفظها وأخذها وحملها ونقلها إلى مالكها ، فإن كانت هذه الأمور في عهدة شخص وضمن آخر ، بأن قال : جعلت ما في عهدة فلان في ضمن عهدتي ـ كما مرّ في معنى الضمان ـ ورضي المضمون له بذلك ، لم نر مانعا من أن تنتقل هذه الأمور في عهدة الضامن وبرء ذمّة المضمون عنه لرضا المضمون له ، فإنّه إبراء له ولذمّته بالنسبة إلى [ هذه ] الأمور ، فتكون هذه الأمور لازمة على الضامن غير لازمة على المضمون عنه ، فاللازم ـ حينئذ ـ على الضامن أخذها من المضمون عنه وحفظها ونقلها إلى مالكها.

وإن أراد من الحفظ أعمّ من أن يكون بنفسه أو نيابته أيّ شخص ـ كما هو المتعارف ـ فلا يجب عليه أخذها من المضمون عنه إذا رضي بأن يكون عنده.

وكذا الحال إذا كان المراد من الحمل والنقل والتسليم إلى المالك أعمّ من المباشرة بالنفس أو بالنائب والوكيل والحمّال ـ كما هو المتعارف ـ فلا تسلّط لصاحب المال حينئذ على المضمون عنه في الأمور أصلا ، بل تسلّطه على الضامن خاصّة وحقّه فيها عنده.

نعم ، إن وجد عين ماله عند المضمون عنه ، له أن يأخذها من يده ، وهذا

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٩٤.

٤١٢

غير الأمور المذكورة ، ولا يدخل تحت العهدة ، ولا يشتغل به الذمّة ، لأنّ الأخذ فعل صاحب المال ، وأمّا من المضمون عنه فعدم المانعيّة وهو أمر عدمي ، فلو قال له : ارفع أو خذ وسلّم بيدي ، لا يكون له تسلّط عليه فيه ، لإسقاط حقّه منه.

نعم ، إن حفظ وأخذ وحمل ونقل وسلّم المضمون عنه ، يكون جائزا صحيحا وإن لم يشغل ذمّته بها أصلا ، لأنّ أداء المال والحق من طرف من عليه الحقّ والمال صحيح وإن لم يكن برضاه وإذنه ، بل ومع منعه عنه كما مرّ ، ولذا في صورة المال إن أدّى المضمون عنه عن الضامن بري‌ء الضامن وإن لم يكن الأداء بإذنه ورضاه ، بل ومع منعه كما أنّ الضامن ـ تبرّعا ـ كان حاله كذلك ، وكذا حال كلّ من أبرأ ذمّة شخص.

هذا ، إذا لم يصر المضمون عنه غاصبا بأن منع المال عن الضامن والمضمون له جميعا ، أمّا إذا صار غاصبا بالمنع المذكور أو بالتفريط في الحفظ وغيره يكون اللازم عليه الحمل والنقل والتسليم والحفظ حال تلك الأمور.

وهذا حكم على حدة ، حتّى أنّ الغاصب المتقدّم على الضمان إذا أبرأ ذمّته صاحب المال وجعل على ذمّة الضامن خرج عن الغصب ما لم يصر غاصبا ، فتأمّل.

وسيجي‌ء في ضمان عهدة الثمن ما يحقّق صحّة ضمان الأعيان ، وعدم المانع منه (١).

قوله : [ والقيمة ] غير ثابتة حين وجود العين ، ولا معنى لضمان العين بدونها ، ويحتمل الثبوت ، لصدق الضمان عرفا .. إلى آخره (٢).

يمكن أن يقال : العين كانت بحيث لو تلفت يتبدّل بالقيمة وأنّه يجب حينئذ

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٩٧.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٩٤.

٤١٣

القيمة ، فيجري فيها ما ذكرناه في مال الجعالة ، بل والديون المؤجّلة قبل الحلول ، فتأمّل.

ويشهد على صحّة ضمان القيمة ما سيجي‌ء في ضامن عهدة الثمن ، كما أنّ ذلك يشهد على صحّة ضمان العين أيضا ، فقولهم : شرطه أن يكون مالا ثابتا في ذمّة المضمون ، إمّا شرط الضمان المتّفق عليه غالبا ، أو المراد من المال الثابت في الذمّة ما يعمّ ما ذكرناه ، بأن يكون المراد ما يصحّ وما يستحق بإزائه مال.

والأفعال الّتي أشرنا إليها وإلى أنّها تدخل تحت العهدة يصحّ الجعالة بها والإجارة عليها ، ولها حرمة وقيمة أيّ عوض ، فتأمّل.

قوله : والحلف لا يؤثّر في ثبوت حقّ على الغير .. إلى آخره (١).

نقل عن المفيد تأثير حلف المضمون له مطلقا (٢) ، وعن الشيخ مع رضا الضامن (٣) ، وعن الحلبي (٤).

قوله : [ ويردّها إلى أهلها ] إن ثبت النقل بالدليل مطلقا .. إلى آخره (٥).

قد مرّ الكلام ، وأنّ الظاهر صحّة الضمان على سبيل النقل ، كما هو مذهب الشيعة.

قوله : فلوجود العين في يده أو تلفها فيها ، وفي العهدة إن شاء المشتري

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٩٥.

(٢) المقنعة : ٨١٦.

(٣) النهاية للطوسي : ٣١٦.

(٤) كذا في كافّة النسخ ، والظاهر أنّ الصحيح : ( القاضي ) بدلا من ( الحلبي ). لاحظ : مختلف الشيعة : ٥ ـ ٤٦٢!.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٩٧.

٤١٤

طالب البائع وإن شاء طالب الضامن .. إلى آخره (١).

قد عرفت أنّ الأخذ ممّن توجد العين عنده ليس متعلّقا للضمان ، إذ الطفل والمجنون إذا وجد العين عندهما يؤخذ منهما ، والضمان إنّما يكون فيما تعلّق بالذمّة والعهدة ، ولا نسلّم أنّ في ذمّة المضمون عنه مؤنة الحمل والنقل والتسليم حتّى الأخذ باليد والإعطاء بل الأخذ باليد ـ لئن يؤخذ من يده ـ أيضا ليس عليه ، بل قوله : تعال خذ أو خذ أيضا ليس عليه ، إنّما عليه عدم المنع عن الأخذ ، وليس ذاك إلّا أمرا عدميّا صرفا.

قوله : [ « المسلمون عند شروطهم » ] يشمل الأعيان أيضا .. إلى آخره (٢).

فيه تأمّل ظهر وجهه ممّا قلنا في صدر مبحث الضمان (٣).

قوله : بسبب تفريط من البائع ، فإنّه كان يمكنه الإعلام .. إلى آخره (٤).

الجاهل معذور في موضوعات الأحكام إجماعا ، لا في نفس الحكم ، إلّا ما خرج بالدليل ، ولا وجه للحكم بالتفريط بمجرّد الجهل.

على أنّه مع الحكم بالتفريط لا وجه للتأمّل في بقاء الأرش عند البائع بلا وجه ولا عوض ، فالتفريط لا يصير منشأ لذهاب الحقّ الّذي وقع العقد والشرط على أن يكون له عوض قطعا ، ولا منشأ لثبوته ، بل المنشأ هو العقد وأخذ العوض بلا مقابل.

قوله : سبب رجوعه إلى الضامن ثبوت الأرش في الذمّة وقت الضمان. إلى

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٩٧ ، تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٩٢.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٩٨.

(٣) راجع الصفحة : ٤٠٨ من هذا الكتاب.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٩٩.

٤١٥

آخره (١).

لا يخفى أنّ العيب في المبيع نقص فيه ، ففي الحقيقة ما أوفى البائع بتمام المبيع وما استوفي المشتري تمام حقّه وخياره ـ مثل خيار تبعّض الصفقة فيما ذكرنا ـ فعلى البائع إعطاء هذه النقيصة عينا كما في تبعّض الصفقة ، إن كان المبيع كلّيا لا شخصا ويوجد القدر من العين ، ولا يكون حينئذ خيار في الفسخ أو عوض النقيصة بأن يردّ القدر من الثمن المقابل لها ، لأنّه أخذه بغير إعطاء عوض ، بأن (٢) كان المبيع شخصا ، أو لا يوجد القدر من العين فيصحّ الضمان حينئذ ، فتأمّل.

قوله : وإنّما يزول بالفسخ والرجوع إلى الثمن ، أو أنّ سببه ـ وإن كان حاصلا ـ لا يثبت إلّا باختياره .. إلى آخره (٣).

قد عرفت أنّ القدر من الثمن الّذي بإزاء العيب ـ وهو الأرش ـ كان عند البائع من غير استحقاق ، بل هو عين مال المشتري ، لأنّ استحقاق البائع إيّاه إنّما هو بعد وجود العوض والقدرة على تسليمه ، وليس ، فكيف استحقّه من المشتري؟

وأمّا الّذي يثبت من خياره ، [ فهو ] : ردّ المبيع ، واستحقاق جميع الثمن ـ إن اختار الفسخ ـ وإسقاط العوض للناقص ، وإبراء ذمّة البائع منه ، بل في الحقيقة يرجع إلى هبته إن أسقط الثمن المقابل ، وإن أسقط مقابل الثمن فإبراء.

والّذي في عهدة البائع من جهة العقد هو الناقص ، لكن بملاحظة أنّ الناقص غير ممكن الوجود والتسليم ، يظهر أنّ الّذي كان عليه هو الأرش ، إلّا أن يبرئ ذمّة البائع ، فهو إسقاط حقّه الثابت ، أو يفسخ فيستحقّ ما بقي من الثمن أيضا ،

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٠٢.

(٢) كذا في كافّة النسخ ، والظاهر أنّ الصحيح : ( وإن ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٠٢ ، مسالك الأفهام : ١ ـ ٢٠٤.

٤١٦

فبالخيار يثبت ما بقي ، لا قدر الأرش ، فإنّه كان ثابتا على كلّ حال ، فتأمّل.

قوله : [ فلو علم ولم يطالب ] يحتمل السقوط .. إلى آخره (١).

بعيد ، إذ بمجرّد عدم المطالبة كيف يسقط الحقّ الثابت؟!

قوله : فلا تهمة ، وأمّا التهمة بأن يكون ضامنا بغير إذنه .. إلى آخره (٢).

فيه تأمّل ، إذ ربّما وقع بينهما مواطاة في هذا المعنى ، لأنّ الضامن كلّما يعطي يأخذ من المضمون عنه ، وما لا يعطي لا يأخذ عادة.

إلّا أن يقال : هذا القدر لا يكفي للتهمة ، لأنّ المضمون عنه برأت ذمّته عن المستحقّ مطلقا بظاهر الشرع ، واشتغل ذمّته للضامن مطلقا كذلك ، وعدم النفع في ظاهر الشرع يكفي لعدم التهمة ، وإمكان المواطاة لو كان تهمة لكان في جميع الشهود ، فتأمّل.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٠٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٠٣.

٤١٧

الحوالة

قوله : والروايتان (١) تدلّان على عدم اشتراط شغل ذمّة المحال عليه في تحقّق الحوالة كما شرطه الأكثر .. إلى آخره (٢).

دلالة الرواية فرع أن يكون الحوالة لغة وعرفا أعمّ من أن يكون على البري‌ء وغير البري‌ء ، مع أنّه في « القاموس » : ( أحال الغريم : زجّاه [ عنه ] إلى غريم آخر ، والاسم : الحوالة ، كسحابة ) (٣). انتهى.

وأمّا العرف ، فلم يتعارف الحوالة على البري‌ء ، بل المتعارف الالتماس منه في قبوله انتقال المال إلى ذمّته ، وبعد قبوله يحال الغريم عليه ، ومعلوم أنّه بمجرّد رضاه يصير ضامنا عندهم ، بل وشرعا أيضا ، كما ستعرف.

مع أنّه لو كان الصيغة شرطا في الضمان ، فهو شرط شرعا بلا تأمّل ، فمجرّد الرضا بالضمان ضمان عرفا البتّة ، ثمّ بعد الضمان يقولون : جعل حوالة الدين الدين عليه.

على أنّا لو سلّمنا العموم ، لكن غالب ما يتحقّق إنّما هو على غير البري‌ء ،

__________________

(١) والروايتان هما : الاولى : العاميّة المرويّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٠٥ ، سنن أبي داود : ٣ ـ ٢٤٧ الحديث ٣٣٤٥ ، سنن ابن ماجة : ٢ ـ ٨٠٣ الحديث ٢٤٠٤.

الثانية : رواية منصور بن حازم عن الصادق عليه‌السلام : مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٠٥ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٤٣٤ الحديث ٢٣٩٩٢.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٠٥ ، وفيه : ( والتعريف والروايتان يدلّان .. ).

(٣) القاموس المحيط : ٣ ـ ٣٧٤ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٤١٨

والروايات محمولة على الأفراد الغالبة.

على أنّ الّذي يظهر من الروايتين عدم اعتبار رضا المحال عليه ، فيظهر كونه مشغول الذمّة ، إلّا أن يقول : الإجماع واقع على اعتبار رضاه ، وإنّ ما قال الشهيد الثاني (١) باطل.

لكن ، على هذا نقول : لعلّ الوارد في الروايتين غير الحوالة ، ولذا لم يظهر منهما اعتبار رضا المحتال أيضا ، سيّما الرواية المرويّة بطريق العامّة ، فإنّها في غاية الوضوح ، ويمكن أن يكون مضمونها توكيل في استيفاء الحقّ ، فتأمّل.

وأمّا رواية الخاصّة ، فيمكن أن يقال : القدر الثابت هو القدر المشترك بين الضمان والحوالة ، وهو عدم الرجوع ، فتأمّل.

على أنّه على ما اختاره الشارح في الضمان من عدم اعتبار صيغة له ، بل يكفي ما يدلّ على الرضا (٢) ، يكون الحوالة على البري‌ء هي الضمان لا غير ، إذ بمجرّد الرضا من البري‌ء ينتقل المال إلى ذمّته من غير توقّف على إحالة المحيل ولا رضاه أيضا ، بل لا يعتبر رضاه أصلا ، وإن وقع العقد من المحيل ورضاه يكونان لغوا ، إذ ما لم يرض البري‌ء لا يكون لهما أثر أصلا.

وبعد الرضا لا حاجة إليهما مطلقا ، إذ رضاه علّة تامّة في الأثر المذكور ـ وهو الانتقال وعدم جواز الرجوع إلى المحيل ـ فجعل ذلك من أقسام الحوالة فاسد.

قوله : دليل كونها لازمة [ مثل ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ] .. إلى آخره (٣).

__________________

(١) مسالك الأفهام : ١ ـ ٢٠٥.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٨٨.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٠٧.

٤١٩

قد مرّ في الضمان ما به يستعلم الحال في المقام (١).

قوله : وأمّا اشتراط الإيجاب والقبول ، فدليله غير ظاهر .. إلى آخره (٢).

قد مرّ في بحث البيع ما ينبغي أن يلاحظ لتحقيق ما في المقام وأمثاله (٣) ، مع أنّا لم نر من الروايتين (٤) ظهورا في أنّهم ما أحالوا بلفظ وعبارة ، بل أحالوا بقرينة أو إشارة ، بل يمكن أن يكون باللفظ ، بل هو الأظهر.

والفقهاء اكتفوا بكلّ لفظ يدلّ على النقل ، فإطلاق الروايتين يمكن أن يكون محمولا على الفرد الشائع ، مع أنّ الروايات كثيرة وأصحّ سندا ، بل وأظهر متنا ، فما وجه القصر في الروايتين؟!

قوله : والفرق بين الوكالة والبيع والحوالة واضح ، فعلى تقدير علمه (٥) [ فيحتمل كون الفارق هو الإجماع ] .. إلى آخره (٦).

الفرق في غاية الوضوح ، لأنّ الحوالة هي نقل ما في ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه ، فيبرأ المحيل ولا تسلّط للمحتال عليه ولا للمحيل على المحال عليه.

إلى غير ذلك من أحكام الحوالة ، وشي‌ء منها لا يتحقّق في الوكالة.

وأمّا بيع ما في الذمّة ، فهو ـ مع فساده في نفسه ، لأنّه بيع الدين بالدين ـ فرق واضح بينه وبين الحوالة ، وأحكامهما في غاية التفاوت ، والأصل عدم ترتّب أثر من آثار الحوالة حتّى يثبت بدليل ، ولم يثبت ، بل الثابت العدم ، لأنّ الإجماع

__________________

(١) راجع الصفحة : ٤٠٥ من هذا الكتاب.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٠٧.

(٣) راجع الصفحة : ٧٢.

(٤) مرّت الإشارة إليهما آنفا.

(٥) كذا ، وفي المصدر : ( وعلى تقدير عدمه ).

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٣٠٨.

٤٢٠