حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

واستوجبه » ، لأنّه ربّما تعرض عارضة تمنع من معرفة الإسقاط ، فيحصل مخالفة للشرع عظيمة ، بل وربّما يبني على المسامحة فيردّ طمعا في الردّ ، ويتوهّم أنّ مجرّد الإقامة في السوق لا يكون تصرّفا مسقطا فيغلط ، لأنّه يكفي في السقوط ، فلا بدّ من الإشهاد بالاستصحاب ، ولو لم يكن كافيا لما وجب عليه الإشهاد ولا دفع السقوط إلّا بعد المنع.

والسند منجبر بعمل الأصحاب ، وغيره من الجوابر :

منها ، الأخبار المتواترة من الصحاح ، والمعتبرة الواردة في أنّ : من تصرّف في المبيع ثمّ ظهر عليه عيب لا يمكنه الفسخ ، وليس له [ إلّا ] الأرش (١).

ولو لم يكن إسقاط التصرّف في غاية شدّة في الشرع ، لما سقط خيار الردّ فيه ، لأنّ المشتري مغرور جاهل بالموضوع ، وهو معذور بالبديهة ، وما عامل على المعيب أصلا ، بل لعلّه في غاية الإباء والتوحّش فيه ، ومع ذلك لزمه المعيب (٢) المذكور قهرا من جهة أدنى تصرّف جهلا ، فيكون السقوط من تصرّف من اشترط هو الخيار بطريق أولى ، ثمّ أولى كما لا يخفى.

وأيضا ، ورد منهم عليهم‌السلام أنّ الإقالة في المبايعة لا يمكن أن تتحقّق بالزيادة والنقيصة (٣) ، وليس ذلك إلّا لأنّهما تصرّف.

وورد أيضا منهم عليهم‌السلام أنّهم قالوا : لا يواجب قبل أن تستوجب (٤). إلى غير ذلك.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٠٢ الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب ، وغيره.

(٢) في ألف : ( لزمه تصرّف المعيب ).

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٧١ الباب ١٧ من أبواب أحكام العقود.

(٤) بمعناه : وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٥ الباب ١٢ من أبواب الخيار.

٢٦١

ومنها ، صحيحة علي بن رئاب الواردة في خيار الحيوان (١) ، وجعلها في « المسالك » دليلا في المقام (٢) ، لأنّ قوله عليه‌السلام : « فإن أحدث المشتري حدثا فذلك رضا منه » (٣) ، أو في معناه أنّ الحدث يكون رضا التزاما شرعا ، وليس معناه إن رضي فأحدث من جهة رضاه فذلك رضاه ، إذ العاقل لا يتكلّم كذلك ، فضلا عن المعصوم عليه‌السلام.

وأيضا ، اشتراط بقاء الخيار مع تحقّق الفسخ باطل يقينا ، لأنّ الخيار ـ حينئذ ـ (٤) بالنسبة إلى الفسخ تحصيل للحاصل ، وبالنسبة إلى الالتزام جمع بين الضدّين ، وكذا الحال في تحقّق الالتزام من دون تفاوت ، والإلزام (٥) يكون بالقول وبالفعل ، وهو أن يتصرّف تصرّف الملّاك في ملكه ، فإنّ هذا التصرّف إذا كان بعنوان الإتلاف رأسا فهو إلزام ، وكذلك بعنوان إتلاف جزء منه أو منفعة ، فكيف يقول : يكون في الخيار في الفسخ أو الإلزام (٦) حين تصرّفي في المبيع وإتلافي شيئا منه على سبيل تصرّف الملّاك في ملكه؟! إذ القدر الّذي استوفي كيف يتدارك في الفسخ أو الإلزام (٧) بعد ذلك؟! فتأمّل جدّا.

وبالجملة ، تتبّع تضاعيف ما ورد فيه وغير ذلك! مع أنّ الظاهر أنّه إجماعيّ ، والله يعلم.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٣ الحديث ٢٣٠٣٢.

(٢) مسالك الأفهام : ١ ـ ١٤٢.

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٣ الحديث ٢٣٠٣٢.

(٤) في النسخ الخطّية : ( لأنّ الخارج ) بدلا من ( لأنّ الخيار حينئذ ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٥) في ه : ( والالتزام ).

(٦) في ه : ( أو الالتزام ).

(٧) في ه : ( أو الالتزام ).

٢٦٢

قوله : [ على سقوط ] خيار الشرط بالتصرّف مع ثبوته بالدليل اليقيني (١).

عدم اطّلاعه على الدليل لا يقتضي عدمه ، فإنّه رحمه‌الله في غالب المواضع يناقش ويقول كذلك ، فلو صحّ مناقشاته لم يبق للشرع والفقه أثر أصلا ، ولم يوجد حكم شرعي إلّا في غاية الندرة ، وأين هذا من الدين والشريعة؟! وقد أشرنا إلى دليل أكثر المواضع ـ لو لم نقل كلّها ـ بحيث يظهر منه غفلته رحمه‌الله على ما لا يخفى على المتأمّل ، وكيف يجوّز عاقل اتّفاق الفقهاء على الخطأ؟ سيّما وأن يستدلّ بخطئهم على تحقّق الإجماع على خلاف ما قالوا؟! وقد عرفت فساده ، وفساد الاستدلال بالكتاب والسنّة عليه ، إذ لا كلام لهم في مضمون المرسلة ، بل كلّهم أفتوا بها ، بل كلامهم في غيره ، وهذا يشهد على ما ذكرناه ، ومع ذلك هو أعلم ، إلّا أنّا نعلم أنّ الفقهاء أعلم من الشهيد الثاني ، وهو أعلم من الشارح ، والله يعلم.

قوله : من الكتاب والسنّة والإجماع .. إلى آخره (٢).

قد عرفت أنّ عموم الكتاب يقتضي عدم اشتراط ردّ الثمن أصلا ، فضلا أن يكون مثله أو قيمته لا أزيد ولا أنقص ولا غير ذلك ممّا ذكرناه في الحواشي ، وأيّ عذر معتذر به فهو عذر الفقهاء بلا خفاء ، كما أشرنا إليه مكرّرا ، فتأمّل.

قوله : واشتراط العين في الثاني في « شرح الشرائع » (٣) مبنيّ عليه ، وهو أعلم (٤).

لا غبار أصلا ،

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٤.

(٣) مسالك الأفهام : ١ ـ ١٤٢.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٥.

٢٦٣

فماله (١) إن أراد عين المبيع وعين الثمن لعدم تصرّف مسقط للخيار أصلا.

نعم ، إن أراد مثل الثمن ، ففيه إشكال ، لتحقّق المسقط (٢) عندهم ، لكن عرفت أنّه رحمه‌الله ما خالف الفقهاء أصلا ، بل أصرّ وبالغ في الموافقة ، فلاحظ « المسالك » (٣).

قوله : [ لعدم ] ظهور الدلالة ، خصوصا [ إذا كان التصرف غير مستلزم للزوم المال للمتصرّف ] .. إلى آخره (٤).

لعلّ الظهور بحسب فهم العرف ، فإنّ الإذن هو الرخصة ، والرخصة رفع المانع من طرف الآذن ، ولم يكن مانع من طرفه سوى اختياره للفسخ ، فيرجع المال إلى مالكه ، فلم يفهم من رفعه المانع الّذي كان من قبله سوى ما ذكر.

قوله : ولعلّ دليله أنّه [ حقّ ] من الحقوق الماليّة قابل للانتقال ، فينتقل إلى الوارث كالمال ، مثل الشفعة .. إلى آخره (٥).

وهل ترث المرأة الخيار في الأرض الّتي اشتريت بالخيار؟ فيه إشكال ، من جهة أنّ الخيار تابع للملك للأرض ، ولأنّ ثمن الأرض ليس ممّا تركه الزوج ، والّذي تركه هو الأرض ، وهي لا ترث منها ، وأنّ ذلك حقّ من الحقوق الماليّة فيشمله عموم أدلّة الإرث ، ولأنّه تابع الأرض ، والتابع منفعة من منافع المتبوع ، ومنافع الأرض ترثها الزوجة.

وأمّا إذا بيعت بالخيار ، فلا ترث الخيار قطعا ، لأنّ الخيار حينئذ إضرار

__________________

(١) في د ، ه : ( فما قاله ).

(٢) في النسخ الخطيّة : ( السقط ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٣) مسالك الأفهام : ١ ـ ١٤٢.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٥.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٥.

٢٦٤

وتفويت حقّ وملك للمرأة ، وليس من الحقوق الماليّة حتّى ترثها ، لأنّ الوارث يرث الحقّ والمال ، لا الضرر وعدم الحقّ وسلب المال ، كلّ ذلك في المرأة الّتي لا ترث الأرض.

قوله : وللآخر البقاء ، للتبعيض المنفي ، فلو اختلفا قدّم الفسخ .. إلى آخره (١).

مع احتمال التبعيض ، لكن للآخر خيار تبعّض الصفقة ، فتأمّل فيه ، لأنّ الخيار الّذي كان للمورث هو بالنسبة إلى الكلّ لا البعض أيضا ، فتأمّل.

قوله : ولما مرّ في بعض الأخبار الصحيحة هنا أيضا [ أنّه ] يجوز البيع قبل القبض .. إلى آخره (٢).

وللأخبار الصريحة في أنّ النماء في مدّة الخيار للمشتري والتلف أيضا منه :

منها : رواية إسحاق بن عمّار الماضية عند شرح قول المصنّف : وخيار الشرط [ ، وهو ] ثابت .. إلى آخره (٣).

ومنها : رواية رواها في « الغوالي » عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنّه قضى بأنّ الخراج بالضمان ، معناه أنّ العبد ـ مثلا ـ يشتريه المسلم فيأخذ ضريبته حينا (٤) ، ثمّ يظهر على عيب به فيردّه به (٥) : أنّه لا يردّ ما صار إليه من غلّته (٦) ، لأنّه كان ضامنا له ، ولو مات مات من ماله » (٧). انتهى.

ولغير ذلك من الأخبار.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٧.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٩٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٩ الحديث ٢٣٠٤٧.

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( يشتريه المشتري فيغتلّه حينا ).

(٥) في المصدر : ( فيردّه بالعيب ).

(٦) في المصدر : ( ما صار إليه من غلّته وهو الخراج ).

(٧) عوالي اللآلي : ١ ـ ٥٧ الحديث ٨٣.

٢٦٥

قوله : ولعلّ دليل القول الأصل .. إلى آخره (١).

دليل هذا القول الأخبار المستفيضة المتضمّنة لصيرورة المبيع للمشتري بعد انقضاء الخيار (٢). وسيذكر الشارح بعض هذه الأخبار ويعترف بالدلالة (٣) ، لكن ينسب العامّة بأجمعهم إلى القول بهذا ، فهذا يرجّح كون هذه الأخبار على سبيل التقيّة ، للقاعدة الثابتة من العقل والأخبار الكثيرة.

وعلى تقدير عدم كونها على سبيل التقيّة حملت على صيرورته بعنوان اللزوم.

وكيف كان ، الأقوى ما هو المشهور ، ووجهه ظاهر ممّا ذكره الشارح وممّا ذكرنا.

قوله : كأنّه الإجماع المستند إلى بعض الأخبار .. إلى آخره (٤).

سيجي‌ء الخلاف في أنّ القبض ما ذا ، هل هو التخلية مطلقا ، أو في غير المنقولات! فعلى هذا ، إذا كان عدم القبض هو عدم التخلية إمّا مطلقا ـ كما هو رأي بعض (٥) ـ أو في غير المنقول ـ كما هو عند آخرين (٦) ـ يكون البائع مقصّرا ، بل غاصبا أيضا ، فلا وجه لما ذكره الشارح بعنوان الإطلاق ، فتأمّل.

وما ذكره دليل آخر على الحكم بالضمان ، لا على البطلان أيضا.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٧.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٤ الباب ٥ من أبواب الخيار ، مفتاح الكرامة : ٤ ـ ٥٩٤ ـ ٥٩٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٣٨.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٨.

(٥) راجع! مفتاح الكرامة : ٤ ـ ٦٩٦ ـ ٧٠٦ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٠٥ ـ ٥١٣.

(٦) راجع! مفتاح الكرامة : ٤ ـ ٦٩٦ ـ ٧٠٦ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٠٥ ـ ٥١٣.

٢٦٦

قوله : والبائع (١) غير مقصّر ، والقاعدة تقتضي كونه من ماله .. إلى آخره (٢).

لا يخفى أنّه يكفي للخروج عن القاعدة الخبر المنجبر بعمل الأصحاب ، بل الإجماع على الظاهر ، لعدم وجدان المخالف ، وأمّا الدليل على كون ذلك فسخا ظاهر قوله عليه‌السلام « من مال بائعه » (٣) ، فإنّ المال التالف ظاهر في كونه مالا للبائع وتالفا منه ، فيظهر منه الفسخ ، ولو لم ينفسخ لكان التالف هو مال المشتري ، وكان عليه أن يقول : على البائع عوض مال المشتري ، لا أن يقول : التالف من مال البائع.

ومرّ عن الشارح أنّ رواية عقبة مقبولة عند الأصحاب في مسألة التلف بعد الثلاثة (٤) ، ولا يخفى أنّ خبر « كلّ مبيع تلف .. إلى آخره » (٥) أيضا مقبول عندهم ، ورواية عقبة أيضا تدلّ على أنّ التلف من مال البائع كما لا يخفى ، بل هي أوضح دلالة.

قوله : [ فإن كان المتلف هو المشتري ] ، فذلك قبض منه ، فتلف من ماله ، ولا ضمان على البائع .. إلى آخره (٦).

أمّا إذا تلف (٧) بقبضه وتحت يده فظاهر ، لأنّه إتلاف بعد القبض ، وأمّا غير

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( فالبائع ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٩.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٩ ، عوالي اللآلي : ٣ ـ ٢١٢ الحديث ٥٩ ، مستدرك الوسائل : ١٣ ـ ٣٠٣ الحديث ١٥٤٣٠.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٦ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٣ الحديث ٢٣٠٥٦.

(٥) راجع! الهامش ٣ من هذه الصفحة.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٩.

(٧) في ج : ( أتلف ).

٢٦٧

ذلك فلأنّ مقتضى الأدلّة والقواعد كون التلف من المشتري والضمان عليه مطلقا ، خرج التلف الّذي من غير إتلاف المشتري بالنصّ والإجماع وبقي الباقي ، أمّا الإجماع فظاهر ، وأمّا النصّ فلأنّ القدر الّذي يتبادر منه كون التلف من غير إتلاف المشتري ـ وأيضا فسخ المشتري ـ إنّما يكون من جهة أنّ البائع ما وفى بعهده وعقده وشرطه ، فله أن يقول : ما وفيت في التسليم وما أعطيتني الّذي عهدت وعقدت وشرطت فأنا أيضا لا أوفي ، وللبائع أن يقول في صورة إتلاف المشتري : إنّي أوفيت لولا المانع منك ، فتأمّل.

وأيضا ، للبائع أن يقول : ردّ عليّ مالي سليما تامّا حتّى أعطيك الثمن ، فتأمّل.

قوله : ولكن دليل المسألة بفروعها غير ظاهر سوى ما يتخيّل [ في البعض من الاعتبار ] .. إلى آخره (١).

لا يخفى أنّ رواية عقبة المقبولة تدلّ على أنّ المشتري ضامن لماله بعد القبض مطلقا ، ومرّ عن الشارح الاعتراف بذلك في بحث التلف بعد الثلاثة (٢) ، وتدلّ على ذلك أيضا الروايتان اللتان نقلناهما في بحث تملّك المشتري بالعقد (٣) ، مع أنّه مرّ عن الشارح مكرّرا أنّ الضمان لا بدّ أن يكون من المشتري علي أيّ حال ، لانّه ماله ، مع أنّ هذا ظاهر بلا شبهة ، لا حاجة إلى الاستدلال عليه بظهور (٤) أنّ مال شخص لو تلف يكون التلف منه ، إلّا أن يثبت من الخارج ما يقتضي كون التلف مال شخص من شخص آخر ويكون ضمانه على الآخر ، لكن خرج عن القاعدة

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٢٠.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٦.

(٣) راجع! الصفحة : ٢٦٥ من هذا الكتاب.

(٤) في ج : ( الظهور ).

٢٦٨

صورتان :

الاولى : تلف المبيع قبل قبض المشتري ، وقد عرفت أنّه من البائع ، وظهر دليله.

الثانية : التلف منه مع كون الخيار للمشتري خاصّة ، ويدلّ على ذلك الأخبار المستفيضة ـ الّتي بعضها صحيح ـ المتضمّنة لكون التلف في الحيوان من البائع في الثلاثة أيّام حتّى تنقضي ويصير المبيع للمشتري (١) ، وقد أشرنا في باب بيع الحيوان وجه الدلالة أنّه مرّ في بحث أنّ المشتري يملك بالعقد ما دلّ على الانتقال في ملك المشتري من حين العقد وبسببه ، ومسلّم ذلك عند الشارح أيضا.

فذلك قرينة على أنّ المراد في الأخبار المستفيضة صيرورة المبيع للمشتري بعنوان اللزوم وعدم الخيار ، فكأنّه صار الآن ماله ، فيكون الضمان عليه ، ومرّ عن الشارح أيضا في مبحث خيار الحيوان أنّه للمشتري خاصّة ، للأخبار الكثيرة الواضحة الدلالة (٢) ، بل ربّما يكون بالإجماع (٣) أيضا.

فدلّت الأخبار المستفيضة على كون الضمان على البائع مع كون الخيار للمشتري خاصّة (٤).

وبالجملة ، الّذي يظهر من الأخبار الموافقة لفتاوي الأصحاب أنّ ضمان مال المشتري إنّما يكون على نفسه بشرطين :

الأوّل : خروجه عن البائع ودخوله في قبضه.

والثاني : أن لا يكون له خيار مختصّ به.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٩١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٤ الحديث ٢٣٠٣٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٩١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٠ الباب ٣ من أبواب الخيار.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٩١ ، تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٥١٩.

(٤) راجع! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٤ الباب ٥ من أبواب الخيار.

٢٦٩

فإنّه حينئذ وإن كان ماله بالقياس إلى بعض الثمرات الشرعيّة ـ مثل كون النماء له ـ إلّا أنّه ليس ماله بالنظر إلى بعض الثمرات ـ مثل كون الضمان عليه والتلف منه ـ وإن شئت قلت : يشبه أن يكون مال البائع ، ووجه الشبه هو الّذي مرّ.

وبهذا جمع بين الأخبار والأدلّة ، وظهر وجه المخالفة بينها ، حيث ظهر من بعضها كون المال للمشتري ومن بعضها كونه للبائع ، وصار منشأ للخلاف بين الفقهاء.

والحاصل ، أنّ الضمان حينئذ على البائع عند الكلّ ، أمّا عند المشهور فلما ذكرنا ، وأمّا عند غيرهم فلعدم الانتقال إلى المشتري ، كما هو ظاهر المستفيضة (١) ، وهو دليلهم كما أشرنا ، ويدلّ على كون التلف من المشتري إذا كان الخيار للبائع خاصّة موثّقة إسحاق بن عمّار (٢) ، واعترف به الشارح أيضا (٣).

وبالجملة ، دليل المسألة واضح ، فلا وجه لما ذكره الشارح.

فإن قلت : ما ذكرت من الأخبار واردة في موارد خاصّة.

قلت : ما ذكروه عليهم‌السلام في مقام الجواب في حكم التعليل ، ويفهم منه العموم كما فهمه أرباب الفهم المستقيم ـ أي الفقهاء ـ والشارح رحمه‌الله لم يتفطّن بتلك المستفيضة وإلّا كان يفهم كما يفهم القوم ، ولذا فهم من رواية عقبة العموم ، وكذا من رواية إسحاق.

ويشهد على عدم تفطّنه أنّه ما ذكر في باب بيع الحيوان غير حديث ضعيف ، وما ذكر المستفيضة دليلا للشيخ وابن الجنيد (٤).

__________________

(١) أي : رواية عبد الله بن سنان : وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٤ الحديث ٢٣٠٣٦.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٩ الحديث ٢٣٠٤٧.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٠.

(٤) أي لم يستدلّ للشيخ برواية عبد الله بن سنان ـ المذكورة في هامش (١) ـ وغيرها ، مع أنّه صرّح فيها بأنّ المبيع يصير للمشتري بعد انقضاء الخيار.

٢٧٠

فإن قلت : للمشتري خيار الفسخ في صورة كون الخيار لهما ، فأيّ فائدة في الخيار؟

قلت : الفائدة الرجوع إلى ثمنه إذا فسخ ، إلّا أنّه عليه قيمة المبيع للبائع ، كما هو الحال في سائر مواضع الخيار.

وممّا يشير إلى فهم العموم أنّ الشيخ رحمه‌الله استدلّ بها على رأيه (١) ، فتأمّل.

على أنّه سيذكر الشارح رحمه‌الله في شرح قول المصنّف رحمه‌الله : ( إلّا وطء الحامل ) (٢) بعض هذه الأخبار المستفيضة ، ويعترف بالدلالة على العموم ، فلاحظ! فلا وجه لتأمّله في المقام ، فتأمّل.

ويدلّ أيضا على العموم ، أنّ القول بالاختصاص في مورد خاصّ معدوم ، لكن روي في « التهذيب » أنّ الضمان على البائع في صورة يكون الشرط بينهما (٣) ، ويمكن حملها ـ من جهة عدم وجدان عامل بها ـ على صورة يكون الخيار للمشتري خاصّة ، على طريقة ما مرّ في بحث أنّ الخيار في الحيوان للمشتري ، فتأمّل.

قوله : وفيه تأمّل ، مع أنّهم لا يجعلون هذا [ من ذلك القبيل ] .. إلى آخره (٤).

لا يخفى ، أنّ العلّة هي ما ذكره من أنّه ( له أن ينقص .. إلى آخره ) (٥) ، إذ حينئذ لا يبقى لوجوب الوفاء على البائع تأمّل ، لأنّه عقد عليه فيجب الوفاء به ،

__________________

(١) الخلاف : ٢ ـ ١٠ المسألة ٢٩.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٣٠.

(٣) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٤ الحديث ١٠٣.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٢١ هامش الصفحة.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٢١.

٢٧١

وهو كان عالما ، فكيف يمكنه أن يقول : أنا لا أفي به لأنّه أنقص من حقّك الّذي عقدت العقد عليه؟

فليس هذا من الفضولي الّذي وقع النزاع فيه ، لأنّ منكر الفضولي كان يستدلّ بمثل : « لا تبع ما ليس عندك » (١) ، وغير ذلك ممّا مرّ في بيع الفضولي ، وشي‌ء من ذلك غير جار فيما نحن فيه ، لكن عرفت أنّه لو ظهر بعد التصرّف يكون للمشتري أخذ ما بإزاء وصفه المفقود ، إذ « لا ضرر » (٢) ، ولرواية يونس (٣).

العيب وأحكامه

قوله : واعترض عليه بأنّ عدمه أولى ، كما في « الشرائع » (٤) والمتن (٥) ، إذ قد يكون (٦) عيبا مع الزيادة الماليّة ، كما في الخصيّ والمجبوب (٧).

فيه ، أنّها ليست بزيادة ماليّة ، بل هي زيادة قيمة (٨) ، والمراد بالماليّة هنا هو

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٤٧ ـ ٤٨ الحديثان ٢٣١٠٧ و ٢٣١١٠ ، مع اختلاف يسير.

(٢) عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٠ الحديث ٩٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٠٨ الحديث ٢٣٢٥٧.

(٣) الكافي : ٥ ـ ٢١٦ الحديث ١٤ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٠٨ الحديث ٢٣٢٥٧.

(٤) كذا هنا وفي المصدر ، والظاهر أنّ الصواب : ( في شرح الشرائع ) ، لاحظ : مسالك الأفهام : ١ ـ ١٥٥.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٢٢.

(٦) كذا ، وفي المصدر : ( يكونان ).

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٢٣.

(٨) في ج : ( قيميّة ).

٢٧٢

مقابل القيمة كما يظهر من عبارة « القواعد » (١) و « التذكرة » (٢) ، ويقتضيه الدليل والقاعدة.

وتفصيل الكلام ، أنّ التفاوت إمّا بحسب الرغبة أو القيمة أو الماليّة :

والأوّل ، لا يتعلّق به خيار إلّا مع الشرط.

وأمّا الثاني ، ففيه الخيار ، وهو خيار الغبن ، وقد ذكر.

والثالث ، فيه خيار العيب.

والمراد أنّ المعتبر في المقام هو نقصان الماليّة ، كما صرّح به في « القواعد » و « التذكرة » ، أعمّ من أن يكون سببا لنقصان القيمة أم لا ، بل ولو كان سببا لمزيد القيمة ، والقيمة ليست جزءا من المبيع ، ولذا يتخيّر المغبون بين الإمضاء مجّانا والردّ ، والغاصب لا يضمن عندهم القيمة السوقيّة. إلى غير ذلك.

بخلاف المال ، فإنّ نقصه نقص جزء من المبيع ، ولذا يتخيّر عندهم بين الأرش والردّ ، أمّا الردّ فظاهر ، وأمّا الأرش فلأنّ ما أعطاه البائع بعض المبيع فللمشتري أن يلزمه بالوفاء به وبما بقي ، وأمّا زيادة قيمة الباقي فلا يجبر النقص المالي ، كما هو الحال عند تبعّض الصفقة ، فلا يمكن للبائع أن يقول : قيمة الباقي أعلى فلا عليّ أن لا أعطي ما بقي ممّا لم يوجد ولا الثمن الّذي بإزائه.

وكذا الغاصب إذا ضاع بعض المال في يده ، وصار سببا لزيادة قيمة الباقي لا يمكن له أن يقول : لا أعطي القدر الضائع ، وذلك ظاهر ، فتأمّل.

وما قلنا من أنّ الثمن موزّع على أجزاء المبيع ، يشير إليه أحكام كثيرة ، منها ما اعترف به الشارح رحمه‌الله في بحث بيع المرابحة (٣) ، وعند التجّار وأهل العرف أيضا

__________________

(١) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٤٥.

(٢) تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٥٢٤.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٦٩.

٢٧٣

كذلك ، ولذا لا يبطل لو خرج بعض المبيع مستحقّا للغير ، أو غير ما يصحّ ملكه ، وهذا وفاقي عند الفقهاء.

وأمّا إلزام البائع بإعطاء ما بقي ، فلأنّ وجوب الوفاء بمجموع شي‌ء وجوب الوفاء بجميع أجزائه ، وجعل المجموع في الذمّة والعهدة جعل كلّ واحد واحد من الأجزاء بأجمعها ، ولذا لا يمكنه أن يقول : لا أفي بما بقي لأنّي ما وفيت بما ذهب ، إلّا أن يكون البائع جاهلا ، فله الخيار أيضا كما أشرنا.

وممّا يدلّ على ما ذكر ، قول علي عليه‌السلام : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (١) ، وقوله عليه‌السلام : « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » (٢) ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم » (٣).

وممّا ذكر ظهر حال أنواع الخيارات ، مثل خيار التدليس ، فإنّ حاله حال خيار الغبن كما صرّح به الفقهاء ، وقس على هذا ، وسيجي‌ء زيادة كلام في ثبوت الأرش وتحقّق خيار العيب ، فانتظر.

فإن قلت : لم لا يلزم ممّا ذكرت هنا خيار تبعّض الصفقة ، وفساد البيع بالنسبة إلى الجزء الّذي لا يمكن ، بل لزم خيار العيب ، وصحّة البيع ، ولزوم الأرش الّذي هو تفاوت ما بين قيمة المبيع صحيحا ومعيبا؟

قلت : الفائت هنا ليس إلّا الصحّة ، والصحّة وصف لا عين ، وإن لوحظ بإزائها مال وزيادة في الثمن ، والمراد من الوصف ما لا يصحّ أن يصير مبيعا برأسه سواء كان صفة أو عينا ، كيد العبد مثلا ، والمراد من العين ما يصحّ.

فإن قلت : تنتقض القاعدة بخيار الوصف.

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٤ ـ ٥٨ الحديث ٢٠٥ مع اختلاف يسير.

(٢) عوالي اللآلي : ٤ ـ ٥٨ الحديث ٢٠٧.

(٣) عوالي اللآلي : ٤ ـ ٥٨ الحديث ٢٠٦ مع اختلاف يسير.

٢٧٤

قلت : ليس كذلك ، لأنّ البائع إذا باع عبدا ـ مثلا ـ فظاهر أنّ معناه العبد الصحيح ، لانصراف الإطلاق إليه ، فيكون الصحّة داخلة في مفهوم المبيع وجزءا من أجزائه ، والثمن موزّع على أجزاء المبيع على حسب ما مرّ من أنّ الصحّة جزء من أجزاء المبيع كما عرفت ، والأرش تفاوت ما بين قيمة الصحيح والمعيب ، وهو جزء من الثمن كما صرّحوا وسيصرّح المصنّف به (١) ، فخيار العيب بعينه مثل خيار تبعّض الصفقة ، وحكمه حكمه ، إلّا ما ذكر من أنّ الجزء هناك ممّا يصحّ بيعه بخلاف الصحّة.

وأمّا إذا باع عبدا أبيض ـ مثلا ـ فللبائع أن يقول : البياض وصف اعتبر في المبيع لزيادة ثمنه فلعلّه شرط لذلك لا أنّه شطر المبيع ، سيّما وأن يكون الثمن موزّعا عليه وعلى المبيع ، على حسب ما مرّ في تبعّض الصفقة ، فتأمّل جدّا.

وبالجملة ، شرط الوصف علّة للزيادة ، والعلّة خارجة عن المعلول ، وأيضا الثمن لم يجعل إلّا بإزاء نفس المبيع ، وهو واضح ، فإذا كان موصوفا بوصف فالمبيع هو ذات الموصوف وعينه ، وإن كان مشروطا بشرط موصوفا بوصف ، لأنّ ذلك لا يقتضي أن يكون الشرط والوصف داخلين في المبيع ، لأنّ الموصوف غير الصفة والمشروط غير الشرط قطعا.

وعلى هذا ، فكلّ شي‌ء يكون فقده نقصا في نفس المبيع بحسب العرف ، فقده يصير سببا لتبعّض الصفقة أو خيار العيب كما قلناه ، لأنّ البائع ما وفي بتمام نفس المبيع عرفا ، فكيف يأخذ تمام ما جعل بإزائه؟ وكلّ شي‌ء لا يكون كذلك يكون الأمر فيه ، كما قلناه في خلاف الوصف ، فتأمّل جدّا.

__________________

(١) إرشاد الأذهان : ١ ـ ٣٧٦ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٢٦.

٢٧٥

لكن بالتصرّف يكون له الأرش ، لرواية يونس (١) ، وعموم « لا ضرر ولا ضرار » (٢) إذا كان تصرّفه جهلا بالنقص ، فتأمّل.

قوله : وعدم الشعر على العانة .. إلى آخره (٣).

في كونه سببا للزيادة المالية تأمّل.

قوله : ويمكن أن يقال المراد [ كون ذلك موجبا بالنسبة إلى التجّار ] .. إلى آخره (٤).

قد عرفت ممّا ذكرناه أنّه لا حاجة إلى ما ذكره الشارح ، بل ولا يتمشّى ثمّ.

قوله : لأنّ فقد الشرط موجب لفقد المشروط ، وهو صحّة العقد ، ولكن ذكروا [ أنّ الشرط للّزوم لا للصحّة ] (٥).

لا يخفى أنّ الشرط بمنزلة جزء المبيع ، فليس فقده فقد كلّ المبيع حتّى يلزم عدم الصحّة كما أشرنا إليه مرارا ، وقد عرفت في الحاشية السابقة وستعرف أيضا.

قوله : وإلّا يلزم الدور في الشروط (٦) ، فلو قصد ذلك فلا بأس .. إلى آخره (٧).

قد عرفت أنّ الدور لا يلزم إلّا في صورة خاصّة. وعرفت أيضا أنّ الشرط شرط الصحّة لا اللزوم ، على ما هو مقتضى إرادة المتعاقدين ، والأدلّة الشرعيّة

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٠٨ الحديث ٢٣٢٥٧.

(٢) عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٠ الحديث ٩٣ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٢٧ الباب ١٢ من كتاب إحياء الموات.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٢٣.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٢٣.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٢٥.

(٦) كذا ، وفي المصدر : ( في بعض الصور ).

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٢٥.

٢٧٦

مثل ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) وغيره. وعرفت أيضا أنّه إذا لم يتأتّ الشرط ولم يمكن حصوله يرجع العقد اللازم إلى الجائز بالنسبة إلى خصوص من له الشرط لا من ليس له الشرط ، فإنّ العقد بالنسبة إليه باق على لزومه. وعرفت أيضا أنّ رجوع اللازم إلى الجائز بالنسبة إلى خصوص من له الشرط إنّما هو من قاعدة أخرى جارية في تبعّض الصفقة وأمثاله ممّا يكون المعدوم فيه بإزاء الآخر واعتباره لأجل الصحّة قطعا ، لا لأنّ اعتباره لأجل اللزوم دون الصحّة ، فلا تقتضي تلك القاعدة كون الشرط شرطا للّزوم خاصّة ، فتدبّر.

قوله : قيمة عادلة بنظر أهل الخبرة المعتبرين .. إلى آخره (٢).

الّذين يحصل من قولهم الظن ، فإن كان شهادة العدلين ميسّرة تكون أولى وأحوط ، وإلّا فلا يتوقّف عليها ولا على تحقّق العدالة ، لأنّ المدار في أمثال المقام على الظنون ، هذا إذا عرف القيمتان ، وأمّا إذا لم تعرفا من جهة الاختلاف وعدم مرجّح يرجّح ، أو لم تيسّر لهم فالعلاج المصالحة ، كما هو الحال في أمثال المقام ، والله يعلم.

قوله : لو قال : أنا بري‌ء من عيبه .. إلى آخره (٣).

بيع المعيوب عالما مع جهل المشتري حرام وغشّ ، فلا بدّ من إظهار ، ولو بالتبرّؤ عن المعيوب إجمالا ، وأولى منه التبرّؤ تفصيلا ، وأولى منهما إظهار العيب إجمالا ، وأولى من الكلّ إظهاره تفصيلا.

ثمّ لا يخفى أنّ من العيوب قتل العبد أحدا أو جنايته ، وسنشير إلى حكمه في بحث الجنايات ، فلاحظ! والله يعلم.

__________________

(١) المائدة ٥ : ١.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٢٦.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٢٦.

٢٧٧

قوله : إذ لا نقص في الماليّة هنا .. إلى آخره (١).

مراده أنّ الأرش نقصان مالي خاصّ ، وهو كونه نقصانا من القيمة الّتي للصحيح ـ أي تفاوت ما بين قيمة الصحيح والمعيب ـ فلا يتحقّق هنا ، لأنّ قيمة المعيب أزيد من الصحيح ، فكيف يتحقّق الأرش.

وفيه ، أنّ كون الأرش مطلقا كذلك ممنوع ، لجواز تحقّقه كما ذكره الشارح إذا اقتضاه الدليل ، والدليل يقتضيه ، لأنّ الخصى إن لم يكن شيئا من المبيع ـ بناء على أنّ الإطلاق منصرف (٢) إلى الصحيح ، والخصي ليس من الصحيح في شي‌ء ـ فالبيع باطل ، وإن كان هو المبيع من دون تغيّر أصلا فالبيع صحيح من دون خيار ، وإن كان بعض المبيع ، بسبب أنّ المبيع زائد عليه وهو ناقص عنه ، كما هو الحق ومفروض المسألة ، ولذا يتحقّق فيه الخيار.

ومرّ التحقيق في ذلك ، فنقول : إن أردت أنّ الناقص لا قيمة له أصلا ، ففيه أنّه فاسد قطعا ، ولذا لو قطع أحد ذكر عبد يكون للمالك أخذ الدية قطعا ، بل ويأخذ دية عالية.

وبالجملة ، لا شكّ في أنّه بإزائه في نفسه شي‌ء البتّة وليس بحيث لا حرمة ولا قيمة له أصلا.

وإن أردت أنّ زيادة قيمة الباقي تجبره ، فهو مخالف للقاعدة قطعا ، كما أشرنا إليه.

وإن أردت أنّ البائع يتضرّر من جهة القيمة ـ كما أشار إليه الشارح ـ ففيه أنّ البائع إن كان عالما بالحال وعقد البيع فهو أقدم على الضرر ، فللمشتري أن

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٢٨ ، تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٥٢٨.

(٢) في د ، ه : ( ينصرف ).

٢٧٨

يلزمه به ، لعموم ( أَوْفُوا ) (١) وغيره ، وإن كان جاهلا فلا شكّ في أنّ له الخيار ، ولا تأمّل فيه ، فلا ضرر من هذه الجهة أيضا.

وبالجملة ، ما يقتضي الخيار في غيره هو بعينه مقتضى الخيار فيه ، لعدم النصّ بالخيار بحيث يختصّ بغير ما نحن فيه ، فتأمّل جدّا.

والظاهر من عبارة « القواعد » ثبوت الأرش هنا أيضا (٢).

وممّا ذكرنا ظهر أن لا مخالفة بين أوّل كلام « التذكرة » وآخره ، لتقييده بلفظ ( هنا ) (٣) هاهنا دون ما سبق ، ولتعليله عدم تحقّق الأرش بما ذكر.

قوله : ثمّ ينظر في دليل جواز الردّ [ فإن شمله يردّ ] .. إلى آخره (٤).

قد عرفت الدليل وأنّه لا مجال للمناقشة فيه ، وأنّ الظاهر شموله لما نحن فيه.

قوله : نعم ، يوجد في الأخبار ما يدلّ على الردّ بالعيب [ قبل الحدث والتصرّف ، والأرش بعده ] .. إلى آخره (٥).

لا يخفى أنّ دليلهم هو القاعدة الّتي ذكرناها في الحاشية السابقة ، عند شرح قول المصنّف ، ( العيب ، وهو كلّ ما يزيد أو ينقص ) (٦) ، مضافا إلى عبارة « الفقه الرضوي » ، وهي هذه : « فإن خرج في السلعة عيب وعلم المشتري ، فالخيار إليه ، إن شاء ردّ وإن شاء أخذه وردّ عليه بالقيمة أرش العيب » (٧) ، وهي منجبرة بعمل الأصحاب مع أنّ « الفقه الرضوي » ، معتبر عندهم ، ولذا كثير من أحكامهم نفس

__________________

(١) المائدة ٥ : ١.

(٢) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٤٥ ـ ١٤٦.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٢٨ ، تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٥٢٨.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٢٨.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٣٠.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٢٢.

(٧) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه‌السلام : ٢٥٣.

٢٧٩

عبارة « الفقه الرضوي » ، سيّما المفيد والصدوق رحمهما‌الله ، فلاحظ.

وأمّا الرواية المرسلة (١) ، فمع ضعفها محمولة على الغالب من عدم الرغبة في المعيب وعدم الرضا به ، وكذا ما يؤدّي مؤدّاها ، مع أنّ الأمر الوارد فيها وارد في محلّ توهّم الحظر ، ومثل هذا الأمر لا يفيد أزيد من رفع الحظر ، وجواز الفعل ، والعلّامة لم يستدلّ بالروايتين على تمام مدّعاه ، بل عليه في الجملة (٢) كما لا يخفى.

قوله : ويمكن حملها على كونها مع البكارة ، لما تقرّر عندهم .. إلى آخره (٣).

حمل بعيد غاية البعد ، لأنّ الإطلاق ينصرف إلى الأفراد الغالبة لا الفروض النادرة ، فكيف أن يكون المراد خصوص النادرة ليس إلّا؟ مع أنّ الكليني والصدوق رويا عن عبد الملك بن عمرو ـ راوي هذه الرواية ـ عن الصادق عليه‌السلام هذه الحكاية بعينها وأنّ الصادق عليه‌السلام قال : « يردّ معها نصف عشر قيمتها » (٤) ، بل رواية الصدوق متنها عين متن هذه الرواية ، وفيها تلك الزيادة ، فتعيّن الحمل على الغلط والسقط من القلم ، لأنّهما أضبط ، وللموافقة لسائر الأخبار ، ولأنّ الظاهر السقط دون الزيادة.

نعم ، في « الكافي » بعد هذه الرواية قال : وفي رواية اخرى : « إن كانت بكرا فعشر قيمتها » (٥) ، وإن لم تكن بكرا فنصف عشر ثمنها » (٦).

ومن هذا يترجّح ما احتمله العلّامة في « القواعد » بأنّ البكر يردّ عليه

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٢٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٠ الحديث ٢٣٠٦٩.

(٢) تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٥٢٤.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٣٢.

(٤) الكافي : ٥ ـ ٢١٤ الحديث ٣ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١٣٩ الحديث ٦٠٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٠٧ الحديث ٢٣٢٥٤.

(٥) كذا ، وفي المصدر : ( ثمنها ).

(٦) الكافي : ٥ ـ ٢١٤ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٠٦ الحديث ٢٣٢٥١.

٢٨٠