حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

والشارح لا يقول به ، ويظهر منه قبوله الإجماع على التسع فيها ، والتعارض يضعف الدلالة.

ولو سلّم ما ذكره من الصراحة ، فلازم ذلك سقوط الكلّ عن درجة الاعتبار ، لعدم إمكان الجمع معتدّا به ، إلّا أن يقول بتعيّن العمل برواية الوشّاء (١) للأوفقية بعمومات التكاليف.

وفيه ـ مضافا إلى ما سبق ـ أنّ غيرها أصحّ منها قطعا ، وأوفق بالاستصحاب وفتاوي الأصحاب ، لو لم نقل بالإجماع ، بل الصحيح غير مناف لفتاوي الأصحاب ، لأنّ الأخذ بالصوم لا يستلزم الوجوب الشرعي ، بل الاختلاف يؤيّد ويعيّن الفتاوي بأنّ البناء على تفاوت مرتبة الاستحباب والطلب ، فتأمّل.

وسيجي‌ء من الشارح في الخنثى المشكل أنّ الأصل عدم البلوغ وعدم التكليف ويدّعي أنّه ظاهر (٢) ، وهذا يؤيّد الفتاوي ويعيّنه ، ويخالف ما ذكره من أنّ العمومات الدالّة على التكليفات شاملة للكلّ إلّا ما خرج بدليل ، فتفطّن.

وممّا يضعف العمل بهذه الأخبار أنّ الناقلين لها أبصر بحالها منّا قطعا ، إذ لا اطّلاع لنا بحالها أصلا إلّا من قولهم ، وهم اتّفقوا على الفتوى بخلافها ، ويشهد هذا على صحّة دعوى الإجماع ، وكون هذه الأخبار على التقيّة ، كما أشرنا سابقا (٣) ، فتأمّل.

قوله : وأن ليس خامس عشر بواقع في كتاب ، ولا سنّة معتبرة ، ولا

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٩٠ ، من لا يحضره الفقيه : ٤ ـ ١٦٤ الحديث ٥٧١ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٣٦٤ الحديث ٢٤٧٧١.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٩٢.

(٣) تقدّم في الصفحة : ٣٧٤ من هذا الكتاب.

٣٨١

إجماع .. إلى آخره (١).

فيه ، ما عرفت ، ويظهر من كلامه اعترافه بما ادّعيناه من الظهور من لفظ : بلغ خمس عشرة ، فيسقط ما ذكره ، لما عرفت من أنّ الحجّة هو الخبر الّذي أفتوا به ، لا الّذي لم يظهر لنا مفت بمضمونه ولو كان فشاذّ من الأصحاب ، مع أنّه رجع عنه في جميع كتب فتاويه ، لأنّ كتب فتاويه بعد كتابي الأخبار صنّفها ، فتأمّل.

قوله : وقد مرّ ما يدلّ على الأوّل في الآيات والأخبار ، ويمكن فهم الثاني من الأخبار المتقدّمة .. إلى آخره (٢).

لا دلالة في الآيات وما ذكر من الأخبار على كون الاحتلام دليلا للأنثى أيضا ، كما لا يخفى ، وأمّا فهم الثاني فأضعف ، فالمعتبر هو الإجماع.

وأمّا السنّ ، فالظاهر أنّ حاله وحال السنّ في الذكور واحد بحسب الفتاوي والأخبار (٣) ، فتأمّل.

قوله : وهو ظاهر ، وقد يقال : يعلم بحصول المني من فرج الذكور مع بلوغ التسع .. إلى آخره (٤).

هذا يشهد على ما ذكرناه من أنّ العمومات والتكاليف مخصّصة بالبالغين ، وثبوت البلوغ لا بدّ منه ، والشكّ لا يكفي ، ولا دليل على إلحاق المشكوك فيه بالعام ، فلاحظ.

قوله : ولكن غير معلوم كون ذلك قولا لعلمائنا .. إلى آخره (٥).

الظاهر ، أنّهم اعتبروا الخروج عن الموضع المعتاد للحكم بالبلوغ ، بل

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٩١.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٩٢.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ١ ـ ٤٢ الباب ٤ من أبواب مقدّمة العبادات.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٩٣.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٩٣.

٣٨٢

صرّح في « القواعد » بذلك (١) ، فعلى هذا لا يكفي مجرّد الخروج حتّى يعلم كونه من المعتاد ، ولذا لم يقل أحد منهم ، بما ذكره الشارح.

نعم ، ما ذكره بقوله : ( وقد يقال ) (٢) وجيه ، ولعلّهم لا يأبون عنه ، بل ربّما يرضون ، ووجهه ظاهر ، وكذا وجه اعتبارهم الاعتياد في الموضع ، لأنّ المطلقات محمولة على الأفراد المتعارفة ، كالبول والغائط وأمثالهما ، فلا دليل على أنّ المني بأيّ وجه يخرج يوجب البلوغ ، ويؤيّده ما ورد من أنّ غسل الميّت لأجل خروج المني الّذي يكون منه (٣).

قوله : وأنّه ما نقل في الروايات وفعل العلماء وأقوالهم .. إلى آخره (٤).

بل الظاهر أنّ المدار في الأعصار والأمصار كان على مجرّد حفظ المال وعدم الإفساد ، وإن لم يكونوا عدولا ، وما كانوا يحجرون الفسّاق وغير العادلين ومن لم يثبت عدالته ، بلا تأمّل.

قوله : [ والرواية ـ على تقدير الصحّة ـ ] محمولة على أمور .. إلى آخره (٥).

مع أنّ الإطلاق أعمّ من الحقيقة ، والمجاز أغلب.

قوله : قال في « مجمع البيان » : وليس ذلك مخصوصا بهم ، بل كلّ مؤمن يفعل ذلك .. إلى آخره (٦).

الّذي ببالي ، أنّه ورد في أخبارنا منعنا عمّا فعل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، بل أمرونا

__________________

(١) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٦٨.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٩٣.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ ـ ٤٧٨ الحديث ٢٦٩٢ وذيل الحديث ٢٦٩٣.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٩٦.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٩٨ ، والرواية في : وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٣١١ الحديث ٣١٩٨٤.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٠١.

٣٨٣

برفع احتياج العيال أوّلا ثمّ التصدّق (١) ، ولا بأن يعطي الجميع ، ووجهه ظاهر ، إذ نفوس عياله عليه‌السلام كانت في أعلى درجات القوّة ، بخلاف نفوسنا ، فضلا عن نفوس العيال ، والله يعلم.

لكن لو فعل ذلك أحد منّا باعتقاد حسنه بالنسبة إليه أيضا ، أو اقتداء بأمير المؤمنين عليه‌السلام ، لم يصر بذلك سفيها بلا شبهة.

قوله : وأنّ الظاهر صحّة المعاملات والتصرّفات الّتي وقع في حال الاختبار .. إلى آخره (٢).

لا يخفى أنّ لفظ الاختبار لا يدلّ على الصحّة ، بل ربّما كان ظاهرا في عدم الصحّة إن كان المعامل هو الطفل بنفسه ومستقلّا ، لا بنظر الولي وعند حضوره واختياره الإجراء ، لأنّ معنى الابتلاء امتحانه في أنّه يفسد أو يصلح ، فإن أفسد فلا يكون صحيحة البتّة ، فلا بدّ من ملاحظة أموره ووقوعها بنظر الولي ، فيكون هو المعامل حقيقة ، فيكون صحيحة قطعا.

وكما أنّ البلوغ شرط ، فكذلك الرشد أيضا ، وبعد العلم بالرشد لعلّه حصل عند العلم أو قبيله ، مع أنّ الظاهر عدم الصحّة قبل استئناس الرشد والصحّة بعده ، لا بعد الرشد ، فتأمّل جدّا.

قوله : ولا يعارض ذلك بأصل الصحّة وعدم الفساد ، لكثرته ، ولأنّه قد يمنع كون الصحّة أصلا .. إلى آخره (٣).

لأنّ الّذي يقول به الفقهاء

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ ـ ٤٦٠ الباب ٤٢ من أبواب الصدقة.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٠٨.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٠٩ ، وفيه : ( فلا يعارض .. ).

٣٨٤

ويظهر من الأخبار صحّة تصرّفات المسلم (١) ، ولم يعلم ولا يظنّ كونه حين التصرّف مسلما ، بل يظنّ خلافه ، للاستصحاب.

نعم ، الراجح في النظر أنّ من باع شيئا وماكس واعتبر شرائط البيع والصيغة وأركانه كونه عاقلا ، إلّا أن يدّعى عدم تحقّق الأمور المذكورة ، فحينئذ يكون منكرا لتحقّقه ، فالأصل معه جزما ، وإن سلّم تحقّقه لكن منع تحقّق الشرائط المعتبرة ، فحينئذ يصحّ أن يقال : الأصل الصحّة.

وبالجملة ، فرق بين إنكار ماهيّة البيع أو إنكار صحّته بعد الاعتراف بتحقّق ماهيّته ، إذ في الأوّل ينكر نفس التحقّق ولا تأمّل في أنّ الأصل معه ، دون الثاني ، إذ فيه تأمّل أشير إليه.

قوله : [ إذ قد يسامح ] في ماله دون مال غيره ، وكذا في ماله .. إلى آخره (٢).

لا يخفى أنّ هذا فرع الرشد ، وغير الرشيد لا يميّز ذلك ، وإن كان يدري أنّه لا بدّ من عدم المسامحة ، ويعرف عدمها فهو رشيد ، إذ يعرف ـ حينئذ ـ أنّه لا بدّ من عدم المسامحة في ماله أيضا ، لكونها ممنوعا عنها إلّا أن تكون المسامحة لغرض شرعيّ فلا يكون ـ إذن ـ سفاهة.

قوله : فالظاهر العوض ، بناء على قوانينهم ، فافهم (٣).

لا يخلو عن إشكال ، فإنّه إن سلّطه على إتلاف ماله مجّانا فلا يستحقّ العوض ، وإن سلّطه على الإتلاف بعوض ، فأيّ قاعدة أو دليل صحّح ذلك وأبطل معاملته وأخذ العوض عنه بها.

نعم ، إن أتلف السفيه بنفسه من غير تسليط من المالك يلزم الولي إعطاء

__________________

(١) لاحظ! الكافي : ٢ ـ ٣٦٢ الحديث ٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢١٠.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢١٢.

٣٨٥

العوض من ماله ، لأنّه أتلفه ، كما أنّ المجنون لو أتلفه يكون كذلك ، ولا يصير هذا منشأ ، لأنّه لو سلّطه على إتلاف ماله بالعوض [ له ] أن يأخذ العوض ، وبلا عوض أن لا يأخذ أصلا ، فتأمّل.

قوله : بين القول بأنّه يملك أم لا .. إلى آخره (١).

الحجّة إنّما هو على القول بالمالكيّة ، وإلّا فجميع الناس محجورون في مال غيرهم ، إلّا مع الإذن المالكي أو الشرعي ، إذ « لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا من طيب نفسه » (٢).

قوله : ولا نعلم ذلك ، والحكم غير واضح فيما يملكه ـ على تقدير القول بأنّه مالك ـ وهو الظاهر ، كما مرّ .. إلى آخره (٣).

الدليل ـ بعد الإجماع ـ هو الآية ، قوله تعالى ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٤) ، لكون شَيْ‌ءٍ نكرة في سياق النفي ، فتفيد العموم بلا تأمّل.

ويدلّ عليه الأخبار أيضا ، [ و ] سنشير إليها في الجملة في كتاب الإجارة (٥) ، فلاحظ.

قوله : ودليله أخبار كثيرة مع الشهرة العظيمة .. إلى آخره (٦).

وخلاف والد الصدوق شاذّ ضعيف (٧) كمستنده (٨).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢١٣.

(٢) عوالي اللآلي : ٢ ـ ١١٣ الحديث ٣٠٩.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢١٣.

(٤) النحل ١٦ : ٧٥.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١١.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢١٣.

(٧) لاحظ! مختلف الشيعة : ٢ ـ ٥١٠.

(٨) أي : رواية عمّار بن موسى عن الصادق عليه‌السلام : تهذيب الأحكام : ٩ ـ ١٨٧ الحديث ٧٥٣ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٢٨١ الحديث ٢٤٥٩٨.

٣٨٦

قوله : وسيجي‌ء عدم التوقّف ، فإن كانت حجّة لا بأس بالعمل بها .. إلى آخره (١).

مضمون الرواية (٢) ليس إلّا أنّه لا يحاصّه الغرماء ، وقبل الحجر لا محاصّة ، بل الاختيار بيد المفلّس يفعل ما يشاء ، وليس للغرماء منعه من شي‌ء من التصرّفات ـ كما قال الآن ـ ويظهر منهم أنّه مسلّم عندهم ، فتأمّل.

وسيجي‌ء أنّ هذه الرواية خصّت بالمحجور بالفلس ، بالإجماع والإشعار الّذي فيها (٣) ، فلاحظ.

قوله : ثمّ إنّ الظاهر زوال الحجر بالأداء لزوال سببه ، فانّ سببه (٤) هو الدين والمطالبة ، وهو ظاهر .. إلى آخره (٥).

لا يخفى أنّ الحاكم إن كان حجره عن التصرّف في ماله الموجود خاصّة ، فبعد قسمته بين الغرماء وعدم بقائه لا معنى لبقاء الحجر ، لانحصاره (٦) في مال مخصوص ، كما سيجي‌ء.

نعم ، إن كان حجره كلّية ، يكون الأمر كما ذكره الشارح ، ومع ذلك يقول : إن كان حجره إلى أن يؤدّي الديون ، فلا معنى لبقاء حجره ، لأنّه مقيّدا بقيد مغيّى بغاية.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢١٧.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٥١ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ١٩٣ الحديث ٤٢٠ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٤١٥ الحديث ٢٣٩٥٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٥١.

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( فإنّ السبب ).

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢١٨.

(٦) في ب ، ج : ( وانحصاره ).

٣٨٧

وإن كان حجره مطلقا ـ أي أعمّ من أن يكون أدّى ديونه أم لا ـ فلا نسلّم جواز حجره كذلك ، لعدم الدليل ، بل دليل العدم ، لأنّ الحجر ليس حقّه بل حقّ الغرماء خاصّة ، كما مرّ وسيجي‌ء.

وإن كان حجره مطلقا ـ أي غير مقيّد بالعموم ولا الخصوص ـ فلا نسلّم صحّة رجوعه إلى العموم الّذي يشمل ما بعد أداء الديون ، لما عرفت ، ولما سيجي‌ء أيضا.

في أحكام السفيه والمفلّس

أوّلا : السفيه :

قوله : وتسلّط الناس على أموالهم عقلا ونقلا ، وشمول أدلّة التصرّفات ، تصرّفاته الّتي فعلها (١) في زمان سفهه .. إلى آخره (٢).

حكم العقل بصحّة تصرّفات السفهاء وجوازها مشكل ، لو لم نقل بحكمه بخلافه ، لأنّ السفيه من يفسد ماله ، أو لا يؤمن من الإفساد.

وأمّا النقل (٣) ، فلا يثبت من العموم إلّا نفس التسلّط ، لا صحّة تصرّفاته ، مع أنّ الأصل عدم الصحّة ، لما عرفت مرارا ، مع أنّه بملاحظة ما دلّ على عدم تسلّط السفيه ، مثل ( لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ ) (٤) ، ومثل قوله تعالى أيضا :

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( تصرّفه الّذي فعله ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢١٩.

(٣) لاحظ! عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٢ الحديث ٩٩ و ٤٥٧ الحديث ١٩٨.

(٤) النساء ٤ : ٥.

٣٨٨

( فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً ) (١) ، وغير ذلك.

والحديث الوارد في منع معاملة السفيه في شارب الخمر (٢) ، وغير ذلك مثل « لا ضرر ولا ضرار » (٣) ، يظهر خروج السفيه ، لأنّه إذا ورد عامّ وخاصّ متنافيا الظاهر فالخاصّ مقدّم.

فالفرق بين السفيهين لا يظهر من الأدلّة العقليّة والنقليّة ، بل الظاهر منهما عدمه ، بل تنقيح المناط يقتضي عدم الفرق لو كان الأدلّة مخصوصة بالسفيه المتّصل ، للقطع بأنّ المنشأ سفاهته وإفساده للمال.

مع أنّ ما ذكره لو تمّ لاقتضى أنّ كلّ سفيه يكون حجره بحكم الحاكم ، إذ لا خصوصيّة لشي‌ء ممّا ذكره بالسفه المنفصل سوى ما ذكر فيما فهم من شرح الشهيد (٤) ، والشارح لا يعتني بمثل ذلك ، مع أنّ باقي ما ذكره ـ وهو العمدة ـ مشترك ، مع أنّه لو لم نقل بانحصار العمدة فيه أيضا يلزم المفسدة المذكورة.

على أنّه لو تمّ ما ذكره يلزم عدم جواز الحجر عليه ، لأنّ الحاكم ما يمكن أن يحجر إلّا بسبب وداع شرعيّ ، وجميع ما ذكره موانع شرعيّة عن الحجر ، ولا داعي إلّا إفساده المال ، وهو مع جميع ما ذكره موجود غير مؤثّر ولا مانع ولا معارض ، فكيف يمكن للحاكم أن يجعله معارضا للكلّ ، بحيث يترجّح على الكلّ ويغلب؟! فتدبّر.

على أنّه رحمه‌الله اختار أنّ العامل مع السفيه يأخذ عوضه بعد التلف ،

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٨٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٤ ـ ١٦٨ الحديث ٥٨٦ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٣٧٩ الحديث ٢٤٨٠٢.

(٣) عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٠ الحديث ٩٣ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٣٩٩ الحديث ٣٢٢١٧.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢١٩ ، مسالك الأفهام : ١ ـ ١٩٨.

٣٨٩

ومعلوم أنّه يأخذ عينه بعد الوجود ، وقال : هذا مقتضى القوانين (١) ، فتأمّل جدّا.

على أنّ السفاهة إن كانت عليه لحجر الحاكم ، فاللازم عليه حجره ، فيلزم من حجره الحرج والمفاسد الّتي ذكرها ، إذ لا معنى لأنّ الحاكم يحجر بمجرّد الاشتهار بسفه (٢) ، سيّما بعد ما ذكره من أسباب عدم الحجر.

وإن كان السفاهة الشديدة تصير سببا لحجره ، فمع أنّه خلاف الفتوى ينقل الكلام إليها.

قوله : وبالجملة ، التنزّه عنه متعسّر جدّا ، فإنّه لو لم يعامل السفيه فإنّه يعامل من يعامله ، ويصعب ذلك أيضا .. إلى آخره (٣).

لا يخفى أنّ جميع ما ذكره يقتضي أن لا يكون هؤلاء سفهاء كما اختاره ، وهو الحقّ أيضا ، وكذا ما ذكره من أنّ الرشد الابتدائي شرط .. إلى آخره (٤) أبطل جميع ما ذكره من حصول الحرج لو كان السفيه محجورا عليه في نفسه ، مع أنّ السفه المتّصل الأصل بقاؤه حتّى يثبت خلافه ، بخلاف المنفصل ، فإنّ الأصل عدمه وبقاء الحالة السابقة حتّى يثبت خلافها.

وبالجملة ، أطال الكلام ، ثمّ أظهر أنّه لا ضرر أصلا ، وأنّ ما ذكر لم يكن تحته طائل لما استدلّ عليه ، وإن كان في نفسه فائدته عظيمة.

قوله : ويحتمل كونه في الابتداء والمحجور عليه بحكم الحاكم ، ولهذا قال في

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢١٢.

(٢) في د ، ه : ( بمجرّد اشتهاء نفسه ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٢١.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٢١.

٣٩٠

« الخلاف » (١) : المحجور عليه ، فتأمّل .. إلى آخره (٢).

قد عرفت أنّ ما ذكره أوّلا من أنّ دليلهم قويّ (٣) لم يكن فيه قوّة أصلا ، بل بعد التأمّل لا وجه له أصلا.

وما ذكره هاهنا من المؤيّدات لا نفع فيها ، بعد ما عرفت ممّا أشرنا وما ذكره رحمه‌الله ، فإنّه كان في غاية المتانة ، بل ظهر ممّا حقّقه رحمه‌الله أنّ الفقهاء في جميع المعاملات يعتبرون الرشد من حيث هو رشد ، فما ذكره العلّامة (٤) وبعض آخر (٥) في المقام خلاف المشهور المعروف منهم في غير المقام ، وخلاف ما عليه سائر الفقهاء في سائر المقامات ، بل والجميع.

قوله : فإنّه لا دليل على الثاني ، ولا يلزم الأوّل (٦) ، ولأنّ العلّة هو السفه فلا يبقى المعلول بعد زوالها .. إلى آخره (٧).

فيه ، أنّ الاستصحاب جار في المواضع الّتي تتغيّر العلّة ، مثل : تيمّم فاقد الماء مع وجدان الماء في أثناء الصلاة ، والماء المتغيّر بالنجاسة بعد زوال التغيّر من قبل نفسه ، وغير ذلك.

فالأولى أن يقال : مقتضى الأدلّة عدم الحجر إلّا على من هو سفيه ما دام سفيها وشرط السفاهة (٨) ، وأيضا خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي ، وأيضا.

__________________

(١) الخلاف : ٢ ـ ١٢٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٢٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢١٩.

(٤) مختلف الشيعة : ٤٢٣.

(٥) لاحظ! المقنعة : ٦٦٧ ، إيضاح الفوائد : ٢ ـ ٥٢.

(٦) كذا ، وفي المصدر : ( ولا يلزم من الأوّل ).

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٢٦.

(٨) كذا ، والظاهر أنّ الصواب : ( وبشرط السفاهة ).

٣٩١

الضرورة تتقدّر بقدرها ، وأيضا إذا انتفى الشرط انتفى المشروط ، فتأمّل جدّا.

قوله : [ فإنّ المجنون بعد البلوغ والرشد ] أمر ماله إلى الحاكم على المشهور ، مع أنّ ثبوت حجره ليس بحكم الحاكم ، بل بمجرّد الجنون .. إلى آخره (١).

فمع عدم الحاكم يكون الأب والجدّ وليّا ، لظاهر ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ ) (٢) الآية ، و ( فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً ) (٣) الآية ، و ( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً ) (٤) الآية ، وللزوم الضرر والحرج لو لم يكونا وليّين ، وأيضا السفيه المتّصل يكون هما وليّه بمقتضى الأصل ، فكذا المنفصل ، لاتّحاد أدلّة الحجر فيهما الظاهر في اتّحاد الحال ، فتأمّل! ومع عدمهما وعدم الوصي ، يكون الحاكم ، كما هو مقتضى القاعدة والأدلّة ، ومنها : عدم الضرر والحرج.

ومع اجتماعهما وتصرّف كلّ منهما بإذن الآخر لا إشكال ، ومع عدم الإذن فيه الإشكال المشهور وسيجي‌ء ، فلاحظ!.

قوله : [ وأمّا مع الجهل ] فكأنّه كذلك لتقصيره ، فإنّه كان ينبغي أن لا يعامل حتّى يعرف .. إلى آخره (٥).

هذا مخالف لما ذكره في الحاشية السابقة من الاكتفاء بأصالة عدم السفاهة وغيره (٦) ، مع أنّه ليس بتقصير ، والجاهل في موضوعات الأحكام معذور وفاقا ،

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٢٧.

(٢) النساء ٤ : ٥.

(٣) البقرة ٢ : ٢٨٢.

(٤) النساء ٤ : ٦.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٢٨.

(٦) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢١٩.

٣٩٢

والدليل على ذلك ليس ما ذكره من التقصير قطعا ، بل ظهور فساد المعاملة وكون ما في يده عين مال السفيه ، فإذا كانت باقية يجب ردّه ، وإذا تلفت فعوضه ، لما ذكره من عموم « على اليد » (١) ، و « ما يضمن بصحيحه » (٢) ، وقد مرّ التحقيق في كتاب البيع وأنّهما صحيحان ، فلاحظ!

قوله : والظاهر ذلك ، لعموم دليل الضمان وكونه سفيها .. إلى آخره (٣).

في العموم تأمّل ، بعد ملاحظة مثل قوله تعالى ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ) (٤) ، وغيره ، مع اليقين بأنّ علّة المنع كونه سفيها ، ولا يؤمن من الإفساد والإتلاف ، ومن ذلك يظهر أنّ ما ذكره من أنّ ( له أهليّة الضمان .. إلى آخره ) (٥) محلّ تأمّل ، وكون البلوغ وهذا القدر من العقل يكفي ، محلّ نظر ، سيّما بملاحظة أنّه محجور عن ماله باعتبار عدم أهليّته للحفظ والتصرّف.

فعلى هذا ، يكون المالك هو المضيّع بحسب العرف وعند العقلاء ، وشرعا أيضا بملاحظة نهي الشارع ، لسفاهته وإفساده ، وغير ذلك ممّا ذكر.

قوله : ويدلّ عليه قوله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (٦) .. إلى آخره (٧).

مقتضى ظاهرها الجواز بالّتي هي أحسن مطلقا ، سواء كان له وليّ حاضر متمكّن من التصرّف أم لا ، لا أنّ ذلك بعد التعذّر عن ذلك كلّه ، كما قال.

__________________

(١) عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٤ الحديث ١٠٦ و ٣٨٩ الحديث ٢٢.

(٢) لاحظ! مسالك الأفهام : ١ ـ ١٨٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٢٩.

(٤) النساء ٤ : ٥.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٢٩.

(٦) الإسراء ١٧ : ٣٤.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٣٢.

٣٩٣

إلّا أن يدّعي الإجماع على أنّ ذلك بعد التعذّر المذكور ، لكن الظاهر من كلام الأصحاب انحصار صحّة التصرّف في الأولياء المذكورين.

نعم ، في حال الاضطرار يجوز حسبة ، كما هو الحال في جميع الضروريّات والواجبات ، على أنّه على ما ذكره يكون خلاف الظاهر من الآية مرادا ، فكما جاز أن يكون ما ذكره ، جاز أن يكون المراد بالّتي هي أحسن ما فعله الوليّ الشرعي ، إلّا أن يقول : إذا تعذّر الحقيقة فأقرب المجازات حجّة.

قوله : وظاهر أنّ القاضي هو قاضي الجور ، وفيه إشارة إلى عدالة محمّد .. إلى آخره (١).

لكن كون قاضي الجور لا عبرة بنصبه القيّم أصلا يتوقّف على دليل ، إذ يجوز أن يكون الأئمّة عليهم‌السلام يجيزون أمثال ذلك منهم ، ويجعلونهم بمنزلة قاضي الحق ، لرفع الحرج ، وللمداينة معهم بما يدينون ، كما فعلوا في حملية الخراج وأمثاله (٢).

هذا ، مع احتمال أنّ المعصوم عليه‌السلام أجاز ذلك ، ويكون الاستناد إلى تجويزه عليه‌السلام.

إلّا أن يقال : العمومات الدالّة على فساد أمور القضاة من العامّة وأحكامه تقتضي عدم العبرة مطلقا إلّا ما ثبت اعتباره ، ولم يثبت هنا.

وأمّا كون الإمضاء في خصوص المقام منه عليه‌السلام ، فبعيد.

نعم ، يتوقّف حجّيته على وجود قائل به (٣) ، أو على أن [ لا ] يكون مخالفا لما يقول به الأصحاب ، فيحتمل أن يكون البيع لأجل الضرورة ، فتأمّل!

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٣٣.

(٢) وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢١٣ ـ ٢٢١ الأبواب ٥١ و ٥٢ و ٥٣ من أبواب ما يكتسب به.

(٣) في ب ، ج : ( على وجود القائل به ).

٣٩٤

قوله : [ فيجب الصوم بدل الدم ] ، والكلّ في محلّ المنع (١).

لكن ما ذكره ـ من عدم منعه. إلى آخر ما قال ـ لعلّه أيضا محلّ المنع ، لعدم دليل يعتمد عليه ، لأنّ العمومات لم يظهر شمولها لمثله ، مع أنّه لو ظهر لظهر شمول الضيافة والصدقة والسهولة في الاقتضاء والبيع والشراء وصلة الأرحام ، وأمثال ذلك ممّا لا يحصى ، والالتزام في الجميع فيه ما فيه.

والاستناد إلى الإجماع مشترك ، لإطلاق كلام الفقهاء ، مع أنّ الظاهر من حجره في تصرّفاته عدم جواز أمثال هذه الأمور عنه ، فتأمّل.

قوله : وأمّا عدم جواز العفو عن الدية .. إلى آخره (٢).

لا يخفى أنّ العفو عنه أيضا من المستحبّات ، وقد أجاز الشارح صرف ماله في المستحبّات ، وفيه شهادة على ما ذكرناه ، فتأمّل.

قوله : فإنّ العبد المأذون محجور عليه بالإجماع (٣) مع جواز تصرّفه .. إلى آخره (٤).

لا يخفى أنّ العبد رشيد ، والحجر فيه من جهة أخرى ، وهي كون الإذن حقّ المولى ، فإذا رفع يده فلا مانع أصلا.

وأمّا السفيه ، فلا يجوز تسليطه على ماله ، بدلالة الأدلّة ، وكذلك غير البالغ

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٣٨ ، ولم ترد هذه العبارة في كلّ من : الف ، د ، ه ، بل ورد بدلا عنها العبارة التالية : ( الظاهر أنّه لا مانع من انعقاد يمينه ونحوه ، إذا لم يكن متعلّقا بالمال ، ويتعيّن الصوم في كفّارته .. إلى آخره ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٣٨.

(٣) كذا ، ولم ترد في المصدر : ( بالإجماع ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٤٠.

٣٩٥

على ما هو المشهور بينهم ، وورد ما يظهر منه من الأخبار (١) ، وقد ذكر (٢).

نعم ، إن كان مأذونا بأن يفعله بحضرته فيرى ما يصلح وما يفسد ويختار ، ففي الحقيقة يكون المتصرّف هو الوليّ. نعم ، إن أذن لهما في التصرّف في ماله يمكن بعد ما اعتمد على صحّة فعلهما ، لكن في السفيه مشكل جزما. نعم ، إن ثبت صحّة تصرّف الصبي المميّز ـ كما يشير إليها بعض الأخبار (٣) ـ فالأمر كما ذكره ، لكن مرّ عن الشارح أنّ العمل به مشكل ، مع عموم المنع من الكتاب والسنّة ، بل الإجماع (٤).

ومع ذلك توقّفه على إذن الولي يحتاج إلى دليل ، ومرّ الكلام في بحث حجر الصبي وتحقّق البلوغ.

ثانيا : المفلّس :

قوله : وما يثبت في ذمّته مال (٥) يجب أداؤه ، فإقراره مقبول ، لـ « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٦) .. إلى آخره (٧).

وفي « القواعد » احتمل القبول في حقّ الغرماء أيضا ، معلّلا بأنّ الإقرار كالبيّنة ، ولا تهمة (٨) ، ولعلّ مراده أنّه مثلها حين تحقّق الحجر ، إذ لا فرق بين إثبات

__________________

(١) لاحظ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٣٦٠ الباب ١٤ من أبواب عقد البيع وشروطه و ١٩ ـ ٣٦٦ الباب ٤٥ من أبواب الوصايا.

(٢) لاحظ! الصفحة : ٣٦٨ ـ ٣٦٩ من هذا الكتاب.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٣٦٠ الباب ٤٤ من أبواب الوصايا ، مستدرك الوسائل : ١٣ ـ ٢٤٠ الحديث ١٥٢٤٣.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٨٥.

(٥) كذا ، وفي المصدر : ( بأنّ في ذمّته مالا ).

(٦) عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٣ الحديث ١٠٤ و ٢ ـ ٢٥٧ الحديث ٥ و ٣ ـ ٤٤٢ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ١٨٤ الحديث ٢٩٣٤٢.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٤٢.

(٨) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٧٢.

٣٩٦

الغرماء حقوقهم وإقرار المديون ، وتصديقه قولهم دفعة أو على التعاقب قبل تحقّق الحجر ، فكذا بعده ، استصحابا ، ولا يخفى ضعفه ، لأنّ بعد الحجر تعلّق حقّهم ، فإقراره في حقّهم بخلاف ما قبله.

قوله : دليله أنّ المال المحجور عنه صار بسبب الحجر [ للديّان الّذين حجر بسبب ديونهم ] .. إلى آخره (١).

ولعلّ مراده أنّه تعلّق به حقّهم ، وإلّا فإنّه لم يصر لهم بعد.

قوله : ويحتمل ـ بعيدا ـ السماع ، ويسلّمها إلى المقرّ له (٢).

هذا الاحتمال احتمله في « القواعد » (٣) ، ووجهه تقدّم وكذا ضعفه ، لكن استشكل على هذا الاحتمال تسليم العين إلى المقرّ له لو كان مبيعا بأن أقرّ أنّه باعه ـ يعني قبل الحجر ـ ولم يقبضه إلى الآن.

ولعلّ وجه الإشكال أنّ المبيع يحتمل أن يكون بعنوان الخيار ، ومثل هذا يحتمل أن لا ينتقل إلى المشتري بمجرّد العقد ، بل بعد انقضاء الخيار ، وهذا إشكال ليس بقوي عنده بل ضعيف ، وعبارته ربّما يكون فيها إشارة إلى أنّه ليس إشكالا معتدّا به ، فلاحظ وتأمّل! ولا يوجب إلزامه بالتعيين والتشخيص في إقراره ، كما لا يخفى على المطّلع.

قوله : والظاهر أنّ مرادهم غير الأوّل .. إلى آخره (٤).

بل عبارة « القواعد » كالصريحة في غير الأوّل (٥).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٤٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٤٣.

(٣) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٧٢.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٤٤ ، والمراد بالأوّل : قوله : ( إن كان المراد شمول حجر الحاكم لذلك المال .. ).

(٥) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٧٢ ـ ١٧٣.

٣٩٧

قوله : وجهه التسلّط والأصل .. إلى آخره (١).

وأنّه لا بدّ من أحد الأمرين قطعا ، وكلّ منهما تصرّف ـ يعني الفسخ والإبقاء ـ فتأمّل.

قوله : [ ينبغي أن يكون عدم الغبطة مقيّدا بما ] إذا لم يصر به سفيها وهو ظاهر .. إلى آخره (٢).

بل الظاهر بغير الإضرار على الغرماء أيضا بأن يختار ما فيه نقصان مال ، بالقياس إلى الشقّ الّذي ما اختاره ، وإن لم يصر سفيها.

قوله : لا رجوع له إلى العين ، إذ سبب الرجوع [ إنّما هو تعذّر الثمن ] .. إلى آخره (٣).

لكن ظاهر عبارة « القواعد » جواز الرجوع (٤) ، والمعتبر عدم الوفاء حال الحجر ، ولعلّه بني على استصحاب جواز الرجوع ، وأنّ حقّه تعلّق بالعين أوّلا فيستصحب ، فتأمّل.

قوله : فله أن يترك ويشارك الغرماء ، رضوا أم لا .. إلى آخره (٥).

لأنّ « الناس مسلّطون على أموالهم » (٦) ، لكن هذا مع رضا الغرماء واضح ، أمّا مع عدم الرضا فيمكن أن يقال : إنّ المفهوم من النصّ عدم المحاصّة على سبيل التسلّط (٧) لا مطلقا ، فله أن يلزم المفلّس والغرماء بالعقد السابق ولا يفسخ ، فتأمّل.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٤٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٤٤.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٤٩.

(٤) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٧٤.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٥٠.

(٦) عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٢ الحديث ٩٩.

(٧) في ألف ، د : ( التسليط ).

٣٩٨

قوله : « قال لا يحاصّه الغرماء » (١) ، وكأنّه خصّ بالمحجور عليه .. إلى آخره (٢).

قد مرّ منه في صدر المبحث دعوى ظهور هذه الرواية في جواز رجوع صاحب العين إلى عينه من غير توقّف على حجر ، مع دعواه الإجماع على عدم جواز منعه من التصرّف قبل الحجر (٣).

قوله : [ الفسوخ ] إنّما يبطل (٤) العقد من حين وقوعه ، لا من رأسه .. إلى آخره (٥).

لا تأمّل لهم في أنّ الفسخ من الحين لا من الأصل ، ولذلك كان النماء للمفلّس إجماعا.

نعم ، النماء بعد الفسخ يكون له ، لكن معنى الفسخ أن يصير كلّ واحد من العوضين راجعا إلى ما كان قبل العقد ، فيصير الثمن للمشتري ، والمبيع للبائع ، ومعلوم أنّ المبيع كان العبد الّذي يداه صحيحتان والآن ليس له إلّا يد واحدة ، فلم يرجع إلى البائع مجموع ماله وتمامه بل بعضه والناقص منه ، ولا شكّ في أنّه في مقابل التالف كان جزء من الثمن ـ كما قلناه في خيار العيب ـ فكيف يأخذ المشتري مجموع الثمن الّذي كان عوض العبد الصحيح ولا يوفّيه مجموع المعوّض عنه؟! وبالجملة ، لا فرق عند الفرق بينه وبين العبد والعبدين ، وبسطنا الكلام في بحث خيار العيب ، فلاحظ!.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٦ ـ ١٩٣ الحديث ٤٢٠ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٤١٥ الحديث ٢٣٩٥٥.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٥١.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢١٧.

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( تبطل ).

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٥٥.

٣٩٩

قوله : ويحتمل كون الزيادة له ، فيأخذ قيمته من صاحب المال .. إلى آخره (١).

هذا الاحتمال أجود بل هو الصواب ، لأنّه مال حصل له فاستحقّه مثل المنفصل ، والمتبادر من : متاع الرجل بعينه ، هو ما إذا لم يحصل فيه زيادة يكون ملك المشتري قطعا قبل ، فكذا بعد ، للاستصحاب ، ولعدم ناقل شرعي ، سيّما وأن ينتقل قهرا بغير عوض أصلا ، مع أنّه ضرر بلا تأمّل ، وأشدّ من هذا أن يكون الزيادة حصل بفعل المشتري وخروجه.

قوله : الخبر المتقدّم ، لأنّه متاعه يشمله أيضا .. إلى آخره (٢).

فيه تأمّل ، لأنّه خلاف الظاهر والمتبادر ، إلّا أن يلاحظ العلّة ، ويقال : إنّها من باب تنقيح المناط لا القياس.

قوله : ويحتمل ظهور غريم آخر [ لا يقبل ذلك ] .. إلى آخره (٣).

هذا أيضا محلّ نظر ، إذ الأخذ والرجوع إلى العين خلاف الأصل والقاعدة كما مرّ ، فيحتاج إلى دليل.

قوله : وإن اختار الإبقاء والصبر ـ والفرض أنّه محجور عليه ـ فكلّ يطلب حقّه ، والفرض عدم إمكان حصول المسلّم فيه .. إلى آخره (٤).

فيه تأمّل ، إذ مرّ في بحث السلم أنّه عند التعذّر يتعيّن الصبر أو الفسخ ، وأنّه إذا أخذ المشتري عوض ماله ولم يصبر لا يأخذ أزيد من رأس ماله ، كما نطقت به

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٥٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٥٧.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٥٨.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٢٦٠.

٤٠٠