حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

نكتة متفرّقة

قوله : إذ الظاهر وصول حقّ المشتري إليه حينئذ وعدم غفلته وسهوه (١).

لأنّ المشتري حين الحضور لم يتحقّق منه تأمّل ، لا في الميزان ، ولا في العيار ، ولا في عدد الوزنات ، ولا في غير ذلك ، وإنّما حصل منه الدعوى بعد ذلك ، والأصل صحّة تصرّفات المسلم حتّى يثبت خلافها ، وهذا الأصل كان جاريا حين الحضور والتقبّض شاملا له بلا تأمّل ، فدعوى المشتري بعد ذلك دعوى خلاف أصل الصحّة ، بخلاف ما لو لم يكن حاضرا ، فإنّ المشتري أيضا مسلم يدّعي عدم وصول حقّه إليه ، والبائع وإن كان مسلما يدّعي الوصول ، فلا دخل هنا في حكاية صحّة التصرّف وعدمها ، كما لا يخفى ، فتأمّل جدّا.

قوله : وعدم الغلبة الّتي يقتضي العرف الانصراف إليها .. إلى آخره (٢).

إذا كان المتعدّد المتساوي في الغلبة متفاوتة في القدر أو القيمة أو الماليّة ، فالتعيين متعيّن ، لما مرّ في تعيين العوضين ، وإن لم يكن متفاوتة فيما ذكر ، بل متفاوتة في الرغبة خاصّة ، فلم يظهر دليل على التعيين.

نعم ، لو أراد أحد المتعاقدين أو كلاهما التعيين فيها أيضا تعيّنا ، ويصير من قبيل الشرط في العقد ، لكن ظاهر عبارة المصنّف في الكتاب وفي غيره لزوم التعيين مطلقا سواء تفاوتت فيما ذكر أولا (٣) ، والشارح حملها على الأوّل خاصّة ، ولعلّه لما ذكرنا.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٣٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٣٤.

(٣) إرشاد الأذهان : ١ ـ ٣٨٣ ، قواعد الأحكام : ١ ـ ١٥٤.

٣٠١

وأمّا ما احتمله الشارح ، فلا شكّ في فساده وإن لم يكن خلاف الإجماع ، لما مرّ.

قوله : [ وأمّا مع العدم ] (١) ، فالظاهر تقديم قول المشتري مطلقا ، لأنّه منكر على ظاهر تعريفه .. إلى آخره (٢).

هذا على إطلاقه محلّ تأمّل ، مثل أنّ المشتري بعد ما أعطى الثمن وأقبض البائع ادّعى السهو والغلط ، أو أنّ المبيع يسوى آلاف ما ادّعاه المشتري ، مثل : أنّ البائع باعه دارا بألف درهم يسوى آلاف بل أزيد ، والمشتري يدّعي أنّي اشتريت بدرهم أو فلس ، بل ربّما يكون البائع على ما ادّعاه المشتري سفيها ، فيصير عقده باطلا ، ومثل : أن يدّعي البائع كون الثمن مائة درهم ، والمشتري يدّعي كونه غنما أو دجاجة.

ثمّ لا يخفى أنّهم لم يتعرّضوا فيما لو اختلفا في قدر المبيع واتّفقا في الثمن لهذا الاحتمال ولا للتخالف ، مع أنّ حال التخالف فيها واحد ، ويحتمل اتّحاد هذا الاحتمال أيضا ، كما نرى فعلهم في بعض المواضع ، فتأمّل.

قوله : [ ابن أبي نصر الّذي ] أجمع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه .. إلى آخره (٣).

والشيخ صرّح في « العدّة » بأنّه لا يروي إلّا عن الثقة (٤).

قوله : وإلّا تعيّن ذلك .. إلى آخره (٥).

__________________

(١) أي : مع عدم البيّنة.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٣٤.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٣٥ ، وفيه : ( ما صحّ عنه ).

(٤) عدّة الأصول : ١ ـ ٣٨٦.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٣٦.

٣٠٢

لا تأمّل في التعيّن (١) ، لأنّ الخبر المنجبر بالشهرة حجّة سيّما مثل هذه الشهرة كما حقّق في محلّه ، وكذا الإجماع المنقول بخبر الواحد ، لعموم ما دلّ على حجيّة خبر الواحد ، سيّما إذا انضم إلى مثل هذا الخبر (٢) ، ويؤيّده ما أشار إليه من النكتة ، فتأمّل.

وأمّا التقوية في « التذكرة » (٣) ، فإنّما هي بحسب القاعدة ، مع أنّك عرفت أيضا ما فيها.

وأمّا احتمال « القواعد » (٤) ، فإنّما هو بعد إفتائه (٥) بما أفتى به القوم ، واحتمل هذا ، والتحالف أيضا ، وكثيرا ما يأتي فيه بالاحتمالات الّتي لا تأمّل في فسادها ولم يقل أحد من الشيعة بها ، كما لا يخفى على من اطّلع.

__________________

(١) أي تعيّن القول بتقديم قول البائع.

(٢) أي مرسلة ابن أبي نصر : مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٥٣٥ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٥٩ الحديث ٢٣١٤٠.

(٣) تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٥٧٥.

(٤) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٥٤.

(٥) في ألف ، د ، ه : ( إثباته ).

٣٠٣
٣٠٤

كتاب الديون

٣٠٥
٣٠٦

التوابع

كراهة الاستدانة

قوله : وآية الرهن (١) ، وأدلّة جواز السلف (٢) والنسيئة (٣) [ دليل الجواز ] .. إلى آخره (٤).

لا يخفى أنّه « لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا من طيب نفسه » ، كما ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) ، ووقع عليه الإجماع ، ودلّ عليه العقل ، فالموافق للقاعدة مراعاة حال المقرض ، إلّا أن يدلّ من الخارج دليل ، فإذا رضي المقرض بالقرض مع علمه بحالة المقترض يحلّ القرض ، وإن لم يتمكّن من الأداء مطلقا ، لأنّ الصاحب سلّطه على إتلاف ماله مع علمه بحاله وإن صرّح بأنّه يكون على ذمّتك ، إذ معناه حينئذ أنّه إن اتّفق ـ بعنوان الفرض البعيد النادر ـ أنّك تمكّنت من الأداء أدّ وإلّا فليس عليك شي‌ء ، أو أنّه يحسبه زكاة ماله ، أو غير ذلك من وجوه البرّ ، أو زكاة مال الغير ، أو يأخذ من الغير ، وأمثال ذلك.

واحتمال أن يكون مراده أنّه إن اتّفق الأداء أو الاستيفاء وإلّا فأنت مؤاخذ ،

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٨٣.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٨٣ أبواب السلف.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٥ الباب ١ من أبواب العقود.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٥٢.

(٥) عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٢ الحديث ٩٨ و ٢ ـ ٢٤٠ الحديث ٦ و ٣ ـ ٤٧٣ الحديث ٣ ، مع اختلاف يسير.

٣٠٧

لعلّه بعيد كما لا يخفى ، إلّا أن يظهر ذلك للمقترض.

وأمّا إذا صرّح بما ذكرنا ، فلا شكّ في الحلّية ، ولم يظهر من خبر يظهر منه الحرمة ما يشمل ما نحن فيه.

وأمّا الكراهة ، فإن تضمّن ذلك منه ولم يكن اضطرار يكره للمنّة ، وإلّا فلا كراهة أيضا ، لعدم المنّة ، ولا إرادة الأداء كيف كان.

وأمّا إذا لم يعلم بحاله وهو غير متمكّن من الأداء ـ لا حالّا ولا مؤجّلا ـ فالظاهر الحرمة ، لعدم تحقّق الرضا والطيبة ، لأنّ الظاهر من حال المقرضين ومقتضى كلامهم من قول : أقرضت وأمثاله ، أنّهم يريدون الأداء على أيّ حال على طريقة المتعارف الشائع ، لا على الفروض النادرة الخارجة عن العادة المتعارفة ، بل لا بدّ أن يكون متمكّنا من الأداء بالنحو المعهود المتعارف ، لعدم ظهور الرضا بغير ذلك.

والأخبار الدالّة على الحلّية غير ظاهر شمولها لها لما ذكر ، بل الظاهر عدمه ، مع أنّ الظاهر عدم كفاية الظهور والظن ، لما عرفت من الأدلّة اليقينيّة.

والحاصل ، أنّه لا بدّ من ظهور الرضا وثبوته بالطريقة الشرعيّة.

قوله قول المعصوم : « .. إلّا أن يكون له وليّ يقضي [ دينه ] من بعده ، [ و ] ليس منّا .. » .. إلى آخره (١).

فيه شهادة على أنّ مراده عليه‌السلام من قوله : « وعنده وفاء » (٢) أن يكون متمكّنا من الوفاء وإن كان بواسطة الولي بعده ، فالحديث باق على ظاهره لا يحتاج إلى

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٩ ـ ٥٤ ، الكافي : ٥ ـ ٩٥ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ١٨٥ الحديث ٣٨٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٢١ الحديث ٢٣٧٦٢ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

(٢) أنظر : الهامش السابق.

٣٠٨

الحمل على الكراهة ، لما عرفت من الحاشية السابقة.

قوله : ويكون فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفعلهما عليهما‌السلام [ مستثنى ، أو لرفع الحرمة والشدّة ] (١).

الظاهر أنّهم عليهم‌السلام ما كانوا يتديّنون إلّا لداع يقابل الكراهة ويجبرها ، فعلى هذا يكون غيرهم أيضا كذلك ، فتأمّل.

قوله : بل بالعلّة والرواية ، فتأمّل (٢).

فيه ما عرفت ، فلاحظ.

شرط النفع

قوله : الظاهر أنّ تحريم شرط النفع في القرض عينا إجماعيّ بين المسلمين .. إلى آخره (٣).

أقول : لكن وقع النزاع في مقامات :

الأوّل : ما أشار إليه من حكاية الصحيح عوض المكسّر.

الثاني : أنّه هل الحرام مطلق ما هو منفعة ـ أعمّ من أن يكون زيادة في المال ، إمّا في قدره مثل : أن يكون العشرة اثني عشر ، أو في وصف مثل : الصحيح عوض المكسّر أو الجيّد عوض الردي‌ء ، أو يزيد على القدر منفعة ماليّة ، مثل : سكنى بيت وخدمة عبد وعمل حرّ وأمثال ذلك ممّا هو ماليّة وبإزائه عوض مالي ، أو يكون زيادة غير ماليّة أيضا مثل : البيع بثمن المثل والإجارة بأجرة المثل والنكاح بمهر المثل والقرض والرهن بدين آخر ـ إذ بذلك الدين إجماعي

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٥٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٥٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٦٠.

٣٠٩

ومنصوص على جميع المذاهب؟

أو الحرام مخصوص بما هو زيادة في المال بأقسامه ، لا بما هو ليس زيادة في المال ، وإن كان زيادة ومنفعة إلّا أنّه خارج عن زيادة المال ، كما أشرنا إليه في الأمثلة الأخيرة وأمثال تلك الأمثلة ، إذ ليس مخصوصا بتلك الأمثلة؟

ظاهر عبارات الأكثر هو الأوّل ، وصريح بعض العبارات ، لكن صرّح جمع بالثاني ، كما سنشير إليه في الحاشية الآتية مع الإشارة إلى أدلّة الطرفين.

الثالث : أنّ الحرام مخصوص بما إذا كانت المنفعة عائدة إلى المقرض فقط ، أم أعمّ من أن تعود إلى المقرض أو المستقرض؟

المشهور الأوّل ، وقيل بالثاني (١) ، والظاهر أنّه لا نزاع في المنفعة العائدة إلى غير الطرفين ـ يعني الأجنبي ـ مع احتمال ذلك أيضا بملاحظة ما هو مستندهم (٢).

الرابع : أنّ المنفعة إذا كانت معاملة محاباتيّة ، فهل الحرمة مخصوصة بما إذا وقعت شرطا في القرض ، أم أعمّ منه ومن صورة العكس ، بأن يكون القرض شرطا في المعاملة المحاباتيّة؟

( اختار الأوّل العلّامة (٣) ، والمحقّق اختار الثاني (٤) ، كذا في شرح ابن المفلح الصيمري على « الشرائع » (٥) ، محتجّا للعلّامة بأنّ ما ورد حرمة القرض الّذي يجرّ المنفعة لا المنفعة الّتي تجرّ القرض ، وبالأخبار.

__________________

(١) لاحظ! الدروس الشرعيّة : ٣ ـ ٣١٩ ، جواهر الكلام : ٢٥ ـ ١٣.

(٢) أي : إذا كان مستند التحريم جرّ النفع مطلقا فهو يشمل هذه الصورة أيضا ، وأمّا إذا قلنا بأنّ الأدلّة منصرفة عن هذه الصورة فلا تشملها.

(٣) مختلف الشيعة : ٣٩٧.

(٤) شرائع الإسلام : ٢ ـ ٦٧.

(٥) غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : غير مطبوع.

٣١٠

وغير خفيّ أنّ الأوّل محلّ نظر ظاهر ، والثاني لا بدّ من ملاحظتها وملاحظة دلالتها ، ومع التحقّق ملاحظة المقاومة بحيث تصلح للتخصيص والتقييد ، وأنّ الجمع منحصر فيهما ظاهرا ، فتأمّل.

وكيف كان ، معلوم أنّه لا نزاع في الحرمة في الصورة الأولى على حسب ما ذكره ابن المفلح ، ويظهر من الشارح رحمه‌الله أيضا ـ كما سيجي‌ء في آخر الباب (١) ـ ويظهر من المحقّق الشيخ علي في « شرح القواعد » عند ما ذكر العلّامة أنّه يحرم شرط زيادة العين أو الصفة ، وفرّع على ذلك أنّه لو تبرّع أو شرط النقص بالنسبة إلى أحدهما أو الزيادة ، لكنّها ليست بعين ولا صفة بل منفعة أخرى ، مثل القرض بشرط القرض ، أو بشرط البيع بالثمن المساوي أو أنقص ـ يعني لا الأزيد ، لأنّه زيادة العين أو الصفة ـ فإنّ المحقّق الشيخ علي ذكر عند ذلك خلافا من بعض في صورة البيع بأنقص ، بأنّه منع من حيث وصول نفع للمستقرض ، مع أنّه خلاف شاذّ في غاية الشذوذ ، ومع ذلك تعرّض لذكره ، بل تعرّض لذكر الخلافات الشاذّة في ذلك المقام ، ومع ذلك لم يشر أصلا إلى خلاف بالنسبة إلى البيع بالثمن الأزيد ، بل وافق المصنّف وسكت (٢).

وربّما يظهر ذلك من فخر المحقّقين (٣) أيضا ، وكذا من صاحب « المفاتيح » ، حيث ذكر حرمة اشتراط الانتفاع على سبيل الإطلاق ، ونقل بعض الخلافات ، قال : وبالشرط وعدمه يجمع بين الأخبار المعتبرة ، وسكت ولم يشر إلى خلاف في هذا المقام أصلا (٤).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١١٠.

(٢) جامع المقاصد : ٥ ـ ٢١ ـ ٢٥.

(٣) إيضاح الفوائد : ٢ ـ ٤.

(٤) مفاتيح الشرائع : ٣ ـ ١٢٥.

٣١١

وفي كتاب البيع صرّح بالخلاف الواقع بين المحقّق والعلّامة في عكس هذه الصورة ، واختار رأي العلّامة (١) ، وفي كتاب القرض ذكر ما ذكر ، فتدبّر.

وليس عندي من الكتب غير ما ذكر حتّى أحقّق الحال ، ومع ذلك متون كتب الفقه متّفقة على ما ذكر المصنّف في هذا الكتاب من أنّ النفع مطلقا يحرم شرطه ، والحلال هو المتبرّع به (٢).

فإن قلت : لا نسلّم كون المحاباة نفعا.

قلت : المحاباة عبارة أخرى عن النفع ، وكيف يمنع مع أنّه نفع لغة وعرفا؟

ومن أقرض ـ مثلا ـ ألف تومان بألف تومان وزيادة وهي أن يشتري فلس المقرض بألف تومان أخر ، ولا شكّ في أنّ الألف تومان الأخر نفع عظيم يحصل للمقرض وينتفع به ، وهو أعظم من فلس واحد إذا شرطه زائدا على الألف الأوّل ، وهو نفع مسلّم لا شبهة فيه ، ويقال في العرف : إنّه انتفع من قرضه ألف تومان بفلس ، وكذا في البيوع وغيرها والربا في المعاوضات ، وأين الفلس الواحد من الألف تومان بفلس واحد؟! فإن قلت : لا شبهة في كونه نفعا ، إلّا أنّه نفع المعاملة لا القرض.

قلت : إنّ المشروط في القرض هو نفس المعاملة والبيع اللابشرط ، وإنّما النفع يحصل منه ، فهو خلاف مفروض المسألة ، إذ المفروض أنّه كما أنّ نفس البيع شرط ، فكذا خصوصيّته ونفعه الخاص أيضا شرط شرطه المقرض ، بل الغالب والمتعارف أنّ الشرط ليس إلّا الخصوصيّة والنفع الخاص ، والحكم يرجع إلى القيد ، وإلّا فخصوص البيع ليس شرطا ، لأنّه لو كان مكانه الصلح أو غيره لكفى ،

__________________

(١) مفاتيح الشرائع : ٣ ـ ٦٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٦٠ ـ ٦٧.

٣١٢

لأنّ الغرض والمقصود بالشرط هو النفع الخاص وبأيّ عقد يحصل هو راض ، فذكره البيع لأجل أنّه أخذ ما به يحصل الغرض ، لا لأنّه مقصود في نفسه في مقام الاشتراط.

فإن قلت : لا كلام في كون النفع شرطا ، إنّما الكلام في كونه نفع القرض ، بل هو نفع المعاملة.

قلت : الفقهاء ما زادوا على حكاية الاشتراط أمرا ، بل جعلوا المناط في التحريم هو الاشتراط خاصّة ، ولذا في مبحث التخلّص من الربا قالوا : لا يشترط في البيع هبة الزيادة (١) ، لأنّه أيضا ربا.

فلو كان الزيادة منسوبة إلى الهبة ، فلا وجه لمنعهم وحكمهم بكونه حراما وربا ، مع أنّ الحال في القرض أفحش ، لأنّ صريح كلام الفقهاء وصريح أحاديثهم في هذا الباب أنّ المناط في التحريم هو الاشتراط لا غير (٢) ـ كما لا يخفى ـ وسيجي‌ء الكلام فيه مشروحا في طيّ الأخبار.

على أنّ منع كونه نفع القرض أيضا فاسد ، فإنّ من تزوّج امرأة بعشرة توأمين وشرط هبة دار ـ مثلا ـ والعقد صحيح عند الفقهاء ، متعارف في البلدان ، فلا شكّ في أنّها ملكت الدار بالمناكحة وعوضا عن بضعها ، لأنّها ما رضت في إزاء بضعها بالعشرة فقط ، بل بها وبالدار الموهوبة ، ومعلوم أنّها لا تملك بإزاء البضع إلّا بعقد المناكحة ، وسيجي‌ء تمام التحقيق ، فتأمّل.

وممّا يؤيّد دخول ما نحن فيه في عبارتهم ، أنّهم قالوا : الأجل ليس بلازم إلّا

__________________

(١) لاحظ! مفاتيح الشرائع : ٣ ـ ٦٣.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٩٠ الحديثين ٢٣٤٦٣ و ٢٣٤٦٥ و ٣٥٧ الأحاديث ٢٣٨٤٠ ـ ٢٣٨٤٢ و ٣٥٩ الحديث ٢٣٨٤٧.

٣١٣

أن يشترط في عقد لازم (١) ، ومعلوم أنّ العقد اللازم أمر خارج ، ومع ذلك تعرّضوا ، وفي المنفعة منعوا مطلقا ، واستثنوا التبرّع خاصّة ، وما قالوا في صورة الشرط : إلّا أن يشترط في عقد آخر ، فتدبّر.

ومن المؤيّدات ، أنّهم ذكروا طرق التخلّص من الربا في البيع (٢) ، وهنا ما أشاروا أصلا ، فإن اكتفوا بما ذكروه سابقا فالحال حاله جزما ، وقد عرفت أنّهم منعوا من الاشتراط صريحا والشارحون علّلوا بما علّلوا ، وإلّا فيظهر أنّ الحال فيما نحن فيه أشدّ ، وأنّه لا يقبل الحيل عندهم.

ومن المؤيّدات ، أنّهم يذكرون المذهب الضعيف عندهم ، مثل : الصحيح عوض المكسّر (٣) ، من حيث لا دليل عليه أصلا ، ومعظم محقّقيهم قالوا بحرمة النفع الّتي هي المعاملة المحاباتيّة (٤) أيضا ، فكيف لم يتوجّهوا إلى ذكر هذا الخلاف وردّه ، بل ذكروا عبارة ظاهرة في الموافقة معهم ، وأقلّ ما في الباب موهمة فيها؟

وأيضا ، أنّهم يتعرّضون إلى الفروض النادرة والأمور الغير المهمّة ، فإذا كان رأيهم في المقام الحلّية فكيف ما تعرّض أحد منهم ، بل تعرّض معظم المحقّقين بالحرمة على وجه ظاهر أو صريح في عدم الخلاف؟! فتدبّر.

والشيخ في « الاستبصار » أيضا صرّح بالحرمة مع الشرط ، وبالكراهيّة مع عدمه (٥) ، فلاحظ وتأمّل!.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٨٢ ، جامع المقاصد : ٥ ـ ٢٥.

(٢) مفاتيح الشرائع : ٣ ـ ٦٣.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٦٢ ، جامع المقاصد : ٥ ـ ٢١.

(٤) راجع! مفتاح الكرامة : ٥ ـ ٤٠.

(٥) الاستبصار : ٣ ـ ١٠ ذيل الحديث ٢٣.

٣١٤

الخامس : الظاهر (١) عدم الخلاف في عدم حرمة المنفعة إذا كانت متبرّع بها إلّا في الضيافة بعد ثلاثة أيّام ، على ما سنذكر.

نعم ، ربّما يظهر وقوع الخلاف في الكراهة وعدمها ، مع احتمال كونها مكروهة على الآخذ وغير مكروهة على المعطي ، بل وتكون مستحبّة عليه أيضا ، فتأمّل ، بعد ملاحظة الأخبار (٢).

ثمّ اعلم أنّ الشرط المحرّم أعمّ من وقوعه في متن عقد القرض أو بعده ، للعموم ، ولما مرّ في كتاب البيع في مسألة تأخير الأجل بزيادة في الدين.

واعلم أيضا ، أنّ الذكر في متن العقد أعمّ من أن يكون بلفظ مذكور فيه ، أو يكون الإطلاق منصرفا إليه ومشيرا ومشعرا به ، بأن يكون قبل العقد صرّحا بالشرط إلّا أنّهما في متن العقد ما ذكراه صريحا ، بل اكتفيا بما ذكراه قبل ، ويكون ذلك مرادهما البتّة ، لا أنّه بدا لهما.

قوله : وأمّا اشتراط الزيادة وصفا ، مثل : أن يشترط الصحيح عوضا عن المكسور .. إلى آخره (٣).

ظاهر العبارة أنّه وقع النزاع في الزيادة الوصفيّة مطلقا ، وليس كذلك ، بل النزاع إنّما هو في اشتراط الصحيح عوض المكسّر خاصّة في مبحث القرض ، فما أتى به من الأدلّة غير مرضي عند الفريقين ، بل ليس بشي‌ء أصلا ، لأنّ الأصل لا يبقى مع الدليل ، وأدلّة حرمة الربا عامّة بلا شبهة ، وشمولها للزيادة الوصفيّة ليس بحيث يمكن أن يتأمّل فيه متأمّل ، ولهذا لم يتأمّلوا ، لأنّ الزيادة الوصفيّة لا شكّ في كونها مالا كالمنافع.

__________________

(١) لم ترد ( الظاهر ) في : ب ، ج ، ه.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢٨٥ الباب ٨٨ من أبواب ما يكتسب به.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٦٢.

٣١٥

ولا شبهة ولا نزاع في أنّ الزيادة الماليّة هي ربا ، والربا هو الزيادة في المال لغة وعرفا وشرعا ، والروايات الّتي أتى بها (١) لا تأمّل ولا نزاع في كونها محمولة على عدم الشرط ، كما ستعرف ، ويصرّح ويأتي بدليله.

نعم ، وقع النزاع في أنّ كلّ ما هو منفعة حرام إذا كان شرطا ، أم الحرام إنّما هو الزيادة الماليّة ، إمّا في القدر ـ مثل : أن يكون عشرة اثني عشر ـ أو زيادة المنفعة ـ مثل : أن يزيد على العشرة سكنى بيت أو ركوب دابّة أو عمل عبد أو حرّ وأمثال ذلك ـ أو الجيّد عوض الردي‌ء ، أو غير ذلك ممّا هو من الأمور الماليّة سوى الصحيح عوض المكسّر ، أو بغير استثناء هذا أيضا؟

ظاهر عبارات الأكثر هو الأوّل ، بل صرّح بعضهم بذلك (٢) ، ومنهم من صرّح بالثاني مع عدم الاستثناء ، ومنهم العلّامة في بعض كتبه (٣) ، ولعلّ رأيه في هذا الكتاب أيضا ذلك ، فتأمّل ، ومنهم ولده فخر المحقّقين (٤) ، والمحقّق الشيخ علي (٥).

ودليل الأوّلين ظاهر رواية العامّة المشهورة (٦) المعمول بها المستند إليها عند الأكثرين المطابقة لبعض الروايات الخاصية مع الصحّة ، بل ومع استفادة صحّة الرواية العامّية من مضمونها وإشارتها إليها ، مثل : صحيحة يعقوب بن شعيب (٧) ، وحسنة ابن مسلم (٨) لا تدلّ على كذب ، بل على عدم حقّية ما يظهر من

__________________

(١) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٦٣ ـ ٦٦.

(٢) شرائع الإسلام : ٢ ـ ٦٧ ، إرشاد الأذهان : ١ ـ ٣٩٠.

(٣) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٥٦.

(٤) إيضاح الفوائد : ٢ ـ ٤.

(٥) جامع المقاصد : ٥ ـ ٢١.

(٦) أي خبر : ( كلّ قرض يجر منفعة فهو حرام ) : كنز العمال : ٦ ـ ٢٣٨.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٦٣ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٢٠٤ الحديث ٤٦٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٥٦ الحديث ٢٣٨٣٨.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٦٢ ، الكافي : ٥ ـ ٢٥٥ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : (١٨) ٣٥٤ الحديث ٢٣٨٣٣.

٣١٦

ظاهرها ، لأنّها مقيّدة بصورة الشرط كما صرّحوا به في الروايات الخاصية (١).

ولعلّ دليل الآخرين ـ من أنّ القرض الّذي يجر المنفعة هو ربا ، والربا هو الزيادة خاصّة ، فهو قرينة على كون المراد بالمنفعة الواردة في الخبر العامّي وما يؤدّي مؤدّاه من الأخبار الخاصية ـ هو المنفعة الربويّة الّتي هي عبارة عن زيادة ماليّة ، ولورود أخبار دالّة على إباحة المنافع الّتي ليست بماليّة (٢) ، فليلاحظ وليتأمّل حتّى يظهر الحال ، فإنّ المقام مقام إشكال.

وأمّا استثناء خصوص الصحيح عوض المكسّر ، فلم نجد عليه دليلا.

قوله : بل هذه تردّ رواية العامّة .. إلى آخره (٣).

ليس كذلك ، كما أشرنا في الحاشية [ السابقة ] من ظهور الحقّية من الأخبار الخاصية (٤) المطابق مضمونها لمضمون هذه العامّية ، بل واستشعار ذلك من مضمون بعضها ، بل الظاهر تخطئتهم في العمل بظاهر هذه ، خاصّة مع روايتهم أيضا عنه عليه‌السلام : « إنّ خير القرض ما جرّ منفعة » (٥) ، واشتهارها عنه عليه‌السلام ، فتدبّر.

قوله : « خير القرض [ الّذي ] يجرّ المنفعة » .. إلى آخره (٦).

بل هي ظاهرة في عدم الاشتراط ، ولو سلّم فلا ظهور في الاشتراط ، فلا

__________________

(١) الكافي : ٥ ـ ١٠٣ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٥٤ الحديث ٢٣٨٣٢ و ١٦٠ الحديث ٢٣٣٨٩.

(٢) لاحظ! تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٢٠١ الحديث ٤٥٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٥٤ الحديث ٢٣٨٣٣.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٦٣.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٥٢ الباب ١٩ من أبواب الدين والقرض.

(٥) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٥٤ الأحاديث ٢٣٨٣٣ و ٢٣٨٣٤ و ٢٣٨٣٥ و ٢٣٨٣٧.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٦٣ ، وهي رواية محمد بن عبده : تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٢٠٢ الحديث ٤٥٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٥٥ الحديث ٢٣٨٣٤ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

٣١٧

وجه للاستدلال بوجه من الوجوه ، إذ لا نزاع في الحليّة والصحّة إذا لم يكن شرط.

وإنّما قلنا : هي ظاهرة في عدم الاشتراط ، لأنّ قوله عليه‌السلام « خير القرض ما جرّ منفعة » [ يعني ] أنّ القرض من قبل نفسه يجرّ المنفعة ، وأنّه هو الجارّ لها ، لا أنّ جرّه من قبل اشتراط المقرض وإلزامه وانتقالها إلى ملكه وكونها ملكه بمعاملة أو مشاركته ، لأنّه أسند الجرّ إلى خصوص القرض وجعل الفاعل إيّاه بلا مشاركة الغير.

وأمّا باقي الأخبار ، فظهورها في عدم الاشتراط غير خفي ، وفيها شهادة واضحة على أنّ المراد من الجرّ هو عدم المشارطة ، وكون القرض من قبل نفسه يجرّ ، وأخبارهم يكشف بعضها عن بعض.

وبما ذكرنا اتّفقت الأخبار وتطابقت ، مضافا إلى الظهور في نفسه كما أشرنا ، مع أنّ قوله عليه‌السلام : « خير القرض » ينادي بما ذكرناه ، لأنّه يكره على المقرض أخذ المنفعة ، كما عليه الفقهاء ودلّ عليه الأخبار ، مثل : « لا أحبّ أن يأخذ » (١) ، وغيره ممّا سيجي‌ء بعضه.

ومنه ، صحيحة ابن شعيب الآتية في القرض مع السلف أنّه لا يصلح إذا جرّ نفعا (٢) ، وأقلّ مراتب عدم الصلاح الكراهة ، بل وشدّة الكراهة ، فمع الكراهة كيف يكون الخير أن يأخذ المنفعة؟! ويدلّ على أنّ الأولى أن لا يأخذ منفعة قوله تعالى :

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٥٨ الحديث ٢٣٨٤٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٢٠٤ الحديث ٤٦٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٥٦ الحديث ٢٣٨٣٨.

٣١٨

( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ ) (١) الآية ، والأخبار المتواترة في مدح القرض الحسنة (٢) ، وأنّ الإعانة والإحسان إلى الأخ المؤمن في غاية التأكيد ، بل ورد في كثير من الأخبار أنّ علّة تحريم الربا أن يعطوا القرض الحسنة (٣).

قوله : وهي أكثر منها ، قال : « لا بأس ، إذا كان معروفا بينكما » .. إلى آخره (٤).

الظاهر أنّ المراد أنّ إعطاء الأكثر وأخذه محض الإحسان والمعروف الصادر عنكما ـ أيّ واحد منكما الآخذ ، وأيّ واحد منكما المعطي ـ أو مجرّد المعلوميّة بينكما ، أنّه كيف يعطى وكيف يؤخذ ، وعلى التقديرين إشارة إلى عدم الاشتراط ، فتأمّل.

قوله : ويطيّب نفسه أن يجعل له فضلها .. إلى آخره (٥).

لأنّ الأصل في الألفاظ الحمل على المعنى الحقيقي ، ويعضده أنّ طيب النفس لا يحصل منه أزيد من إباحة التصرّف ، وأمّا نقل الملك فلا بدّ من عقد مملّك من العقود المقرّرة شرعا ، ولا يقبل ما نحن فيه إلّا الهبة ، والهبة غير المعوّض عنها من العقود الجائزة فيكفي فيه كلّ ما دلّ على المقصود ، وهو نقل الملك بغير عوض بعنوان التبرّع ، وهو معنى الهبة ، وإن كان ظاهر كلامهم عدم الكفاية.

والظاهر منهم ـ فيما نحن فيه ـ الانتقال بمجرّد التبرّع ، ولعلّ هذا مستثنى

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٤٥.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٢٩ الباب ٦ من أبواب الدين والقرض.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١١٨ ـ ٢١ ( عدّة أحاديث ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٦٤ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٠١ الحديث ٢٣٧١٧.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٦٥ ، الكافي : ٥ ـ ٢٥٣ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٩١ الحديث ٢٣٤٦٤ ، وفيها : ( وتطيب نفسه .. ).

٣١٩

عندهم.

وكيف كان ، فلا خفاء في ظهور الحديث في كونه هبة ، وترجيح صاحب « شرح الشرائع » (١) وحكم الشارح (٢) دليلان على عدم اعتبار الصيغة في خصوص المقام وكونه من المستثنيات ، فتأمّل.

فظهر من الحديث أنّ هبة الزائد إذا كانت شرطا في القرض تكون حراما وفاسدة ، كما أفتى به الفقهاء (٣) ، وظهر أنّ المعتبر في الحرمة هو الاشتراط وإن كان يصحّ النسبة إلى الهبة.

فظهر فساد ما توهّم بعض من أنّ الهبة والبيع المحاباتي من الحيل لاستحلال الربا وإن وقعتا شرطا (٤) ، خلافا لفتوى الفقهاء وأدلّتهم وقواعدهم (٥).

ويدلّ على الفساد أيضا أنّ لفظ « شرط » في الحديث نكرة في سياق النفي ، فيفيد العموم ، ويشمل ما ذكره المتوهّمون من الشرط ، والأحاديث الواردة بهذا المضمون مستفيضة جدّا ومعتبرة (٦).

ويدلّ عليه صحيحة محمّد بن قيس المزبورة (٧) ، فإنّ النهي حقيقة في الحرمة ، والحصر فيها يحرّم كلّ شرط زائد عن اشتراط المثل ومغاير له.

ثمّ اعلم أنّه عليه‌السلام عدل عن الجواب بقوله : « لا بأس ، إذا لم يشترط » إلى

__________________

(١) مسالك الأفهام : ١ ـ ١٧٥.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٦٥.

(٣) لاحظ! مفتاح الكرامة : ٥ ـ ٣٦.

(٤) مفاتيح الشرائع : ٣ ـ ٦٣.

(٥) لاحظ! مفتاح الكرامة : ٥ ـ ٣٨ ـ ٤٣.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٥٤ ـ ٣٥٨.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٦٥ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٢٠٣ الحديث ٤٥٧ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٥٧ الحديث ٢٣٨٤٠.

٣٢٠