حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

البتّة ، ومع ذلك يشترط على بائعه أن يكون له الفسخ من حين العقد والاضطرار ، مع البناء على الأكل قطعا وأكل جزما ، دفعا لاضطراره ، ويمتدّ خيار فسخه إلى زمان الأكل ، وبعده إلى انقضاء مدّة الخيار ومدّة الفسخ؟! وهل يتفوّه به عاقل؟! فضلا عن وضوح الثبوت.

واشتراط إعطاء عوض للمأكول التالف ـ إن اختاره ـ واسترداد الثمن أو عوضه لا دخل له في المقام ، لكونه اشتراط معاوضة ، فعلى تقدير الصحّة ليس محلّا لنظر الفقهاء في المقام ، ومع ذلك لا وجه للاختصاص بصورتين لا غير ، على حسب ما ظهر لك.

فإن قلت : عموم « المؤمنون .. إلى آخره » ظاهر في وجوب الوفاء بأيّ شرط وبأيّ عقد.

قلت : هذا تخريب لفقه الفقهاء ، لو لم نقل بأنّه تخريب الشرع بالبديهة ، لانحصار العقود اللازمة في الصور المعروفة القليلة ، فضلا عن الشروط الأخر ، لانحصارها في الندرة ونحوه.

فإن قلت : خرج من الخارج ما خرج ، وبقي الباقي.

قلت : هذا تخصيص العام الفاسد ، باستعمال لفظه في نادر من الأفراد ، وإخراج للأكثر ، ومع ذلك ليس أولى من إرادة الواجبات والمكملات في الإيمان لو لم نقل بشيوع استعمال الإيمان في ذلك ـ كما لا يخفى ـ مع أنّ دلالته ليست إلّا من جهة نفي الإيمان من نفي الوفاء. فالمراد ، إمّا نفي حقيقته ، أو نفي صحّته ، أو نفي كماله ، كما هو المعروف من الفقهاء واقعا ، والأوّلان فاسدان ، لصحّة إيمانه كما هو المسلّم عندهم من دون (١) مدخليّة الفروع فيه ، فيتعيّن الثالث.

__________________

(١) في ألف : ( عدم ).

٢٤١

وادّعاء معنى آخر ، فيه ما فيه إن كان على التعيين ، لعدم الثبوت بحيث يثبت على الخصم ، سيّما بملاحظة توقّفه على تقدير قيد في الحديث يكون الأصل والظاهر يقتضيان عدمه ، وخصوصا بملاحظة كثرة وروده في الأخبار في الأعم من الواجب وكثرة التداول بين الناس في ذلك.

ومع جميع ما ذكر ، يكون دلالته على صحّة خصوص الصورة الّتي ذكرها الفقهاء وخصوص عكسها ، مع اعتبار قيود كثيرة في كلّ من الصورتين مثل اشتراط ردّ خصوص الثمن على النحو الّذي سنذكر ، وخصوص ارتجاع المبيع ، وخصوص ردّ الثمن الّذي اشترط ، وغير ذلك ، من دون ضميمة المخصّص ولا معروفية أصلا ، سوى فتاوي الفقهاء ، والأخبار ، وتداول حصول خصوص هذه الصورة بين الشيعة في الأعصار والأمصار فيه ما فيه ، لاقتضاء ذلك التخصيص بالصورة الأولى كما أفتى بها الفقهاء ، والإجماع والبداهة يفيدان اليقين لا الظن ، مع أنّ الإجماع اتّفاق الفقهاء لا عدمه ، فتدبّر! وأيضا ، التصرّف مسقط للخيار ، سيّما إذا كان بعنوان الإتلاف بالمرّة ، كما هو الحال في المقام ، لأنّه شرّع لاحتياج البائع إلى الثمن ، وعدم خروج الملك عنه قهرا مطلقا ، وكون الإتلاف المذكور مسقطا له ، لأنّ الفسخ ليس إلّا إبطال المعاملة والإرجاع إلى ما قبلها بأن يكون عين العوضين يرجعان إلى ما كانا قبل هذه المعاملة لا مثلهما وبدلهما ، فإنّ البدل عوض لم يقع العقد عليه ، فاشتراطه معاوضة أخرى في ضمن الاولى ، فكيف يصير فسخا للأولى؟! بل هو إلزام لها وحفظ لصحّتها عن تطرّق الفساد ، فكيف يكون فسخا؟! هذا إذا كان العوضان كذلك ، فإنّه شرط معاملة في معاملة. وأمّا إذا كان عين أحد العوضين اشتراط ارتجاعه ، فإلزام من جهة وفسخ من جهة لا بدّ ثبوت

٢٤٢

صحّته مطلقا من دليل ، سيّما بملاحظة ما بين الإلزام والفسخ من التوابع الظاهرة ، والوارد في النص والفتاوي هو الّذي ذكره المصنّف لا غير.

وعموم « المؤمنون .. إلى آخره » ـ مع ما عرفت ـ يقتضي صحّة صور كثيرة ، مثل أن لا يكون مثلا ، بل أقل ولو بمراتب ، كالأكثر ، وغير الجنس ، وغير مقصود العوضيّة ، مثل إعطاء مدّ من الحنطة أو قراءة سورة ، إلّا أن يدّعي الإجماع من الفقهاء على الفساد فيهما.

ولم نجد من كلامهم سوى ما ذكرنا من ظهور اشتراط ارتجاع خصوص المبيع ، ويجوز أن يكون مراد الشارح من جواز العكس هو استرجاع المبيع أوّلا ثمّ ردّ الثمن بعده ولو مدّة ، لقوله (١) ـ بعد ذلك : ( والعمدة في ذلك .. إلى آخره ) (٢) ، فتأمّل! فلا يتوجّه على قوله إيراد أصلا ، ويكون موافقا لغيره من الأصحاب ، والله يعلم.

وسيجي‌ء تتمّة للمقام في الحاشية الآتية.

قوله : [ وأنّ التعدّي إلى المثل ] والقيمة بحسب الشرط والعقد قبلها .. إلى آخره (٣).

لا يخفى أنّ القيمة ربّما تتفاوت كثيرا فيما بين وقت العقد ومنتهى انقضاء مدّة الخيار ، فلزم الجهل والغرر ، لعدم المعلوميّة المعيّنة.

فإن قلت : عموم « المؤمنون عند شروطهم » يقتضي الصحّة.

قلت : فعلى هذا لا حاجة إلى تعيين المدّة أيضا ، والجواب الجواب ، بل ضرورة عدم تعيين القيمة أشدّ عند الفقهاء بلا شبهة ، للنهي عن الغرر (٤) ، ولم يقل

__________________

(١) في الأصل : ( قوله ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٢.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠١ ، ولم يرد في المصدر : ( والعقد قبلها ).

(٤) عيون أخبار الرضا : ٢ ـ ٥٠ الحديث ١٦٨ ، بحار الأنوار : ٧٠ ـ ٣٠٤ الحديث ١٩ و ١٠٠ ـ ٨١ الحديث ٤ و ٨.

٢٤٣

أحد منهم بالتعيين في المقام ، بل صرّحوا بالتعيين في المدّة (١).

وأمّا الثمن ، فقد اكتفوا بقولهم : إذا اشترط ردّ الثمن (٢) ، كما هو مدلول الأخبار والظاهر منها أيضا ، فالظاهر من الأخبار (٣) والفتاوي (٤) هو الثمن الكلّي الّذي يكون في الذمّة ، لا الشخص المعيّن الخارجي ، لأنّه إذا أتلفه البائع لا يصدق على خصوص إعطاء العوض الّذي [ هو ] قيمة ردّ الثمن ، لأنّه ليس بثمن أصلا.

نعم ، الكلّي المقرّر على الذمّة ، كما هو المتعارف في المبايعات ـ إذا وقع الثمن في المبايعة ـ لا شكّ في صلاحيّة إطلاق الثمن على كلّ فرد منه ، لأنّ الكلّي لا يوجد في الخارج إلّا في ضمن الفرد ، والفرد الّذي سلّمه المشتري إلى البائع يصير ثمنا بتعيّنها وتراضيهما فيه ، فإذا اشترط البائع حين العقد : إن ردّيت الثمن في مدّة كذا يكون بالفسخ ، وأراد منه هو الكلّي الّذي وقع العقد عليه ـ أي فردا منه ـ دون الشخص الّذي بعد تماميّة العقد اختاره المشتري وسلّمه إليه ، بل ويصرّح بأنّي أتلف هذا الذي تسلّمه إلى ، أو يظهر من القريب (٥) ، وأراد الّذي وقع عليه العقد لم يكن به بأس ولا فيه حزازة ، بخلاف ما لو كان الّذي وقع عليه هو الشخص المعيّن لا غير ، كيف يأتي أن يقول بقول مطلق : إن ردّيت الثمن ، سيّما بملاحظة الشخص لا يجعل ثمنا إلّا للغرض الخاصّ به بلا شبهة؟! [ و ] فيما ذكر قرينة واضحة على أنّ ما في الفتاوي والأخبار (٦) هو الّذي

__________________

(١) مفتاح الكرامة : ٤ ـ ٥٦١.

(٢) مفتاح الكرامة : ٤ ـ ٥٦٤.

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٨ الباب ٧ من أبواب الخيار.

(٤) لاحظ! قواعد الأحكام : ١ ـ ١٤٢ ، إرشاد الأذهان : ١ ـ ٣٧٤.

(٥) في ألف ، د : ( القرب ).

(٦) مرّ آنفا.

٢٤٤

ذكرنا ، فتدبّر.

قوله : فإن أقامه في السوق .. إلى آخره (١).

فيه إشارة إلى أنّه بالعرض على البيع لا يسقط الخيار ، فتأمّل جدّا (٢).

خيار الغبن :

قوله : ولقوله [ تعالى ] ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٣) .. إلى آخره (٤).

ولقوله : « لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا من طيب نفسه » (٥) ، ولما مرّ في بحث كراهة الربح على المؤمن من الرواية المتضمّنة لقوله عليه‌السلام : « غبن المؤمن حرام » (٦) ، ولما مرّ من حرمة غشّ المؤمن (٧) الوارد في الروايات ، وكذا المنع عن النجش (٨) ، وأمثال ذلك.

وأمّا رجوع ذلك إلى خيار المشتري ، فلأنّه لو اطّلع بالحال ورضي بالعقد يجب على البائع الوفاء به ، لعموم ( أَوْفُوا ) (٩) وغيره ، ولا يتأتّى للبائع أن يقول :

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٢ ، والرواية في : الكافي : ٥ ـ ١٧٣ الحديث ١٧ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٣ الحديث ٩٨ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٥ الحديث ٢٣٠٥٩.

(٢) هذه الحاشية أثبتناها من نسخة : ب :

(٣) النساء ٤ : ٢٩.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٣.

(٥) عوالي اللآلي : ٢ ـ ٢٤٠ الحديث ٦.

(٦) الكافي : ٥ ـ ١٥٣ الحديث ١٥ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٧ الحديث ٢٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٢ الحديث ٢٣٠٧٢.

(٧) لاحظ! الكافي : ٥ ـ ١٦٠ باب الغش ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ١٢ الحديث ٤٨ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢٧٩ باب تحريم الغش.

(٨) لاحظ! الكافي : ٥ ـ ٥٥٩ الحديث ١٣ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٤٥٨ الباب ٤٩ من أبواب آداب التجارة.

(٩) المائدة ٥ : ١.

٢٤٥

العقد باطل لأنّي غشّيتك ، وفعلت الحرام ، وبعتك بأزيد من قيمته زيادة فاحشة.

قوله : [ فلا يزول عنه إلّا بسبب شرعي ] لعلّه الأظهر بعد الثبوت ، لما مرّ (١).

ربّما يتراءى ، ويظهر في نظري كون الأوّل أظهر ، لعموم ما دلّ على وجوب الوفاء ولزوم العقد ، وعدم مانع منه ، لأنّ المانع هو الضرر والنقص ، وليس هاهنا ضرر ولا نقص أصلا ، ولم يثبت خيار مطلق حتّى يقال باستصحابه ، بل خيار مشروط بعدم إعطاء التفاوت ، ولعدم قيام دليل على أزيد من هذا ، لا من الإجماع ، ولا من : « لا ضرر ولا ضرار » (٢) وأمثاله ، فتأمّل.

قوله : نعم ، لا شكّ أنّ الأحوط ذلك .. إلى آخره (٣).

قد عرفت أنّ أكل البائع الثمن أكل مال بالباطل ، فالأحوط أن يردّ البائع التفاوت ، بل المعيّن ذلك ، بالنظر إلى الأدلّة ، فتأمّل.

خيار التأخير :

قوله : [ حملوها على عدم لزوم بيع له ] ، لأصل البقاء من غير فاسخ ، والأصل متروك بالأخبار ، ولا إجماع [ هنا ] .. إلى آخره (٤).

وللإشعار الكائن من قيد « له » في قولهم عليهم‌السلام : « فلا بيع له » (٥) ، فتأمّل.

ومرّ في اشتراط ارتجاع المبيع قول الباقر عليه‌السلام : « وإلّا فالبيع لك » (٦) ، وفي

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٤.

(٢) الكافي : ٥ ـ ٢٩٤ الحديث ٨ ، عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٠ الحديث ٩٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٢ الأحاديث ٢٣٠٧٣ ـ ٢٣٠٧٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٤.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٦.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٦ ، الكافي : ٥ ـ ١٧٢ الحديث ١٦ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢١ الحديث ٩٠ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢١ الحديث ٢٣٠٥١.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٢ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٣ الحديث ٩٧ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٨ الحديث ٢٣٠٤٦.

٢٤٦

صحيحة الفضيل (١) : « أرى أنّه لك إن لم يفعل » (٢) ، وظاهر أنّ المراد من « لك » فيهما انقضاء الخيار وعدمه ، لأنّ البيع كان له كما هو المشهور عند الأصحاب ، وثبت من الأدلّة ، منها النصّ عنهم عليهم‌السلام.

وسيجي‌ء في الخيار فيما يفسد إلى الليل أيضا أنّهم عليهم‌السلام قالوا : « فلا بيع له » (٣) ، مع أنّه ضرر عظيم على البائع من غير تقصير منه ، فلا معنى لبطلان البيع ، بل في المقام أيضا مجرّد تأخير المشتري كيف يصير سببا لبطلان البيع من طرف البائع أيضا ، مع أنّه لا تقصير له أصلا؟! والظاهر أنّه إرفاق للبائع ، لا أنّه إضرار عليه ، ولذا قال : « لا بيع له » مع أنّ البيع المطلق مأخوذ فيه قيد اللزوم ، والمركّب ينتفي بانتفاء جزئه.

مع أنّ صحّة البيع الفضولي تقتضي صحّة هذا البيع بطريق أولى ، فلا مانع من أن يتحقّق التراضي من الطرفين الآن فتشمله أدلّة صحّة البيع ، ولعلّه لما ذكرنا أفتى المعظم بالخيار (٤) ، وفهم المعظم مؤيّد عظيم ، والله أعلم.

على أنّا نقول : ليس المراد نفي ماهيّة العقد قطعا ، لتحقّقها جزما ، بل نفي الثمر الشرعي ، ولذا عبّر بلفظ النكرة في سياق النفي ، فالمعنى : لا ثمر للعقد بالقياس إلى المشتري ، لأنّه قال : « لا بيع » ، فحيث حكم بانتفاء الثمر لخصوص المشتري ظهر وجود الثمر للبائع وبقاء الثمر اليقيني له ، مضافا إلى أصالة بقاء ذلك اليقيني وشمول

__________________

(١) كذا في كافة النسخ ، والصحيح أنّه : سعيد بن يسار ، وليس الفضيل.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٠ ، الكافي : ٥ ـ ١٧٢ الحديث ١٤ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١٢٨ الحديث ٥٥٨ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٢ الحديث ٩٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٩ ، الكافي : ٥ ـ ١٧٢ الحديث ١٥ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٥ الحديث ١٠٨ ، وسائل الشيعة : ٨ ـ ٢٤ الحديث ٢٣٠٥٧.

(٤) راجع! مفتاح الكرامة : ٤ ـ ٥٦٥.

٢٤٧

العمومات الدالّة على الصحّة.

فظهر من نفس عبارة الخبرين (١) صحّة البيع ، فضلا عن انضمام الأصل والعمومات ، لأنّ الصحّة عبارة عن ترتّب الأثر ولو في الجملة ، فكيف يدلّ على البطلان؟! وأمّا صحيحة ابن يقطين (٢) ، فيمكن أن يكون المراد بالبيع المنفي المبيع ، لقوله : « يبيع البيع » (٣) ، وقوله : « فإن قبض بيعه » (٤) ، وظاهر أنّ المنفي هو الأثر ، لما عرفت ، وأثر المبيع وثمرة إنّما هو للمشتري ، وما نفي ثمر الثمن ، فيمكن إرجاعها إلى الروايتين (٥) ، وما عاضدهما ، فتأمّل.

وفي كثير من الأخبار : إنّ المبيع يصير للمشتري بعد انقضاء الخيار (٦) ، مع أنّه يصير بمجرّد العقد ملكه ، فالمراد على سبيل اللزوم ، فتأمّل.

والحاصل ، أنّ نفي الحقيقة غير مراد جزما ، لبقاء الحقيقة يقينا ، لأنّ البيع من المعاملات بلا شبهة ، وحقيقة المعاملة موجودة بلا خفاء ، ومسلّم عند جميع الفقهاء وأرباب الفهم ، وثابت بالقاعدة الثابتة المسلّمة ، فالمنفي أمّا الصحّة ، أو اللزوم ، أو الكمال ، والأوّل أقرب المجازات ، ثمّ الثاني ، والثالث أبعد الكلّ ، مع أنّ

__________________

(١) المراد بهما : خبر زرارة : « فلا بيع له » ، وخبر أبي الجارود : « وإلّا فالبيع لك ».

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٥ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٢ الحديث ٩٢ ، الاستبصار : ٣ ـ ٧٨ الحديث ٢٥٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٢ الحديث ٢٣٠٥٢.

(٣) انظر : الهامش السّابق.

(٤) انظر : الهامش السّابق.

(٥) انظر : الهامش رقم ١ من هذه الصفحة.

(٦) ويستفاد هذا الّذي ذكره من أكثر روايات الخيار تضمّنا ، ومن رواية ابن سنان صريحا ، لاحظ! الكافي : ٥ ـ ١٧٠ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٤ الحديث ١٠٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٤ الحديثان ٢٣٠٣٦ و ٢٣٠٣٧.

٢٤٨

القرينة قائمة على عدم إرادته قطعا ، مضافا إلى الإجماع ، فتعيّن الأوّل لو لم يكن مانع ، لكن المانع موجود ـ كما ذكرنا ـ بل الموانع موجودة ، منها التقيّد بقوله : « له » (١).

ومن المسلّمات الّتي لا تأمّل فيها أنّ القيد في الكلام المنفي يرجع النفي إليه ، وهو المفهوم لغة وعرفا ، فمقتضى العبارة أنّ النفي للمشتري خاصّة ، ويعضده القرائن الّتي أشرنا إليها.

ومنها : الأصل ، لأنّ الأصل في البيع الصحّة واللزوم ، إلّا فيما يثبت خلافه ، ولم يثبت إلّا في جانب المشتري.

ومنها : الإجماع المنقول والأدلّة الدالّة على حجيّته ، كما حقّق في محلّه ، ومسلّم عندهم حتّى الشارح أيضا. إلى غير ذلك من الأمارات.

فإذا ظهر وثبت أنّ النفي إنّما هو بالنسبة إلى خصوص المشتري ثبت كون المراد نفي اللزوم ، إذ لا معنى لنفي الصحّة له خاصّة كما لا يخفى ، فتأمّل جدّا.

قوله : ويدلّ بقاء البيع (٢) إلى شهر خبر آخر (٣) .. إلى آخره (٤).

قال المحقّق المحشّي : هو ما رواه علي بن يقطين ، قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل اشترى جارية ، وقال : أجيئك بالثمن ، فقال : إن جاء فيما بينه وبين شهر وإلّا فلا بيع له » (٥) ، ولا أدري وجه ضعفه ، لأنّ سنده هكذا ـ على ما رواه

__________________

(١) أي في قوله عليه‌السلام : « فلا بيع له » ، وقد مرّت مصادره سابقا.

(٢) كذا في كافة النسخ ، وفي المصدر : ( ويدلّ على بقاء البيع ).

(٣) لم ترد : ( آخر ) في المصدر.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٦.

(٥) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٨٠ الحديث ٣٤٢ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٣ الحديث ٢٣٠٥٥.

٢٤٩

الشيخ رحمه‌الله ـ : أحمد بن محمّد بن يحيى (١) ، عن أبي إسحاق ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عنه.

أقول : ومرّ في باب النقد والنسيئة عن الشارح رحمه‌الله وجه تضعيفه (٢) ، وأظهر ما توهّم في ذلك ، فلاحظ!

قوله : وإنّما النزاع في القبل ، فإنّه من البائع على القاعدة المقرّرة (٣) ، ومن المشتري ، لأنّه ما له ولم تثبت القاعدة .. إلى آخره (٤).

القاعدة ثابتة بالخبرين المنجبرين بعمل الأصحاب (٥) ، كما اعترف الشارح مكرّرا ، منها : ما قاله هنا ، حيث قال : ( ما تقرّر عندهم .. إلى آخره ) (٦).

ولذا قال هذا المنازع بأنّ التلف قبل القبض من مالكه الأوّل في غير هذا المقام ، ودليله ليس إلّا القاعدة المقرّرة (٧) ، فإذا كان القاعدة مقرّرة مقبولة فلا وجه للتأمّل في المقام ، فضلا عن أن يرجّح خلافها عليها ، خصوصا بالعذر المذكور ، لفساده قطعا ، لأنّ جميع المقامات الّتي أخذوا فيها بالقاعدة واتّفقوا على الأخذ (٨) ، حتّى أنّ المنازع من جملتهم جزما متحقّق فيها العذر المذكور من دون خفاء ، فكيف يرفع عنها اليد في خصوص المقام بالعذر المذكور؟!

__________________

(١) كذا في كافة النسخ ، وفي المصدر : ( محمّد بن أحمد بن يحيى ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٦.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( بناء على القاعدة المقرّرة ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٧.

(٥) المراد منهما : روايتي : عقبة بن خالد ـ مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٦ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٣ الحديث ٢٣٠٥٦ ـ والمرسلة الّتي نقلت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٧ ، عوالي اللآلي : ٣ ـ ٢١٢ الحديث ٥٩.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٦.

(٧) وهي القاعدة القائلة : ( إنّ المال إذا تلف قبل القبض فهو من مال مالكه الأوّل ).

(٨) في ألف : ( بالأخذ ).

٢٥٠

وكذا العذر الّذي اعتذر لكون التلف بعدها من البائع (١) لا شكّ في فساده ، لأنّه يقتضي أن يكون التلف في زمان الخيار ممّن له الخيار ، وهو خلاف النصوص الكثيرة (٢) والإجماع (٣).

على أنّ التلف في أيّام الخيار ممّن لا خيار له ، بل إذا كان مع الإجماع والنصوص المذكورين يترجّح القاعدة ، فبدونهما بطريق أولى ، فتأمّل.

قوله : لو قلنا ببطلان العقد ، كما هو ظاهر الأخبار (٤) ، فلا شكّ [ في كون الضمان من البائع ] .. إلى آخره (٥).

ليس كذلك قطعا ، بل ظاهرها الصحّة واللزوم في الثلاثة ، وعدم اللزوم بالنسبة إلى خصوص البائع بعد الثلاثة.

قوله : في الرجل يشتري الشي‌ء الّذي يفسد من يومه .. إلى آخره (٦).

لعلّ المراد أنّه لا يبقى إلى اليوم الآخر صحيحا ، وهذا هو الظاهر منه ، فلا حاجة إلى التأويل في قوله : « بينه وبين الليل » (٧) ، فإنّ البائع بالخيار إن شاء أن يبيع أو يصرفه في الليل فعل ، وإلّا ترك ، ويحتمل أن يكون المراد من يومه أوقات قليلة مجازا وكناية ، وهو متعارف ، فتأمّل.

__________________

(١) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٨.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٤ الباب ٥ من أبواب الخيار ، وغيره.

(٣) راجع! مفتاح الكرامة : ٤ ـ ٥٩٨.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢١ الباب ٩ من أبواب الخيار.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٨.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٩ ، والرواية في : الكافي : ٥ ـ ١٧٢ الحديث ١٥ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٥ الحديث ١٠٨ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٤ الحديث ٢٣٠٥٧.

(٧) لاحظ الهامش السّابق!.

٢٥١

في أحكام الخيار

قوله : وبالجملة ، الإجماع والنصّ دليل الجواز واللزوم .. إلى آخره (١).

ولعلّ تتبّع تضاعيف الأحاديث الواردة في أحكامها (٢) يؤيّده ويعضده ، فتأمّل.

قوله : ( ويسقط بالتصرّف ) (٣) ، ظاهره أنّ التصرّف مطلقا يسقط خيار الشرط .. إلى آخره (٤).

هذا الكلام منهم صريح فيما ذكرناه في الحواشي السّابقة من أنّ علّة اقتصار الفقهاء في صور اشتراط ارتجاع المبيع على خصوص اشتراط ردّ الثمن ، وكون ذلك الردّ في مدّة الخيار ، وكون المبيع (٥) هو الّذي اشتراط ارتجاعه لا غيره ، وأنّه لا يصحّ إذا اشترط عدم ردّ أصلا ، أو ردّ لمن هو أجلّ أو أكثر ، أو بيان ، أو مثل صحّة المريض ، أو القدوم من السّفر. إلى غير ذلك ممّا لا خفاء في فساده ، وأنّ قبول مثل الثمن في خصوص الارتجاع للمبيع من جهة النصوص والإجماع.

قوله : [ إلّا ما استثني ] ، مثل ركوب الدابّة للسقي والعلف والحفظ والركوب للردّ .. إلى آخره (٦).

بناء على أنّ الخيار في الفسخ ليس إلّا رجوع العوضين كما كانا قبل

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١١.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٦ ـ ٢٠ الأبواب ٦ و ٧ و ٨ من أبواب الخيار.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١١ ، إرشاد الأذهان : ١ ـ ٣٧٥.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١١.

(٥) هذا المقطع ساقط من ب ، ج ، ه ، وفي ألف ، ب : ( وكون المنع ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٢.

٢٥٢

المبايعة ، أعمّ من وقوع العقد على العوض الكلّي أو الشخصي ، فإنّ الشخصي ظاهر.

وأمّا الكلّي ، فلمّا استحال وجوده في الخارج إلّا في الشخص ، فيرجع العقد إلى الشخص الّذي تعيّن الكلّي فيه ووجد بعد العقد ، والتصرّف فيه تصرّف فيما وقع العقد ، فإنّ التصرّفات المنافية للفسخ كلّها كذلك في العوضين الكلّيين ، كما هو المتعارف في العقود ، سيّما بالنسبة إلى الثمن.

هذا حال خيار الشرط ، وأمّا ارتجاع المبيع فهو على قسمين :

قسم منه يكون خيار الشرط البتّة داخل فيه بالبديهة ، وهو أن يكون العوضين لا يتصرّف فيهما أصلا ، يعني الرجوع إلى نفس العوضين ـ جزئيّين أو كليّين ـ على ما عرفت من رجوعهما إلى الحالة السّابقة على العقد ، وهي عدم تسلّط أحد في تصرّف فيه بغير إذن صاحبه ، أو تصرّف فيه تصرّف الملّاك في ملكه.

مضافا إلى الأخبار الكثيرة ، مثل رواية السّكوني (١) ، وغيرها ممّا ستعرف ، مع كونه متّفقا عليه عند الفقهاء ، مثل بطلان المغارسة وغيرها ممّا لم يناقش فيه الشارح المناقشة الّتي ناقش في المقام ، مع اتّحاد الحال في الكلّ كتابا وسنّة وإجماعا.

مع أنّه وجد في المقام الأخبار الكثيرة والأصول والقواعد الواضحة ممّا أشرنا إليه في الحواشي السّابقة واللاحقة ، فليلاحظ.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٢ ، الكافي : ٥ ـ ١٧٣ الحديث ١٧ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٣ الحديث ٩٨ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٥ الحديث ٢٣٠٥٩.

٢٥٣

وبالجملة ، لا يتصرّف فيه أصلا ، فإنّ التصرّف مناف للفسخ ، مسقط للخيار الشرط البتّة عندهم.

والقسم الثاني ـ وهو المعبّر عنه باشتراط ارتجاع المبيع المعدود قسما آخر كما عرفت في الحواشي السابقة ـ هو الرجوع في الثمن ، أعمّ من أن يكون في نفس الثمن أو في مثله لا أزيد ولا أنقص ولا المباين ، بالنحو الّذي عرفت فيما سبق ، لكن في طرف المبيع يكون على نهج خيار الشرط ، يعني نفس المبيع خاصّة لا مثله ، فالتصرّف فيه من طرف الثمن غير مضرّ ، بل من طرف المبيع أيضا ، لكن نفس المبيع لا عوضه ، بل لا يعامل هذه المعاملة إلّا من جهة التصرّفين ، فهو غير داخل في خيار الشرط.

ولا يعبّر أحد من الفقهاء عنه ، ولا أحد من المتشرّعة إلّا بخيار ارتجاع المبيع ، وإن صحّ ـ لغة ـ التعبير عنه بخيار الشرط ، إلّا أنّ اصطلاح الفقهاء هو ما ذكرناه ، ولذا يحكمون بأنّ خيار الشرط يسقط بالتصرّف من دون تأمّل وتزلزل ولا استثناء أصلا.

والمناقشة في كون الثاني أيضا خيار الشرط فاسد ، إذ لا مشاحّة في الاصطلاح ، ومن هذا ترى أنّ الشهيد الثاني حينما ألحق صورة عكس اشتراط ارتجاع المبيع به اشترط أن يكون نفس المبيع لا مثله (١) ، وكذلك غيره من المحقّقين.

ومعلوم أنّ هذا بعينه اشتراط خيار الشرط ، لعدم اعتبار التصرّف في الثمن ولا في المبيع ، فلا اعتبار (٢) عليه أصلا ، إلّا أن يكون مراده جواز التصرّف فيهما لا بتصرّف غير متلف يرجع إلى اشتراط ردّ المثل وجوازه.

__________________

(١) مسالك الأفهام : ١ ـ ١٤٢.

(٢) في د : ( فلا غبار ) ، وفي ه : ( فلا خيار ).

٢٥٤

وفهم كلام الأصحاب كذلك ، وإلّا أشكل الحكم فيما اختاره (١) ، لكن لم يظهر لي بعد مخالفة منه للفقهاء ، بل كلامه في « المسالك » صريح (٢) غاية الصراحة في موافقته الفقهاء غاية الموافقة (٣) ، بل في غاية الإصرار فيها ، ولم يتأمّل أحد إلّا الشارح ، لما ذكره من عدم فهمه (٤) ، وأنّ الله أيضا لم يفهّمه.

قوله : [ كلّما صدق عليه أنّه تصرّف ] فهو مسقط عندهم. قال في « التذكرة » : ولو كان شيئا [ خفيفا ] .. إلى آخره (٥).

وقد مرّ دليله ووجهه عند ترجمة قول المصنّف : ( ولو شرطا سقوطه .. إلى آخره ) (٦).

قوله : ما رأيت دليلا على كون التصرّف مطلقا [ مسقطا ] .. إلى آخره (٧).

قد عرفت الدليل ، وبيان التصرّف المسقط ، والمراد من الرواية جميعا.

قوله : [ لما تقدّم ] من أنّ التصرّف في خيار الغبن وخيار المجلس ليس بمسقط .. إلى آخره (٨).

لم يظهر عدم مسقطيّة التصرّف لخيار المجلس ، وأمّا عدم مسقطيّته لخيار الغبن ما دام المغبون جاهلا فظاهر ، لعدم دلالة التصرّف حينئذ على الرضا بالبيع حين معرفة الغبن وبعدها ، فإنّ التصرّف المسقط لا بدّ أن يكون دليلا على الرضا

__________________

(١) في د ، ه : ( فيما ذكره واختاره ).

(٢) في النسخ ( تصريح ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

(٣) مسالك الأفهام : ١ ـ ١٤٢.

(٤) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٢.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٢ ، تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٥٣٠.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٩٦ ، وقد مرّ في الصفحة : ٢٣١.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٢.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٢.

٢٥٥

والإسقاط كما عرفت ، فتأمّل.

قوله : إن كان التصرّف من المشتري في المبيع [ فمعنى سقوط الخيار واضح ] .. إلى آخره (١).

لا يخفى أنّ المتبادر من العبارة هذه وما يقول بعد هذه : ( ولو تصرّفا أو تصرّف أحدهما .. إلى آخره ) (٢) ، أنّه يتصرّف المتصرّف فيما هو تحت تصرّفه من جهة كونه ملكه المتزلزل من جهة خياره في الفسخ والإمضاء ، فإنّه إذا تصرّف يكون تصرّفه مسقطا لخياره ، ورفع التزلزل عن ملكه ولزومه على قياس ما مرّ في الخيارات المختصّة ، بل ما ذكره في موضع آخر صريح فيما ذكرناه ، لاحظ « القواعد » (٣) وغيره.

والمراد من سقوط الخيار ، بقاء العقد على حاله إلّا أنّه يسقط الخيار الّذي يترتّب على ذلك العقد ، لا أنّه يبطل ذلك العقد ويزول أثره بالمرّة.

وكون المراد ما ذكرناه مقطوع به من ملاحظة كلام الأصحاب في جميع مباحث الخيارات ، فالاعتراض على هذه العبارة لا وجه له أصلا ورأسا ، ولا حاجة إلى جواب الشارح ، بل جوابه أيضا لا وجه له أصلا ، إذ لو فسخ أحدهما البيع انفسخ من الطرفين ، فلا يبقى لقوله : ( خاصّة ) (٤) معنى.

وبالجملة ، تصرّف كلّ واحد منهما في ملكه مسقط للخيار ، أمّا التصرّف في

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٢ ، وورد في ج : ( قول المصنّف : فلو تصرّف أحدهما .. إلى آخره ) بدلا من هذه العبارة.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٥ ، إرشاد الأذهان : ١ ـ ٣٧٥.

(٣) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٤٣.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٢ ، إرشاد الأذهان : ١ ـ ٣٧٥.

٢٥٦

ملك الآخر فحرام غير جائز ، إلّا أن يجعل ملك نفسه ويتصرّف في ملك نفسه ، لا أنّه (١) بعد التصرّف يتحقّق سقوط الخيار ، كما هو الظاهر أيضا من هذه العبارة ، مع أنّ التصرّف في ملك الغير له وجوه :

منها ، أن يكون بإذنه عارية ، وهذا لا يوجب الفسخ جزما.

ومنها ، أن يكون غصبا ، وهذا أيضا غير ظاهر في الفسخ ، بل ظاهر في عدم الفسخ ، إلّا أن يدلّ دليل على كونه فسخا بعنوان ، وما وجدنا.

ثمّ لا يخفى أنّ هذه العبارة بالنسبة إلى الخيار المشترك لا المختصّ ، كما هو الظاهر منها وصرّح في « القواعد » وغيره (٢) ، فلا وجه لما ذكره الشارح بقوله : ( على أنّ الظاهر .. إلى آخره ) (٣) ، كما أشرنا إليه سابقا.

وأعجب من هذا قوله : ( ودلّت على أنّه لو تصرّف المشتري أيضا فيه .. إلى آخره ) (٤) ، إذ المراد من التصرّف التصرّف ممّن له الخيار جزما ، لا ممّن ليس له الخيار أصلا أيضا ، فتأمّل جدّا.

قوله : وقد عرفت عدم فهمنا دليلها .. إلى آخره (٥).

لا شبهة في عدم فهمكم ، وإلّا لما كان يطعن أو يتأمّل ، ولما احتاج إلى توجيه كلماتهم ، لكن عالما يعجز عن التوجيه ، ويقول : ( هم أعرف منّي ) (٦) ، ( وظنّي لا يغني من جوعي ، فكيف جوع غيري ). وغير ذلك؟!

__________________

(١) في د ، ه : ( إلّا أنّه ).

(٢) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٤٣ ، تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٥٢٨.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٣.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٣.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٣.

(٦) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٤.

٢٥٧

قوله : ويؤيّده ما تقدّم من مرسلة إسحاق بن عمّار (١) .. إلى آخره (٢).

الأمر كما ذكره ، وهو الّذي أشرنا إليه من أنّ رفع حاجة الناس بالنحو الّذي يذكره الشارح صار مقتضيا ، فصحّة ما ورد في مرسلة إسحاق المنجبرة بالشهرة بيّن ، وغيرها من جواز الفسخ مع التصرّف من المشتري في المبيع والبائع في الّذي أخذه فردا للكلّي الّذي هو الثمن ، كما عرفت ممّا ذكرنا سابقا ، فصار من قبيل المستثنى من قاعدة كون التصرّف مانعا.

وأشرنا إلى ما يصلح لكونه مستندا للفقهاء ، وإلّا فلا شكّ في أنّ ما اتّفقوا عليه من كون التصرّف مانعا حتّى في خصوص خيار الشرط أيضا ، ولذا صرّحوا بذلك دفعا للتوهّم الّذي صدر من الشارح من جعله خيار ارتجاع المبيع بردّ الثمن بالنحو الّذي [ يجعله ] داخلا في خيار الشرط الّذي ذكروه أوّلا ، ثمّ عطفوا عليه خيار ارتجاع الثمن ، وصرّحوا في كلماتهم بأنّه اشتراط ارتجاع المبيع لا غيره بردّ الثمن على حسب ما ذكرناه.

وعرفت أنّه مستثنى من قاعدتهم في كون التصرّف مسقطا ، ولذا ذكروا ما ذكروا بأن خصّصوا بما خصّصوا ، لكونه بخصوصه مورد الإجماع (٣) والنصوص (٤) ، والله يعلم.

وفي « المسالك » أظهر الشهيد ذلك (٥) ، بل بعضهم ما اعتبر هذا الخيار من جهة المنافاة ، لكون التصرّف مسقطا ، المسلّم الثابت عند الفقهاء ، ولم يعتبر

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٩٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٩ الحديث ٢٣٠٤٧.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٣.

(٣) راجع! مفتاح الكرامة : ٤ ـ ٥٦٥.

(٤) راجع! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٨ الباب ٧ من أبواب الخيار.

(٥) مسالك الأفهام : ١ ـ ١٤٢.

٢٥٨

الإجماع عليه.

قوله : [ للأصل ] والأدلّة المتقدّمة مع عدم دليل في السقوط بالتصرّف مطلقا .. إلى آخره (١).

كلمات الشارح في هذا المقام أيضا واضحة في اعتبار مثل الثمن ، ومثل المبيع لا أزيد منهما ولا أنقص أصلا ولا المباين ، ولا اشتراط عدم ردّ عوض أصلا.

إلى غير ذلك ممّا كتبناه في الحواشي السابقة وألزمناه بالقول بصحّة جميع هذه الصور الفاسدة ، والبناء على أنّ المقام مقام خيار الفسخ ، والفسخ ليس معناه إلّا ردّ كلّ من العوضين إلى صاحبهما بالنحو الّذي كان قبل العقد يلزمه عدم اعتبار جميع ما يصحّحه في المقام ، والقول بما أفتى الفقهاء به لا أزيد ، والاعتراف بأنّ التصرّف والتبديل يوجب عدم كون عوض العوضين واحدا أصلا ، لأنّ اشتراطه التزام بالعقد لا فسخ له ، كما عرفت مبسوطا.

فيكون دليل كون التصرّف مسقطا في غاية الوضوح ، ولا أحتاج إلى تأويل كلمات الفقهاء ممّا هو ظاهر الفساد ، بل لا يفهم منه معنى ، وتعيّن كون التصرّف مسقطا لخيار الشرط لا خيار ارتجاع المبيع ، فكلام في غاية الوضوح (٢) في إرادتهم من خيار الشرط هو الّذي ذكروه بهذا العنوان ، لا ما ذكروه بعنوان اشتراط ارتجاع المبيع ، كما لا يخفى.

قوله : ويمكن حمل كلام الأصحاب ، من (٣) أنّ التصرّف في خيار الشرط مسقط [ على غير الصور الّتي ذكرناها ] .. إلى آخره (٤).

كلام الأصحاب إنّما يحمل على ما يفهم من ألفاظ ،

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٤.

(٢) في د ، ه : ( فكلام في المقام في غاية الوضوح ).

(٣) لم ترد ( من ) في المصدر.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٤.

٢٥٩

وبناء معهم (١) إنّما يكون عليه سيّما إذا اتّفقت كلماتهم ، ودعوى القرينة الصارفة من جهة أنّه ما فهمه فيه ما فيه ، فإنّ كلماتهم جلّها شامل فيها ، ولذا يقول : ( لا أفهم ، الله يفهمني الدليل ) (٢).

إلى غير ذلك ممّا صرّح به ويصرّح ، و ( هو أعلم منّي (٣) ، وأعلم بمزيّات لا تحصى ) ، ومرّ منه قدّس سره عند شرح قول المصنّف : ( وكلّما يذكر في متن العقد ) التصريح بأنّ ظاهر الفقهاء عدم الانعقاد (٤) ، فلاحظ كلامه ومراده من المعلّق!.

قوله : هذا كلّه مع عدم الدليل أصلا على ما رأيناه (٥).

الدليل ـ على حسب اطّلاعي القاصر ـ مضافا إلى ما مرّ في الحواشي السابقة رواية السكوني ، عن الصادق عليه‌السلام : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى فيمن (٦) اشترى ثوبا فيشترط (٧) إلى نصف النهار ، فعرض له ربح فأراد بيعه ، قال : ليشهد أنّه قد رضيه واستوجبه (٨) ، ثمّ ليبعه (٩) ، فإن أقامه في السوق ولم يبعه (١٠) فقد وجب عليه » (١١) ، والدلالة في غاية الوضوح مع شدّة التأكيد بقوله : « ليشهد أنّه قد رضيه

__________________

(١) كذا ، والظاهر أنّها : ( وبناء فهمهم ).

(٢) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٢.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٥ ، مع اختلاف يسير.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤٧.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤١٤.

(٦) كذا ، وفي المصدر : ( في رجل ).

(٧) كذا ، وفي المصدر : ( بشرط ).

(٨) كذا ، وفي المصدر : ( فاستوجبه ).

(٩) في المصدر : ( ثمّ ليبعه إن شاء ).

(١٠) كذا ، وفي المصدر : ( ولم يبع ).

(١١) الكافي : ٥ ـ ١٧٣ الحديث ١٧ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٣ الحديث ٩٨ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٥ الحديث ٢٣٠٥٩.

٢٦٠