حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

قوله : ويحتمل أن يكون سبب الإجمال التقيّة. ويؤيّد عدم الحمل على الظاهر أنّه غير مراد [ بالاتّفاق ] .. إلى آخره (١).

التفصيل والتحقيق في مقام الجواب وذكر شرائط الصحّة ، وأنّه إن كان بهذه الشرائط يصحّ وإلّا فلا ممّا لا يلائم الحمل على التقيّة كما لا يخفى ، وكذا لا يلائم التوسعة والحلّية (٢) بقوله عليه‌السلام : « لا بأس حتّى يعرف الحرام بعينه » ، مع أنّ الحمل على التقيّة خلاف الأصل ، والظاهر لا داعي إليه سيّما مع كون الحكم من المسلّمات عند الشيعة ، ولا أقلّ من كونه من المشهورات عندهم على فرض وجود مخالف منهم ، مع أنّه لم يوجد أصلا ، وأخذه ليس بحلال له لا لنا ، وأخذه حرام لا نفسه ، وهو ظاهر.

قوله : ألا ترى أنّ أخذ الزكاة لا يجوز منهم مطلقا .. إلى آخره (٣).

فيه ما فيه ، إذ لا نعلم مأخذه ، ولا ما يشير إليه ويوهمه ، ولا أحدا ذكره.

نعم ، إذا صار منشأ لذلّته واستخفافه ومهانته لا شبهة في المنع عنه في حال الاختيار ، لأنّ الله تعالى لم يرخّص المؤمن في إذلال نفسه ، لكن هذا غير مختصّ بأخذ الزكاة منهم ، ولا كلّ أخذ الزكاة منهم يوجب الذلّة ، سيّما إذا أعطوه بعنوان الهبة والجائزة والهديّة.

ومع ذلك ربّما كانت الذلّة تحصل له إذا أخذ من الشيعة ، بل لا نجد فرقا في حصوله بين أن يأخذ منهم أو من الشيعة ، فتأمّل.

قوله : [ على العموم ] الّذي تقدّم ، والعجب أنّه قال في الرسالة المنفردة [ : هذا نصّ في الباب ] .. إلى آخره (٤).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٠٢.

(٢) في ب : ( في الحليّة ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٠٣.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٠٤.

٤١

لا يخفى أنّ بيت المال مجمع هذه الأموال ، بل غالبه هذه الأموال لو قلنا بوجود غيرها فيه ، لأنّه الّذي عند الخلفاء الأمويّة والعباسيّة ، وتدلّ هذه على جواز أخذ ما هو من بيت المال منهم على العموم ، وإن لم تدلّ على العموم الّذي ذكره (١) ، إذ الأدلّة الفقهيّة لا يجب أن يكون كلّ واحد منها وافيا لتمام المطلب ، بل يكفي الحصول من المجموع. هذا مع أنّه لا قائل بالفصل ، فتأمّل جدّا.

وبالجملة ، تخصيص بيت المال بالفرض البعيدة غاية البعد وإخراج الفروض المتعارفة الشائعة الغالبة المعروفة المعهودة. فيه ما فيه.

قوله : والظاهر أنّها صحيحة ، ولكن لا دلالة فيها أصلا على المطلوب .. إلى آخره (٢).

لا يخفى أنّ ظاهر الرواية (٣) العموم ، إذ يشمل ما إذا علم أنّها من عمله ، سيّما وبعض العمّال دراهمه منحصرة في الأخذ ممّا يعمله معروف بذلك.

وأيضا ، لو كان مراد السائل ما ذكره الشارح ، لكان المناسب أن يأتي بلفظ الدراهم منكّرا غير معرّف باللام ، فتأمّل.

على أنّ الظاهر من الرواية عدم الكراهة أيضا ، فهذا يؤيّد كون السؤال عن خصوص الدراهم الّتي هي محصول عمله ، فتأمّل.

قوله : وإن سلّم أنّه أحمد بن محمّد بن عيسى الثقة ، والحسن بن علي بن فضّال .. إلى آخره (٤).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٠٤ قوله : ( والتعدّي إلى الأعمّ ممّا في الأصل ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٠٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١٠٨ الحديث ٤٥٠ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٣٨ الحديث ٩٤٢ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢١٣ الحديث ٢٢٣٥٧.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٠٦ ، وورد في ب ، ج ، حاشية د : ( مع ضعف الطريق

٤٢

لا وقع لهذه الاعتراضات ، إذ لا تأمّل في كون أحمد هذا ابن محمّد بن عيسى ، أو محمّد بن خالد وكلاهما ثقتان (١) ، والحسن بن علي ممّن أجمعت العصابة ، وممّن لم يعثر له على زلّة (٢) ، وأبان ممّن أجمعت العصابة (٣) ، بل من الأعاظم الأجلّة كما حقّقنا ، وإن نسبه إلى الناوسيّة علي بن الحسن الفطحي (٤) ، وإسحاق موثّق (٥) ، بل ربّما كان الثقة كما حقّقنا.

والدلالة واضحة ، إذ لم يقل : يشتري من العامل شيئا ، بل قال : « من العامل وهو يظلم » (٦) ، وهذا ظاهر في أنّه يعتقد أنّ مجرّد كونه عاملا ، ومن حيث عامليته ليس بظلم ، وأنّ مراده من ظلمه غير عمله ، وأظهر منه جواب المعصوم عليه‌السلام.

على أنّ السند والدلالة ينجبران بعمل الأصحاب ، وطريقة الشيعة الظاهرة ، وتعاضد الأخبار الكثيرة بعضها ببعض سندا ودلالة ، ومنه يظهر الجواب عن أكثر اعتراضاته.

قوله : فعلم (٧) أن لا إجماع .. إلى آخره (٨).

هذا لا ينافي كون غير محلّ الخلاف إجماعيّا ، بل يعضده ويشهد له.

والإضمار ) بدلا من قوله : ( وإن سلّم. علي بن فضّال ).

__________________

(١) جامع الرواة : ١ ـ ٦٣ و ٦٩.

(٢) جامع الرواة : ١ ـ ٢١٤.

(٣) جامع الرواة : ١ ـ ١٢.

(٤) جامع الرواة : ١ ـ ١٢.

(٥) جامع الرواة : ١ ـ ٨٢ ـ إسحاق بن عمّار.

(٦) وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢٢١ الحديث ٢٢٣٧٩.

(٧) كذا ، وفي المصدر : ( فيعلم ).

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٠٧.

٤٣

قوله : وأمّا إذا لم يعلم أحدهما فهو محلّ الخلاف .. إلى آخره (١).

مقتضى كلام الطرفين أنّه مسلّم عند الطرفين جميعا أنّه لا بدّ من إذن صاحب المال ورضاه ، حتّى يصير حلالا ، وهذا هو القاعدة المسلّمة عندهم ، فمع عدم العلم بالإذن كيف يصير محلّا للخلاف؟! بل لا بدّ من الحكم بالمنع حتّى يثبت الإذن.

إلّا أن يكون مراده رحمه‌الله من عدم العلم عدم ظهور الأمر من الخارج ، لكن ربّما يشكل حينئذ الاستدلال بالحديث ، لأنّه إن ظهر من كلام صاحب المال الإذن والرضا يكون الأخذ حلالا البتّة ، فكيف يستدلّ بالحديث على الحرمة؟! وإن لم يظهر منه إذن يكون حراما لا محالة ، فكيف يحتجّ بالحديث على الحرمة؟! فالعبرة ـ حينئذ ـ بدلالة كلامه وعدمها ، ولا بدّ من حمل أخبار الطرفين على ما يوافقه ويطابقه ، إلّا أن يكون المراد الاستدلال بالحديث على دلالته وعدمها ، فتدبّر.

قوله : لأنّ ظاهر الأمر بالدفع يقتضي الدفع إلى غيره .. إلى آخره (٢).

هذا ، مضافا إلى أصالة عدم الجواز ، وعدم الإباحة ، وعدم الانتقال ، وعدم الملكيّة ما لم يثبت شي‌ء منها.

أمّا بالنسبة إلى غير مثل الزكاة ممّا هو تبرّع ومحض جعل المالك وإعطائه فظاهر ، لأنّه « لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا من طيب نفسه » (٣) ، فما لم يظهر الطيب ولم يعلم ـ كما هو المفروض ـ لا يكون حلالا ، فضلا عن الانتقال والملكيّة.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١١٠.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١١٠.

(٣) عوالي اللآلي : ٢ ـ ٢٤٠ الحديث ٦ ، مسند أحمد بن حنبل : ٦ ـ ٦٩ ضمن الحديث ٢٠١٧٢ مع اختلاف يسير ، وبمعناه : وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٣٨٦ الحديث ٣٢١٩٠.

٤٤

وأمّا بالنسبة إلى مثل الزكاة ، فلأنّ مجرّد تحقّق الزكاة ـ مثلا ـ في مال لا يتعيّن قدر في كونه الزكاة ، ولا يتعيّن مستحقّ في كونه المالك لذلك القدر ويجوز له التصرّف ، بل يتوقّف كلّ واحد من الأمرين على رضاه وتعيينه وإعطائه ، أو من هو بحكم المالك ، وهذا ظاهر ومسلّم عند الكلّ.

قوله : غير صحيحين ولا صريحين ، وفي أحدهما دلالة .. إلى آخره (١).

السند منجبر بعمل الأصحاب أكثرهم ، والظهور يكفي ، بل لا تأمّل في الدلالة على المنع ووضوحها ، ومع ذلك ينجبر السند والدلالة بالقاعدة المسلّمة المقطوع بها ، الثابتة من الكتاب والسنّة والإجماع والأصول المسلّمة ، وهي عدم جواز التصرّف في ملك الغير ما لم يثبت إذنه ، وما نحن فيه منها كما هو المفروض ، إذ بعد ثبوت الإذن لا نزاع ، وقد عرفت من ذلك وممّا تقدّم أنّه لا حاجة إلى دعوى ظهور التغاير كما ادّعاه المحقّق الشيخ علي (٢) ، وإن كان دعواه حقّا ظاهرا لا سترة فيه ، بل يكفي عدم ظهور عدم التغاير ، وأنّه لا بدّ للعموم والصحّة في المقام من ظهور الدخول والعموم (٣) بلا شكّ ولا شبهة.

على أنّه إن اعترض صاحب المال بأنّي ما قلت : اشتر من نفسك أو بع من نفسك أو خذ لنفسك ، فهل يجوز أن يقال في جوابه : كذبت بل قلت؟! ولو أجاب مجيب كذلك كذّبه أهل العرف بلا تأمّل.

قوله : ولأنّ ظاهر قوله : اشتر أو بع أعمّ ، والظاهر .. إلى آخره (٤).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١١٠ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٥٢ الحديثان ٩٩٨ و ٩٩٩.

(٢) أي الشيخ علي بن الحسين الكركي ، المحقّق الثاني المتوفّى سنة ٩٤٠ ه‍. جامع المقاصد : ٨ ـ ١١٠.

(٣) في د ، ه : ( في العموم ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١١٠ ـ ١١١.

٤٥

دعوى الظهور لا يخلو عن إشكال ، بل الظاهر خلافه ، إذ لا يفهم منه الاشتراء أو البيع من نفسه ، ولا ينصرف الذهن إليه ، ولا يتبادر إلى الذهن قطعا ، سيّما إذا عرف الموكّل أنّ عند الوكيل يكون المبيع أو الثمن ، وأنّه يبيع أو يشتري ، مع أنّه كثيرا لا يؤمنون عليه في الشراء من نفسه أو البيع منه ، لأنّ النفس أمّارة بالسوء ، إلّا ما رحم ربّي (١) ، غدّارة لا وثوق عليها إلّا بعد مجاهدات ورياضات ، وقلّ من ينجو منها ويتسلّط عليها ، فتأمّل.

هذا كلّه ، على القول بجواز اتّحاد طرفي العقد ، وأمّا على القول بعدم الجواز أو التوقّف فيه وكون العامل عالما بذلك أو متوقّفا ، فلا شبهة في عدم العموم.

قوله : وفيه تأمّل ، للإضمار .. إلى آخره (٢).

لا تأمّل في أنّ مثل هذا الجليل الثقة (٣) لا يسأل مثلها عن غير الإمام.

وقال العلّامة في « التحرير » : إنّه رواها عن الصادق عليه‌السلام (٤) ، فلاحظ.

قوله : لدخوله تحت عموم اللفظ ، والأصل عدم التخصيص .. إلى آخره (٥).

محلّ نظر ، لأنّ المدار في العموم على الفهم والتبادر ، لا على ما وضع له اللفظ على الأظهر ، لعدم دليل على حجّية اللفظ في أزيد من المتبادر ، وربّما لم يتبادر العموم حال كونه مخاطبا ودافعا (٦) ، ومع القرينة يفهم جزما ، ودخوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الّذين آمنوا وغيره من دليل من الخارج لا يقتضي كونه متبادرا أيضا ، بل لا تأمّل

__________________

(١) أثبتنا عبارة ( إلّا ما رحم ربّي ) من : الف.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١١١.

(٣) أي : عبد الرحمن بن الحجّاج. وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢٧٧ الحديث ٢٢٥١٤.

(٤) تحرير الأحكام : ١٦٢.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١١٢.

(٦) في ألف ، ب ، ج ، ه : ( وواقعا ).

٤٦

في عدمه.

والوكيل بمنزلة الموكّل فيما ثبت وكالته فيه ، لا ما لم يثبت ، مع أنّ الأصل العدم حتّى يثبت وبعد الثبوت لا كلام لأحد.

على أنّ ما ذكره يتمشّى فيما إذا قال صاحب المال : هذا مال المستحقّين ـ مثلا ـ ومنوط برأيك ونظرك ، وأمثال هذه العبارة ، لا أن يقول : أعطه الفقراء وقسّمه عليهم ، فإنّه في غاية الظهور في الإخراج عن نفسه والإعطاء لغيره.

وهذا وأمثاله هو محلّ النزاع كما لا يخفى على المتأمّل ، بل وعلى فرض كون محلّ النزاع أعمّ لا يتمّ أيضا ما ذكره إلّا فيما أشرنا إليه.

قوله : [ ولأنّه وكيل ] فهو بمنزلة الموكّل فكما يجوز له إعطاؤه .. إلى آخره (١).

لا شكّ في أنّ الوكيل بمنزلة الموكّل فيما هو وكيل فيه لا في غيره ، بل يحرم تصرّفه في الغير ، والوكالة ليست الإذن والرخصة ـ كما سيجي‌ء ـ فما ثبت الإذن فيه والرخصة فلا نزاع ، وما لم يثبت كان اللازم عدم النزاع في عدم صحّة تصرّفه فيه ، وعدم جوازه وحرمته وضمانه ، فما أدري لم وقع النزاع فضلا عن ترجيح جواز التصرّف وصحّته ، فإن كان كان الإذن والرخصة في أن يأخذ لنفسه ثابتا فلا نزاع لأحد فيه كما صرّح به ، وإلّا فكيف يتصوّر النزاع بالنحو الّذي ذكروه ، بل بغير ذلك النحو أيضا؟! فإن قلت : لعلّ محلّ النزاع هو ما إذا ظهر الدخول وظنّ ، لا ما إذا تيقّن.

قلت : ليس كذلك ، فإنّ ظهور الدخول ليس محلّ نزاعهم ، كما لا يخفى على من لاحظ كلامهم وتأمّل فيه حتّى كلام الشارح أيضا ، مع أنّه على هذا أيضا لا وجه للنزاع ، فتأمّل.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١١٢.

٤٧

قوله : وعبد الرحمن رمي (١) بالكيسانيّة .. إلى آخره (٢).

لا ضرر فيه أصلا ، إذ لا يسلم جليل من قدح ، حتّى مثل زرارة ومحمّد بن مسلم وأضرابهما ، وهشام بن الحكم وأضرابه ورد فيهم مطاعن كثيرة ، كلّها أجابوا عنها ، كما أجابوا عن هذا الرمي (٣) ، ولا شكّ في أنّه ليس من الكيسانيّة ، بل هو من أعاظم الفرقة المحقّة.

قوله : [ أو على ] ما علم إرادة عدم دخوله بقرينة .. إلى آخره (٤).

لا يتوقّف على العلم ، بل يكفي الظن والظهور أيضا ، بل يكفي عدم ظهور الدخول ، لما عرفت.

قوله : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها ويضعها .. إلى آخره (٥).

يمكن أن يقال : إنّ مقتضى ظاهر مضمون هذه الرواية والرواية السابقة (٦) من كلام صاحب المال العموم بحيث يشمل الوكيل فيخرج عن محلّ النزاع ، وعلى تقدير تسليم عدم ظهور الشمول لا بدّ من حملها على صورة ظهوره ، لما عرفت سابقا.

قوله : [ لا يجري فيه إلّا ] تأويل واحد في أخبار كثيرة بحملها على الجواز مع الإذن .. إلى آخره (٧).

لا يخفى أنّ المراد من الإذن ما هو ظاهر من إطلاق العبارة ، فلا ينافيه ما

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( يرمى ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١١٢.

(٣) جامع الرواة : ١ ـ ٤٤٧.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١١٢.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١١٣ ، والرواية في : وسائل الشيعة : ٩ ـ ٢٨٨ الحديث ١٢٠٤١.

(٦) وسائل الشيعة : ٩ ـ ٢٨٨ الحديث ١٢٠٤٠.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١١٣ ـ ١١٤.

٤٨

ذكره أنّه لا يجوز له أن يأخذ ، فتأمّل.

على أنّه قد عرفت أنّ هذا الحمل لا بدّ منه قطعا ، وأنّه لو لم يظهر من كلامه الإذن يكون حراما جزما ووفاقا ، وأنّ ذلك مقتضى القاعدة المسلّمة الثابتة.

قوله : [ ما قبله هو الّذي ] ما سمّي فيه موضعا .. إلى آخره (١).

لا يبعد أن يقال : إنّ مثل قوله أعطه الفقراء ممّا هو ظاهر في الإعطاء لغيره ، والإخراج عن يده داخل في قوله : « إذا أمره أن يضعها .. إلى آخره » (٢) ، إذ لا فرق بين ذلك وبين أن يقول : أعطه غيرك وأخرجه عن يدك ، إلّا الظهور والصراحة ، وهذا داخل جزما في قوله : « إذا أمره .. إلى آخره » ، ولا فرق بين الظهور والصراحة في الأدلّة اللفظية من حيث الحجّية ووجوب العمل به.

قوله : ولا شكّ أنّ قوله : أعط الفقراء [ وفرّقه فيهم يدلّ على إعطاء نفسه ] .. إلى آخره (٣).

فيه أيضا تأمّل ، والاحتمال باق لو لم نقل بكون ما ذكره خلاف الظاهر ، مع أنّ الأخذ يحتاج إلى إذن ثابت يوثق به ، إذ « لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا من طيب نفسه » (٤) فتأمّل.

قوله : ثمّ إنّ الظاهر أنّه لا كلام في جواز إعطائه لأهله وعياله .. إلى آخره (٥).

إذا لم يكن تهمة ولا دناسة ودناءة ، ولم يكن ظهور وتبادر في إعطاء

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١١٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ ـ ٢٨٨ الحديث ١٢٠٤١.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١ ـ ١١٤.

(٤) عوالي اللآلي : ٢ ـ ٢٤٠ الحديث ٦ ، مسند أحمد بن حنبل : ٦ ـ ٦٩ ضمن الحديث ٢٠١٧٢ مع اختلاف يسير ، وبمعناه : وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢٥ ـ ٣٨٦ الحديث ٣٢١٩٠.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١١٤.

٤٩

غيرهم ، والظاهر أنّ الصحيحة (١) محمولة على ما ذكرنا ، فتأمّل.

قوله : وفي الوصيّة لو كان دليل خاص [ يتّبع ، ولا يقاس ، وإلّا يناقش هناك أيضا ] .. إلى آخره (٢).

لا دليل لها سوى تبادر التسوية وظهورها من كلام الموصي ، فلا يمكن المناقشة ، كما إذا قال : نذرت لفلان وفلان عشرة فأعطوهما إيّاها ، أو قال : عيّنت لهما عشرة فأعطوهما ، أو قال : هذه العشرة حصّة فلان وفلان ، أو حقّ فلان وفلان ، أو سهم فلان وفلان فأعطوهما ، أو أعطي عشرة ، أو قال : قسّمها بين فلان وفلان ، فإنّ المتبادر من جميع ما ذكر التسوية ، وإذا قال : خذ هذه العشرة وهي زكاة وأعطها فلانا وفلانا ، أو قسّمها بين فلان وفلان ، فلا يبعد أن يكون المتبادر ـ أيضا ـ التسوية ،

مع احتمال كون الأمر في الإعطاء والتقسيم إلى نظره كمّا وكيفا ، لكن الأوّل لعلّه أظهر ، وعلى تقدير عدم كونه أظهر كون الثاني أظهر غير ظاهر ، فالأوّل متيقّن (٣) ، والثاني مشكوك فيه فيها ، فكيف [ المتيقّن ] صحّته يصحّ العدول عنه إليه؟! نعم لو كان قرينة فلا كلام ، فتأمّل.

قوله : على أنّه يمكن أن يكون معنى قوله [ ( مثل ما يعطي غيره ) تشبيها في محض الإعطاء ] .. إلى آخره (٤).

هذا بعيد ، سيّما بالنسبة إلى الخبر الأوّل ، مع أنّ فتح هذا الباب للنفس الأمّارة الغدّارة ربّما يكون مشكلا ، بأنّه ربّما يأخذ لنفسه الكلّ أو إلّا شيئا قليلا ،

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١١٥ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢٧٧ الحديث ٢٢٥١٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١١٥.

(٣) في د ، ه : ( متيقّن صحّته ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١١٥.

٥٠

والمناسب لطريقة الشرع سدّ هذا الباب ، ولهذا أمروا عليهم‌السلام بأن يأخذ مثل غيره ، فتأمّل.

٥١

آداب التجارة

قوله : يستحبّ التفقه ، لما كان من التجارة ما هو حرام ومكروه .. إلى آخره (١).

لا شكّ في وجود واجبات ومحرّمات في التجارة ، ويجب الامتثال ، ويتوقّف على المعرفة ، وما لا يتمّ الواجب المطلق إلّا به فهو واجب ، فكيف يحكم بالاستحباب؟! وخلاصة عذر الشارح ، أنّ الواجب والحرام معلومان للمتعارف والغالب من الناس ، والأحكام الفقهيّة إنّما تكون بالنسبة إلى الغالب لا النادر (٢).

وفيه ، أنّ الأحكام الفقهيّة إنّما تذكر لجميع المكلّفين ، وتكون بالنسبة إلى الكلّ ، ولذا يتعرّض الفقهاء لحال الفروض النادرة غاية الندرة ، حتّى أنّه ربّما لم يكن في الدهر لها مصداق ، بل ربّما لم يوجد لها مصداق أصلا ، كما لا يخفى.

مع أنّ الغالب يكونون عالمين بجميع المحرّمات والواجبات فاسد خلاف المشاهد ، مع أنّ كثيرا من العبادات ربّما يكون كثير من أحكامها معلوما عند الأكثر ، ومع ذلك يتعرّض الفقهاء ، بل ربّما يتعرّضون للضروريّات فضلا عن النظريّات.

ويمكن أن يعتذر بأنّ ما ذكر بناء على عدم وجوب مقدّمة الواجب ، كما هو

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١١٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١١٦.

٥٢

أحد القولين ، بل هو الأقوى بالنظر إلى الدليل ، لكن المعروف من المشهور حكمهم بوجوبها شرعا ، إلّا أن يقال : غير ظاهر أنّ الواجب هنا مطلق ، حتّى تكون مقدّمته واجبة ، بل ربّما يقيّد بقيد العلم والمعرفة ، ويكون الجاهل معذورا ، لكن هذا أيضا خلاف ما عليه المشهور ، بل جميع الفقهاء ، فإنّ الجاهل ليس عندهم معذورا إلّا في قليل من المواضع الّتي نصّ الشرع على المعذوريّة (١).

وهذا هو مقتضى الأدلّة كما حقّق في محلّه وإن توقّف فيه شاذّ غفلة ، إلّا أن يقال : واجبات التجارة ومحرّماتها في الغالب وجوبات (٢) شرطيّة لصحّة التجارة ، لا شرعيّة على تركها العقاب ، وأمّا الوجوبات (٣) الشرعيّة فأكثرها من عوارض التجارة ، وليست من أحكامها بنفسها ، مثل الاكتساب لحفظ النفس وحفظ نفس واجب النفقة وأداء الدين. إلى غير ذلك.

وأمّا القليل منها وإن كان من أحكام التجارة مثل : حرمة الربا ووجوب الوفاء بالعقد الصحيح ، فلعلّه من ضروريّات الدين الآن.

أو يقال : مراده من استحباب التفقّه معرفة جميع أحكام التجارة ، لا خصوص الواجب والحرام ، فإنّ وجوب معرفته معلوم من قولهم : يجب الوفاء ، وقولهم : حرم الربا ، فتأمّل.

قوله : [ فمحمول ] على الجواز وعدم (٤) الغبن الفاحش [ جهلا ] .. إلى آخره (٥).

لعلّ الأولى الحمل على ما إذا وقع المعاملة مع غير المؤمن ممّن لا حسن في

__________________

(١) في ب : ( معذوريّته ).

(٢) في د ، ه : ( واجبات ).

(٣) في د ، ه : ( الواجبات ).

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( وعلى عدم ).

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١١٨.

٥٣

المساهلة معه في إعطاء المال له ولا ثواب ، ولهذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا محمود ولا مأجور » (١) ، بخلاف ما إذا وقع مع المؤمن ، فإنّ المساهلة معه في ما ذكر محمودة ومأجورة.

نعم ، المعاملة مع غيره ربّما تكون المساهلة مطلوبة إذا أدّى المماسكة إلى استخفاف ودناءة عند أهل ذلك الزمان والمحل بالنسبة إليه ، فتأمّل.

قوله : ولهذا ما قالوا بوجوب التسوية بين الإخوان في الأموال والجوع والشبع وغير ذلك ، للأصل .. إلى آخره (٢).

ولأنّ الظاهر من أحوال أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام والفقهاء المتقدّمين والمتأخّرين في الأعصار والأمصار عدم الإلزام والالتزام على سبيل الوجوب والحرمة ، حتّى أنّه نقل أنّ بعضا من الأئمة عليهم‌السلام ـ مثل الحسن عليه‌السلام ـ فعل ذلك في عمره مرّة أو مرّتين أو ثلاثا (٣) ، وأيضا ثبت من الأخبار الكثيرة المعمول بها أنّ الّذي يجب نفقته هو الوالدان والولد والزوجة والمملوك (٤) ، وفي شاذّ منها الوارث الصغير (٥) أيضا ، وإجماعي أنّه لا يجب نفقة غير هؤلاء (٦) ، مع أنّ هؤلاء إنّما يجب نفقتهم لا التقسيم والمواساة ، والمساواة ، وأيضا ثبات من الأخبار

__________________

(١) الكافي : ٤ ـ ٤٩٦ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٥ ـ ٢٠٩ الحديث ٧٠٢ ، الاستبصار : ٢ ـ ٢٦٧ الحديث ٩٤٧ ، وسائل الشيعة : ١٤ ـ ١٢٣ الحديث ١٨٧٧٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٣٢.

(٣) أسد الغابة : ٢ ـ ١٣ ، بحار الأنوار : ٤٣ ـ ٣٣٩ الحديث ١٣.

(٤) راجع! وسائل الشيعة : ٢١ ـ ٥٢٥ الباب ١١ و ٥٢٨ الباب ١٣ من أبواب النفقات.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ٥٩ الحديث ٢٠٩ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٢٩٣ الحديث ٨١٣ ، الاستبصار : ٣ ـ ٤٤ الحديث ١٤٨ ، وسائل الشيعة : ٢١ ـ ٥١٢ الحديث ٢٧٧٢٣.

(٦) نهاية المرام : ١ ـ ٤٧٢ ، مسالك الأفهام : ١ ـ ٤٦٦.

٥٤

المتواترة (١) وإجماعي (٢) ـ بل ضروري الدين ـ أنّ الّذي يملك الأموال إذا كان ماله من جملة الأصناف الّتي تجب فيها الزكاة لا يجب عليه للفقراء المؤمنين سوى قدر الزكاة ـ وهو العشر أو نصف العشر أو ربع العشر ـ لا أزيد ، ومع ذلك وجوب ذلك القدر بعد تحقّق شرائط كثيرة لو اختلّ واحد منها لم يجب شي‌ء أصلا ، وأمّا سوى الأصناف فلا يجب عليه لهم شي‌ء أصلا. نعم ، في بعضه يستحب ذلك المقدار بالشرائط ، وأمّا ما بقي فلا وجوب ولا استحباب ، فتأمّل.

وورد أنّ الله جعل في أموال الأغنياء للفقراء القدر المذكور خاصّة (٣) ، وفي بعض الأخبار أنّ ذلك هو الزكاة الظاهرة ، وأمّا الباطنة فهو أن لا تؤثر على أخيك ما هو إليه أحوج (٤) ، وأمثال هذه العبارة.

ومنه يظهر وجه الجمع وأنّ الظاهر من الباطن هو الاستحباب ، أو بالقياس إلى المقرّبين مطلقا أو بالنسبة إلى المقرّبين ، أو الأعم من الأوّل والثاني ، الثاني : بالنسبة إلى المقرّبين مطلقا أو بالنسبة إلى المقرّبين ، والأوّل على عمومه ، فتأمّل جدّا.

قوله : يكره للبلدي ـ وهو المراد بالحاضر ـ [ أن يقول : أنا أبيعه لك ] .. إلى آخره (٥)

مقتضى هذا ، اختصاص المنع بالبيع للبادي ، وصرّح في « التحرير » بعدم البأس بالشراء له (٦) ، لكن عبارة المتن ـ كغيرها من عبارات بعض الفقهاء ـ

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ ـ ٥٣ الباب ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه.

(٢) منتهى المطلب : ١ ـ ٤٩٧.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ ـ ١٠ الأحاديث ١١٣٨٩ و ١١٣٩٢ و ١١٣٩٥.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ ـ ٥٠ الحديث ١١٤٩٤.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٣٣.

(٦) تحرير الأحكام : ١٥٩.

٥٥

مطلقة (١) وفي « الغوالي » بعد ما أورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « ذروا الناس في غفلاتهم يعيش بعضهم مع بعض » (٢) قال : ( هذا يدلّ على كراهة (٣) توكّل الحاضر للبادي لينقص له في (٤) السعر أو يزيد ، فإنّ ذلك ممّا (٥) يحرم الناس التوسعة في الرزق. إلى آخر ما قال ) (٦) ووجه الاختصاص ، كون الأخبار المرويّة في كتبنا واردة بلفظ : « لا يبيع » (٧) ، ولما في رواية يونس بن يعقوب من التفسير (٨) ، فتدبّر.

قوله : وفيه تأمّل ، لوجود العلّة ، وهو مستفاد من الدليل .. إلى آخره (٩)

لا يخفى أنّ المتبادر من الأخبار الواردة في هذا الباب كون الخروج بقصد الشراء أو البيع (١٠) أيضا على احتمال ، وإذا خرج بقصد التلقّي والشراء وندم عن الشراء ولذا لم يشتر فلعلّه ـ أيضا ـ ليس من الأفراد المتبادرة.

قوله : ويمكن فهمه من العلّة [ وإن لم يكن في الرواية ] .. إلى آخره (١١)

ويمكن أن يقال بعدم تبادر تلك الصورة من الأخبار.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٣٣.

(٢) عوالي اللآلي : ٢ ـ ٢٤٦ الحديث ١٥.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( كراهية ).

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( من ).

(٥) لم ترد ( ممّا ) في المصدر.

(٦) عوالي اللآلي : ٢ ـ ٢٤٧ ، الهامش رقم ٢.

(٧) عوالي اللآلي : ٣ ـ ٢٠٦ الحديث ٤٠ و ٤١ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٤٤٤ الباب ٣٧ من أبواب آداب التجارة.

(٨) الكافي : ٥ ـ ١٧٧ الحديث ١٥ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٤٤٥ الحديث ٢٢٩٥٦.

(٩) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٣٥.

(١٠) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٤٤٢ الباب ٣٦ من أبواب آداب التجارة.

(١١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٣٥.

٥٦

قوله : فالقول بالتحريم بمثله (١) مشكل ، ولهذا اختار المصنّف الكراهة .. إلى آخره (٢)

لأنّ الأخبار ضعيفة السند فلا تصلح لإثبات التحريم.

لا يقال : الضعف منجبر بعمل الأصحاب ، لأنّ عمل الأصحاب بها لعلّه من تسامحهم في أدلّة السنن والكراهة ، بل الظاهر كونه كذلك ، لأنّ المشهور يقولون بالكراهة ، فالأكثر هو المعتبر في حكاية ضعف السند ، ولا يكفي عمل البعض ، سيّما مع مخالفة البعض الآخر له ، وخصوصا مع مخالفة الأكثر له.

وشمول هذه الأخبار للصلح والهبة المعوّض عنها ، من جهة إطلاق النهي عن التلقّي مع شمول العلّة الظاهرة ، وعلى تقدير وقوع البيع لا تأمّل في صحّته ، وإن قلنا بحرمة التلقّي ، وقلنا بأنّ النهي في المعاملات يقتضي الفساد ، لأنّ النهي تعلّق بما هو خارج عن البيع ، وهو التلقّي.

نعم ، إن وقع غبن فاحش فللبائع الخيار ، إذ « لا ضرر ولا ضرار » (٣) ، وهو على الفور ، لأنّه لرفع الضرر ، وهو حاصل به فلا يرفع اليد عن مقتضى الأدلّة الدالّة على صحّة البيع ، ولزومه أزيد من القدر الضروري ، ولو رضي البائع بالبيع بعد اطّلاعه على الغبن يجب على المشتري الوفاء ، لاية ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤) وغيرها ، ولا يمكنه فسخه بأنّه وقع غبن البائع فيه ، وهو ظاهر ، وممّا ذكر ظهر

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( لمثلها ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٣٦.

(٣) عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٠ الحديث ٩٣ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٢٨ الحديثان ٣٢٢٨١ و ٣٢٢٨٣.

(٤) المائدة ٥ : ١.

٥٧

حكم النجش ، فتدبّر.

قوله : ويحتمل الكراهة ، لأنّه وإن كان ذلك [ ، لكن ما ستروا في المبيع شيئا ] .. إلى آخره (١)

هذا الاحتمال فاسد ، إذ لا تأمّل في حرمة غشّ المؤمن ، كما يظهر من أخبار كثيرة (٢) ، وليست الحرمة منحصرة في الستر في المبيع ، بل حرمة الستر فيه من جهة حرمة الغشّ. نعم إن اطّلع المشتري على الغشّ ورضي بالبيع كما وقع يجب على البائع الوفاء به ، ولا يمكنه الاعتذار بوقوع الغشّ منه.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٣٧.

(٢) لاحظ! الكافي : ٥ ـ ١٦٠ باب الغشّ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ١٢ الأحاديث ٤٨ ـ ٥١ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢٧٩ الباب ٨٦ من أبواب ما يكتسب به.

٥٨

أركان التجارة

في العقد

قوله : [ يكفي كلّ ما يدلّ على قصد ذلك مع الإقباض ] ، وهو المذهب المنسوب إلى الشيخ المفيد من القدماء .. إلى آخره (١)

قال في « المختلف » : كلام المفيد يوهم ذلك (٢) ، والشهيد الثاني ادّعى الإجماع على عدم كونها بيعا وكرّر الدعوى ، بل صرّح بأنّه لو لا الإجماع لكان ما نسب إلى المفيد وبعض معاصريه متينا غاية المتانة (٣) ، فتأمّل فيما سنذكره في الحواشي الآتية ، وعند قول المصنّف : ( ولا ينعقد إلّا بلفظ الماضي ) (٤) ، وغير ذلك ، إذ بملاحظة الجمع والتأمّل فيها ربّما يظهر التأمّل في المتانة الّتي ادّعاها ، فتأمّل.

قوله : وهو المفهوم عرفا من البيع ، لأنّه كثيرا [ ما يقال في العرف ويراد ذلك ] .. إلى آخره (٥)

المستفاد من العبارة ، أنّ بعد ما تحقّق الأمر الدالّ على قصد ذلك لم يتحقّق البيع بعد حتّى يتحقّق الإقباض ، وفيه ما لا يخفى ، لأنّ الإقباض أمر خارج عن البيع وليس شرطا في تحقّقه أيضا. نعم ربّما يكون شرطا في صحّته في خصوص

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٣٩.

(٢) مختلف الشيعة : ٣٤٨.

(٣) مسالك الأفهام : ١ ـ ١٣٢.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤٥.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٣٩.

٥٩

بعض أفراد البيع مثل الصرف أو إقباض أحد العوضين مثل السلف والنسيئة حتّى لا يتحقّق بيع الدين بالدين ، أو الكالي بالكالي ، فهو أيضا بيع إلّا أنّه فاسد شرعا.

وبالجملة ، للبيع ماهيّة وأحكام ، وللإقباض ماهيّة وأحكام مثل تلف المبيع قبل القبض وبيعه قبل القبض. إلى غير ذلك ممّا سيجي‌ء جلّه.

اللهم إلّا أن يكون المراد أنّه ربّما يكون الدالّ على قصد ذلك نفس التقابض بمعونة القرائن ، ويكفي ذلك ، وإن كان ما سيجي‌ء من مباحث الإقباض والأحكام غير جار في هذه الصورة ، لكن ربّما يظهر منه ومن مشاركيه أنّ جميع الصور الّتي هي معاطاة عند المشهور بيع مع الإقباض ، ولا يخفى ما فيه من التحكّم والخروج عن الأدلّة.

ومع ذلك نقول : كون إطلاق لفظ البيع أو العقد على نفس التقابض المذكور بعنوان الحقيقة وعند جميع أهل العرف العام لا بدّ من ثبوته ، لأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة ، وبعض أهل العرف لا يكفي ، ومع ذلك لا بدّ من كونه من الأفراد المتبادرة إلى الذهن عند استماع اللفظ على الإطلاق ، على ما هو المحقّق في موضعه.

مع أنّه بمجرّد اللفظ ربّما يتأمّل أنّ المراد بيع الخطير أو الحقير ، ومع ذلك ربّما لا يوافقه الأخبار الواردة في مباحث الإقباض (١) ، بل ربّما يحصل التأمّل عند استماعنا لفظ البيع أو العقد على الإطلاق في انصراف ذهننا إلى تلك الصورة.

نعم ، إذا استمعنا أنّ فلانا اشترى شيئا من الأشياء الّتي تعارف الآن شراؤه بغير صيغة ينصرف ذهننا دون الأشياء الّتي تعارف وقوعها بالصيغة ، فتأمّل جدّا.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٣٩ الحديث ٩٤٥ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٣٣٣ الحديث ٢٢٦٩٣.

٦٠