حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

وإنّ العين لو كانت مال الغاصب ما كنت أستأجر منه ، وإنّي استأجرت منك لعدم كراهتي من الأخذ منك ، فعلى هذا التقدير ـ أيضا ـ لعلّه له اختيار الفسخ ، فتأمّل.

والحاصل ، أنّ الإطلاق كما ينصرف إلى الصحيح فيختار الفسخ لو خرج معيبا ، كذا ينصرف إلى أن يكون المعطي والمسلّم هو المؤجر بنفسه أو بوكيله أو عبده أو الأجنبي ، على فرض كونه أيضا داخلا في المعهود الغالب إن أعطى ، لا أن يكون بيد غاصب سابقا على العقد ، أو لاحقا عليه ولمّا يقبض.

نعم ، بعد القبض أخذ الحقّ منه وخرج المؤجر عن العهدة ، لأنّ وجوب الإعطاء الّذي يفهم من عقده وعهده وشرطه لا يزيد على إعطاء العين بحيث يمكن الانتفاع بها ، أو إعطاء منفعتها بتسليم العين إليه بلا مانع ، أمّا إعطاء جميع المنافع من أوّل المدّة إلى آخرها بتسليم العين وكونها عنده خالية عن الموانع في جميع المدّة ، فلا ، فتأمّل جدّا!.

قوله : فيطالب [ المالك ] الظالم بالعين المنتفع بها ، ويأخذ أجرة المثل .. إلى آخره (١).

مقتضى العبارة أنّه ليس له الرجوع على المؤجر بمطالبة العين ولا أجرة المثل.

أمّا الثاني ، فظاهر ، لأنّ حقّه وملكه ليس إلّا المنفعة وقد استوفاها الغاصب ، ولم يترتّب عليه يد المؤجر حتّى يكون للمستأجر تسلّط الرجوع إليه أيضا ، وإن كان قرار الضمان على الغاصب ، كما هو الحكم في غصب الأعيان.

وأمّا الأوّل ، فلعلّه مبنيّ على عدم تمكّن المؤجر من الأخذ من الغاصب ، إذ لو كان متمكّنا لما غصب منه ، والمفروض أنّه غصب منه.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٦٠.

٥٠١

قوله : [ وله أيضا الصبر وعدم الفسخ ] ، فيلزمه (١) كلّ الأجرة ، وهو ظاهر ، ودليل جواز الفسخ ظاهر على تقدير خروج المستأجر .. إلى آخره (٢).

هذا محلّ نظر ، بل الظاهر خلافه ، لما مرّ في كتاب البيع في خيار تبعّض الصفقة وخيار العيب (٣) ، فإنّ العلّة المذكورة هناك جارية هاهنا ، والمؤجر إنّما أخذ الأجرة بإزاء جميع المنفعة ، فكيف يأخذها بإزاء البعض ، وهل هو إلّا أكل مال بالباطل وبغير ما وقع عليه التراضي والعقد والعهد والشرط؟! وبالجملة ، تمام التحقيق يظهر ممّا ذكرناه.

ومن العجائب أنّه يقول في الصورة الأخيرة بنقص الأجرة المقابلة لبقائه غير منهدم ، ويقول في هذه الصورة بعدم النقص ، مع أنّه واضح أنّ هذه الصورة أولى بالنقص من الصورة الأخيرة ، ومرّ من الشارح في بحث عيب الأجرة أنّه اختار الأرش مع إمضاء العقد (٤) ، ولا شكّ في اتّحاد حال العوضين في ذلك.

نعم ، لو كان الناقص صفة خارجة لازمة أو غير لازمة لم يوزّع عليها الأجرة ، ولم يقرّر بإزائه عند أهل الخبرة ، فلعلّه لم ينقص من الأجرة شي‌ء على تقدير عدم الفسخ ، بل الظاهر حينئذ أنّه كذلك ، والله يعلم.

وسيجي‌ء في قول المصنّف : ( ولو وجد في العين عيبا ) (٥) ما يشير إلى التحقيق (٦).

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( فيلزم ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٦١.

(٣) راجع الصفحة : ٢٧٥ من هذا الكتاب.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣١.

(٥) كذا ، وفي المصدر : ( ولو وجد بالعين ).

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٧٠.

٥٠٢

قوله : وأنّ لزوم الأجرة مشروط ببقاء العين في يد المستأجر منتفعا بها ، فإنّها ليست إلّا في مقابلة الانتفاع .. إلى آخره (١).

لا يقال : بمجرّد العقد صار المنفعة ملكا للمستأجر منتقلة إليه ، كما أنّ الأجرة صارت ملكا للمؤجر منتقلة إليه ، فلازم ذلك أن يكون التلف من المستأجر ، فيلزم صحّة العقد ولزوم الأجرة.

لأنّا نقول : المنفعة الّتي توجد صارت ملكا له منتقلة إليه ، لا المعدوم بالمرّة ، فإنّ المعدوم لا يكون ملكا أبدا ، والأجرة إنّما هي بإزاء الملك الموجود لا المعدوم بالمرّة ، كما أنّ المنفعة إنّما هي بإزاء الأجرة الموجودة ، لا المعدومة الّتي لا توجد أصلا ، والمستأجر شرط وعقد وعهد أن يعطي الأجرة بإزاء أن ينتفع من المنفعة ـ أي توجد عنده المنفعة حتّى ينتفع إن أراد أن ينتفع ـ والمؤجر أيضا إنّما أخذ الأجرة واستحقّها بذلك الشرط والعقد والعهد ، وبمجرّد العقد تنتقل إلى المستأجر المنفعة الّتي توجد شيئا فشيئا ، لا الّتي لا توجد أصلا ، ولا القدر الّذي لا يوجد مطلقا ، كما أنّ بعقد السلف ينتقل إلى ملك المشتري المبيع الّذي يوجد في أوانه لا المعدوم في ذلك الأوان وإن كان في وقت العقد معدوما وبمجرّد العقد صار مال المشتري وحقّه ، ومن حينه.

وبالجملة ، المنفعة أحد أركان العقد ، فلا بدّ من وجودها وتحقّقها حتّى يصحّ العقد.

نعم ، إن تحقّق المنفعة ولم ينتفع اتّفاقا أو منعه مانع عن الانتفاع ، فالعقد صحيح ، كما مرّ في مسألة الغصب.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٦١.

٥٠٣

قوله : فالظاهر ذلك ، لعموم الأدلّة (١).

بل لا تأمّل في ذلك ، لأنّه مقتضى القواعد الشرعية وأدلّتها.

في أحكام الإجارة

قوله : ولا يضرّ عدم التصريح بتوثيق محمّد (٢) .. إلى آخره (٣).

ربّما يروي عنه أحمد بن محمّد بن عيسى (٤) ، مع أنّه أخرج عن قم من كان يروي عن المجاهيل بسبب أنّه روى عنهم (٥) ، ففيه شهادة تامّة على أنّه كان عادلا عند أحمد ، فتأمّل.

قوله : ولا يضرّ عدم صحّة سندها .. إلى آخره (٦).

في هذه الرواية (٧) شهادة على أنّ وقت صدورها كان الناس ربّما يؤجرون ويستأجرون من دون تعيين وقت.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٦٢.

(٢) أي محمّد بن سهل ، الّذي استدلّ الشارح بروايته : وسائل الشيعة : ١٩ ـ ١١٠ الحديث ٢٤٢٥٩.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٦٣.

(٤) لاحظ! جامع الرواة : ٢ ـ ١٢٩.

(٥) يدلّ عليه ما ورد من طرد أحمد بن محمد بن عيسى لأحمد بن محمد بن خالد البرقي. لاحظ! رجال العلّامة الحلّي : ١٤ ، جامع الرواة : ١ ـ ٦٣ ، منهج المقال وتعليقاته : ٤٢ ـ ٤٣.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٦٥ ، وقد وردت في : ألف ، د ، ه العبارة هكذا : ( وهذه صريحة في المطلوب ، ولا يضرّ عدم .. ) ، وما أثبتناه من ب ، ج ، وهو الموافق للمصدر.

(٧) أي رواية إبراهيم بن محمد الهمداني : مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٦٥ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ١٣٦ الحديث ٢٤٣١١.

٥٠٤

قوله : [ ما نقل في الشرح من الإجماع ] وأنت تعلم ضعفه في مثله .. إلى آخره (١).

لكونه موضع ريبة ، على أنّه على تقدير الصحّة ، فأقصى ما يكون أنّه خبر واحد ، فكيف يقاوم ما ذكر من الأدلّة ، سيّما وأن يغلّب عليها؟!

قوله : وبعد العتق لا ملك ، ومحتمل (٢) كونها على بيت المال والزكاة ، ومع التعذّر على الأغنياء كفاية .. إلى آخره (٣).

لا يخفى أنّه بعد العتق مالك لمنفعته الّتي عوضها بالأجرة ، ولا يملك الأجرة إلّا من جهة كونها عوض ملكه وبدله ، وعرفت أنّ وجود المنفعة في كل آن شرط لاستحقاق الأجرة في ذلك الآن.

فعلى هذا ، يمكن أن يقال : استصحاب وجوب النفقة عليه حتّى يثبت خلافه ، ولم يثبت ، إذ القدر الثابت أنّه إذا خرج عن ملكه بالمرّة بحيث لم يكن بملكيّته علاقة باقية بوجه من الوجوه ، لم يكن حينئذ عليه نفقته.

ويؤيّده أيضا ، عموم « لا ضرر ولا ضرار » (٤) ، إذ في جعل نفقته على بيت المال وأمثاله خفّة ومهانة وضرر عليه عادة.

ويؤيّده أيضا ، ما سيجي‌ء في قول المصنّف رحمه‌الله : ( وكلّما يتوقّف استيفاء المنفعة عليه .. إلى آخره ) (٥).

قوله : ولكن يحتمل عدم البطلان [ وكونه موقوفا على إجازته ] .. إلى آخره (٦).

لا شبهة في أنّ هذا الاحتمال متعيّن على القول بصحّة الفضولي ، فإنّ صحّته

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٦٦.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( ويحتمل ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٦٧.

(٤) وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٠٠ الحديث ٣٢٢١٧ و ٤٢٧ الباب ١٢ من أبواب كتاب إحياء الموات.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٨٥.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٦٧.

٥٠٥

تقتضي الصحّة هنا بطريق أولى ، والمصنّف قائل به ، وكثيرا ما يعبّر عن عدم اللزوم في مثل المقام بالبطلان ، إذ لا مشاحّة في الإطلاق.

قوله : فكلّ ما يصحّ فيه أحدهما يصحّ [ فيه ] الآخر .. إلى آخره (١).

يظهر من كلام العلّامة في « القواعد » أنّ العارية ليست تمليك المنفعة بل تبيح التصرّف (٢) ، وهذا هو الظاهر من الفقهاء والأدلّة ، إذ لا يظهر منها سوى جواز الانتفاع فقط ، والأصل عدم الانتقال وبقاء ما كان على ما كان ، وأنّه لا يجوز إعطاء العين لغيره ينتفع بها ما لم يأذن له صاحبها ، فإنّه لو ملك المنفعة لكانت ملكا له كسائر أملاكه ، و « الناس مسلّطون على أموالهم » (٣).

وفي الإجارة جوّزوا الإعطاء للغير ، لما ذكر ، والفرق بين اللزوم والجواز فيما ذكر لا معنى له ، فتأمّل!.

قوله : إن نقص الطعام فعليه ، قال : جائز ، قلت : إنّه ربّما زاد الطعام! قال : فقال : يدّعي الملّاح أنّه زاد فيه شيئا؟ .. إلى آخره (٤).

لا يبعد أن يقال : إنّ المراد أنّه إن نقص بغير آفة سماويّة أو أرضيّة خارجة عن تحت قدرة الملّاح واختياره ، وأنّ هذا الشرط (٥) ، إنّما يفعلون من جهة كون الملّاحين ـ غالبا ـ متّهمين بالسرقة أو بعدم المحافظة وبعدم المبالاة ، أو من جهة

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٦٧.

(٢) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٩١.

(٣) عوالي اللآلي : ٣ ـ ٢٠٨ الحديث ٤٩.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٦٩ ـ ٧٠ ، وهو من رواية موسى بن بكر : وسائل الشيعة : ١٩ ـ ١٣٩ الحديث ٢٤٣١٣ مع اختلاف يسير.

(٥) في ب ، ج : ( وأمّا هذا الشرط ).

٥٠٦

عدم إمكان إثبات الخيانة غالبا ، وإلّا فالحمل على التضمين من الآفات المعلومة الثابتة الخارجة عن اختيار الملّاح فبعيد ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وعلى تقدير تسليم الدلالة على العموم ، فلا بدّ من تخصيصه بالأدلّة الدالّة على أنّ الأمانة المالكيّة لا يضمن الأمين إذا تلفت من غير تقصير منه أصلا ، وأنّه لا معنى لأن يكون ذهاب مال أحد وتلفه من مال الآخر من دون إتلاف ولا تقصير.

فالخبر ـ على ذلك التقدير ـ مخالف للقاعدة الشرعيّة الثابتة المتّفق عليها ، فلو كان صحيحا بحسب السند ، صريحا بحسب الدلالة فيما ذكره ، لكان الواجب طرحه أو تأويله ، لكونه من الشواذّ ، والشاذّ يجب تركه ، مع أنّ العام إنّما يجوز تخصيصه بالخاص الّذي يكون مقاوما ، لا أن يكون مرجوحا ، فإنّ ارتكاب التوجيه والتأويل في الراجح من جهة المرجوح فاسد ، كما حقّق في محلّه.

والخبر ضعيف السند ، ضعيف الدلالة ، مخالف لفتاوي جميع المسلمين ، لو لم نقل ضروري الدين.

قوله : ولأنّ العقد يقتضي الصحّة .. إلى آخره (١).

ولأنّ التراضي وقع بقيد الصحّة ، فلا يجب الوفاء بالأجرة والالتزام.

قوله : [ كان البطلان ] رأسا متوجّها ، فيجب عدم لزومه ، وكذا له الالتزام أيضا .. إلى آخره (٢).

ليس كذلك ، لما عرفت فيما سبق في كتاب البيع ، في بحث خيار تبعّض الصفقة وخيار العيب وغيرهما (٣) ، مع أنّ هذا ينافي تعليله للإلزام بقوله : ( فإنّه

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٧٠ ، وفيه : ( ولأنّ العقد يقتضي الصحيحة ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٧٠.

(٣) تقدّم في الصفحة : ٢٧٥ من هذا الكتاب.

٥٠٧

ينقص حقّه .. إلى آخره ) (١).

قوله : وليس له الرضا والالتزام به مع الأرش ، كما قاله المحقّق الثاني في البيع (٢) ، لعدم الدليل .. إلى آخره (٣).

إذا عقد المؤجر وعهد أن يعطي العين بقيد الصحّة ووقع التراضي عليه ، يمكن للمستأجر أن يقول : وصلني بعض حقّي وعليك أن تعطي الباقي ، لأنّك عقدت وعهدت وشرطت أن تعطي الكلّ فإن لم يوجد فانقص حقّك بقدره ، فإن أجاب بأنّ التراضي ما وقع إلّا بالأجرة التامّة ، أجابه بأنّ التراضي ما وقع إلّا بالعين الصحيحة.

فإن بنى على أنّ الصحّة ليست داخلة فيما وقع عليه التراضي ، يلزم لزوم العقد ، وإن بنى على أنّها داخلة لكن من جهة عدم إمكان الحصول ، فالتكليف بها تكليف بما لا يطاق ، والتكليف بشي‌ء آخر عوضها تكليف بما لا منشأ له ، والتكليف برفع اليد عن بعض الأجرة خلاف ما وقع العقد والعهد ، فإمّا [ أن ] يأخذ بالكلّ أو يدع.

فيمكن أن يقال : عموم « لا ضرر » يقتضي رفع اليد والأرش.

وأيضا ، كيف يأكل ما هو بإزاء مجموع الحقّ ببعض الحقّ؟ فإنّه أكل مال بالباطل.

وأيضا الفقهاء كثيرا ما يعوّضون الحقّ بمثله ، فتأمّل فيه.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٧٠.

(٢) جامع المقاصد : ٤ ـ ٤٠٥ ، وقال في كتاب الإجارة ـ جامع المقاصد : ٧ ـ ٩٣ ـ : ( إنّ الأصحّ وجوب الأرش ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٧١.

٥٠٨

على أنّه مرّ في قوله : ( لو حفر البعض ) (١) ، وقوله : ( لو انهدم المسكن ) (٢) أنّه يرجع بالنسبة ، بل معلوم ـ بحيث لا شبهة فيه ـ أنّه لو لم يتمكّن المؤجر من إعطاء جميع المنفعة المشترطة أنّه يرجع بالنسبة ، ولا يمكن للمؤجر أن يقول : إمّا يأخذ البعض بمجموع الأجرة المسمّاة أو يفسخ ، والدليل في الكلّ واحد.

ومرّ في كتاب البيع في بحث خيار العيب وخيار تبعّض الصفقة ما يحقّق المقام (٣) ، ومرّ في شرح قول المصنّف : ( ولو انهدم المسكن ) (٤) ما عرفت.

قوله : [ إذا استأجر دابّة ] ولم يكن صاحبها معها ، والدابّة في يده .. إلى آخره (٥).

هذا التقييد خلاف ظاهر عباراتهم (٦) ، لإطلاقها ولعلّه لغاية استبعاد الإطلاق قيّد ، وفيه ، أنّ الاستبعاد مبنيّ على كون النفقة على المؤجر ، على ما هو مقتضى الأصل ، وقد ظهر أنّ بناءهم على أنّ النفقة من مال المستأجر ، فالّذي دعاهم إليه لعلّه دعاهم مطلقا ، ولم نجد سوى احتمال كون ذلك عادة في زمانهم في بلدهم ، بحيث ينصرف إطلاق العقد إليه ، أو أنّهم حملوا ما سيجي‌ء في نفقة الاجراء على ما يشمل المقام ، وسيجي‌ء الكلام في ذلك (٧).

قوله : قيل : فلا أجرة له [ حينئذ ] كما ، صرّح به في « الشرح » .. إلى آخره (٨).

ليس بشي‌ء ، لما ذكرناه في أوّل كتاب التجارة والمكاسب من أنّه لا مانع من

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٢٠.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٦٠.

(٣) تقدّم في الصفحة : ٢٧٥ من هذا الكتاب.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٦٠.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٧١.

(٦) في ألف ، ج ، د ، ه : ( ظاهر عبارتهم ).

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٧٩.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٧٣ ، وفيه : كما صرّح به في « القواعد » ) ، والظاهر أن الصحيح ما أثبتناه من النسخ الخطّية ، لأنّ المراد بالشرح هو شرح القواعد ، وقد صرّح بهذا الحكم : جامع المقاصد : ٧ ـ ١٨٢ ، في حين أنّه لم يحكم به في قواعد الأحكام.

٥٠٩

أخذ الأجرة على الواجبات الكفائيّة والعينيّة الّتي وجوبها من جهة احتياج الناس ورفع الحاجة عنهم (١) ، فلاحظ!

قوله : [ التضمين ] مع الإيجاب بعيد ، وهو جار في كثير من الأمور ، فتأمّل ، ويدلّ على ضمان الصائغ [ المفسد ] .. إلى آخره (٢).

الاستبعاد غير مضرّ في مقام اقتضى الدليل الضمان ، لأنّه من الأحكام الوضعيّة لا التكليفيّة ، ولذا يضمن الطفل والمجنون إجماعا.

وإن لم يكن دليل ، فالأصل العدم ، والأصل براءة الذمّة ، فلا حاجة إلى الاستبعاد ، فتأمّل!

قوله : وهي تدلّ على عدم الضمان [ على المتبرّع ] .. إلى آخره (٣).

الدلالة ضعيفة ، بل غير معتبرة على المشهور ، وعند المحقّقين في الأصول.

قوله : وكونه أمينا ، وتدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار (٤) .. إلى آخره (٥).

ليس كلّ أجير أمينا ، وليس إعطاء شي‌ء إيّاه للاستصلاح ولأغراضهم استئمانا ، إذ لا شبهة في أنّ الناس ما يستأمنون أكثر الإجراء ، كما أنّ الحال في الواقع أيضا كذلك أنّ غالبهم غير أمين بل خائن بيقين ، إلّا أنّه من جهة الاضطرار

__________________

(١) راجع الصفحة : ٣٧ من هذا الكتاب.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٧٣.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٧٣.

(٤) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٢٠ الحديث ٩٦٤ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ١٤٥ الحديث ٢٤٣٣٠.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٧٣.

٥١٠

وعدم العلاج يعطونهم شيئا للاستصلاح وغيره ، كما هو مشاهد ، ومن هذا ورد في الأخبار أنّ الأجير المتّهم ضامن (١) ، إلّا أن يثبت عدم ضمانه.

قوله : وصحيحة داود بن سرحان (٢) الثقة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. إلى آخره (٣).

لا وجه لاستدلاله بهذه الصحيحة ، والصحيحة الآتية (٤) ، وكذا الحسنة (٥) على مطلوبه ، لأنّ الظاهر منها كون التلف بفعل الأجير ، بل هذه الصحيحة صريحة في ذلك ، فتكون الأدلّة على القسم الأوّل الّذي ادّعى شارح « القواعد » رحمه‌الله عليه النصّ والإجماع (٦) ، فلا وجه لتأمّل الشارح فيه ، فتأمّل!.

قوله : ولا يبعد أيضا الجمع على الاستحباب والاحتياط .. إلى آخره (٧).

إن أراد أنّ الحكم بضمان غير الثقة حين فقد البيّنة محمول على الاستحباب ، ففيه أنّ استحباب مثل هذا بعيد في نفسه ، ومع ذلك بعيد بالنظر إلى هذه الأخبار أيضا ، وما ذكره من الإشعار لم نجده ، فإنّ الاحتياط في رواية أبي بصير ليس بمعنى الاستحباب كما لا يخفى ، وليس معناه الاستحباب ، لا مطابقة ، ولا تضمّنا ،

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٩ ـ ١٤٤ الحديث ٢٤٣٢٧ و ١٤٦ الحديثين ٢٤٣٣٢ و ٢٤٣٣٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٢٢ الحديث ٩٧٣ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ١٥٢ الحديث ٢٤٣٥٠.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٧٤.

(٤) أي صحيحة أبي بصير : مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٧٥ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ١٤٥ الحديث ٢٤٣٢٨.

(٥) أي حسنة الحلبي : مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٧٥ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ١٤٢ الحديث ٢٤٣٢٠.

(٦) جامع المقاصد : ٧ ـ ٢٦٧.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٧٥.

٥١١

ولا التزاما.

نعم ، عند الفقهاء يكون الاحتياط مستحبّا في الموضع الّذي يجوز التمسّك فيه بالبراءة الأصليّة ، ووجهه ظاهر.

وإن أراد أنّ الحكم بضمان الأمين مستحبّ ، ففيه ـ مع بعده في نفسه ـ أنّه مدلول صحيحة أبي بصير وحسنة الحلبي ، إذ الظاهر منهما أنّ العفو عن الأمين مستحب والظاهر أنّ الروايتين تتضمنان حكم خيانةو الصائغ ، وأنّ التفضّل على المأمون إنّما هو في هذه الصورة فضمان المأمون في هذه الصورة ، لا فيما تلف بغير فعله ، فإنّه ليس بضامن فيه البتّة ، فجمع الشيخ (١) أظهر ، بل متعيّن.

قوله : لما روي عن علي عليه‌السلام « من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من صاحبه » .. إلى آخره (٢).

هذا الخبر أيضا يدلّ على ما ذكره الفقهاء من ضمان الأجير وإن كان طبيبا أو بيطارا (٣) ، بل يدل على ضمان من أتلف وإن لم يكن أجيرا ، كما قاله الفقهاء أيضا (٤).

قوله : إلّا أن يجعل الإذن تحليلا ، أو من قبل النظر (٥) لمريد النكاح والشراء .. إلى آخره (٦).

الظاهر أنّه تحليل ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٢٠ ذيل الحديث ٩٦٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٧٧ ، الكافي : ٧ ـ ٣٦٤ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٩ ـ ٢٦٠ الحديث ٣٥٥٨٢.

(٣) لاحظ! شرائع الإسلام : ٤ ـ ٢٤٨ ، الروضة البهيّة : ١٠ ـ ١٠٨.

(٤) لاحظ! المهذّب البارع : ٥ ـ ٢٦٠.

(٥) كذا ، وفي المصدر : ( أو من قبيل النظر ).

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٧٩.

٥١٢

لدلالة الأخبار على ذلك (١) ، وأمّا ما ذكره بقوله : ( أو من قبل .. إلى آخره ) (٢) ، فلا شكّ في فساده.

قوله : والأخيرة تدلّ على أنّ الجهالة في المدّة أيضا [ في الجملة لا تضرّ ] (٣).

لا دلالة فيها ، بل ظاهرها أنّ الإجارة وقعت على الثماني ، وأنّ إتمام العشر تكلّف منه وتبرّع وإحسان ، إن أراد فعل.

قوله : وأنّ معنى الآية (٤) ذلك ، وأنّ حكمها باق [ في شريعتنا ] .. إلى آخره (٥).

هذا ، مضافا إلى الاستصحاب ، وظواهر أخبار أخر (٦).

قوله : والكلّ يدلّ على جواز الإجارة مطلقا .. إلى آخره (٧).

في الدلالة نوع تأمّل ، لأنّ المطلق ذكر لإفادة حكم آخر لا حكم نفسه من حيث الإطلاق ، فتأمّل.

قوله : وأنّه لا مكافأة ، لأنّه متبرّع .. إلى آخره (٨).

لم يدلّ على أنّه لا بدّ من مكافأة ، بل على أني المؤجر كافأه اتّفاقا لجزاء إحسانه وخروجه عن الخجالة والمنّة ، فسأل أنّ هذه المكافأة من مال من يحسب؟ واحتسابه من مال المستأجر إذا كان مصلحة له ، لعلّه بناء على كونه مرخّصا في فعل ما هو صلاحه بأيّ نحو أراد ، فتأمّل فيه.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢١ ـ ١٣٢ الباب ٣٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٧٩ ، وفيه : ( أو من قبيل .. ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٨١.

(٤) القصص (٢٨) : ٢٧.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٨١.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٩ ـ ١١١ الباب ٨ من أبواب كتاب الإجارة.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٨١.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٨٣.

٥١٣

المزارعة والمساقاة

في أركان المزارعة

قوله : [ من الحيل الشرعيّة ] ، مثل جعل البذر منهما .. إلى آخره (١).

كون البذر منهما كيف ينفع في تحقّق هذه المعاملة؟! إلّا أن يكون تصحيح كون النماء لهما ، لا أنّه لتصحيح هذه المعاملة ، فتأمّل.

قوله : مع عدم الدليل ، كما تقدّم في البيع (٢) ونحوه .. إلى آخره (٣).

لا يخفى أنّ الأصل عدم صحّة المعاملة حتّى تثبت بدليل ، لا أنّ الصحّة عبارة عن ترتّب الأثر الشرعي أو الآثار الشرعيّة ، وتحقّق الأثر وثبوته يحتاج إلى دليل ، وإلّا فالأصل العدم ، والأصل بقاء ما كان على ما كان ، فلا وجه للتمسّك بالأصل ، بل لا بدّ من إثبات المعاملة وصحّتها من دون العقد على حسب ما ذكر ، ومع العقد بالنحو المذكور وقع الإجماع على الصحّة ، وبدونه يحتاج إلى دليل ، فالعبرة بوجود الدليل لا الأصل.

قوله : لصدق العقد ، فلا يبعد [ الصحّة بغير العربيّة ] .. إلى آخره (٤).

في دعوى صدق العقد بأيّ نحو يعلم الرضا بالمعاملة ، محلّ نظر ، كما مرّ في

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٩٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤٢.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٩٦ ، وفيه : ( والأصل ينفيه ، مع عدم الدليل .. ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٩٦.

٥١٤

بحث البيع (١).

قوله : عدم صحّة الاستدلال بكونه عقدا لازما .. إلى آخره (٢).

فيه نظر ، لأنّ مجرّد تجويز العلّامة في كتاب واحد (٣) لا يصير دليلا على عدم إمكان الاحتجاج ، سيّما والعلّامة ما أظهر الوجه ، فلعلّه من خصائص المقام ، كما هو الظاهر منه.

والبناء على العلم بعدم الفرق غلط ، كيف وفي المقام يجوز الجهل والغرر في العوض ، وبه يشبه الجعالة؟ فلا يمكن القياس مع أنّها والمساقاة بحالة واحدة ، وورد الصحيح في المساقاة (٤).

ومرادي ممّا ذكرت منع جريان تنقيح المناط ، لا أنّ ما ذكر علّة ، بل العلّة لعلّها أمر آخر.

قوله : [ من أنّ غيره ] بعيد عن كونه لإنشاء العقد ، وهو كما ترى ، فعموم الأدلّة وعدم دليل مانع [ دليل الجواز ] .. إلى آخره (٥).

لا يخفى أنّ الأمر من حيث هو أمر لا يدلّ على الإنشاء في العقود الأخر ، مثل : بعني ، أو اشتر منّي ، أو هب ، أو صالح ، لأنّ الأمر فيها صريح في طلب العقد والمعاملة بعد الأمر ، بخلاف : ازرع ، فإنّه صريح في طلب العمل بالشرط المعلوم ، لا طلب المعاملة ، فيصلح للعقد ، بل ظاهر فيه وفي إنشاء نفس المعاملة كما لا يخفى ،

__________________

(١) راجع الصفحة : ٦٥ من هذا الكتاب.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٩٦.

(٣) قواعد الأحكام : ١ ـ ٢٣٧.

(٤) أي صحيح يعقوب بن شعيب : مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٩٧ ، الكافي : ٥ ـ ٢٦٨ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٤٤ الحديث ٢٤١١٩.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٩٦ ـ ٩٧.

٥١٥

وغير ذلك.

وفي المقام يمكن أن يفهم من نفس الأمر بازرع إنشاء العقد ، فله قابليّة الفهم منه ، فلعلّ هذا منشأ استشكاله من أنّه يصلح للإنشاء في المقام كما يصلح في المساقاة أيضا وثبت هناك ، ومن أنّه من العقود اللازمة ، والأصل والقاعدة فيها عدم الجواز ، وهذه طريقته سيّما في « القواعد ».

وليس في المقام انتقال العوض من حين العقد وبنفس العقد حتّى يحتاج إلى القبول اللفظي ، وغير خفيّ أنّهم يريدون اللفظ لهذا المعنى ، ولعلّه يظهر وجهه ممّا مرّ في عقد البيع (١) ، فليلاحظ وليتأمّل!.

وأمّا الدلالة من جهة القرينة ، فلم يعتبرها كلّهم ، ومن اعتبرها لعلّ مراده أنّ نفس اللفظ لا يصلح للعقد ، أو يقول : إنّ القرينة في مثل الأمر تصير خفيّة ، ويصير منشأ للنزاع والاختلاف ، والعقود إنّما هي لرفع النزاع ، لا لإنشاء النزاع ، فتأمّل! فإن قلت : إذا قال المؤجر : اسكن في بيتي بكذا ، أو اعمل لي بكذا ، يجوز أن يصير عقد الإجارة ، مع أنّ الظاهر من العلّامة عدم الرضا بذلك بعنوان الاحتمال أيضا (٢).

قلت : اسكن في بيتي ، لا يدلّ على نقل المنفعة من المؤجر إليه بنفس اللفظ ، بل ظاهره إباحة التصرّف بإزاء شي‌ء ، فهو ـ مع عدم الدلالة على الإعطاء والنقل ـ لا خصوصيّة له بالإجارة ، إذ يصحّ كونه مراضاة أو صلحا أو هبة لو دلّ على النقل.

__________________

(١) راجع الصفحات : ٦٣ ـ ٦٥ من هذا الكتاب.

(٢) لاحظ! قواعد الأحكام : ١ ـ ٢٢٤.

٥١٦

وقول : اعمل لي كذا بكذا ، قبول في الإجارة ، لا إيجاب ، ومع ذلك لا يدلّ على نقل منفعة.

وأمّا المزارعة ، فلعلّ العلّامة يستشكل في كونها من العقود الناقلة بمجرّد اللفظ والصيغة (١).

وقول : أزرعك ، ظاهر في طلب المزارعة (٢) ، كقول : زارعتك ، فتأمّل.

وسيجي‌ء عن الشارح عند قول المصنّف : ( ولو أهمل الزراعة ) ، ما يشير إلى عدم النقل ، حيث يقول : لأنّه فوّت المنفعة على المالك (٣) ، فتأمّل!

قوله : ويدلّ عليه ما في صحيحة يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. إلى آخره (٤).

لا دلالة فيها على المزارعة ، لأنّ قوله : « أعمرها وهي لك ثلاث سنين » (٥) ، ليس بمزارعة قطعا ، بل نوع مراضاة ربّما يكون مصالحة ، فتأمّل.

مع أنّه لا دلالة فيها على كون هذا عقدا ، فتأمّل.

قوله : وهي صريحة في جواز القبول بلفظ المضارع ، فلا يبعد انعقاد الإيجاب .. إلى آخره (٦).

لا ظهور فيها في كون ما ذكر قبول الصيغة ، فضلا عن الصراحة ، بل غير خفيّ أنّه بعيد ، إذ لا إشارة إلى إيجاب أصلا لا مقدّما ولا مؤخّرا ، مع أنّ قوله : « إن

__________________

(١) لاحظ! قواعد الأحكام : ١ ـ ٢٣٧.

(٢) في ألف ، ج ، د ، ه : ( في طلب الزراعة ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠٥.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٩٧.

(٥) من رواية يعقوب بن شعيب : مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٩٧ ، الكافي : ٥ ـ ٢٦٨. الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٤٦ الحديث ٢٤١٢٢.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٩٧.

٥١٧

شئت نصفا ، وإن شئت ثلثا » (١) ، من تتمّة مقول القول ، فكيف يناسب هذا كونه قبول الصيغة وتتمّة العقد؟! وبالجملة ، لا شبهة في أنّه ليس قبول الإيجاب وذكر صورة العقد ، بل هو تقرير المقاولة بينهما ، وتصحيح المعاملة بأنّها بأيّ نحو تقع ، فتأمّل! مع أنّ عدم البعد لا يصير دليلا ، بل لا بدّ من الدليل.

وكذا الكلام في رواية أبي الربيع (٢) ، مع ضعفها عندهم (٣).

قوله : لصحيحة الحلبي المتقدّمة (٤) ، كما قال في « شرح الشرائع » (٥) .. إلى آخره (٦).

حكمه بالقوّة من جهة صحّة السند ووضوح الدلالة ، لأنّها مطلقة ، فلا يعارضها رواية الفضيل (٧) ، وأبي بردة (٨) ، لعدم المقاومة ، وهذه الطريقة مرضيّة عند الشارح أيضا ، فلا وجه لقوله : ( لإمكان حملها .. إلى آخره ) (٩) ، وكذا قوله :

__________________

(١) من صحيحة عبد الله بن سنان : مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٩٧ ، الكافي : ٥ ـ ٢٦٧ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٤١ الحديث ٢٤١١.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٩٧ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٩٤ الحديث ٨٥٧ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٤٣ الحديث ٢٤١١٦.

(٣) انظر! مفتاح الكرامة : ٧ ـ ٢٩٩.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠٠ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ١٩٥ الحديث ٨٦٣ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٥٤ الحديث ٢٤١٣٧.

(٥) مسالك الأفهام : ١ ـ ٢٣٢.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠١.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠١ ، الكافي : ٥ ـ ٢٦٥ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٥٥ الحديث ٢٤١٣٩.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠١ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢٠٩ الحديث ٩١٧ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٥٦ الحديث ٢٤١٤٣.

(٩) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠٢.

٥١٨

( بل لا ينبغي الخلاف ) (١) ، مع أنّ العام لا يعارض الخاص ، ولذا جعل العموم مؤيّدا (٢).

والحقّ في الجواب ، أنّ الرواية إذا انجبرت بشهرة العمل تصير حجّة ، كما هو المشهور بين الفقهاء ، وبيّنا وجهه في موضعه ، فلا تقاومها الصحيحة من جهة الدلالة ، فتعيّن الحمل على الاستحباب أو التقييد ، ويؤيّده الرواية تعدّدها وموافقتها للعمومات وغيرها.

قوله : [ مع المعارضة ] ، إذ ما نقلناه عن « الفقيه » (٣) ينافيها [ صريحا ] .. إلى آخره (٤).

منافاتها إنّما تكون إذا ثبت كونها بلا « لا » ولم يثبت ، بل الظاهر من السياق ومن نقل الشيخ والكليني ، وشهرتها بين الأصحاب ـ كما نقلا (٥) ـ هو السقوط [ في ما نقله عن الفقيه ].

وروايتا الفضيل وأبي بردة قد عرفت حالهما. ويتقوّى صحيحة الحلبي بهذه الصحيحة وغيرها.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠٠.

(٢) إشارة إلى قول الشارح : ( وعموم أدلّة الإجارة مؤيّدة ) : مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠٠.

(٣) يبدو أنّ المقدّس الأردبيلي رحمه‌الله نقل صحيحة الحلبي عن : من لا يحضره الفقيه هكذا : « عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : تستأجر الأرض بالحنطة .. » ، ولذا قال : هذا النقل مناف لنقل الرواية في غير الفقيه. إلّا أنّ ما ورد في : مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠١ ، من لا يحضره الفقيه المطبوعين هكذا : « لا تستأجر الأرض .. ». لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠١ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١٥٩ الحديث ٦٩٥ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٥٤ الحديث ٢٤١٣٧.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠٢.

(٥) الكافي : ٥ ـ ٢٦٥ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ١٩٥ الحديث ٨٦٣.

٥١٩

ومن هذا يتقوّى قول ابن البرّاج (١) ، لكن المشهور لعلّه أقوى ، لما عرفت.

قوله : ورواية الفضيل وأبي بردة غير صحيحة لكان واضحا ، ولكن قد عرفت غيرهما أيضا .. إلى آخره (٢).

غيرها لا دخل لها في المقام ، ومجرّد مناسبتها لا يكفي ، وإن أراد العموم فهو مؤيّد للخبر المعارض المقاوم.

قوله : ولأنّه لا عموم في الصحيحة (٣) ، والقول بأن لا قائل بالفرق غير واضح .. إلى آخره (٤).

لا شبهة في الإطلاق ، وهو يرجع إلى العموم عند الفقهاء والشارح ، إلّا أن يدّعى أنّ المتداول أنّهم كانوا يؤاجرون لطعامها (٥) ، وإلّا لم يكونوا يشترطون خصوص الطعام ، مع أنّ المتداول في الأجرة الذهب والفضّة ، فتأمّل!

قوله : إلّا أنّه ينبغي أوّلا تكليف المالك [ للمزارع ] .. إلى آخره (٦).

في الإلزام بهذه الأمور نظر ، لمنافاتها لقوله عليه‌السلام : « الناس مسلّطون » (٧) وغيره ، إلّا أن يقال : إنّه للخروج عن الخلاف والاحتياط ، ولذا قال : ( ينبغي ).

قوله : وظاهره أن لا أرش عليه حينئذ مع احتماله .. إلى آخره (٨).

لعلّ بناء الأرش على أنّه ليس بغاصب ، بل زرع بإذن المالك ، وإن وقع منه

__________________

(١) المهذّب لابن البرّاج : ٢ ـ ١٠.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠٣.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( وأنّه لا عموم للصحيحة ) ، والمقصود من الصحيحة : صحيحة الحلبي آنفة الذكر.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠٣.

(٥) في ب : ( لطعامهم ).

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠٤.

(٧) عوالي اللآلي : ٣ ـ ٢٠٨ الحديث ٤٩.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠٤.

٥٢٠