حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

التعريف.

وهذا يشعر بأنّ العبد لا يكون له مانع من الالتقاط سوى ما ذكر ، لا أنّ (١) العبد لا يملك ، فإنّه غير ظاهر منه أصلا ، لو لم نقل بظهور خلافه ، لأنّ المعصوم عليه‌السلام لم يقل : إنّه لا يملك المال ، ولم يعلّل به ، بل قال : « لا يملك نفسه » ، ولا شكّ في أنّه كذلك ، ثمّ علّل نهيه عن التعرّض لها بأنّه يجب التعريف .. إلى آخره ، وهو أيضا مسلّم ، ووفاقي أنّه لا يمكنه التعريف بغير رخصة مولاه.

فيدلّ الحديث على أنّ المانع منحصر فيما ذكر ، وأنّ المولى لو كان راضيا بالتعريف لم يكن مانع عن نفس الالتقاط ، وأنّ التقاطه حينئذ يصحّ ويعرّف ، والفقهاء أيضا أفتوا بذلك (٢).

فإن عرّف بإذن المولى ثمّ نوى التملّك ، فعلى القول بأنّه يملك يصير ملكه ، إلّا أن ينوي تملّك المولى ، وعلى القول بأنّه لا يملك يملكه المولى ، كما قالوا ، وإن عرّف بغير إذن المولى أو بإذنه بشرط أن ينوي تملّك المولى ، ثمّ نوى التملّك لنفسه ، فالظاهر أنّه يصير ملكا له ، لأنّ النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد ، إلّا بأن يقال بأنّه كسب العبد ، وكلّ كسبه للمولى ، لأنّه نماء ملكه ، وإن كان الاكتساب بمجرّد النيّة لا العمل ، والنيّة يكون لغير المولى ، والله يعلم.

قوله : وهذه (٣) تدلّ على عدم التعريف مطلقا ، ويمكن أن يعرّفه قبل ، وعلى جواز استعمال اللقطة في الجملة .. إلى آخره (٤).

يمكن حمل ما دلّ على عدم التعريف. على صورة اليأس عن الوصول إلى

__________________

(١) في ب ، ج : ( لأنّ ).

(٢) لاحظ! الروضة البهيّة : ٧ ـ ٧١.

(٣) أي : رواية زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٦٧ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٥١ الحديث ٣٢٣٣٣.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٦٧.

٦٠١

المالك من جهة التعريف. وكذا الكلام فيما دلّ على الاكتفاء بتعريف أقلّ السنة على حصول اليأس بعد القدر الّذي ذكر ، فتأمّل.

قوله : [ إذا كان يسوى درهما فما فوقها ] تخيّر بين أن يقوّمه فيأخذه لنفسه ، فيكون الثمن في ذمّته ، أو يبيعه على غيره فيأخذ الثمن .. إلى آخره (١).

هذا ، إذا كان القيمة معلومة مضبوطة ، وإلّا فبحسب ما اشترى في السوق ، وإن لم يكن ضبط في السوق فيسعى في القيمة ، فأعلى القيم الّتي يشتري يشتري به.

قوله : وفيه تأمّل ، للأصل ، ولأنّ له ولاية التملّك والصدقة (٢) بعد التعريف ، فالبيع بالطريق الأولى ، والتعريف ساقط ، للتعذّر (٣) ، ولا شكّ أنّه أحوط .. إلى آخره (٤).

يمكن أن يقال : الأصل عدم التسلّط على بيع مال محترم إلّا بإذن الشارع أو صاحبه ، ولم يثبت من الشرع جوازه بدونهما ، وولاية التملّك والتصدّق لا يستلزم ولاية البيع ، وكونها بطريق أولى محلّ نظر ، لأنّ التملّك والتصدّق إنّما يكونان بالضمان بالقيمة السوقيّة وبعد التعريف.

لكن ورد فيمن وجد سفرة فيها لحم وخبز أنّه يقوّمهما ويأكلهما ، والرواية رواها في « الكافي » ، و « التهذيب » عن الصادق عليه‌السلام : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة ، كثير لحمها وخبزها وبيضها وجبنها ،

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٦٩.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( والتصدّق ).

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( والتعريف ساقط للمتعذّر ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٦٩.

٦٠٢

وفيها سكّين ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يقوّم ما فيها ويؤكل ما يفسد (١) وليس له بقاء ، فإن جاء طالبها أغرم له (٢) الثمن » (٣). الحديث.

وسيجي‌ء عن « الفقيه » فتواه بمضمون ما ذكر ، ومرّ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (٤).

قوله : [ وليس بواضح دليل شدّة الكراهة ] ، إذ يشكل إثبات حكم شرعيّ بمثل ما تقدّم. نعم ، لا شكّ أنّه الأحوط لهما .. إلى آخره (٥).

لا يخفى أنّهم يسامحون في أدلّة نفس الكراهة ، فضلا عن شدّتها مع ظهور وجهها.

قوله : [ عدم الحكم بنجاسة ] ما يوجد مطروحا من الجلود مطلقا ، فتأمّل ، فكأنّه (٦) محمول على وجود القرائن .. إلى آخره (٧).

في المطلق تأمّل ، بل ما يوجد في طريق المسلمين وبلادهم ، كما ذكرنا في اللحم أيضا ، فتأمّل!

قوله : في « التذكرة » بأنّه إن كان ما وجد في هذه المواضع عليه أثر الإسلام فهو لقطة ، وإلّا فهو لواجده (٨) ، ويريدون بأثر الإسلام [ اسم ] النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أحد

__________________

(١) كذا ، وفي المصادر : ( يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل لأنّه يفسد ).

(٢) كذا ، وفي المصادر : ( غرموا له ).

(٣) الكافي : ٦ ـ ٢٩٧ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٩٩ الحديث ٤٣٢ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٦٨ الحديث ٣٢٣٧٢.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٥٦.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٧١.

(٦) كذا ، وفي المصدر : ( وكأنّه ).

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٧٥.

(٨) تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢٦٥.

٦٠٣

حكّام الإسلام ، وقيل : يجب (١) عليه الخمس والباقي للواجد ، لأنّه كنز ، وقيل : دليل التفصيل .. إلى آخره (٢).

لعلّ مراده من أثر الإسلام الأثر الّذي يظهر منه كون صاحبه مسلما ـ كما يظهر من كلامه ـ فربّما كان ذلك سكّة الإسلام بالقياس إلى بعض البلاد وبعض الأوقات.

وبالجملة ، أيّ أثر يكون دليلا على كون المالك مسلما فهو المعتبر ـ كما يظهر من كلامه ـ فلا يناسب بعض المناقشات بأنّ أمر كذا لا يدلّ على كون الصاحب مسلما ، إذ عرفت أنّه إذا كان كذلك فليس بمعتبر عنده ، وليس داخلا في كلامه وتحت مرامه.

وكذا المناقشة بأنّه يجوز أن يعمله كافر ليعامل به المسلم ، لأنّه خلاف الظاهر وبعيد غاية البعد ، مع أنّه على تقدير كونه محتملا بحيث لا يظهر كون المالك مسلما لا يكون داخلا أيضا في كلامه ومرامه.

وكذا المناقشة بأنّه لعلّه ملك ذمّي أو معاهد ، لأنّ مجرّد الاحتمال لا يضرّ ، ولا يتوقّف على ثبوت كونه مال الحربي ، إذ على هذا لا يكون الشرط ظهور كون المالك مسلما كما اعتبره ، بل ظهور كون المالك حربيّا ، ولم يعتبره أحد ، بل لا شكّ في فساده ، إذ على هذا لا يكون المدفونيّة ، ولا الخرابة ، ولا جلاء الأهل وغير ذلك لها مدخليّة ، ولا الاستدلال بالروايتين (٣).

ولا يناسبه التعرّض في خصوص المقام ، بل لا شكّ أنّ الروايتين مطلقتان ،

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( قيل : ويجب ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٧٦.

(٣) أي : روايتي محمّد بن مسلم : مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٧٥ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٤٧ الحديثين ٣٢٣٢٤ و ٣٢٣٢٥.

٦٠٤

جميع ما هو من المحتملات داخل فيها ، أعمّ من احتمال كونه مال المسلم أو كونه مال الحربي أو المعاهد أو غير ذلك ، فإنّ الشارع مع جميع الاحتمالات حلّله ، بل بسبب الاحتمال حلّل ، وبمجرّده حلّل ، والأصحاب عملوا بالروايتين وأفتوا بهما (١) ، غاية الأمر أنّه أشكل على بعض الفقهاء صورة واحدة ، وهو ما إذا ظهر كون المال لمسلم بسبب علامة مختصّة به ، فإنّه ـ حينئذ ـ ربّما لا يكون داخلا في إطلاق الروايتين ، لعدم ظهور شمول لها لما يظهر من العلامات المختصّة كونه مال المسلم عنده ، أو أنّه يظهر العموم عنده إلّا أنّه معارض لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يحلّ مال امرئ مسلم » (٢). الحديث ، وأمثاله.

والتعارض من باب تعارض العموم من وجه ، فلا يثبت الحلّية ، والأصل بقاء الحرمة.

وأمّا علامة كون المال لأهل الذمّة أو المعاهد بحيث يكون له حرمة إلى حين الوجدان في الخربة ويظهر ذلك منها ، فلعلّها ممّا لا يكاد يتحقّق ، وعلى فرض التحقّق يتوقّف على عموم يعارض الروايتين ، بحيث يغلب عليهما ، ويخصّصهما ، ولعلّه لا يوجد عنده.

لكن لا يخفى أنّ فرض وجود أثر يظهر منه كون المال لمسلم أيضا بعيد ، سيّما بأن يكون الصاحب ممّن يجوز أن يعرف بالتعريف ، وأنّ التعريف ينفع بالنسبة إليه ، وقد عرفت أنّ مدلول الروايتين وفتاوي العاملين بهما في الموضع الّذي ليس كذلك ، وكذا كون صاحبه معلوم الوجود بحيث يتصدّق عنه ، فلهذا أطلق في الروايتين بأنّ المال للواجد ، وكذا الفتاوي ، فتأمّل.

__________________

(١) لاحظ! الروضة البهيّة : ٧ ـ ١٢٠ ، جامع المقاصد : ٦ ـ ١٧٥.

(٢) عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٢ الحديث ٩٨ و ٢ ـ ١١٣ الحديث ٣٠٩ و ٢٤٠ الحديث ٦ و ٣ ـ ٤٧٣ الحديث ٣.

٦٠٥

وممّا ذكر ظهر أيضا أنّه إذا وجد مثل الثوب يكون لقطة ، فتأمّل جدّا!

قوله : وقيل : دليل التفصيل الجمع بينهما وبين رواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : « قال : قضى علي عليه‌السلام في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرّفها ، فإن وجد من يعرفها ، وإلّا تمتّع بها » (١) ، وهذه أيضا تدلّ على جواز التسليم .. إلى آخره (٢).

يمكن الجمع بينهما بحمل ما دلّ على التعريف على إمكان الوصول إلى صاحبه ورجاء ذلك ، وما دلّ على العدم على عدم ذلك ، ولعلّ الظاهر من الفقهاء أيضا ذلك ـ أعني من سوى الشهيد الثاني رحمه‌الله (٣) ـ فتأمّل.

على أنّ ما لا يحتاج إلى التعريف هو المدفون ، كما أفتى به الأصحاب (٤) ، وما يحتاج إليه (٥) ما ليس بمدفون. وكون الورق مدفونا ، وإن لم يذكر في الروايتين ، إلّا أنّ الأصحاب فهموا كذلك ، ولعلّه الظاهر أيضا ، ولأنّه الموافق للقاعدة ، إذ لو لم يكن مدفونا يكون لقطة.

وأمّا رواية محمّد بن قيس ، فيمكن حملها على كون المراد رزقا واحدا ، لذكره بعنوان المفرد المنكر ، إذ الظاهر من قوله : وجدت في الدار رجلا ، أنّه رجل واحد ، بخلاف : وجدت الرجل أو وجدت التمر أو الحنطة ، فإنّ المراد من هذا الجنس. وإذا كان المراد ورقا واحدا ، فالظاهر أنّه غير المدفون ، لأنّ المتعارف أنّ

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٩٨ الحديث ١١٩٩ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٤٨ الحديث ٣٢٣٢٨.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٧٦.

(٣) الروضة البهيّة : ٧ ـ ١٢٠.

(٤) لاحظ! مفتاح الكرامة : ٦ ـ ١٧٣ ـ ١٧٤.

(٥) في النسخ الخطّية : ( وما ليس يحتاج إليه ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

٦٠٦

الدرهم لا يكون كنزا ولا مدفونا ، وأيضا عبّر في الأوّلين بلفظ الدار ، ولم يتعارف التقاط الورق في الدار ، بخلاف الخربة ، فإنّها ربّما تكون ممرّ الناس ومعبرهم ومحلّ الدخول والخروج ، فإذا اتّفق أنّ رجلا وجد ورقا ـ كما هو مضمون الرواية الأخيرة (١) ـ فلعلّه اللقطة ، كما أشرنا ، فتأمّل جدّا! وممّا ذكرنا ظهر أنّ المراد ممّا وجد في المواضع الثلاثة هو مثل الذهب والفضّة ، لا مثل الثوب والقلنسوة والنعل وأمثالها ، إذ الظاهر أنّها لقطة ، فتأمّل جدّا!

قوله : إذ قد يحمل الأولتان (٢) على ما بعد التعريف ، فإنّ هذه مقيّدة به بخلافهما ، فيجب التقييد كما تقرّر .. إلى آخره (٣).

لا يخفى أنّ الكنز الموجود في الخربة الّتي جلا أهلها لا ينفع التعريف فيه ظاهرا ، بل لا ينفع البتّة بالنسبة إلى غالب أفراده ، وحمل الحديث على الفرض النادر فيه ما فيه ، على أنّ حمل المطلق على المقيّد إذا لم يكن بينهما تفاوت سوى الإطلاق والتقييد ـ وقد عرفت التفاوت ـ بحيث يمكن الجمع بنحو آخر ، بل لعلّه أقرب.

قوله : إذ الفرض عدم مالك معروف ، ولهذا قال : « أن يعرّفها » .. إلى آخره (٤).

لعلّ مراده من المعروف من يمكن أن يعرف ، على ما هو الشأن في اللقطة.

__________________

(١) أي : رواية محمد بن قيس آنفة الذكر.

(٢) أي : روايتا محمد بن مسلم آنفتا الذكر.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٧٧.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٧٩ ـ ٤٨٠.

٦٠٧

الغصب

في أسباب الضمان

قوله : بل يمكن أن يقال : ظاهر ( بغير الحقّ ) (١) أيضا لم يشمل صورة الخطأ والنسيان مثل المذكور ، فإنّه غير ممنوع شرعا .. إلى آخره (٢).

لا يخفى ، أنّ المتبادر من قول : ( بغير الحقّ ) أنّه بحسب الواقع ، لا في ظنّه ، وكونه مأذونا شرعا في صورة الظنّ محلّ نظر ، بل غايته عدم المؤاخذة إن لم يكن في اعتماده على ظنّه مقصّرا ، بل العمومات الدالّة على منع العمل بالظنّ (٣) تقتضي المنع ، إلّا أن يثبت عدم المنع.

نعم ، إن ثبت الإذن شرعا في موضع ، فالأمر كما قال فيه خاصّة ، فتأمّل!

قوله : فإنّه معلوم عدم استلزام الحفر للبئر (٤) الإلقاء .. إلى آخره (٥).

لعلّ المراد من الملزوميّة أنّ هذا الإتلاف الخاصّ مختصّ به ، لا يوجد بغيره ، فتأمّل!

قوله : وكذا إلقاء الصبي أو المجنون العاجز من الفرار في مسبعة ، ويمكن أن

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٣٧٣ ، وفيه : ( بغير حقّ ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٩٢.

(٣) لاحظ! بحار الأنوار : ٢ ـ ١١١ ـ ١٢٤.

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( الحفر للتردّي ).

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٩٦.

٦٠٨

يكون الكبير القادر أيضا كذلك .. إلى آخره (١).

لا يخفى أنّ في التقييد بالعاجز إشكالا ، لأنّ المجنون ليس له عقل يفرّ من جهته ، فربّما يبني على عدم الفرار من تلك الجهة ، وكذا الحال في الصبي الّذي مثله ، فـ « لا ضرر ولا ضرار » (٢) يشمله ، وعرفا يقال : إنّه أتلفهما.

قوله : وكذا فكّ قيد العبد المجنون ، وكذا فتح قفص الطائر ، وإن لم يطر في الحال ، بل بعده .. إلى آخره (٣).

التقييد بالمجنون أيضا مشكل ، لأنّ العاقل إذا انهزم وضاع ، أو لم يضع ـ إذ ربّما يكون الضياع من غفلته أو دهشته وأمثالهما ، وأمّا عدم الضياع بأن أبق ولم يوجد ، أو تضرّر في إباقه وتحصيله ، فتأمّل ـ فإنّ الإضرار شامل للكلّ ، فتأمّل!

قوله : [ فالضمان محلّ التأمّل ] بل خلاف قريب .. إلى آخره (٤).

قد مرّ الكلام في ذلك في محلّه.

قوله : [ ما يضمن بفاسده وبالعكس ] ، وذلك غير واضح .. إلى آخره (٥).

قد مرّ وضوحه في الجملة في مبحثه.

قوله : إلّا أنّ المباشر أقوى ، وقد تقرّر ـ كما سيجي‌ء ـ تقديم المباشر حينئذ في الضمان ، والفرق بينه وبين دلالة السرّاق به بفعله غير ظاهر ، لما مرّ (٦).

لا أعرف الوجه أصلا ، لأنّ الإضرار واقع عرفا ولغة وعقلا ، وهو موجب

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٩٧.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٢ الأحاديث ٢٣٠٧٣ و ٢٣٠٧٤ و ٢٣٠٧٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٩٧.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٩٩.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٩٩.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٠٠.

٦٠٩

للضمان ، لعموم الخبر (١).

وكون المباشر أقوى لا أفهم معناه ، وأنّ القوّة في ما ذا ، حتّى يظهر التفضيل! وأنّ مجرّد المفضوليّة كيف صار سببا لعدم الضمان مطلقا! مع أنّهم في الأيدي يحكمون بضمان الكلّ وإن كان أقوى ، بل يكون مغرورا من أخّر أو ناسيا أو جاهلا ، بل ربّما يكون ترتّب يده عليه واجبا عنده بحسب الشرع! ومع ذلك لا تأمّل في ضمان الكلّ ، غاية ما في الباب أنّ المغرور يرجع على الغارّ بما اغترم ، وأنّ قرار الضمان على من تلف في يده ولم يكن مغرورا ، فتأمّل!

قوله : وقد استشكل في « التذكرة » ضمانه إن كان عبدا كبيرا آبقا (٢) ، ومنه يظهر أنّ الضمان في المنع عن القعود على الفراش والبساط .. إلى آخره (٣).

لا تأمّل بحسب الدليل الشرعي ، والقاعدة الثابتة في الضمان في جميع ما ذكر ، ولا نفهم أصلا مدخليّة لما ذكر من أنّه يمكنه حفظ نفسه وعدم الإباق في عدم الضمان مع صدق الإضرار اللغوي والعرفي والعقلي بلا تأمّل ، وكذا الإتلاف عرفا ، فتأمّل جدّا!

قوله : فيكون الضمان الموجب مسندا إلى المباشر ، وهو ظاهر ، كأنّه مجمع عليه ، إلّا أن يعلم كون المباشر ضعيفا والسبب قويّا ، مثل أن يكون المباشر مكرها ، وحينئذ كأنّ المباشر ليس بمباشر ، إذ لا قدرة له على عدم المباشرة فصار السبب فقط .. إلى آخره (٤).

إن أراد مجرّد الإسناد ، فهو ظاهر ، إلّا أنّ انحصار الضمان ليس مقتضى ذلك ،

__________________

(١) أي : خبر « لا ضرر ولا ضرار » الآنف الذكر.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٣٧٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٠٠.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٠١.

٦١٠

وإن أراد انحصار الإسناد إليه حقيقة ، فهو كذلك ، وإن كان المباشر ضعيفا والسبب قويّا.

ومع ذلك ، انحصار الضمان فيمن هو المباشر حقيقة من أين ، مع صدق الإضرار من غيره أيضا؟ سيّما وأن يصدق المباشر على مثل العبد الآبق الكبير دون الصغير القادر على الإباق ، وخصوصا أن لا يكون على مزيل القيد ضمان أصلا ، خصوصا أنّه يعلم أنّ هذا القيد إنّما هو من خوف إباقه ، وسيّما مع علمه بأنّه بمجرّد الفكّ يأبق وينهزم ، وخصوصا مع علمه بأنّه لا يكاد يتمكّن المولى من أخذه ـ بأن لحق بدار الشرك أو غير ذلك ـ أو أنّه يتمكّن بعد خسارة وتعب ، فتأمّل جدّا!

قوله : [ إذ الغصب يتحقّق بالقبض ] ، وليس هو منحصرا في النقل ، وإلّا لم يجز بيع العقار وهبته ونحوهما ، الّذي يحتاج إلى القبض .. إلى آخره (١).

بل لا نسلّم أنّ الغصب في المنقول منحصر في النقل ، بل لا نسلّم توقّفه على القبض وتحقّقه به ، إذ بمجرّد إثبات اليد على وجه يمنع المالك غصب ، إذ [ أنّه ] أخذ لغة وعرفا ، فيشمله « على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي » (٢) وعموم لفظ الغصب ، إذ صادق لغة وعرفا أنّه غصبه ، بل ربّما كان بأقلّ من ذلك يصدق الغصب ، وكونه في يده وتحت تسلّطه والظلم والاعتداء عرفا ، فتأمّل!

قوله : [ بخلاف ] أن يمكّنه من النصف ، ولا يزاحمه ، ولا يسلّط عليه ممتازا ، إذ لا دليل بقول (٣) : في كلّ ما يتحقّق غصبيّته يكون ضامنا له .. إلى آخره (٤).

إن كان التمكّن من التصرّف بعنوان المشاع ، فلا شكّ في صدق كون المجموع

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٠٣.

(٢) عوالي اللآلي : ١ ـ ٣٨٩ الحديث ٢٢.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( ولا يسلّط عليه ممتازا أو لا ، إذ لا دليل ، بل نقول .. ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٠٣.

٦١١

في يد الغاصب ، لأنّه تحت تسلّطه ويده ، إذ يده على كلّ جزء جزء وذرّة ذرّة ثابتة مستحكمة ، غاية الأمر أنّ يد المالك أيضا كذلك ، فعموم « على اليد » وغيره ممّا أشرنا يشمله ، سيّما بملاحظة ما يظهر من أنّ الغاصب مأخوذ بأشقّ الأحوال.

قوله : لا يضمن إلّا ذلك إذا (١) قصد جزءا من بيت وتصرّف فيه فقط مستوليا على ذلك الحدّ والمتصرّف منه لا غير .. إلى آخره (٢).

فيه أيضا إشكال ، لأنّ الغاصب مشى على أجزاء الأرض ، وتصرّف فيما مشى بمشيه ، فيصدق أنّه تصرّف بغير إذن المالك ، و « لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا من طيب نفسه » (٣) ، فإذا كان بغير إذن المالك ولا إذن الشرع يكون غصبا (٤) ، وتحت التسلّط وتحت استيلائه ، فيكون غصبا ، فتأمّل.

بل سيذكر أنّ مجرّد التصرّف بغير إذن المالك والشرع يكفي في الضمان وكونه غصبا ، وهو الظاهر في مباحث الكتاب.

قوله : وأيضا تحقّق غصب الخيمة بالدخول فيها غير ظاهر ، إذ [ هو ] ما باشره ، فلا يصدق أخذ مال الغير ولا إثبات اليد .. إلى آخره (٥).

لا شكّ في صدق الغصب عرفا إذا كان بغير إذن المالك وقصد الاستيلاء عليه ، ولا حاجة في ذلك إلى أخذ وإثبات يد ، ولا تأمّل في أنّ صلاته فاسدة ، لأنّها تصرّف في الخيمة ، والتصرّف بغير إذن المالك حرام بلا شكّ ، والتصرّف في

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( لا يضمن إلّا ذلك ، إلّا إذا ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٠٣.

(٣) عوالي اللآلي : ٢ ـ ١١٣ الحديث ٣٠٩.

(٤) كذا في كافّة النسخ ، والظاهر زيادة ( يكون غصبا ).

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٠٨.

٦١٢

كلّ شي‌ء على حسب ما هو المقصود منه والمصنوع لأجله ، بل الظاهر أنّه أعمّ من ذلك بحيث يصدق عرفا أنّه متصرّف فيه ، بل كلّ ما فعل به أو فيه بغير إذن المالك حرام ، والحرمة منشأ لبطلان الصلاة.

قوله : إذ المالك أيضا متصرّف ، ولهذا يحكم له باليد ، وقد مرّ مثله في الداخل على ساكن الدار الّذي يضمحلّ بضعفه من غير إزعاجه ، فتأمّل (١).

قد مرّ أنّ تصرّف المالك غير مناف لتحقّق الغصب ، والقبض بغير إذن المالك أو التصرّف بغير إذنه ، ومرّ من الشارح أنّ هذا القدر يكفي للضمان (٢) ، فتأمّل!

قوله : والظاهر أنّه غاصب ، للتعريف ، فيحتمل النصف كما في الدار ، فتأمّل .. إلى آخره (٣).

بل الظاهر احتمال الكلّ إن كان مشاعا ، والقدر الّذي مشى عليه أو تصرّف فيه بأيّ نحو كان ، أو تسلّط عليه بأيّ نحو كان ، إن كان مفروضا ، فتأمّل!

قوله : [ فكأنّه لم يلدغه الحيّة ] هنا ، فهو سبب كالحافر ، وليس هنا مباشر أقوى ، وليس هو قادرا على دفع المهلكات عن نفسه ، وعروض أمثال هذه الأمور ، فغير بعيد .. إلى آخره (٤).

ما ذكره وارد في الكبير أيضا ، ومجرّد القدرة على الدفع لا ينفع ، إذ ربّما يلدغ غفلة ويقع عليه الحائط غفلة ، أو لا يمكنه الفرار ، مع أنّ الصغير أيضا ربّما كان قادرا على الدفع ، إلّا أن يقيّده بغير القادر وغير المميّز أصلا.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٠٩.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٠٣ ـ ٥٠٤.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٠٩.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥١١ ـ ٥١٢.

٦١٣

قوله : فإنّ كبره (١) مع عدم قدرته على دفع الحيّة والعقرب ، إذا لم يره في الحبس لظلمته كالطفل ، بل وكالحيوانات الّتي لا شعور لها .. إلى آخره (٢).

غير خفيّ أنّ لدغ الحيّة والعقرب متعارف شائع في الكبار ، بل ربّما كان فيهم أكثر ، والقدرة على الدفع من الفروض النادرة البعيدة ، والعقرب لدغ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : « لعنك الله ، لا تدع البرّ ولا الفاجر » (٣) ، وأمّا وقوع الحائط فأظهر.

نعم ، لو ظهر أنّه أمكنه الفرار ولم يكن غفلة ولا دهشة فبقي عمدا عالما مختارا حتّى لدغه أو وقع تحت الحائط ، أمكن الفرق ، لكنّه حينئذ يكون مجنونا ، إلّا أن يكون يريد قتل نفسه لغرض من الأغراض ، والظاهر أنّه لا يكون إلّا من حمق أو جنون ، فتأمّل!

قوله : وسبب الضمان منحصر في ذلك ، بخلاف ما لو استعمله ، فإنّه أخذ منه ماله عوض بلا عوض (٤) ، فكأنّه غصب منه مالا وحقّا أو أتلفه فيضمن.

لعلّ (٥) ليس لهم فيه خلاف .. إلى آخره (٦).

ليس كذلك ، بل حديث : « لا ضرر ولا ضرار » (٧) وما سيذكره رحمه‌الله أيضا دليل وسبب ، مع أنّ عمله حقّ وله عوض قطعا ، كما اعترف به ، ولذلك يستحقّ بالاستخدام العوض ، ويصير في الإجارة عوض الأجرة المسمّاة ، وفي بعض

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( فإنّ الكبير ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥١٢.

(٣) المحاسن للبرقي : ٢ ـ ٤٢١ الحديث ٢٤٧٦ ، بحار الأنوار : ٥٩ ـ ٢٠٧ الحديث ٢.

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( فإنّه أخذ منه ماله بلا عوض ).

(٥) كذا ، وفي المصدر : ( ولعلّه ).

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥١٣.

(٧) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٢ الأحاديث ٢٣٠٧٣ ـ ٢٣٠٧٥ ، وقد مرّ آنفا.

٦١٤

الأوقات عوض اجرة المثل ، فكيف يكون ماله عوض شرعا وعقلا وعرفا وعادة يتلفه ويضيّعه بلا عوض أصلا؟! على أنّهم قالوا في عقد الإجارة ، بمجرّد العقد ينتقل الأجرة من ملك المستأجر إلى ملك المؤجر ، ومن حين العقد يصير كذلك بعوض انتقال المنفعة من المؤجر إلى المستأجر ، وأنّ العوضين لا ينتقل كلّ واحد منهما إلى الآخر إلّا وينتقل الأخر منهما إلى صاحب الأوّل ، كما هو الحال في البيع والصلح.

ولذلك كلّ من المتعاقدين يتسلّط على أخذ ما وقع العقد عليه قهرا ، وأيضا يصير عوض البضع في النكاح وعوض كلّ شي‌ء وكلّ ملك وكلّ حقّ ، وحاله حال الملك والمال في جميع الأحوال ، ولا فرق بين المال والحقّ بحسب العرف والعقل والشرع أيضا ، كما أشرنا ، فتأمّل جدّا! وبالجملة ، إن ثبت إجماع فهو ، وإلّا فالأمر كما ذكر.

قوله : وجزاء السيّئة سيّئة (١) ، والقصاص ، ونحو ذلك ، فتأمّل (٢).

الأظهر التمسّك بـ « لا ضرر ولا ضرار » أيضا ، ونحو ذلك ممّا ذكرنا.

قوله : وأنّ منافع الحرّ لا تضمن ، إذ غير واضح [ الثبوت عمومه ] .. إلى آخره (٣).

قد عرفت عدم وضوح الثبوت أصلا ، فضلا ، عن العموم.

قوله : والغاصب ظالم وعاص وآثم بالاتّفاق ، بل قالوا : الغصب كبيرة ، فتأمّل .. إلى آخره (٤).

وجهه ، أنّ الغصب عرّف بمعان متعدّدة ، وأنّه لا مشاحّة في الاصطلاح ،

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( وجزاء سيّئة سيّئة ) ، وفيه إشارة إلى الآية ٤٠ من سورة الشورى (٤٢).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥١٣ ـ ٥١٤.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥١٤.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥١٨.

٦١٥

وأنّ العبرة بالدليل ، وكلّ ذلك مرّ منه رحمه‌الله ، فلا مانع من أن لا يكون آثما ويكون ضامنا ويسمّى غاصبا ، إلّا أنّ تأمّله في الدليل ، والدليل هو حديث « على اليد » (١) المنجبر بعمل الأصحاب ، والدلالة واضحة ، مع أنّها ظاهرة ، والظهور يكفي ، ويؤيّد الظهور فهم الأصحاب.

قوله : ( وأمّا أتلف ، فقرار الضمان على المتلف ) (٢) ، هذا أيضا على عمومه ليس بجيّد .. إلى آخره (٣).

لا يخفى أنّه لا يريد عمومه ، وكلماته في غير هذا المقام صريحة في عدم الإرادة ، فلاحظ وتأمّل!

قوله : وقد عرفت أيضا عدم ظهور صحّته ، وتواتره ، وصراحته أيضا ، وعلى [ فرض ] صدق أنّه غاصب .. إلى آخره (٤).

لا يجب أن يكون متواترا ولا صحيحا أيضا ، بل الانجبار بالشهرة كاف ، لأنّ الراوي وإن كان فاسقا يكفي التبيّن (٥) ، وفي التبيين يكفي الظنّ والظهور ، كما يكتفون في العدالة بالمظنّة ، في ثبوتها ونفس ماهيّتها ، وفي ترجيح التعديل ، وفي تعيين المشتركات ، وأنّ الأصل عدم سقط في الرواية ، وعدم تحريف وتغيير وتبديل ، وغير ذلك ، فتأمّل جدّا!

__________________

(١) مرّت الإشارة إليه آنفا.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٣٧٧ ، وفيه : ( أمّا إذا أتلفه ، فإنّ قرار الضمان على المتلف ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥١٨.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٢٠.

(٥) لاحظ! الحجرات (٤٩) : ٦.

٦١٦

قوله : [ فإنّه مغرور ] ، فيجب الرجوع على الغاصب فقط ، فتأمّل (١).

لا يخفى أنّ قرار الضمان على الغاصب إذا كان مغرورا ـ على ما هو المشهور ـ ولا معنى لعدم الرجوع على من استوفى المنفعة ، فإنّ المنفعة ملك من أملاك المالك استوفاها الساكن ، فالمالك يرى أنّ ملكه استوفاه وانتفع به ويمنع منه وأتلفه الساكن ، فكيف لا يتأتّى له مطالبته بملكه وعوضه؟! بل ربّما كان الغاصب مات ، أو غاب ، أو لم يتمكّن من أخذ شي‌ء منه ، أو يصعب عليه الأخذ ، أو يكون الأخذ من الساكن أرفق له وأسهل وأحسن ، إذ ربّما كان مال الغاصب شبهة وأمثالها ، فتأمّل جدّا!

في أحكام الغصب

قوله : فإنّه ما أتلف شيئا ، ولا تلف في يده عين الأجزاء ، ولا كلّ (٢) ، ولا منفعة تفوته ، ولا ضمان إلّا بثبوت شي‌ء (٣). وإن كان العيب يتجدّد يوما فيوما ـ مثل نتن الحنطة ـ يتجدّد (٤) ضمانه أيضا كذلك ، ففي اليوم الأوّل إن كان أرشه درهما لعيبه ، ثمّ زاد العيب بحيث صار الأرش نصف درهم آخر ، وهكذا إلى أن تلف (٥) ، فيضمن التالف بقيمته (٦).

لا يخفى أنّ سبب الضمان ليس منحصرا في الإتلاف ، فإنّهم ربّما يحكمون

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٢٠.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( عين الأجزاء ، لا كلّه ولا بعضه ).

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( إلّا بفوت شي‌ء ).

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( فيتجدّد ).

(٥) كذا ، وفي المصدر : ( بحيث صار الأرش نصف درهم آخر ، يضمن الدرهم ثمّ نصف درهم آخر ، وهكذا إلى أن تلف ).

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٢١ ـ ٥٢٢.

٦١٧

بالضمان بسبب الإضرار ، استنادا إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا ضرر ولا ضرار » (١) ، وقدماء فقهائنا والمحدّثين لا يذكرون في باب الضمان بمثل الغصب والإتلاف سوى هذا الحديث ، وحديث : « ليس لعرق ظالم حقّ » (٢) ، ولم يذكروا حديث : « على اليد » ، فضلا عن تعريفاته.

والمتأخّرون في كثير من المواضع يستندون إلى حديث « لا ضرر ولا ضرار » ، ومع ذلك لا أراهم يراعون هذا الحديث في كتاب الغصب والإتلاف ، بل يحكمون بأنّ الغاصب يضمن أعلى القيم وإن كان المتلف غيره ، إذا كان قيميّا أو مثليّا ولم يوجد ، ويقولون : هو مأخوذ بأشقّ الأحوال ، ولا دليل عليه من الأخبار سوى هذا الحديث ، بل وليس إجماع عليه ، ولا دليل آخر ، وحديث « على اليد » لا يدلّ عليه ، فإنّ حديث « لا ضرر ولا ضرار » حجّة ، فمقتضاه أنّ كلّ نحو من أنحاء الضرر يجب تداركه ورفعه على من أضرّ.

وربّما كان في أيّام الغلاء والقحط والحصار يصير صاع من الطعام ألف دينار ، فإذا غصب غاصب ألف صاع منه من مسلم ، بل ويتيم ، وذلك المسلم واليتيم يشتري بأمواله العظيمة أصوعا منه لقوته ونجاته من الهلكة ، وربّما يموت من الجوع جمع من عياله ودوابّه ، ومع ذلك يكون ذلك الغاصب صاحب طعام كثير يبيع طعامه بألف تومان ويتعيّش بالطعام المغصوب ، ثمّ بعد رفع الموانع وحصول الرخص العظيم الزائد صار الطعام كلّ ألف صاع بدينار يردّ مثل ما غصبه من المالك بعد ما أخرج وأنفق جميع أمواله الكثيرة غاية الكثرة في شراء

__________________

(١) مرّ آنفا.

(٢) عوالي اللآلي : ٢ ـ ٢٥٧ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ١٥٧ الحديث ٢٤٣٦٣.

٦١٨

الطعام له ولعياله ودوابّه يقوتون ولم يف أمواله فتديّن ديونا عظيمة زائدة على ما أنفقه من أمواله وتلف دوابّه بعد ذلك ، ولو لم يغصب الغاصب طعامه ، لكان يتعيّش هو وعياله ودوابّه ولم يمت أحد منها من الجوع ، وكان يزيد ذلك الطعام عن الأكل ، فكان يبيع الزائد بآلاف تومان ، ويصير ذا أموال عظيمة فوق أمواله السابقة ، والحال أنّه صار ذا ديون عظيمة بعد تلف أمواله ودوابّه ، وأيّ ضرر أعظم من هذا ، وأيّ فساد أشدّ منه؟! اللهم ، إلّا أن يثبت إجماع ، لكن نراهم لا يتمسّكون بالإجماع ، بل يتمسّكون بما ذكره الشارح رحمه‌الله ، وقد عرفت ما فيه ، فلو كان إجماع لكان الحجّة هو ، لا ما ذكروه ، وكان اللازم ذكر ذلك الإجماع.

نعم ، نقلوا الاتّفاق على عدم الضمان كما سيشير إليه الشارح رحمه‌الله (١) ، وكون ذلك إجماعا بالمعنى المصطلح عليه غير ظاهر ، ولذا لم يتمسّك الناقل ، ولا غيره في مقام إثبات عدم الضمان بحيث يعلم أنّه مستندهم ، وأشرنا إلى حال القدماء ، فلاحظ كتبهم وكلامهم.

فلذلك يكون ذلك الإجماع ظنّيا ، لكونه منقولا بخبر الواحد ـ على تقدير كونه إجماعا ـ وهذا القدر يكون كافيا في تخصيص « لا ضرر ولا ضرار » ، ومصحّحا لما أشرنا من الضرر والفساد العظيم ، يحتاج إلى التأمّل.

ومع ذلك أقول : أنا لا أفهم ، وهم أعرف ، والله العالم بأحكامه!

قوله : [ فإنّ ذراعا منه قد يسوى عثمانيّا ] والآخر شاهيّات (٢).

بل ربّما لا يكون له القيمة أصلا ، كما لا يخفى.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٢٨.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٢٢.

٦١٩

قوله : وبالجملة ، التفاوت معلوم ، وإن أريد التساوي في الجملة ، وهو (١) في القيمي أيضا موجود مثل الثوب والأرض ونحوهما (٢) ، وإن أريد مقدارا خاصّا فهو حوالة إلى المجهول .. إلى آخره (٣).

لعلّ المراد : التفاوت المتعارف المعتدّ به عند أهل العرف ، أي ما يكون متساوي الأجزاء عرفا يكون مثليّا ، وغير المتساوي

كذلك غير مثلي ، فتأمّل.

وأيضا ، المثلي ما تعارف تحقّق المثل له ، بحيث يساويه ويماثله في الطبيعة والمميّز النوعي والصنفي وهو أقرب إليه من كلّ جنس ، وإن كان مثل الدرهم والدينار ، فتأمّل.

فالغاصب والمتلف عليهما أن يردّا نفس ما أخذاه أو تلف عندهما ، بإتلافهما أو بغير إتلافهما ، إذا وجد ، وإن لم يوجد فما هو أقرب إليه كأنّه هو ، ففي المثلي مثله ، وأمّا القيمي فلمّا لم يتحقّق هذا المعنى ولم يمكن اكتفي بما تعارف أخذه عوضا عن شي‌ء ، فتأمّل! ففي القيمي إذا قيل عليه أن يردّ عوضه الّذي هو أقرب إليه ، يتبادر الدرهم والدينار والقيمة ، لتعارف كونهما عوضا ، لعدم تيسّر ما هو أقرب ، بخلاف المثلي ، فالمثلي خرج على قانون الأصل.

أمّا القيمي ، فلمّا تعذّر أو تعسّر الأقرب عادة اكتفي فيه بما هو العوض عادة ، فإذا قيل : عليك أن تردّه على صاحبه ، ونعلم عدمه وعدم ما يكون الأقرب الّذي كأنّه هو ، بل ومطلق الأقرب الّذي يكون مثله قدرا ويوازنه بحيث لا يزيد ولا ينقص اكتفي بالقيمة ، وهو العوض الموازي المساوي ، ويتبادر ذلك

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( فهو ).

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( مثل الأرض ونحوها ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٢٣.

٦٢٠