حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

التأخير الّذي ليس يقطع به عدم وصول الزرع وإدراكه في المدّة المسمّاة ، لأنّه أعطاه الأرض للزرع ولم يشترط عليه كيفيّة ، وتخلّف الظنّ ليس باختياره ، فتأمّل.

قوله : [ بطل العقد ] لأنّه يعود إلى الجهالة في المدّة ، فتأمّل (١).

أو الجهالة في الشرط الموجبة للغرر ، ولأنّ الشرط في حكم أحد العوضين.

قوله : ما لا يحتاج إلى الماء ، فعدم الماء لا يستلزم عدم إمكان الانتفاع .. إلى آخره (٢).

فيه ، ما لا يخفى على المتأمّل ، إذ لو أمكن أن يزرع بالهواء أو الظلّ أو الريح ـ كما هو الحال في بعض المواضع ـ فلا خيار له في الفسخ إن لم يشترط كون الزرع بالماء ، وإلّا يعود المحذور.

قوله : وهو صحيح ، على القول بجواز التخطّي إلى غير المنفعة المشروطة .. إلى آخره (٣).

لا يخفى أنّ من يقول بالتخطّي يجعل ما وقع العقد عليه هو المنفعة ، وكونها خصوص الزرع شرطا في ضمن العقد وبعد فقدان الشرط يجوز له أن يرفع اليد عن الشرط ، ويكتفي بالمنفعة الّتي كان يمكنه أن ينتفع بها مع وجود الشرط.

مثلا : لو كان الماء موجودا ورفع اليد عن الزراعة وجلس على تلك الأرض ، أو مشى عليها أو نام ، فلعلّه لا يمكن لصاحب الأرض أن يقول : لا تجلس على أرضي ولا تمش عليها ، أو لا تقعد ولا تيمّم ، لأنّه حال الزرع يمكنه أن

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠٥.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠٦.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠٧ ، جامع المقاصد : ٧ ـ ٣٢٢.

٥٢١

يفعل أمثال ذلك ، إلّا أن تكون مصلحة المالك هي الزرع لا ما ذكر ، فتأمّل.

لكنّ الأمر في المزارعة لا يخلو عن الإشكال ، بل مشكل.

قوله : وفي الأجرة تأمّل ، إذ الفسخ بسبب انقطاع ما هو شرط للصحّة (١) ، ولا أجرة لها سواها .. إلى آخره (٢).

بناء الأجرة على أنّ المنفعة ملك من أملاك المالك استوفاها العامل ، ولم يكن مجّانا وعارية بغير عوض ، وانقطاع الماء لم يكن من المالك بل من الله.

نعم ، لو كان المالك عالما أو ظانّا بالانقطاع ومع ذلك غرّه ، يلزمه بتغريره جميع ما خسر العامل أيضا ، فتأمّل!

قوله : ثمّ إنّ وجه التخيير أيضا غير واضح ، إذ الإجارة والمزارعة عقد لازم .. إلى آخره (٣).

الظاهر أنّ تعيين الزرع شرط من شروط المعاملة اللازمة ، فبعد فقدان الشرط له خيار الشرط ، كما ذكرنا في كتاب البيع (٤) ، فلاحظ! وبالجملة ، الشرط حقّ من حقوقه ، له أن يرفع اليد عنه ويلزم المستأجر بإعطاء المسمّى ، وليس له أن يقول : ما أعطي المسمّى لأنّك رفعت اليد عن بعض حقّك ، وله أن يفسخ بأن ما وقع التراضي إلّا على هذا الشرط.

هذا في الإجارة واضح.

وأمّا المزارعة ، فيمكن أن يقال : إنّه وقع المعاملة على النصف أو الثلث ـ مثلا ـ لكن بشرط أن يكون زرع كذا ، فيجوز له رفع اليد عن شرطه ، وليس

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( ما هو شرط للصحّة ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠٨.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٠٩.

(٤) راجع الصفحة : ٢٧٥ من هذا الكتاب.

٥٢٢

للعامل أن يقول : ما أعطي النصف أو الثلث لأنّي ما وفيت بالشرط وأنّك عفوت عن الشرط.

مع أنّ الغاصب مؤاخذ بأشقّ الأحوال بالقياس إلى المغصوب منه ، وللمغصوب منه مؤاخذته بذلك ، وله ما هو أرضى به وأرفق ، إلّا أن يمنع من الخارج مانع ، من إجماع أو نصّ.

وما ذكر من أنّه له إمّا المسمّى أو اجرة المثل ، فهو بعينه ثمر جواز ، وإلّا فلا وجه لما ذكره ، إذ كون العقد صحيحا قهرا لا وجه [ له ] قطعا ، والغاصب أقدم على أن يعطي ما يزيد عن أجرة المثل ، فلا وجه لأن يصير غصبه نافعا له ، مسقطا عنه بعض ما أقدم ورضي ، بل الغصب لو لم يرد عليه لا ينقص منه ، فتأمّل!

قوله : وأدلّة الإيفاء بالعقود والشروط ، مع عدم منع ظاهر .. إلى آخره (١).

إن جعل (٢) المستند عموم ( أَوْفُوا ) (٣) وغيره ، لزم المعاملة على البذر من دون أرض ، بأن يكون الزرع في أرض يباح فيها الزرع أو عارية أو إجارة استأجرها الطرفان أو غير ذلك ، وكذا الحال في العمل ، وفي العوامل ، وفي النفقة ، وفي الفدّان وفي المسحاة وغيرهما من الآلات ، ولم يعتبر جميع ذلك أحد إلّا أن يقول بأنّ ما ذكر باطل بالإجماع ، فتأمّل!

قوله : بل هو أعمّ ، [ بل الظاهر ] إنّ أهل خيبر كانوا كثيرين ، فوقع بينه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. إلى آخره (٤).

المراد أنّ العقد يقع بين طرفين متعاقدين وإن كان كلّ واحد من الطرفين

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١١٨.

(٢) في ب ، ج : ( إن جعلوا ).

(٣) المائدة ٥ : ١.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١١٩ ، وفيه إشارة إلى خبر حكاية خيبر : الكافي : ٥ ـ ٢٦٨ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٤٥ الحديث ٢٤١٢١.

٥٢٣

جماعة ، لا أن يكون أطرافا للعقد وجماعة متعاقدين لكلّ واحد منهم شرط على حدة وعقد سواء في عقد واحد كما هو المفروض.

في أركان المساقاة

قوله : وإن كان ما حصل له أقلّ ممّا أخذ من الهذب (١) أو الفضّة [ مع حصول التعب ] .. إلى آخره (٢).

بشرط أن لا تتحقّق سفاهة بهذه المعاملة ، بأن يكون في ذلك غرض معتدّ به عند العقلاء ، وإلّا فمعاملة السفيه باطلة ، وسيشير إليه الشارح (٣).

قوله : وكذا يبطل لو شرط للعامل جزءا من الأصل [ مع الحصّة ] .. إلى آخره (٤).

وفي « القواعد » استشكل في ذلك (٥).

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( أقل ممّا أخذ منه من الذهب ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٣٠.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٣١.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٣٢.

(٥) قواعد الأحكام : ١ ـ ٢٤٠.

٥٢٤

الجعالة

قوله : ويمكن حملها على كون التعيين بأمر المالك .. إلى آخره (١).

بعيد ، ويمكن حملها على الإرشاد ، وعلى وجه الاستصلاح ، فتأمّل جدّا!

قوله : [ وتفصيل هذه المسألة ] يحتاج إلى تطويل ، وقد مرّ .. إلى آخره (٢).

قد مرّ في كتاب البيع تحقيق ينفع (٣) المقام (٤).

قوله : إلّا بدليل يفيد ذلك ، وأنّ الثاني إنّما يتمّ إذا كان العوض مجهولا .. إلى آخره (٥).

لعلّ ما مرّ في كتاب البيع صار منشأ لحكمهم ، فإنّ التعيين بحسب نفس الأمر لازم بلا شبهة حتّى يصير بعد العمل حقّا له منتقلا إليه ، فإنّ غير المعيّن لا ينتقل ولا يستحقّ ، مع أنّه يصير محلّ النزاع ، كما اعترف.

وأمّا التعيين عندهما ، فالظاهر أنّه لا بدّ منه بالقدر الّذي يخرج به عن السفاهة ، فيصير حاله حال الصبيّ والمجنون ، أو السفيه ، إذ الظاهر أنّه حينئذ يستحقّون أجرة المثل ، كما هو الحال في جعل الجعل منهما بالمرّة ، فلا بدّ من تعيين يخرج به عن السفاهة عرفا ، وكذا لا بدّ من تعيين يرفع النزاع والمشاجرة ، كما مرّ

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٤٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٤٨.

(٣) لم ترد ( ينفع ) في ب ، ج.

(٤) راجع الصفحة : ٣٩ من هذا الكتاب.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٤٩ ـ ١٥٠.

٥٢٥

في البيع (١).

وأمّا التعيين الّذي يرفع الغرر ، فربّما كانوا يقولون بلزومه بناء على أنّهم يفهمون من نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع الغرر (٢) الشمول لغير البيع أيضا من المعاملات ، ولعلّه لتنقيح مناط عندهم (٣) ، وإلّا فالآن نحن لا نفهم ، سيّما مع عموم أدلّة الجعالة (٤) ، وخصوص بعض الأدلّة ، مثل : « من قتل قتيلا فله سلبه » (٥) ، ولهذا جعل ما ذكر محتملا (٦) ، واستحسنه أيضا في « القواعد » (٧).

قوله : إن احتاج إليه لتحصيل ماله وما أوجب الجهل ، حتّى لا يتمكّن من جوّز الجهل (٨) .. إلى آخره (٩).

مراده رحمه‌الله ، أنّ الحاجة ماسّة إلى أمثال هذه المعاملات ، والنظام يتوقّف عليها ، ولهذا جعلها الشارع (١٠) مشروعة ، كما ظهر من كلامه ، وأيضا فعل الحكيم يناسب أن يكون تام الفائدة.

فعلى هذا ، لو لم يجعل التعيين معتبرا لم يحصل المطلوب من النظام ، ولم تتحقّق الحاجة الماسّة ، لكن لا يخفى أنّ ما ذكره يصلح نكتة للفرق لا دليلا عليه ،

__________________

(١) راجع الصفحة : ١١٥ من هذا الكتاب.

(٢) عوالي اللآلي : ٢ ـ ٢٤٨ الحديث ١٧.

(٣) لاحظ! مسالك الأفهام : ١ ـ ٢٥٥.

(٤) وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٨٦ الباب ٥٠ من أبواب كتاب العتق و ١٨٩ الباب ١ من أبواب كتاب الجعالة و ٢٠ ـ ٤٦٦ الباب ٢١ من أبواب كتاب اللقطة.

(٥) عوالي اللآلي : ١ ـ ٤٠٣ الحديث ٦٠.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٥٠.

(٧) قواعد الأحكام : ١ ـ ٢٠٠.

(٨) كذا ، وفي المصدر : ( حتّى لا يتمكّن ، بل جوّز الجهل ).

(٩) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٥٠.

(١٠) في كافّة النسخ : ( ولهذا جعل الشارع ) ، والظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه.

٥٢٦

ولعلّ مراده رحمه‌الله ذلك ، والظاهر أنّ هذا مراده ، كما لا يخفى على المطّلع بحاله ، فتأمّل!

قوله : بخلاف من ردّه فله ثوب ، لأنّ جهالة الثوب .. إلى آخره (١).

قد عرفت أنّ مراده كونه بحيث ينتقل إليه ويستحقّه بعد تمام العمل ، ولا يتحقّق هذا المعنى في الثوب المذكور كما لا يخفى ، إذ ليس له أقلّ معيّن يدخل تحت الضابطة.

وأيضا ، لا شكّ في أنّ مثله محلّ النزاع ، كما مرّ في البيع (٢) ، فلاحظ!

قوله : متبرّع ، ولمّا بطل المعيّن يستحقّ ما هو بمقداره .. إلى آخره (٣).

وصرّح في « القواعد » بذلك (٤) ، ولا تأمّل في كونه هو الحقّ ، ولا خفاء في الدليل ، وأنّ الأمر كذلك في كلّ موضع يكون مثل الموضع ، إذ يحلف كلّ منهما على نفي ما يقوله الآخر ، وإن كان يبطل الاجرتان ، إلّا أنّ دعوى كلّ واحد يوجب الإقرار على نفسه بعدم استحقاقه أزيد ممّا ادّعى.

قوله : ويمكن أن يكون المراد الإمكان شرعا وصحّته .. إلى آخره (٥).

الظاهر ، أنّ مرادهم الأعمّ ، ومرّ وجهه في بيان الجهة الثالثة للفرق بين الأجرة والعمل في الحاجة إلى العلم (٦) ، فتأمّل! وأيضا ، شرط لتحقّق العقد ، ولثمره (٧) بحسب نفس الأمر ، إذ لو لم يكن لكان العقد لغوا بحتا فلا يكون صحيحة ، فتأمّل!

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٥٠.

(٢) راجع الصفحة : ١١٥ من هذا الكتاب.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٥١.

(٤) قواعد الأحكام : ١ ـ ٢٠٠.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٥٢.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٥٢.

(٧) أي : ولإثماره.

٥٢٧

قوله : لم يستحقّ شيئا ، لأنّه متبرّع حيث فعل [ من غير الشرط ] .. إلى آخره (١).

وإن اعتقد أنّه يستحقّ الجعل كما يستحقّه الغير ، لجهله بالمسألة ، فإنّ الجاهل بسبب جهله لا يستحقّ شيئا من أمثال ذلك.

قوله : [ من ردّ عبدي ] إلى هذا البلد فله كذا .. إلى آخره (٢).

بشرط (٣) أن يكون له فائدة ، حتّى لا يصير الجاعل سفيها فيبطل عقده ، ولا يستحقّ أخذ الأجرة منه ، فتأمّل جدّا!

قوله : والظاهر أنّه يستحقّ بالعمل ، فإنّ العوض جعل في مقابلة العمل .. إلى آخره (٤).

بشرط أن لا يكون عرف وعادة يعرف من الإطلاق إرادته ، وينصرف إليه.

قوله : [ شرط الأجرة تمام العمل ] فلا أجرة له قبله وقد فسخ بنفسه .. إلى آخره (٥).

وإن كان اعتقاده أنّه يستحقّ شيئا ـ كما عرفت ـ فإنّه باعتقاده ما أدخل النقص على نفسه ، إلّا أنّه في الواقع أدخل ، والجهل لا يصير سببا للعذر في استحقاقه ، والله يعلم.

بل الجاعل ـ أيضا ـ لو كان معتقدا استحقاقه لا يصير ذلك منشأ لاستحقاقه ، إلّا أن تقع المشارطة ، فإنّه حينئذ ما استوفى منفعته مجّانا ، وهو أيضا ما تبرّع ، فتأمّل جدّا!

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٥٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٥٣.

(٣) في ب ، ج : ( يشترط ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٥٣.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٥٣.

٥٢٨

قوله : أمّا لو فعل بعد موت الجاعل فهو متبرّع ، كما إذا فعل بعد فسخ الجاعل .. إلى آخره (١).

لكن للجاعل أن يقول : ما جعلت الجعل إلّا على الفعل والعامل أقدم على ذلك ولم يتحقّق الفعل ، إلّا أن يكون عادة ينصرف الإطلاق إليها ، فتأمّل! وعلى تقدير استحقاقه يحتمل بالنسبة كونها بالنسبة إلى أجرة المثل ، لما ذكر ، ويحتمل المسمّى ، وهو الظاهر من عبارة الشارح.

قوله : فلا يستحقّ شيئا من الجعل ، بل يجب عليه [ ردّ ما في يده إلى مالكه ] .. إلى آخره (٢).

لم يظهر من أدلّة الجعالة ، ولا عقد الجاعل ، ولا عمومات أخر الاستحقاق في هذه الصورة ، مضافا إلى ما كتبناه في كتاب البيع ، ومراد الفقهاء عدم الاستحقاق من جهة نفس الردّ ، لا من جهة أمر آخر أيضا.

قوله : كما قاله المحقّق (٣) ، والمصنّف في « التذكرة » (٤) .. إلى آخره (٥).

لعلّ مراد المحقّق كون الأمر في الجعل فيها على سبيل الإرشاد ، كما أشرنا (٦) ، أو أنّه ربّما يكون الرواية صحيحة (٧) ، سيّما مع انجبارها في الجملة ، فالاحتياط يقتضي عدم مخالفتها بالنسبة إلى الجاعل والعامل جميعا.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٥٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٥٥.

(٣) شرائع الإسلام : ٣ ـ ١٦٤.

(٤) تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢٨٩.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٥٦.

(٦) تقدّم في الصفحة : ٥٢٥ من هذا الكتاب.

(٧) أي رواية مسمع بن عبد الملك : مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٤٦ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٩٨ الحديث ١٢٠٣.

٥٢٩

قوله : ولكن العادة في مثله تقتضي العوض ، ويؤيّده .. إلى آخره (١).

دعوى الكلّية محلّ نظر ، بل العادة مختلفة بالنسبة إلى الأشخاص العاملين والجاعلين في المقامات ، فلعلّ مرادهم عدم الأجرة إلّا في صورة ظهور الأجرة من قرينة ، إذ العادة من جملة القرائن ، والإطلاق ينصرف إليها ، وبهذا يجمع بين كلامي المصنّف ، فتأمّل!

قوله : فإنّ الجعل إنّما جعل (٢) للردّ من بغداد ، ولا يلزم منه جعل جزء الجعل لبعض الطريق (٣) ، وهو ظاهر .. إلى آخره (٤).

لا يخفى أنّ المتعارف غرض الجاعل الحصول ، لكن لمّا كان اعتقاده أنّه في بغداد قال ما قال ، والعامل ما خرج إلّا إلى بغداد ، استحصالا لمطلوبه بعقده وعهده وعلمه بذلك ، إلّا أنّه اتّفق وجدانه في بعض الطريق ، فالقدر من المسافة كان داخلا في العقد ، وكذا ردّ العبد.

غاية ما في الباب ، أنّه لم يتحقّق بعض المسافة المعقود عليها ، بل في هذه الصورة لا يكون من جملة المعقود عليها ، لأنّ المعقود عليها ما هو لأجل وجدان العبد.

وبالجملة ، عدم طيّ بعض المسافة ليس بتقصير منه ، لخروجه عن الإمكان ، ولم يصر بذلك عاملا بغير ما عقد عليه ، ولم يخرج بذلك عمّا وقع العقد عليه أصلا عرفا ، بل يقال عرفا : إنّه أتى بالمطلوب من العقد القدر الممكن منه.

وهذه الصورة أولى من صورة موت العامل بعد قدر من العمل ، واختار

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٥٦.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( حصل ).

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( ولا يلزم منه جعل الجزء لبعض الطريق ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٥٩.

٥٣٠

هناك استحقاقه مع عدم إتيانه بالعمل وعدم ردّه العبد وعدم تسليمه (١) ، فكيف يقول في المقام ما يقول؟! فتأمّل!

قوله : إذ الأصل عدم التبرّع وعدم وقوع الضالّة بيد العامل حتّى يعلم ، ومعلوم بعد الجعل لا قبله .. إلى آخره (٢).

لا يخفى أنّ التبرّع لا يحصل بأمر حادث زائد عن الفعل ، بل يكفي عدم قصد الأجرة ، فكيف يصير الأصل عدم التبرّع مع أنّه لا تفاوت بينه وبين عدم التبرّع؟ إلّا أن يكون مراده من الأصل معنى آخر ، أي الظاهر أو القاعدة.

والأوّل لا يعارض الأصل ، والثاني يتوقّف ثبوته على دليل ، فإنّ كون الأصل أن يكون المنفعة المستوفاة عوض ولا يكون مجّانا يحتاج إلى دليل ظاهر يعارض أصالة عدم شغل الذمّة ، فتأمّل.

وأمّا أصالة عدم وقوع الضالّة بيده قبل العلم ، فلعلّه المراد منها أصل تأخّر الحادث ، فإنّ وقت العلم مضبوط معيّن لا يتمشّى فيه أصل التأخّر ، بخلاف الوقوع بيده إلّا أنّ معارضتها لأصالة عدم اشتغال الذمّة أصلا ورأسا ، وبعدمه عليها محلّ نظر ، بل ربّما كان الأصل الأوّل (٣) أقوى ، فتأمّل! وممّا ذكر ظهر ما في قوله : ( إلّا أنّ التعريف .. إلى آخره ) (٤).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٥٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٦٠.

(٣) في ب ، ج : ( أصل الأوّل ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٦٠.

٥٣١

السبق والرماية

قوله : وعلى تقديرها بشرع من قبلنا ، ليس بحجّة [ علينا ] .. إلى آخره (١).

ليس كذلك ، فإنّ الاستصحاب حجّة ويقتضي البقاء حتّى يثبت النسخ ، ولم يعلم أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسخ جميع الشرائع بحيث لا يشذّ عنها شي‌ء ، بل الثابت من الأخبار الكثيرة بقاء كثير :

منها : ملّة إبراهيم وسنّته (٢). وغير ذلك.

ومنها : ما ورد مدحه ، بحيث يظهر كونه حسنا بذاته (٣).

ولهذا طريقة الفقهاء ـ رضي‌الله‌عنهم ـ الاستدلال بأمثال ذلك في مقامات كثيرة ، وكثيرا ما يحتجّ المعصوم عليه‌السلام بإباحة شي‌ء ـ مثلا ـ بأنّ الشي‌ء الفلاني مثل شقّ الثوب على الأب والأخ بأنّ موسى شقّ على هارون (٤). وغير ذلك.

يظهر ما ذكرنا من تتبّع الأخبار.

وظهر كونه مشروعا في ذلك الشرع أنّ أولاد يعقوب عليه‌السلام أظهروا عنده عليه‌السلام بأنّا ( ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ ) (٥) ، فإنّ فيه ظهورا ، كما لا يخفى على المنصف ، سيّما مع عدم إنكار يعقوب عليهم ، ولا [ يخفى ] كون المراد هو العقد ، لعدم تأتّي الاستباق من

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٦٤ ، وفيه : ( وعلى تقديرها ، شرع من قبلنا .. ).

(٢) بحار الأنوار : ٧٣ ـ ٦٧ باب السنن الحنيفيّة.

(٣) بحار الأنوار : ٧٣ ـ ٩٧ الحديث ٧٠١.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ ـ ٢٧٤ الحديث ٣٦٣٦.

(٥) يوسف ١٢ : ١٧.

٥٣٢

دون مراهنة أو مقاولة ، فتأمّل!

قوله : والآية الثانية (١) أبعد ، وهو ظاهر (٢).

وجه الاستدلال بها إنّما هو بتفسير القوّة بالرمي ، والظاهر من إعداد هذه القوّة هو تعلّمه ، فيدلّ على إباحة هذا التعلّم ، بل ورجحانه ووجوبه ، فيصحّ العقد الواقع عليه ، لعموم ( أَوْفُوا ) (٣) ، وعدم مانع ، بل ويمكن الاستدلال بإطلاق الإعداد ، لأنّ المتعارف والغالب كان تحقّقه بالعقد ، فتأمّل!

قوله : والثاني (٤) أيضا غير معلوم صحّة سنده .. إلى آخره (٥).

ضعف السند منجبر بعمل الأصحاب.

قوله : [ ما لم يقل به الأصحاب ] من جواز القمار بالريش أي الطير (٦).

وربّما حمل الريش على ما هو في رؤوس السهام ، عادة وتعارفا ، فيكون المراد الإشارة إلى السهام.

قوله : [ الإجماع المستند ] إلى ما تقدّم ، والأصل .. إلى آخره (٧).

الأصل يدلّ على عدم منع منه ، لا على الصحّة.

قوله : فالظاهر الجواز ، للأصل ، ويدلّ بعض الروايات (٨) .. إلى آخره (٩).

وقراءة السكون مجرّد احتمال ، وبالاحتمال لا يثبت التكليف وما خالف

__________________

(١) الأنفال ٨ : ٦٠.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٦٤.

(٣) المائدة ٥ : ١.

(٤) أي الخبر المروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من لا يحضره الفقيه : ٤ ـ ٤٢ الحديث ١٣٦ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٢٥١ الحديث ٢٤٥٢٤.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٦٥.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٦٦.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٦٦.

(٨) لاحظ! أمالي الصدوق : ٣٦١ الحديث ٧ من المجلس ٦٨.

(٩) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٦٨.

٥٣٣

الأصل ، سيّما مع كونه مرجوحا بسبب أنّ المشهور قرأوا بالفتح ، مع أنّه على تقدير السكون لا دلالة أيضا كما ذكره ، بل ظاهر القرآن عدم حرمة اللعب مطلقا ، حيث قال اخوة يوسف ليعقوب ( أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ ) (١) ، فبعثه معهم للّعب ، وكون الأصل بقاء المشروعيّة ، كما ذكرنا سابقا.

وورد في الأخبار أنّ جماعة كانوا يرفعون صخرة بحضرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولون : نريد نمتحن قوّتنا وأنّه أيّنا أشدّ قوّة ، فلم ينكر عليهم ، بل قال لهم كلام آخر (٢).

وروى العامّة أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سابق بالقدم بعض أزواجه (٣) ، والعلم عند الله تعالى.

قوله : فلا يلزم بمجرّد الإيجاب والرضا ، فيكون مثل الجعالة قبل العمل. نعم ، يلزم السبق [ بعد العمل الموجب لذلك ] .. إلى آخره (٤).

وممّا يؤيّد عدم كونه من العقود اللازمة ، أنّ الفقهاء ما عيّنوا له صيغة ، وطريقتهم في العقود اللازمة تعيين الصيغة ، سيّما من يقول منهم بكون صيغها توقيفيّة ، موقوفة على النصّ وتعيين الشارع.

ويؤيّد أيضا ، أنّ المسلمين ـ بل وغيرهم ـ في الأعصار ما يقرؤون صيغة مركّبة من الإيجاب والقبول على طريقة الإنشاء وبالأمور الّتي يراعونها في العقود اللازمة ، ولا يلزمون بمجرّد العقد والصيغة بحيث لا يجوّز للآخر رفع اليد بالنحو

__________________

(١) يوسف ١٢ : ١٢.

(٢) بحار الأنوار : ٧٢ ـ ٢٨ الحديث ١٦.

(٣) سنن ابن ماجة : ١ ـ ٦٣٦ الحديث ١٩٧٩ ، المغني لابن قدامة : ٩ ـ ٣٦٨.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٧١ ـ ١٧٢.

٥٣٤

الّذي يفعلون ويراعون في العقود اللازمة ، بل الظاهر أنّه في أيّام الجاهليّة عند العرب وغيرهم كان البناء على ذلك ، فلا ينصرف الذهن من حديث : « لا سبق .. إلى آخره » (١) ، وغيره إلّا إلى ذلك.

فإذا كان المراد من ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) العقود المتحقّقة المتعارفة في ذلك الزمان ، فلا يثبت من الآية لزوم هذا العقد ، مضافا إلى ما أشرنا إليه من أنّ البناء على العموم اللغوي يوجب الإخراج من هذا العموم أزيد ممّا يبقى بكثير ، فتأمّل! على أنّ الصيغ الّتي ذكرها الفقهاء هنا قولهم : من سبق فله كذا ، وهذا لا يناسب العقد اللازم قطعا ، بل هو بعينه عقد الجعالة ، ولعلّه في الحقيقة نوع من الجعالة ، فتأمّل.

قوله : وعموم الأدلّة يقتضي الجواز مع الوصف .. إلى آخره (٣).

لم نجد العموم الّذي ادّعاه ، مع أنّه رحمه‌الله في صدر المبحث تأمّل في أدلّة السبق سوى الإجماع (٤) ، فكيف يدّعي العموم؟ فتأمّل!

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٦٤ ، الكافي : ٥ ـ ٤٨ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٢٥٣ الحديث ٢٤٥٣٠.

(٢) المائدة ٥ : ١.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٧٤.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٦٦.

٥٣٥

الشركة

في أحكام الشركة

قوله : [ لصاحب المال أن يفعل به ما يريد ] إلّا الممنوع شرعا (١) ، وليس هنا منع واضح ، فيلزم كسائر الشروط في سائر العقود (٢).

إذا تساوى المالان ولم يكن عمل منهما أصلا ، فإعطاء الزيادة من دون عوض في المعاملات سفاهة ، إلّا أن يكون الغرض مجرّد الإحسان والتبرّع ، فالظاهر أنّه قبل وجود النماء وعد بالهبة ، وبعده هبة ، فيجوز إعطاء كلّ حقّه وحصّته بهذا النحو.

والكلام إنّما هو في المعاملة كذلك واللزوم في الإعطاء بعد الوجود ، وما اعتبر الشارح وغيره في المعاملات ـ مثل البيع وغيره ـ هذا المعنى ، بل جعل هذا المعنى أكل مال بالباطل ، من حيث كونه بغير عوض أصلا ، وليس في مقابلته شي‌ء مطلقا (٣) ، ويمكن أن يقال بمثل ذلك فيما إذا كان عملان متساويان (٤).

إلّا أن يقال في الصورتين : الزائد الّذي يعطيه في مقابلة الناقص من حقّ الشريك في المشاع ، ويكون هناك غرض صحيح يخرج بسببه عن السفاهة.

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( إلّا الممنوع منه شرعا ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٩٩ ، تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢٢٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٥٣ ـ ٤٥٤.

(٤) في ب ، ج : ( يتساويان ).

٥٣٦

لكن الكلام في ثبوت صحّة هذه المعاملة شرعا ، بمعنى أنّها تؤثّر اللزوم وسائر الثمرات ، والأصل عدم الصحّة ، لأنّها حكم شرعيّ يحتاج إلى الثبوت ، فما لم يثبت يكون المالان باقيين على حالهما الّذي كان قبل العقد جزما.

ومثل « المسلمون عند شروطهم » (١) لا يفيد اللزوم والصحّة شرعا باتّفاق العلماء ، وصرّح الشارح بذلك (٢) ـ وإن كان تمسّك به أيضا غفلة ـ بمعنى أنّه لا معنى لأن يقال : إنّ كلّ مسلم شرطا بأيّ نحو وأيّ وجه ، يكون لازما شرعا وصحيحا مثمرا للثمرات الّتي ليست مدلول ذلك الشرط.

والبناء على تخصيصه بمخصّصات إجماعيّة أو نصّية توجيه وتأويل ، لا استدلال ، لجواز أن يكون المراد الأولويّة والأهميّة عند الشارع ، كما صرّحوا به ، بل هو أولى من تخصيصه بما هو أزيد من الباقي بمراتب شتّى ، فإنّه غير صحيح عند معظم الأصوليّين (٣).

وأمّا من يجوّز ذلك ، فلا شكّ في أنّه يراعي الأولويّة ـ يعني أن يكون هذا التخصيص أولى ـ ففي المساوي لا يجوز البناء عليه والفتوى به ، فضلا أن يكون مرجوحا (٤).

مع أنّ هذا العقد من العقود الجائزة قطعا ، فكيف يناسبه الوجوب والإلزام؟! فغير ظاهر شمول هذا ، و ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٥) وغيره للعقد الجائز ، إلّا أن يقال : يجب الوفاء بما يقتضيه العقد ، إن كان اللزوم فباللزوم ، وإن كان الجواز

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٦ الحديثان ٢٣٠٤٠ و ٢٣٠٤١.

(٢) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ١٢٣.

(٣) لاحظ! معالم الأصول : ١١٠ ـ ١١٣ ، قوانين الأصول : ١ ـ ٢٤١ ـ ٢٤٧.

(٤) لاحظ الهامش السابق!

(٥) المائدة ٥ : ١.

٥٣٧

فبالجواز ، وغير ذلك ممّا يقتضيه.

لكن الكلام فيما يقتضيه عقد الشركة ، فلا يمكن الإثبات بمجرّد ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وغيره.

مع أنّه إن بنى على ما هو معناه لغة ، أيّ عقد عاقد تم بأيّ نحو اخترعتم وتخيّلتم وأحدثتم يجب الوفاء ، ويصير حكما شرعيّا وداخلا في الدين ، وشرعا من شرع خير المرسلين من غير حدّ وضبط ، يلزم أن لا يكون العقود والمعاملات على النهج المقرّر في الفقه والمسلّم عند الفقهاء ، بل يلزم عدم الانضباط في المعاملات أصلا ، فتأمّل فيه ، إذ يمكن أن يقال : خرج ما خرج بالإجماع وغيره من الأدلّة وبقي الباقي.

لكن ، لا بدّ من التأمّل في صحّة هذا القدر من الإخراج والتخصيص ، كما أشرنا ، ومع ذلك يشكل رفع اليد عن الاستدلال

بها في المسائل الخلافيّة ، لأنّ المدار في الفقه عليه.

إلّا أن يقال ببطلان الاستدلال بها على صحّة المعاملة الّتي اخترعت من المتعاملين ، وصحّة الاستدلال بها على صحّة البيع اللغوي والعرفي ، وكذلك صحّة الهبة اللغويّة والعرفيّة ، والصلح اللغوي والعرفي ، والإجازة اللغوية والعرفيّة ، وغير ذلك من العقود الّتي كانت متعارفة حين نزول الآية ، لأنّ الخطاب مختصّ بالحاضرين ـ على ما هو الحقّ والمحقّق ـ والعقود المحقّقة والمتعارفة والمتداولة يفهم جزما ، أمّا الفرضيّة والتقديريّة ، ففهمها ربّما لا يخلو عن الإشكال.

هذا ، مضافا إلى ما عرفت من المفسدة ، لكن قد عرفت الإشكال في الشمول للعقود الجائزة.

٥٣٨

نعم ، ادّعى السيّد الإجماع على صحّة هذا الشرط (١) ، وربّما يظهر من بعض الأخبار (٢) أيضا ، لكن الظاهر منه أن يكون العمل متحقّقا ، وربّما كان إجماع السيّد أيضا في هذه الصورة.

وبالجملة ، لا بدّ من ملاحظة ذلك الإجماع كيف ادّعي ، وأنّه لا يظهر ما يورث الريبة في ثبوته ، وكذا ملاحظة الخبر ومضمونه ، وأنّه كيف ، فتأمّل! وأمّا ما ذكره من أنّ ( لصاحب المال .. إلى آخره ) (٣) ، فيه أنّه لا كلام في هذا ، إنّما الكلام في النقل شرعا واللزوم ، وغير ذلك من الثمرات الشرعيّة ، فإنّ شيئا من ذلك ليس بيد صاحب المال واختياره قطعا ، بل بيد الشارع ، ولا خفاء فيه.

قوله : ولأنّ هذا كالمضاربة ، وكما (٤) يجوز التفاوت فيها مع الشرط ، وبدونه محمول على التناصف [ كذلك هنا ] .. إلى آخره (٥).

لا تأمّل في أنّه يجوز جعل الشي‌ء من المال والربح بإزاء العمل ، وأنّ العمل ليس مثل المال قطعا ، كيف وربّما يكون المال في غاية الكثرة والعمل في غاية القلّة ، بحيث لو بطل المضاربة يستحقّ اجرة المثل القليلة؟

كما أنّ الأمر ربّما يكون بالعكس ، فكيف يكون اجرة العمل دائما في مقابل ربح المال ، ويكون المقتضي هو التنصيف؟! واقتضاء الإطلاق إنّما هو من جهة قولهما : الربح بيننا أو لنا ، لظهوره في

__________________

(١) الانتصار : ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

(٢) الكافي : ٥ ـ ٢١٢ الحديث ١٦ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٨ الحديث ٢٤٠٣٨.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٩٩.

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( فكما ).

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٩٩.

٥٣٩

التنصيف ، لعدم ترجيح وعدم مرجّح ، لا لأنّ العمل نماؤه وأجرته دائما مقابل ومساو لاجرة المال وربحه.

وبالجملة ، لعلّ قياسه على المضاربة قياس مع الفارق ، فتأمّل ، سيّما بالنظر إلى ظواهر الأخبار ، فإنّ الظاهر من الأخبار الواردة في الشراكة كون الربح والخسران بالنسبة إلى رأس المال (١) ، ولا كذلك أخبار المضاربة (٢) ، فلاحظ أخبارهما وتأمّل جدّا!

قوله : فالشرط هنا باطل ، لأنّه بمنزلة أن يشترط كون تلف مال نفسه الخاصّ من غيره .. إلى آخره (٣).

إن كان مقتضى الشراكة كون نسبة النفع والخسران إلى المال مطلقا ـ شرط أم لم يشرط أو شرط خلاف ذلك ـ فهو بعينه ما علّل به كلام الشيخ من أنّ ( شرط صحّة العقد .. إلى آخره ) (٤) ، ولا وجه لمنع ذلك.

وإن كان مقتضاها في صورة الإطلاق ذلك ، لا مطلقا ، فمع الشرط لا يلزم أن يكون تلف مال نفسه من غيره ، إذ لا يلزم كون التلف من ماله حينئذ حتّى يلزم ذلك ، فتأمّل! سلّمنا ، لكن معنى قوله : التلف على التساوي ، ضمان الشريك ما به التفاوت ، يعني يعطي الشريك عوضه من ماله ، فيجري فيه جميع ما ذكره بالنسبة إلى الربح ، فتأمّل.

قوله : لأنّه ما قبض إلّا لنفسه مال الغريم بغير إذن الشريك ، فتأمّل. إلى

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٦ الحديث ٢٤٠٣٤ ، وغيره من أحاديث الباب.

(٢) وسائل الشيعة : ١٩ ـ ١٦ الحديثان ٢٤٠٥٠ و ٢٤٠٥١ و ٢٥ الحديث ٢٤٠٧٤.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٩٩.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ١٩٩.

٥٤٠