محمّد باقر الوحيد البهبهاني
المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢
إلى المساوي أمر آخر ، وهو أن يجعل المساوي عوض الأوّل لا الجمع بينهما ، فتأمّل جدّا!
قوله : ويمكن عدمه إذا ما علم عدم جواز الاستعمال الّذي جوّزه ، إلّا أنّه لمّا فرّط دخل في ضمانه أو مطلقا (١) .. إلى آخره (٢).
فيه ما لا يخفى ، إذ بعد ما صار غاصبا ضامنا لم يعلم كون العين عارية عنده ، لأنّ مقتضى العارية عدم الضمان ، ولأنّ العارية حفظ العين والانتفاع بها بعد المحافظة ، لأنّ المتبادر منها ذلك ، ولأنّ مقتضى العادة عدم رضا المالك بعد التعدّي ، فتأمّل جدّا!
قوله : في الوديعة مع نقل الإجماع وما فيه ، وأنّه ليس بتامّ ما ذكر ، خصوصا في ترك الحفظ بمثل ترك العلف ، لأنّ الإذن السابق موجود ، فتأمّل (٣).
قد عرفت أيضا أنّ الوديعة ليست مجرّد إباحة التصرّف والإذن فيه.
قوله : إلّا أنّ بعض الأخبار (٤) يدلّ على أنّه أمين غير ضامن ، وأنّه لا ضمان عليه إلّا مع الشرط .. إلى آخره (٥).
مضافا إلى أنّه استأمنه في الحفظ يقينا ، لا في الردّ ، فتأمّل جدّا!
__________________
(١) كذا ، وفي المصدر : ( دخل في ضمانه إمّا مطلقا ).
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٨٦.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٨٧.
(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٩١ الباب ١ من أبواب كتاب العارية.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٨٧.
اللقطة
في شرائط اللقطة
قوله : وإلزام بالتربية ، والتفتين غير معلوم. على أنّه لو كان ذلك سببا ، لكان ينبغي عدم جواز أخذ الطفل الكافر أيضا .. إلى آخره (١).
لا شبهة في التفتين ، ومنه يظهر أنّ الشرط هو الإيمان ولا يكفي الإسلام ، فما يدلّ على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ووجوب هداية الكافر والضالّ وإخراجهما من الكفر والضلال ـ مع التمكّن ـ ووجوب إعانة البرّ ، وحرمة إعانة الإثم ، ووجوب الاستنقاذ عن الهلكة ، وأمثال ذلك ، يدلّ على عدم الجواز وإن كان اللقيط ولد الكافر قطعا.
وكون طفل الكافر الّذي ليس تحت أبويه محكوما بكفره فيه ما فيه ، بل الّذي بين أبويه وتحت حضانتهما أيضا ، وجريان بعض أحكام الكفر ـ مثل النجاسة ـ لا يقتضي الحكم بكفره ، سيّما مع ما ورد من أنّ « كلّ مولود يولد على الفطرة » (٢). الحديث.
نعم ، لو انحصر الأمر في الكافر بحيث لو لم يأخذه يهلك ويضيع ، يجب عليه ، كما يجب عليه أخذ ولد المسلم أيضا حينئذ ، وليس من باب الالتقاط ، بل حفظ
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٣٩٩.
(٢) الكافي : ٢ ـ ١٣ ضمن الحديث ٣ ، عوالي اللآلي : ١ ـ ٣٥ الحديث ١٨ ، بحار الأنوار : ٣ ـ ٢٨١ الحديث ٢٢.
النفس عن التلف ، فتأمّل جدّا!
قوله : وهذا الكلام (١) يدلّ على أنّ المسلم عدل ما لم يظهر فسقه .. إلى آخره (٢).
يدلّ على أنّ ظاهره العدالة ، ولعلّه بناء على حمل أفعاله على الصحّة ، لكن ربّما يعارضه أصالة العدم ، لأنّ العدالة أمر وجودي أو معتبر فيها أمور وجوديّة ، ولذا يذهب هو ولا غيره (٣) من المتأخّرين بكون الأصل في المسلم العدالة ، فتأمّل!
قوله : وعدم حفظ ماله لا يدلّ على عدم الأمانة ، إذ قد يكون في مال الغير (٤) ونفسه في غاية الحفظ .. إلى آخره (٥).
فيه ما فيه ، إذ السفيه من لم يتمكّن من المحافظة ، وليس له ملكتها أو قوّتها ، لا أنّه له القوّة والملكة في مال الغير دون مال نفسه ، مع أنّ مثل ذلك إن سامح في مال نفسه يكون له غرض معتدّ به عند العقلاء فلا يكون سفيها ، فتأمّل! فيمكن أن يقال : إن كان الالتقاط يتوقّف على تصرّف في ماله وخرج منه على اللقيط أو صرف أوقات عمره الّتي يحصل بإزائها عوض مالي فالمنع ، وإلّا فالجواز ، فتأمّل!
قوله : وكذا الحيوان الّذي لا يمتنع عن صغار السباع ، مثل الثعلب ، وابن
__________________
(١) إشارة إلى الكلام الّذي نقله عن التذكرة : ٢ ـ ٢٧١.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٠١.
(٣) كذا في كافة النسخ ، والظاهر أنّ الصواب هو : ( ولذا لم يذهب هو ولا غيره .. ).
(٤) كذا ، وفي المصدر : ( في حفظ مال الغير ).
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٠٢.
آوى ، وولد الذئب ، وولد الأسد ، ونحوها .. إلى آخره (١).
لأنّ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّما هي لك » (٢) تعليل لجواز الأخذ ظاهر لا خفاء فيه ، والعلّة المنصوصة حجّة بقضاء الفهم العرفي ، وهو حجّة كما حقّق ، ومسلّم عند الكلّ.
في أحكام اللقطة
قوله : [ اللقيط حرّ مسلم ، ] فيحكم بهما ، ما لم يظهر خلافه ، مثل كونه في بلاد الكفر ليس (٣) فيه المسلم الّذي يمكن استيلاده منه .. إلى آخره (٤).
لكون الأصل الحرّية ، لأنّ الرقّية يتوقّف على أمر حادث وهو السبي ، بل وعلى الكفر أيضا ـ أصالة أو بالتبع ـ مع أنّهما أيضا حادثان ، والأصل في الحادث العدم ، ولأنّ الرقّية من حيث هي هي تكليف ، بل تكليفات ، والأصل البراءة ، ولما ورد من أنّ « الناس أحرار إلّا من أقرّ بالرقّ أو ثبت رقّه » (٥) على ما هو ببالي ، ولما سيجيء من الأخبار الصريحة في كونه حرّا.
ومقتضى ما ذكر كونه حرّا مطلقا ، من دون تقييد بما إذا لم يقع شبهة توجب
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٠٦.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٠٥ ، الكافي : ٥ ـ ١٤٠ الحديث ١٢ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٥٧ الحديث ٣٢٣٤٧.
(٣) كذا ، وفي المصدر : ( وليس ).
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٠٩.
(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٥٤ الحديث ٩٢ ـ ٢٩ ، وفيه « الناس كلّهم أحرار ، إلّا من أقرّ على نفسه بالعبوديّة وهو مدرك ، من عبد أو أمة ، ومن شهد عليه بالرقّ ، صغيرا كان أو كبيرا ».
درء الحدّ أو القصاص أو مطلق الإضرار ، بناء على أنّ الاحتمال بعد باق ، فيتوقّف بسببه في هذه الأحكام ، لأنّ مقتضى ما ذكر عدم العبرة شرعا بالاحتمال ، كما هو الحال في غالب الأحرار أو بعضهم ، وإن كان فيه أبعد ، فتأمّل!
قوله : لأنّ دليل وجوب المعرفة عقلي .. إلى آخره (١).
الوجوب العقلي دليله عقلي ، لا الشرعي ، فلعلّه تعالى عفى عن مثله ولم يعاتبه ولا يعاقبه ، مع أنّه لو تمّ ما ذكره يلزم أن يكون مكلّفا بالفروع الّتي يستقلّ بدركها العقل ، مثل قبح الكذب مطلقا أو المضرّ. إلى غير ذلك ممّا هو في غاية الكثرة ونهاية الوفور ، وفيه ما فيه.
على أنّ ما لا يستقلّ العقل بدركه يدرك بواسطة الشرع ومن قوله ، فيلزم أن يكون ما ذكره من المميّز مكلّفا مطلقا مثل البالغ ، وفيه ما فيه.
مع أنّ العمومات المقتضية للتكاليف على سبيل العموم أكثر من أن يحصى ، بل جلّ التكاليف الفرعيّة من العمومات ، فلا وجه في الاقتصار على مثل « من قال : لا إله إلّا الله فهو مسلم » (٢) ، وأمثاله.
وأيضا ، على ما ذكره يلزم أن يكون العبرة في كلّ تكليف بالتميّز لا بالبلوغ مطلقا ، وفيه ما فيه ، فتأمّل!
قوله : ولا شكّ أنّه أحوط ، وما استدلّ به الشيخ مؤيّد ، فقوله قريب .. إلى آخره (٣).
لكن رفع القلم عن الصبي حتّى يبلغ أو يحتلم (٤) من المتواترات أو المسلّمات
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤١١.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤١٠.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤١٢.
(٤) انظر! الخصال : ٩٣ الحديث ٤٠ و ١٧٥ الحديث ٢٣٣ ، وسائل الشيعة : ١ ـ ٤٥ الحديث ٨١.
الّتي لا تأمّل لأحد فيه ، ومرّ في كتاب الحجر تمام الكلام (١) ، فلاحظ!
قوله : ولعلّ دليله أيضا هو الإجماع أو النصّ (٢) ، وإلّا فهو بعيد .. إلى آخره (٣).
ربّما يدلّ على ذلك عموم « كلّ مولود يولد على الفطرة » (٤) ، و « إنّ الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » (٥) ، وما ماثلهما.
قوله : في صحيحة الحلبي في « الفقيه » ، قال : سئل الصادق عليهالسلام ، قال قلت : من الّذي أجبر على نفقته؟ .. إلى آخره (٦).
في الاستدلال بها إشكال ، لأنّه من الفروض النادرة ، ولأنّ الظاهر أنّه من حيث النسب والسبب من حيث هو ، لا من جهة العوارض ، إذ لا مانع من أنّه مع وجود من ينفق ، أو إمكان النفقة من غير نفسه لا تكون النفقة عليه واجبة ، وإلّا تكون واجبة عليه ، فتأمّل!
قوله : [ ويدلّ على الإنفاق بنفسه ، ] وكذا الرجوع ، فتأمّل. وإن لم ينفق يمكن بيع الكلّ ، ويكون الزائد لقطة .. إلى آخره (٧).
لعلّ وجهه أنّ المطلق دلالته على العموم ، وأنّه لا يحتاج إلى قيد ، إنّما هو إذا
__________________
(١) راجع الصفحة : ٣٧٧ من هذا الكتاب.
(٢) كذا ، وفي المصدر : ( الإجماع والنصّ ).
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤١٤.
(٤) مرّت الإشارة إليه.
(٥) من لا يحضره الفقيه : ٤ ـ ٢٤٣ الحديث ٧٧٨ ، عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٦ الحديث ١١٨ و ٣ ـ ٤٦٩ الحديث ١٥ ، وسائل الشيعة : ٢٦ ـ ١٤ الحديث ٣٢٣٨٢.
(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤١٦ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ٥٩ الحديث ١.
(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٢٠ ـ ٤٢١.
ذكر لبيان حكم نفسه ، لا أن يذكر تقريبا لبيان حكم آخر ، إذ في الثاني تضعف دلالته غاية الضعف.
وكيف كان ، فبيعه إنّما هو بحسب الضرورة ، والضرورة تتقدّر بقدرها ، فإذا أمكن أن يباع بشرط خيار الفسخ إلى مدّة معيّنة طويلة بحيث إذا ظهر المولى ولم يرض بفسخ ، ولا يكون حينئذ نقصان على المولى أصلا ، وإلّا فيباع بالنحو الّذي هو أصلح للمولى وأقلّ ضررا.
قوله : دليل المجوّز عموم أدلّة حكم اللقطة (١) ، ويدلّ عليه صحيحة زرارة في « الفقيه » ، في باب ما جاء في ولد الزنا واللقيط ، عن أحدهما عليهماالسلام ، أنّه قال في لقيطة وجدت ، فقال : « حرّة لا تشتري ولا تباع ، وإن كان ولد مملوك لك من الزنا (٢) ، فأمسك أو بع إن (٣) أحببت ، هو مملوك لك » (٤) ، وفي المتن شيء ، فتأمّل .. إلى آخره (٥).
شمول أدلّة اللقطة لما نحن فيه محلّ تأمّل ، لعدم التبادر ، ولأنّه على هذا يجوز التصدّق أيضا ، ولم يقل أحد ، وورد رواية ظاهرها متروك ، وخلاف الظاهر لا دليل على كونه حجّة.
قوله : إذ لا مانع من العموم مع قبول الحاكم ، كالوقف على جهات العامّة ،
__________________
(١) كذا ، وفي المصدر : ( اللقيطة ).
(٢) في مجمع الفائدة والبرهان : ( وإن كان ولد مملوك لك ، ولكن كان عن الزنا ) ، وما هنا موافق لمصادر الحديث.
(٣) في من لا يحضره الفقيه : ( وإن ) ، وما هنا موافق لمجمع الفائدة والبرهان ، ووسائل الشيعة.
(٤) من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ٨٦ الحديث ٣١٩ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٣٠٠ الحديث ٢٢٥٨٢.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٢١.
فتأمّل (١).
لا يكفي عدم المنع ، بل لا بدّ من المقتضي ، إلّا أن يقال : العمومات تقتضي ، ولا بدّ من ملاحظتها والتأمّل فيها.
قوله : فيه تأمّل ، إذ الكبرى غير بديهيّ ، ولا مبرهنا عليه ، فلا بدّ أن يكون دليل (٢) ، وما نعرف دعوى الإجماع إلّا في « شرح القواعد » (٣) ، ويحتمل النصّ.
الله يعلم .. إلى آخره (٤).
الظاهر أنّ الدعوى حقّ ، لأنّ الظاهر أنّ المدار في الأعصار والأمصار على أنّ كلّ من ادّعى أنّ ولدا ولده ولم يكن مانع هناك ولا معارض كانوا يتلقّون بالقبول ، وما كانوا يطالبون بالبيّنة والإثبات ، ويبنون ثمرات النسب عليه ويجرون فيه ، ويظهر ذلك من ملاحظة الأخبار أيضا (٥).
وربّما كان ذلك في دعوى المرأة ذلك أظهر ، إذ ما كانوا يأخذون الولد منها ولا يحولون بينه وبينها إلى أن يثبت الدعوى مع أنّه ربّما لا يمكن الإثبات ، فما سيجيء من [ أنّ ] المرأة لو ادّعت ذلك لا يسمع محلّ نظر ظاهر ، فلاحظ الأخبار ، وتتبّع فيها! مضافا إلى ملاحظة أحوال جميع المسلمين في العالم ، حتّى القائل بأنّه لا يسمع ذلك.
وأمّا ما ذكره من أنّ الدعوى لا تضرّ أحدا ، ففيه تأمّل ظاهر ، إلّا أن يكون
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٢٣.
(٢) كذا ، وفي المصدر : ( فلا بدّ أن يكون له دليل ).
(٣) جامع المقاصد : ٦ ـ ١١٨ و ٩ ـ ٣٤٩.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٢٥.
(٥) وسائل الشيعة : ١٩ ـ ٣٥٩ الباب ٤٣ من أبواب الوصايا و ٢٢ ـ ٤٢٣ الباب ٦ من أبواب اللعان.
مراده وقت الدعوى ، لكن في اعتباره تأمّل ظاهر.
قوله : [ جمعا بين الأدلّة ] ، وهو أولى وظاهر (١) ، ولأنّه تعب فلا يعقل إخلاؤه له ثمّ تكليفه بالإعطاء مجّانا ، وهو خلاف حكمة الواجب. وبالجملة ، الظاهر [ العمل بمضمون الرواية الصحيحة ] (٢) .. إلى آخره (٣).
بل الظاهر عدم دلالة يتحقّق من جهتها المعارضة ، بل بملاحظة المعارض يظهر غاية الظهور عدم الشمول ، بل فتاوي الأصحاب أيضا تمنع من العمل بها في غير اللقطة ، كما لا يخفى ، فتأمّل.
قوله : ولعلّ المراد بالمال فيها دابّة أخرى غير البعير لا مطلق المال ، بقرينة : « قد كلّت » .. إلى آخره (٤).
بل قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « قد كلّت .. إلى آخره » (٥) ، تنبيه على العلّة في كونها له ، وعدم سبيل الصاحب إليه ، فيقتضي العموم بالنسبة إلى كلّ حيوان يكون كذلك.
وقوله عليهالسلام في الروايتين : أنّه أحياها (٦) ، تنبيه واضح على أنّها كانت ذاهبة من يد الصاحب ، تالفة منه معدومة ، فالواجد حصّلها من جديد ، فتأمّل جدّا!
قوله : صحيحة الحلبي (٧) ، وظاهرها (٨) التملّك من غير ضمان وعوض ،
__________________
(١) كذا ، وفي المصدر : ( وهو أولى ، وهو ظاهر ).
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٣٢ ، الكافي : ٥ ـ ١٤٠ الحديث ١٣ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٩٢ الحديث ١١٧٧ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٥٨ الحديث ٣٢٣٤٨.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٣٣.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٣٣.
(٥) من رواية عبد الله بن سنان المشار إليها في الهامش ٢ من هذه الصفحة.
(٦) أي روايتي مسمع ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٣٢ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٥٨ الحديث ٣٢٣٤٩.
(٧) تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٩٤ الحديث ١١٨٤ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٥٧ الحديث ٣٢٣٤٧.
(٨) كذا ، وفي المصدر : ( وظاهرهما ) ، أي : ظاهر صحيحة الحلبي المتقدّمة في الهامش السابق ، وصحيحة معاوية بن عمّار : وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٥٩ الحديث ٣٢٣٥١.
ومثلها حسنة هشام بن سالم (١) ، واستشكل في « القواعد » (٢) و « التذكرة » (٣) الضمان ، ويفهم عدم الضمان من الروايات الدالّة على عدم الضمان في البعير ، فتأمّل .. إلى آخره (٤).
الظاهر أنّ مراده صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ أمر الشاة حينئذ دائر بين ثلاثة :
إمّا تتركها ولا تأخذها ، فحينئذ تكون للذئب ، بمقتضى الغالب من العادة.
وإمّا تأخذها ، فتكون لأخيك إن ظهر وجاء وطلب.
أو لك إن لم يظهر أو لم يطلب.
فحكمها غير حكم البعير ، ولعلّه لأنّ الغالب أنّ الشاة تضلّ عن الراعي والراعي في صدد طلبها ، بخلاف البعير الكالّ في غير ماء وكلأ ، فإنّ صاحبه يرفع اليد عنه غالبا أو يدعه كذلك في علم منه ورفع يد عنه ، وإن لم يعرض عنه إلّا أنّه إن أمكنه إحياؤه أو نجاته من الهلكة لما تركه كذلك من أوّل الأمر ، وتيسّر الإحياء منه في مثله نادر ، فلو تركه الملتقط لصاحبه لضاع ـ غالبا ـ وإحياؤه لا يتيسّر بسهولة من غير تعب وحرج ، فلذا أبيح له ، لأنّه ينجيه من الهلكة ويمنعه عن التلف ، كما أشرنا ، فتأمّل.
والحاصل ، أنّ حالهما ليس واحدا ، فلا مانع من اختلاف حكمهما.
قوله : مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام « قال : سألته عن
__________________
(١) الكافي : ٥ ـ ١٤٠ الحديث ١٢ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٥٧ الحديث ٣٢٣٤٧.
(٢) قواعد الأحكام : ١ ـ ٩٩.
(٣) تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢٥٧.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٣٥.
اللقطة ، قال : لا ترفعها (١) ، فإن ابتليت تعرّفها (٢) سنة ، فإن جاء طالبها وإلّا فاجعلها في عرض مالك ، يجري عليها ما يجري على مالك إلى أن يجيء طالب » .. إلى آخره (٣).
قوله عليهالسلام : « لا ترفعها » (٤) يمنع من حمل الرواية على ما يشمل الضالّة ، فهي مخصوصة باللقطة بلا تأمّل.
قوله : وأنّ تخصيص الأخبار العامّة الّتي تدلّ على أنّها للآخذ ، بأنّها بعد التعريف وجواز التصرّف فقط مع عدم اللزوم أولى من تخصيص العامّة الدالّة على وجوب التعريف بغير الشاة .. إلى آخره (٥).
قد أشرنا إلى أنّ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أو لأخيك » يشعر بأنّه لا يصير ملكا لازما للآخذ ، بل لا تأمّل في الدلالة ، إذ لا يبقى على ذلك لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أو لأخيك » معنى ظاهر ، لكن حمل تلك الأخبار على أنّ المراد بعد التعريف سنة بعيد جدّا ، لأنّها مع كثرتها في مقام الحاجة إلى بيان حكمها (٦) ، ولم يشيروا عليهمالسلام إلى حكاية ذلك التعريف أصلا ، ففيها ظهور تامّ في عدم التوقّف على التعريف المذكور ، بخلاف المعارض.
فإنّ ما ورد في حكم اللقطة ، فشموله للضالّة بعنوان الظهور محلّ تأمّل ، سيّما
__________________
(١) كذا ، وفي المصادر : ( لا ترفعوها ).
(٢) كذا ، وفي مجمع الفائدة والبرهان : ( فإن ابتليت بها فعرّها ) ، وفي وسائل الشيعة : ( فإن ابتليت فعرّفها ).
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٣٦ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٩٠ الحديث ١١٦٥ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٤٢ الحديث ٣٢٣٠٨.
(٤) في المصادر : ( لا ترفعوها ).
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٣٧.
(٦) في ب ، ج : ( في مقام الحاجة ، لا بيان حكمها ).
أن يكون الظهور تامّا.
وأمّا ما دلّ على حكم الدابّة ، فشموله لمثل الشاة ، وصغار الإبل ، والبقر أيضا محلّ نظر ، بل الظاهر من الأخبار أنّ الدابّة حكمها حكم الإبل ، كما مرّ في رواية السكوني (١) ، ورواية مسمع (٢) وغيرهما ، فلاحظ! مع أنّها ليست مثل الشاة وأمثالها قطعا ، فكيف يصير حكمهما واحدا؟!
قوله : سوى القياس المستنبط من قوله عليهالسلام : « هي لك » ، فمجرّد ذلك الحكم لا يخلو عن جرأة ، إذ العقل والنقل دلّا على عدم جواز التصرّف في مال الغير إلّا بإذنه .. إلى آخره (٣).
لا يخفى أنّ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « هي لك .. إلى آخره » في مقام التعليل على جواز الأخذ له أو لأخيه ، كما أشرنا سابقا ، وهو ظاهر على من تأمّل أدنى تأمّل ، فليس القياس المستنبط ، بل المنصوص العلّة.
والمراد من النصّ : الظاهر من اللفظ ، وهو حجّة في الألفاظ ، كما حقّق في محلّه ، وحجيّة المنصوص أيضا من الفهم العرفي ، وما يفهم عرفا حجّة ، كما حقّق في محلّه ، فتأمّل!
قوله : ولو وجد شاة في العمران حبسها ثلاثة أيّام ثمّ تصدّق بها عن صاحبها ـ إن لم يأت ـ أو باعها ويتصدّق بثمنها .. إلى آخره (٤).
مع التعريف ، كما هو مقتضى الرواية (٥) ، والقاعدة.
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٣٢ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٥٨ الحديث ٣٢٣٥٠.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٣٢ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٥٨ الحديث ٣٢٣٤٩.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٣٩.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٣٩ ، تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢٦٨.
(٥) أي رواية ابن أبي يعفور ، عن الصادق عليهالسلام : مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٤٠ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٥٩ الحديث ٣٢٣٥٢.
قوله : لكن الحكم مشهور .. إلى آخره (١).
فالشهرة جابرة.
قوله : إذ قد يطعمه ما لا قيمة له ، مثل أن يرعاه في الصحراء من غير أجرة ، وكذا كون الحاكم مطلقا وكيلا (٢).
هذا التعليل لعلّه للتقوية ، وإلّا فالمغصوب لا يرجع بما أنفق عليه الغاصب على صاحبه إجماعا ، وهو الموافق للقاعدة أيضا ، إذ تسلّطه على أخذ العوض من المالك يتوقّف على دليل ، والأصل عدمه وبراءة ذمّة المالك.
ومجرّد كون النفقة واجبة على المالك [ لا يقتضي ] أن يكون كلّ من أنفق عليه ـ وإن كان بقصد الرجوع ـ يكون له الرجوع ، وهو ظاهر ، بل من أنفق عليه أسقط الإنفاق عن ذمّة المالك ، والإسقاط لا يقتضي العوض ، إلّا أن يكون بإذن المالك أو الشرع على نحو يكون له الرجوع ، وليس أحدهما في المقام.
قوله : [ حكم غير الممتنع مطلقا ] حكم الشاة ، لما مرّ .. إلى آخره (٣).
ومرّت الإشارة إلى دليله ، وأنّه الظاهر منه (٤).
قوله : رواية أبي بصير ، عن علي بن حمزة (٥) ، عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليهالسلام : « قال : سألته عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه ، قال : بئس ما صنع ، ما كان ينبغي له أن يأخذه ، فقلت : قد ابتلي بذلك ، قال : يعرّفه .. » .. إلى
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٤٠.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٤١.
(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٤٢.
(٤) راجع الصفحة : ٥٨٩ من هذا الكتاب.
(٥) كذا ، وفي المصادر : ( علي بن أبي حمزة ).
آخره (١).
ظاهر هذا الحرمة ، وقوله : « ما كان ينبغي » ، لا ينافيه ، لأنّه يستعمل في القدر المشترك ، لأنّ معناه القدر المشترك ، والقدر المشترك لا ينافي الحرمة.
ويعضده أيضا ، فهم الراوي ، حيث قال : « قد ابتلي بذلك » ، فإنّه أيضا ظاهر في الحرمة.
ويعضده أيضا ، تقرير المعصوم عليهالسلام للراوي في فهمه ، فتأمّل جدّا!
قوله : وعلي بن أبي حمزة ، كأنّه الواقفي الضعيف جدّا .. إلى آخره (٢).
إلّا أنّ الشيخ في « العدّة » ادّعى إجماع الشيعة على العمل برواياته (٣).
قوله : على أنّ هذه (٤) غير صحيحة كما ترى ، ولا صريحة في التملّك ، بل وعدم التعريف فقط .. إلى آخره (٥).
إلّا أنّها منجبرة بعمل الأصحاب ، بل إجماعهم ، على ما سيجيء.
وعلى تقدير تسليم عدم الإجماع ، فالمنجبرة بالشهرة هي أقوى من كثير من الصحاح ، كما حقّق في محلّه ، ومسلّم عند المجتهدين ، وحجّة واقعا ، والكلّ حقّق في محلّه.
وأمّا الدلالة ، وإن كانت غير صريحة ، إلّا أنّها ظاهرة ، ولذا فهم الأصحاب ، والظاهر حجّة كما حقّق ، ومسلّم أيضا.
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٤٥ ، تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٩٥ الحديث ١١٩٠ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٦٣ الحديث ٣٢٣٦٠.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٤٦.
(٣) عدّة الأصول : ١ ـ ٣٨١.
(٤) أي رواية محمد بن أبي حمزة : وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٤٦ الحديث ٣٢٣٢٢.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٤٧.
نعم ، يمكن منع الشمول ، بملاحظة ما ورد في لقطة الحرم (١) ، وكلام الأصحاب ، وأنّها لعلّها من الأفراد الغير المتعارفة الّتي لا ينساق الذهن إليها عند الإطلاق ، فتأمّل!
قوله المعصوم : « فلا والله » (٢) ، ماله صاحب غيري ، واستخلفه أن يدفع إلى من يأمره ، قال : فحلف ، قال : اذهب (٣) فاقسمه في إخوانك .. » .. إلى آخره (٤).
هذا دليل واضح على أنّ المال الّذي أصابه كان من مال الإمام ، لعلّه أصابه في مقام الحكومة من طرف الجائر ، كما يظهر من غير واحد من الأخبار (٥).
قوله : فلا شكّ أنّ عدم الأخذ أولى ، ثمّ التعريف ، فتأمّل. ثمّ ذكر فروعا : الأوّل : لو تملّك ما دون الدرهم ثمّ وجد صاحبه ، فالأقرب وجوب دفعه إليه ، لأصالة بقاء ملك صاحبه عليه .. إلى آخره (٦).
على تقدير تسليم عدم ثبوت الإجماع ، فلا شكّ في كونه إجماعا منقولا ، ولا تأمّل في كونه حجّة ، لأنّ كلّما دلّ على حجيّة الخبر دلّ على حجيّة الإجماع المنقول من دون تفاوت أصلا ، وما قيل من أنّه خبر مرسل فلا يكون حجّة (٧) فاسد ، لأنّ الناقل لنا يدّعي الإجماع ، لا أنّه يروي لنا معنعنا وعن غيره ، بلا شكّ
__________________
(١) وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٣٩ الحديثان ٣٢٢٩٨ و ٣٢٢٩٩.
(٢) كذا ، وفي المصادر : ( فأنا والله ).
(٣) كذا ، وفي المصادر : ( فاذهب ).
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٤٩ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١٨٩ الحديث ٨٥٤ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٥٠ الحديث ٣٢٣٣١.
(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٧ ـ ١٩٩ الباب ٤٧ و ٢١٣ الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به.
(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٥٠ ، تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢٥٦.
(٧) الفوائد المدنيّة : ١٣٤.
ولا شبهة ، فهو المطّلع على الإجماع ، والاطّلاع ممكن لكلّ من له فهم وفطنة ، ولذا ادّعى الشارح وغيره ـ من منكري الاطّلاع ـ الإجماع في أمثال هذه الأزمان ، ادّعوا كثيرا ، فما ظنّك بمن هو أقرب منّا إلى المعصوم عليهالسلام ، بل وأعرف وأحوط بأقوال العلماء؟! بل مدار المدّعين الآن على أقوال المتقدّمين عليهم.
هذا ، مع أنّ وسائط نقل الإجماع لا يكون سوى الفقهاء ، لأنّه منصبهم ، وأمّا الرواية المرسلة فقد أشرنا إلى كونها حجّة.
قوله : ورواية الفضيل بن يسار في زيادات الحج قال : « سألت أبا جعفر عليهالسلام : عن لقطة الحرم ، فقال : لا تمسّ أبدا حتّى يجيء صاحبها فليأخذها ، قلت : فإن كان مالا كثيرا؟ قال : فإن لم يأخذها إلّا مثلك فليعرّفها » .. إلى آخره (١).
لعلّه لهذه الرواية حكم العلّامة في « القواعد » باشتراط العدالة في ملتقط لقطة الحرم مع تحريمه التقاطها (٢) ، ولعلّ الالتقاط الّذي وقع سهوا أو جهلا ، حتّى لا ينافي العدالة.
والظاهر من هذه أنّه إذا كان مالا كثيرا فليس بحرام ، إذا كان الملتقط عدلا ، فتأمّل!
قوله : وإبراهيم أيضا مختلف فيه ، قيل : ثقة ، وقيل : ضعيف جدّا ملعون (٣) .. إلى آخره (٤).
فيه ،
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٥٣ ، تهذيب الأحكام : ٥ ـ ٤٢١ الحديث ١٤٦١ ، وسائل الشيعة : ١٣ ـ ٢٦٠ الحديث ١٧٦٩٣.
(٢) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٩٧.
(٣) كذا ، وفي المصدر : ( وقيل : ضعيف مطعون جدّا ).
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٥٤.
أنّ تضعيف ابن الغضائري (١) لا يقاوم توثيق النجاشي (٢) ، لأنّه غير معروف العدالة ، ومع ذلك قد أكثر من تضعيف الأجلّة ، ومع ذلك النجاشي أضبط بلا تأمّل.
مع أنّ في المقام مرجّحات كثيرة لقول النجاشي ، أشرنا إليها في تعليقتنا على الميرزا (٣).
قوله : وبالجملة ، لم يقدّر الشرع في ذلك سوى المدّة الّتي قلنا أنّه لا يجب شغلها به ، فالمرجع حينئذ إلى العادة .. إلى آخره (٤).
لا يخفى أنّ الغرض من التعريف ، بل المراد منه إعلام صاحبه وإخباره حتّى يجيء ويأخذ ، وهذا يتفاوت بحسب تفاوت المقامات ، فبعض المقامات يكون المناسب التعريف بالليل ـ وإن كان نادرا ـ وكذا الحال في باقي ما ذكر ، إذ بعض المقامات يخرج الجماعة الّذين كانوا في موضع الالتقاط من يوم الالتقاط من ذلك الموضع ثمّ يعودون بعد ذلك ، وقس على هذا.
نعم ، ما ذكر على حسب الغالب ، فالعبرة بإيصال المال إلى صاحبه كيف كان ، والسعي في ذلك ، ولهذا ما عرّف الشارع التعريف وكيفيّته ، بل وكله إلى فهمهم وعقلهم وسعيهم ، فتأمّل!
قوله : الأحوط الإيغال في الإبهام .. إلى آخره (٥).
فيه أيضا ما ذكرناه في الحاشية السابقة ، فلاحظ!
__________________
(١) لاحظ! رجال العلّامة الحلّي : ٦ ، جامع الرواة : ١ ـ ٢٩.
(٢) رجال النجاشي : ٢٠.
(٣) تعليقات على منهج المقال : ٢٤.
(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٥٦ ، تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢٥٨.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٥٧ ، تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢٥٨.
قوله : قد بيّنا أنّه يجب المبادرة إلى التعريف ، فلو أخّره عن الحول الأوّل مع الإمكان إثم ـ إلى قوله ـ : ولا يسقط التعريف بتأخيره عن الحول ، لأنّه واجب ، ولا يسقط بتأخيره (١) عن وقته كالعبادات .. إلى آخره (٢).
قد عرفت أنّ الغرض من التعريف إيصال الحقّ إلى أهله ، ومعلوم أنّه واجب ، فلا بدّ من مراعاة ذلك مهما أمكن ، إلّا أن يكون الشرع أسقط عنّا ، أو يكون حرج لم يوجبه الشرع علينا ، كالتعريف في الحول ، فإنّه وإن كان حرجا إلّا أنّه لا بدّ من ارتكابه ، فتأمّل!
قوله : فالظاهر جواز الإعطاء مع القرائن ، وهو ظاهر من كثير من الروايات فيما سبق (٣) ، فلا يحتاج إلى الشهود والثبوت عند الحاكم ـ كما أشرنا إليه مرارا ـ ومع الثبوت يجب (٤) ، فمع التأخير ضامن كسائر الأمانات ، إلّا مع العذر .. إلى آخره (٥).
إذا أفادت العلم ، فلا كلام ولا تأمّل لأحد ظاهرا. وأمّا إذا أفادت الظنّ ، فالظاهر من الروايات جواز الإعطاء ، بل ربّما يظهر منها الوجوب ، حيث قالوا : فإن طالب فأعطها (٦) ، والظاهر أنّه بمجرّد الطلب لا يجوز ، وأنّه إجماعيّ ، فإذا تعذّر الحقيقة فأقرب المجازات حجّة ، وهو ما إذا حصل المظنّة.
مع أنّ الظاهر أنّ المسلمين في الأعصار والأمصار كانوا يعطون بالأمارات
__________________
(١) كذا في النسخ ، وفي مجمع الفائدة والبرهان وفي التذكرة : ( فلا يسقط بتأخّره ).
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٥٨ ، تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢٦٠.
(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٤١ الباب ٢ و ٤٤٩ الباب ٦ من أبواب اللقطة.
(٤) كذا ، وفي المصدر : ( ومع الثبوت يجب دفعه ، وكذا مع العلم بغير ثبوت شرعي .. ).
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٦٠ ـ ٤٦١.
(٦) لاحظ! تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٩٧ الحديث ١١٩٥ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٤٣ الحديث ٣٢٣١٢.
ومعرفة العلامات من غير اقتصار على البيّنة ، والمعصومون عليهمالسلام كانوا مطّلعين وما كانوا يمنعون ، بل كانوا يقرّون.
ويظهر ذلك من بعض الأخبار ، مثل الرجل وجد دنانير كثيرة في منى والصادق عليهالسلام أمره بالتعريف ، فأوّل صوت صوّت قال رجل : أنا صاحبه ، فعرّفه بالعلامة وأعطاها بها ، وحكى ذلك للصادق عليهالسلام فقرّره عليه (١) ، وغير ذلك ، منها : صحيحة البزنطي الّتي ستجيء (٢) ، مع أنّه لو اقتصر على البيّنة لا تكاد تصل لقطة إلى صاحبها.
على أنّ أهل العرف إذا سمعوا العلامات الخاصّة يقولون : إنّه ماله ، وإنّه عرفنا صاحبه ويعطون ، ويقولون : أعطيناه صاحبه ، فتأمّل.
ولعلّه بما ذكرنا جوّز المشهور الإعطاء بالمظنّة (٣) ، ونقل عن ابن إدريس المنع (٤) ، ولعلّه ليس بشيء.
ويؤيّد ما ذكرنا اتّفاقهم ـ بحسب الظاهر ـ على عدم إظهار العلامات عند التعريف ، بل الإيهام ، بل الإيغال في الإيهام (٥) ، فلو كان لا يعطي إلّا بالبيّنة لم يكن ضررا أصلا في الإظهار بتمامه ، بل إراءتهم ومشاهدتهم.
لكن حكم بعضهم بالضمان إذا ظهر صاحبه وأعطاه الملتقط غيره بالوصف (٦) ، ولا يخلو عن الإشكال ، لأنّه إذا كان برخصة من الشرع فلم يضمن ،
__________________
(١) الكافي : ٥ ـ ١٣٨ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٤٩ الحديث ٣٢٣٣٠.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٦٢ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٦١ الحديث ٣٢٣٥٥.
(٣) راجع : الروضة البهيّة : ٧ ـ ١١٥ ، رياض المسائل : ٢ ـ ٣٣٣.
(٤) السرائر : ٢ ـ ١١١.
(٥) راجع! مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٥٧ ، مفتاح الكرامة : ٦ ـ ١٦٢.
(٦) الروضة البهيّة : ١١٦ ـ ١١٧.
وإلّا فكيف يعطي ، وسيجيء من الشارح سكوته الظاهر في رضاه بما حكموا من جواز الإعطاء مع الضمان ، فلاحظ وتأمّل!
قوله : كما لو حصل الظنّ بالوصف ، وهذا أيضا صريح في ذلك ، فتأمّل .. إلى آخره (١).
ممّا ذكرنا في الحاشية السابقة ربّما يظهر الفرق بين وصف العلامات والظنّ الحاصل من العدل الواحد.
قوله : على أنّ أبي خديجة هو سالم بن مكرم ، وهو ضعيف. والظاهر أنّه لا خلاف في وجوب الردّ ، وإنّما الخلاف في أنّه هل يجب ردّ العين مع بقائها فيكون ملكا متزلزلا أم لا ، بل يجوز ردّ العوض فيكون ملكا مستقرّا .. إلى آخره (٢).
الظاهر أنّه ثقة ، كما نصّ عليه النجاشي مؤكّدا بتأكيدين (٣) ، والضعيف هو سالم بن أبي سلمة ، وتضعيف الشيخ ابن المكرم لعلّه توهّم منه واشتباه بابن أبي سلمة كما يظهر من كلامه (٤) ، أو لغير ذلك ، كما حقّق في محلّه (٥).
فالحديث (٦) ليس بضعيف ، وما تضمّنه من منع التقاط العبد من جهة عدم تمكّنه من التعريف ، لأنّه ملك مولاه موافق للقاعدة وإن قلنا بأنّ العبد يملك ، لأنّ المانع هو ما ظهر من الحديث من أنّه لا يملك التعريف ، واللقطة لا يجوز بغير
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٦١.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٦٤.
(٣) رجال النجاشي : ١٨٨ الرقم ٥٠١.
(٤) الفهرست للطوسي : ٧٩ ، ولزيادة الاطّلاع راجع! بهجة الآمال في شرح زبدة المقال : ٤ ـ ٣١٢ ، معجم رجال الحديث ٨ ـ ٢٤ ـ ٢٥.
(٥) تعليقات على منهج المقال : ١٦١ ـ ١٦٢.
(٦) أي : حديث أبي خديجة : مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٤٦٣ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٦٥ الحديث ٣٢٣٦٣.