حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

إلى الذهن ، للتعارف ، ومنشؤه ما ذكرنا.

وإذا أخذ مثل القيمي كمّا وكيفا وقيمة يؤخذ بالقيمة ، ويلاحظ القيمة أوّلا وبالذات ، ويؤخذ بحسابه وبملاحظته ، فتأمّل!

قوله : فيمكن أراد ذلك (١) مع المساواة في القيمة ، فإذا كان ثوبا مثل ثوب آخر في اللون والقماش وبقيمته ، يكون ذلك المثل (٢).

يمكن أن يقال : مقتضى الدليل أنّ التالف لا بدّ أن يعوّض بمثله ، لأنّه أقرب إليه من غيره ، فمتى ما أمكن تحقّق هذا يكون مثليّا ، ومتى تعذّر يكون قيميّا.

ومناط الفرق بين المثلي والقيمي هو الدليل المقتضي للفرق في حكمهما ، على حسب ما عرفت في الحاشية السابقة ، فتأمّل جدّا!

قوله : وكذا الفرس العتيق يكون خاصّ تحت خاصّ ، وقيمته معيّنة (٣) يكون مثلها بمثلها وهكذا ، وعليه يحمل ما في الكتاب والسنّة والإجماع .. إلى آخره (٤).

لا يخفى أنّ المماثلة في هذا القسم وإن بلغت غايتها إلّا أنّها بملاحظة القيمة ، ويؤخذ بملاحظة القيمة وبتوسّطها ونسبتها ، فيكون ـ إذن ـ الأصل هو القيمة والأخذ بالقيمة ، وإن كان يؤخذ عين المثل.

فلمّا كان المدار على ذلك عرفا وعادة ، لأنّ المراعاة إنّما هي بحسب الغالب الشائع ، وهو المعتبر عندهم ، ينصرف إطلاق العوض عندهم إلى ذلك ، ولا يلزم مراعاة الأمثل ، فالأمثل في أخذ العوض بعد مراعاة القيمة وملاحظتها ، كما هو

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( فيمكن إن أراد ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٢٦.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( وكذا الفرس العتيق خاصّ يكون تحته خاصّ ، وقيمته متعيّنة ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٢٦.

٦٢١

الحال في الأرش ، فتأمّل!

قوله : ويمكن تكليف الغاصب به مهما أمكن ، خصوصا إن كان المثل موجودا في بعض البلاد [ القريب ] إلى ذلك الموضع [ و ] تكون الأغراض الكثيرة متعلّقة بالعين ، فتأمّل .. إلى آخره (١).

مقتضى الأدلّة إلزام الغاصب بعين مال المغصوب أو مثله إن تلفت في المثلي ، وإن توقّفت عين المال والمثل على إخراج أموال منه لا تحصى وتعب بدن شديد.

وهذا الّذي ذكره هنا مخالف لما ذكروه من غرق سفينة الغاصب بسبب خشبة لا تسوى فلسا ، وكذا هدم بيته وإن كان ما يتلف من الغاصب مال عظيم ، فتأمّل!

قوله : وأمّا القيمة فللتعذّر (٢) والضرر المنفي ، والتكليف بما لا يطاق غير جائز ، وإسقاط الحقّ غير معقول .. إلى آخره (٣).

لا يخفى أنّ منشأ الحكم بالقيمة عند التعذّر هو ما ذكره ، فلا وجه لما ذكره أوّلا من أنّ مرجع التعذّر والحوالي هو العرف (٤) ، لأنّه لم يرد هذا المعنى في حديث أو آية ، بل الحاكم هو العقل ، فالعبرة بما حكم به العقل والقدر الّذي حكم ، والعقل لا يحكم إلّا إذا لم يمكن بحيث يصير تكليفا بما لا يطاق ، فإذا أراد صاحب المال ماله في الحال فالأمر كما ذكره ، وإن أراد المثل ويصبر إلى أن يذهب الغاصب أو وكيله إلى البلاد ـ وإن كانت بعيدة ـ ويشتري ويأتي به ، فالواجب عليه ذلك.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٢٧.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( فللتعدّي ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٢٧.

(٤) إشارة إلى ما قاله من أنّ المرجع ، في صدق تعذّر وجود المثل في البلد وحواليه ، هو العرف ، لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٢٧.

٦٢٢

وما ذكر من أنّ قبل الدفع يكون الواجب عليه هو المثل ، فيه أنّ الوجوب تكليف ، والتكليف بما لا يطاق منفيّ عقلا ونقلا ، إلّا أن يكون صاحب المال لم يلزم على الغاصب بأن يعطي ، فإنّ القيمة إنّما هي بعد إلزام صاحب المال.

ولعلّ هذا مراد الشارح ، لكن على هذا كان اللازم أن يقول : الأمر بيد صاحب المال وبناء التعذّر على إلزامه ، كما ذكرناه.

قوله : فبعد نقل الاتّفاق على عدم ضمان القيمة السوقيّة (١) يبعد الخلاف هنا ، والقول بأعلى القيم من غير زيادة بوجه لعدم عوض (٢) .. إلى آخره (٣).

لا يخفى أنّ نقل الاتّفاق لو صحّ ، فإنّما هو في موضع خاص لا مطلقا ، وإلّا فكون الغاصب مأخوذا بأشقّ الأحوال عندهم أظهر من أن يخفى ، وأشهر من أن يستر على أحد ، وسيجي‌ء دليله ، وأشار الشارح إلى الظهور والمسلّمية عندهم في مقام تعريف الغصب وغيره (٤).

قوله : والثالث : قيمة يوم القبض ، فإنّه [ ضامن ] حين قبض ، فإذا تعذّر العين تعيّن تلك القيمة ، وفيه أيضا منع .. إلى آخره (٥).

لعلّ دليله رواية تضمّنت حكم من استأجر بغلا إلى موضع ثمّ تعدّى عن ذلك الموضع ، فالمعصوم عليه‌السلام قال : « عليك ضمانه يوم خالفت » (٦) ، هذا على ما هو ببالي ، والله يعلم.

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( على عدم الضمان بقيمته السوقيّة ).

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( من غير زيادة بوجه تقدّم ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٢٨.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٠٢.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٢٨.

(٦) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٢١٥ الحديث ٩٤٣ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٣٩٠ الحديث ٣٢١٩٩.

٦٢٣

قوله : وإن أريد ضمان قيمته حينئذ مع وجود العين والقدرة على دفعه ، فهو ممنوع ، ولا يقول به أحد ، فالأوّل هو الأظهر (١) ، فتأمّل (٢).

ربّما كان الأظهر هو أعلى القيم من يوم الغصب إلى يوم الردّ ، لأنّ الردّ كان واجبا عليه في كلّ وقت وقت ، ففي وقت ارتفاع القيمة كان الواجب عليه أن يسلّم هذه العين الّتي كان هكذا قيمتها.

فحينما ظلمه وحبس حقّه ولم يعطه أضرّه وحال بينه وبين الّذي كان بهذه القيمة العالية ، وكان حقّه وملكه ، بل ربّما كان في الحصار ويرتفع القيمة إلى آلاف ، ولو كان عنده فيبيعه وينتفع ويحصل له أموال عظيمة فخسّره ، بل ربّما كان اشترى بأموال عظيمة لاحتياجه إليه له ولعياله ، بل ربّما يتلف بسبب الحبس عياله وأمواله ـ مثل دوابّه وغيرها ـ فهذا ضرر عظيم لا يناسب الشريعة القويمة ، العادلة المستقيمة ، الّتي هي في غاية المتانة والضبط والحكمة ، أن يتضرّر بلا تدارك أصلا ، مع أنّه لا ضرر في الإسلام.

بل تتبّع تضاعيف أحكام الشرع يكشف عمّا ذكرنا ، وأنّه لا يناسب الفرقة العدليّة سوى ما ذكر.

هذا ، على تقدير وجود عين ماله حينما صار في غاية الارتفاع.

وأمّا على تقدير العدم ، فلا تأمّل في أنّه وقت غاية الارتفاع كان عليه أن يعطي قيمته لو كان يطالبه المالك ، ويلازمه ويضيّق عليه ، والقيمة في غاية الارتفاع ، لما ستعرف وجهه ودليله ، ومعلوم أنّه واجب عليه في كلّ آن ودقيقة أن يسلّم إلى المالك ، بلا توقّف على مطالبته وتضييقه وإلزامه ، فإذا كان وقت

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( والأظهر هو الأوّل ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٢٨ ـ ٥٢٩.

٦٢٤

الارتفاع اشتغل ذمّته بإعطاء القيمة ـ في هذا الوقت ـ على سبيل الوجوب الفوري الضيّقي ، لا جرم يكون هذا الاشتغال مستصحبا شرعا إلى أن يثبت خلافه ، ولم يثبت ، بل الثابت أيضا هو ما ذكرناه في العين الباقية ، فتأمّل جدّا! ويدلّ أيضا ، قوله تعالى ( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) (١) ، وقوله تعالى : ( وَإِنْ عاقَبْتُمْ ) (٢) الآية ، و ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (٣) ، مع أنّ الفرق بينه وبين المنافع بالنسبة إلى حديث : « على اليد ما أخذت .. إلى آخره » (٤) بكون المنافع داخلة فيه ، لدخولها تحت اليد ، بخلاف القيمة السوقيّة ، لعدم الدخول تحت اليد ، يحتاج إلى التأمّل ، فتأمّل! فمقتضى ما ذكر ضمان القيمة السوقيّة مطلقا ، إلّا أن يكون إجماع على عدم الضمان ، ففي ما نحن فيه لا تأمّل في الضمان ، لعدم الإجماع على عدمه ، بل المشهور الضمان ، على ما هو الظاهر.

وأمّا الموضع الّذي نقل فيه الإجماع ، فأقصى ما يمكن أن يقال : إنّه حجّة مثل الخبر ، لكن لا بدّ من مقاومته لما ذكرنا ، وترجيحه عليه حتّى يقدّم عليه ، فلاحظ وتأمّل! وبالجملة ، بملاحظة جميع ما ذكرناه ، ممّا يظهر من العقل والنقل ، يظهر أنّ عناية الشارع في جبر ما وقع من الغاصب ، وحصول التلافي والتدارك منه إلى حدّ كأنّه لم يتحقّق الغصب أصلا ، ولم يوجد تفاوت أصلا.

أمّا ما ذكرنا من حديث « لا ضرر ولا ضرار » فظاهر ، لأنّ النكرة في

__________________

(١) الشورى (٤٢) : ٤٠.

(٢) النحل ١٦ : ١٢٦.

(٣) البقرة ٢ : ١٩٤.

(٤) عوالي اللآلي : ١ ـ ٣٨٩ الحديث ٢٢.

٦٢٥

سياق النفي تفيد العموم ، وكذا قوله تعالى ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) الآية ، و ( جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) ، وكذا ( فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ) (١) .. إلى آخره ، لأنّ المماثلة ظاهرة في المماثلة من جميع الوجوه.

وأمّا حديث « على اليد » ، فلأنّ مدلوله ليس إلّا أنّ الغاصب يجب عليه أن يؤدّي نفس الّذي غصبه وأخذه ، وأنّه مشغول الذمّة بذلك في كلّ آن ودقيقة من آنات ما بعد الأخذ إلى وقت الأداء ، وإن كان يتلف نفس ما أخذه أو ينعدم تحت يده ، إلّا أنّ استحالة إيجاد المعدوم يقتضي أن يؤدّي ما هو مثله بمساويه ، بحيث يصدق عليه أنّه أدّى ما أخذه عند العقلاء وأهل العرف ، حتّى يدخل في مضمون هذا الحديث ، فإنّه إذا تعذّر الحقيقة فأقرب المجازات متعيّن.

فمضمون الحديث ـ على ذلك ـ : إنّ على اليد ما أخذت أو ما هو أقرب ممّا أخذت حتّى تؤدّي ، فمقتضاه أنّ الذمّة مشغولة بأحد الأمرين من حين الأخذ إلى وقت الأداء ، من دون تفاوت وفرق بين الأمرين أصلا ورأسا فيما ذكر ، غير أنّه فيهما أمكن نفس ما أخذت وعينه فيما أخذت ، وإلّا فما هو أقرب إليه ، بحيث يكون عند العقلاء والعرف كأنّه هو.

فنسبة الأمرين إلى كلّ وقت وقت ودقيقة دقيقة من أوقات ما بعد الأخذ إلى وقت الأداء على السواء ، لا أنّه في خصوص وقت التلف ينقل إلى قيمة خصوص هذا الوقت وإن كانت في غاية التنزّل والانحطاط إلى آخر وقت الأداء ، وإن كان أبعد المجازات بالنسبة إلى حقيقة لفظ الحديث ، وهو أداء نفس ما أخذه وعينه من حين الأخذ إلى آخر الأداء ، وتمام وقته.

وما ذكرنا من أنّه مع بقاء العين يكون أعلى القيم على الغاصب ، فإنّما هو من

__________________

(١) النحل ١٦ : ١٢٦.

٦٢٦

غير هذا الحديث.

قوله : قول المصنّف : ( ولو تعذّر العين ) (١) ، أي لو تعذّر دفع العين بسبب ضياع ونحوه ، ودفع الغاصب القيمة إلى مالك المغصوب ، ملكها .. إلى آخره (٢).

الأوفق بقاعدة الغصب أنّ ضمان نفس العين على الغاصب ، وكذا ضمان منافعه من حين الغصب إلى زمان الردّ على المالك ، أو تحقّق الموت ، أو أخذ المالك العوض مع رضاه بكونه عوض ملكه وإبراء الغاصب ، فحينئذ يكون العوض ملكه ، إلّا أنّ للغاصب أن يردّ عليه عين ماله ويأخذ ما سلّمه من العوض ، مع احتمال عدم صيرورة العوض ملكه ، كما سيقول الشارح رحمه‌الله (٣).

وكذا الحال لو لم يرض بكونه عوض ملكه ولم يبرئ الغاصب إلّا أنّه أخذه للحيلولة.

وأمّا نماء المغصوب بعد أخذ العوض إلى حين الردّ على المالك أو التلف ، فهو أيضا للمالك ، لأنّه نماء ملكه ولم ينتقل ملكه بمجرّد العوض ، بل للمالك أن يأخذ من الغاصب جميع نماء ماله إلى أن يتحقّق عدمه وهلاكه وتلفه.

وأمّا منافع العوض ، فإنّها للمغصوب منه على تقدير ملكه ، وعلى تقدير عدمه لعلّه أيضا يكون له إلى أن يردّه على الغاصب ، لأنّ الظاهر من أخذ العوض أنّه له أن يتصرّف فيه تصرّف الملّاك في أملاكه ، مع احتمال كونها له إلى أن يأخذ من المالك عين ماله ومنافعها ويردّ عليه العوض الّذي أخذه ، فتأمّل! لكن يناسب هذا أن يكون جميع تصرّفاته فضوليّا ، وفيه ما فيه.

قوله : ولو كانت تلك الزيادة بفعل الغاصب تتبع العين ، أي هي مضمونة

__________________

(١) إرشاد الأذهان : ١ ـ ٤٤٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٣٨.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٣٩.

٦٢٧

كالأصل ، بل صارت بمنزلة جزء عين موجودة في المغصوبة حين غصبها ، كتعليم صنعة أو نسج غزله أو خياطة ثوبه فما نقصت (١) تلك الزيادة بعد أن وجدت ، كما [ لو ] نسي العبد الصنعة الّتي يعلم لعبده الغاصب (٢) ، يكون ضامنا له .. إلى آخره (٣).

هذا في الموضع الّذي يصدق عرفا أنّ العين زادت ونمت ، لكن كلّ ما هو وصف يكون كذلك ـ حتّى مثل صياغة النقرة ممّا صرّحوا بكونه نماء العين ـ ربّما يحتاج إلى التأمّل ، بعد حكمهم بأنّ الصبغ ـ الّذي هو من الأعراض ـ عين مال الغاصب ، إذ الصبغ غالبا لا يبقى فيه من العين شي‌ء أصلا ورأسا ، وعلى تقدير بقاء شي‌ء منه فكثيرا ما لا يكون تلك العين مطلوبة ولا يبقى لها قيمة ، وبقاء العين الّتي تكون لها القيمة ممّا لا يكاد يتحقّق.

فالصياغة لا شكّ في كونها مطلوبة ولها قيمة وعوض ، ولذا يحكمون بأنّ الغاصب لو كسرها يكون ضامنا ، وإن كان الصياغة نفس فعله ، وربّما كان الصياغة أضعاف قيمة المصوغ ، بل ولو انكسرت حال كونها في يد الغاصب يكون ضامنا ، وإن كان الكسر من الله أو من أجنبي ، إلّا أنّ القرار على الأجنبي ، فتأمّل!

قوله : قوله المصنّف : ( فلو صبغ فله قلع صبغه ) (٤) ، إشارة إلى كون الزيادة عينا من الغاصب ، ومثله لو كان من غيره أيضا ، فلو غصب ثوبا وصبغه بصبغه

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( فلو نقصت ).

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( الّتي تعلّم العبد الغاصب ) ، والظاهر أنّ المراد : ( كما لو نسي العبد الصنعة الّتي علّمها الغاصب له ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٤٢.

(٤) إرشاد الأذهان : ١ ـ ٤٤٧ ، وفيه : ( ولو صبغ .. ) ، وكذا في مجمع الفائدة والبرهان.

٦٢٨

فالثوب للمالك والصبغ للغاصب ، لأنّه عين ماله لا يصير ملك المغصوب منه (١) بسبب ضمّه إلى ماله المغصوب ، فله قلع صبغه إن أمكن ، ولكن يضمن النقص الّذي يحصل بالقلع ، فيمكن (٢) أن يكون للمالك منعه ، [ فإنّه ] يصير تصرّفا في ملكه بالصبغ والتبعيض (٣) ، مع أنّ سبب ما فيه فعله المنهي عنه ، فكأنّه ضيّع ماله ، خصوصا إذا لم يكن له بعد القلع [ قيمة ] ، أو يكون سبب لزوم نقصه مساويا أو أنقص فلا فائدة في القلع ، أو مع عدم زيادة شي‌ء في قيمة العين بل نقصه ، فتأمّل .. إلى آخره (٤).

كيف يكون له هذا مع أنّه تصرّف في ملك الغير بغير إذنه؟! فهو غصب آخر وإضرار آخر ، وأنا لا أفهم كلام المصنّف ومن وافقه في كتاب الغصب ، فإنّي أرى ـ بحسب فهمي القاصر ـ تدافع متعدّد ، تارة يحكمون بأنّ الغاصب إذا مزج ماله بمال المغصوب منه الّذي هو أجود ـ ولو بمراتب شتّى ـ يصير مال المغصوب منه وإن كان قيمته أضعاف قيمته ، ويحكمون بأنّ للمغصوب منه قلع أشجار الغاصب وزروعه ، وربّما يكون قيمتها آلاف تومان ، وكذا له قلع خشبته المرقّع بها سفينة الغاصب في وسط البحر وإن كان يغرق بسببه أموال عظيمة للغاصب لا يحصي قيمتها إلّا الله ، وكذا له قلع خشبته من عمارة الغاصب ، وإن كان القلع موجبا لهدمها وكان قيمتها آلاف تومان وقيمة الخشبة تسوى فلسا ، فيها وفي السفينة. إلى غير ذلك من أمثال هذه الأحكام ، ومع ذلك يحكمون بأنّ الغاصب إذا صبغ مال المغصوب منه بصبغ يصير ذلك سببا لعدم جواز تصرّف المغصوب

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( لأنّه عين ماله ما لم يصر ملك المغصوب منه ).

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( ويمكن ).

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( في ملكه بالتضييع والتبعيض ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٤٢ ـ ٥٤٣.

٦٢٩

منه في ماله وإن كان ماله يسوى آلاف تومان وصبغه لا يسوى إلّا فلسا ودونه.

ومع ذلك يقولون : لو التمس الغاصب بأن يأخذ منه قيمة صبغه حتّى يتمكّن من التصرّف في ملكه لا يجب على الغاصب قبول التماسه ، فله أن يدع ملك المغصوب منه هكذا معلّقا إلى يوم القيامة ـ لا يمكن للمغصوب منه أن يقرب إليه إلى يوم القيامة ـ ويكون ممنوعا من التصرّف فيه أصلا ورأسا.

وأعجب من هذا أنّه لو كان يقول له : بع صبغك من رجل غيري ، يجب على الغاصب إجابته ، وأمّا لو قال : بعنيه ، فلا يجب ، وهذا حكم عجيب بالنظر إلى الأدلّة ، وتفريق غريب بالقياس إلى العلّة ، كما أنّ الأحكام السابقة أيضا كانت كذلك.

فإن قلت : إذا تصرّف في المصبوغ كان مستلزما لتصرّفه في الصبغ ، وهو ملك الغاصب لا يجوز التصرّف فيه بغير إذن الغاصب ، ولا يظلم إذا ظلم ، وليس الأحكام السابقة تصرّفا في ملك الغاصب ، بل استفراغ ملك المغصوب منه وإن تضرّر الغاصب بضرر عظيم وتلف مال كثير منه ، لأنّه ظالم ، و « ليس لعرق ظالم حقّ » (١) ، وهو مضارّ ، وقد أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقلع شجر من هو مضارّ (٢) ، مع أنّه كان ملكه وحقّه ، ولم يكن غاصبا ، وأيضا « لا ضرر في الدين » (٣) ، وأيضا الغاصب أقدم على أن لا يكون لماله حقّ وحرمة ، لأنّه يعلم أنّ المالك متسلّط على ماله والتصرّف فيه كيف شاء ، فيكون له تخليص ماله وإن كان بالتخليص يتلف مال الغاصب إلى حدّ لا يحصيه إلّا الله ، فليس بين كلامهم تدافع أصلا.

قلت : مرادي من التدافع ، التدافع بالنظر إلى الأدلّة ومأخذ الحكم.

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٢ ـ ٢٥٧ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ١٩ ـ ١٥٧ الحديث ٢٤٣٦٣.

(٢) لاحظ! الكافي : ٥ ـ ٢٩٢ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٥ ـ ٤٢٨ الحديث ٣٢٢٨١.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٣٢ الأحاديث ٢٣٠٧٣ ـ ٢٣٠٧٥.

٦٣٠

فعلى هذا نقول : كيف يجوز للغاصب قلع صبغه مع أنّه بغير التصرّف في المصبوغ لا يتأتّى عادة؟! فكيف يجوز له هذا مع أنّه ظالم غشوم ، معتد معاند لله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحقّ والدين ، وليس لعرقه حقّ ، وهو مضارّ في نفس الغصب ، وفي قلعه هذا أيضا ، وتصرّف بغير إذن صاحب الثوب المظلوم المعتدى عليه ، مع عدم شهوة ومطلوبيّة منه في صبغه ، بل وربّما كان كارها لنفس الصبغ أيضا ، فضلا عن فعله ، ومطلوبه بقاء ثوبه بغير صبغ ، بل وكثيرا ما يشمئزّ عن الصبغ ويتنفّر عنه ويكون الثوب حراما فاسدا للمالك من جهة الصبغ وإن لم ينقص قيمته ، مع أنّه مع نقص القيمة ربّما لا يشتهي ما هو ناقص ولا أرش النقص! وبالجملة ، كيف صحّ للغاصب التصرّف المستلزم للتصرّف في مال المغصوب منه مع أنّه غاصب لا حرمة لعرقه ومعتد ومضارّ ، ولا يصحّ للمغصوب منه المظلوم الّذي نفى عنه الضرر الدين والإسلام؟! وأيّ فرق بين قصر زمان التصرّف وطوله بالنظر إلى الأدلّة ، وكذا بين نوع من التصرّف ونوع آخر؟! هذا ، مع أنّ اللون عرض والثوب جوهر ، والتصرّف في العرض ـ على تقدير تسليم تحقّقه عرفا وشرعا ـ لا يكون مثل التصرّف في الجوهر ، فكيف يغلب عليه؟! مع أنّ اللون ربّما كان لا يسوى فلسا والثوب قيمته آلاف تومان! وأيضا ، المخلوط الأجود لا شبهة في كونه عين مال الغاصب ، فكيف يجوز أخذه من الغاصب قهرا والتصرّف فيه وإتلافه عوضا عن الأردأ ، الّذي لعلّه لا يسوى قيمته فلسا ، والأجود يسوى آلافا ، مع أنّه تصرّف في عين مال الغاصب ومطلوب المغصوب منه وجوهر وعين؟! وربّما كان يشتهيه أشدّ اشتهاء ، ومرغوب لديه نهاية الرغبة.

٦٣١

وأيضا ، قلع الأشجار والزروع لا يمكن إلّا بأخذها وإثبات اليد عليها ، وهو تصرّف.

على أنّا لو سلّمنا أنّ أمثال ذلك لا يكون تصرّفا ، فلا شكّ في كونه غصبا ، والغصب حرام بالبديهة ، فأيّ شي‌ء أحلّ هذا الغصب ، وحرّم تصرّف المالك في ملكه من جهة أنّ لونا عرضه ولصق به ، مع أنّه لا يريد التصرّف في ذلك أصلا ولا يشتهيه مطلقا ، وينكره ويقبّحه ويشمئزّ عنه؟! على أنّا لو سلّمنا أنّ أمثال ذلك لا يكون غصبا ـ أيضا ـ فلا شكّ في كونه إتلافا ، فكما أنّ التصرّف في مال المسلم بغير إذنه حرام ، فكذلك إتلافه ، بل وأشدّ حرمة ، فكيف يصحّ إتلاف أموال عظيمة لا يحصيها إلّا الله من جهة فلس ، ولا يصحّ إتلاف فلس من الغاصب من جهة أموال عظيمة من المغصوب منه؟! وإذا صحّ إتلافه بالمرّة مجّانا من غير عوض أصلا ، لا جرم لا يكون له حرمة ، فكيف يصحّ تعطيل أموال عظيمة محترمة غاية الاحترام ، والحكم بإخراجها عن يد صاحبها ، بسبب اتّصاله بعرض لا يسوى فلسا ولا حرمة له يصحّ إتلافه ، بل ويجب شرعا على الغاصب إتلافه ـ لو أمكن الإتلاف ـ كما اعترفوا به وصرّحوا بهذه الفتوى (١).

وأيضا ، لو تمّ ما ذكروه لكان كلّ من أراد إخراج مال كلّ أحد عن يده قهرا شرعا ، أو تعطيل ماله ، يأخذ فليس صبغ أو نصف فلس ويصبغ تمام كلّ واحد من تلك الأموال أو بعضا منه خفية من صاحبها أو قهرا وظلما وإن كان ذلك البعض قدرا قليلا منه ، فيقضي غرضه.

وهذا الضرر العظيم لا يرضى به الجبريّة ، فضلا عن العدليّة ، وأين هذا من

__________________

(١) لاحظ! الدروس الشرعيّة : ٣ ـ ١١٠.

٦٣٢

الملّة الحنفيّة والشرع القويم؟! فتأمّل! وأيضا ، الصبّاغون إذا أرادوا إنفاق صبغهم ـ عند الكساد ـ يأخذون كلّما قدروا على الأخذ والاختطاف (١) ، ويرمونه في مصبغهم ، وإن كان ما أخذوه العمائم البيض من الرؤوس ، والثياب البيض على الأجساد ، والأقمشة من الدكاكين قهرا وقسرا ، ويحصّلون اجرة صبغهم وعوضه ، وهذا أيضا فيه ما فيه.

وكذا ربّما يصبغون جدران البيوت فيعطّلونها على أربابها ، ويخرجونها من يدها ، أو يأخذون قيمة صبغهم إن رضوا ، فتأمّل! وبالجملة ، ما أفهم ـ بفهمي القاصر ـ من التدافع والاضطراب بالنظر إلى الدليل كثير ، منه ما نبّه عليه الشارح (٢) ، ومنه ما تعرّضنا له ، ومنه ما يظهر على المتأمّل ، فتأمّل!

قوله : لأنّه أتلفه ، فيضمن المثل .. إلى آخره (٣).

فيه ما فيه ، بل الاحتمال الّذي سيذكره هو المتعيّن مع الضميمة الّتي ضمّها.

قوله : فلا يبعد ما ذكره المصنّف ، عملا بالأصل وعدم العلم بدليل .. إلى آخره (٤).

بعيد ، بالنظر إلى الدليل ، لأنّ الضمان للأوّل مستصحب ، والثاني نماء فعله بلا تأمّل ، فلا وجه لجعله عوضا ومسقطا للضمان اليقيني المستصحب ، فتأمّل!

قوله : [ والفرق هو الاتّحاد والاختلاف ] ، خصوصا إذا كان السمن الثاني

__________________

(١) في النسخ : ( الاحطاف ) ، والظاهر أنّ ما أثبتناه هو الصحيح.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٤٢ ـ ٥٤٣.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٤٤.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٤٥ ، وفيه : ( وعدم العلم بالدليل ).

٦٣٣

بحيث لو يلزم السمن كثيرا .. إلى آخره (١).

لا فائدة فيه ، بالنظر إلى الدليل والقاعدة ، ألا ترى أنّ الغاصب إذا أسقط الجنين أو ثمرة شجرة فحملت الام والشجرة سريعا يكون الغاصب ـ بل كلّ متلف ـ ضامنا للجنين والثمرة الساقطة ، وإن كان الجنين الثاني لم يحصل إلّا بعد ذهاب الأوّل؟! وبالجملة ، لا تأمّل لهم أنّ مثل هذا الفرض والتقدير لا أثر له ، وهو مقتضى الدليل ، فتأمّل!

قوله : [ وأنت تعلم ضعف ] هذا الدليل ، لأنّه قياس مع استنباط العلّة ، لعدم دليل عليه .. إلى آخره (٢).

بل قياس مع الفارق الواضح.

قوله : فما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن « لا مهر لبغيّ » (٣) يدلّ على عدم المهر هنا ، وكأنّه ما ثبت بالتواتر (٤) ، وصحيح أو مقبول عندهم [ بإجماع ] ونحوه ، فتأمّل .. إلى آخره (٥).

هذا عجيب ، لأنّ الجارية لا تستحقّ شيئا أصلا ، بل منافعها عين مال المولى ، فالمستحقّ هو المولى ليس إلّا ، فأيّ معنى لإدخال الجارية في هذا الخبر ، مع أنّها لا مهر لها أصلا وبوجه من الوجوه ، كما عرفت؟! مع أنّ الحجّة في الحديث وما يجب مراعاته والعمل به ليس إلّا الفرد

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٤٥ ـ ٥٤٦ ، وفيه : ( بحيث لو لم يزل السمن الأوّل لم يحصل هذا ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٤٨.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٩٥ الحديث ٢٢٠٧٠.

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( وكأنّه ثابت بالتواتر ).

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٤٩.

٦٣٤

المتبادر ، فكيف يمكن جعلها من الأفراد المتبادرة بعد ما عرفت؟! مضافا إلى قوله تعالى ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (١) ، فكيف يجوز أن يصير مجرّد رضا الجارية متلفا لحقّ المولى ، مع أنّ الظاهر من الرواية (٢) أنّ عدم المهر للبغيّ بسبب زناها وتقصيرها؟! وأيضا قال تعالى ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٣) ، وجعلوا الفقهاء هذا مناطا لأحكام ، فكيف تقدر على إذهاب حقّ المولى؟! وبالجملة ، هذا الحكم أيضا من جملة الأحكام المتدافعة في هذا الكتاب ، على ما أفهم ، والله يعلم.

قوله : وحينئذ ، الظاهر أنّ له أرش بكارتها ، لأنّه نقص له عوض ، فيجب على المتلف عوضها ، وهو ظاهر ، وليس بسبب الوطء (٤) ، لو كانت زائلة عنده لكان ذلك لازما عليه ، لما مرّ في سبب حملها بالتحريم (٥).

فيه ما فيه ، لأنّ البغيّ لا أرش لبكارتها ، فلو كانت الجارية داخلة في الحديث يلزم أن يكون حكمها حكم البغيّ من حيث أنّها بغيّ ، فما ذكره أيضا قرينة واضحة على عدم دخولها في هذا الحديث ، وإلّا لكان اللازم أن يقول : إلّا أرش البكارة إذا كانت ، فإنّ تأخير هذا الحكم في هذا المقام لا يناسب الحكيم.

وما دلّ على أنّه يجب على المتلف عوض ما أتلفه ـ إذا كان له عوض ـ يشمل مهر الوطء أيضا ، والمراد من المهر المنفي هو مهر المثل ، ومهر الباكرة غير

__________________

(١) الإسراء ١٧ : ١٥.

(٢) أي : رواية عدم المهر للبغيّ.

(٣) النحل ١٦ : ٧٥.

(٤) كذا ، وفي المصدر : ( وليس سبب الوطء ).

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٤٩.

٦٣٥

مهر الثيّب ، وعوض البكارة داخل فيه ، فتأمّل! والشارح بالغ في دخول أرش البكارة في العشر ، فتأمّل!

قوله : وجه كون القول قول الغاصب في التلف مع كونه غاصبا غير أمين ، أنّه بيده ، فهو بمنزلة الأمين .. إلى آخره (١).

لا يخفى ما فيه.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١٠ ـ ٥٥٦.

٦٣٦

كتاب الصيد وتوابعه

٦٣٧
٦٣٨

في الاصطياد

في شرائط الاصطياد

قوله : في قول الله عزوجل ( وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ ) (١) قال : « هي الكلاب » (٢) ، فلا يحصل الحلّ بغيره ، وإلّا كان القيد لغوا ، فتأمّل .. إلى آخره (٣).

لعلّه لا تأمّل في حجيّة مفهوم هذا القيد ، لأنّه من قبل القيود الاحترازيّة الّتي مفهومها معتبر قطعا ، كما حقّقنا (٤).

قوله : وليس بمعلوم كونه في كلامهم عليهم‌السلام كذلك ، فتأمّل .. إلى آخره (٥).

بل الظاهر أنّه ليس كذلك ، إلّا أنّ تعبير التحريم بهما بعيد ، والظاهر منهما (٦) الكراهة ، لأنّ التحريم يناسبه التشديد والتغليظ ، والكراهة يناسبها المسامحة والمساهلة في التعبير ، لكن ظواهر الأخبار المحرّمة ، وصريح بعضها (٧) ، وكلام

__________________

(١) المائدة ٥ : ٤.

(٢) الكافي : ٦ ـ ٢٠٢ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٣١ الحديث ٢٩٦٦٧.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٦ ـ ٧.

(٤) راجع! الفوائد الحائريّة : ١٨٤.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٢.

(٦) أي : والظاهر من لفظتي : ( لا ينبغي ) و ( كره ) ، لاحظ مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ١٢!

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٤٣ الباب من أبواب الصيد.

٦٣٩

الفقهاء يعيّن البناء على التقيّة (١) ، ولعلّه من جهة التقيّة أظهروا الكراهة وسامحوا في التعبير.

قوله : [ وربّما حمل على الندرة ] ، وليس وجه حمله ظاهر (٢).

فيه ، ظهور كون مذهب الشيعة تحريم الأكل إن الكلب (٣).

قوله : وقد دلّت الأخبار الكثيرة على عدم الضرر بالحلّ أكل الكلب .. إلى آخره (٤).

أقول : السيّد رحمه‌الله قال : ( ممّا انفرد به الإماميّة أنّ الكلب إذا أكل نادرا حلّ صيده وجاز أكله ، وإن كثر أكله وتكرّر فإنّه لا يؤكل منه ، وخالفهم باقي الفقهاء ، فأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمّد : لا يؤكل منه ويؤكل من البازي ، وقال مالك والليث والأوزاعي : يؤكل منه وإن أكل الكلب ، وقال الشافعي : يؤكل (٥) منه ولا يمكن أكل البازي ) (٦). انتهى.

ومثل السيّد ادّعى الشيخ الخلاف (٧) ، والشيخ مقداد وغيره ادّعى إجماع الشيعة على الحرمة إن أكل (٨).

__________________

(١) لاحظ! تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٢٨ ذيل الحديث ١١٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣٣ ، وفيه : ( ظاهرا ).

(٣) كذا ، والظاهر أنّ الصحيح : ( تحريم الأكل إن أكل الكلب ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ١١ ـ ٣٣ ، وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٣٣٣ الباب ٢ من أبواب الصيد.

(٥) كذا في د ، ه ـ والكلمة ساقطة في ألف ، ب ، ج ، وفي المصدر : ( لا يؤكل ) ، والظاهر أنّ ما في المصدر هو الصواب. لاحظ! الامّ ٢ ـ ٢٢٦.

(٦) الانتصار : ١٨٥ ، مع اختلاف في الألفاظ.

(٧) الخلاف : ٣ ـ ٢٤٤.

(٨) مختلف الشيعة : ٢ ـ ٦٨٩ ، التنقيح الرائع : ٤ ـ ٧.

٦٤٠