حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

مانع من الصحّة كما سيجي‌ء ، فتأمّل.

قوله : لحصول العلم في الجملة ، وعدم معلوميّة الجهل المانع ، مع ما مرّ ، وما نجد فرقا [ بين المذبوح وما يراد ذبحه ] .. إلى آخره (١).

لأنّ هذا القدر القليل من التفاوت بالنسبة إلى مجموع الحيوان ممّا يتسامح فيه عادة ، ولعدم الضرر والغرر والسفاهة ، بخلاف ما لو كان المبيع هو الرأس أو الجلد ، لأنّ التفاوت بالنسبة إلى هذا القدر القليل من المبيع ليس ممّا يتسامح به وغرر وضرر وسفه.

وأمّا الجلد ، فالفساد فيه أظهر ، لأنّ المعتبر فيه الضخامة ، فلا بدّ من ملاحظتها.

وبالجملة ، القلّة والكثرة تتفاوت بالقياس إلى المبيع بحسب العادة ، وهو ظاهر ، فتأمّل.

قوله : والإجماع في تلف الكلّ ، لا العيب .. إلى آخره (٢).

لا يخفى أنّ رواية عقبة بن خالد ظاهرة في أنّ المشتري لا يصير ضامنا لماله إلّا بعد قبضه ـ وسيذكر الرواية في مبحث الخيارات (٣) ـ والسند منجبر بعمل الأصحاب ، مضافا إلى استبعاد الفرق بين الكلّ والبعض ، كما لا يخفى على المتتبّع ، فتأمّل.

قوله : نعم ، الحكم مشهور بينهم من غير ذكر خلاف ، والعيب ما تقدّم .. إلى آخره (٤).

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٢٨.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٤٣.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٤٠٦.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٤٣.

١٦١

ما في الصحيح : « عن الرجل يشتري الدابّة أو العبد ويشترط إلى يوم أو يومين فيموت العبد أو الدابّة (١) أو يحدث فيه حدث ، على من ضمان ذلك؟ قال (٢) : على البائع حتّى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام ، ويصير المبيع للمشتري » (٣) ، وفي معناه أخبار كثيرة (٤).

والدلالة في غاية الوضوح ، وإن كان ظاهرها أنّ المبيع ينتقل بعد الثلاثة ، إلّا أنّ الأدلّة دالّة على الانتقال حين العقد ، كما سيجي‌ء ويسلّمها الشارح أيضا.

فالأخبار محمولة على الانتقال اللزومي ، وسيجي‌ء تمام الكلام في مبحث الخيارات.

قوله : تملّك العبد ، قال في « التذكرة » : المشهور عدمه .. إلى آخره (٥).

ورد أخبار كثيرة في أنّ المملوك لا يورث (٦) ، كما سنذكرها في باب الميراث ، أو نشير إليها ، وهي ظاهرة في عدم المالكيّة ، سيّما بملاحظة العمومات من الكتاب والسنّة في إرث الورثة مال المورث.

والمحقّقون وجّهوا تلك الأخبار بأنّها من جهة عدم مالكيّة العبد ، إلّا أن يقال بأنّ كلّ من قال بأنّ العبد يملك يقول بمضمون هذه الأخبار فيجعل المملوكيّة مانعة عن التوارث بين ورثة الحرّ وبينه.

__________________

(١) في من لا يحضره الفقيه : ( فمات العبد أو نفقت الدابّة ).

(٢) في الكافي ووسائل الشيعة : ( فقال ).

(٣) الكافي : ٥ ـ ١٦٩ الحديث ٣ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١٢٦ الحديث ٥٥١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٤ الحديث ٢٣٠٣٦.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٤ الباب ٥ من أبواب الخيار.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٤٦ ، وورد في ب ، ج ، د : ( واستدلّ على الأوّل في « التذكرة » بالآيتين ). بدلا من ( تملّك العبد .. إلى آخره ).

(٦) راجع! وسائل الشيعة : ٢٦ ـ ٤٣ الباب ١٦ من أبواب موانع الإرث.

١٦٢

وأمّا ورثته المماليك ، فإنّهم لا يرثون قطعا ، لأنّ المملوكيّة حاجبة.

وفيه ، أنّه على هذا لا يرثه المالك أيضا ، وهو خلاف مدلول الأخبار من كون المال مال مولاه ، إلّا أن يقال : كون المال له من جهة الملك لا من جهة الإرث ، كما صرّح بعض المحقّقين (١) ، فتكون دالّة على عدم المالكيّة ـ كما قلنا ـ لكن يظهر من « المسالك » أنّ القائل بأنّ العبد يملك يقول بأنّه ملك غير مستقرّ يعود إلى السيّد إذا زال الملك عن رقبته ، كما إذا باعه (٢) ، أو أنّه رحمه‌الله يوجّه كلام القائل بذلك ، وسيجي‌ء تتمّة الكلام في كتاب الإرث إن شاء الله.

وعلى هذا ، لا يكون في الأخبار الّتي استدلّ بها الشارح (٣) على عدم مالكيّة العبد دلالة ، بل ولا في الآية (٤) ، لأنّ الملكيّة نوع سلطنة ، فهي منفيّة عن العبد ما دام مملوكا مطلقا ، وبعدها يخرج عن ملكه ، فتأمّل.

ومع ذلك ، ما دلّ على مالكيّة (٥) العبد بعضها صريح في خلاف ما ذكره في « المسالك » (٦) ، وبعضها ظاهر فيه غاية الظهور.

قوله : ورواية (٧) أخرى عنه ، عن جعفر ، عن أبيه .. إلى آخره (٨).

هذا يدلّ على خلاف المطلوب.

__________________

(١) لاحظ! كشف اللثام : ٢ ـ ٢٨١.

(٢) مسالك الأفهام : ٢ ـ ٢٥٤.

(٣) لاحظ! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٤٩.

(٤) أي الآية ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ). النحل ١٦ : ٧٥.

(٥) في ألف ، ب : ( ملكيّة ).

(٦) مسالك الأفهام : ٢ ـ ٢٥٤.

(٧) كذا ، وفي المصدر : ( وفي رواية ).

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٥٠ ، والرواية في : وسائل الشيعة : ٢٣ ـ ٤٩ الحديث ٢٩٠٨٥.

١٦٣

قوله : حيث يفهم عدم صلاحيّة المنفرد [ للبيع ] .. إلى آخره (١).

فيه تأمّل ظاهر.

قوله : [ فهي بعيدة ] عن قانون الأصحاب (٢) وهو ظاهر ، فكأنّه للتقيّة .. إلى آخره (٣).

لا يخفى أنّ هذا في مقام التقيّة ، ويظهر منه أنّ العامّة في ذلك الزمان كانوا يجوّزون ، فيظهر منه أنّ روايته عن الكاظم عليه‌السلام (٤) كان تقيّة ، ويؤيّده نهاية شدّة التقيّة في زمانه عليه‌السلام ، ولذا قد كثر منه ما يوافق التقيّة ، ويؤيّده عدم مناسبة هذا الفعل للحكيم وأهل العفّة.

قوله : صحيحة جميل بن درّاج .. إلى آخره (٥).

في الطريق معاوية بن حكيم ، وهو فطحي موثّق (٦).

قوله : وقد تصدّى لتوجيه ظاهرها بعض ، وليس بتمام ، فالترك أولى ، لما مرّ (٧).

في « الغوالي » : ( وحملها بعض الأصحاب على أنّ الردّ على البائع ردّها (٨) على أربابها لا لتكون عنده ، لأنّه أعرف بهم ، وأمّا استسعاؤها فإنّه جمع بين

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٥٥.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( المذهب ) بدلا من ( الأصحاب ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٧٦.

(٤) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٤٦٨ الحديث ١٨٧٨ ، وسائل الشيعة : ٢١ ـ ٩٢ الحديث ٢٦٦١٠.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٨٩ ، والرواية في : وسائل الشيعة : ٢١ ـ ٢٠٥ الحديث ٢٦٩٠٤.

(٦) راجع! جامع الرواة : ٢ ـ ٢٣٦.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٩١.

(٨) كذا ، وفي المصدر : ( ليردّها ).

١٦٤

الحقّين ، حقّ المشتري بعد ضياع ثمنه ، وحقّ مولى الجارية في حفظ عينها.

وإنّما جاز هنا لأنّ مال المسلم معصوم بالأصل ، ومال أهل الصلح إنّما كان معصوما لعارض الصلح ، وإذا عارض الأصليّ العارض قدّم (١) ، فرجّح حفظ مال المسلم ) (٢) أقول : فيه ما فيه ، ويمكن حمل الرواية على صورة تهمة السرقة ، لا بثبوتها ومعلوميّتها ، وحمل الاستسعاء وغير ذلك على الاستحباب ، ويكون مخصوصا بصورة تمشّي ذلك الاستحباب وإمكان استحصاله ، فتأمّل.

قوله : وإن لم يكن دليله واضحا ، هذا إن لم يقصّر .. إلى آخره (٣)

الدليل ، عموم : « على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي » (٤) ، خرج منه الأمانة بالنصّ والإجماع وبقي الباقي ، وليس كلّ ما يسلّم صاحب المال أمانة واستئمانا ، بل الأمانة التماس من صاحب المال أن يأخذ الأمين ويحفظه ، من حيث أنّ صاحب المال لا يتيسّر له الحفظ ويتيسّر للأمين ، ولصاحب المال وثوق بحفظه ، فهذه مصلحة لصاحب المال والتماس منه وتعب على الأمين ، وليس فيه مصلحة دنيويّة بحسب الأصل.

هذا بخلاف المقبوض بالسوم وما ماثله ، فإنّ حكاية المصلحة والالتماس بحسب الأصل بالعكس ، ومع ذلك ليس الإعطاء (٥) من جهة الاستئمان والوثوق

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( وإذا تعارض الأصلي والعارض قدّم الأصلي ).

(٢) عوالي اللآلي : ٢ ـ ٢٤٩ ـ الهامش رقم ٦.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٩٤.

(٤) عوالي اللآلي : ١ ـ ٢٢٤ الحديث ١٠٦ و ٣٨٩ الحديث ٢٢ ، مستدرك الوسائل : ١٧ ـ ٨٨ الحديث ٢٠٨١٩.

(٥) في ألف ، د ، ه : ( اللفظ ).

١٦٥

بالحفظ ، كما هو ظاهر ، والله يعلم.

قوله : والأولى تركها ، لعدم الصحّة ، والعمل بالأصول (١) وقوانين المذهب ، وهو ظاهر .. إلى آخره (٢)

لأنّ الخبر إذا خالف الأصل والقاعدة الثابتة من الشرع لا شبهة في صيرورته معارضا له ولها ، فيصير التعارض من باب التعارض بين العام والخاص ، فيعتبر في الجمع بينهما والعمل بمجموعهما ما يعتبر في التعارض بين العام والخاص من كون الخاص مستجمعا لشرائط العمل ، ومع ذلك يكون بحسب القوّة والمقاومة مقاوما ومقابلا له.

هذا حال المخالفة لأصل واحد ، فكيف المخالفة لأصول متعدّدة؟! وورد في الخبر أنّ الخبر إذا كان موافقا لسائر أحكام أهل البيت عليهم‌السلام ومشابها له يكون حجّة ، وإلّا فلا يكون حجّة (٣) ، بل يجب طرحه. وقد حقّقنا في موضعه.

قوله : من جهة كون أنّ ظاهرها أنّه مأذون في التجارة فقط .. إلى آخره (٤)

لا يخفى أنّ ما ذكره من أنّ ظاهرها أنّه مأذون للتجارة فقط حقّ ، لكن قوله : ( فكيف يصحّ .. إلى آخره ) (٥) ، ليس بشي‌ء ، إذ لا يظهر من الرواية أنّ وكالته كانت حلالا جائزا في الواقع ، إذ ربّما كان الدافع غير عالم بأنّه عبد ، أو كان عالما لكن أمره إيّاه بهما لم يكن على قانون الشرع ، بأن كان جاهلا بالمسألة ، أو كان معتقدا أنّه مأذون في الوكالة أيضا ، وإن كان خطأ ، أو كان آثما في هذا الأمر ،

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : ( بأصول ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٩٥.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ ـ ١٢٣ الحديث ٣٣٣٨١.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٩٦.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٩٦.

١٦٦

ولم يظهر من الرواية ما يخالف هذا ، أو كان مأذونا واقعا ، إلّا أنّ ورثة المأذون كانوا يدّعون عدم الإذن ، كما ظهر من آخر الخبر ، ولذا قال : ( مأذون في التجارة ).

وممّا ذكرنا ظهر ما في قوله : ( فكيف .. إلى آخره ) ، إذ حاله حال وكالته فيما ذكرنا. وأمّا قوله : ( وإن كان وكيلا فكيف .. إلى آخره ) (١) ، ففيه أنّه يمكن أن يكون حاله حال الوكالة ، بأنّه لم يكن مشروعا واقعا ، أو عند المدّعيين ، وأن يكون « حجّ عنّي بالباقي » (٢) وصاية ، وأمّا أنّه فعله بالألف المأخوذ من الآمر ، فهو فرض المسألة بحسب الواقع ، لا بحسب ظاهر الشرع وحكمه عند مخاصمة المتخاصمين.

وقوله : ( ما كان لمولى الأب شي‌ء في يد المأذون ) (٣) ، فكيف يدّعي [ ذلك ]؟ ففيه أنّه لا مانع من الدعوى ، إذ لا يلزم أن يكون كلّ دعوى حقّا ، بل الدعاوي لا يخلو عن دعوى باطل البتّة ، لأنّ اجتماع الضدّين أو النقيضين محال جزما ، مع أنّه ربّما كان عنده مال أو عثر على مال له فأخذه واشترى.

وأمّا ( أنّه لا يمكن شراء مال شخص .. إلى آخره ) (٤) ، فيه أنّه يدّعي أنّه ظهر كون الثمن ماله بعد تحقّق المعاملة ، لا أنّ حال المعاملة كان ظاهرا له.

وبالجملة ، لا ضرر من جهة الأمور الّتي ذكرها أصلا إلّا ما ذكره من ( أنّ

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٩٦ ، وفي المصدر : ( وأنّه كان وكيلا له ، فكيف .. ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٩٥ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٨٠ الحديث ٢٣٦٧٠.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٩٦.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٩٦.

١٦٧

الحجّ كيف يصحّ .. إلى آخره ) (١) ، وأنّ الأصل صحّة المعاملة ، فكيف حكمه عليه‌السلام بالفساد؟! والإشكال الأوّل أيضا ليس بشي‌ء ، لأنّ الأب المعتق حجّ عن الميت باعتقاد كونه معتقا وأجيرا ، كما هو الظاهر من الرواية ، غاية الأمر أنّه ظهر بعد ذلك كونه مملوكا حال الحجّ ، ولا شكّ في أنّ حجّه كان حلالا لا نهي فيه أصلا ، لما ذكرنا ، ولأنّ مولاه باعه ورخّصه ، غاية الأمر أنّه ظهر بعد ذلك أنّ بيعه كان باطلا ، فالعبادة الخالية عن النهي تكون صحيحة قطعا.

ولو كان أحد أجنبي تبرّع عن الميّت بالحج عنه لكان صحيحا ويبرئ (٢) ذمّة الميّت البتّة ، كما حقّق في محلّه ، فهذا أولى ، لأنّه بحسب ظاهر اعتقاده أنّه نائب وحجّ نيابة عنه ولم يظهر ما يفسد هذا الفعل.

نعم ، لمولاه أجرة الحجّ الّتي أخذها ، والعبد وما في يده لمولاه ، وكذا ما أنفق في الحجّ ، مع أنّه ساكت عن الأجرة راض بما فعله وأخذه ، إنّما كلامه في مملوكيّته لغيره وانتقاله إليه ، كما هو الظاهر من الرواية.

وأمّا الحكم بفساد المعاملة ، فلأنّ الّذي يقتضي الحكم بصحّتها ـ إذا نوزع في كونها صحيحة ـ حمل أفعال المسلم على الصّحّة ، وهنا إن حملنا على الصحّة يلزم أن يصير الأب مملوك الدافع ومعتقا ، لأنّ العبد يدّعي الصحّة بهذا النحو ، فلو كان من جهة كونه مسلما فعله محمولا على الصحيح يلزم ما ذكرناه ، وإلّا فلا دليل على صحّة المعاملة عند النزاع سوى ما ذكرنا.

وهنا لا يمكن الحكم بصحّة فعله من حيث كونه مسلما ، لأنّه محجور شرعا

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٢٩٦ ، وفي المصدر : ( كيف يكون الحجّ صحيحا ).

(٢) في ب ، ج ، د : ( وبري‌ء ).

١٦٨

جزما ، والمولى ينكر رفع حجره فيما ادّعاه ويقول : ما أذنت له سوى التجارة لنفسي ، والعبد يدّعي رفع حجره في الشراء لغيره والعتق عنه ، فلا يسمع منه ما لم يثبت بالبيّنة ، لا بأنّه مسلم والأصل في فعله الصحّة.

ولذا لو تزوّج العبد والمولى ينكر إذنه فيه ولا يرضى ، يصير باطلا جزما ، وكذا إن وهب أموال السيّد ، أو تصرّف في نفسه أو أموال المولى والمولى لا يرضى يكون باطلا جزما ، وإلّا يفسد على المولى أموره.

وأيضا ، المحجور بالسفه أو الفلس لو ادّعى رفع حجره في معاملة وعامله ، وأنكر الولي والحاكم الإذن يكون باطلا حتّى يثبت الإذن ، والله يعلم.

في بيع الصرف

قوله : ولهذا يصحّ بيع بعضه ببعض .. إلى آخره (١)

وسيجي‌ء في بيع تراب الصياغة أنّه عليه‌السلام قال : « بعه بطعام » (٢)

قوله : وفيه تأمّل ، إذ الإثم بذلك [ مشكل ] .. إلى آخره (٣)

لا يخفى أنّه ورد النهي عن ذلك (٤) ، وهو حقيقة في الحرمة عنده وعندهم ، وورد في بعض الأخبار أنّه ربا (٥) ، فليلاحظ.

قوله : [ ما أحبّ ] أن تفارقه حتّى تأخذ الدنانير ، فقلت : إنّما هم. إلى

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٠١.

(٢) الكافي : ٥ ـ ٢٥٠ الحديث ٢٤ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٢٠٢ الحديث ٢٣٤٩٣.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٠٢.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٦٨ الحديث ٢٣٤٠٣ و ١٦٩ الحديث ٢٣٤٠٧.

(٥) لاحظ : وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٩٨ الحديث ٢٣٤٨٢.

١٦٩

آخره (١)

الظاهر من هذا التفريع ، وقوله : « وهذا يشقّ عليهم » أنّ الراوي فهم من قوله عليه‌السلام : « ما أحبّ » أنّه حرام ، ويظهر ذلك من جواب المعصوم عليه‌السلام أيضا ، وأنّه عليه‌السلام قرّره على فهمه ، بل ويظهر منه إرادته الحرمة ، كما هو الحال في كثير من المواضع من أنّهم لا يريدون منه ومن لفظ الكراهة إلّا الحرمة ، ومرّ : « إنّ عليّا عليه‌السلام ما كان يكره الحلال » (٢) ، وغير ذلك ، والعرف أيضا كثيرا ما يعبّرون كذلك ، فتأمّل.

قوله : وأصل الصحّة ، وعموم الأدلّة أيضا يقتضي عدم البطلان بالمفارقة .. إلى آخره (٣)

قد عرفت أنّ هذا الأصل لا أصل له ، لأنّ الصحّة عبارة عن ترتّب الأثر الشرعي والأصل عدم الترتّب حتّى يثبت بدليل ، وكذا الأصل بقاء الحالة السابقة حتّى يثبت خلافه ، فظهر أنّ الأصل عدم الصحّة.

وأمّا العمومات ، فلا تقاوم الخصوصات الصحيحة السند المفتي بها عند جلّ العلماء ـ بل كاد أن يكون الكلّ ـ والدلالة واضحة ، لأنّ النهي حقيقة في الحرمة وأمّا « لا أحبّ » فإنّه ليس حقيقة إلّا في القدر المشترك ، وإن كان مشعرا بالاستحباب ، مع أنّ تفريعه عليه‌السلام بقوله : « فلا تفعله » ، قرينة على أنّ مراده كان هو المعنى الأعمّ الّذي هو حقيقة فيه ، مع أنّا قد أشرنا إلى أنّ الراوي فهم الحرمة

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٠٣ ، الكافي : ٥ ـ ٢٥٢ الحديث ٣٢ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٩٩ الحديث ٤٢٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٦٧ الحديث ٢٣٤٠١ وفي المصادر : ( أن يفارقه حتّى يأخذ الدنانير ).

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٥١ الحديث ٢٣٣٦١ ، وقد مرّت الإشارة إليه آنفا.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٠٤.

١٧٠

والمعصوم عليه‌السلام قرّره ، بل جوابه أيضا ظاهر في إرادته الحرمة ، كما هو الشأن في كثير من المواضع.

مع أنّ المراد لو كان مجرّد نفس الصحّة لكان يقول : إن شئت أن ترتّب على فعلك الأثر على سبيل اللزوم فافعل كذا ، وأين هذا من دلالة الأخبار؟ بل قوله عليه‌السلام : « لا أحبّ » أيضا لا يوافق هذا.

وأمّا الدلالة على الاشتراط ، فلما عرفت من عدم دليل على صحّة هذا البيع المنهي عنه ، لأنّ الدليل هو ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (١) ، و ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) ، و ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٣) ، وشي‌ء من ذلك لا يشمل الحرام ، كما هو ظاهر على من تأمّل أدنى تأمّل ، مضافا إلى ما ورد من أنّه ربا.

على أنّه رحمه‌الله صرّح في بحث بيع الفضولي أنّ الظاهر أنّ النهي إنّما هو لعدم قابليّته للبيع وعدم صلاحيّته له (٤) وغير خفيّ على المتأمّل أنّه لو كان كما ذكره ، فما نحن فيه أولى ، كما لا يخفى على من تأمّل في هذه الأخبار ، مثل قوله عليه‌السلام : « إن نزا جدارا فانز معه » (٥) ، وقوله : « فليأمر الغلام .. إلى آخره » (٦) ، وغير ذلك (٧) ، فتأمّل.

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٧٥.

(٢) المائدة ٥ : ١.

(٣) النساء ٤ : ٢٩.

(٤) راجع! مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٥٩.

(٥) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٩٩ ضمن الحديث ٤٢٧ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٦٩ ضمن الحديث ٢٣٤٠٨ ، وفيها ( حائطا ) بدلا من ( جدارا ).

(٦) الكافي : ٥ ـ ٢٥٢ ضمن الحديث ٣٢ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٩٩ ضمن الحديث ٤٢٩ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٦٧ ضمن الحديث ٢٣٤٠١.

(٧) لاحظ! مستدرك الوسائل : ١٣ ـ ٣٤٨ الحديث ١٥٥٦٧.

١٧١

مضافا إلى ما ورد من أنّه ربا (١) ، ولو لم يكن ربا حقيقة إلّا أنّه في حكمه ، لأنّ الإطلاق إمّا على سبيل الحقيقة أو المجاز ، وعلى الأوّل ، فالأمر ظاهر ، وأمّا على الثّاني ، فلأنّ العلاقة هو الحكم الشرعي ، وهو الحكم الظاهر الشائع الّذي في الربا ، فتأمّل.

وممّا يؤيّد ، الإجماع الّذي نقله.

وأمّا المعارض ، ففيه ما ذكره رحمه‌الله ، بل وأزيد ، مثل : شذوذها ، وكون الراوي مثل عمّار ، فلا بعد فيما ذكره من كون النسيئة قبل القبض ، من جهة أنّ الروايات روايات عمّار ، فكثيرا ما يكون في رواياته عدم الضبط التام (٢) ، فتأمّل.

قوله : مثل حسنة عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام .. إلى آخره (٣)

لا يظهر من الحسنتين (٤) أنّ المراد منهما ما ذكره ، بل يحتمل أنّ المراد منهما هو الإنفاق بجعله ثمنا أو مبيعا ، لا أنّه يعاوض بمثله ، بل في « التهذيب » صرّح بلفظ الإنفاق في الحسنة الاولى في آخر الرواية (٥) أيضا ، وسيعترف الشارح رحمه‌الله بما قلنا في قول المصنّف رحمه‌الله : ( ويجوز إخراج الدراهم المغشوشة ) (٦)

قوله : ولكن إنّه يحيى بن أبي القاسم المكفوف .. إلى آخره (٧)

هو ثقة إمامي ، كما حقّقناه في الرجال.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٩٨ الحديث ٢٣٤٨٢.

(٢) لاحظ! تعليقات على منهج المقال : ٢٤٣.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٠٨ ، وحسنة عمر بن يزيد في : الكافي : ٥ ـ ٢٥٢ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٨٦ الحديث ٢٣٤٥٠.

(٤) أي حسنة عمر بن يزيد ـ التي مرّ ذكرها في الهامش السابق ـ وحسنة علي بن رئاب : وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٨٦ الحديث ٢٣٤٤٩.

(٥) تهذيب الأحكام : ٧ ـ ١٠٨ الحديث ٤٦٤.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢١.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣١١.

١٧٢

وإنّ الحكم بالوقف سهو واشتباه (١)

قوله : من جهة أنّه ـ حينئذ ـ بيع دين بدين ، والظاهر عدمه .. إلى آخره (٢)

لا تأمّل في أنّه لا يجوز.

قوله : ولهذا لم يسمّ الأخبار الّتي هو فيه بالصحّة .. إلى آخره (٣)

بل يسمّي بالضعف ، وإن ذكرنا في الرجال فيه توثيقا من موضع (٤) ، فليلاحظ!.

قوله : بل جعل [ صياغة خاتم الصائغ في مقابلة ] تبديل درهم جيّد بدرهم ردي‌ء .. إلى آخره (٥)

بل لا خفاء في أنّ الظاهر أنّه جعل مجرّد التبديل أجرة الصياغة ، وأنّه ليس ببيع أصلا.

قوله : ولكن بقي أنّه قد يكون صياغة الخاتم [ مقابلا لرداءة الدرهم ] .. إلى آخره (٦)

مع أنّ المذكور في الرواية (٧) ليس إلّا مجرّد الوعدة ، لا المشارطة والمعاقدة ، مع أنّه لا يظهر منها مساواة الوزن.

وسيجي‌ء في كتاب القرض رواية متضمّنة لكون الدراهم السود أثقل من

__________________

(١) تعليقات على منهج المقال : ٣٧١ ـ ٣٧٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣١٣ ، وفيه : ( والظاهر عدم جوازه ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣١٥.

(٤) تعليقات على منهج المقال : ٣١٥ ـ ٣١٦ محمّد بن الفضيل.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣١٥.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣١٥.

(٧) أي رواية محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني : وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٩٥ الحديث ٢٣٤٧٤.

١٧٣

البيض (١) ، وأيضا الدراهم كانت توزن ، فكانت ثقيلة وخفيفة قطعا ، فتأمّل.

قوله : ولهذا لا يتحقّق الربا بين الجيّد [ في غاية الجيادة والردي‌ء ] .. إلى آخره (٢)

هذا فيما إذا كان التمام فضّة إلّا أنّها رديئة ، أمّا إذا كان بعضها غير فضّة إلّا أنّه غشّ ودخل في الفضّة وخلط بها ، أو يكون طبقة من فضّة وطبقة من نحاس ـ مثلا ـ فلا.

وقد مرّ في حسنتي علي بن رئاب وعمر بن يزيد (٣) ما يدلّ على وجود هذا الدرهم في ذلك الزمان ، وأنّه لا مانع من إنفاقه إذا كان جاريا بين الناس.

وسيجي‌ء رواية حريز (٤) أيضا ، عند قول المصنّف : ( ويجوز إخراج الدراهم المغشوشة ) (٥)

قوله : [ ولأنّ العقد على كلّ بمنزلة العقد على كلّ جزء جزء ] ولعلّه لا خلاف بينهم .. إلى آخره (٦)

لأنّ البائع جعل في ذمّته وعلى عهدته أن يؤدّي جميع ما أوقع عليه العقد ، فيجب عليه الوفاء كذلك ، ومقتضى ذلك أن يؤدّي كلّ جزء جزء ، فإذا حصل

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٩ ـ ٦٥ ، الكافي : ٥ ـ ٢٥٣ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٩١ الحديث ٢٣٤٦٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣١٦.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٠٨ ، والحسنتان في : وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٨٥ الحديث ٢٣٤٤٩ و ١٨٦ الحديث ٢٣٤٥٠.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢١ ، الكافي : ٥ ـ ٢٥٣ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٨٨ الحديث ٢٣٤٥٧.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢١.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣١٨.

١٧٤

المانع بالنسبة إلى البعض ليس له أن يقول : لا أؤدّي الباقي ، ولقوله عليه‌السلام : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (١) ، وقوله عليه‌السلام : « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » (٢) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم » (٣) ، فتأمّل.

قوله : لأنّ الغرض هو التساوي بين الجنسين [ ، والأرش زيادة جزء ] .. إلى آخره (٤).

فإذا اختلف الجنسان يجوز أخذ الأرش ، لعدم الربا ، فإن كان مقبوضا قبل مفارقة المجلس فلا كلام ، وإلّا فإن قلنا : إنّ الأرش منحصر بحسب وضع الشرع في الأثمان السليمة أو المسلوكة بين الناس أو الأعمّ منها ومن المعيبة ، فالأرش باطل ، لفوت شرط الصحّة ، لأنّ الأرش جزء المبيع أو الثمن ، فلا بدّ فيه من القبض قبل مفارقة المجلس.

وإن قلنا : إنّ الأرش هو تفاوت القيمة صحيحا ومعيبا مطلقا ـ أعمّ من أن يكون من الأثمان أو من العروض ، كما هو ظاهر عبارة « القواعد » (٥) ـ فالأرش صحيح ، وينصرف إلى العروض ، ومتعيّن فيها.

ويمكن توجيه عبارة « القواعد » ، بأنّ الأرش وإن كان بحسب أصل الوضع هو الأثمان السليمة ، إلّا أنّه يجوز أن يأخذ مستحقّه عوضه بالتراضي وبحسب الشرط في ضمن عقد المبايعة ، سيّما ومع أداء الحاجة إليه ، لأنّ تعيين الأخذ مجّانا ضرر ، كتعيين الردّ ، ولذا عمّم الأرش ، فتدبّر.

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٤ ـ ٥٨ الحديث ٢٠٥ ، مع اختلاف يسير.

(٢) عوالي اللآلي : ٤ ـ ٥٨ الحديث ٢٠٧.

(٣) عوالي اللآلي : ٤ ـ ٥٨ الحديث ٢٠٦ مع اختلاف يسير.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣١٩.

(٥) قواعد الأحكام : ١ ـ ١٣٢ ـ ١٣٣.

١٧٥

هذا ، ثمّ إنّه على تقدير عدم إمكان الأرش في المختلفين ، هل يكون الحكم مثل المتّفقين من انحصار التخيير بين الردّ والإمساك بغير أرش؟ أم يكون ما يقابل الأرش من العوض باطلا ، فيأخذ بالنسبة؟ أو يردّ ، على ما سيجي‌ء من اختيار الشارح في السّلف معلّلا بأنّ الأرش جزء من الثمن (١)؟

وسيجي‌ء تمام الكلام في أحكام العيب ، فلاحظ.

قوله : فإنّه قد يشمّ منه رائحة المخالفة ، لما تقدّم .. إلى آخره (٢).

لا مخالفة ، لأنّ المبيع في الحقيقة مجموع أجزاء كلّ جزء موصوف بالصحّة ، ونفس الصحّة أيضا جزء ، وعلى البائع أن يؤدّي جميع ما أمكنه أن يؤدّي ، لأنّ التكليف بالمجموع تكليف بمجموع أجزاء كلّ جزء في ضمن الكلّ ، فالتكليف بكلّ جزء مستصحب حتّى يثبت خلافه ، ومجرّد عدم التمكّن من الجزء الآخر لا يرفع التكليف ولا يثبت خلافه ، للاستصحاب وللإطلاق ، والعموم في الوفاء بكلّ جزء جزء ، وللأخبار ، مثل : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٣) وغيره.

وجميع ما ذكر إنّما هو بالقياس إلى ما لا يمكن ، وأمّا الأجزاء الممكنة فالواجب على المشتري إمّا أخذ الجميع أو ردّ الجميع ، ولا يمكنه أن يقول : أردّ بعض الممكن وأمسك بعضه من جهة أنّ بعضا منه لا يمكن الحصول ، وللبائع أن يقول : الجزء المعيب إن كان داخلا في عقدك ومن جملة الأجزاء لمبيعك ، فكيف تردّه عليّ بخصوصه ، من جهة عدم تمكّني من الجزء الآخر الّذي هو صحّة ذلك الجزء؟ وإن لم يكن داخلا ولا جزءا من مبيعك ، فكيف تأخذه منّي قهرا عند اختيارك الإمساك والأرش؟ وهذا تحكّم بحت منك ، بالنظر إلى مقتضى العقود والعهود والشروط ، فتدبّر.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٦٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣١٩.

(٣) عوالي اللآلي : ٤ ـ ٥٨ الحديث ٢٠٥ ، مع تفاوت في الألفاظ.

١٧٦

في النقد والنسيئة

قوله : فإن كان الثمن حالّا بأن (١) شرط الحلول .. إلى آخره (٢).

مقتضى العقد حلول اشتغال الذمّة إذا كان مطلقا ، فلو شرط ذلك لم يفد سوى التأكيد ، ولو شرط تعجيل الثمن ـ أي فعليّة إقباضه بعد العقد بلا فصل عرفي ـ فلا شكّ في أنّ هذا مغاير للأوّل ، وكذا فعليّة الإقباض في زمان معيّن ، ولا يخفى أنّهما شرطان صحيحان.

نعم ، لو شرط فعليّة الإقباض بلا تعيين زمانه فالشرط باطل إن لم يفهم من هذا الإطلاق تعجيله ، وإلّا فهو أيضا صحيح ، وشرط ، مثل الصورتين السابقتين وثمره ثمرهما ، وهو أنّه إذا أخلّ المشتري به يكون للبائع خيار الفسخ ، لأنّ المشتري ما وفى بجميع الشروط وما أدّى جميع ما شرط كونه بإزاء المبيع وكلّ ما وقع العقد عليه ، ولا يمكنه تدارك ما أخلّ به حتّى يمنع البائع عن الفسخ ويلزمه بالوفاء بما عقد عليه ، لأنّ فعليّة الإقباض من المشتري في أيّ وقت يكون ـ سوى الوقت الّذي وقع العقد والشرط عليه ـ لا ينفعه أصلا ، لأنّه مغاير للشرط.

فالشرط في صورة الإخلال به متعذّر الحصول ، محال الوجود ، لما عرفت من أنّ كلّ ما يمكن أن يوجد فهو أمر غير الشرط ، والقاعدة المسلّمة عند الكلّ والصحيحة بالأدلّة الّتي أشرنا إليها مكرّرا أنّه عند تعذّر مجموع ما جعل عوض الشي‌ء في المعاملة تكون المعاملة غير صحيحة ، وعند تعذّر بعضه يحصل خيار

__________________

(١) لم ترد : ( كان الثمن حالّا بأن ) في المصدر.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٣.

١٧٧

الفسخ ، وهذا الرضا من البائع غير رضاه حين العقد ، بل حدث منه بعد تعذّر الشرط وإمكان المشروط وجواز التزامه المشتري بالقدر الممكن وبحسب ما اقتضاه الأدلّة ، فهو صحيح من جهة دلالة الأدلّة. والله يعلم.

قوله : فكأنّه عقد وشرط ، وقصد لزوم العقد معه من صاحبه مع إتيان الآخر به .. إلى آخره (١).

لا يخفى أنّ البيع من العقود اللازمة والأصل فيه اللزوم ، فإن أردت أنّ الشرط مؤكّد للزومه ، فمع فساده في نفسه ، محذورك باق على حاله. وإن أردت أنّه لا يفيد اللزوم إلّا من جهة الشرط ، فقد عرفت فساده. وإن أردت أنّ مثل هذا البيع يكون المراد من نفس البيع مجرّد الانتقال واللزوم يراد فيه من خصوص الشرط ، فهو أيضا فاسد ، فإنّ المتبايعين حالهما بالنسبة إلى الشرط بعينه حالهما بالنسبة إلى الثمن ، فكما لا يرضى البائع أن يكون مبيعه ملكا للمشتري مجّانا بغير عوض ومن دون ثمن ، بل جعله ملكا له بالثمن والعوض قطعا والمشتري أيضا أقدم على ذلك جزما ، فكذا لا يرضى أن يصير ملكا له بدون الشرط المذكور ، والمشتري أيضا أقدم على ذلك جزما ، من دون فرق بين الثمن والشرط فيما ذكرنا أصلا ، لا بحسب عبارتهما في العقد ، ولا بحسب مدلول عبارتهما ، ولا بحسب إرادتهما وقصدهما بالوجدان والمشاهدة ، ولذا يكون الشرط من جملة الثمن ، واتّفق الفقهاء على ذلك ، بل لو ألقى ما ذكره الشارح إلى المتعاقدين لا يكاد يمكنهما فهم ذلك ودركه ، فكيف يحكم بكون ذلك مرادهما؟ وإن شئت فجرّب.

وبالجملة ، لا شبهة في فساد ما ذكره بالنسبة إلى مقصود المتبايعين.

وإن أردت أنّ الفقهاء يقولون أنّه لا بدّ للمتبايعين أن يفعلا كذلك في مثل

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٤.

١٧٨

هذا البيع ، فهو أيضا فاسد قطعا ، بل لا يتوجّهون إلّا إلى حكم معاملة المتبايعين لا أنّهم يخترعون معاملة وينكرون معاملتهما.

وما ذكر لا يخفى على من له أدنى تأمّل ، ولهذا قال الشارح رحمه‌الله : ( وأمّا عباراتهم .. إلى آخره ) (١).

وأيضا ، إن أراد الشارح أنّ هذا البيع بيع بعوضين جوازا ولزوما ، جوازا بكذا ، ولزوما بكذا ، فهو باطل جزما ، للجهل وعدم التعيين ، كما هو الحال في البيع بثمنين إلى أجلين ، مع أنّه يلزم ـ على هذا ـ أنّه لو اختار المشتري العوض الجوازي لا يكون عليه شي‌ء أصلا ، ولا اعتراض مطلقا ، وهو خلاف ما اقتضته الأدلّة ، كما صرّح به (٢) ، بل خلاف فتوى الفقهاء أيضا كما عرفت ، وخلاف ما عليه المتبايعان البتّة ، وخلاف الطريقة المسلوكة من المسلمين.

مع أنّه يلزم على ذلك أن يكون للمشتري أيضا خيار الفسخ كالبائع ، وهو خلاف ما اتّفق عليه الفقهاء في جميع مواضع الخيار ، مع أنّ البيع الجوازي غير موجود شرعا ، لأنّ البيع لزومي. نعم ، ربّما يعرضه جواز بقدر قليل ثبت من طرف الشرع ، وإلّا فالأصل فيه اللزوم ، ولا بدّ من اللزوم فيه على أيّ حال.

وإن أراد أنّ البيع بيع واحد لزومي فقط وليس التراضي إلّا به ، فمع اختلال الشرط عند الشارح يصير فاسدا ، لعدم تحقّق الشرط ، وإن قال عند تعذّر الشرط يتحقّق خيار الفسخ لعدم تحقّق جميع العوض والإمضاء ، لإمكان إلزام المشتري بالقدر الممكن ، كما هو الحال في تبعّض الصفقة وخيار العيب وأمثالهما ، فمع أنّه خلاف ما اختاره ، لأنّه يناقش فيما ذكروا بما يرجع إلى ما ذكرناه بعينه ، فلا حاجة

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٤.

١٧٩

إلى العنايات الفاسدة ، فتدبّر.

قوله : وأمّا عباراتهم في ذكر الشروط .. إلى آخره (١).

قد عرفت من الحاشية أنّه لا غبار في كلماتهم ، وأنّ مطلوبهم واحد ، وأنّ الشرط شرط نفس العقد ، وأنّ الرجوع إلى الجواز إنّما هو بعد تعذّر الشرط ، لقاعدتهم الصحيحة الثابتة ، وأنّ الجواز إنّما هو بالنسبة إلى أحد طرفي العقد ، وهو الّذي له الشرط المتعذّر لا الّذي عليه ذلك الشرط ، وأنّ ذلك عند التبعّض لا تعذّر جميع العوض ، وأنّ اختيار الإمضاء برضا جديد منه لا الرضا الّذي كان حين العقد ، وظهر الإشارة إلى الوجه في جميع ما ذكر ، فتدبّر.

قوله : [ فالظاهر عدم الفرق بينه وبين عدمه مع التعجيل ] والإطلاق ، بل مع التأجيل أيضا .. إلى آخره (٢).

لقائل أن يقول : مقتضى الإطلاق انتقال كلّ واحد من العوضين إلى الآخر وصيرورته حقّا له وملكا من أملاكه ، فإذا لم يعطه يكون غاصبا آثما ولصاحب الحقّ أن يأخذه قهرا إذا تمكّن منه ، وكذا خفية إذا تمكّن منه ، وإلّا فله أن لا يعطي العوض ، بل يأخذه تقاصّا ، هذا بخلاف ما لو شرط تعجيل الإعطاء والمسارعة إلى الإقباض ، فالظاهر أنّه شرط زائد عن مقتضى الإطلاق ، وأنّه داخل في الشروط وحكمه حكمها ، ويكون معنى العقد أنّ المبيع ملكك بشرط تعجيل الثمن.

فوجوب الوفاء إنّما هو بعد تحقّق الشرط.

وأمّا كون هذا موجبا للخيار لا أنّه مبطل لو لم يتحقّق الشرط ، فلأنّه حقّ من حقوق البائع جعله بإزاء المبيع ، فكأنّه قال : المبيع ملكك بشرطين ، الثمن المعيّن ، وكونه يصل إليّ معجّلا ، والمشتري رضي بذلك ، فيجب عليه الوفاء

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ٣٢٤.

١٨٠