حاشية مجمع الفائدة والبرهان

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

حاشية مجمع الفائدة والبرهان

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٨١٢

على إنّا نقول : بتتبّع الأخبار الواردة في تضاعيف مباحث الإقباض وغيره لعلّه يظهر أنّ غالب أفراد بيوعهم في ذلك الزمان ، بل المتداول بينهم البيع الّذي كان الإقباض خارجا عنه مترتّبا عليه ، بل لعلّه لا يظهر من خبر كون البيع بنفس التقابض مع القرينة.

فعلى هذا ، حمل المطلقات الدالّة على اللزوم على هذه الصورة أيضا يحتاج إلى نظر ، فليلاحظ الأخبار (١) وليتتبّع وليتأمّل! وتداولها في زمان الشارع ـ على تقدير التسليم ـ لعلّه يكون نظير تداولها في زمان الفقهاء وعصرهم ، بل الظاهر أنّ الحال واحد ، كما أشار إليه بقوله : ( من زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الآن من غير نكير .. إلى آخره ) (٢) ، فإنّ الفقهاء كانوا يرون ولا يمنعون ، بل هم بأنفسهم كانوا يرتكبون ويكثّرون ، والناس مقلّدون لهم وتابعون ، لا أنّهم في خصوص هذا مجتهدون ، ومستندون بأنّهم كانوا يعرضون عنهم ويتّبعون ظاهر عبارة المفيد رحمه‌الله (٣) ، أو غير ذلك ، فتأمّل جدّا.

وأمّا حكاية ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤) ، فغير ظاهر كون ذلك من الأفراد المتبادرة للعقد ، بل الظاهر خلاف ذلك ، إذ عند الإطلاق والتعرّي عن القرينة لا ينصرف الذهن إلى مثل هذه ، فتأمّل.

وأيضا ، سيجي‌ء أنّ المعاملة الّتي هي مورد النزاع لا يرضى بها الشارع ، ورفع النزاع بالشهود ، ولا يمكن الإشهاد ، لأنّ بناء القرينة على الحدس ، فتأمّل.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٦ ـ ٣٣٩ الحديث ٩٤٥ ، وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٣٣٣ الحديث ٢٢٦٩٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤٠.

(٣) المقنعة : ٥٩٢.

(٤) المائدة ٥ : ١.

٦١

ويظهر من الآية والأخبار أنّ كلّ بيع يصير محلّ الإشهاد ومتعلّقه ، والشهادة إنّما تكون في الحسّيات على المشهور ، أو اليقيني مطلقا على غير المشهور.

قوله : الإطلاق واضح عرفا ، وليس ذلك المعنى المشهور .. إلى آخره (١)

إذا كان الإطلاق واضحا والعرف مرجعا في الألفاظ عند الفقهاء ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ قطعا على ما صرّحوا به في كتبهم الأصوليّة والاستدلاليّة والفقهيّة ، وما هو مشاهد من طريقتهم فيها ، والأصل عندهم في البيع والعقود اللزوم وهم متّفقون في ذلك قطعا وسيصرّح به ، فمع ذلك كيف اتّفقوا هذا الاتّفاق حتّى أنّه كاد أن لا يكون بينهم خلاف؟! إذ غاية ما يكون أنّه نقل بعض أنّ ظاهر عبارة المفيد رحمه‌الله خلاف ذلك ، والعبارة ليست عندنا ولم يذكروها حتّى نلاحظ ونرى أنّها ظاهرة أم لا.

وعلى تقدير التسليم ـ أيضا ـ كيف اتّفق الباقون هذا الاتّفاق مع نهاية كثرتهم ، وغاية تتبّعهم وتطلّعهم ومهارتهم وعدالتهم ، بل وشدّة تقواهم وقواهم القدسيّة لا خفاء فيها ، ونهاية بذل جهدهم في أخذ الأحكام وغاية احتياطهم في مقام الإفتاء وتوصيتهم بذلك ، مع كون الحكم مخالفا للأصل والأدلّة الّتي ذكرتها ، ونهاية وضوح تلك الأدلّة وقربها إلى النظر والفهم ، بل وديدنهم الاستدلال بها في المقامات ، ومع كثرة تلك الأدلّة وعدم أمر من الشارع بما يخالفها ، بل وعدم وجدان ما يشير إلى المخالف كما ذكرت ، ومع اطّلاعهم بالخلاف الّذي بين العامّة ، بل والخلاف الّذي من المفيد ـ على ما ذكرت ـ واطّلاعهم بما هو المتداول بين المسلمين من زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى زمانهم ، وحكمهم بالأحكام الّتي ذكرت عنهم ، مثل :

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٣٩.

٦٢

جواز البيع ثانيا ، وكذا وطء الأمة. إلى غير ذلك ممّا ذكرت وممّا لم تذكر.

وبالجملة ، جميع الأحكام والأدلّة الّتي ذكرت صادر منهم ومدّ نظرهم ، بل هي في غاية القرب إلى نظر من له أدنى ملاحظة وفهم ، فكيف مثلهم؟! ومع ذلك كيف اتّفقوا هذا النحو من الاتّفاق على مخالفة مقتضى أحكامهم الّتي هم حكموا بها ، ومقتضى أدلّتهم الّتي هم أسّسوها وأتقنوها ومهّدوها ، وأجروا أحكامهم الّتي لا تحصى عليها ، حتّى في كتاب البيع وغيره من كتب المعاوضات ، سيّما مع كون وضوح تلك بمرتبة لا ينبغي النزاع حينئذ ولا يبقى له مجال كما ذكرت وأشرت؟! إذ كلّما كان الوضوح والكثرة وخفاء ما يخالف أزيد يصير الاستغراب أشدّ.

فكيف يمكن الاجتراء عليهم وعلى مخالفتهم ، سيّما مع قرب عهدهم بعهد الشارع وبعد عهدنا غاية البعد؟! وخصوصا بعد ملاحظة أنّ كثيرا من أحكامهم الّتي لم يظهر لنا منشؤه بعد بذل الجهد التام والتطلع الزائد اطّلعنا عليه إلى حدّ لم يبق لي وثوق في مقام من المقامات الّتي لم يظهر المنشأ بالحكم بخطئهم.

بل الظاهر عندي عدم اتّفاقهم بمثل هذا الاتّفاق على الخطأ ، ونعم الطريقة طريقة الشارح رحمه‌الله ، فإنّه أيضا ما يحكم بخطئهم أصلا ، بل ويقول : إنّي ما أفهم ، وليس من الفقهاء أحد موجود حتّى أستفهم وأستعلم الحال ، ولهذا قال هنا : ( الاحتياط حسن .. إلى آخره ) (١) ، فتأمّل ، فإنّي قاصر ، والقصور منّي ، فلا تكتف بما ذكرت ، بل تدبّر.

واستدلاله رحمه‌الله بقول أهل العرف (٢) ، مثل الاستدلال على كون صيغة

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤٢.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٣٩.

٦٣

( افعل ) حقيقة في الطلب أو الاستحباب ـ مثلا ـ وكذا لا تفعل في الكراهة ، ولفظ العام في الخاص. إلى غير ذلك ، لكثرة استعمالهم وقولهم غاية الكثرة ، بل وربّما كان أكثر من الحقيقة ، ولا شكّ في أنّ الاستدلال باطل.

وأيضا ، لا نزاع في أنّ البيع الّذي هو في مقابل الشراء معنى يعبر عنه بلفظه المختصّ به ، وهو البيع ، أو المشترك بانضمام القرينة مثل التمليك ، أو مجرّد القرينة.

وإنّما النزاع في البيع الّذي هو عقد مشتمل على الإيجاب والقبول بالنحو الّذي يقتضي النقل من الطرفين جميعا أنّه هل يكفي تحقّقه بمجرّد القرينة المظهرة للمعنى الأوّل ، وقبوله بالنحو المذكور أم لا؟ وعلى الأوّل هل القرينة معتبرة شرعا أم هي مثل الرمل والجفر والأسطرلاب وأمثالها؟ فتأمّل.

قوله : [ ما كان يليق من الشارع ] إهماله مع تبادر غيره ، وكمال اهتمامه بحال الرعيّة .. إلى آخره (١)

قلت : قد ورد عنهم عليهم‌السلام أنّ المحلّل والمحرّم هو اللفظ (٢) ، ورد عنهم في مقام إفادة العقد اللزوم ، فليلاحظ وليتأمّل.

وورد في أخبار معتبرة ، وأيضا ورد في مقام تعليم العقد بقول كذا وكذا فإذا قال : كذا يصير كذا ، ورد كذلك كثيرا (٣) ، هذا وغيره ، مع اشتهار الفتاوي واتّفاقها ، فإنّ عبارة « المقنعة » (٤) في غاية الظهور في الموافقة لسائر الفقهاء المتقدّمين ، مع أنّ كثيرا ممّا هو مثل المقام ، بل وأشدّ لم يرد فيه نصّ واف ، بل لم يرد

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤٠.

(٢) الكافي : ٥ ـ ٢٠١ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٥٠ الحديث ٢١٦ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٥٠ الحديث ٢٣١١٤.

(٣) راجع! الكافي : ٥ ـ ١٩٨ الحديث ٧ و ٢٠٨ الحديث ٣ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ ـ ١٣٤ الحديث ٥٨٣ ، تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٤٧ الحديث ٢٠٣ و ٥٦ الحديث ٢٤٥ و ٥٩ الحديث ٢٥٤ ، وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٨٢ الباب ٢٥ من أبواب أحكام العقود.

(٤) المقنعة : ٨٣١.

٦٤

مطلقا ، مثل نجاسة المياه المضافة ، ولم يرد فيها سوى نجاسة المرقة (١) ، بل النجاسة الشرعيّة أعمّ بلوى وأشدّ حاجة بمراتب ، ولم يرد حديث أصلا في أنّها ما هي ، بل نجاسات الأشياء لم تثبت إلّا من وجوب الغسل ونحوه ، ممّا ليس وجهه منحصرا في النجاسة ، كما اعترف به في « المدارك » (٢) وغيره (٣) ، ولو لا فتاوي الأصحاب لم تثبت أصلا ورأسا ، كما لا يخفى ، ولا يمكن (٤) الرجوع إلى النجاسة العرفيّة واللغويّة بالبديهة ، فتأمّل.

قوله : ومعلوم أن لا موجب له إلّا عقد البيع ، وهو ظاهر (٥).

يحتاج إلى التأمّل ، إذ لعلّ الموجب هو ما ذكر وسيذكر ممّا دلّ على نقل الملك حسب ، فهو في الحقيقة دليل للأكثرين لا حجّة عليهم ، فتأمّل.

قوله : ولأنّ الظاهر أنّ الغرض حصول العلم بالرضا ، وهو حاصل (٦).

في كثير من المواضع يجبر الحاكم ويكره المالك على بيع ماله مثل : وفاء دينه ، ونفقة واجب النفقة ، وتقويم العبد على معتقه وفكّه من الرقّ ليرث. إلى غير ذلك مما لا تحصى ، فالرضا غير حاصل قطعا ، فإذا كان الغرض من العقد هو العلم بالرضا ليس إلّا ، يلزم أن يكون فعل الحاكم عبثا لغوا محضا ، بل وحراما أيضا.

وأيضا ، كثيرا ما يقطع بالرضا أشدّ الرضا ، بل وتمنّي ذلك ، بل ويصرّحان

__________________

(١) لاحظ! الكافي : ٦ ـ ٢٦١ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٩ ـ ٨٦ الحديث ٣٦٥ ، الاستبصار : ١ ـ ٢٥ الحديث ٦٢ ، وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٠٦ الحديث ٥٢٩.

(٢) مدارك الأحكام : ٢ ـ ٢٥٩.

(٣) جامع المقاصد : ١ ـ ١٦٥.

(٤) في ألف ، ب ، ج : ( ويمكن ).

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤١.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤١.

٦٥

بذلك بأن يقول البائع : أنا راض بأن يكون الشي‌ء الفلاني مبيعا ملكا للمشتري ، والمشتري أيضا يقول : أنا رضا من غير أن يتحقّق منهما عقد ، ومع ذلك لا شكّ في عدم حصول النقل بمجرّد هذا ، كما أنّ هند ـ مثلا ـ راضية بأن تكون زوجة زيد ، بل وتتمنّى ذلك ، لكونها عاشقة له ، وزيد أيضا كذلك ، ولا شكّ في أنّه بمجرّد هذا ليسا بزوجين يترتّب عليهما أحكام الزوجيّة ، وكذا ربّما يتمنّى الزوج أن تكون زوجته (١) الفلانيّة طالقا ، ويظهر ذلك عند العدلين ، وكذا الحال في سائر المعاملات ، مثل : الهبة والصلح وغيرهما.

إلّا أن يكون مراده الرضا بمدلول العقد ، والظاهر أنّ مراده هو هذا.

لكن يرد عليه أيضا ـ مضافا إلى ما سبق من حكاية إكراه الحاكم ـ أنّه لو قال البائع : إنّي قصدت مدلول العقد الفلاني في اليوم الثاني من السنة الفلانية من السنين الماضية والقرون الخالية ، وما أظهرت أصلا إلى الآن ، والمشتري أيضا يقول كذلك ، يلزم من هذا أن يكون مبيع ذلك العقد من تلك الساعة من اليوم الفلاني المذكور ملكا للمشتري ، وكذا ثمن ذلك العقد ملكا للبائع مترتّبا عليهما أحكامهما من تلك الساعة إلى ساعة الإظهار والقول وما بعدها ، ويكون قولهما ذلك كاشفا عن ذلك.

والتزامه رحمه‌الله ذلك لعلّه لا يخلو عن غرابة وإشكال ، فلعلّه لا يلتزم ، ولو التزم ملتزم فحكمه بصحّته مشكل الثبوت ، مضافا إلى الغرابة بالنسبة إلى الأحكام الشرعيّة في المعاملات ، ويلزم ذلك الملتزم الالتزام في جميع المعاملات حتّى النكاح ، لاتّحاد المقتضي وعدم المانع ، بل وربّما يسري ذلك في الإيقاعات أيضا ، فتأمّل جدّا.

__________________

(١) في ألف ، ب ، ج : ( الزوجة ).

٦٦

وأيضا ، سيجي‌ء في بحث القرض أنّ المفسد للزيادة والمحرّم لها إنّما هو الشرط وبدونه يصحّ وإن كان من نيّتهما ، فتأمّل.

قوله : ولأنّ الظاهر أنّه يصدق أنّه تجارة عن تراض وهو كاف .. إلى آخره (١).

كون التجارة عبارة عن مجرّد التراضي غير ظاهر ، وكون إفادتها اللزوم مطلقا أيضا كذلك ، لكن الظاهر أنّه رحمه‌الله في هذا المقام غرضه إثبات الإباحة ومجرّد الملكيّة ، لا اللزوم أيضا ، وبعد هذا يتصدّى لإثباته ، حيث يقول : ( ووجهه أنّ هذا العقد .. إلى آخره ) (٢).

قوله : ولكن ظاهر كلامهم اللزوم ، فتأمّل (٣).

لا خفاء في أنّ الإباحة كانت حاصلة ، بل والملكيّة أيضا عند الأكثر بمقتضى الأدلّة ، فلا وجه لضمان التالف ولا لجواز الرجوع ، لأنّه عوض عن التالف ، فله أن يقول : ائتني بمالي الّذي كان عوض مالك حتّى أعطيك العوض ، وهذا هو مرادهم من اللزوم ، فتأمّل.

قوله : أربعة عشر دليلا من الكتاب والسنّة والإجماع وترك البيان .. إلى آخره (٤).

أمّا الإجماع فدعواه عجيب ، وأمّا الكتاب والسنّة فقد مرّ الكلام ، مضافا إلى أنّه لا عموم فيها ، بل الموجود هو المطلقات في غير مثل : ( أَوْفُوا

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤١.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤١.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤١.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤٢.

٦٧

بِالْعُقُودِ ) (١) وأمّا فيه فقد مرّ ما عرفت ، وسيجي‌ء أيضا ، والمطلق لا يرجع إلى العموم إلّا فيما إذا كان إرادة البعض من دون بعض آخر ترجيحا من غير مرجّح ، وحيث حصل اليقين بأنّ المقرون بالصيغة المعتبرة مراد قطعا من دون شائبة وريبة فالحكم بالعموم حينئذ من أين؟

وأيضا ، قيل : العمل بالظنّ في مقام التمكّن من اليقين وعدم مانع منه أصلا حجّيته وجوازه محلّ نظر ، لعدم دليل يقيني حينئذ ، والظنّ ليس بحجّة حتّى ينتهي إلى اليقين ، وهو مسلّم عند الفقهاء ، فتأمّل.

قوله : والضيق المنفي عقلا ونقلا .. إلى آخره (٢).

هذا كسابقه ، يناسب عدم المضايقة ، لا صيرورة الشي‌ء شرعيّا يترتّب عليه الأحكام المخالفة ، للأصل والسهولة والضيق ، فتدبّر.

قوله : [ ووجهه ] أنّ هذا العقد أفاد الملك .. إلى آخره (٣).

لو ثبت كونه عقدا حقيقيّا كان كذلك ، لكن الشأن في ثبوته.

قوله : [ ولا دليل فيه ] ، والأصل عدمه ، ولما مرّ .. إلى آخره (٤).

هو معارض بأصالة عدم اللزوم ، بل يمكن أن يقال : القدر الثابت الملكيّة الّتي لا تنافي عدم اللزوم ، فتبقى أصالة عدم اللزوم من غير معارض ، لكن يبقى الإشكال في أنّ جميع موارد الاستصحاب يمكن للنقض (٥) بهذا النحو ، ودفع الإشكال بحيث لا ينفي حجيّة الاستصحاب ، ربّما لا يخلو عن إشكال ، وتحقيق

__________________

(١) المائدة ٥ : ١.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤٢.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤٢.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤٢ ـ ١٤٣.

(٥) في ألف ، ه : ( النقض ).

٦٨

المقام في علم الأصول.

لكن على تقدير عدم الحجيّة ـ كما هو مذهب الأكثر ـ فلعلّ الاعتراض وارد بلا إشكال ، لأنّ الحكم بالاستصحاب في خصوص موضع إنّما يستند إلى إجماع أو غيره من الأدلّة الشرعية ، فتأمّل جدّا.

قوله : [ وينبغي أن لا ينازع ] ، بل يقول عقد غير لازم ، مع أنّ الظاهر اللزوم [ بعد تحقّق الملك ] .. إلى آخره (١).

أقول : من المسلّمات والمحقّقات ـ الّتي لا تأمّل لأحد فيها ـ أنّ اللغات لا تثبت بالدليل ، فما ظنّك بما ذكره ممّا ليس بظنّي (٢) أيضا ، بل ظاهر أنّه رحمه‌الله لم يذكر أمرا يورث شيئا ، سيّما أن يكون ظهورا ، مع أنّها لا تثبت بالدليل ، بل تثبت بالتبادر (٣) أو عدم صحّة السلب ، كما هو المحقّق المسلّم عند المحقّقين بلا خفاء.

ومن مجرّد المعاطاة لا يتبادر أنّه عقد ، ولا يقول أحد : إنّه عقد البيع ، أو وقع بينهما عقد البيع ونحو ذلك ، بل يصحّ سلب العقد كما لا يخفى ، ولذا نرى الفقهاء الفحول الماهرين يقولون : ليس بعقد (٤) ، بل اتّفقوا على السلب وصحّته كلّ الاتّفاق ، حتّى المفيد رحمه‌الله كما عرفت (٥) ، ومن هذا اتّفقوا على عدم اللزوم ، مع أنّهم اتّفقوا كل الاتّفاق على أنّ كل ما هو عقد يكون لازما والوفاء به واجبا ، لعموم : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ونحوه ، وهذا غير خفيّ على من له أدنى اطّلاع وتتبّع في كلماتهم في العقود اللازمة وغيرها ، وكلام الشارح صريح فيما ذكرنا ، فتتبّع مباحث العقود.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤٣.

(٢) في ألف : ( من الظنيّات ).

(٣) ورد في : ألف : ( في غاية الظهور عدم إظهاره أمرا ظنّيا يورث مظنّة ، بل ثبوت اللغات منحصر في نصّ الواضع أو التبادر ) بدلا من : ( ظاهر أنّه. بل تثبت بالتبادر ).

(٤) لاحظ! الدروس الشرعيّة : ٣ ـ ١٩٢ ، الروضة البهيّة : ٣ ـ ٢٢٢.

(٥) راجع الصفحة : ٦٤ من هذا الكتاب.

٦٩

وما ذكره بقوله : ( وكذا ما كانت .. إلى آخره ) (١) تحقّق ما ذهب إليه الفقهاء ، لأنّ العوام لا يجوز (٢) لهم سوى تقليد الفقهاء ، ولا يمكنهم غيره بلا شبهة ، وهم أيضا ما كانوا يبنون أمورهم الشرعيّة إلّا عليه ، ففي زمان العلماء إلى زماننا هذا يكون الأمر على ما ذهب إليه الفقهاء قطعا ، فكذا قبل زمانهم إلى زمانه عليه‌السلام ، لاتحاد حالهما كما اعترف به.

مضافا إلى أصالة عدم التفاوت وعدم النقل ، بل اليقين بذلك ، لاستحالة أن يكون الأمر قبل زمانهم إلى زمانهم بنحو آخر بالاتفاق والمعلوميّة ، ومع هذا يكونون بأجمعهم يتّفقون على خلافه (٣) مع كمال تبحّرهم واطّلاعهم وديانتهم وتقواهم. إلى غير ذلك ، وإن بني على أنّ الأمر كان من الضروريّات من الدين ، ولذا خالف العوام فقهاءهم وكان الحقّ مع العوام عنده ، فيلزم من ذلك كفر جميع الفقهاء رضوان الله [ عليهم ] ـ العياذ بالله منه ـ مع أنّ الوارد في الأخبار أنّهم حجج الله على الفقهاء ، والفقهاء حجج على الخلق (٤). إلى غير ذلك ممّا هو أشدّ منه وأظهر.

وبالجملة ، الفقهاء متّفقون على أنّ كلّ عقد يجب الوفاء به إلّا أن يثبت خلافه ، وإن كان العقد من الأفراد النادرة والفروض الغريبة ، والكلّي إذا كانت له أفراد متبادرة شائعة وأفراد ليست كذلك ، ففي مقام الحكم عليه بالعموم ، منهم من خصّه بالمتبادرة ، ومنهم من عمّمه ، ومنهم من فصّل بأنّ العموم إن كان من طريق

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤٣.

(٢) ورد في د ، ه : ( لأنّ ما ذكره إن كان من البديهيّات فيلزم كفر الفقهاء ـ العياذ بالله ـ منه ، وإن كان من النظريّات فلا يجوز ) بدلا من : ( لأنّ العوام لا يجوز ).

(٣) ورد في د ، ه : ( لاستحالة كون الأمر في أزمنة ظهورهم عليهم‌السلام على خلاف ما اتّفقوا عليه مع اتّصال زمانهم بتلك الأزمنة ) بدلا من : ( لاستحالة أن. على خلافه ).

(٤) كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨٤ ـ ٤٨٥ ، الاحتجاج للطبرسي : ٤٧٠.

٧٠

الوضع فالثاني ، وإلّا فالأوّل.

هذا بحسب القاعدة لا خصوص مادّة ، وإلّا فربّما يعمّم أو يخصّص لأمور خارجة ، والأكثر في المقام بنوا على التعميم ، إمّا لقولهم به مطلقا أو مفصّلا ، أو لظهور صحّة البعض من النادرة من قبيل الفضولي وغيره من الدليل ، أو لاستشمامهم العلّة ، كما في قولهم : أكرم العالم ، ولعلّها من أنّ مقتضى التديّن والإيمان الوفاء بالعهد والشرط استنبطوها من مظانّها ، والله يعلم.

قوله : وأنّ ليس ذلك بعقد بغير دليل ، بعيد .. إلى آخره (١).

فيه ، أنّك قد ذكرت الدليل ، فكيف يصير بغير دليل ، والإرادة من البيع والعقد ذلك لا ينفع ، بل النافع ثبوت كونه من الأفراد الحقيقيّة المتبادرة لهما في زمن الشارع ، وظهور الملك في اللزوم فيه ما فيه ، مضافا إلى ما مرّ ، فتدبّر.

قوله : وهذا إشارة إلى عدم حصول الملك [ بالمعاطاة ] .. إلى آخره (٢).

فيه تأمّل ظهر وجهه.

قوله : وليس هذا مثل الصلاة ، لعدم جواز التوكيل [ فيها ] .. إلى آخره (٣).

لا يخفى أنّ طلاق الأخرس بالإشارة ، ولا شكّ في اعتبار الصيغة وعدم كفاية مجرّد الرضا ، بل الشيعة متّفقون على عدم كفاية لفظ السراح والفراق ، وإن عبّر عن الطلاق بهما في القرآن الكريم ، ومع ذلك لم يجب عليه التوكيل ، مع أنّ التوكيل أيضا عقد.

وكذا الكلام في العجمية ، إلّا أنّ الظاهر أنّها عقد حقيقة ، بل لا شكّ في ذلك فيشملها العمومات ، ولا مخصّص ، ويعضده العمل المستمر في الأعصار

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤٤.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤٤.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤٤.

٧١

والأمصار ، وعدم نصب الشارع من يعلم العربيّة ولا الأمر به ، وإلّا لنقل إلينا ، لعموم البلوى ووفور الدواعي ، والبناء على أنّ جميع العقود العجميّة كانت معاطاة ، ولم يكن في العجم في عصر ولا مصر عقدا لازما إلّا ما كان بالعربيّة أو في خصوص صورة العجز عن تعلّمها لعلّه خلاف الإنصاف ، وورد : « لكلّ قوم نكاح » (١) ، وهذا أيضا مطلق ، وكذا تحكّم أيضا ، فتأمّل جدّا.

قوله : لا دليل عليه واضحا ، إلّا أنّه مشهور .. إلى آخره (٢).

دليلهم أصالة عدم ترتّب الأثر الشرعي ما لم يثبت ، والقدر الثابت من الإجماع والأدلّة ما هو بلفظ الماضي ، وهو حقيقة في الإنشاء للعقد في مقام العقد ، وأمّا غيره فمجاز لم يثبت صحّته ودخوله في العقد وغيره ممّا دلّ على الصحّة ، وفي بعض العمومات لو كان ظهور في الشمول ، إلّا أنّه بملاحظة الإجماع المنقول المذكور في كلام الشارح ، وأنّه ورد في الآية (٣) والأخبار (٤) كون البيع محلّ الشهادة ، ومحلّ الشهادة حسّي يقيني عندهم كما سيجي‌ء ، وأنّه لم يرض الشارح رحمه‌الله بما هو محلّ النزاع ، فإنّ البائع لو أنكر البيع لا يمكن إثباته ، وكذا المشتري الشراء ، مضافا إلى الفرد الشائع المتعارف عند العرب والعجم في جميع العقود ، وهو لفظ الماضي ، فربّما يكون الإطلاق والعموم مبنيّين على المتعارف المعهود.

مضافا إلى ما سنذكره من أنّه لو بقي عموم مثل ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٥) على

__________________

(١) لاحظ! الكافي : ٢ ـ ٣٢٤ الحديث ٥.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤٥.

(٣) البقرة ٢ : ٢٨٢.

(٤) راجع تفسير البرهان : ١ ـ ٢٦٢ و ٢٦٣.

(٥) المائدة ٥ : ١.

٧٢

ما هو مقتضى اللغة ، ولا يقال : برجوعه إلى المعهود يلزم أن يكون الشّارع جوّز أيّ عقد معاملة يتحقّق من أيّ كافر أو مسلم مكلّف في أيّ موضع بأيّ نحو وأيّ اعتبار وأيّ اختراع ، ولا تكون المعاملات بحسب الشرع منحصرة في الطرق المقرّرة المعهودة عند الفقهاء والكتب الفقهيّة ، ولا تكون توقيفيّة ـ موقوفة على الثبوت من الشرع ـ بل يكون الشرع تابعا لاعتبار أيّ معتبر واختراع أيّ مخترع إلّا في المواضع القليلة الّتي ثبت المنع من الشرع ، مثل الربا والصرف قبل القبض وغيرهما.

وأمّا دليل غير المشهور ، فهو العمومات والإطلاقات ، وأنّ المدار في المقامات على الاستناد إليهما والاحتجاج بهما ، وعدم ثبوت الإجماع المنقول لا آحادا ولا تواترا ولا من القرائن ، أو كانوا غافلين عن الإجماع ، أو لا يقولون بحجيّة الإجماع المنقول بخبر الواحد وإن ظهر عليهم ، فتأمّل.

قوله : [ ينبغي أن يكون بلفظ لا يكون سببا ] لتعليق العقد بأن يقول : بعتك [ إن قصرت ثوبي ] .. إلى آخره (١).

لا شكّ في صحّة الثاني ، بل مدار الشروط في العقود الصحيحة عليه حتّى النكاح ، لأنّ المعنى : بعتك بالثمن المعلوم بشرط كون قصارة الثوب حقّا من حقوقي ملكا لي على قياس الثمن المذكور ، فإنّ الشرط جزء العوض كما هو معلوم ومسلّم ، ولعلّ مراده : بشرط فعليّة قصارة ، يعني : تحقّق القصارة ، وفعليّته : بعتك لا الآن ، فلو جعل الثمن كذلك يكون البيع باطلا.

والحاصل ، أنّ البيع هو انتقال الملك والحقّ من كلّ من الطرفين إلى الآخر لا الفعليّة في القبض ، إذ ربّما يكون الملك (٢) لنا لكن بيد الآخر ، وربّما يكون بيدنا

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤٧.

(٢) في د ، ه : ( المال ).

٧٣

وليس مالنا وملكنا ، والبيع هو انتقال الملك والحق حسب ، والقبض والإقباض خارجان عنه بلا شبهة كما عرفت وستعرف ، وكلّ من الإيجاب والقبول مشروط بالآخر معلّق عليه ، ولذا يكون كلّ عقد مشارطة بثبوته من قوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (١) ، والشرط جزء العوض وفاقا من دون فرق بين أن يذكر بصورة الشرط أو بصورة الجزء ، كما سينبّه عليه الشارح.

نعم ، يصحّ اشتراط فعليّة الثمن وإقباضه وكذا بعض الثمن ، وكذا الحال في المبيع ، لكن على هذا يصير الإقباض حقّا من حقوق المشترط ، له إبراء الذمّة عنه والإلزام به ، وبعد العجز : إمضاء البيع بالعقود الإبراء عنه ، وفسخه بعدم الإبراء ، كما ستعرف.

قوله : [ كما هو مقتضى الشرط ] ، فإنّه يقتضي توقّف الصحّة على الشرط (٢) يقتضي ذلك ، فتأمّل .. إلى آخره (٣).

فيه ما فيه ، فإنّه فساد كلّ عقد فيه شرط فعل لكونه معلّقا عليه ، لأنّه إن فعله باعه منه بعد فعله وإلّا فلا ، فعلى هذا فعل أو لم يفعل يكون العقد باطلا ، وإن جعل شرط العتق حقّا من حقوق البائع وبعضا من عوض مبيعه ، فلا شكّ في أنّ البائع له أن يبرئ ذمّة المشتري عن هذا الحق مع تمكّن المشتري من الوفاء به وإرادته وعزمه عليه ، بل له رفع اليد عنه بعد العقد بلا فصل ، والتزام المشتري بالباقي ، ولا يمكن للمشتري أن يقول : وهبت لي بعض حقّك فعقدنا صار باطلا ،

__________________

(١) عوالي اللآلي : ١ ـ ٢١٨ الحديث ٨٤.

(٢) كذا ، وفي المصدر : ( الشرط ، لا اللزوم حتّى يلزم التخيير ، ولعلّ كونه لعدم صورة الشرط وعدم صحّة تعليق البيع على الشرط ).

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٤٩.

٧٤

لأنّ التراضي لم يقع إلّا بكلّ الحق (١) ، فاتّضح ـ غاية الوضوح ـ رجوعه إلى اللزوم وتوقّف اللزوم عليه خاصّة.

في المتعاقدين

قوله : فإنّ ظاهر الآية كون الاختيار قبل البلوغ ، ولئلّا يلزم التأخير في الدفع .. إلى آخره (٢).

كون الابتداء بعنوان مبايعته هو بنفسه مبتدأ ومع ذلك يكون صحيحا محلّ نظر ، وظهور ذلك من الآية فيه ما فيه ، بل لا نسلّم الظهور بالقياس إلى كلّ واحد واحد من القيود ، سيّما وأن يكون بحيث يثبت به أحكاما مخالفة للأصل ، بل والأصول ، إذ الأصل ـ مثلا ـ عدم الصحّة والأصل عدم ثبوتها ، لأنّها حكم شرعي فيتوقّف على دليل شرعي ، والأصل بقاء ما كان على ما كان ، والعمومات الدالّة على عدم جواز الحكم شرعا ما لم يكن برهان شرعي في غاية الكثرة ، بل التهديدات الهائلة في ذلك.

سلّمنا ، لكن يمكن أن يكون الحكم بالصحّة بعد ثبوت الرشد ، لما سيجي‌ء من أنّ معاملة غير الرشيد فاسدة.

قوله : لا يبعد جواز بيعه وشرائه وسائر معاملاته .. إلى آخره (٣).

لا يخفى أنّه ـ مع كونه خلاف ما ورد في النصّ الّذي هو حجّة بلا شبهة كما ستعرف ، بل خلاف نصوص كثيرة ـ قياس لا نقول به ، ومع ذلك مع فارق

__________________

(١) في د ، ه : ( العقد ).

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٥٢.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٥٢.

٧٥

موجود ، لما ستعرف أنّ صحّة البيع والشراء مجمع تكليفات كثيرة لا تحصى ، واجبات ومحرّمات ، مثل : وجوب الإقباض والتقبّض ، وإعطاء الأرش في مواضعه ، وردّ الثمن في مواضعه ، وتحمّل مقدّمات القبض والإقباض ، وإسقاط الخيارات ، وغير ذلك ممّا لا يخفى على المطّلع ، بخلاف الوصيّة ، فإنّها تثمر بعد موت الموصي ، والعتق ، فإنّه من الإيقاعات ومع ذلك من العبادات ، لعدم تحقّقه بغير نيّة القربة ، وتحقّق في محلّه أنّ الصبي مكلّف بالمستحبّات ، وهي صحيحة شرعيّة إذا صدرت منه ، ومع ذلك قهري ، ذلك في أكثر الموارد.

وممّا ذكر ظهر حال الصدقة بالمعروف ، مع أنّها من العقود الجائزة ، ومع ذلك القبض شرط في صحّتها على الأقوى ، أو مثل صحّتها.

وبالجملة ، الفارق كثير ، مضافا إلى أنّ عدم جواز بيعه وشرائه منصوص بالنصّ الّذي لا تأمّل في حجيّته ـ كما ستعرف ـ ولا معارض له ، بخلاف ما ذكره إن ثبت من نصّ يكون حجّة ، ولا شبهة في كونه محلّ تأمّل وشبهة ، كما سيجي‌ء في مواضعه.

قوله : وبالجملة ، ظاهر عموم الآيات والأخبار [ والأصل ] (١).

الاستدلال بعموم الآيات مشكل ، بل لا وجه له ، لأنّ ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) أمر واجب ، وبناء الصحّة على كون الوفاء واجبا والصبي ليس مخاطبا بالخطاب الواجبي إجماعا ونصّا.

وكذا الكلام في قوله تعالى ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً ) ، لأنّه استثناء من قوله ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ ) (٣) ، وأمّا ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٤) فهو أيضا مشكل

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٥٣.

(٢) المائدة ٥ : ١.

(٣) النساء ٤ : ٢٩.

(٤) البقرة ٢ : ٢٧٥.

٧٦

بقرينة السياق ، وهو قوله ( وَحَرَّمَ الرِّبا ) (١) مع أنّ الظاهر من الحلّية أنّها متوجّهة إلى من هو أهل للتحريم عليه وقابل له ، مع أنّه لا يدلّ على اللزوم ، والصحّة فرع اللزوم ، فتأمّل.

مع أنّه مطلق ، والمطلق ينصرف إلى الأفراد الغالبة ، فتأمّل ، إذ يمكن الاستشكال بمثله في الأخبار أيضا ، فلاحظها وتأمّل فيها.

وبالجملة ، البيع من العقود اللازمة بالبديهة ، واعترف به الشارح من أوّل مبحثه إلى آخره ، بل وزاد على الفقهاء في ذلك في مبحث اشتراط الصيغة (٢) ، كما عرفت.

فبعد تحقّقه يكون آثاره لزوميّات وإن كان اشتراط خيار في بعض أوقات لا مطلقا ، لمنافاته للزوم الوفاء بكلّ شرط فيه ، حتّى أنّه يلزم على صاحب الخيار الوفاء به بالنحو الّذي شرطه ولولاه لما أمكنه ، والشرط في ضمن العقد (٣) لا يجب أن يكون من مقولة ذلك العقد وثمراته ، بل لا يكون كاشتراط عقد في عقد آخر.

وبالجملة ، لا خفاء في كون البيع عقدا لازما وثمراته حالا لازميّات ، بل كل من حيث كونها ثمرة نفس البيع ، فاللزوم إن كان تكليفا فالصبيّ غير مكلّف بالبديهة ، مع أنّ المراد من الصبي غير المكلّف ، وإن قهرنا فالتكليف يرجع إلى الولي أو غيره ، وفيه ما فيه ، وستعرف فساده مع عدم دلالة آية أو حديث على القهري.

وإن عاد لا على الصحّة ، فلا يدلّ على الصحّة عليه ، لأنّ العام لا يدلّ على

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٧٥.

(٢) راجع : مجمع الفائدة والبرهان : ١٣٩.

(٣) في د ، ه : ( عقد ).

٧٧

الخاص ، مع أنّه مطلق فينصرف إلى المتعارف ، وهو غير القهري ، فتأمّل جدّا.

قوله : هو الجواز مع التميّز التام وإذن الولي ، لعدم المانع الصريح .. إلى آخره (١).

لا يخفى أنّه لم يدّع أحد أنّه حرام على الصبي ، بل يقولون : إنّ ما فعله لا يثمر شرعا ، وقد عرفت أنّ الأصول تقتضي عدم الإثمار أصلا ، لأنّ الانتقالات في الأملاك واللزومات وغيرها من الثمرات والأحكام أحكام شرعيّة ، كيف تثبت من غير دليل شرعي ، وأصل الإباحة والجواز يقتضي عدم تلك الأحكام لا ثبوتها بالنسبة إلى البالغ فضلا عن الصبي؟! والعمومات الّتي ادّعاها منها مطلقات ، والمطلق يرجع إلى العموم إذا كان حمله على فرد دون فرد ترجيحا من غير مرجّح ، وقطعيّة إرادة البعض مرجّح ـ كما ذكرنا سابقا ـ مع أنّ المطلق ينصرف إلى الأفراد الشائعة ، وهذا أيضا مرجّح آخر ، ومعلوم أنّ الفرد الشائع معاملة البلّغ ، سيّما في بلاد الحجاز.

على أنّه في كلّ واحد واحد من العمومات والمطلقات قرائن ظاهرة في الظهور في البلّغ ، مثل ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) ، و « المؤمنون عند شروطهم » (٣) ، و ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٤) ، و ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) (٥). إلى غير ذلك ، فليلاحظ وليتأمّل.

مع أنّ الصحّة لا تظهر من آية ( أَحَلَّ اللهُ ) ، بل الحلّية ، ومن جهتها يظهر

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٥٣.

(٢) المائدة ٥ : ١.

(٣) عوالي اللآلي : ١ ـ ٢١٨ الحديث ٨٤.

(٤) النساء ٤ : ٢٩.

(٥) البقرة ٢ : ٢٧٥.

٧٨

الصحّة ، والحلّية تستعمل في موضع يتحقّق فيه الحرمة ، فتأمّل.

بل صحّة البيع ربّما تكون متضمّنة للتكليف ، بأن يعطي البائع المبيع ويعطي المشتري الثمن ، وأنّهما لازمان عليهما شرعا ويجبران عليه ، كما سيجي‌ء.

والمحقّقون يقولون بأنّ الأحكام الوضعيّة ترجع إلى التكليفيّة ، كما أنّ التكليفيّة ترجع إلى الوضعيّة بنوع من الاعتبار (١) ، بل أنكر بعضهم وجود الحكم الوضعي وادّعى الانحصار في التكليفي (٢) ، وإرجاع التكليف إلى غير العاقد من وليّ أو حاكم أو المؤمنين حسبة يتوقّف على الثبوت ، سيّما مع كون الأصل براءة ذمّتهم عن هذا التكليف الزائد.

ومن هذا يظهر ضعف آخر في شمول الآيات والأخبار الدالّة على صحّة البيع لبيع الصبي ، كما لا يخفى على المتأمّل.

على أنّه إذا بنى الشارع على أنّ الصحّة من أحكام الوضع لا رجوع فيها إلى الواجبات والمحرّمات أصلا ، وترجع إلى الأولياء ، فلا فرق بين ما إذا صدرت المعاملة من المميّز الرشيد أو غيره ، لاشتراك حكم الوضع بينهما ، فتأمّل.

قوله : ونقلها في « التذكرة » (٣) في مقام الاعتبار حجّة على العامّة .. إلى آخره (٤).

روي في « الغوالي » (٥) عن الكناسي ، عن الباقر عليه‌السلام : « إنّ الغلام إذا زوّجه

__________________

(١) راجع! المحصول في علم الأصول : ١ ـ ٩٢ و ١٠٩ ، المستصفى : ١ ـ ٩٣ ، تمهيد القواعد : ١.

(٢) لاحظ! فرائد الأصول : ٢ ـ ٦٠١.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٧٥.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٥٤ ، وفيه : ( في مقام الاعتبار بالسن ).

(٥) عوالي اللآلي : ٣ ـ ٣١٨ الحديث ١٧٠ ، وذكره أيضا : تهذيب الأحكام : ٧ ـ ٣٨٣ ضمن الحديث ١٥٤٤ ، وسائل الشيعة : ٢٠ ـ ٢٧٨ ضمن الحديث ٢٥٦٢٦.

٧٩

أبوه ولم يدرك ، كان له الخيار إذا أدرك أو بلغ خمسة عشر سنة » (١).

قوله : مع ضعفها بعبد العزيز .. إلى آخره (٢).

لا يخفى أنّ الضعف منجبر بعمل الأصحاب لو لم نقل الإجماع ، وكذا منجبر بالأصول ، والأخبار منها صحيحة ، كما ستعرف في مبحث الحجر ، وتعرف أيضا أنّ المعارض من الأخبار محمول على التقيّة وغير ذلك ، فلاحظ.

قوله : ولو أجازوا (٣) إلّا المكره [ ، فإنّ الاستثناء غير واضح ] .. إلى آخره (٤).

لا يخفى أنّ المكره الّذي استثنوه هو المكره الّذي يستجمع جميع شرائط الصيغة سوى الرضا ، ومن الشرائط القصد قطعا ، ولم يستثنوا القصد جزما ، والشارح أيضا معترف بعدم استثنائه ، فلو لم يكن القصد لم ينفع الإمضاء عندهم قطعا ، وصرّحوا به ، مضافا إلى اعتراف الشارح ، فعدم القصد مانع عن صحّة الإمضاء ، وإن لم يكن مكرها ، فكيف إن يكون مكرها؟! فالكره يزيد على المفسدة عندهم ، لا أنّه يرفع المفسدة.

وبالجملة ، ما ذكرناه في غاية الوضوح من كلامهم ، مضافا إلى تصريح بعضهم بذلك وتنبيههم ، كي لا يغفل غافل غير متأمّل.

فعلى هذا ، إنّه عقد كعقد الفضولي ، بل لعلّه أولى ، لأنّ الممضى هو المباشر للعقد ، وعدم الرضا حين العقد مثل عدم الرضا في الفضولي ، والرضا به بعده يجعله تجارة عن تراض ، إلّا أن يفسخ ، فتأمّل.

__________________

(١) الحاشية ـ من ( قوله : ونقلها في « التذكرة ». إلى : أو بلغ خمسة عشر سنة ) ـ أثبتناها من : د ، ه.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٥٤ والضمير هنا يعود على رواية حمزة بن حمران : وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٣٦٠ الحديث ٢٢٧٥١.

(٣) كذا ، وفي المصدر : ( ولو أجازوا بعد الكمال ).

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ـ ١٥٦.

٨٠